رواية سطور عانقها القلب كاملة جميع الفصول

رواية سطور عانقها القلب للكاتبة سهام صادق هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية سطور عانقها القلب، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.

رواية سطور عانقها القلب كاملة جميع الفصول

رواية سطور عانقها القلب من الفصل الاول للاخير بقلم سهام صادق

العرق يتصبب فوق جبينه وأنفاسه تتعالا وكأنه في سباق ، إنها هنا أمامه يمدَ لها يديه ، يُطالبها ألا ترحل ولكن ، إنه حلم يسرق منه راحته ويعيد الذكريات إليه ..، فتح عينيه ينظر حوله في ظلام الغرفة .. ثم اخذ يلتقط أنفاسه بصعوبة يهتف باسمها مردداً بشوق وحرقة تعتصر فؤاده منذ رحيلها

- مها

وهكذا كان يتكرر حلمه بها ، لم ينساها يوماً بل اصبحت أسيرة أحلامه ..، نهض من فوق فراشه بعدما مسح حبات العرق من فوق جبهته ، واتجه نحو الشرفة المفتوحة ليقف داخلها يزفر أنفاسه ببطء وعيناه تتعلق نحو السماء وقد لمعت النجوم بها ..، وذكري بعيدة تأخذه نحوها , نحو أحدي الليالي التي جمعتهما قبل تلك الحادثة التي انهت بحياتها وحياة جنينهما.

……………

في ظلام تلك الحجرة البسيطة كانت هناك عينين تفتح وتغلق بتنيهدة معبئة بأحلام وردية بعدما فاقت صاحبتهما من حلمها، فهي تعيش وسط ضجيج هالك من المشاعر التي تنتابها كل ليله بعد قراءة أحد كتبه بحالمية وكأنه يسطر كلماته من أجلها فقط ..، كانت تعلم حماقة ما تفعله ،بل وينعتها والديها بالجنون ورغم ذلك لم تتخلي عن أحلامها

تنهدت تلك الغافية جوارها هاتفة بنعاس :

- لسا منمتيش ياصفا ؟

فعادت تنهيدة صفا ، تصحبها زفرة طويلة وعينيها أزدات بريقًا ..، فقد استيقظت من غفوتها للتو علي حلم مازال مرتسم أمام عينيها وكأنه حقيقة

- حلمت بمراد زين يا جنه

صمتت "جنه" للحظات تستوعب ما تخبرها به أبنة خالها بكل حماقة ، غير مصدقة أنها ايقظتها من غفوتها بسبب تقلباتها فوق الفراش ثم تنهيداتها العالية لتخبرها بحلمها السخيف

- يعني قلقتي نومي ، والنوم طار خلاص .. وتقوليلي حلمت بمراد زين

ظلت "صفا" في غفوتها الحالمة ، ولم تنتبه علي نهوض "جنه" من جوارها ثم حملها لدورق الماء وسكبه فوقها ، تعالت شهقات "صفا" وقد انتفضت من فوق الفراش تمسح قطرات الماء من فوق وجهها حانقة

- منك لله فوقتيني من حلمي

- أنا اللي مني لله ، ولا أنتِ يا شهرزاد عصرك

لم تعقب "صفا" علي حديثها ، فالجميع يسخر من أحلامها الحمقاء التي تعلم حقيقتها ونهايتها ما هو إلا واقع ستعيشه ..، أتجهت نحو إضاءة غرفتها , لتشعلها ثم أتجهت صوب مكتبها الصغير ، الذي يضم بعض الروايات والكُتب لكبار الكتّاب وخاصة عاشقها المتيمة به من كلماته "مراد زين"

وكالعادة "صفا" تخلق لحالها عالم ملئ بالأحلام ، وتزداد أحلامها كل فتحت صفحة من كتبها التي أصدرها ، بحثت بين العديد من الكتب علي أخر كتاب قد أصدره منذ اشهرعديدة ، راقبتها "جنة" بعينيها وقد أزداد ضجراً بأفعالها تتوسط خصرها بذراعيها متمتمة بسخرية

- بكرة تتجوزي واحد ميعرفش حاجة عن الكتب ولا الاحلام ، واخرك تذاكري للعيال

رمقتها "صفا" بنظرة مستهزءة ، بعدما وجدت الصفحة التي تبحث عنها لتستشعر الكلمات والأحاسيس فيها ثانية

"الحب كاللعبه الجميله حين نمتلكه ننسي العالم بأكمله وكأنه ساحر يأسرنا اليه ولكن أسره لنا دوما لاذع"

فتعالت ضحكات "جنه" ثم صفقت بيديها ، فعلي ما يبدو أن أبنة خالها قد فقدت عقلها

جنه:

- هايل يافنان ، انا كرهت الرومانسية بسببك وبسبب الكاتب ده ميكونش القيصر

ربنا يعوض عليك ياخالي ، انا قررت ألم هدومي واخد شنطتي واروح بلدنا للحاجه صافية الغالية ... اجازه سوده عليا

لتتجه اليها صفا ضاحكه عندما شعرت أن حماقتها قد أزدادت في الأمر: ليه كده بس ياجنه ، هو الحب حرام

فابتسمت جنه ساخره : لاء ياهابله الحب مش حرام بس اللي انتي عايشه فيه ده وهم .. في حد يحب حد من كلماته بس

فاسرعت "صفا" في احد الأدراج تلتقط صورتها التي خبأتها عن أعين والدتها ،فقد حازت عليها من إحدي المجلات ، فعاشقها مجهول للجميع ولا يحب الظهور ابداً

لتلتقطها منها جنه مازحة : هو ده بقي مراد زين .. لاء تصدقي اموور ياصفا ،عندك حق تحبيه .. ده في عمر خالي ياصفا

وتنهدت جنه بعمق واردفت : صفا بلاش جنانك ده انا كنت فاكره انه مجرد هيام بكاتب لوقت معين لحد ما تلاقي الحب بس أكتشفت انك قفلتي علي قلبك وسيبتي مفتاحه لأوهامك .. اصحي للواقع بقي وشوفي مستقبلك وحياتك

فابتسمت صفا بسعاده وهي تتذكر الجوابات التي ترسلها إليه بريديًا : ياريت يكون شاف رسالتي الاخيره

لتنصدم جنه مما تسمعه : فعلا مجنونه !!

...................................................................

ابتسم بهدوء يدل علي وقاره وهيبته التي تطغي علي عمره التاسع والثلاثون

عامر : الحفله خلصت من زمان يا أستاذ ولا أقولك ياحضرت الكاتب العظيم

فابتسم أحمد وهو يرفع تلك النسخه التي حصل عليها من دار النشر منذ قليل : مش هتقولي مبروووك

فتهكم وجه عامر متأملا سعادة اخيه بذلك العالم الذي دخله رغم ان عالمهم الحقيقي هو الثراء والسلطة وليس الادب الذي ينظر اليه هو بالأخص انه عالم من السخافات وإهدار الوقت

فاقترب منه احمد بموده وحب : ياعامر أنا بحب الكتابة جدا وانت عارف اووي كده ، غير اني قادر ادمج بين عالم المال وعالم الادب

فامتقع وجه عامر أكثر ناهضا من فوق مقعده خلف مكتبه، بعدما أغلق حاسوبه بقوه ,وقد كان يتابع من خلاله البورصه ليهتف بجمود : طالع زي خالك هقول ايه غير مبرووك

فابتسم أحمد متذكراً خاله الذي لم يجد شيئاً ليثبت حبه له ويخلد أسمه سوي أنه يأخذ باسمه اسمًا مستعارا (بمراد زين(

ثم تنهد : ربنا يرحمه

وسار خلف شقيقه متمتماً : ماما نامت صح

فحرك عامر رأسه بالإيجاب وهو يصعد أول درجات الدرج

...................................................................

اغمض عينيه بإرهاق بعد يوماً شاقاً ،وتنهد ببطئ ثم امسك هاتفه ليفتح صفحات التواصل الاجتماعي وهو يري كم تعليقات متابعينه علي كلماته وعباراته البارعه في وصف الاحساس في معظم كتابته ..

ليتأمل احد التعليقات الطريفة فيضحك بقوه وهو يقرء : انا بحبك اووي استاذ مراد ، ده انا من حبي فيك بنده جوزي باسمك وسميت ابني برضوه علي اسمك وقريب اووي هطلق بسببك !

ليقطع ضحكاته اتصالا من صديق عمره والوحيد الذي يعلم بحقيقة مراد زين هو وشقيقه عامر

احمد : خير !

فيضحك رامي بقوه : قولت اسألك للمره الالف نطبع برضوه بالاسم المستعار ولا ننزل بالحقيقه بقي ده هيبقي خبر الموسم يامراد .. ييييه اقصد يا احمد السيوفي يا ابن الحسب والنسب

ليمتقع وجه احمد ساخرا من حديث صديقه : اقفل يارامي وأوعدك ان الربح اللي بتكسبه من نشر رواياتي همنعه عنك واديه لدار نشر تانيه وابقي شوف دار النشر بتاعتك هتكسب ازاي

فيصرخ رامي أسفًا : لا وعلي ايه الطيب احسن يابشمهندس ، فعلا سيوفي سيوفي .. مافيش عندكم رحمه عيله جباره

وينتهي ذلك الحديث الممل بالنسبه له فقد اعتاد عليه من صديقه عندما يتم طباعه اي جديد له

ثم يجذب اخر ابداع له قد خطاه قلمه.. ناظر في صفحاته حتي وصل الي صفحته المنشوده وقرء بعض كلماته

حياة من نحب ليست لعبه بين اصابعنا او عقولنا ، فحين نحب يجب ان نلغي العقل قليلا ونسير بقلوبنا .. فالعقل احيانا كثيره يفكر بالظروف والمنطق والمُفترض والماضي والحاضر والمستقبل .. اما القلب فلا يهتم سوا بأحلامنا ولا يري مستحيلا

..............................................................

فتح عيناه فجأه وهو يتذكر حبيبته التي هجرته منذ زمن بعد ان كرهت جموده وصلابته وحبه في التملك

ليتذكر احد كلماتها له قبل ان تترك البلد بأكملها محاولة نسيان ماضي وزواج فاشل

اميره : انا كرهت تملكك وجمودك ياعامر ، حبي الكبير ليك انت ضيعته بسبب جفاء مشاعرك .. اوعاك تقول انك بتحبني ، وان انا سطحيه ومش عايزه غير كلام الغزل

وصمتت لتترك له عباره ظل صداها يحاوطه : انا وفقت نتجوز في السر واتنزلت عن اكبر حق ليا بس عشان بحبك .. اهم حقوقي اتنزلت بيها عشان الحب وللاسف الحب خذلني .. ابقي افتكر اني اتمنيتك كتير تبقي زوج فعلا ليا زوج مش بنك فلوس بيمتعني بفلوسه وبيه

وتابعت حديثها :

الحب في وجهه نظرك تملك بالفلوس مش بالقلوب

ليفيق من شروده بعد ذلك العذاب الذي يعصف به كل ليله

ونهض من فراشه ليخرج الي شرفة حجرته الواسعه متنهدا بحراره مشتعله في اعماقه .. لم تطفأها الايام ولا حتي ذلك الهواء البارد

...............................................................

تأملت صفا الكتاب القابع بين يديها قليلاً لتقرء اسمه وتتخيل بأن كلماته حقا جميعها اليها فقط ..وأبتسمت وكأنها قد رأته هو وليس كتابه الذي يحمل أسمه

عم محمود :مالك يا صفا ، عجبك الكتاب

لتتأمل صفا ذلك الكتاب قليلا حتي خرج صوتها الحالم بدعابه : نعم وجدا جدا كمان، سعره بقي كام ياعم محمود واوعي تقولي ان حتي الكُتب بقيت اسعارها فوق فوق

فيبتسم "عم محمود" وقد كان رجلاً طيبً ، ثم أخذ يمسح فوق خصلات شعره التي أصابها الشيّب وسط تلك الاغلفه القديمه والحديثه من الكتب

عم محمود : تسعين جنيه!!

فتحدق به "صفا" مصدومة مما تفوه به ، كالطفله البلهاء التي حين يبدء والديها بأن يعلموها أحرف أسمائهم فتنظر إليهم بتعجب حتي تخرج من فمها الصغير بعد مشقه أسمائهم التي لا تنطق منها سوي حرفين وفقط

صفا: نعم قول تاني كده ياعم محمود ، الكتاب بسبعين جنيه ، لا خلاص خذ كتابك ياراجل ياطيب

فهتف العم محمود ضاحكا ، واخذ يرفع من صوته : بقولك بتسعين جنيه يا صفا مش سبعين

صفا : لا انا سمعته سبعين يا عم محمود ، وأنت عارف أنا سمعي عشرة علي عشرة

فعادت ضحكات العم محمود تعلو مجدداً من مشاغبتها ومازحها المحبب : خدي الكتاب من غير فلوس ياصفا هو انا عندي اغلي منك ، بس هما يومين والاقي الكتاب عندي سامعه !!

ارتسمت ابتسامة واسعة علي وجه صفا ، وطالعته بأمتنان هاتفة

- أنا لو عليا أشتريه ، بس أعمل إيه الحكومة عندنا في البيت حالفة لو أشتريت كتاب تاني هتولع في كل اللي عندي

لم يكف "العم محمود" عن الضحك الذي افتقده منذ زمن ، متفهما ما تعانيه من والدتها حملت الكتاب منه ، بعدما أصر علي إعطاءها له ، انصرفت من امامه سريعا ، تشعر بالشوق لتلك اللحظة التي ستختلي بها بهذا الكتاب وكاتبها المفضل ..، انتبهت علي رنين هاتفها ، فانحنت نحو حقيبتها تُخرج الهاتف منها .. لتبهت ملامحها وهي تري أسم والدتها مُفكرة بالحجة التي ستخبرها بها بسبب تأخيرها وعدم شرائها حتي الأن للخضار ومستلزمات البيت:

- يالهووي ديه بطه هتموتني لو عرفت إني لسا مروحتش السوق لا وكمان جيبت كتاب جديد وبقيت زي المتسولة بشحت الكُتب

توقف الهاتف عن الرنين واكملت خطواتها بخطي سريعه نحو السوق حتي تشتري ما دونته لها والدتها ، ولكن فجأة تراجعت للخاف وسقط هاتفها منها تستمع لصوت أحد المارة ينهرها بصوت غاضب

- مش تحسبي يا أنسه

وعندما وقعت عينين الرجل نحو الكتاب الذي تحمله ، تمتم بمقت

- وكمان واحده مثقفة بتاعت كتب

تجاوزها الرجل حانقاً ، وقد اتسعت عينيها ذهولاً من عبارته الاخيرة ..، فاسرعت بالركض خلفه تساله عن مقصده ، فتوقف الرجل مستاءً

- مالهم المثقفين يا استاذ ، أنا مسمحش ليك بالأهانة دية

رمقها الرجل بنظرة قاتلة

- لا ده أنتِ شكلك واحده فاضية موركيش حاجة

ثم هبط الرجل لمستواها... فاشعرها بقصر قامتها هاتفا بتهكم : ابعدي عن طريقي يا شاطرة

وانصرف من أمامها ... ليتركها تتأمل أعين الناظرين لها بغرابه

صفا : لازم اجيب لنفسي التهزئ يعني وتقليل القيمة، استغفر الله العظيم
...........................

عادت "صفا" لمنزلها بملامح متعبة ، مسحت حبات العرق فوق جبهتها بعدما وضعت الأغراض جانباً تهتف باسم والدتها وقد خرجت للتو إليها ، تلتقط الأغراض وتتأكد من جلبها لكل شئ دونته لها

- أول مره تجيبي كل حاجة طلبتها منك ، من غير ما تنسي غرضين

رفعت "صفا" يدها كتحية تؤدي بها التمام لها، وتهتف بنبرة مازحة تشيط والدتها منها

- أوامر السيدة "فاطمة" لازم تنفذ بالحرف ، هو أحنا عندنا كام بطه

واسرعت في الاقتراب منها ، تلثم خدها بقبلة أزادت والدتها حنقاً ، فدفعتها عنها

- بت أنتِ بلاش الشغل بتاعك ده ، أنا واثفة إن ورا الكام كلمة الحلوين حاجة

تراجعت "صفا" للخلف قليلاً ، تحك خدها ، فتركتها السيدة "فاطمة" في وقفتها واتجهت نحو المطبخ لتُكمل طهي طبختها هاتفة

- حصليني علي المطبخ ، وطلبك مرفوض قبل ما تطلبيه يا صفا

…………

أبهرها ذكاءه و وسامته ..، أرادت أثبات حضورها أمامها حتي تلفت نظره ، ولكنه كان كلما ناقشته في شئ يخص العمل ..، يُجيبها ببضعة كلمات منهياً الحديث .. ليتعمق في حديثه أكثر مع والدها

أنتبه "عاصم" نحو تلك النظرات التي اطربت قلبه ، فعلي ما يبدو إنه سيجني صفقة أخري مع السيد "محسن" ، أنتهي الأجتماع أخيراً .. فزفر "احمد" أنفاسه بأرهاق ..، فالعمل علي هذا المشروع يتطلب جهداً كبيراً ، اراد المغادرة بعدما أنصرف الجالسين ولم يبقي إلا السيد "محسن" وابنته "فريدة"

- احمد

هتف بها "عامر" بعدما وجد شقيقه يُغادر الغرفة ..، التف "احمد" إليه بنظرات متسائله..، فابتسم "عامر" وهو يُقدم إليه "فريدة" بطريقة أخري

- بشمهندسه فريدة بنت محسن بيه

لم يكن يحتاج لتوضيح أكثر عن هوية الجالسة ، فاستطرد "عاصم" في توضيحه وإلقاء علي مسمعه مزايا الجالسة

- هتكون معاك في كل خطوة في المشروع ، اتمني تتفقوا علي كل حاجة

ثم اردف مازحاً ، ينظر نحو السيد "محسن"

- أنا ومحسن بيه هنكون مجرد مشرفين علي المشروع ده ، ولا أنت إيه رأيك يا محسن بيه

- طبعا ، طبعا يا عاصم بيه

- أنا متحمسة جداً للمشروع ده

هتفت "فريدة"عبارتها بحماس حقيقي ، فتنحنح "احمد" بعدما شعر بسعي شقيقه وراء شئ يجهله

- لكن أنسه "فريدة" متوقعش هتحب الأشراف علي الشغل في الصحرا

انتقلت عينين "محسن" نحو ابنته ، وقبل أن يهتف "عامر" بشئ .. نهضت هي تسير نحوه بخطوات واثقة

- جربني الأول واحكم يا بشمهندس ، وعلي فكرة أنا بنسي خالص في الشغل إني البنت غنية

لا ينكر إنه راقه حديثها بل أعجبه ، مدّت إليه كفها كي تصافحها ، فابتسم "احمد" والتقط كفها مصافحاً ونظرات كلا من "عاصم" و "محسن" تخترقهما في أمل

……….

مضغت طعامها ببطء ، تُفكر في كيفية إقناع والدتها لحضور حفل زفاف رفيقتها ، لم تكن السيدة "فاطمه" من الأمهات اللاتي يعطون بناتهن السماح بالخروج كثيراً والأختلاط بالناس خشية عليها ، فهي أبنتها الوحيدة ولم تنجب غيرها ..

طالع والدها شرودها ،فابتسم بعدما تناول قطعة الخبز وغمسها بطبقه

- مش عوايدك يا صفا ، تقعدي ساكته وإحنا بناكل

طالعت السيده "فاطمة" زوجها وأبنتها فهتفت مازحه

- سكوتها ده ورا حاجة

لم تمهلهم المزيد من الوقت في التفكير ، بما تفكر به فهتفت علي الفور

- معزومة علي فرح صاحبتي يا ماما ، وأنتِ زي العادة مش هتوافقي

القت عبارتها ، ونهضت عن جلستها ..، حيث يتناولون الطعام ملتفين حول طرابيزة قصيرة الأرجل ، طالع والدها الفراغ الذي خلفته خلفها صغيرة متنهداً

- كفاية حبسة للبنت يا فاطمة ، البنت بقي كل علامها الكتب ..، إحنا كده بنظلمها

- من خوفي عليها يا حاج

هتفت بها السيدة "فاطمة" ، فنهض هو الأخر وهاتفاً

- مسيرها في يوم هتواجه الدنيا لوحدها يا فاطمة ، مش هنعيش ليها طول العمر

……….

وعلي طاولة طعام أخري أكثر فخامة ولكنها تفتقر دفئ الحديث ، كان يتناول "عاصم" وجبته مع شقيقه ..، تنهد "احمد" بضجر وشقيقه لا يكف عن مدح تلك التي تسمي فريدة وقد فرضها عليه شقيقه

- هنفضل طول العشا ، مش بنتكلم غير عن فريدة بنت محسن باشا

ابتسم "عامر" وهو يري حنق شقيقه ، ثم تناول كأس الماء يرتشف منه القليل

- البنت تستاهل المدح ولا أنت رأيك إيه

- هي فعلا هايلة يا عامر، لكن اوعي تحلم بشئ زيادة

القي "احمد" عبارته الأخيرة ، ناهضاً عن مقعده .. ينظر نحو ملامح شقيقه التي تجمدت وكأنه لم يكن ينتظر منه هذا الحديث

………

اختلت بنفسها داخل غرفتها حزينة علي حالها من رفض والدتها الدائم لكل شئ ، مُعلله أن هذا نابع من خوفها عليها ..،تعلقت عيناها بالكتاب الذي أعطاه لها "العم محمود" اليوم ..فأخذها الشوق نحو العالم الذي تجد به روحها ، وفور أن التقطته لم تشعر بحالها إلا وهي تستكين بين ثنايا سطوره وتذيب روحها مع كلماته ، غرقت في عالمها المنفرد تزفر أنفاسها بتنهيدة طويلة ، ثم رفعت عيناها عن صفحات الكتاب ، وتعالت تنهيداتها حانقة من حالها وهي تُحادث نفسها

صفا: جنه طلع معاها حق ، انا شكلي أدمنتك ومش هخف من أدمانك

فاقت من حالتها علي صوت طرقات فوق باب غرفتها ثم دلوفها للغرفة ، وفور أن وقعت عينيها نحو الكتاب الذي تحتضن أبنته هتفت حانقة

فاطمه : يابنتي ياحببتي ، الكتب الي بتشتريها ديه هي اللي لسعتلك دماغك ، اكتر ما أنتي لاسعه قومي معايا أتعلمي كام طبخه صدقيني هتفيدك ، مش عيب علطولك ده لما تكون بنت في سنك ولسا متعلمتش ازاي تطبخ ، ده اللي قدك اتجوزوا وخلفوا

أسترسلت والدتها في محاضرتها اليومية كالعادة ، حتي إنها اصبحت تحفظها:

خضتيني يابطه

فاطمه : بطه في عينك ، انا فعلا معرفتش أربيكي

واردفت السيدة "فاطمة" بعدما جلست فوق الفراش ترثي حالها ببكاء مصطنع :

اه يا أخرة صبرك يافاطمه ، بنتك الوحيده اللي مالكيش غيرها مطلعه عينك وكل عريس يتقدم ليها يا ما تطفشه من خيالها الواسع او هو يطفش لواحده ، قال ايه نفسها في راجل زي ابطال الروايات ..، أجبلها العريس الورق ده منين انا

علقت عينين "صفا" وقد فهمت أن حديث والدتها وندبها تلك اللحظه ، ينبأ بوجود عريس أخر أتي عن طريق أحد المعارف ..، وستستمر أسطوانة والدتها من الزن والندب حتي تُقابل العريس وينتهي الأمر كالعادة بالفشل

: تاني ياماما ، عريس تاني وده من طرف مين المرادي .. انا قولتلك مليون مره انا مش عايزه اتجوز بالطريقه ديه ، غير انك مستعجله ليه علي جوازي انا لسا عايزه أحقق مستقبلي

تجهمت ملامح "فاطمة" وهي تستمع لعبارتها ، فعن أي مستقبل تتحدث به أبنتها ..، ومنذ أن تخرجت من كلية الهندسة "قسم الاتصالات" جلست جوارها خائبة الرجا لا تفعل شئ سوا قراءة الكتب والغوص في الخيال

- مش موافقة اقابل العريس يا ماما ، وبقولها ليكي أه ، عشان متجبيش عريس تاني ومتحرجيش نفسك مع حد

ازداد حنق "فاطمه" ثم نهضت تلتقط ببعض الكتب والروايات التي تتناثر علي درج مكتبها

تهتف ساخره

- : ما اه باين المستقبل يابنت بطني ، عايشالي في الخيال ..، متخلنيش أحلف يا صفا إني احرقهوملك

تمتمت السيدة "فاطمة" عبارتها الأخيرة بوعيد ، ولكن عندما رأت نظرتها الكسيرة ..، تراجعت وتنهدت بتعب ، فابنتها عنيده كحالها في شبابها :

انا وابوكي يابنتي نفسنا نخلص من حملك لراجل يصونك .. خايفين عليكي من الدنيا وانتي ولا ليكي اخ ولا ليكي اخت

وهكذا كان الحديث الذي تكسب فيها السيدة "فاطمة" قلب أبنتها وتعاطفها ، اسرعت "صفا " في الأقتراب منها ، تضمها بقوة خوفًا من الفقد الذي تتحدث عنه والدتها

: بعيد الشر عليكم ياماما ، متقوليش كده ، انا هعمل كل اللي يريحك ولو علي الروايات والقرايه خلاص مش عايزاهم ومن بكره صدقيني هنزل أدور علي شغل .. بس بلاش الجواز اللي بطريقه ديه ياماما

فابتعدت عنها السيدة "فاطمة" تنظراليها بسعادة لرضوخ ابنتها الحبيبة ، ثم أحتضنها بقوة : انا مش عايزاكي تشتغلي ، انا عايزه يبقي ليكي بيت وزوج اطمن عليكي معاه

مالبثت أن انتهت من السيده "فاطمه" من عبارتها حتي تعالا رنين هاتف "صفا"

جنه : انتي طلعتي أرحم من عمتك ياصفا ، عمتك جيبالي عريس وبتقولي لازم اتجوزه ..

طالعت "صفا" نظرات والدتها المحدقه ، ثم تعالا الحنق فوق ملامح وجهها وهي تستمع لضحكات أبنتها وتلك النظرة التي ترمقها بها.

...................................................................

انتهي العرض ،وبكده اكون وضحت ليكم كل حاجه!

فتنفتح الانوار فجأه ، ونظر كل الجالسين ، وقد أخذوا يُطالعوه بعينين منبهرة لما قد عُرض من خطة لبداية فوريه في مشروعهم الذي تم توقيعه وجاء وقت البدء علي ارض الواقع، وقف عامر مصفقاً بحرارة وفخر لشقيقه

عامر :هايل يابشمهندس ، تطلع محنك ، ومخطط هندسي علي أعلي مستوي حتي جدولة الربح والتكلفه ممتازه

ليجلس أحمد بإسترخاء علي مقعده كفرد من أفراد مجلس الأداره ويمد يده بالاوراق التي تخص المشروع

أحمد : أنسه دينا هتوزع علي حضرتكم كل التفاصيل اللي تقدروا تقيموا بيها المشروع

وينتهي أجتماعهم المغلق ،ويغادر الحاضرون قاعة الاجتماعات وهم يتهامسون ، ويبقي أحمد واقفًا يجمع اوراقه ليغادر ايضا

فقترب عامر منه بسعاده : انا النهارده فخور بيك يا احمد ،وتأمل عامر ساعة يده الفاخمه بهدوء

عامر : اوعاك تنسي عشا النهارده ، مع محسن باشا وفريدة ..، وحاول تدي نفسك فرصة وتقرب من فريدة يا احمد وتنسي الماضي

والماضي الذي يتحدث عنه شقيقه ، مهما مرت السنين لن يستطيع تجاوزه ..، لقد خسر محبوبته وزوجته ، خسرها قبل أن يمنحها ما تستحقه. 
ذهبت "صفا" لعرس رفيقتها، وقد سمحت لها والدتها ، لعلها تشعر بالغيرة من رفيقاتها، وتقبل بالعريس الذي سيتقدم له بعد غد، بعدما أتفقت والدتها مع جارتها علي هذا الموعد.

التعمت عيناها بانبهار ، وهي تري سعادة صديقتها ..، وقد رفرف قلبها بمشاعر التوق لتصبح يوماً عروساً ، بل إنها تخيلت هذا اليوم ..، فادركت تلك اللحظة إنها بالفعل لا تنتظر رجلاً لن يمت بالواقع بصلة , ولا ذلك الكاتب الذي تعشقة دون سبب ، ولكن كل ما تتمناه أن تجد ما يُحرك قلبها ويدق من أجله ، وستنسي كل عالم الخيال وستعيش معه الواقع.

سافرت بخيالها نحو قصة حب صنعتها في عقلها ، وكالعادة الأحلام تأخذها لأعلي , لتأتي لحظة الإفاقة وتهبط علي سطح الأرض ولكن تلك المرة هبطت مفزوعة تشهق بذهول ، وهي تري أحد الصغار يسكب عليها كأس المياة الغازية بعدما تعثرت قدمه بأحد أسلاك الإضاءة و والدته تركض خلفه ، وتصرخ باسمه

- أنا اسفه جدا

هتفت المرأة عبارتها ، ثم التقطت ذراع صغيرها تسحبه معنفة له ، دون قول أخر لها بعد أتسعت البقعة فوق فستانها

- بدل ما أرجع لبطة بعريس زي ما بتتمني ، هرجع ليها بالبقعة ديه

تمتمت عبارتها مستاءة ، وهي تنهض عن مقعدها تنظر نحو البقعة التي لطخت ثوبها ، ثم ودعت رفيقاتها من أيام الجامعة .

……………… …………………

ووسط مجموعة ممن يُماثلوه عمراً ومكانة ، كان يجلس "عامر" ضجراً من تلك السهرة التي لا تروق له ولكن يأتيها أحياناً حتي يرفه عن نفسه ويخرج من زي رجل الأعمال.

كانت هذه السهرة تضم الأصدقاء للترفيه بعيداً عن زوجاتهم .., نساء تحاوطهم حتي يتمتعن بلمسات ومداعبات وضحكات ليس إلا ..، داعبت إحدي النساء عنقه ، وقد كان يجلس بهيبته المعتاده, يحتسي مشروبه الخالي من الكحول, و يرمق بعض الأصدقاء ساخراً ، من سيل لعابه وهو يُلامس بكفه ظهر تلك الفتاه العاري ، وينظر لما اسفل عنقها

- والباشا هيفضل بعيد عننا كتير

هتفت احداهن عبارتها ، فالتفت نحوها ، بعدما دفع يدها بعيداً عنه متمتماً

- الباشا مستغني عن خدماتك

أزدادت لوعة ورغبة وهي تري تمنعه ، فجلست جواره تفرض وجودها

- ليه كده بس يا باشا ؟

رمقها "عامر" حانقاً ، وحاول النهوض حتي يرحل بعدما ازداد ضجره منها ، ولكن وجدها تلتقط كفه ، وتسبل أهدابها راجيه

- خلاص يا باشا هبعد عنك ، مدام وجودي ضايقك

كانت تظن أنها بنبرتها المستكينة ، الناعمة ستستطيع جذبه ..، ولكنها لم تكن تعلم أنها أمام أشد الرجال صلابة خاصة إذا رأي نظرات الوداعة من النساء

أطال النظر إليها ، وقد ظنت إنها استطاعت جذبه وتحريك غريزته ، ولكن الصدمة اعتلت ملامحها وهي تراه يخرج حفنة نقود من جزدانه ويلقيهم نحوها.

………… …………….

هل اليوم سيأتي ذلك العريس التي جلبته احدي جارتها ، تنهدت "صفا" حانقة ، وقد أنهت كل ما أمرت به والدتها ، ثم تنهدت بخيبة امل من استسلامها لمقابلة ذلك العريس المرحب به من قبل والدتها ووالدها ... وانفردت بغرفتها أخيراً ، ثم امسكت بأحد اقلامها لتلون احد كلماته وقد سطرها في كتابه

لو كانت النجوم قريبه منا , نمسكها بيدينا، ما احس أحداً بصعوبه نيل بعض الاشياء ،ولو كان القمر ظاهراً لأعينا بشكله المعتم ما وصف به المحب حبيبته ،فجمال الاشياء ببعدها وجهلها !

افاقت من شرودها علي صوت هتاف والدها بها، فاغلقت الكتاب وخرجت سريعاً من غرفتها تعانقه كعادتها حينما تضجر او تحزن من شئ

حسن : اوعي تزعلي مننا ياصفا ، انا عارف انك مش موافقه علي العريس ونفسك تتجوزي الانسان اللي رسماه في خيالك بس ياحببتي عمر الواقع مابقي خيال ولا خيال بقي واقع

فابتعدت "صفا" عن والدها تلتقط كفيه, تقبلهما

- حببتي أيدي فيها شحم

فتمسحت به "صفا" مازحه

- ده أحنا نبوس الأيادي والرجلين ..، والعفريته كمان يا أسطي حسن

كان "حسن" يعمل مصلح للسيارات ..، ابتسم الأسطي "حسن" وهو يجد صغيرته التي ستظل دوما هكذا أمام عينيه مهما كبرت

- قولي بقي صلحت كام عربية ، ولا أنزل أنا بدالك الورشة وأوريك مواهبي

ضحك والدها بملئ شدقيه ، يدفعها فوق رأسها برفق

- الأسطي حسن عايز يشوفك متهنية في بيتك مع راجل ابن حلال يصونك

حكت "صفا" رأسه ، فعلي ما يبدو أن لا مفر من مقابلتها لهذا العريس

- كده هتبعني ياعم حسن وتسمع كلام بطه وتعيش جو الدراما زيها ، بس اعمل حسابك لو معجبنيش زي اللي فات هنطفشه سوا

ليحتضنها والدها ضاحكاً : علم وينفذ

ثم اردف بحنان وقد لمعت الدموع بعينيه ، ثم اسرع في اخفائها

- افضلي اضحكي علطول يابنتي فاهمه !

فابتعدت عن حضن والدها ، تنظر إليه بشك

- أنا دمعتي قريبة يا حاج ، بلاش دراما ..، لا إحنا لازم نغير بطوط ونشوف ست غيرها

صفا

هتفت والدتها باسمها بعدما التقطت أذنيها حديثها الأخير ، فاركضت من أمام والدها الذي أنفرجت شفتيه في ضحكة قوية وهو يري طفولة أبنته ومشاغبتها مع والدتها ، التي لطمت كفيها ببعضهما متحسرة علي عقلها الضائع

فاطمه : يابنت المجنونه ، حظه منيل اللي هيتجوزك يا بنت بطني

فعادت ضحكات "حسن" تتعالا مجدداً ، لتشاركه "فاطمة" الضحك ..، متمنية من الله أن يطيل عمرها حتي تراها عروساً.

................................. ..................................

كان من ينظر اليها لا يظن بأن تلك السيدة الحسناء ، ذو الملامح الجميلة.. في العقد السادس من عمرها ، فبرغم مرور الزمن ظل جمالها مرسوماً فوق تقسيمات وجهها ، وكأن الجمال رافض ان يتخلي عن صاحبته

تسير بعكازها الذي يساعدها علي الحركة نحو شرفتها، تسأل خادمتها للمره التي لا تعد عن شكل حديقة قصرهم الفخم

ناهد : اوصفيلي الجنينه يا حنان

فتبتسم تلك الخادمه المخلصه لسيدتها التي لا تُبصر

حنان : ماهو نفس وصف امبارح يا هانم ، اوصفهولك تاني

فتتشنج عضلات وجه سيدتها ، وقد غامت عيناها بالحزن ..، تتذكر سنوات عمرها الماضيه

ف "ناهد" الجميلة التي كانت يوماً أمرأه يتهاتف عليها الرجال ..، اصبحت منذ سنوات ضريرة وحيدة ومنعزلة بل منبوذه من أبنها البكر

ناهد بضيق : روحي شوفي شغلك ياحنان

أنصرفت "حنان" نحو عملها بعدما جاء السيد الصغير يرمقها بنظرة امره ، حتي تترك الغرفة ، تقدم "احمد" منها بخطوات هادئه ونظرات حزينة علي والدته المنعزلة عنهم دوما في غرفتها

شعرت به ، فالتفت ناحيته تمدّ يديها إليه هاتفه باسمه: أنت هنا يا احمد

احمد : مالك ياماما بقيتي عصبيه كده ليه

تحرك احمد إليه ، يلتقط كفها ..، يساعدها في خطواتها نحو فراشها بتمهل ورفق

ناهد : ذنبها ايه حنان اشخط فيها ، كفايه هي اللي متحملاني ومستحمله ست كفيفه

فجاورها احمد فوق الفراش ، يُعانق كفيها بين كفيه ، ثم يلثمهما , يهتف بحنان : ياست الكل يعني تزعلي عيونك الزُرق الحلوين دول عشان خاطر زعقتي في حنان وقولتيلها روحي شوفي شغلك

لا لا فين ناهد هانم بشدتها وصحتها

فابتسمت "ناهد" بحنين ، متذكره حياتها مُنذ خمسة اعوام وما عصف بها

ناهد : الزمن لازم يسيب اثره يابني ، ولا الصحه بتدوم ولا المال بيدوم .. بس مين يفهم

تأملها "احمد" طويلا، يبحث عن والدته القديمة وتلك الصورة التي عاشا هو وشقيقه علي كرهها بعدما هجرت والدهما ، فوالدهم لم يكف يوماً عن رسمها لهم بصورة بشعة ..، حتي تشرب منه "عامر" حقده علي والدته ، يعلم إنها اخطأت وركضت خلف المظاهر وتركت والده في محنته ولكنها في النهاية ستظل والدته.. وقد نال الزمن منها ، فكيف يكون قاسي عليها كما يفعل شقيقه دون رحمه ؟

ناهد : هيفضل لحد امتى اخوك زعلان مني يا احمد ؟

فتنهد احمد بأسي ، ينظر طويلا إليها دون جواب ..، فبماذا سيخبرها ، فعامر قد تشرب القسوة والحقد من والدهم ومن عثرات الزمن.

...................... ..........................

اعترضت وثارت ولكن والدتها لم تكن تري ما تفعله إلا دلعً وقد افسدتها دلالاً ، هكذا اخبرتها والدتها بصوت غاضب ..، بعدما غادر العريس ودلفت إلي غرفتها حانقة

- سيبي البنت براحتها يا فاطمة

تهاوت السيدة "فاطمه" بجسدها الممتلئ قليلاً فوق الأريكة ..، تلطم فخذيها كعادتها حانقة

- دلعك ليها يا حسن هو اللي عمل فيها كده

طالعها "حسن"،فارتسم الحزن فوق ملامحها ..، ترفع عيناها إليه

- عايزه اطمن عليها يا حسن

- تاني يافاطمه ، يا فاطمه الأعمار بيدي الله ..

واقترب منها يُجاورها ، ثم أمسك كفيها يضمهما بحنو

- أفرض أتجوزت واتطلقت ..، هننفعها ب إيه بعد كده ..، هنقولها كنا خايفين نسيبك لوحدك في الدنيا ..، ربك مبينساش عباده يا فاطمة

أنسابت الدموع فوق خدي "فاطمه" ، هي أمرأة مؤمنة ومقتنعة بحديث زوجها ولكنها تخاف علي أبنتها بقلب أم لا تُريد سوي رؤيتها مع زوج يحميها ويصونها

- خليها تدي العريس فرصه ، ولو مرتحتش بعد كده مش هتكلم تاني يا حسن

………………………

دلف "احمد" المطعم حانقاً من إصرار شقيقه علي تلبية الدعوة التي أعتذر منها هو ..، وهو من يجب عليه الذهاب من اجل صورته أمام السيد محسن ..، تمتم داخله وهو لا يتمني أن لا تكون حيلة من شقيقه ..، أرشده النادل نحو الطاولة التي تم حجزها ..، فاقترب من الطاوله بملامح جامدة بعدما لم يجد عليها سوي "فريده" ابنة السيد محسن جالسها فوق المقعد وظهرها إليه

اقترب بخطوات هادئه ، يزفر أنفاسه بضيق ..، فمتي سيبتعد "عامر" عنه ويكف عن اختيار العروس المناسبة له

- مساء الخير

ابتسمت "فريده" عند سماع صوته ، والتفت إليه ثم نهضت عن مقعدها تمدّ له كفها ،وبلباقة كان يُجيدها ..،تاركاً حنقه جانباً

- اسف علي التأخير

- متعتذرش يا بشمهندس ، أنا اللي جايه بدري عن ميعادي

جلس قبالتها مُتجاوزاً حديثها ..، متسائلاً

- نطلب الأكل

شعرت "فريده" بالحرج من معاملته الجافة ..، وحاولت أن تتخطي الأمر ..، فما تعلمه عنه يؤكد لها بأن شخصيته هكذا وليست وحدها من يخصها بتلك المعاملة

- اوك

شرعوا في تناول وجبتهم ، ومهما حاولت الحديث عن أي موضوع ..، كان يُجيبها ببضعة كلمات

- تعرف أني معجبة بشخصيتك جدا يا بشمهندس

رفع عيناه إليه ، بعدما مضغ الطعام وارتشف من كأس الماء بضعة قطرات

- أنا عارفه إنك ممكن تقرل عليا جريئة ، بس أنا أتعودت علي الصراحه

أبتسم مجاملة لها ، فابتسمت هي الاخري

- أتمني أتعلم من خبرتك في السوق يا بشمهندس ، وتنسي أنا بنت مين ..، زي ما أنت كمان بتنسي في الشغل اسم عيله السيوفي

ولثاني مرة كان يُعجب بحنكتها في الحديث ، أتسعت أبتسامته وقد ظنت إنها وصلت لبداية الطريق ولكنها كانت بعيده تماماً عن هذا

- وأنا سعيد بكلامك ده يا بشمهندسه ، لأني معنديش مجاملة في الشغل

مر الوقت وفريدة بذكاءها ولباقتها ..، استطاعت أن تجد حديثًا تتجاذب به معه ولم يكن الحديث إلا عن عمالقة الكتاب سواء شرقي او غربي

ضحكت وهي تري نفسها أصبحت جاهلة بمعلوماتها الضئيلة عن الأدب ..، رغم إنها اظهرت إليه في البداية مدي شغفها

- أنا مقدرش أوصل ليك يا بشمهندس ، أنت ماشاء الله موسوعه

ابتسم "احمد" علي اطراءها ، دون أن يُخبرها بهويته المستعارة

- معلوماتك مش ضئيلة ولا حاجة

- اعتبر أني فيا أمل

واسبلت أهدابها إليه في رقه ، فارتشف قهوته بعدما شعر أن الأمر سيأخذهم لبداية لا يُريدها

انتهي اللقاء وقد حاولت "فريدة" بشده استمالة قلب "احمد".

…………… ………..

ابتسم "عامر" بعدما طالت سهرة شقيقه ، رمق ساعته قبل أن يصعد الدرج ولكن توقف مكانه وهو يستمع لصوت شقيقه الساخر

- مش معقول عامر باشا مستنيني بنفسه ..، ولا مستني تعرف نجاح خطتك

تجهمت ملامح "عامر" ، فاقترب منه "احمد"

- عيب يا باشا تلعب معايا كده ..

- العب معاك

تمتم بها "عامر" حانقاً ، فتنهد "احمد" ضجراً

- كفايه يا عامر ، ارجوك كفايه ..قولتلك اني هفضل عايش علي ذكري مها ، أنت ليه مش عايز تفهم

- انت بتعلي صوتك عليا احمد

تنهد "احمد" بأسف ، يرمق شقيقه

- أنت عارف مكانتك كويس عندي يا عامر

وقبل أن يتجه نحو غرفته ، وقف علي احدي درجات الدرج

- سيبني دافن نفسي في العالم بتاعي يا عامر ..، زي ما أنت دافن نفسك في الماضي ومازلت بتحمل أمك ذنب دفعت تمنه

تجمدت ملامح "عامر"، بعدما علقت عيناه بشقيقه .. وبعدما كان جسده يستجدي الراحه ..، عاد عقله للماضي الذي لم ينساه رغماً عنه.

................................. .............................

دلفت عمتها غرفتها بعدما علمت بعودتها من ذلك اللقاء ..، استمعت لاسمه وهي تري أبنة شقيقها تُحادث إحدي صديقاتها عنه ..، اسرعت "فريدة" في إنهاء محادثتها بعدما رأت عمتها تجلس جوارها وعلي شفتيها أبتسامة سعيدة

- مش معقول كريمة هانم في اوضتي

دفعتها عمتها برفق ، قبل أن تندفع لأحضانها

- حبيبت عمتها ،اللي بقت تخبي حاجات كتير عنها

ابتعدت عنها "فريدة" تطرق رأسها ، فابتسمت "كريمة" متسائله

- قوليلي عرفتيه أزاي ،وابن مين ، وأمتي هيجي يتقدم ل بابا

- يتقدم مرة واحدة يا كريمة هانم

هتفت بها "فريدة" وهي تضحك ..، فطريقها مع "احمد السيوفي" ، مازال طويلاً

- كل ديه اسئلة يا عمتو

- والأسئلة لازم يكون ليها إجابة

تمتمت السيدة "كريمة" بحب حقيقي لأبنه شقيقها التي ربتها، بعدما تركتها والدتها بعد أنفصالها عن شقيقه

- ده اخو عامر السيوفي شريك بابا لو تسمعي عنه

ضيقت "كريمة" عينيها تُحاول تذكر الاسم ..، فلمعت عيناها بصدمه وهي تتذكر نية شقيقه في تقريب أبنته من "عامر" وليس شقيقه

- أنتي عارفه إن بابا كان عايز يقربك من عامر مش من احمد

لم تنصدم ملامح "فريدة" ، فهي كانت تعلم بنية والدها ولكنه في النهاية رضخ لقرارها

- بس أنا اعجبت ب أحمد يا عتمو ، وبابا تفهم الموضوع

ارتاحت عمتها عندما استمعت لقرارها

- كنت خايفه ل محسن يعرف يقنعك ، إن عامر هو السلطة وتدفني نفسك مع راجل فرق السن بينك وبينه كبير وفي النهاية مش هتحصدي غير الخسارة زي ..، وكل ده عشان الفلوس

دمعت عينين "كريمة" عندما تذكرت الماضي وبزيجتها الفاشلة التي لم تثمر إلا بضياع سنوات من عمرها ، اسرعت فريدة في ضمها تشعر بالحزن علي حال عمتها

- أنسي يا عمتو

تمالكت "كريمة" دموعها ، تنظر لأبنة شقيقه بحب

- خليكي ديما قوية يا فريدة ، اوعي في يوم حد يتحكم فيكي

وفريدة كانت لا تحتاج لنصيحة عمتها ، هي أبنة محسن الصواف ، ورثت طباعه و وحيدته التي يتنازل من أجلها عن أي شئ

- احكيلي بقي عن احمد ده

تراجعت "فريدة" للخلف ، تستند بظهرها فوق وسادتها وتعبث بخصلاتها بحالمية متمتمه

- تقيل أوي ، ومثقف اوي .. وجميل أوي

التمعت عينين "كريمة" وهي تستمع لوصفها

- أنا عرفت دلوقتي ليه عجبك ...

ثم هتفت بنبرة صوتها تُقلدها

- عشان تقيل أوي مش كده

اسرعت "فريدة" في الاعتدال من رقدتها ..، تُطالع عمتها بعدما تذكرت تلك القصة التي علمتها عنه وعن حبه القديم بفتاة ليست معروفة في وسطهم

- كان بيحب بنت زمان يا عمتو ، سمعت إنها ماتت ومن ساعتها قافل علي نفسها

طالعتها "كريمة" قليلاً ، تنظر إليه

- والمفروض أنتي دلوقتي تعرفي كل حاجة عن البنت ديه مش كده يا فريدة

- محتاج أعرف ليه حبها ومن ساعتها قافل علي نفسه

- بلاش يا فريدة تفتحي الدفاتر المتقفلة

……………………….

كانت زغاريط والدتها تعم المنزل ، والفرحه لا تسع عينيها

فتهتف فاطمه بسعاده : مبرووك ياحببتي ، يااا يا بنتي متعرفيش سعادتي أد إيه النهارده وإحنا نازلين نجيب الشبكة

صفا : مش مرتاحه يا ماما ، ارجوكي بلاش

زفرت "فاطمة" أنفاسها حانقة ، من حال أبنتها المتقلب

- عريس ، تتمناه أي بنت .. محاسب في مكان ليه وضعه وعنده شقيته وعربيته ..، تقوليلي مش مرتاحه

- هو الجواز شقة وعربية يا ماما

هتفت بها "صفا" وقد عاد الحزن يرتسم فوق ملامحها ..،فمهما حاولت أن تشعر بالسعادة والتأقلم كباقي الفتيات كما أخبرتها والدتها ..، كانت تشعر بالسوء

احتضنتها "فاطمه" بحنان حتي لا تضغط عليها أكثر

- لا طبعا يابنتي ، اهم حاجه عندي راحتك وسعادتك

حاولت صفا أن تجد لها مخرجاً ، رغم أستحاله الأمر :

- طيب خلينا نتعرف الأول قبل ما نجيب الشبكه ..، مش يمكن ميطلعش في بينا توافق في الفكر

ابتعدت عنها السيده "فاطمه" وقد علمت أن ابنتها لن يجدي نفعاً معها الحديث برفق

- توافق في إيه ..، في الفكر يا بنت بطني ..، قومي ألبسي طرحتك خلينا ننزل نقابل أم العريس

وقد تم ما أرادته "فاطمه" بالفعل .. ، هبطه من البناية التي يقطنون بها ..، فوجدت والدها يمسح يديه من شحم السيارات واقترب منها هامساً

- هوديها المرادي عشان خاطري يا صفا

- والمره اللي جاية

تسألت بهمس كهمس والدها، وقد وقفت والدتها جانباً ، في ضجر تنظر إليهم بشك

- هتجيبلها أنتي العريس ونرتاح

ضحكت رغم عنها ، اً وقد تبدلت ملامحها من العبوس وهي تستمع لمزاح والدها

- هموت واعرف بتتكلموا في إيه من ورايا

فابتعد "حسن" عن أبنته واقترب من زوجته الضجرة ، التي وقفت تنتظر جارتهم قبل أن يلتقوا بوالدة العريس لأنتقاء الشبكة

- بقولها أنك بتصغري وتحلوي يا بطه

............................ ....................................

دلف مكتبه بعدما أخبرته سكرتيرته بوجودها ، نهضت عندما انتبهت عليه وتركت الأوراق جانباً هاتفه

- عدلت المخططات المطلوبه مني

مدّت له الأوراق بعملية أعجبته ، فقد ظن وجودها اليوم في الشركة ما هو إلا تكملة خطوات قربها منه ..، أدهشته بارعتها فابتسم وهو يمدحها

- هايل يا فريدة

اتسعت أبتسامة "فريدة" وتستمع لمديحه ، غير مصدقه أنه جاء اليوم الذي اغرمت برجلاً ، واصبحت بضعة كلمات منه تُسعدها

- مافيش أي تعليق هتضيفه يا بشمهندس

أماء برأسه وهو يُطالع الأوراق دون النظر إليها ، مشيراً نحو جزءً بسيطً

- بس ممكن أعرف وجهت نظرك في الجزئية ديه من التخطيط

رفع عيناه نحوها ينتظر جوابها ، فتقدمت منه بسعاده ..، تنظر نحو ما يُشير إليه ..، ثم مالت قليلاً بعدما جمعت خصلاتها تنظر بتدقيق نحو ما يُريد سماع وجهة نظرها به .

اجابته عن أستفساره بدقة ومهارة ، فلم يجد ما يُضيفه ..، كانت هائمة في رائحته رغم إنها تمالكت حالها ووقفت ثابتة خلفه حتي تنال تقديره ..، ولكنها في النهاية لم تعد تحتمل تلك الرائحة التي عبأت رئتيها بعد زفرات متتالية ..،

وعلي حينا غرة ، دون أن تشعر به بعدما وضع الملف جانباً والتف نحوها حتي يعرف سبب صمتها ..، فوجدها مغمضة العينين .. فتجمدت ملامحه ونهض عن مقعده ، فانتفضت في ذعر

- أنسة فريدة

وقبل أن يُجرحها بكلمات رأتها في عينيه ، التقطت الأوراق واسرعت في لملمت شتاتها متمتمه بأعتذار

- أسفه يا بشمهندس ، سرحت شويه ..،بسبب الأرهاق

واردفت مُعللة

- فضلت طول الليل بعمل التعديلات ، فتقريباً محتاجة فنجان قهوة يعيدلي تركيزي

لم يعقب علي حديثها ، فاسرعت بخطواتها منصرفه , ولكنها توقفت في مكانها وهي تستمع لعرضه

- هطلب فنجانين قهوة لينا

التفت إليه ببطء ، فتساءل بملامح مسترخية

- قهوتك إيه

وبابتسامة واسعة ، كانت تخبره

- مظبوطه

……………… …………………

ضاقت أنفاس "صفا" ذرعاً وهي تري تصرفات والدة ذلك الذي وسمته والدتها بخطيبها .، زجرتها والدتها بعينيها ..، حتي تنظر لذلك الخاتم الذي انتاقته

- إيه رأيك يا صفا

ثم نظرة لخطيب أبنتها متسائله

- وانت يا طارق يا حبيبي ، إيه رأيك

تمتم الأخر وهو ينظر في هاتفه

- قوليلهم رأيك يا ماما

تجهمت ملامح السيدة "فاطمة" ، غير مصدقة أن الذي يقف أمامها الأن ..، نفس الشاب المؤدب الخجول الذي يفهم بالذوق كما نعتته

- وريني كده يا ست فاطمة

التقطت السيدة "إحسان" والدة العريس الخاتم ، تُقدره بكفها متمتمه بضجر

- ده تقيل أوي ، خلينا نختار حاجة أخف

ولم تنتظر سماع جوابهم ، واخذت تبحث عما تُريده ..أنتقت ما هو أخف ، والسيدة "فاطمه "وجارتها السيدة "جليلة" ينظرون لبعضهم في صمت ..، تنهدت "صفا" بضيق تجذب ذراع والدتها

- يلا يا ماما ، كفاية قلت قيمة لحد دلوقتي

- صحيح يا ست فاطمه ، هو الاسطي حسن هيهدي بنته إيه .. إحنا العيلة كلها عندنا لازم الأب يشتري لبنته طقم شبكة هدية

لم تتحمل "صفا" المزيد من صفاقة هذه السيدة وتقليلها من شأن أهلها ، فاقتربت منها ترمقها بنفس النظرة التي وقفت ترمق بها والدتها

- لا إحنا مبنجيبش هدايا دهب ،يا طنط

طالعتها السيدة "إحسان" ، تنظر نحو السيدة "جليلة" التي تمتمت بخجل لجارتها

- أنتي بتقولي إيه يا ست إحسان ، ديه صفا زينة بنات الحارة وبشمهندسه أد الدنيا ..، اخص عليكي

ونظرت نحو العريس الذي يقف بينهم وكأن وجوده لا شئ ، يمسك هاتفه بأهتمام وكأنه ينتظر خبر ما

- ما تقول حاجة يا عريس

- بتقولوا إيه ياجماعة

لم تشعر "صفا" بحالها إلا وهي تتعارك معهم ..، والسيدة "فاطمه" تصيح بأبنتها أن تتوقف ، وصاحب محل الصاغة أخذ ينظر الي أشياءه الثمينه بخوف ويهددهم بجلب الشرطة إذا لم يتوقفوا والسيدة "جليلة" تُحاول فك العراك بينهم ثم سقوطها أرضاً بعد دفعتها السيدة "إحسان" ..،

وفجأة عمّ السكون المكان ..، وصوت سرينة الشرطة تصدح بالأرجاء
طالعت السيدة "فاطمة" زوجها مُطرقة الرأس غير مصدقه كل ما حدث ، نظرت إلي أبنتها التي وقفت حانقه تُهندم من حجابها وتتأفف بضيق وكأنها ليست هي السبب في إندلاع المشكله

- متزعلش يا حسن مني ، مكنتش أعرف والله يا أخويا إن مجايب جليلة كده

- ياريت نتعلم من اللي حصل يا فاطمة ، شوفتي اخرتها أجيبكم من القسم

تنهدت بضيق وعادت عيناها نحو أبنتها التي لا تعبأ بالأمر وكأنها قد ذهبت في نزهة ، التف "حسن" نحو أبنتها يحثها علي التحرك متمتماً

- يلا يا صفا يا بنتي ، خلينا نبعد عن هنا

فتحركت "صفا" أمامهم بعدما رمقتها والدتها بتوعد ، فابتسمت وهي ترفع كتفيها عالياً ، وسارت بخيلاء تتباهي في خطواتها غير عابئة بنظرات والدتها المتوعدة

- عندك حق يا بابا

عادوا للمنزل بعد يوم لا يُصدق ..، فجلست "فاطمه" علي اقرب مقعد .. تُدلك ساقيها بعدما ازالت حجابها

- عايزه حاجة يا ماما ، انا داخله اوضتي

- هعوز منك إيه يا جلابة المصايب ، يا حرقة دمي

أرتفع حاجبي "صفا" في تعجب وهي تستمع لكلمات والدتها ، فقد بدء اليوم بمغامرة وسينتهي بعويل والدتها عن حظها ، فهمست بكلمات ..زادت والدتها حنقاً

- سيبتني معاها لوحدي ليه بس يا حسن

- فاكراني مش هسمعك ، ماشي يا بنت حسن .. ، عقابك النهاردة تنضفي المطبخ وانتي أكتر حاجة في حياتك بتكرهيها هو التنضيف

اتسعت عينين "صفا" ذهولاً ، وسرعان ما تحول ذهولها لضحكات جعلت والدتها تخلع حذائها وتقذفه نحوها

- بتعاقبيني يا بطه ، بدل ما تكوني فخورة بيا

تجهم وجه "فاطمه" وهي تستمع لضحكاتها التي لا تتوقف ، وكأنها لم تفعل شئ منذ ساعات قليلة

- فخوره بيكي يا بنت بطني!، ده أنتي دخلتي أمك القسم علي أخر الزمن

وبزهو رفعت "صفا" حاجبيها ، تشير نحو حالها في فخر

- وماله لما ندخل القسم شويه بعد ما نجيب حقنا ، ده حتي الضابط أعجب بلي عملته ..، لما فهم مني الحكاية

- وأنتي الصادقه يا بنت بطني ، الراجل كان مذهول من اللي بيسمعه

أشتاطت "فاطمه" غضباً من حديث أبنتها وقد كان نصيب فردة حذائها الأخر كحال ما سبقه ، القته عليها ..ولكن تلك المرة أستطاعت أن تتفاده بمهارة وقفزه عاليه

- معرفتيش تنشلي المرادي يا بطوط يا عسل أنت

واسرعت في الاقتراب منها ، تمسك كفيها تقبلهما بحب

- مستحملتش أشوفهم بيقلوا منك ومن بابا ..، أنا قولتلك من الأول مش مرتاحة وإنه قليل الذوق لكن أنتي مصدقتيش

هدأت "فاطمه" وفي داخلها حمدت الله ، ولكنها كانت حزينه ..، فلا شئ تتمناه بحياتها سوي أن تري أبنتها عروساً

انهالت "صفا" علي والدتها بالقبلات ،التي تضحك بها عليها ، في كل مرة تُغضبها

- شوفتي عرفت اصالحك أزاي

واردفت بعدما نهضت من جوارها

- هروح اتصل ب جنه واحكلها عن اللقاء التاريخي

- أحكيلها عن خيبتك

وصفا لا تتوقف عن إلقاء عباراتها ، التي تزيد حنق والدتها

- خيبتي كبيرة أوي يا ماما

وركضت مهرولة نحو غرفتها ، بعدما وجدت والدتها تبحث عن شيئاً أخر تقذها به

- برضوه هتنضفي المطبخ يا صفا

…………………..

توقف بسيارته أمام الموقع ينظر إليها بعدم إستحسان نحو هيئتها تلك ، توترت من نظراتها وشدت من تنورتها قليلاً حتي تُداري ساقيها

- احمد هو في حاجة مضيقاك من لبسي

اشاح عيناه بعيداً عنها ، ورغم إنه لا يُحب أن يقحم نفسه في أمور لا تخصه إلا إن الضراروة كانت تحتم عليه لفت نظرها

- لبسك ده مينفعش في الشغل يا فريدة ، اظن أنتي فاهمه قصدي

خفق قلبها وهي لا تُصدق إنه يهتم لأمرها ، ورغم إنها لم تكون يوماً ضعيفة لمشاعر الهوي التي تجعلها معه تطير هائمه بكلماته حتي لو كانت من باب النصح ليس أكثر

صمتت وقد ظنها لم تتقبل حديثه ، فتمتم وهو يفتح باب سيارته ليترجل منها

- متوعدتش أدخل في حياة حد ، لكن مدام هنشتغل علي المشروع ده سوا ، فلازم الفت نظرك يا فريدة

بهتت ملامحها ، وسقطت أحلامها معها أرض الواقع تنظر إليه وهو يضع بقدميه خارج السيارة ، اسرعت في التقاط ذراعه

- احمد أنا مزعلتش

التف نحوها ببطء وقد ضاقت عينيه وهو يرمق فعلته ، فاسرعت في ترك ذراعها

- قصدي يا بشمهندس

واردفت مفسرة ، ولاول مره تصبح هكذا بحياتها ..، تفسر أفعالها لأحد

- أنا مكنتش فاكره إننا رايحين الموقع النهارده ، لو كنت اعرف كنت حقيقي أختارت اللبس المناسب للمكان

وبوداعه كانت تسبل أهدابها ، تنتظر سماعه ، بعدما أوضحت له الأمر

- مافيش مشكله يا فريدة

ترجل بعدها بكامل جسده من السيارة ، فتجمدت عيناها نحو زافرة أنفاسها ، فقد جفاها بحديثه بعبارته التي لا تراها إلا كالسعيق.

اتبعته مسرعة بعدما استطاعت تمالك حالها ، ورغم صعوبة السير في الرمال ، إلا إنها كانت تُحاول الثبات والوقوف أمام العمال بجدية ..، رغم نظراتهم نحوهم

رمقها وهي تُلقي بعض الاوامر وسط العمال ، والبعض يتهامس عليها ..، حاول تطرد الأمر من عقله ..، فقد أخبرها ألا تذهب معه اليوم ولكنها أصرت ، ولكن كلما كانت تقع عيناه عليها ويراها كيف تتحرك بصعوبة ونظرات العمال تخترقها ..، حركته رجولته , فاقترب منها منهياً وجودهم اليوم بالموقع

- كفايه كده النهارده

تنهدت براحه ، فالشمس اليوم ساطعة بشده ، كما ان ملابسها وحذائها يُعيقاها عن الحركة ، رحبت باقتراحه وتحركت جواره بعدما أزالت خوذتها واعطتها لاحد العمال ،

ولكن فجأة كانت تخرج شهقتها وكاحلها يلتوي اسفلها ..، اسرع نحوها يلتقطها قبل سقوطه متسائلا بقلق

- أنتي كويسه

اماءت برأسها تنظر لعينيه التي تغرقها به أكثر ، ثم اعتدلت سريعاً رغم الألم الذي نغز قدمها وهي تراه يتحاشي النظر إليها

- للأسف ديه ضربية لبس الكعب العالي في مكان زي ده يا بشمهندس

وتمتمت مازحه تخفي ربكتها، وهي تري المسافه التي يضعها بينهم بعدما ساعدها

- الدرس النهارده أتعلمته كويسه

ابتسم وهو يمدّ لها يده ، فاسرعت في تقبل دعوته ومدّت يدها ..، تشعر لحظتها السيئة التي كادت أن تطرحها أرضاً وليس مجرد إلتواءً بسيط.

………………..

اصرت أن تذهب معه مكتبه ، رغم إنه عرض عليها توصيلته لمنزلها لترتاح ولكن جوابها كان

- مجرد ألم خفيف ، متقلقش يا بشمهندس ولا أنت مش عايزني أتابع معاك أي شغل

طالعها مستاءً من عنادها متمتماً بنبرة ، جعلت أبتسامتها تتسع

- عنيده

مدّت يدها له تلك المرة حتي يساعدها علي السير وقبل أن يرمقها بتلك النظرة التي يرمقها بها دائماً كانت تهتف

- كمل خدمتك يا بشمهندس ، وخليك جينتل مان

ابتسم وهو يُقدم ذراعه لها حتي تتباطأه ..، وهو لا يعرف إلا أين سيأخذه الطريق مع تلك الفتاة التي زجها شقيقه في حياته.

دلف مكتبه زافراً انفاسه ، لقد طالعه مواظفينه بنظرات ثافبه وهم يروها ملتصقة به ، كان حانقاً منه ولكن رغم ذلك كانت بارعة في جعله يتخطي حانقه منها ..، وعلي ما يبدو إنها قد فهمت طريقه

خلينا نشوف شغلنا ، بدل ما نص اليوم ضاع مننا من غير فايده ..، وطبعا أن اللي ضيعته

أكملت عباراتها بمزاح ، مما جعله يبتسم وهو يضع رسومات الموقع أمامها

- الرسومات اهي قدامك وريني ..، تطلعاتك

طالعت الرسومات ، ثم طالعته بغرور مصطنع ..، فعادت ابتسامته تشرق ملامحه

- نبدء بقي الشغل

ولم تكن إلا بالفعل بارعة و ذكية ولن يكون كاذب في حقها ..، ابتسم وهو يراها كيف تتحدث بحماس يظهر شغفها وحبها لعملها ..

توقفت عن الحديث وهي تستمع لصوت سكرتيرته تُخبره

- عامر بيه عايز حضرتك في مكتبه يا بشمهندس

اماء لها برأسه ، وهو نهض احمد عن مقعده ، ينظر إليها مُعتذرا

- دقايق وراجعلك يا فريدة

انصرف بعدما التقط احد الملفات ، وهو علي علم بأن شقيقه يُريده من أجل هذا الملف .. ، استرخت في جلستها ثم حاولت النهوض عن مقعدها حتي تسير قليلاً ..ولكن سرعان ما جلست وهي تتأوه من ألم كاحلها وقد بدء الألم يشتد

دلفت السكرتيرة ثانية تسألها عن أي شئ ترغب في إحتساءه كما أخبرها مديرها ، ولكنها اسرعت في الأقتراب منها تسألها

- في حاجه وجعاكي يا بشمهندسه

- رجلي

هتفت "فريدة" بألم وهي تدلك كحالها بعدما أزالت حذائها عن قدمها

- ثواني يا فندم ، هجيبلك تلج يمكن يخفف الألم شويه

وبالفعل اسرعت في جلب لها الثلج ، وعادت إليها تعطيها قطعة ثلج ، داخل غطاء بلاستيكي ..، التقطته "فريده" شاكرة ..، فدلف "احمد" ينظر إليهم بترقب ، غادرت السكرتيرة الغرفة عندما دلف مديرها ورمقها بنظرات مستفهمه ولكن الإجابة كانت واضحة إليه وهو يتخطاها مُقتربً من فريدة المنحنية قليلا وتدلك كاحلها بقطعة التلج

- كان عندك حق لما قولتلي بلاش اعاند واقبل توصيلتك

- أنا بقول نروح لدكتور افضل

رفعت "فريده" عينيها إليه ، ثم عادت تدلك كاحلها

- مافيش داعي ، أنا هكلم صديقه ليا تعادي عليا تاخدني

ثم عادت ترفع عيناها إليه ، ولكنها شعرت بالصدمه وهي تراه يجثو أمام مقعدها ويرفع ساقها برفق حتي يري اصابتها

سلبت فعلته أنفاسها ، وخفق قلبها وهي تراه هكذا ، اغمضت عينيها قليلاً متأوه وهي تشعر بحركه أنامله فوق قدمها

- كدمة بسيطة يا فريده متقلقيش

دلكها لها لدقيقة ..، جعلتها كالضائعه ..، لا تستوعب أن لمسه منه هكذا ستاخذها لعالم أخر

وقف "عامر" مكانه وهو يمسك الملف بين يديه غير مصدقاً تطور علاقتهما بتلك السرعة ، لمعت عيناه بالأرتياح ..، غادر الغرفة في صمت كما دلف وابتسامته تشق شفتيه ..، فاخيراً مال قلب شقيقه.

……………….

- مش عارفه أعمل إيه مع ماما يا جنه ، طيب ما أنتي أه البنت الوحيده لعمتي ومخلفوش غيرك ، رغم ذلك عمتي مش بتتكلم معاكي في موضوع الجواز وديما مخوفاكي من بكره

وتنهدت بانفاس مثقله من الخوف، تُخبر رفيقتها الوحدية وابنه عمتها بما يعتلي فؤادها

- أنا بقيت أخاف من بكره يا جنه

زفرت "جنه" أنفاسها وهي لا تعرف بما تُجيبها

- جنه أنتي نمتي وانا بكلمك

ابتسمت "جنه" علي مشاكسة "صفا" ، فحتي في احلك الأوقات صعوبه ..، تتمازح

- لا منمتش ، بس سرحة في طبق البيض اللي قدامي

اعتدلت "صفا" فوق فراشها ، تحك فروة رأسها حانقة

- بكلمك عن أوجاعي ، تقوليلي طبق البيض

واردفت بمقت قبل تنهي تلك المكالمة ، التي في العادة لا تجدي بنفع

- أنا مش عارفه ليه مستحملاكي في حياتي يا جنه

اخرجت "جنه" لسانها وكأن "صفا" بالفعل تري ردة فعلها متمتمه

- عشان بتحبيني

تعالت ضحكات "صفا" ، والتقطت الوساده تضعها فوق حجرها

- بنت عمتي الصيدلانية العظيمه ، بتهزر

انفرجت شفتي "جنه" في ضحكة صاخبة ، اعقبتها صراخ والدتها بها ..، اسرعت "جنه" في كتم ضحكتها هامسه

- عمتك بتحبيني أوي

- جنه ، أنا محتاجة حل

والحل لم يكن إلا أن تبحث عن وظيفها

- لازم تدوري علي شغل يا صفا ، مافيش حل غير كده صدقيني ..، لازم تخليهم يحسوا انك قوية ومستقله ومش لازم تتجوزي عشان تحمي نفسك من الدنيا ..

واعقبت حديثها بمزاح لا تجيده إلا معها

- الفلوس جميلة يا صفا ، بتجيب عربيه وحاجات كتير ..

همهمت "صفا" حالمة بالمستقبل والمال يُغرقها

- وفيلا بحمام سباحه ، وشاليه في الساحل

لم يشعروا بصفاقة أحلامهم ، عن مجرد وظيفة لم تأتي بعد ..، إلا عندما صدح صوت صراخ السيدة "فاطمه" تلك المرة.

………………

وقف "عامر" في بهو الشركة ، يُطالع بضعة أوراق قد أعطاه لها أحد الموظفين قبل خروجه من الشركة …، كانت عينين الموظف الواقف جواره ..، تدور هنا وهناك ..، وكل صدرت حركة ما ، كان الواقف يلتف بذعر ، رمقه "عامر" خلسة وهو لا يفهم سبب ذعره وتوتره ولكن فجأه خرج صوته رغما عنه

- مازن

التف "عامر" نحو الجهة التي تحرك إليها موظفه ، فوجدها ينحني نحو طفلاً صغيراً وجواره إحدي موظفات الاستقبال وعلي ما يبدو أن الطفل كان معها ، تعلقت عينين "عامر" بالمشهد وهو يري الصغير يطرق رأسه أمام والده ..، رغماً عنه كان يبتسم بل ومشاعر أخري اقتحمت فؤاده ..، مشاعر لم يسعي لتجربتها والسبب كانت والدته ..

تقدم منه الموظف بخطوات سريعة ، معتذراً

- أنا أسف يا فندم ، حقيقي أسف

واردف معللاً سبب وجود صغيره

- والدته تعبانه ، واهلنا بعيد عننا ..، فاضطريت اجيبه معايا النهارده

اخذ يعتذر بشده والعرق يتصبب فوق جبينه من شدة توتره ، ف "عامر السيوفي" معروف بشخصيته الصلبه ، الجامده

- مافيش مشكله يا أستاذ حسام

تمتم بها "عامر" ، ثم اغلق الملف واتجه نحو الصغير الذي ظل واقفاً منكس الرأس ،اقترب منه تحت نظرات السيد "حسام" المتعجبة ، وانحني صوبه قليلاً يمسح فوق خصلات شعره الناعمه..، اسرع "حسام" نحو رئيسه مجدداً وقد تفاجأ للمرة الثانية ..، أن هذا الرجل يحمل مشاعر وليس كما يظنوه

- ربنا يخليهولك

وانصرف بعدما قرص أحدي وجنتي الصغير بخفه .

……………..

تناولت بضعة لقيمات سريعه وهي واقفه وهتفت بعدما أرتشفت بضعة رشفات من كأس الشاي حتي تبتلع اللقمة التي حُشرت بحلقها

- ادعيلي يا ماما أتقبل في الشغل

وقفت "فاطمه" علي أعتاب الباب تدعو لأبنتها ، تتمني من الله أن يسعدها ويوفقها ..، هبطت لأسفل تصطبح بوجه والدها البشوش بعدما خرج من اسفل السيارة التي كان يُصلحها

- ربنا يفتحلك أبواب الرزق يا بنتي

اسرعت في الاقتراب منه ، تلثم خده ، فصرخ بها وهو يبعدها عنه ، خائفاً علي ثيابها من الشحم العالق به

- كده هتبهدلي لبسك النضيف يا بنتي

- فداك كل اللبس اللي بتدفع تمنه يا احلي واجمل اسطي حسن في الدنيا

ابتسم "حسن" وودّ لو عانق أبنته بقوه تلك اللحظه ، إنها نعمة وهبها الله لهم بعدما ظلوا بضعة سنوات ينتظرونها ، اخرج النقود من جيبه يعطيه لها متسائلا

- عايزه فلوس تاني يا بنتي

- اكتر من كده يا اسطي حسن ، ده أنا حتي ناوية ادلع نفسي واروح المقابلة بتاكسي

واسرعت في أقتناص قبلة أخري من خده الاخر هاتفه قبل أن تنصرف بمشاغبتها

- عشان الخد التاني ميزعلش

……………

شعرت بالرهبة وهي تتقدم لداخل الغرفة الواسعة ، لم تكن تظن إنها بحاجة للباقة عملية قوية ، أو تكون ذا صلة بمن يعملون بالمكان حتي يسهلوا لها الطريق ..، كما رأت من سبقتها تُعامل بأهتمام ..، مرة المقابلة ببضعة اسئلة وكان اهم سؤال طُرح عليها ..، لما لم تعمل منذ أن تخرجت ورغم إنها كان لديها مهارة بتعلم اللغات بجوار شهادتها ..إلا أن العبارة التي كانت تتوقعها اخبرتها بها الموظفة ، التي اعطت لهم ملئ استمارة

- أن من سيقبلون بهم ، سيحادثوهم

عادت لمنزلها بوجه حزين ، فطالعتها والدتها متسائله

- مالك يا صفا ، متقبلتيش في الشغل يا بنتي

القت حقيبتها جانباً وهوت فوق الأريكه تضع رأسها فوق فخذ والدتها

- قالولي هيكلموني ، بس متوقعش أني هتقبل

- متقوليش كده يا بنتي ، بكره يكلموكي وتقولي بطه قالت

وقد أتي الغد ، ولم يُحادثها أحداً ..، فنظرت نحو والدتها مازحه ، وهي تلتهم قطعة الدجاج

- مكلمونيش يعني يا ماما ، خسرتي يا بطه

طالعتها "فاطمه" حانقه ، والتقطت طبق طعامها من أمامها متمتمه

- ما انا قولتلك اتجوزي ، قال يعني الشباب لاقيه شغل عشان تلاقي يا بنت بطني

- ديما مزعلاني منك يا بطه

ومدّت يدها تلتقط الطبق الذي أخذته منها للتو مُعاقبة لها وهي تحرك حاجبيها تُشاكسها، ولكن كف والدتها كانت أسبق منها ..،حيث صفعتها فوق كفها بقوه ، فهتفت "صفا" متذمرة كالأطفال

- هاتي الطبق يا بطه

لم يتمالك "حسن" ضحكاته كالعاده من مناقرتهم التي لا تنتهي

- شوف دلعك فيها هو اللي مقوي البت ديه عليا ..

- بتهزر معاكي يا بطه

فاندفعت "صفا" نحو احضانها تقبلها وتشاكسها كعادتها

- بتزعلي مني يابطوط ، ده أنا حتي ناوية أجبلك الخضار بكره من السوق

…………..

شعرت بالصدمه وهي تقرء كل ما هو مدون أمامها ..، لا تُصدق أن "احمد السيوفي" كان متزوجاً بفتاه بالسر مثل تلك ، فتاة كانت بلا عائلة مشرفة ..، أب يحتسي الخمر ويتاجر في المخدرات ويتعاطاها ، وشقيق قد مات والشرطة تطارده

تركت الورق جانباً تمسح فوق خصلاتها المنسدلة فوق كتفيها تردد في صدمه مازالت تمتلكها

- مش معقول تكون كنت متجوز واحده زي ديه يا أحمد

…………..

طالعت الروايات المرتصه فوق سطح مكتبها بشوق ، ثم قضمت قطعة الخيار تلوكها داخل فمها متمتمه

- ركزي يا صفا ، أنتي دلوقتي بتدوري علي شغل عشان مستقبلك ..، نلاقي شغل الأول بعدين نرجع لعالم بتاعنا

اخذت تحث نفسها علي الصمود ، لانها أكثر دارية بحالها ..، فإذا عادت وانغمست في عالمها مع كلمات كاتبها المتيمه بها ..، ستظل هكذا حبيسة غرفتها وتنتظر ذلك الفارس الذي سيخرج لها من بين السطور..

عادت تُركز في شاشة الحاسوب ، تُحاول قراءة إعلانات الوظائف المعروضة ..، نظرت للورقة التي جمعت فيها الإعلانات ..، عازمه علي عدم اليأس حتي تجد وظيفها تعول بها حالها وتخفف عباءها ولعلها تجد فارس الأحلام كما أخبرتها والدتها و جنة ، حينا تجد تخرج من غرفتها

………….

نظرت لأاوراقها بعدما أخذها الموظف منها ومزقها لنصفين ، بعدما أصرت علي مقابلة موظف التوظيف ..، لقد رأت الأعلان منشور أمس ..، فكيف وجدوا الشخص المناسب بتلك السرعة ليتم تعينه ..، توقف الحديث علي طرفي شفتيها وهي تري الموظف يُغادر من أمامها ..، فاقت اخيراً من صدمتها ولكن الموظف أختفي من أمامها

سارت بخذلان خارج الشركة ، ولم يهتم احداً لأمرها ، فالكل يتحرك لأنهاء عمله او الثرثرة مع رفيقه او رفيقته بالعمل

طالعت الشركة قبل أن تهبط الدرجات القليلة ، ثم بصقت عليها غاضبه..، لم تنتبه علي خطواتها , فنزلقت قدمها وكادت أن تهبط تلك الدرجات علي وجهها ولكن لولا ارتطامها بذلك الشئ الصلب ما كانت نجت من السقوط

- أنتي كويسه يا انسه

ارتبكت "صفا" من وضعها بين ذراعيها ، فدفعته عنها بقوة واسرعت بخطواتها مبتعده بعدما تمالكت حالها ..، التف الواقف ببطء وقد اعتلت ملامحه الدهشة من تصرفها

اكمل "احمد "خطواته بعدما هندم بذلته المنمقة ..، فلم يأتي لشركة "محسن الصواف" إلا من أجل أجتماع جعله شقيقه ينوب عنه



…………

نظر اليها "عم محمود طويلا" بعدما طال شرودها وهي تتأمل بعض الكتب والمجلات حديثة الاصدار

عم محمود : مالك ياصفا يابنتي ، مش مبسوط ليه، شكلك كنتي في مكان وراجعه منه متضايقه

فتنهدت "صفا" عدة زفرات متتالية ، تحمل يأسها :

- مافيش شغل، مافيش شغل كله بالوسطه

عم محمود : كلها أرزاق يابنتي، اسعي تاني واكيد ربنا مش هيسيبك

وانحني صوبها قليلا يربت فوق ظهرها بحنان أبوي ، ثم التقط احدي المجلات القابعة علي تلك المنضده الخشبيه المتهالكه

عم محمود ، وهو يشير نحو المجلة ويعلم كم سيسعدها الأمر :

- فيها اخبار عن كاتبك المفضل (مراد زين )

فيتلاشي عبوس "صفا"، وتتهلل اساريرها بغبطة ، وهي تلتقط منه المجله التي تتحدث عن كاتبها المتيمه باعماله ..

طالعت بعض عباراته المصُرح بها عن اخر إصدار ورقي تم نشره وصور لبعض من الاشخاص الذين حصلوا علي توقيع منه بواسطة دار النشر التي لا يطبع إلا لها.

رمقها "العم محمود " وهو يري سعادتها العجيبة علي من يراها، ولكن هو كان يعلم مدي عشقها لهذا الكاتب ثم تمتم ضاحكاً:

- الكاتب المجهول (مراد زين)

فاماءت "صفا" برأسها وتنهدت بحالمية وعادت تشرد في عالمها مع سطوره وتصريحاته – رجعتني للخيال ليه تاني ياعم محمود

هتفت بها وهي تسبل أهدابها ، فنفرجت شفتي العجوز بأبتسامة واسعة علي هيئتها :

- لو عايزه المجلة خليها معاكي ، عارفك بتحبيه قد ايه وبتحبي كل كلمه بيكتبها

فرفعت عيناها نحوه ، وقد نهضت عن المقعد الجالسة عليه متمتمه بحماس

- والله أنت راجل طيب يا عم محمود

والتقطت منه المجلة بطفولة تليق بها

- محدش هيونسني غيره ، بعد رحلة البحث عن عمل .. اه بدل ما اكتئب , اعيش مع الخيال شوية

ثم ودعته هاتفة : سلام ياراجل ياطيب

...............................................................

هناك شعور غامض كان يجثم فوق صدرها ، لا تعرف مهيتها ولا لما بدأت دقات قلبها تتسارع هكذا وأنفاسها تُسلب منها ..، ثقلت خطواتها ومهما قاومت ذلك الشعور ..، كان يعود ويقتحم قلبها ..، يُنبئها أن هناك ما ينتظرها.

سكنت مكانها وهي تري سيارات اسعاف وعربات شرطه تقف .. وغبار يحاوط مدخل حارتها والناس يركضون ويلطمون كفوفهم ببعضهم

اغمضت عينيها حتي تتضح لها الصورة ولكن الصورة كان واضحة وهي تستمع لحديث الناس ، ركضت صارخة غير مصدقة ما سمعته ..، ولكن ما رأته كان هو الحقيقة ..، اشتدَّ الصراخ حولها ولكنها لم تكن تعلم اهو صراخها أم صراخ من حولها ..

- لااا

وضاعت بعدها في عالمها المظلم ، عالم قد خلي من أغلي ما ملكته وها هي الحياة تعلمها أقسي الدروس
عندما يخبروك أن هناك شطراً أخر من حياتك ستعيشه ، صدقهم ..، لا يختار أحداً فصله الجديد من رحلة الحياة ..، ولكن هناك ما تخبأه لنا الحياة في دفاترها.



وقفت "صفا " تمسح دموعها بعدما توقفت قليلاً تلتقط أنفاسها وتبتلع تلك الغصة المريرة ، وبحرقة كانت تعلو شهقاتها بعد أن عادت دموعها مرة أخري تنساب فوق خديها بغزارة..

الألم ينهش روحها ، ونيران الفراق تحرق فؤداها

- ليه سبتوني ومشيتوا ، أنا مبقتش عايشة خلاص

خاطبتهم وكأنها تراهم أمامها ، ودموع أخري أخذت تُحرق خديها كم حرقت قلبها

- أنتوا حتي مودعتونيش

لم تتحمل الصمود في وقفتها ، فلم تشعر بساقيها وهم يرتخوا ، ثم هوت فوق الأرضية تستند بظهرها خلف الجدار ، وتضم جسدها بذراعيها وقد عادت تلك الرجفة تُصيبها ..

مر الوقت ، ولا تعلم كم مر منه وهي تجلس هكذا ..، وتتذكر والديها في بؤس لا تُصدق أنهم رحلوا وتركوها في منتصف الرحلة

تمالكت حالها أخيراً ، وهي تنظر أمامها..، فعليها النهوض لتنظف منزل عمتها وتطهو الطعام ..، رغم أن عمتها تغضب كثيراً منها لقيامها بأعمال المنزل .., عمتها الحنون التي لولا وجودها هي وعائلتها الصغيرة لكانت ودعت حياتها وراء والديها.

نهضت بصعوبة متجهة نحو دورة المياة الصغيرة ، تغرق وجهها قليلا بالمياة وتلتقط أنفاسها و تُحادث حالها

- مش هتقعدي عالة عليهم في البيت ، وكمان يخدموكي يا صفا

بدأت بطيّ أكمام جلبابها المنزلي ثم ربطته في عقدة بعدما رفعته نحو خصرها حتي تتمكن من مهمة التنظيف، و باحدي المقشات التي تصنع من قش الأرز ..، اخذت تزيل الاتربة من فوق الأرضيات ، فمنزل عمتها بسيط لا يشبه منازل المدينة

، انحنت بجسدها تحمل الأغطية الصوفية البسيطة كي تُنفضها ، ولكن اعادتهم مكانهم وهي تتذكر أن عليها البدء في الغداء فلم يعد يتبقي الكثير من الوقت ، من عودة زوج عمتها "العم صابر" وعمتها من المزرعة التي يعملون بها.

اسرعت بخطوات سريعة نحو المطبخ ، والذي اصبح جزءً من يومها بإرادتها ، بعد ـن كانت لا تهوي الدلوف إليه وترغمها والدتها علي ذلك ..، حاربت بشدة تلك الغصة التي عادت تسحق فؤادها , وسرعان ما اطبقت جفنيها بقوة ،تتغلب علي دموعها العالقة ، شرعت في الطهو ولم تكن أعباء المنزل إلا راحة لها ،

ورغم أن عمتها ستُعاتبها علي قيامها بكل شئ في المنزل إلا إنها تفعل كل ذلك برضي .

تذوقت طعم الحساء وابتسمت بسعاده ، ولكن سرعان ما تذكرت والدتها ، ولم يكن الحنين ليتركها للحظات , لعلا نيران الوجع ترحمها قليلاً

" يابنتي ياحببتي اتعلميلك اي طابخه تنفعك "

وعادت الذكريات تتدافق على قلبها بمرارة ، فمهما حاولت إلهاء نفسها لا تستطيع وكل شئ يذكرها بهم ، مسحت دموعها التي أنسابت فوق خديها مجدداً الي ان تنهدت بانفاس مثقلة تجثم فوق روحها :

- شوفتي ياماما اه انا بقيت ست بيت شاطره ، وبقيت اتحمل المسئولية ومبقتش مدلعه ...

وعادت للبكاء بحرقة وشهقات عالية

صفا : اصل هتدلع على مين غيركم من بعدكم

وعلقت عيناها بالسلسال الذي يلتف حول عنقها ، فمضته داخل كفها بشوق ثم فتحته ، تتأمل قلبه ومايحتويه على صورة والديها

فلم يتبقي لها من وجودهم سوى الذكريات وسلسال يحمل صورتهما

اقتربت منها جنة ببطء بعدما دلفت للمنزل وعادت من جامعتها، وفي لحظة خاطفة

باغتتها بدغدغة تُمازحها ، شهقت صفا بذعر ثم وضعت بيدها فوق قلبها تلتقط أنفاسها من أثر الخضة

صفا: خضتيني ياجنه.. حرام عليكي

جنه ضاحكه : الجميل سرحان في ايه ؟

فابتسمت صفا ببهوت وبنبرة مريرة هتفت، بعد أن اشاحت عينيها بعيداً :

- سرحانه في حياتي ياجنه

تلاشت ضحكة "جنه" بعدما شعرت بمرارة عبارتها ، واقتربت منها تضمها بحب لعلها تُخفف قليلاً عنها :

عارفه جبتلك معايا ايه وانا راجعه من الجامعه

طالعتها "صفا" في شرود ، فاسرعت جنه نحو حقيبتها التي اسقطتها أرضاً عند دلوفها للمنزل ، والتقطت الكتاب من داخل حقيبتها هاتفة بحماس :

- هو صحيح الكتاب ده مش لمراد زين ، بس انتي برضوه بتحبي تقري للكاتب ده ، بس عرفتلك خبر هيفرحك كاتبك الغالي هينشر كتاب جديد ليه قريب

فاهتز جسد صفا متذكره اخر ماكانت تحمله له ، وهي هائمة في عالمها .. وعالم الروايات

فتهتف بوجع : انا خلاص قررت مقراش تاني ياجنه

أقتربت منها "جنه" وقد علقت عيناها بها في أسي ، فقد أمات الحزن قلب ابنة خالها ، و ليتها تستطيع أن تُخفف عنها

- كنت الاول بعيش الخيال وانا مطمنة , إن الواقع محاوطني بالحياة السعيدة ، أب و أم أنا أغلي عندهم من روحهم ، وحضنهم الدافي بيطمني إني في أمان ، لكن دلوقتي مبقتش عايشة يا جنه ، روحي راحت معاهم خلاص ، قوليلي سبوني ليه لوحدي

واندفعت لاحضان أبنه خالها ، فضمتها جنه بقوة تبكي معها في مرارة

- ماتوا تحت التراب يا جنه ، كانوا نفسهم يفرحوا بيا عشان يتطمنوا عليا ، كأنهم كانوا حاسين

تعالت شهقاتهم ، ولم تتمالك جنه هي الأخري حالها ..، فلا حديث يستطيع أن يخرج من شفتيها

- مرت ست شهور ولسا الوجع جواكي يابنت خالي وبتظهري إنك كويسه ..،طيب اصرخي فينا ، اعمل أي حاجة يا صفا ..، ياريت الحزن كان بيتقاسم كنت أخدت منك جزء.

احتضنتها "صفا" بقوة ، فضمتها جنه بكل قوتها ..، تمسد فوق ظهرها وقد صمتت كلتاهما عن الحديث ، اتسعت عيناهم فجأة ، يُحاولوا أن يستوعبوا من أين تأتي تلك الرائحة ؟

: في حاجة بتتحرق

تسألت "جنه "وهي تعلم الجواب الواضح أمام عينيها

فهزت "صفا" لها رأسها بعدما التفت بجسدها نحو إناء الطعام الذي أحترق

جمدتهم الصدمة قليله ، وسرعان ما كانوا يتخلوا عن صدمتهم صارخين

- الحلة أتحرقت !

..................................................................

تأملته وهو منكب علي حاسوبه الشخصي يُطلعها علي كل شئ يخص المشروع , المشترك بين شركتهم وشركة والدها وما قام بالتعديل عليه ، كانت شاردة فيما عرفته عن حياته وزيجته التي سعي "عامر" بشده لأخفاءها عن الجميع ، تسألت داخلها وهي تنظر إليه , ما كان يُميز تلك الفتاة ليُحبها رجلاً يتحكم به العقل ..، والحقيقة التي تغافل عنها عقلها ..، أن "احمد السيوفي" الذي يجلس امامها الأن ..، ليس ذلك الشخص الذي كان عليه قديماً

تنهدت بأنفاس مسموعه ، مما جعله يرفع عينيه عن حاسوبه وينظر إليها مستفهماً

- بيتهيألي أنك محتاجة فنجان قهوة يا فريدة

تحركت من وقفتها خلف مقعده ، وهي تومئ له برأسها

- فعلا محتاجاه جداً

وتمتمت معتذره حتي لا تفقد أحترامه لها الذي نالته بسبب أجتهادها

- أتمني متتغيرش نظرتك ليا وترجع تشوفني بنت متدلعه ، مبتفهمش حاجة في الشغل

تعالت ضحكته رغماً عنه ، فهو لا يُنكر أن "فريدة" فتاة لطيفة ..، وقد تمكنت من نيل تقديره ، فنقطتهم المشتركة هو العمل ولن يراها إلا في تلك الصورة ..، ابنة شريكهم ليس أكثر

- لو مكنتيش حصلتي علي تقديري ، مكناش كملنا شغل سوا يا فريده ..، لاني للأسف وارث نفس طباع العيله ..،مافيش تهاون في الشغل

أبتسمت ببهوت وهي تُطالعه ، فهي اصبحت علي دراية كبيرة ببعض صفاته

- عارفة يا بشمهندس ، فين القهوة بقي عشان أعرف أركز من تاني

ابتسم وهو ينهض عن مقعده ، واتجه نحو باب غرفته ينظر لسكرتيرته التي نهضت علي الفور من فوق مقعدها

- أتنين قهوة مظبوط يا داليا

عاد للغرفة ، فنظر لها وهي تتخلي عن سترتها وقد ظهر قميصها الملتصق بجسدها ,وأظهر تفاصيلها بسخاء ، تنحنح مطرقاً رأسه يعود لجديته متمتماً

- مقولتليش وجهت نظرك في التعديلات اللي تمت في الطريق الداخلي للكمبوند السكني

ابتسمت وهي تهوي بجسدها فوق المقعد ، بعدما رتبت خصلاتها

- أنا بستفاد من خبراتك وارائك يا بشمهندس ، ومدام أنت شايف إن التعديل هيخدم الكمبوند أكتر ، تمام

اعجبه ردها ، فتقدم نحوها يسألها مترقباً جوابها

- يعني مزعلتيش لما عدلت علي ارائك

اعطته الإجابة التي أرادها بحركة رأسها ، فوقف يرمقها للحظات ..، متعجبً منها ..، ثم اخذ يُقيمها بنظرات تفهمها ولكن رنين هاتفه جعله يُدرك حماقة نظراته ، اتجه نحو سطح مكتبه والتقط هاتفه ، فارتبكت بشدة بعدما أعطاها ظهره ..، فيجب عليها الا تكون بلهاء لتلك الدرجة ..، فرجلاً مثله لا ينبغي أن تفرض نفسها عليه ..، وبحكمة كانت تُخاطب حالها

" كل حاجة بنوصل ليها بالعقل يا فريدة "

فاقت من شرودها وقد انتبهت علي حديثه ، وعلي ما يبدو إنه يعتذر لأحداً وقد نسي موعده معه

- اسف يارامي بجد نسيت ميعادنا ، لو قريب من الشركة عدي عليا

ثم أردف بعدما أستمع للطرف الأخر

- تمام مستنيك

أنهي حديثه ونظر نحوها ، فنهضت عن مقعدها والتقطت سترتها متمتمه

- بيتهيألي إنك مبقتش محتاجني حالياً

وقبل أن يهتف بشئ كانت سكرتيرته تدلف بفنجاني القهوة

- أشربي قهوتك الأول ، رامي لسا قدامه نص ساعه علي ما يكون هنا ..

- ديما بتفهم في أصول الضيافة وخصوصاً معاملة الليدز الحلوين ..، يا بشمهندس

انتبهوا علي صوت "عامر"، الذي دلف الغرفة للتو..، فطالع "احمد" شقيقه متنهداً بضيق من عبارته الأخيرة ، تجاهله "عامر" مبتسماً وهو يقترب من "فريدة" يُصافحها ، متسائلاً علي حال والدها

- أخبار محسن بيه إيه

- تمام يا عامر بيه

وادرفت مازحه ، تُلطف من وجودها قليلا بينهم ..، تحت نظرات "احمد" الجامدة

- بيتهيألي كنتوا مع بعض أمبارح في النادي الرياضي

فابتسم "عامر" وهو يمسح فوق جسده

- فعلا، أنا ومحسن بيه محتاجين نرجع لشبابنا من تاني

بدالته "فريده" الضحك علي حديثه ، ولكن "احمد" لم يُعقب علي شئ من سخافة حديث شقيقه ..، فهو يعلم ما يسعي إليه عامر

- خلوني أنا كمان أطلب من داليا قهوتي ، واشربها معاكم ..، ونتناقش شوية في المشروع ولا وجودي مش مناسب حاليا

لم يتحمل "احمد" مراوغة شقيقه ..، ولكنه تمالك حاله متمتماً بحنق تحت نظرات"فريدة" العالقة بتلك الحرب الدائرة بينهم

- هطلب من داليا قهوتك ، بس معنديش وقت أكتر من نص ساعه وبعدها مضطر استأذن منكم

فابتسم "عامر" وهو يستمع لحديثه ، وسرعان ما قطب جبينه متذكراً وكأنه قد نسي الأمر

- اوه ، لا أنا اللي مضطر اسيبكم واشرب قهوتي في مكتبي ..، لأن عندي اجتماع مهم

وانصرف "عامر" والابتسامة تحتل ملامحه ، فعلي ما يبدو أن "فريده" لن تترك شقيقه إلا بعدما تسقطه في غرامها ..، وسيكون أكثر من مرحب بالأمر ..، فلم تخفي عنه تلك النظرات التي ترمق بها شقيقه الأصغر.

..............................................................

جلست بينهم تتناول طعامها بمرارة أصبحت مذاق لكل شئ بحياتها ، فرمقتها عمتها "السيدة صافية " بحزن علي حالها, وبنبرة حنونه تمتمت:

- تسلم ايدك ياصفا ياحببتي

فهتف زوج عمتها هو الأخر بصوت حنون

صابر : ربنا يبارك فيكي يابنتي

ابتسمت "صفا" اليهم وقد علقت الدموع بعينيها ولكنها تمالكت حالها أمامهم

- بقيتي شايله مسئولية البيت عننا ، وضمت نح صدرها وبحنان تتابع حديثها :

- متجيش علي نفسك عشانا ولا عشان تشيلي عن الزفته اللي عماله تاكل من الصبح ، ومعندهاش دم

اتسعت عينين "جنه" ذهولاً بعد عبارة والدتها ..،فرفعت وجهها عن طبقها تحدق بوالدتها ، تُشير نحو حالها :

- ليه كده يا صافية ياغاليه ، ده انا غلبانه وجعانه

فاجابتها صافية حانقة ، بعدما نظرت نحو "صفا" التي أخفضت عيناها عنهم ..، حتي لا ينتبهوا علي دموعها الحبيسة :

- ساعدي بنت خالك ، وحجتك كلها كام شهر وهنخلص منها ، لا في جامعه ولا في مذاكره ..

واردفت متوعده

- وهطلعه عليكي في شغل البيت

جنه : ايد علي ايد بتساعد يا ست الكل ، ولا أنتي إيه رأيك

ارادت أن تتمازح قليلاً ، حتي تُشاركهم "صفا" في حديثهم ..، ولكن "صفا" كانت منعزلة عنهم بلحظات كانت تعيشها من قبل

- انا وابوكي تعبنين في شغل المزرعه ، وكل ده عشان منخلكيش محتاجة لحاجه يابنت بطني

وفردت "صافية" كفيها ، حتي تريها كم اصبحت كفوفها خشنة من شدة التشقق ، فنظرت جنه إليها ، بعدما تمالكت غصتها ..، فاعمال المزرعة والفلاحة لم تعد تناسب والديها في عمرهم هذا ..، ولكنهم يتحملوا كل شئ من أجلها ..، فاسرعت في التقاط كفوفها تقبلهما هاتفه :

- ربنا يديكي الصحه يا ماما ، واتخرج واشتغل ومخلكيش انتي وبابا تحتاجوا لحد

كان "صابر" صامت لا يُشاركهم الحديث ، فعيناه كانت عالقة نحو تلك اليتيمة التي اخذت تقضم شفتيها وتقطب جفنيها بقوة حتي لا تنساب دموعها أمامهم ..، وتُفقدهم لحظات سعادتهم باحزانها ، وعندما رأي "صابر" تلك الدمعة التي فرت من جفنيها ..أسرع متمتماً , يُغير الحديث الذي طال بين زوجته وأبنته

صابر: انا عارف انك بتحبي القصب ياصفا يابنتي ، يلا تعالي نقعد قدام باب البيت .. نتسلي لحد اما جنه وعمتك يخلصوا خناق ويعملونا الشاي

انتبهت "صفا" علي حديثه ، فاسرعت في مسح دمعتها ، وقد فرت منها دون قصد ، ومن نظرته إليها علمت إنه قد رأي دموعها ..، نهضت عن الطاولة تتجاوز غصتها متمتمه: - قصب !

فابتسم "صابر" بشفقة ، وهو يراها كيف تُحاول أن تظهر سعادتهم إليهم ، أتجه نحو البساط القديم يلتقطه من مكانه، ثم تجه نحو باب الدار يبسطه أمامه ..، يُذكرها بطفولتها:

- من وانتي طفله صغيره بتحبي

فتعالا صوت جنه من خلفهم بعدما نهضت هي الأخري بحماس من جوار والدتها التي ذهبت لتصنع لهم الشاي

- انا جيت عشان اقشره ليها زي زمان ، ما اصل انا بحب ادلع صفا هانم

وبكلمات بسيطه كانت السعاده ترتسم فوق شفتي "صفا ، ورغم الألم الذي أصبح رفيقها إلا أنها تذكرت تلك الأيام من طفولتها ، وقد كانت تأتي لهنا مع والديها حتي يقضوا بضعة أيام من العطلة الصيفية.

.............................................................

وقفت "السيدة حنان" ، تلك الخادمه التي عملت في هذا المنزل لسنوات ، تفرك كلتا يديها وتطرق رأسها خجلاً مما جاءت من أجله لتُخبر سيدها ، أنتظر "عامر" سماعها بعدما ترك العقود التي كان يُطالعها

حنان : عامر بيه ! ، انا مش عارفه اقول ايه لحضرتك

فتأكد "عامر" من وجود شئ ، فاشار إليها بمواصلة حديثها ..، وهو يخشي أن تكون والدته بها شئ ما

- أنا مضطرية اسيب الشغل ، عشان، عشان

تمتمت عبارتها بتعلثم ، ثم ابتلعت باقية حديثها في إستحياء

فرمقها "عامر" وقد ضجر من إنتظار سماع ما ترغبه ، فزفر أنفاسه متمتماً بجمود :

- عشان ايه ياحنان ؟

حنان : أنا هتجوز يا بيه ،وجوزي رافض اني اشتغل في البيوت حتي لو هكون مرافقة للهانم الكبيرة

واردفت بتوتر ، تُخبره إنها ستظل في عملها لمدة ما ..، حتي يتمكن إيجاد مرافقة غيرها

- فاضل لسا وقت علي جوازي يا بيه ، لكن حبيت أبلغك من دلوقتي

طالعها ينتظر معرفة تلك المدة التي ستظل بها معهم ، فاسرعت في إخباره

- قدامي شهرين يا بيه !

فتنهد "عامر" بعدما هتفت عبارتها أخيراً ، ونهض عن مقعده .. خلف مكتبه بوقار وهالة من الهيبة ..، جعلت الواقفة تتراجع للخلف.

لم يتقدم منها بل أتجه نحو شرفة مكتبه الضخمة ، يُطالع المساحة الواسعة الواضحة للأعين ، دس سيجارته بين شفتيه ثم نفث دخانها ببطء ، فعادت الواقفة تطرق رأسها ..، تنتظر أوامره ، وبعد لحظات من السكون خرج صوته وهو مازال علي وقفته دون أن يلتف إليها

عامر : تكلفة جوازك هتكون هديه مني لخدمتك الطيبة لأمي ، وده بعيد عن مكفأتك لنهاية الخدمه ياحنان

تهللت اسارير حنان غير مصدقة ما تسمعه من كرم سيدها ، ثم اسرعت في الهتاف بخجل

حنان : والله ياعامر بيه ، انا بحب الهانم الكبيره أوي ، ويعز عليا فراقها ، لكن على عيني والله اسيبها

وعادت تطرق برأسها مجدداً ، تتابع حديثها وقد التف عامر نحوها ..فرأي نظراتها الخجله المرتبكة

فاكملت حنان والسعاده تملئ ملامحها ، وهي تتذكر الرجل الذي ستترك عملها من اجله وتشاركه حياته :

- بس سعد راجل طيب ومناسب عمره ليا ، الامان بوجود راجل يخاف علي الواحده مننا ويحبها بالدنيا يابيه !

وبرغم إنه لا يستلطف تلك الكلمات ، إلا إنه ابتسم على حديثها بعدما رأي صدق المشاعر التي تتحدث بها خادمته البسيطه ، تغللت الكلمات داخل قلبه , الذي لا يؤمن بالحب وتضحيات النساء من أجله ، ولكن سرعان ما تلاشي كل شئ داخله ..متمتماً بعدما عاد لمقعده :

- مبرووك ياحنان !!

..................................................................

أشتدّ هطول الامطار، وسقطت قطراتها بغزاره وصوت الرياح أخذ يتعالا حولها ، فاصابت قلبها تلك الرجفة ، فشدت من ضمها لجسدها أكثر ..، وقد جلست علي إحدى الحجارة الضخمه امام منزل عمتها

ارتجف جسدها بشده بعدما اصبح مبتلاً والمياه تتقطر من ثيابها ..، احاطت جسدها بذراعيها , لعلها تمنحه الأمن قبل الدفئ الذي غادره من شدة البرودة ..، انسابت دموعها بغزارة كحال هطول الأمطار التي تتدافق فوقها ..، ارادت الصراخ ولكنها لم تستطيع ، فكورت كفيها وقد أرتعشت شفتيها كحال جسدها

اتسعت عينين "جنه" فزعاً وقد وقفت علي أعتاب باب المنزل تنظر إليها في صدمه ..، ثم اسرعت إليها تسألها بذعر

- صفا ، صفا ايه اللي بتعمليه في نفسك ده بس

وجثت علي ركبتيها امامها وقد تشبع جسدها ايضا بماء المطر المتدفقة بقوة هذه الليله

- ليه سابوني ياجنه لوحدي ، ليه مامتش معاهم قوليلي ليه

هتفت بها وقد أخذ جسدها يرتعش ، طالعتها "جنه" تُشاركها ألمها , ثم ضمتها إليها بقوة لعلها تمنحها الدفئ

- اصرخي ياصفا طلعي اللي جواكي كله ، متموتيش نفسك بالبطئ

صفا : انا انكسرت ياجنه ، انا دوقت فعلا مرارة الدنيا وشوفت قلبتها في غمضت عين

ونهضت من فوق الحجر بعدما ازاحت ذراعين جنه عنها .. وسارت بضعة خطوات ثم رفعت ذراعيها عالياً ، وهي تُحدق في هطول الامطار التي ازداد انسيابها بغزارة ، وقد شاركها صوت الرعد بنوره القوي في صراخها

- ليه ، ليه مروحتش معاهم وسبوني لوحدي أموت كل يوم

ارتخت ساقيها بعدما لم تعد تشعر بهما ، فسقطت علي ركبتيها وهي واضعه بيدها فوق صدرها من شدة حرقتها، متمتمه بأيمان قد قذف في قلبها

- اللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به

وظلت تردد الدعاء حتي وجدت جنه تضمها اليها مجدداً ، ثم ساعدتها علي الوقوف والدلوف نحو المنزل.

.................................................................
أرخي جسده بعدما جلس فوق المقعد ، في ذلك المطعم الذي يُفضله هو وصديقه ..، وضع مفاتيحه الخاصة علي الطاوله ، وبدء يفرك يديه الباردتين, لعله يمنح جسده الدفئ لو قليلاً

احمد: الجو النهارده صعب اوي

واسرع في التقاط مشروبه الساخن بعدما وضعه النادل مُجيبًا طلبه في سرعة ، ارتشف بضعة رشفات من مشروبه متمتماً:

- امممم ، كنت محتاجه فعلا

فابتسم رامي علي حال صديقه ، وقد اخذ يرتشف هو الاخر مشروبه :

- كان لازم ننزل في الجو ده عشان نتقابل

- كنت محتاج اقابلك يا رامي

فمال "رامي" بجسده فوق الطاولة ، بعدما شعر بخطب ما بصديقه

- عامر نيته واضحه اوي ، في موضوع فريدة

وصمت عن حديثه ، واخذ يُدلك عنقه في إرهاق

- المشكلة إني بقيت اشوف فريدة بنت مناسبه ليا ..، أنا بدأت أخون مها في افكاري يا رامي

وبحزن لم يخمد في قلبه هتف عبارته

- وفيها إيه يا احمد لما تحب وتفكر تلاقي شريكة حياتك

وبجنون كان يصرخ ، بعدما فقد سيطرته علي حاله

- احب واتجوز ، وأنا كنت السبب في موت مها
******

حمل كل ما لذا وطاب من صنع يدي زوجته علي أملاً ، طالعه "فتحي" ذلك الرجل ذو الشارب الضخم والملامح الغليظه ..، ينظر نحو ما يحمله فوق رأسه متسائلاً بعدما استمع لصوت الطيور التي يحملهافوق رأسه بالقفص ثم البؤجة التي تفيح من داخلها رائحة لا يعلمها ولكنها شهية .

- ما تنزل يا صابر اللي علي راسك ، وخلينا نشوف

أبتسم "صابر" عندما رآه ، علي وشك تقبل هديته ، فتمني داخله أن يكون "فتحي" كريماً معه ويمنحه مبتغاه

- البط تربية أم جنه

فلمعت عينين "فتحي" بجوع قد اقتحم معدته فجأة ، رغم إنه منذ قليل ..، قد أنهي وجبة دسمة

- ولا الفطير ، أم جنه عملاه بالسمن البلدي

ازدرد "فتحي " لعابه ، ولكن معدته لم تتحمل رائحة الفطير الشهي ..، فسالت لعابه ، وهو يلتقط منه واحده , يلتهمها في تلذذ

- هو في فطير ،زي فطير أم جنه

رمقه "صابر" مبتسما وهو يراه يلتهم الفطيرة في قضمه واحده ، ثم توقف عن مضغها يصرخ بغفيره

- واد يافرج ، هاتلي كوباية شاي أبلع بيها

وقف "صابر" في مكانه يُطالعه ..، وينتظره حتي يُفرع من تناول وجبته وكأس الشاي خاصته ..، كانت حرب طاحنة بين "فتحي" والطعام ..، الطعام الذي يعد عشقه أكثر من النساء.

ابتلع أخر رشفة من الشاي ،ثم وقف يمسح يديه وشفتيه أخيراً وقد أمتلئت معدته الجائعة دوماً , متسائلاً وهو يربت فوق كرشه

- خير يا صابر

وكأنه قد فهمه للتو ، بعدما نال وجبته ، واخذ غفيره الطيور التي صدح صوتها بالمكان ، راحلاً بها نحو منزله

ارتبك "صابر" من نظرته وقد وقف قربه ينتظر سماعه

- قول يا راجل متكسفش ، ده أنت غالي عندي

ابتسم"صابر" ضاحكاً داخله علي عبارته

- صفا بنت المرحوم حسن أخو أم جنه ..، محتاج ليها شغل

وهنا قد تحول لطف "فتحي" سريعاً ، بعدما أستمع لطلبه

- هو أنا فاتحها مكتب توظيف يا صابر

وبأهانه كان يُخبره عن مكانته

- ده أنت مجرد فلاح يا صابر ، فاتح صدرك وجاي تطلب مني اشغل بنت اخو مراتك عشان بتسامر ماك في الكلام .. ، طيب يا راجل قولي أشغلها في الأرض ..، لكن تمسك حسابات المزرعه ..، لا ده أنت اتجننت يا صابر

فابتلع "صابر" غصته ، يهتف بنبرة مهزوزه

- البنت مهندسه ، تشتغل إزاي في الأرض

عاد "فتحي" لمقعده ، مفكراً في صمت..، فهو ما زال يبحث عن احداً يساعده في حسابات المزرعة

- البنت يتيمه ، وهتكسب فيها ثواب

اقتنع "فتحي " بعض الشئ ، ثم هتف بتبجح

- سمعت إنك بتربي خروفين عندك

ومن عبارته ، فهم ما أراد "فتحي"

……………..

ورغم الحزن الذي انتاب "صفا" علي ما ضحي به زوج عمتها من أجلها ، كانت تشارك "جنه" الضحك ..، غير مُصدقين أفعال ذلك الرجل

- خروف وفطير وبط ..، تحسي إننا في فيلم أبيض واسود

تمتمت بها "صفا" ، تنظر نحو "جنه" الغارقة في الضحك

- من وأنا صغيره مسمياه فتحي ابو كرش

- مش عارفة هتستحملي الشغل ما راجل زيه أزاي يا صفا

هتفت بها "جنه"، ثم أردفت ضاحكة بشده وهي تتخيل "صفا" مثل "فتحي" في هيئته

- أنا خايفه تبقي زيه ، بكرش كبير وليل نهار في بؤك السندوتش وفي أيدك كوباية الشاي

دفعتها "صفا" بالحذاء ..، بعدما تخيلت حالها هي الأخري نموذج من هذا الرجل

- ونسألك رايحه فين يا صفا ، رايحه الشغل ..، جايه منين جايه من الشغل ..، وانتي بتشربي معاه شاي بالنعناع وبتلموا البط والبيض من العمال ..، عشان متخصموش منهم

أندفعت "صفا" صوبها بعدما وجدتها مستمرة في مزاحها وكأنها قد وجدت فرصتها اليوم

- بقي أنا أعمل كده ، ماشي يا جنه

غرقت كلتاهما في مزاحهم ، حتي سقطوا فوق ظهورهم ، يتنفسون بصعوبة من شدة الضحك

ابتسمت "جنه" وهي تري "صفا" تضحك أخيراً من قلبها ، تنظر لسقف الغرفة متنهدة ثم أغلقت جفنيها ، فاغمضت عينيها هي الأخري تتمني أن يكون القادم يحمل خيراً لهم .

…………….

رمقتها عمتها وهي تجلس جوارها ..، يشاهدون فيلماً , طالما احبته وضحكت في جميع مقاطعه ، ولكن اليوم ابنة شقيقها ليست هي التي اعتادت عليها ، مسدت ذراعها بحنو متسائله بعدما أصابها القلق عليها

- مالك يا فريده ؟

زفرت "فريده" أنفاسها بحيرة ، وهي تُشيح عيناها عن شاشة التلفاز ، تُطالع نظرات عمتها نحوها

- مبقتش عارفه ولا فاهمه حاجه

واردفت بيأس قد تملك قلبها وهي تتذكر نظراته التي تري فيها وميض من الأعجاب يُخفيه سريعاً عنها ، وأحياناً بروداً كالصقيع لا تتحمله ..، يشعرها بأنها تجري وراء رجلاً لن يمنحها قلبه يوماً

ضمتها عمتها إليها مشفقة عليها ، فلما حظ صغيرتها هكذا

- يا حببتي ، الحب مش بيجي بالسهولة اللي أنتي فكراها ..

- بس أنا حبيته من أول مره شوفته فيها يا عمتو

تمتمت بها "فريده" وهي تدفن حالها بين ذراعي عمتها ..، ابتسسمت عمتها وهي تستمع لعبارتها التي تحمل يأسها وضجرها

- مش يمكن متكونيش حبتي ، ويكون مجرد إعجاب بس

انتفضت "فريدة" مبتعده تنظر نحو عمتها بنظرات لائمه

- لا يا عمتو ، أنا متأكده من مشاعري ..، بس ياريت هو يحس بحبي

فالتقطت "كريمه" كفيها تمسح فوقهما وهي تتمني أن يُحب هذا الشاب أبنه شقيقها

- مدام في نظرات إعجاب منه ، حتي لو بيحاول يداريها ..، يبقي في أمل يا فريده

واردفت بعدما رأت السعاده لمعت في عينيها

- حاولي تشاركيه كل حاجة بيحبها ..، أهتمي بأدق تفاصيله .، الراجل لو مخترش الست بقلبه بيختارها بعقله يا بنتي

- بس أنا عايزاه يحبني بقلبه ، مش بعقله

انفرجت شفتي "كريمة" في ضحكه عاليه ، غير مصدقه أن التي تجلس جانبها هي "فريدة" التي كانت تتأفف حنقاً كلما أخبرتها عن أحداً قد تقدم لخطبتها من والدها

- بكره لما يشوف حبك ..، هيحبك يا فريدة

…………..

إنه اليوم الأول لها في عملها، نظرت للمزرعة برهبة..، واتبعت زوج عمتها بخطوات متربكة.. ،دلف "العم صابر" نحو غرفة متوسطة الحجم مُشيراً إليها بأن تتبعه

- جبتلك صفا، تعالي يا بنتي.. ، ده الاستاذ فتحي يا صفا

هتف اسمه ملقبً له باحترام، بعدما طلب منه فتحي ألا ينطق اسمه مجرداً أمام موظفته الجديدة والفلاحين.. ،فلو كان احيانا يتركه ينطق اسمه هكذا ف تقديرا لا أكثر لعمره

قيمها "فتحي " بنظراته، فاطرقت "صفا" رأسها تنتظر أن تسمع كلمته الأخيره بعد تقيمه لها

واخيراً نطق "فتحي"

- معنديش تهاون في الشغل، أنا هنا الكل في الكل

رفعت عيناها نحوه بعدما استمعت لموافقته، متنهدة براحة فلو لم تحصل علي تلك الوظيفة، لكانت أندفعت نحو كرشه لتخرج ما تناوله من خروفهم المسكين

- طبعا يا استاذ فتحي، صفا مش جاية تدلع، مش كده يا صفا

طالعت زوج عمتها، ثم طالعت الواقف أمامها ومازال يتفرسها بنظراته

- فين الدفاتر اللي هرجعها يا أستاذ فتحي

ارتفع حاجبي "فتحي" وهو يستمع لعبارتها..، فقد أظهرت جديتها من أول يوم، وهذا يبشر بالخير والراحه إليه

أشار نحو طاولة صغيرة بمقعد، عليها كومة من الملفات متمتماً

- الدفاتر عندك، وياريت تكوني بتفهمي كويس في الحسابات

ورغم أنه لم يكن تخصصها، إلا إنها كانت بارعة وذكية ولكن عيبها الوحيد الذي كانت تُخبرها به والدتها دوماً إنها كسوله غير طموحه إلا في أحلامها التي تظن إنها ستحصل عليها وهي جالسة فوق فراشها، ولكن ها هي الأحلام قد انتهت

ودعها "العم صابر" داعياً لها بالتوفيق..، فرمقها "فتحي" بجدية واهية لا تليق علي رجلاً مثله

- وريني شطارتك بقى

التمع التحدي في عينيها وهو تتقدم نحو المقعد، تجلس عليها وتلتقط أول الدفاتر لتراجعها وعينان فتحي تترقبها

..........

توقف جوار "رامي" صديقه، في المعرض الفني الذي تمت دعوتهم إليه من قبل إحدى الصديقات، كان "احمد" غارق في مطالعة كل لوحة بتدقيق وحس، يُحلل غموضها ل رامي، الذي بدء يضجر من وجوده هنا، صحيح هو يحب مثل الدعوات ولكنه ليس ك "احمد" الذي يترك لواحة إلا وقيمه بابعادها الهندسية

- نفسي أفهم، أنت مبتزهقش..، ده كل لوحة بتقف قدامها بالنص ساعه

تمتم "رامي" عبارته متأففً، فرمقه "احمد" وعلي وجهه ابتسامه تجعل من أمامه يزداد حنقاً، ثم رمق ساعته

- اللوحة ديه مأخدتش غير عشر دقايق

وانتقل للوحة اخر، فتنهد "رامي" بقوة

- انا هطلع برة ادخن سيجارة، تكون خلصت دراسة الأبعاد الهندسيه والحس الفني يا بشمهندس..

ابتعد " رامي"، خطوتين، ثم عاد خطوتين مضيفاً إليه لقبه الأخر المجهول

- و يا حضرت الكاتب العظيم

ضحك "احمد" رغماً عنه، ثم عاد لجديته متنحنحاً واخذ يدقق في تفصيل اللوحة التي أمامه

- مش معقول أنت هنا يا بشمهندس

التف "احمد" نحو الصوت الذي يعرفه تماماً، فتقدمت منه "فريدة " تمدّ له يدها تُصفحه

- فريدة !

ابتسمت بعتاب، فرغم بعدها عن العمل لثلاثة ايام، حتي تعلم مكانتها بالنسبة إليه، إلا إنه لم يُفكر للحظة في مهاتفتها حتي لو كانت مكالمته عن العمل ولكن " احمد السيوفي" باتت تعرفه وتُدرك إنها الطرف الذي يركض حول تلك العلاقة

- بقالك تلت ايام بعيدة عن الشغل، سألت محسن بيه عنك قالي إنك مريضه

ارتفع حاجبها بذهول، فلم يُخبرها والدها عن الأمر

- إرهاق وشوية برد

- سلامتك

مجرد كلمة نطقها، كانت تعيد الأمل إليها ثانية، وداخلها كانت تخبر حالها إنها ليست إلا حمقاء أمام هذا الرجل

طالت نظراتها نحوه، وقد شعرت بالحرج وهي تراه يعود لمطالعة اللوحات، وبعد مدة من الصمت سألها

- بتحبي اللوحات

- بحب أي حاجه فيها.. فن

التف إليها ينظر في عينيها، بعدما أعطته الجواب..، علقت عيناه بشفتيها وملامحها وهو يعرض عليها مرافقته الليله لتناول العشاء

- إيه رأيك نتعشا سوا النهاردة

وبسعادة كانت تُعطيها جوابه، ضاربة بكل حديثها هذا الصباح مع عمتها عرض الحائط..، بأنها ستريه "فريدة" أخرى قوية.



…………

التمعت عينين الواقفة بسعادة، بعدما تقدمت من موظف الاستقبال في ذلك الفندق الفخم الذي ستقيم فيها..، وقد منحها ذلك الرجل الذي قضت برفقته , يومين تُمتع بهم حالها تقديراً لمهامها في جعله ينال متعته

- في اوضة محجوزة باسم ليلى إبراهيم

هتفت بها ثم مضغت علكتها ، بعدما حركت لسانها فوق شفتيها المطلية باحمر شفاه صارخ

- الشهيرة ب لولا يا روحي

طالعها الموظف, وكأنها لم يسمع عبارتها الأخيرة ، وابتسم متمتماً

- اتفضلي يا فندم، ضيافه سعيدة

اعطاها مفتاح الغرفة، فنظرت بسعادة للمفتاح..، ثم المكان حولها غير مصدقة إنها ستقضي ليلتين هنا تكون فيهم كالسائحات

تحركت بضعة خطوات، بعدما حمل العامل حقيبتها وسار أمامها

..، فسارت خلفه بغنج، وعيناها تدور بالمكان .. تخبر حالها ان صيدها الجديد من الرجال الأثرياء أمره سهل هنا، هكذا حدثت نفسها وشجعتها حتى تنال صيدها ، و لا تخرج من خالية الوفاض من هذا المكان..، ولكن مهلاً إنها تري شخصاً تعرفه هنا..، يسير علي مقربة منها بخيلاء , وكأن لا أحد غيره بالمكان ويرافقه رجلاً اخر وقد تخطاها

رفرف قلبها وهي تلتف بجسدها تنظر لهيئة جسده وذلك الوقار الذي يتمتع به..، حالمة بليلة تقضيها بين ذراعيه تقسم داخلها إنها ستجعله يصل لأكثر درجة من الانتشاء ولكن يعطيها فقط إشارة واحده

غادر الفندق تحت نظراتها ، تُخاطب حالها بتنهيده طويلة

- الوصول ليك صعب يا باشا

احتلي اليأس معالم وجهها، ولكن سرعان ما اشتعل الأمل داخلها متمتمه

- وفيها إيه لما تحاولي تاني يا لولا، ده انتي لولا اللي محدش بيقدر يقاومها

عادت بادراجها نحو موظف الاستقبال، وقد ضجر العامل الواقف ، منتظراً لها.. حتى يرشدها نحو غرفتها

وبلباقة ورقة ، كانت تأخذ بعض المعلومات من موظف الاستقبال عن "عامر السيوفي" بعدما أخبرته إنها علي معرفة به.

وببضعة من الورقات المالية كانت تحصل علي مساعدة حامل الحقائب، الذي اتفقت معه أن يخبرها بعودته

التقطت أذنيها , رنين الهاتف في لفهة، فنهضت علي الفور من فوق فراشها بعدما كانت جالسة عليه تطلي اظافرها، ازالت مئزرها وقد ارتدته فوق فستانها العاري الذي يشبه ثياب النوم واندفعت نحو مرآتها تصفف شعرها بعجالة ثم نثرت عطرها بغزارة فوق ثوبها..،

تأكدت من زينة وجهها واحمر الشفاة الصارخ..، ثم القت بنظرة سريعة علي هيئتها مبتسمه بسعادة علي أنوثتها الصارخة التي لا يُقاومها الرجال

وبخطوات متوترة كانت تلتف حولها في خوف ، وهي تطالع الممر الذي تسير فيه نحو جناحه الخاص، ف بالتأكيد رجلاً مثل "عامر السيوفي" لن يكون مثل النزلاء كحالها ويقيم في غرفة عادية رغم الفخامة التي يتميز بها الفندق

وبقلق مصحوب مع تسارع دقات قلبها.. ،وقفت تطرق الباب منتظرة، تمللت في وقفتها وعادت تطرق الباب مجدداً إلى أن فتح الباب وهو يُجفف شعره دون أن ينظر للواقف وقد ظنه احد موظفي خدمة الغرف

- مش محتاج حاجة حالياً ، واتمنى محدش يزعجني

وقبل أن يغلق الباب، دون أن يعرف هوية الواقف..، كانت تزيح ذراعه عن الباب وتدلف للداخل تهتف بدلال

- كده برضوة يا باشا

تجهمت ملامح "عامر" وهو يري الواقفة أمامه، وقد ظهر الغضب في عينيه

- اوعي تقولي إنك نستنى يا باشا

واسرعت هاتفها، تعرفه بحالها وذلك المكان الذي التقت به معه

- انا لولا يا باشا، لولا اللي بتيجي شقة شريف بيه

ازدادت تقطيبته وهو يتفرس ملامحه وقد تذكرها، إنها إحدى النساء اللاتي يجلبونها في حفلاتهم الخاصة..، حتي يمتعوا حالهم بوجودهن ورغم إنه بعيداً عن تلك التجاوزات التي يفعلها بعض الأصدقاء من أجل تلبية شهواتهم.. ،إلا إنه كان يرافقهم في الجلوس لا أكثر

ومع صمته، كانت الواقفة تبتسم وقد ظنت إنها نالت إستحسانه هذه الليلة

- طول عمرك تقيل في نفسك يا باشا، وده اللي هيجنني عليك

وتقدمت منها، وقبل أن تمدّ يديها لتداعب صدره بطريقتها التي تتقنها، كان يقبض فوقهم بقوة، دافعاً لها بعيداً عنه متمتماً

- خدي بعضك واخرجي من هنا، بدل ما افضحك في الفندق

ابتعدت عنه خوفاً، بعد تصريحه وقد رأت نظرته الشرسة التي لا توحي إلا بصدق كلماته

- ليه كده بس يا باشا، ده انا مش عايزة حاجة غير إن ابسطك

- بت انتِ، أنا مش ناقص وجع دماغ يلا برة

دفعها بقوة من أمامه، كادت أن تُسقطها

- خلاص يا باشا براحه، همشي اه

فانفعل وهو يراها تتبطئ في السير، فتمتم بقسوة

- أنا ليا كلام تاني مع إدارة الفندق، إزاي يدخلوا ناس أمثالك

تجمدت في وقفتها بعدما استمعت لعبارته، واسرعت نحوه تقبل كفه، بعدما سقطت أسفل قدميه

- لا يا باشا بلاش الله يكرمك، أنت عايز تفتح عيون بوليس الأداب عليا

وقبل ان يدفعها عنه، كان ينظر لهيئتها التي أشعلت جزءً من رجولته..، رفعها من خصلاتها ينظر نحو شفتيها وجسدها

- بتحبي الإهانة أنتِ

صمتت وهي تري نظراته المشتعلة بالرغبة

- عارفه ليه؟

سألها وهو يُحرك اصبعه فوق شفتيها في قسوة

- عشان اغلبكم كده، بيجروا ورا غريزتهم

ثم دفعها بيده حتي أصبحت أمام الفراش، وبدفعه أخرى كان يسقطها فوقه، ناظراً لجسدها الذي يفضحه الثوب بسخاء

ورغم شراسة لمساته إلا إنها كانت مستمتعه، راغبة..، ولكن في لحظة كانت يُخرجها من نعيمها، ينهض عنها جاذبً لها بعنف متمتما

- بره

نظرته وصوته لم يكن بهما إلا الغضب، فلم تجد إلا أن تلملم ثوبها وتخطو بسرعة قصوى لخارج الغرفة.

...........

تنهد احمد ضجراً، يستمع لصوت شقيقه الغاضب ، وهو يخبره ان يذهب اليوم للمزرعة بسبب بعض المشاكل التي تحتاج لأحدهم

- مش لازم اروح يا عامر، لما ترجع من الغردقة روح أنت..، مافيش حاجة هتحصل يعني ديه مجرد مشاكل بسيطة

تنهد "عامر" بمقت، وهو يستمع لحديثه البارد الذي يزيده حنقاً

- والبشمهندس هيفضل لحد أمتي بيهرب، ورامي مشاكل الأرض عليا

- عامر!

هتف "احمد" مزمجراً ، بعدما قبض فوق هاتفه بقوة وهو يفهم ما يُلمح إليه شقيقه..

- هتفضل بتهرب من الذكريات لحد أمتي ،؟ مها ماتت افهم بقى

- كفايه يا عامر

تمتم بها، وهو يهوي بجسده فوق المقعد..، بعدما لم يعد يتحمل وقفته والذكريات تقتحم قلبه، تُذكره بتلك الحبيبة

- موتها كان قضاء وقدر..، افهم يا بشمهندس بدل ما أنت عايش ومحمل نفسك موتها

انسابت دمعه من جفنيه، بعدما اطبق فوقهما بقوة، وقد أخذه الحنين لتلك السنين التي كان فيها أسعد رجلاً

- تروح النهاردة المزرعة، ومش لازم تبات هناك ارجع في نفس الليلة..، بس شوف المشكله وحلها لأن فتحي مش عارف يتصرف

أنهي "عامر" حديثه، ثم أغلق الهاتف يقذفه فوق الفراش متنهداً بضيق

- متستحقش تعيش علي ذكراها يا احمد

والتمعت عيناه بقسوة عندما تذكر ذلك اليوم الذي ركض إليه احد رجالة في المزرعة يهتف إليه بخوف

" لقينا ممنوعات في الإسطبل يا بيه"
انكبت فوق الدفاتر التي لا تنتهي من مراجعتها ، والسيد فتحي لا يفعل شئ سوي أن يراقبها ويسألها عن بعض حسابات المحاصيل التي تم بيعها في الأشهر الماضية ..، وهي ما كان عليها إلا أن تثبت له كفاءتها بالرد السريع دون إخفاق ..،

استطاعت في الأسبوع الذي مضي علي وجودها معه ..، أن تنال إعجابه بذكائها , ولكن ذكاءها لم يكون في المرتبة الأولي بالتأكيد ..، فاعجاب

"السيد فتحي" لم يكن إلا لمدحها الدائم له عن قدرته علي السيطرة وحل الأمور ،

كانت نبيهة الفهم كما أخبرها بعد يومين من العمل لها معه

- كل ده بتخلصي مرجعة الشهر اللي فات يا صفا

والتقط كأس الشاي الموضوع أمامها ، ثم تلك السندوتشات التي تصّر عمتها علي أخذها

- حسابات الشهر اللي فات فيها لخبطه كتير ، يا استاذ فتحي

طالعها "السيد فتحي" بعدما أخذ يلوك الطعام بفمه ، ثم ارتشف كأس الشاي خاصتها تحت نظراتها المصدومة ..، فا هو طعامها من بضعة سندوتشات يلتهمها

- عايز الملف يخلص النهاردة ، بدل ما يكون في خصم أخر الشهر

امتقعت ملامحها وهي تسمعه ، فرغم كل ما تفعله لهذا الرجل ، وإطراءها له بكلمات كاذبه ..، لا يكف عن تهديداتها بالخصم من راتبها الذي تنتظره بفارغ الصبر

- هو مافيش جهاز كمبيوتر نسجل عليه الحسابات ، في برامج سهله وسريعه نقدر ندون فيها الحسابات من غير الدفاتر ديه كلها

طالعها "فتحي" وهو لا يفهم شئ مما تقوله ، ولكنه تمتم بعدما أنهي اخر رشفة من كأس الشاي

- كان في جهاز كمبيوتر وباظ ، بقولك إيه يا صفا متوجعيش دماغي بكلام المتعلمين ده ..، شوفي شغلك

أماءت له برأسها مع أبتسامة سمجه اصبحت تُجيدها من أجله ، وفور أن غادر المكان ..، تجهمت ملامحها تقبض فوق كفيها بقوة

- فتحي ابو معده تشيل ألف وجبة

..............................................

غادر الشركة بخطوات متعجلة ، وهو حانق من إجبار "عامر" له للذهاب للمزرعة ..، أعطاه الحارس مفتاح سيارته بعدما أخرجها من جراج الشركة، ثم

ازال رابطة عنقه ، وقد بدء يشعر بالأختناق ، والغضب من كل شئ

- أحمد

استمع لصوتها وهي تتقدم منه بخطوات سريعة ، تحمل بعض الملفات وعلي وجهها نظرات متسائله

- أحمد أنت رايح فين؟

وعندما رأت نظراته القوية وكأنه غاضب من شئ ما ، هتفت

- أنا كنت جايه عشان نراجع شوية حاجات ، خاصه بالمشروع زي ما اتفقنا

طالعها "احمد" بهدوء ، بعدما تدارك أمره ، معتذراً بلباقة قبل أن يصعد سيارته

- اسف يا فريده ، نسيت أبلغك قبل ما توصلي إني رايح المزرعة عندنا في البلد

وبحماس اندلع من عينيها ، اخذت تهتف راجية

- أرجوك خليني أروح معاك

كانت كالطفلة , مُلحة في رجائها

- فريدة ، أنا مش رايح فسحة ..، في مشاكل رايح احلها بدل عامر

واردف بعدما ادار مفتاح سيارته ، وقد أشاح عيناه بعيداً عنها

- عامر بيروح المزرعة كتير …

وقبل أن يُخبرها إنه سيخبر "عامر" ليصطحبها معه المرة القادمه ، كانت تندفع صاعده نحو المقعد المجاور له..، تزيل نظارتها عن رأسها متمتمه

- أرجوك ، أنا عمري ما شوفت الريف .. وهتكون رحلة جميله بالنسبالي

أعترض ، بل ووضع الحجج التي تمنع قدومها معه ، ولكنها لم تكن تسمعه ، تنهد ضجراً وهو يرمقها قبل أن يتحرك بسيارته نحو الطريق لمدينة المنصورة

فارتسمت السعادة فوق ملامحها غير مصدقة أنه اصطحبها معه ، رغم رفضه الشديد ..، رمقها خلسة حانقاً ..، فنفرجت شفتيها في ضحكة جميلة لا تُصدق إنه حانق هكذا

- مش هتتخلص مني ، غير لو فتحت العربيه ورمتني منها

مازحته وهي تضحك ..، وما كان عليه إلا أن يُشاركها الضحك بل والمزاح ..، وفي تلك اللحظه لم تكن تُصدق بأن الذي يُثرثر ويضحك معها هو

"احمد السيوفي" .

…………………

رفعت عيناها عن الدفاتر بأرهاق ، بعدما وجدت "السيد فتحي" قد دلف للتو اخيراً ، فنهضت عن مقعدها واسرعت إليه تحمل له أحد الدفاتر حتي تسأله عن شئ ما ، ولكن "فتحي" كان في عجالة من أمره هاتفاً

- أنا رايح البيت عندي ، اي حاجة تحصل رني عليا

- بس أنا محتاجة ، افهم حاجة منك يا أستاذ فتحي .. ، الحسابات هنا فيها شوية لخبطه

رمقها "فتحي" بضجر ، واسرع مُغادراً

- بقولك إيه يا صفا ، انا وافقت علي شغلك هنا ..، عشان تعملي كل المطلوب

وانصرف قبل أن يسمع عباراتها ، التي لو كان سمعها لطردها علي الفور

- ده أنا بقيت شغاله بدالك في كل حاجة ..

واردفت متهكمه، بعدما اصبح لديها معلومه بأنه زوج لأثنتين

- ما أنت لازم متكونش فاضي ..، مش متجوز اتنين

………………..

توقف "احمد" بسيارته جانب الطريق ، يلتقط أنفاسه بصعوبه بعدما لم يعد لديه قدرة علي المواصله ..، طالعته "فريده" بقلق تتسأل وقد أنتابها الذعر

- أحمد مالك ؟

- مخنوق يا فريدة ، حاسس إن روحي بتنسحب

- طيب تعالا مكاني ، واسوق بدالك

استجاب لها بعدما طالع الطريق أمامه ، فهو لن يتحمل المرور منه ، فالذكري مازالت محفورة داخله

احتلت مقعده ، ثم طالعتها بعدما طالعت الطريق الزراعي الطويل متسائله

- أفضل ماشية علي طول الطريق

أماء لها بعدما أغمض عيناه ، واسترخي برأسه فوق زجاج السيارة ..، غارقاً مع ذكرياته وتفاصيل الحادث قد عادت إليه رغم مرور خمس سنوات ولكن كل شئ ظل محفوراً داخله

تحركت بالسيارة ببطئ بسبب وعرة الطريق ..، ومن حينا إلي أخر كانت تنظر الي تشنجات وجهه وتلك الحالة العجيبة التي اصبح عليها فجأة.

ترقبته بنظرات طويلة بعدما توقفت أمام البوابة الضخمة الخاصه بالمزرعة ..، فرأته يعتدل في مكانه ..، يفرك جبينه بقوة وكأنه يطرد شئ ما يقتحم عقله

- خلينا نروح مستشفي هنا ، شكلك بيقول أنك مش كويس

هتفت بها "فريدة" وقد عاد القلق يرتسم فوق ملامحها ، طالعها بنظرة ضائعه ..، وهو يُحاول الثبات للعودة ونفض ذلك اليوم الذي اقتحمه بشدة عندما اصبح في البلده

- انا كويس يا فريده

- هو إيه اللي حصلك يا أحمد فجأه

رمقها قبل أن يلتقط زجاجه الماء من أسفل قدميه ، وترجل من السيارة ..، يزفر أنفاسه ..، ثم مسح وجهه بالماء بعدما أرتشف منه القليل ..، فغادرت السيارة هي الأخري واتجهت نحوه

- فريدة لو سامحتي مش عايزك تسألني عن السبب

طالعته في دهشة ، فهي تشعر بالقلق عليه ، وتريد معرفة السبب الذي جعله هكذا ..، وهو يُخبرها بكل بساطة أن لا تسأل عن شئ ، وقبل أن تهتف بحديث أخر كان يتجه نحو مقعده وينتظر صعودها السياره وهو يدق بوق السيارة بقوة ..، لتنفتح البوابة علي مصرعيها بعد لحظات

……………..

استرخت "صفا" في جلستها، متنهدة براحة بعدما جاء وقت استراحتها..، تمتمت حانقة وهي تنظر للمكتب الخالي..، ف بالتأكيد "السيد فتحي" الأن في منزله يتناول الطعام ، لدي زوجته الثانية .. ويأخد قسطً من الراحه ويتركها هي بين الدفاتر، ولا تهاتفه إلا إذا حدث أمر طارئ ..، وخاصة إذا جاء

" السيد عبدالرحيم" اليوم، ذلك الموظف المسئول عن عقود التجار وعقود صفقات البيع، مدّت ذراعيها للأمام لعلها تخفف الامهم من شدة تصلبهم،ثم

شعرت بالجوع فاسرعت في اجتذاب حقيبتها ولكن توقفت عن التقاطها وهي تتذكر أن "السيد فتحي" ذو كرش متسع تناول طعامها..، القتها حانقة فالخروج من المزرعة قبل موعد الإنصراف غير مسموح سوي لفرد واحد بالتأكيد " السيد فتحي" الذي لديه صلة قرابه مع السيد الكبير

- أنا لازم بعد كده اعمل حسابه معايا في السندوتشات، مش كل يوم تفضل معدتي تتعصر من الجوع وهو ياكل اكلي

تمتمت بطفولة، وهي تمسح فوق معدتها الجائعة.. ، عادت تفرد بجسدها قليلا وخاصة تلك المرة ساقيها، ولكن هناك شئ قد جلبته معاها بل شيئين..، اتسعت حدقتيها سعادة .. إنها قد تذكرت ، فحقا لم يعد لديها ذاكرة بعد تلك الحسابات والمراجعات التي لم يعد لعقلها أن يتسع لغيرهما

التقطت حقيبتها مرة أخرى، حتى تخرج كنزها الثمين الأول..، كعكة قد ابتعتها وهي اتية حتى تدلل معدتها مع كأس الشاي

وكنز أخر, ها هو يخرج ببطء، كتاب لكاتبها المتيمه به..، ورغم فقدها لشغفها بعد ما مرت به إلا أن أمس أتت إليها "جنة" به حتى يُسليها في عملها عندما تجد وقتً

طالعت الكتاب بشغف، تسأله كأنها تسأل حالها

- تفتكر هقرء كلامك زي ما كنت زمان ؟

وخرجت تنهيدة حزينة منها وهي تفتحه..، ولكن هذه المرة كانت تعيش داخل ما افتقدته منذ أشهر

استمعت لصوت في الخارج ولكنها لم تهتم، ف اهتمامها كان منصب علي كعكتها وكتابها

- نورت المزرعة يا احمد بيه

تجمدت عيناها نحو الأسطر، فالصوت أصبح قريبًا منها للغاية

- فين فتحي، يا صفا

والصوت لم يصبح قريبًا فقط، بل هتف أحدهم باسمها

انتفضت عن مقعدها وقد اتسعت عيناها ذهولاً، وهي تري الواقفين أمامها.. ،السيد عبدالرحيم الذي رمقها حانقاً من ذهولها اللعين، وسيدة جميلة أنيقة تُطالع المكان بعينيها بنظرة لا تعرف لها معنى، ورجلا يقف بشموخ وقوة ورغم الأرهاق الظاهر فوق ملامحه إلا إنه كان وسيم بل وسيمً جداً كابطال الروايات

تعلقت عينين " احمد" بالكتاب الذي تمسكه وقد ظنت إنه يرمقها هي، وسرعان ما اشاح عينيه عنها، يهتف بغضب

- مش معقول يكون في إهمال كده يا استاذ عبدالرحيم، فين استاذ فتحي

توتر " عبدالرحيم" وهو ينظر نحو "صفا" التي وقفت متجمدة الملامح.. تنظر إليهم

- قولتلك يا بشمهندس إن فتحي مستقوي بالقرابة اللي بينكم

تنهد مضجراً، وقد عاد يُطالع "صفا" بنبرة جامدة

- أنتي هتفضلي واقفه كده، فين استاذ فتحي يا استاذه

صدح صوته الصارخ، مما افزع "فريدة " الواقفة جواره، انتفضت "صفا" من حالتها الغريبة..، فما الذي حدث لها لتكون هكذا أمام هذا الرجل، تمالكت حالها وبنبرة حاولة أن تخرج ثابته

- استاذ فتحي راح يشوف مشكله حصلت في الأرض

رمقها "عبدالرحيم" وهو يعلم بكذبتها، فاسرع بنداء العامل الذي يقف خارج الغرفة

- عبدالمجيد، روح الأرض ونادي فتحي، قوله البيه هنا

اسرع العامل مغادراً، فبهتت ملامح "صفا"، وهي تري نظرة " السيد عبدالرحيم" المتهكمه نحوها.. ،ولكن ما افزعها تلك النظرة التي رمقها بها السيد الأخر صاحب الهالة القوية

- احمد خلينا نروح الأرض إحنا، ونشوف الموظف المهمل ده هناك

تمتمت "فريدة" بنبرة رقيقه، وهي ترمق "صفا" التي أنشغلت في البحث عن شئ ما فوق سطح المكتب..

أعجب" السيد عبدالرحيم" بهذا الاقتراح الذي هتفت به السيدة الجميلة، لأنه يعلم بأن فتحي ليس هناك، وهكذا سيتخلص منه ومن عجرفتها التي يمقتها

- أنا شايف إن اقتراح الهانم، صح يا احمد بيه واه حضرتك تشوف المحصول

كاد أن يوافقهم" احمد" علي الاقتراح، رغم إنه لا يُريد الدلوف لداخل المزرعة، فقد استطاع تجاوز شعوره هنا بصعوبه

طالعتهم " صفا" وقد نسوا وجودها، ولكن اخيراً تنفست براحة وهي تري" السيد فتحي" يُجيب علي مكالمتها وقد فتح الخط ، وبالتأكيد قد أستمع للحديث الدائر هنا

رمقها "احمد" بنظرة ممتقعة، فكيف لها أن تعمل هنا وعلي ما يبدو إنها لا تفهم شئ

- استاذ عبدالرحيم، دفاتر محصول الشهر اللي فات..، مش المفروض هتوريها للبيه، ده استاذ فتحي قالي لازم حضرتك تطلع عليها

تمتمت بها وهي تتجه نحوه، دون أن تعير صاحب المكان أي نظرة، فقد انتهت لحظات هيامها بذلك المتعجرف من أصحاب المال

التقط "السيد عبدالرحيم" منها الدفتر، بعدما علم إنها فعلت ذلك لتؤخره عما يريد حدوثه، ولكن ما اذهلها واذهله، أن" أحمد" هو من مدَّ يده ليأخذه منه ، بعدما رمقها بنظرة قاتمة لتجاهلها له

ابتسمت " صفا" وهي تري نظراته إليها وقد تبدلت، بعدما كان يظنها فتاة لا تعرف أن تتحدث

طالعتها "فريدة" ولم تخفي عنها ابتسامتها، بعدما استطاعت تلك العاملة أن تجذب انتباه، حتي لو بتلك الطريقة التي فهمتها

- احمد مش هنروح الأرض

- لو عايزة تروحي أنتي يا فريده، ممكن استاذ عبدالرحيم ياخدك معاه..، ويبعتلي بنفسه الموظف اللي المفروض كنت الاقيه موجود في مكتبه

تمتم بها " احمد" الذي جلس علي أحد المقاعد، يُطالع الدفتر ويتمنى داخله أن تكون هذه الفتاة مهملة، لتنال طرده فهي لم تروقه

تنهدت "فريدة" بضجر وحنق من معاملته، واقتربت من احد المقاعد تمسحها بمنديلاً، فحدقت " صفا" بها ولم يعد لسانها يستطيع أن يكف عن الحديث

- المكتب نضيف يا فندم، متقلقيش

ولكن "فريدة" لم تهتم بحديثها

- هاتي دفتر موسم الصيف

تمتم بها "احمد" ومازالت عيناه نحو الدفتر

- صفا، لسا جديدة هنا، شغاله من اسبوع..، متوقعش هتعرف حاجة عن توزيع الدفاتر

فرفع "احمد" عيناه نحو الواقفه التي اتجهت علي الفوز نحو احد الأركان تبحث عن احد الدفاتر، متمتمه بعدما التقطت الدفتر

- الدفتر، اه يا فندم

تجهمت ملامح" عبدالرحيم" وخرج من الغرفة حتى يُهاتف التاجر الذي حدثت معه المشكله الأخيرة بسبب المحصول الذي لم يحصل إلا علي نصفه كما اتفق مع فتحي

التقط منها "احمد" الدفتر، وعيناه لأول مرة منذ زمن تدقق في تفاصيل ملامح امرأة بتلك الطريقة..، ارتبكت "صفا" من نظرته، وقد اشاح عيناه نحو الدفتر ، وعاد لجموده وقد انشغلت "فريدة" في تصفح هاتفها.

أتى " السيد فتحي" أخيراً وقد خلصها من متطلبات هذا الرجل وجمودة

ولأول مرة تشعر بالسعادة وهي تستمع لتوبيخ أحدهم، ولكن توبيخ الجالس، لفتحي الذي وقف مطرق الرأس قد اطربها

- يا احمد بيه، مشكلة التاجر منه هو ..، هو اللي مرضاش يا خد النص التاني الطلبية لانه شايفها مش بنفس الجودة

- وليه المحصول مبقاش بنفس الجودة

طرق "احمد" كفه بقوة فوق سطح المكتب، فطالعه" فتحي" بتوتر

- مافيش مهندس زراعي كويس، اللى كان قبل ده..، كان بيفهم في أمور الأرض لكن

والتف خلفه، يرمق عبدالرحيم

- استاذ عبدالرحيم هو اللي معينه، عشان ابن اخته

وهنا قد بدأت حارب طاحنة، بين عبدالرحيم وفتحي بالألفاظ..، حتى اتي اسمها بالحديث وكل منهما يخرج ما بجبعته

- عامر بيه، لازم يعرف كل اللي بيحصل هنا..، وقريب هيكون ليه زيارة

القى الواقف عبارته، بعدما ظهرت معالم الغضب فوق وجهه، وقد نسي أي حديث قد تم قوله ولم يتذكر إلا أن تلك الواقفه ليست تمتلك شهادة خاصه بمجال المحاسبة

- وانتي يا استاذه..

لم تنتبه "صفا" علي حديثه، بل كانت تقف مبتسمه كالبلهاء وهي تستمع للتوبيخ الذي حدث لفتحي وعبدالرحيم وكيف وقفوا مطرقين الرأس في صمت ،

وبنبرة قوية كان يكمل حديثه متسائلاً بغلظة

- معاكي شهادة ولا مجرد دبلوم يا أستاذة

انتبهت "صفا" علي حديثه، وقد توقفت عيناها نحوه، وقد رمقها بنظرة محتقرة بعدما فهم الوضع

- لا أنا مهندسه اتصالات يا فندم

القت عبارتها بثبات، حتي تزيل تلك النظرة التي تقلل من قدرها

- و اظن يا فندم محدش بيشتغل بتخصصه ، لكن الكفاءة بتحكم، وحضرتك شايف الدفاتر قدامك.

تفاجأ" احمد" بردها، ف الفتاة التي يظنها بلهاء، تقف تجيب عليه دون أن تهتز

- بس الحسابات مش من تخصصك، وممكن تخسري المزرعة فلوس كتير

قالتها "فريدة"، وهي ترمق "صفا" بنظرة متهكمه

- مافيش مشكله يا فندم، تقدر تفصلني عن الشعل

قالتها بثبات وقوة لذلك الواقف ، والتفت بعينيها نحو "فريدة" التي رمقتها بحقد

طالعت فريدة "احمد" تنتظر أن يؤكد علي كلامها ولكن "احمد" كان يُحدق بالواقفة أمامه، إنها تُذكره بها ليس في الملامح ولكن بشخصيتها، شخصية لا تعرف اهي بلهاء، ام ضعيفة..، ام قوية .. تفرض حضورها إذا لزم الأمر

..........

انتبهت "جنه" بكل حواسها لما تقصه عليه "صفا" غير مصدقة ما حدث اليوم، ومناطحتها لهذا الرجل الذي وصفته بالبرود الذي لم تري مثيله بحياتها، قطبت "جنة" حاجبيها وقد عادت "صفا" لوصفه لها

- أنا شايف إنك كنتي مركزه مع عيونه اوي يا صفا

هتفت بها "جنه" بمكر قد خُفى عن عينين" صفا" التي أنشغلت في طيّ الملابس ورصها في الخزانة الصغيرة

- ولا شعره يا جنه، شعره ناعم واشقر..، هو مش اشقر اوي..، بس زي الاجانب كده

اتسعت عينين "جنه" ذهولاً، ولطمت صدرها تشهق بقوة

- نهار اسود، ده انتي فصصتي الراجل، فين صفا اللي بتكثف تبص علي أي راجل.. ،ده أنتي كان أخرك الروايات

طالعتها "صفا" بعدما شعرت بالصدمة من حالها، فكيف أخرجت ذلك الحديث من داخلها..

- هو أنا حكيت حاجه اكتر من وصفه ياجنه

رمقتها "جنه" بتلاعب، وقد أدركت الوضع الأحمق الذي شردت به "صفا" برجلاً لن تصادفه مرة أخرى

- أنتي حتى لو مقولتيش , عينك فضحتك

طالعتها "صفا" حانقة، بعدما دفعت بالثوب الذي طوته للتو إليها ، ثم القت بجسدها فوق الفراش

- اول مرة راجل يخطف قلبي كده يا جنه

لم تتحمل "جنه"، ذلك الهيام الذي تسمعه منها، فتعالت ضحكتها غير مصدقة حالتها اليوم

- ياصفا يا حببتي انتي اخرك أبطال الحكايات اللي انتي بتتخيليهم في أحلامك، ومراد زين الكاتب العجوز اللي بتحبي

ولم ينتهي تهكم "جنه" إلا عندما قذفتها "صفا" بالوسادة الثقيله، وقد انبطحت بعدها، انفرجت شفتي صفا في ضحكة عاليه..، أتت عمتها عليها متسائله وهي تنظر إليهم

- مالكم في إيه ؟

وكاد أن يخرج من شفتي "جنه" الحديث ، إلا أن صفا أندفعت نحوها ترفعها من فوق الأرض، وتكتم شفتيها بكفها تُخبر عمتها

- أصلها مش مصدقة إن فتحي اداني مكافأة النهاردة

………………….

عاد بعدما يوم عصيب مرهق قد مرّ به ، انعش جسده بالماء البارد لعله يفيق قليلاً من تلك الحالة التي وصل إليها ..، فقد تجاوز اليوم أمراً لم يظنه أنه ييتجاوزه يوماً , لقد ذهب للمزرعه ..، ذهب للمكان الذي فقد فيه حبيبته ..، للمكان الذي شهد بعضً من لحظاتهم السعيدة ..

خرج من المرحاض يُجفف عنقه وشعره ، واتجه نحو الفراش يهوي عليه دون أن يبدل مئزره ، فلم يعد يتحمل الارهاق الذي ينهش جسده ..، تمدد فوق الفراش ثم أغمض عينيه ..، وصورة واحده كانت تظهر أمامه .. ، صورة تلك الفتاه التي تعمل بالمزرعة ، نفض رأسه سريعاً وهو ينهض عن الفراش وكأن عقرب قد لدغه ..، فكيف لعقله أن يُخزن بذاكرته أمرأه غير "مها" ومن مجرد لقاء واحد قد جمعهم

اتجه نحو مكتبه الخاص في غرفته الفسيحه ..، يفتح أحد ادراجه ويخرج إطار صورة , كانت من اجمل ذكرياتهم وهي تضحك ، بضحكتها الجميلة التي سلبت فؤاده في أول لقاء بينهم كما سلبت قلبه بأكمله ، كانوا يُداعبون الفرس الذي كان هو ورقته الرابحة في سباقاته والمفضل لديه ، وكان أيضاً سببً في كرهه للفروسية ، إنه السبب في موتها

القي الصورة داخل الدرج ، بعدما لم يعد لديه قدرة كالعادة في مطالعة أي شئ كان يجمعهما ..، فالشوق والحنين يأخذه إليها

واللحظات الجميلة ها هي تتدافق علي عقله ، يتذكرها وكأنها كانت بالأمس بين ذراعيه

- أحمد كفايه بقي خلينا نمشي ، أنت عندك شغلك وأنا كمان

داعب عنقها بشفتيه ، وهو غارق في دفئها ولذتها

- مش مهم أي حاجة ، المهم تفضلي في حضني

أخذها في جولة أخري في بحور عشقه ..، وبصعوبة كانت تتخلص من آسره ضاحكة بعدما رأت نيته

- لا ده أحنا كده هنفضل طول اليوم هنا ، وأنا لازم أفتح المكتب النهارده

ارتطم فوق الفراش بثقله ، بعدما لم يستطيع جذبها

- مفكرتيش برضوه في كلامي

اقتربت منه ، بعدما ضمت الغطاء فوق جسدها بأحكام ..، وتنهدت وهي تُطالع نظرته إليها

- وأنا نفسي يبقي ليا كيان يا احمد ، حتي لو في مجرد مكتب بسيط ..، كفايه إنك بتصرف علي أهلي

واردفت متحسرة علي حالها

- ويمكن في يوم تسيبني ، وهكون خسرت كل حاجة في حياتي

اجتذبها إليه ، بعدما لم يعد يتحمل رؤيتها بهذا الضعف ..، وحديثها عن تركه لها يوماً

- أنا عمري ما هحب ست غيرك يا مها ، ولا هقبل بست تاني إلا أنتي

لامس خدها بحنو ، يمسح عنها دموعها ..، يهمس لها بعشق

- بحبك

فاق من ذكرياته وقد وقف أمام مرآته يُطالع حاله

- لازم تبعد عن فريده يا احمد ، قلبك ل مها ومافيش ست هتقدر تاخد مكانها!

...............................................................

ورغم الفتور الذي ستيقظ به هذا الصباح ، إلا أن ما كان ينتظره منذ عام قد تحقق وهو يتلقي تلك المكالمة الهامة التي لم يُصدقها ..، طالع بريده الألكتروني وقد أتت عليه رساله بريديه أمس ، ولكنه لم يُجيب عليها ..، فاضطرت المؤسسه لمهاتفته حتي تخبره بالخبر السعيد وسعادتهم في الأنضمام إليهم

نهض عن مقعده وقد أخذ يدور في أرجاء غرفة مكتبه بحماس، ثم عاد ينظر نحو الفاكس المُرسل ، وجلس مرة أخري علي مقعده خلف مكتبه مُسترخياً بملامح سعيدة ، مُنتصرة لما حققه

احمد : يا اخيراً وصلت لحلمي ، وانضميت للمؤسسة في أمريكا

وسرعان ما كان يعتدل بثبات ، وقد دلفت سكرتيرته تُخبره بوجود "رامي" صديقه

- دخليه بسرعه يا داليا

غادرت الغرفة بعدما تلقت أمره ، وقد اعتلي ملامحها الذهول , من تلك السعاده الغريبة التي ترتسم فوق ملامحه الجاده ، فلم تعتاد علي رؤيته هكذا طيلة الثلاث أعوام التي عملت فيها معه

طالعه "رامي" بغرابه بعدما دلف ورأه علي حالته العجيبة ، فاتجه نحوه متسائلاً بشك

- ما تقولي سبب سعادتك ديه ، وفرحني معاك ياابن السيوفي

وجلس بعدها ينتظر سماعه ، فوق المقعد المقابل له ، اتسعت أبتسامة أحمد وقد شعر "رامي" بالقلق من هيئته الغريبة ..، فلم يري صديقه هكذا منذ سنوات دراستهم بالجامعة

- الشركه الامريكيه وافقت علي المشروع السياحي اللي قدمته ليها ، وموافقه اني اكون شريك معاهم بنسبه30%

ندهش رامي مما سمعه متمتماً بعدما نهض عن مقعده هو الأخر وقد الجمه الخبر:

- احمد انت بتهزر !

احمد : كان حلم حياتي اوصل للشركه ديه وانضم ليها ، انت عارف انها بتضم أكبر مهندسين العالم في المعمار

حضنه "رامي" بسعاده غير مُصدقاً ما وصل إليه صديقه

- مبروك يا احمد ، متعرفش أنا فرحان ليك أد أيه

ولكن سرعان ما تلاشت سعادته وطالت نظراته نحوه ، بعدما تذكر أن صديقه سيرحل عن مصر ، لتصبح حياته في بلد أخر

- طيب والكتابه وشركتك هنا في مصر

احمد : الشركات هنا في "عامر" وهو أجدر مني في كل حاجه ، اما كتابة الروايات

فأنا قررت اوقف كتابه خلاص ، جيه الوقت الي اوقف خداعي للناس انا مش "مراد زين".. ، صحيح انا الكاتب الاصلي بس مراد زين , مات من 15 سنه

واردف وهو يُشيح عيناه عن صديقه

- أنا بخدع الناس بالمثاليه والحب ..، الحب اللي بقيت عايش فيه مع الذكريات ، انا شخص مات من زمان يا صاحبي ..، مات مع اول صدمة كانت في حياته

وارتفعت وتيرة أنفاسه وهو يتذكرها

- موت الانسانه الوحيده اللي حبتها

واتبع حديثه بمرارة اقتحمت حلقه

- مراد زين ، الكاتب اللي كتاباته مغرقة السوق , سواء عن الحب او الظلم أو العداله او الرضي .. ، عالم بيحاول يبنيه لنفسه عشان يقدر يعيش والانسان اللي جواه ميموتش

وابتسم وهو يتابع حديثه ، وقد ترك حلم أخر خلفه :

- مراد زين أعتزل خلاص ، زي ما أعتزل الفروسيه زمان

ومد ذراعيه نحو "رامي" الذي اصبحت ملامحه حزينة لفراقه :

- محدش يعرف حقيقة مراد زين غيرك انت وعامر ، أنا واثق ان عامر هيفرح من خبر أعتزالي للكتابه ، لانه من زمان اوي كان معترض..

واردف وهو متحسراً علي حال شقيقه :

- هو شايف ان العالم اللي لازم نعيشه هو عالم الفلوس و الصفقات

- وأنا يا احمد ؟

تمتم بها "رامي" ، فرمقه أحمد وقد تلاشت سعادته وهو يري حزن صديقه

- هنفضل ديما علي تواصل يا رامي ، ومين عالم يمكن تغير فكرتك وتيجي أمريكا معايا ..، لسا فاضل شهر علي رحلتي

احتضنه "رامي" بقوه ، فرغم حزنه علي فراقه ..، إلا إنه يتمني له النجاح ولعلا يجد حياة جديده له هناك بعيداً عن الذكريات

- اهم حاجه عندي يا ابن السيوفي انك تنجح وتنجح ، تنجح بقي في عالم الادب ، تنجح في عالم المال ، تنجح في عالم الهندسه والعلم .. المهم انك تنجح لانك تستاهل ياصاحبي

وابتسم بحزن وهو يُطالعه : هفتقدك اووي يا أحمد ، اوعي رحلتك تطول في أمريكا وتعيش عمرك كله هناك
ظن ما سمعه من شقيقه مجرد مزحة سخيفه ، صحيح هو يُعلم أن تلك الخطوة كانت من اهداف شقيقه وكان يخبره في الماضي إنه يحلم للأنضمام لتلك المؤسسه ..، وهو كان يأخذ الامر ضاحكاً .

- مش شايف ، فرحه في عينك يا عامر

وابتسم وهو يُمازحه بعدما أقترب منه

- تقريباً أنت زعلان علي المشروع اللي هسيبك في نصه ..، وهتكمله أنت يا باشا

رمقه "عامر" بنظرة غاضبه ، ورفع يده مُحذراً له من مزاحه الذي لا يروقه اليوم

- تمام يا باشا هسكت خالص ، بس أنا فعلا محتاج أسمعك وأنت بتباركلي وتاخدني في حضنك

- ممكن تسكت شويه يا أحمد

وأخيراً قد نهض عن مقعده ، واخذ يدور حول حاله ، يفرك جبينه بأرهاق ..، تحت نظرات "احمد" ، فهو يعلم مدي صعوبة الأمر علي شقيقه

أطرق "عامر" رأسه ، مُتأملاً سجاده مكتبه الفاخمة وكأنه يُرتب أفكاره من تحديقه بها،

فأفكاره كانت مشتته ، وقلبه لا يحتمل ترك شقيقه له ..، ليكون كل منهما في دولة أخري ..، وتطول الأيام والسنين ويزداد بعدهم ، ويصبح كل منهما ذكري للأخري

أعتصرت قبضة الفراق قلبه ، فهو ليس لديه قدرة علي بعده ..، لقد سعي لتزويجه من "فريدة" حتي يربطه به أكثر ، ربطه بكثرة الأعمال حتي لا يدعه يُفكر في البعد ، بل من الهروب من حياته

- عامر ، أنا مش هكون فرحان ..، لو أنت رفضت ..، عامر أنا محتاج أبعد عن هنا

رفع "عامر" عينيه ، ينظر إليه بعدما أستمع لعبارته ..، فلم يجد إلا الرجاء بهما ..، حاول الثبات في وقفته , بعدما هدأت وتيرة انفاسه المتهدجة ، وأصبحت المسافة بينهم منعدمه ، وبصوت رخيم هتف

- أنا محتاجك جانبي يا أحمد ، محتاج أخويا اللي مليش غيره ، عايز تبعد عني وتسافر

وتلك المرة كان يهتف هو برجاء متسائلا

- طيب انا زعلتك في حاجه ..، لو موضوع تدخلي في حياتك مضايقك ..، اوعدك هبطل افرض قرارتي عليك ..، مع أني بعمل كده حب صدقني

قاوم "احمد" دموعه ، بعدما تأثر بحديث شقيقه ، وهو يري مدي الحب في عينيه

- أنت أبني مش أخويا يا احمد

أخفي "احمد" عيناه عنه وأطرق رأسه أرضاً ، وقد لمعت الدموع في عينيه ، فلم يحب يوماً تلك اللحظات ، والأكثر أن تكون مع من يحبهم

- مش هنكر وأقولك إني مش عايز أبعد ، بس أنا محتاج أبعد ..، يمكن أنسي الماضي

- هتنسي الماضي ، وتنساني معاه يا أحمد

صرخ بها بقهر ، وقد بدأت المخاوف تقتحم فؤاده

- أنت بتقول إيه يا عامر ، أنساك ..، لو قولت متسافرش هنسي حلمي وهقعد يا عامر ولا في يوم تفكر إني ممكن أنساك

جذبه "عامر" إليه وقد دمعت عيناه هو الأخر، يضمه بين ذراعيه بقوة

- صدقني يا عامر ، ده كان حلم حياتي اني انضم لمؤسسه زي ديه ، انت عارف إنها اكبر مؤسسه للمهندسين المعمارين في أمريكا

- عارف يا أحمد ، عارف وفخور بيك

تمتم بها بقلة حيله ، فقد بدء قلبه يرأف علي حال شقيقه .، ولن يحرمه من حلمه وقراره

- وصدقني مش هطول هناك ، هعمل أسمي واثبت وجودي وأرجعلك

- كام سنه يا احمد

هتف بها "عامر" بعدما أبتعد عنه ، يُطالعه بمشاكسه ..،ينتظر أن يسمع رقماً حتي يُعاقبها بعدها إذا لم يعود إليه

صدحت ضحكات "احمد" بعد تلك اللحظات المؤثرة

- بتحط العقده في المنشار

عاد يجذبه "عامر" إليه ، بعدما ضحك هو الأخر

- متخافش يا عامر ، الغربه مش هتاخدني وانساك ..هحقق حلمي واجي احط ايدي في ايدك من تاني

- طب الكتابه وشهرتك هنا هتسيبها

أراد أن يضع له حلمه الأخر الذي سعي في تحقيقه ..، منذ خمس سنوات ..، وبالفعل كما قال له ..، إنه يضع له العقده بالمنشار

فضحك احمد ساخراً وهو ينظر لشقيقه ، وقد وقف يرمقه بترقب منتظراً جوابه ، ولكن جوابه صدمه

- أنا أعتزلت يا عامر ، ومن مده بفكر في الحكاية ديه

ثم اردف متذكراً خاله

- الكاتب المشهور مراد زين .. هو خالك الله يرحمه ، يعني أحمد السيوفي لا وجود له

طالعه "عامر" متجهماً بعدما خسر ورقته الأخيره

- أنا كنت معترض علي العالم ده ، عالم خلاك ديما منفصل عن الواقع ومقدرتش حتي تنسي الماضي معاه وتكون شخص جديد..

واردف مُتهكماً بعدما طالعه "احمد" بابتسامه واسعه

- لا انت بقيت عارف تكون "أحمد السيوفي" ولا بقيت عارف تكون "مراد زين" ... ، بقيت عامل زي بياع الورد , بيبيع للناس الورد عشان يفرحهم مع انه اكتر واحد بيتأذي من شوكه

وتابع حديثه : طيب اتجوز فريده وخدها معاك ، فريده مهندسه شاطرة وذكيه وفي نفس مجالك ، واه أكون اطمنت عليك

وها هي عقده جديده يضعها شقيقه أمامه ، ويعلم إنه لن يفعلها ..، فقد حرم النساء عليه وانتهي الامر

- فريده بنت هايله يا عامر ، لكن أنا منفعهاش ..، وبلاش تحط العقده من تاني يا عامر

رمقها "عامر" ماقتًا من عقله الصلد ، الذي للأسف يشبه عقله

- نفسي تسعي ليك ، وتتجوز أنت يا عامر

- لسا برضوه منستش الماضي ، منستش مها

هتف بها حتي يهرب من عبارة شقيقه

- شايف أه انت بتهرب من حصاري ليك يا عامر، اظاهر أننا هنفضل مضربين عن الجواز لنهاية العمر

القي عبارته الأخيره مازحاً ، فانفرجت شفتي "عامر" بابتسامه واسعه .، وفتح له ذراعيه مجدداً

- مدام فاضل شهر علي سفرك ، حاول تشوف فريده بصوره تانيه يا احمد ..، يمكن تلاقيها شريكه حياتك المناسبه ليك ..، مدام مش هتختار بقلبك ..، مش عايزك تكون زي أسير الماضي

ابتعد عنه "احمد" ، وقد اصبح بالفعل يشفق علي حال شقيقه ..، وهو يدفن عمره , ويري النساء في صورة والدته

- أنا صعب أنسي يا عامر ، لكن أنت تقدر تسامح وتنسي ..، عاقبة ماما كتير وكفايه عليها كده وعليك

وعندما وجد الجمود يرتسم فوق ملامح شقيقه ثانيه ، تمتم بمزاح حتي يُخرجه من تلك الحاله قبل أن يتقمسها



احمد : شعرك بدء يشيب يابوس !!

…………….

ربت" احمد "فوق كتف صديقه، يمدّ له باخر عمل قد كتبه ، وانتهت معه رحله أعماله الأدبيه

طالع "رامي" الأوراق المدون بها العمل ، ينظر للاسم يُحاول أن يفهم أختيار صديقه له

رامي : المواجهه !

فهتف أحمد ، بعدما رأي نظرات الأستفهام من عينين صديقه

- الكتاب ده متنشرهوش دلوقتي غير لما ابعتلك ، وهو ده اللي هتكتب فيه قرار اعتزالي للأبد

أندهش رامي مما يسمعه ، فلم يؤجل صديقه نشره ، ولما يُعطيه له اليوم قبل موعد رحيله بعد غد

- حاولت أنهيه قبل ما أسافر، ومكنتش مكرر انشره غير وقت أعتزالي من عالم الأدب او بالأصح عالم رفضي الواقع ..، بس كل حاجة أتغيرت حسابتها بعد ما جات فرصة سافري لأمريكا

رمقها "رامي" متفهماً ، فهو كان يعلم بنية صديقه عن الأعتزال ولكنه كان يتمني أن يتغاضي عنها يوماً ،ولكن صديقه أتخذ الأمر بجديه بعد جاءه عقد الأنضمام

وسؤال واحد كان يطرق عقل "رامي" بإلحاح ، فلما أختار صديقه هذا الاسم ؟

- مواجهه ايه بالظبط ، اللي انت عايز توصلها لقرائك ؟

احمد ببتسامة واسعه : مواجهة الألم !

….

وها هو يواجه ألم أخر لم يكن يحسب له ، وهو يُهاتف "فريدة" يرغب في لقاءها بعد إنصراف صديقه .

..................

طالعته في سكون تام، وقد تلاشت سعادتها رويداً..، ظنت إنها أصبحت قريبه منه وقد بدء يشعر بها وبحبها..، ولكنه اكتشفت اليوم ما كانت إلا تركض وراء سراب حذرتها منه عمتها وللعجب والدها أيضاً بعدما لم يجد أي ردة فعل تتخذ.

رمقها بعدما أنهي حديثه متسائلاً، بعدما رأي الشحوب يعتلي ملامحها

- فريدة،. أنتِ كويسه

ابتلعت غصتها، وقد اطرقت عينيها نحو فنجان القهوة الذي اخذت تديره بحركات دائرية

- كويسة؟

همست بها بصوت خافت، ولكنه كان يسمعه..، شعر بالضيق وهو يري ما وصلة إليه معها..، ولكنه حذرها من حبه..، أخبرها مراراً أن ما بينهم ليس سوي عمل..، وأن نظرته نحوها ما هي إلا نظرة تقدير وإعجاب..، ولكن حب..، كان أبعد عن مشاعره , فلن يحتل أحداً قلبه مجدداً

- فريده، تحبي نقوم طيب

- ببساطة كده، طيب ليه

هتفت بها، دون أن يفهم مقصدها..، ولكنها اتبعت عبارتها وقد جلي في صوتها الألم

- وحبي ليك، محستش ابداً بقلبي

لم يتفوه بشئ، فبما سيخبرها وهي التي كانت تركض خلفه..، تدفع نفسها نحو حب ستكون هي الخاسرة فيه

- رد عليا يا بشمهندس

- أنتِ اللي جريتي ورا سراب يا فريدة، أنا عمري محسستك بحاجة تقول إن بحبك، كل مشاعري كانت تقدير ليكي وإعجاب

عادت الغصة تقف بحلقها، فتجرعت مرارة كلماته..، تخفي دموعها

- وأنا اللي حسيته ده كان سراب، دعوتك للعشا ليا، اهتمامتنا بحاجات لقينا نفسنا مشتركين في حبها، ابتسامتك اللي بقت تظهر وأنت معايا، رحلة المزرعة

ولم تعد تتحمل ثقل دموعها، فانسابت فوق خديها

- كلامك معايا عن أحلامي... ،وعن حلمنا إن المشروع يخلص

- فريدة، كفايه

- لا مش كفاية يا بشمهندس

تعالا صوتها، فالتف البعض يرمق تلك الباكية

- فريدة خلينا نقوم

التقط ذراعها بعدما نهض عن مقعده، فدفعت قبضته عنها حانقة

- أنت بتهرب مني ومن هنا عشان لسا عايش مع الذكريات..، ذكريات مع واحدة ماتت

نهضت عن مقعدها، بعدما القت عبارتها وقد تجمدت عيناه وملامحه.. ،تركته في صدمته واسرعت بخطواتها نحو الخارج

فاق علي حاله، وقد علقت عيناه بها وهي تُغادر من باب المطعم..، فاسرع نحوها يلتقط ذراعها

- عرفتي منين عن، مها ؟

- هو ده كل اللي يفرق معاك، إني عرفت

دفعته عنها، واسرعت تعبر الطريق وقد اغرقت الدموع خديها.. ،صدح صوت بوق سيارة قادمة بسرعة فائقة..، فسكنت مكانها مرحبة بقدومها لعلها ترتاح من ألم الحب الذي اقتحم حصونها وجعلها ذليلة لأحداً هكذا

- فريدة

صرخ بها وهو يجذبها، لا يُصدق إنها كانت ستفقد حياتها بسببه ويعيش بذنب أخر ثانية

- مستحقش تعملي في نفسك كده يافريدة، ولا حد يستحق ده يا فريدة

كان يضمها نحو صدره حتي تلتقط أنفاسها، وتستوعب ما كان سيحدث لها، دفنت رأسها بصدره تشم رائحته..، فربما كانت هذه اللحظة الأخيرة التي ستجمعهما

ابتعدت عنه وقد انتبهت للتو علي عبارته

- عندك حق، محدش يستاهل إن اخسر عمري عشانك

وتراجعت بضعة خطوات، تصفق له بكفيها

- أنا اتعلمت الدرس كويس يا بشمهندس

وبقوة واهية كانت تمسح دموعها، تفجر له ما عرفته

- ابقى اسأل عامر، إيه السر اللي مخبي عنك

وابتسمت بهون وقد التفت بجسدها راحله.. ، فقد إنتهى لقاء الوداع الذي دعاها من أجله ولحماقتها قد ظنت إنه سيخبرها اليوم بحبه لها

- مبروك علي إنجازك الكبير يا بشمهندس

تركته في سكونه يتسأل داخله، عما تقصده من حديثها الأخير وما الذي يُخفيه عامر عنه؟

..........

أندفعت لغرفة عمتها، ترتمي بين ذراعيها.. ، فضمتها " السيدة كريمة" إليها وقد انتابها القلق.. فمنذ ساعات كانت تطير من السعادة بعدما طلب لقاءها وقد ظنت صغيرتها إنه سيخبرها بحبه

- هيسافر يا عمتو، كان عايز يودعني مش يقولي إنه حبني ونفسه يكمل عمره معايا

ارتسم الألم فوق ملامح "السيدة كريمة"، فما الذي فعله هذا الأحمق بصغيرتها

- حب يودعني قبل ما يمشي بكره يا عمتو

- النهاردة مسافر

هتفت بها "السيدة كريمة" بدهشة، ف بالتأكيد لم تأتي رحله سفره بهذه السرعه، منحتها "فريدة" الإجابة التي كانت تبحث عنها متمتمه بقهر

- كان عارف من شهر، وبيرتب لرحلته، ليه خلاني عايشه في وهم حبه مدام مقرر إنه هيمشي

تركتها "كريمة" تُخرج كل ما تشعر به، ضمتها بقوة إليها وقد بدأت الصورة تتضح إليها

- مش معقول يكون غبي لدرجادي يا فريدة وبيهرب من الحب

ابتعدت عنها "فريدة" تنظر إليها، وقبل أن يعود الأمل داخلها

- أو فعلا محبكيش يا فريدة، وهدفه الوحيد إنه يحقق أحلامه، لكن الحب بقى برة حساباته

وبقسوة لمن تكن تقصدها "كريمة" تمتمت وهي تعيدها لاحضانها مجدداً

- مش معنى إننا خسرنا في الحب، يبقى اتهزامنا يا فريدة..، فوقي لنفسك.. ،فريدة الصواف عمرها ما جريت ورا راجل رافض حبها

تملكها الحقد رغماً عنها، فقد دعسها أسفل قدميه دون رحمه، لقد جعل "فريدة" الشامخه.. تهبط من عليائها وتترجاه أن يمنحها حبه

...........

- إيه اللي خفيته عني من الماضي يا عامر؟

هتف بقوة، بعدما اقتحم غرفة مكتبه.. ينظر لملامح شقيقه المستفهمه عما يقصده.. ،اقترب منه " احمد" بخطوات جامده، ينتظر سماعه

- أنت تقصد إيه يا أحمد

- عامر يا سيوفي..، بلاش طريقتك اللي أنا عارفه

- أنت اتجننت

صرخ بها "عامر" وهو يقترب منه، فتنهض "احمد" غاضباً من حالها، ف "عامر" شقيقه الأكبر، شقيقه الذي دوماً يري داخل عينيه السعادة والفخر كلما نجح وحصل علي شئ..، شقيقه الذي لا يبحث عن شئ غير سعادته حتي لو بعقليته المتحجرة، القاسية

- جاوبني يا عامر

تنهد "عامر" بضجر وملامح جامده، فهو لا يفهم مقصده

- مخبي عليا إيه في موت مها

ومن نظرة "عامر" الجامدة، ثم اشاحته للوجه بعيداً عنه، كان "احمد" يتأكد من صدق كلام "فريدة"، هناك شئ لا يعرفه عن حبيبته..، ولكن ما هو هذا الشئ

انتظره "احمد" أن يُجيب عليها، ولكن "عامر" ابتعد عنه.. وقد عاد لأوراقه

- بلاش يا احمد، أنت متخطتش ذكرياتك معاها.. عايز ليه تضيف سطر جديد في القديم

- أنت بتلعب بيا يا عامر، كفايه بقى.. مش كفايه أنت السبب في تعاسة فريدة، قربتها مني وأنت عارف إن قلبي اتقفل علي مها

- متستحقش حبك

وعاد يصرخ به ، بعدما نهض

- فاهم يعني إيه متستحقش حبك، ولا الذنب اللي حملت نفسك..، إنك السبب في موتها

- أنت بتقول إيه؟

اهتزت شفتيه وهو يُتمتم باسم شقيقه راجياً

- عامر

- معرفتش تتحكم في لجام الفرس، عشان كانت واخده نسبة مخدرة..، عارف يعني إيه... كانت مدمنه

اتسعت حدقتيه صدمه، فما الذي فعلوا بحبيبته

- مش هقدر اظلمها في موتها واقول إنها كانت ضحية لعيلة قذره، ممكن يخلوا بنتهم تدمن عشان تبقى تحت طوعهم

تسارعت أنفاسه وهو يستمع لما يُخبره به شقيقه

- كانوا بيستغلوها تشيل الممنوعات في المزرعه يا بشمهندس..

وبنبرة جامدة ، وقد سلط عيناه نحو المساحه الواسعه التي تتمتع بها شرفة مكتبه، هارباً من نظرات شقيقه المتألمه

- اظن أنت فاكر الليله، اللي جات فيها الشرطة للمزرعة

وهل ينسى هو تلك الليلة

فلاش باك

فتح عيناه مسترخيا بإنتشاء، يمدّ ذراعه جانبه، يبحث عنها،

اعتدل في رقدته..، يلتقط هاتفه.. ،فقد أصبحوا في منتصف الليل..، ف أين هي؟

دلفت الغرفة بتوتر.. وعندما وقعت عيناها عليه وقد استيقظ من غفوته تسألت برتباك

- أنت صحيت يا احمد

ابتسم وهو ينظر لهيئتها، مستغربًا من حالة ثيابها

- أنتِ كنتي في الأسطبل يا مها

اماءت له برأسها، وتقدمت منه تشعر بالخوف

- روحت اقعد مع شمس شويه

كان " شمس" احد اسماء احصنته، وقد أصبحت مرتبطة به بشدة..، مدّ له بذراعه متفهماً

- تعالي يا حببتي، أنا بس قلقت عليكي..، مالك مخضوضة كده ليه

اقتربت منه بتوتر، فاجلسها فوق ساقيه.. ،يمسح فوق خديها , يتفرس ملامحها المرهقة

- مها، أنتِ مبقتيش عجباني، حاسس إن فيكي حاجة، أو مخبية عني حاجة

بهتت ملامحها، ولكن سرعان ما كانت تعود لطبيعتها..، فماذا سيحدث لو علم أن حبيبة قلبه أصبحت مدمنه..، خاضعة بجسدها لذلك الرجل الذي يمنحها جرعة المخدرات بعدما كان والدها سببً في إدمانها، بل لم يرحمها بعد كل ما فعله واجبروها أن تدس الممنوعات هنا في المزرعة

خاطبت حالها مُتحسرة فقد دُنس جسدها الذي أقسمت أن لا تهبه سوي للحبيب..، وها هو الحبيب يغرقها بين ذراعيه.. ،متناولاً شفتيها في قبلة حانية، يُخبرها عن مدى عشقه لها

ضمها بقوة إليه، قبل أن يُدمغها مرة أخرى بنوبات جنونه..، ولكنه ابتعد عنها متسائلا بنظراته، وهو يلتقط أحدي أوراق الشجر من بين خصلاتها، وهي ورقة لشجرة منفرده في بيت المزرعه



فاق من شروده وهو يتذكر فزعتها صباحاً عندما استمعت لسرينة الشرطه ، عندما نهض علي رنين هاتفه ..، وصوت شقيقه يُخبره أن الشرطة لديه بالمزرعة

- أنت عرفت كل ده إزاي يا عامر

تمتم بها مصدوماً ، فمها لا تفعل به هذا .

- خليت عامل عندي في المزرعه ، يراقبها لم تكونوا موجدين هناك

واردف بعدما اخذ يُطالعها لبرهة ، ثم أشاح عيناه عنه

- تفتكر إني مكنتش عارف بلقائتكم في المزرعة يا احمد ، أنا كنت عارف وساكت ..، سيبتك يا أحمد تعمل اللي عايزه ..، قولت يمكن أطلع في النهاية غلطان

وبحقد كان يتغلل داخله من النساء

- كلهم زي بعض ، مافيش ست مخلصه

- مها لاء يا عامر ، اكيد كانت مجبوره علي ده

تمتم بها ، بعدما هوي بجسده فوق الأريكه ، فلم يعد يتحمل أرتخاء ساقيه من هول ما سمعه

- يمكن مكنتش وحشه ، يمكن ظروفها أجبرتها علي ده ..، ويمكن حاجات كتير تكون أتفرضت عليها ..، لكن أنت مش سبب موتها وهي مكنتش ست وافية لدرجة تعيش عمرك كله علي ذكراها

- وليه محذرتنيش ، ليه موجهتهاش ..، فضلت تتفرج علي الصوره من بعيد ليه

وبنبرة جامدة كان يصرخ به

- لو كانت واثقة فيك وفي حبك ..، كانت جريت عليك وحكتلك ..، لكنها كانت مستسلمه ، ضعيفة ..، رضيت تتجوزك في السر ورضيت تضيعك وتضيع نفسها

اطرق رأسه أرضاً ، يفرك عنقه ..، بعدما استمع لكلامه ..، فلو كانت تثق به ..، لكانت أخبرته عن السبب الذي جعله تفعل ذلك

- وعشان مفضلش عمري كله ، في الصوره الوحشه ديه احمد أنا و أبوك .. كنا هنرضخ لرغبتك ..، لكن

رفع رأسه ، بعدما أستمع لعبارة شقيقه الأخيره ، فقد مضي الوقت وفات الأوان ومن يتحدثون عنها قد رحلت

- كانت ماتت يا عامر ، مش كده ..، ماتت وابني اللي في بطنها مات وراح

...............
احتضنته بقوه تضمه اليها كالطفل الصغير تخشي مفارقته ، فانحني "احمد " نحوها بشفتيه يلثم كفيها يتمتم بدعابه

- هتوحشيني اووي يانونه ، خلي بالك من نفسك

فبكت "ناهد" وهي تشدة نحوها أكثر ، لا تُريد تركه

- هيوحشني حنانك عليا يا ابني ، انت الوحيد اللي معقبتنيش علي غلطتي .. ، الزمن عاقبني واخوك عاقبني بكرهه ليا ، لكن أنت لاء

طالعها "احمد" وقد المه قلبه عليها ، ولكنه يعلم بأن "عامر" لن يظل هكذا ومن حبه الشديد لها يُعاقبها ، وللاسف هذه هي طريقه شقيقه مع من يحبهم

- عارفه ياماما ، الدنيا علمتني حاجه واحده

واردف وهو يضمها لصدره بحنان ، يمسح عنها دموعها

- علمتني معقبش حد علي حاجه عملها ، مش يمكن الزمن يلف واعمل انا الحاجه ديه ... وملقيش اللي يسامحني ....

وتنهد بألم يتذكر حديثه الأخير مع شقيقه

- أو يمكن الظروف تكون بتجبر اللي بنحبهم ، لكن ميقصدوش إنهم يأذونا

لم تفهم "ناهد" عبارته الأخيره ، التي تمتم بها بحرقة لم تُخفي عنها

- انت شبه ابوك الله يرحمه يا أحمد.. كان قلبه ديما كبير وبيغفر ، يمكن هو ده كان سبب أخطائي الكتير ، وعلي قد ما حبني كرهني وكنت أستحق ده ..، في أخطاءك مبتتغفرش يا أبني ولا بنعرف نغفرها

وضحكت ساخرة من نفسها ، فا ليتها كانت تتمتع بتلك الحكمة قديماً ، ما كانت خسرت زوجها و أولادها

- اصل في ناس بتفتكر ان الغفران والصفح والفرص الكتير اللي بندهلهم ده ضعف ، وإن عمرهم ما هيكرهونا او هيتوجعوا مننا مهما عملنا في حقهم

والتمعت الدموع في عينيها مجدداً

- وهو ده اللي انا عملته مع ابوك هو يغفر وأنا أغلط ، يسامح وأنا اتمادي اكتر

واردفت بعدما أبتلعت غصتها ، تتذكر غرورها وروعنتها بجمالها

- أنا عارفه ان عامر بيحبني اووي ، لكن مش قادر يسامحني ولا ينسي

واغمضت عيناها ، تندم علي ما فعلته بهم

- الذكريات فضلت مرسخه جواه ، يمكن أنت كنت صغير , لكن عامر كان كبير وقادر يفهم ويستوعب

وبكت بحرقة وهي تردف بخزي

- انا خذلتكم يابني ، وضيعت منكم صورة الام .. الام اللي بتضحي وبتستحمل ... مش الام الانانيه اللي كل همها جمالها ومتعتها

فعاد "احمد" يُعانقها ، يمسح عنها دموعها, يهتف بحنان :

- اوعي تعيطي يا ماما ، احنا جانبك اه ..

و اخذ يُداعبها بحديثه ، لعله يُنسيها ويُنسي حاله إنه سيبتعد عنها

- عامر , اول ما حنان بلغته ، إنها هتمشي عشان هتتجوز قلب الدنيا والبلد عشان يجبلك مرافقه تخدمك وتبقي تحت رجلك ، عامر طيب اووي ، ومسيره في يوم هيحن ويلين وينسي كمان

ذرفت دموعها ، فضمها لحضنه حزيناً عليها , يستنشق رائحتها ويلثم جبينها حتي غفت ، وضعها برفق فوق وسادتها ثم دثرها بالغطاء ، ونهض من جوارها مغادراً الغرفة .

وقف خارج غرفتها ، يُحدق بشقيقه الواقف أمامه

- حاول تعوضها عن غيابي يا عامر ، كفاية قسوة عليها .

.................................................................

ابتسمت وهي تنظر في أسطر الكتاب الذي تقرأه، فقد أخذتها الكلمات للغوص في أحلامها الماضيه ثانية، فارس الأحلام..، قصة خيالية تحكي عنها لأحفادها يوماً.. ،رجلاً تجمعها به حكاية مختلفة، وها هي تغرق في ملاح رجلاً لن تراه يوماً ، ولن يجمعها به القدر ثانية

شهقت بفزع وقد اطرقت "جنه" بخفة فوق رأسها لعلها تفيقها من شرودها البائس

- شايفاكي رجعتي تسرحي من تاني، و ده ميبشرش بالخير

رمقتها "صفا" بمقت، وبخفة كانت "جنه" تلتقط منها الكتاب.. ،تُطالع الصفحة التي تقرأها

- اممم، كلام جميل..، فيها فلسفة عن فن اختيار الناس

وانتبهت علي أحدي العبارات، فحدقت بها تلوي شفتيها ممتعضة

- لا وكمان فن أختيار شريك الحياة

واخدت تُقلب في الصفحات، حتي بدأت تري مواقف يسردها الكاتب عن علاقات البعض

- هو اختيار شريك الحياة، محتاج كتب ودراسه كمان

استاءت "صفا" من تهكمها، فالتقطت منها الكتاب حانقة

- أنتِ إيه فهمك في الكتب، واخرك كان قصص الأطفال

اتسعت عينين "جنه"، وخرج صوتها في شهقة عاليه

- قصص أطفال

هكذا كان يبدء مزاحهم وينتهي بمجاورتهم لبعضهم، وكل منهن تُخبر الأخرى عن أحلامها.

غفت "جنه" مرهقة، فلديها في الغد يوم حافل من المحاضرات..، لكن " صفا" عادت لأسطر الكتاب.

.... ........

وقف "رامي" يلوح له بيده، بعدما بدء الإعلان عن موعد رحلته..، علقت عيناه ب "احمد" مودعاً له، فقد اختار بدايه الطريق..، طريق يشعر إنه مخبأ له الكثير من الأحداث..، إنها رحلة الجديدة ورحلات الحياة لا تكون إلا حافلة..

اختفى "احمد "من إمام عينيه..، فتنهد "رامي" بحزن وهو يُغادر المطار.

......... ..........

طالع "عامر" الوقت، فقد أصبحت طائرة شقيقه مُحلقة في السماء الأن ..، اغمض عيناه وقد بدء الشوق يجثم فوق قلبه

- سيبتك تبعد عشان نفسك يا احمد، يمكن تبدء طريق جديد وحياة جديده

تنهد وهو ينهض عن مقعده في غرفة مكتبه ، ينظر للملفات التي كان منكب عليها لمُطالعتها، ولكنه هذة الليلة لا يمتلك الرغبة في فعل أي شئ.

صعد درجات الدرج بارهاق وبذهن شارد، لم يشعر بقدميه وقد أخذته نحو غرفة والدته..، وقف يحدق بالباب المغلق يصارع مشاعره ، وبرفق كان يفتح الباب..، يقترب من فراشها وقد غطي الظلام الغرفة إلا من تلك الإضاءة الخافته المنبعثة من الأنوار الخارجية

وبحب مهما أنكره وقسوة تملكته مع الأيام ، كان يُطالعها، يتأمل ملامحها الحزينة علي مفارقة صغيرها،

جثي فوق ركبتيه جوار فراشها وبرفق اخد يمسح فوق كفها

........... .............

ضمت "فريدة" جسدها بالسترة الخفيفة التي تضعها فوقها، فارتعش جسدها برجفة خفيفة، لقد رحل دون أن يرفق بحالها، دون أن يشفق عليها..، فقد صدق والدها حينا أخبرها إنها لن تجني من تلك العلاقة إلا التعاسة ، وها هو والدها قد صدق وجنت التعاسة.

ارتسمت ابتسامة ساخرة فوق محياها، وهي تتذكر كيف عاد الأمل لوالدها أمس حينا علم برحيل "احمد"..، فقد سنحت الفرصه لأبنته أن تري

"عامر السيوفي" بنظرة أخرى، "عامر" الذي يعتبر هو الرأس الكبرى، ومن يمتلك الزمام في مجموعه السيوفي

فاغمضت عينيها، وقد عادت كلمة والدها تخترق أذنيها

" لو عايزة تكوني سيدة أعمال ناجحه يا فريدة، أنسى حاجة اسمها حب..، لكن لو عايزة تختاري طريق الحب..، ف خسارة يا بنت محسن الصواف"

....... ........

وضعت سكرتيرته أمامه إحدى الدعوات، فطالع الدعوة دون أن ينظر إليها مستفهماً... ،فاسرعت تخبره بما ينتظره

- دعوة حضور حفلة لناصف بيه، واتصل بيك يا فندم من ساعتين، لكن حضرتك كنت في إجتماع، حتي إنه طلبك علي رقمك الخاص

فرفع عيناه عن الأوراق التي أمامه، والتقط هاتفه ينظر للأرقام المسجلة في سجل المكالمات الواردة، ف بالفعل الرجل هاتفه اليوم قبل ثلاث ساعات

انصرفت السكرتيرة من أمامه، فحدق بالدعوة، دون أن يعرف موعد الحفل..، فليس لديه رغبه في الترفيه هذه الأيام.. وقد ثقلت علي اكتافه أعباء العمل

غادر هذه الليلة من شركته في ساعة متأخرة بعض شئ عن مواعيد خروجه، نهض الحارسان عن مقاعدهم ينتظرون تحركه بسيارته..، وقد انطلق بها سريعاً...، فقد سمح لسائقه أن يعود لمنزله وألا ينتظره بعدما رأي علامات التعب فوق ملامحه

..... ....... .............

غادرت المبنى التجاري الذي تعمل به، تنظر لساعة يدها في قلق..، فقد تأخرت عن موعد إنصرافها، وذلك بسبب تأخيرها اليوم عن ميعاد العمل.. ،واما كان يُخصم من راتبها الذي يكاد يُكفيها بجانب معاش والدها الزهيد هي وعائلة شقيقها او تنضاف عليها ساعات من العمل

أسرعت في خطواتها، تعبر الشارع الواسع الذي يسير خلاله قلة من السيارات، فهي تختار الخروج من البوابه الأقل ازدحاماً , في طريقها نحو الخارج...،التقط هاتفها وقد عاد رنينه يصدح للمرة الثانيه

- ايوة يا ابتسام، أنا لسا خارجه من المول دلوقتي

وقبل أن تشرح لها سبب تأخيرها..، كانت تسمعه ما اعتادت عليه يومياً..، اغمضت عيناها بقوة تمنع دموعها

- الساعه عشرة يا هانم، ولا أنتِ عايزة الجيران ياكلوا وشنا..، مش كفاية لسا قاعده معنسة لحد دلوقتي ولا حد راضي يبصلك ويخلصنا من همك

تجاوزت حديثها الذي انغرز سهمه بسمومه في قلبها..، فما عساها أن تفعل وهي تعيش مع شقيقها..، وحتي لا تدمر حياته وتشتت أطفاله ما عليها إلا الصمت والتظاهر بالرضى

- حاضر يا ابتسام..، هاخد مواصلة بسرعة وساعه واكون في البيت

خرجت شهقاتها وهي تسقط أمام السيارة التي صدمتها صدمه خفيفة بعض الشئ ، وقد اسرع سائقها في الترجل منها ، ووقف يُعاينها بعينيه متسائلاً بقلق

- أنتِ كويسه يا مدام؟

لم تهتم بكلمته ، ف بالتأكيد فتاة مثلها ترتدي ملابس واسعة من العصور القديمه كما يُخبرها صاحب العمل ورفيقاتها بالعمل، ذو جسد ممتلئ بعض الشئ.. سيراها الناس هكذا "مدام"

انحني "عامر" صوبها وقد أصابه القلق من صمتها

- يا مدام

رفعت "حياه" عيناها نحوه.. ، بعدما التقطت هاتفها الذي تحطم

- أنا كويسه..،ممكن بس تبعد رجلك شويه

قطب جبينه مستغرباً، ما نطقت به.. ولكنه فعل لها ما أردات يهتف داخله حانقاً من هذا اليوم الذي يُريده أن ينتهي

انتبه علي ما التقطته من أسفل قدمه، ولم تكن إلا بطارية الهاتف.. وعلي ما يبدو إنه كان هاتف جديد..، تنهدت بحزن فهي لم تدفع ثمنه بعد , وها هو يتحطم منها

- قوليلي عنوانك إيه وابعتلك مكانه واحد..، رغم إنها غلطتك وكنتي بتتكلمي في التليفون..، لكن أنا متحمل الخساير

القي عبارته ورمقها متفصحاً، حتي يتأكد إنها بخير، فاشاحت عيناها عنه متمتمه بعدما نفضت ملابسها

- أنت قولت إن أنا اللي غلطانه، وحصل خير يا فندم

القت عبارتها الأخيرة، واسرعت مبتعده..، تحت نظرات "عامر" الذي وقف مصدوماً وأسرع بالهتاف

- يا مدام

ولكنها ابتعدت دون أن تلتف نحوه، التوت شفتيه بامتعاض وهو يحدق بها

- هي حره، أنا عرضت وهي رفضت

....... ............

دلف للحفل التي تضم صفوة المجتمع، مُقرراً إنه سيظل بضعة دقائق ثم سيرحل، رحب به "السيد ناصف" بشدة واجتذبه نحو بعض الأصدقاء ليُعرفهم عليه

اتخذ الحديث مواضيع كثيره، ولم يستطيع "عامر" التخلص منهم، التقط احد المشروبات الباردة، وقد علقت عيناه ب "فريدة" التي دلفت للتو دون والدها.. ،اشفق عليها ف بالتأكيد أصبحت تكرهه هو وشقيقه رغم أن الأعمال بينهم مازالت مستمره

ارتشف عصيره دفعة واحده، يُحاول أن يبتلع تلك الثرثرة التي اصابته بالضجر.. ،فاستطاع اخيراً التملص من رفقة الواقفين معللاً

- اسمحولي أعمل تليفون مهم

- اتفضل يا عامر بيه

اتجه نحو الشرفة الواسعة التي تطل علي حديقة المنزل..، يقف قليلاً داخلها يعبث بهاتفه

انتبهت "فريدة" علي وجوده بعدما كانت تلتف حولها، ولا تعلم لما تضع اللوم علي "عامر" الذي قربها من شقيقه وجعلها تقع في شرك الحب..، التقطت كأس العصير وعيناها عليه حتي وقف في الشرفة بعيداً عن الأنظار

- كأس العصير ده مش بتاع حضرتك يا فندم

أراد النادل أن يتلقط كأس العصير منها، وقد بهتت ملامحه.. ،وهو ينظر نحو السيدة الأخرى التي انزوت في ركن بعيد تُطالعه بغضب، فها هي قد خسرت فرصتها

- نعم

هتفت بها "فريدة" حانقة، وقد اشاحت بكأس العصير عنه , جوارها

- أنت سامع نفسك بتقول إيه

- يا هانم انا مقصدش

وأشار نحو احد الأشخاص وقد كان علي بضعة خطوات منها.. ،إنه تعرف هذا الشاب..، ابن شقيقة السيد ناصف

- يا فندم، ارجوكي

كان النادل مُلح في رجاءه، حتي إنه كاد يبكي

- بصراحه عجبني العصير

وفي دفعة واحدة كانت تبتلعه، عناداً به..، اتسعت عينين النادل وقد غادرت السيدة التي أعطته هذه المهمه بعدما خشيت مما سيحدث..، اسرع النادل بالمغادرة.. ،فبعد عشر دقائق سيبدء مفعول المنشط وستحترق من الرغبة وستحدث فضيحة سيتحدث عنها الجميع..، لم يكن هذا الهدف الأساسي... ،بل من دبرت للأمر لم تكن تُريد إلا ابن عمتها ..، أردات أن تشعل الرغبة داخله ثم تجره لغرفتها حتي تُريحه ويتم الأمر كما خططت له مع اصدقائها

شعرت "فريدة" بالحرارة تسري بجسدها، فقررت الخروج للشرفة، وقد أتتها الفرصه حتي تخرج غضبها نحو "عامر" ذلك الذي يظن نفسه فوق الجميع.

اقتربت منه، وقد زادت حرارة جسدها رغم ما ترتديه من ثياب خفيفة بعض الشئ

- شجعتني قرب منه، وفي الأخر سابني

التف "عامر" بعدما أستمع لصوتها الحزين..، واقترب منها.. فهو بالفعل يلوم حاله ولم يكن يتمنى أن ينتهي الأمر هكذا

- أنتِ تستاهلي أحسن من أخويا يا فريدة، احمد هو الخسران

صفقت بيديها وهي تسمعه، وقد اشتعلت نيران الغضب داخلها

- اخوك مخسرش حاجة، اخوك كسب إدارة كبيرة في أمريكا..، لكن انا خسرت..

- كلنا بنخسر في الحب عادي يا فريدة..، اعتبري الموضوع صفقة وخسرتيها

مقتت عبارته، فهل يقف يُحادثها بعبارات والدها هو الاخر.. ،صفقة وقد خسرتها

- صفقة؟.. صحيح عامر بيه هيتكلم في إيه غير صفقات

طالعها بجمود، فتعالت ضحكتها واقتربت منه حتي أصبح لا يفصلهما شئ.. ،فعادت السخونه تسري بجسدها..، وبألم حارق لا تعرف مصدره تسألت..، بعدما تجاوزت عن حديثها

- هي الدنيا حر، ولا أنا حرانه

طالع المكان حولها، متعجباً سؤالها

- الجو حلو يا فريدة

- بس أنا حاسة إن الدنيا حر..

هتفت عبارتها وهي تمسح فوق وجهها.. ،تعجب "عامر" من رؤية خديها يتوردان بتلك الطريقة..

- مش قادرة اخد نفسي

أصابه القلق وهو يراها هكذا، وكيف ابتعدت عنه تنحني بجسدها

- فريدة تعالي اخدك لدكتور

التقط ذراعها.. ،وتحكم في اسنادها

- حاولي تقف وتمشي معايا ثابته.. ،تمام

اماءت له برأسها، وسارت جواره وقد غادروا الحفل..، وسخونه جسدها قد ازدادت، بل وهناك شعور مختلف يخترقها

اجلسها في سيارته برفق وقد اعطي سائقه مهمه توصيل سيارتها لمنزلها..

استقلي مقعده.. ،ينظر إليها وهي تعبث بحمالة ثوبها

- عامر ممكن تشغل المكيف

اسرع في إجابة طلبها، بعدما أغلق نوافذ السيارة..، وقد بدء المكيف بالفعل ينشر برودته داخل السياره

ولكن تجمدت عيناه فجأة، وهو يجدها تُحرك كفها فوق ذراعه.. ،بل وتلتصق به..

- فريدة

توقف جانب الطريق بعدما لم يعد يتحكم في التخلص من ذراعيها وقد وصل الأمر لاشياء لم يتخيلها ، كان طريق مظلم وخالي من السيارات

- فريدة أنتِ بتعملي إيه

وبعبارات لم يكن يتخيل أن يسمعها منها , كانت تهمس بها ، اتسعت عيناه في صدمه..، فقبض فوق كفيها يدفعها عنه

- أنتِ اكيد شاربه حاجة، فريدة فوقي

صفعها بقوة..، المتها.. ،فسقطت دموعها تهتف اسمه

- عامر، أنا مش عارفه فيا إيه

شعر بالندم لفعلته، واقترب منها يمسح فوق خدها

- خدي اشربي ميه، الموضوع في حاجة..

وقبل أن يتم عبارته..، كانت تندفع نحوه..، لا يستوعب إنها تقبله بل تخبره إنه طيب وحنون

دفعها عنه، صارخاً بها

- أنتِ مش في واعيك

حاول أن يُدير سيارته ثانية ويتحكم في القيادة..، ولكنها كانت امرأة أخرى أمامه، أمرأه يري فيها الإصرار نحو شئ ما

*******
*******

فتحت عيناها بصعوبة ، وقد أخذ الألم يطرق رأسها ..، طالعت المكان حولها ..،فانتابها الخوف وهي تنتفض من فوق الفراش ..، إنها ليست في منزلها

علقت عيناها بحذائها المُلقي جوار الفراش ، وعندما التفت بجسدها قليلاً ..كانت المرآة قبالتها ..، فستانها أصبح مُجعد ، ملامحها مُلحظه بزينتها ..، ثم اقتربت من المرآه ببطئ تفحص حالها بتأكيد بعدما بدء الذعر يرتسم فوق ملامحها

وسؤال واحد يخترق عقلها ..، فما الذي حدث ليلة أمس ؟

عاد ألم رأسها يطرق بقوة ، ومعه كانت تتضح لها الصورة المخزيه ، وشهقة قوية كانت تخرج من شفتيها ..، تتذكر بعض المقتطفات ..، فقد تحرشت برجلاً ، بل إنها كادت أن ..وقبل أن تقتحم الحقيقة عقلها ..، كانت حدقتيها تتسع ، تضع بيدها فوق شفتيها

- لااا

فهذا الرجل من يكن ، وقد بدأت تتضح لها ملامحه شئً فشئ ، إنه "عامر السيوفي" ،

أغمضت عينيها بقهر ..، تتذكر وهي تُقبله بل وتخبره بالفاظ لم تخرج من شفتيها يوماً ، بل لا تخرج إلا من فتيات الليل.

فركت وجهها بقوة ، وتراجعت نحو الفراش تتهاوي عليها ..، فلا لم يعد لديها قدرة لتنظر نحو حالها في المرآه

طرقات خافته كانت تُخرجها من شرودها ، وتلك الذكري السيئة التي ستظل في ذهنها ..، دلفت الخادمة بعدما لم تجد رداً ، فكما أخبرها سيدها ، إذا لم تحصل علي الإجابه ..، فتدلف وتري الضيفة حتي تطمئن عليها

والضيفة لم تكن مجهولة بالنسبة إليهم ، لقد أتت مرتين لهنا من قبل للسيد الصغير

- عامر بيه مستني حضرتك علي الفطار يا هانم

طالعتها فريدة ، بعدما رفعت وجهها عن كفيها

- محتاجة مني حاجة ياهانم

وعندما لم تحصل إجابة منها ، كانت الخادمة تنصرف لأسفل وعقلها يتنقل هنا وهناك ..، غير مُصدقة أن يكون السيد الكبير ..، أنخرط في علاقة معها.

صعد "عامر" الدرج بعدما أستمع لما تخبره به الخادمه ..، وقف أمام الغرفة التي وضعها بها ليلة أمس ..، ولا يعلم لما لا تذهب صورتها عن عقله ..، يلوم حالها إنه بالفعل كان سيضعف معها لولا أقتراب تلك السيارة منهم .

نفض ما يقتحم رأسه ، وزفر أنفاسه حتي عاد الجمود يرتسم فوق ملامحه ..، وبرفق كان يطرق الباب هاتفاً باسمها

- فريدة

انتفضت "فريدة" من فوق الفراش الذي جلست عليه ، وقد اصابتها الصدمه ، وعندما علقت عيناها به ..، سقطت دموعها

- أنا مش عارفة عملت كده إزاي

أخفت وجهها عنه من شدة خزيها ، ثم تعالت شهقاتها وهي لا تُصدق إنها فعلت هكذا ومع من ، رجلاً شريك والدها ..، رجلاً تحترمه وتقدره ولا تراه إلا في صورة الشقيق ..، رجلاً شقيق لمن عشقت

- مكنتش في وعي ، صدقني مكنتش في وعي

- فريدة ممكن تهدي ، أنا متأكد إنك مكنتيش في وعي

وبصعوبة كانت تهتف ، بعدما طرقت رأسها أرضاً حتي تبتعد عن نظراته ..، ويتذكر ما فعلته وتسقط من عينيه

- أنا مشربتش غير عصير في الحفله

وعند هذه العباره ، كانت تتسع حدقتيها وهي تتذكر إصرار النادل عليها ..، ألا ترتشف من هذا العصير

- أيوة العصير

رمقها مستفهماً ، وقد ضاقت عيناه ينتظر سماعها ..، ولكنها وجدها تهوي فوق الفراش وتدفن رأسها بين كفيها

- مالها العصير يا فريده ، أحكيلي اللي فكراه

وبضعف كانت ترفع عيناها إليه ، فهي لا تُريد إلا أن تُمحي تلك الليلة من ذهنها ..، لقد كانت في أحضانه ..، تدفعه ليسقط في شرك الخطيئة ، وبصعوبة كانت تسرد عليه .. ما حدث مع النادل وكأس العصير الذي كان من المفترض أن يكوت لشخصًا أخر

- أهدي يا فريده ، أهدي عشان نفكر هنقول إيه لوالدك

عادت تنتفض من مكانها بوهن ، فقد تذكرت أمر والدها

- بابا ، ارجوك بلاش تقوله حاجة

انسابت دموعها مجدداً وقد خارت قواها ، فقد ضاعت صورتها أيضاً أمام والدها ..، وعندما تعلقت عيناها بعينين الواقف ..، هتفت برجاء

- أرجوك ، خليه سر بينا ، وعمري ما هنساه ليك الجميل ده أبداً

- مين قالك إن محسن باشا عرف حاجة ، أنا بفترض

وتنهد بأرهاق ، فلم تغفل جفونه ليلة أمس ..، بعد ما حدث

- عموماً أنا بلغت كريمه بوجودك في بيتي ، لكن من غير أسباب..، وأظن إن كريمه هانم ست متفهمه وحكيمة

رمقته بقلة حيله ، وقبل أن تتحرك نحو المرحاض ..، حتي تمسح زينتها وترتب من ثيابها لترحل ..، ولكن كان صوت والدها يعلو بالأسفل باسمها

- فريده

وقد حدث ما كانت تخشاه

……..

احتدت عينين "السيد محسن" وهو يري أبنته تتبع "عامر" بتلك الهيئة ..، هيئة لا توحي إلا بشيئاً واحداً

- بنتي بتعمل إيه هنا ، يا عامر بيه

توترت "فريده" تنظر نحو "عامر" الذي طمئنها بنظراته

- وده سؤال برضوه يا محسن بيه ، سؤالك بيوحي إنك مش مطمن علي بنتك في بيتي

راوغه "عامر" قليلاً ..، فتنهد "محسن" بضجر

- أنت عارف إن واثق فيك يا عامر ، لكن قولي السبب اللي يخليها هنا معاك وأنت راجل عازب

وقبل أن يتاخذ "عامر" أي ردة فعل ..، القي "محسن" نحوه الجريدة

- شايف سمعة بنتي بقت بسببكم إيه ؟

واردف متهكماً ، وهو يرمق أبنتها التي لأول مرة تقف أمامه دون أن تُدافع عن نفسها

- الأخ الصغير ، والأخ الكبير .. أيهما سينال وريثة محسن الصواف

امتقعت ملامح "عامر" وهو يُلقي الجريدة أرضاً ، وقد اسرعت "فريدة" في التفاطها حتي تري ما دون عنها

- اللي نشر الكلام السخيف ده لازم يتعاقب ..، مش تيجي تتهمني يا محسن بيه

طالعت "فريدة" الخبر ، تنظر في عينين والدها ، أنتابها شعور أن والدها هو الفاعل ..، والدها يسعي لتزويجها من "عامر السيوفي" منذ أول شراكه بينهم ..، وها هو يفعل فعلته ..، وبالتأكيد كان علي علم بالصورة التي التقطت لها أمس مع عامر وهو يحيط خصرها حتي تستطيع الوقوف علي قدميها بسبب ما وضع في المشروب الذي تناولته

- الاجابه ، لسا مأخدتش منك يا عامر ..، بنتي هنا بتعمل إيه في بيتك بعد ما كنتوا في الحفله سوا

وبنظرة طويله ، كان يفهم ذلك الواقف أمامه ..، "محسن الصواف" يلعبها معه

- الأجابة عند فريده ..، لكن لو شاكك في بنتك وشاكك فيا ..، فبساطه أختار أنت الحل

وهنا لم تتحمل "فريدة" رؤية حالها هكذا ،والدها يُريد سماع كلمه واحده ..، كلمه تعلم أن إذا نطقها "عامر" سيكون من أجل إنقاذها .. ، ولن تفرض نفسها في حياة رجلاً مره أخري

وبصعوبة كانت تخبر والدها بما حدث في الحفل ، ولكنها لم تخبره بما حاولت فعله ، اشفق عليها "عامر" وهو يراها تتهرب بعينيها عن والدها ..، ولم يكن محسن بالغبي حتي يظن أن الأمر أنتهي بجلبها لبيته دون أن يحدث شئ ، وتكون حالة أبنته هكذا .

- معنديش مشكله ، نتجوز أنا وفريده يا محسن يا باشا

وهنا كانت تلمع عينين "محسن" من فرط السعاده ، فهذا ما كان يطمح إليه ..، تجمدت ملامح "فريدة" تهتف برفض

- لا

………

تقدمت من " السيد فتحي" تعطيه قطعة من الكعك الذي صنعته..، طالع العلبة التي تضعها أمامه متسائلاً بعدما أغلق الدفتر الذي أمامه

- عامله حسابي في كل ده يا صفا

نفت "صفا" برأسها سريعاً، فهي تعرض عليه قطعه واحده

- مش عارف اقولك إيه يا صفا، أنتِ حقيقي موظفة مخلصه

أسرعت في إبعاد العلبة عندما رأته يصر علي أخذ العلبة باكملها

- يا استاذ، ما انا هزيت راسي وجاوبتك، بلا.. يعني العلبه مش كلها ليك

لم يعبأ "السيد فتحي" بحديثها، فالتقط العلبة منها..، بعدما وقفت مصعوقة من فعلته

- وأنا مش هزعل منك يا صفا، هاخد كل القطع واسيبلك قطعه واحده علي قدك

وبالفعل، تم ما ارادة..، وقد عادت لمكتبها الصغير تنظر للقطعة الصغيرة التي أعطاها له، واخذ باقي القطع يلتهمهم بجوع

- طالعه شاطرة زي عمتك، نفسكم حلو

تمتم بها، بعدما مسح فوق شفتيه وهو يرمق القطعة الأخيرة التي أمامها ولم تمسها ، وعندما رأت نظراتها نحوها.. التهمت القطعه سريعاً، تهتف بخفوت

- أنا عرفت ليه محدش بيكمل معاك في الشغل...

وأخذت تندب حظها

- اه يا حظك يا صفا..، حظي اشتغل مع فتحي اللي مش راحم طبق

- بتقولي حاجة يا صفا

- بقول سلامتك يا استاذ فتحي..، اصلك كنت بتكح

- شكلك مش مسامحه في الكيكه يا صفا

رمقها مبتسماً بسماجة قد تعلمتها منه، كما أصبحت تخبرها "جنه"

- انا أعمل كده يا استاذ فتحي، ده أنت خيرك عليا

اتسعت ابتسامة "فتحي"، يُداعب شاربه

- يا صفا يا بنتي...

وقبل أن يتم عبارته ويخبرها عن مدى كرمه وفضله علي الجميع ، أسرعت هاتفه

- كله لوجه الله يا استاذ فتحي

- اه والله، الواحد مش عايز من الدنيا ديه غير الستر والصحه وحب الناس

- والفلوس والأكل والستات، ولا إيه يا استاذ فتحي

- في إيه يا استاذه صفا، أنتي جاية تهزري..، ولا عايزانى اخصم منك

أسرعت تنكب فوق الدفاتر، فلا تحتاج للخصم اخر من راتبها

..، مر الوقت وقد ضجر "فتحي" من الصمت

اخذ يسألها عن تفاصيل حياتها، وهل لوالدتها أهل، واين هم باقية عائلته

- معنديش غير عمتي بس يا استاذ فتحي

استمرت أسئلته، ولم يلاحظ ذبول عينيها عندما ذكرها بفقدها لهم..، كادت أن تبكي ولولا ظهور صاحب العينين الزرقاء في مخيلتها ما كانت تجاوزت حالتها

- هو أنت تقرب لصاحب المزرعه فعلا يا استاذ فتحي

تمكنت من تجاوز الحديث عن حياتها، وقد تركت "فتحي" يحكي لها عن القرابة العظيمة التي يفتخر بها..، ويا لسعادة فتحي وهو يخلق بعض القصص التي لا وجود منها وصفا تُطالعها بانبهار وتصدقه رغماً عنها

أرادت أن تعرف كثير التفاصيل، عن صاحب الأعين الزرقاء ولكنها خشيت أن يُفسر سؤالها بشئ خاطئ،

ولكن ها هي لديها معلومتين مؤكدتين عنه

" مهندس، واعزب"

...........

طالعت السيدة كريمه، شقيقها الذي تعالا صراخها علي صغيرته لأول مره..، لم تفهم سبب صراخه في البدايه ولكن ما جمدها في وقفتها وادهشها، أن " عامر السيوفي" أراد الزواج من "فريدة"

- عقليها يا كريمه، لأنها شكلك اتجننت خلاص

صرخة بها وهو يغادر غرفتها، فاجهشت فريدة في بكاء مرير

- كده يا عمتو تقوليله، إن في بيته وانتي عارفه إنه بيدور علي أي فرصه عشان يجوزني ليه

- والله يا بنتي غصب عنه، وخصوصاً موضوع الجريدة خلاني اضطر اقوله..، غير قلقي عليكي وأنا مش فاهمه سبب وجودك عندك في بيته

دفنت "فريدة" رأسها بين ساقيها.. ،فمدّت "السيدة كريمه" يدها نحو خصلاتها تمسح فوقهم برفق

- هو موضوع العصير ده صح يا فريدة

رفعت عيناها نحو عمتها، مصدومه من سؤالها..، فكيف لها أن تشك بها وهي من ربتها

- أنتِ بتشكي فيا يا عمتو

- لا يا حببتي، أنا عارفه أنك مبتكذبيش..

واردفت بعدما طالعت نظراتها الواهنه

- الحكاية مش كامله يا فريدة، أكيد في سبب خلي عامر السيوفي يعرض الجواز بسهوله كده علي محسن، ويديكي فرصة تفكري

انتظرت "السيدة كريمة" أن تسمع ردها وعندما طال صمتها..، أصابها الشك أكثر..، وهي تنفي برأسها غير مصدقه

- حصل بينكم علاقه

الجمت الصدمه لسانها، تنظر لعمتها وقد تعالا الشحوب فوق ملامحه

- كان ممكن يحصل واضيع..، لو مكنش هو موجود

فتعالت شهقة "كريمة"، وقبل أن تستفهم عن شئ.. ،كانت تخبرها بما تُريده

- طيب ليه رافضه تتجوزي، يا فريدة..، اللي انتي بتقوليه إن عامر كان ممكن يتجاوب معاكي

نفضت رأسها، بعدما نهضت من فوق فراشها

- اي راجل بيحصل معاه كده..، كان ممكن يتجاوب ويستمر كمان

واخذت تطرق فوق رأسها، مما جعل "كريمه" تنهض من فوق الفراش.. ،تلتقطها نحوها وتضمها إليها

- ارجوكي كفايه يا عمتو، أقف جانبي.. ،أنا كنت بحب اخوه ومازالت بحبه..، ليه عايزني اكون ضحية

شعرت "كريمة" بالندم من حالها، وتجمدت ملامحها وهي تستمع لعبارة صغيرتها عن فعلة والدها

- محسن بيه هو اللي ورا الصورة والمكتوب في الجريدة..، شوفتي عايز يوصلني لأيه

ضمتها "كريمة" إليها، وقد بدأت الصورة تتضح أمامها

- تجاوزي اللي حصل يا فريدة، ومن كلامك عن شهامة عامر السيوفي..، هيقف معاكي في أي قرار

.........

جلست "فريدة" قبالته في المطعم الذي اتفقت معه..، أن تقابله فيه..، اطرقت رأسها هاربة من نظراته

- فريدة لازم تنسى الحكايه، زي ما أنا نسيتها

- مش قادرة، مش قادرة افتكر إني..

قطع حديثها، فلن تتجاوز هذه الليلة إذا ظلت هكذا

- خلينا نتكلم في الموضوع اللي متقبلين عشانه يا فريده

استطاع ان يجذبها نحو الحديث الذي التقوا من أجله، فرفعت عيناها نحوه

- أنا مش موافقة علي فكرة الجواز

وبهدوء كان يسترخي فوق مقعده، يسألها عن السبب

- ممكن أعرف السبب؟

تسأل ببرود، مما أعاد إليها شخصيتها مجدداً

- سبب إيه، هو إحنا بينا قصة حب..، ما حضرتك عارف السبب

انفرجت شفتيه في ابتسامة واسعة..، فقد عادت فريدة التي يعرفها.. ،وعندما رأت ابتسامته وفهمت هدفه من إثارة حنقها

- شكراً علي اللي عملته معايا، لو واحد غيرك

- فريدة، قولنا ننسى خلاص..

اماءت له برأسها، فيجب أن تنسى وتتجاوز هذه الليلة، وبهدوء كان يتسأل ثانية

- رفضك بسبب احمد مش كده

عادت تُحرك له رأسها، وبنبرة خافته كانت تُجيبه

- انا حبيبت احمد، قولي ازاي اكون مراتك وانا كنت برسم أحلامي معاه

ابتسم "عامر" وقد ازداد تقديره لها، لقد خسرها شقيقه بالفعل

- احمد كان هيكون محظوظ لو اتجوزتوا يا فريدة..، لكن للأسف هو عايز يعيش في الماضي

طالعته متفهمه، فلن تركض حلف سراب الحب مجدداً

- أنت عارف إن بابا، ليه يد في نشر المقال في الجريده

فجأها من معرفته بالأمر، وما زادها دهشة وهو يخبرها عن معرفته بنية والدها منذ البدايه

- أنت كنت عارف

ابتسم وهو يري صدمتها في معرفته لكل شئ يدور حوله

- محسن بيه للأسف نسي، إني عامر السيوفي يا فريدة

واردف وهو يُطالعها باهتمام

- رأيك الأخير يا فريدة

والجواب كان يحصل عليه مرة اخري، وهو الرفض الذي اراحه

...........

دارت بعينيها في المكان ، تبحث عنه في المطعم الذي أعتاد المجئ إليه منذ أن أتي لأمريكا ، لقد أصبحت جميع معلوماته لديها ..، وما عليها إلا التقرب منه حتي تنال هدفها

وجدته يدلف للمطعم يتجه نحو طاولته التي أعتاد الجلوس عليها , بعدما خلع معطفه الصوفي ..ليلتقطه منه الشخص المخصص لهذا العمل

طلب وجبة إفطاره الخفيفة من كعكة وقهوة برائحة البندق ، وجلس مرتخي الجسد يُطالع المعالم الخارجية للمكان

طالعتها بنظرات طويلة ، ولو لمح نظراته نحوها لأعتقد إنها مُعجبة به ، لكنه كان لا يهتم بمطالعة أحد ..، جلب له النادل فطوره ، ومعه الجريده كما أعتاد ..، فقد اصبح زبون هنا

الدقائق كانت تمر ، وهي كانت تجلس تُطالعه لا أكثر ..، وقد أقترب موعد انصرافه ولم تتقرب منه بعد ..، التقطت أنفاسها ببطئ ..، تُخبر حالها إنها في مهمه ويجب عليها تنفيذها استجمعت شجاعته ونهضت عن مقعدها ، بعدما طالعت هيئتها في مرآتها خاصة ، جذبت تنورتها القصيرة بعض الشئ ، وبخطي هادئه ..، أخذت تقترب منه بثقة ..، فمن يُقاوم أمرأه مثلها .

وقفت قبالته بقوامها المتناسق الممشوق ، تبتسم إليه ، وقد كان يرتشف من فنجان قهوته ويقرء أحداث العالم من خلال الجريدة .. ، وبخطوة مدروسة أتقنتها كانت تمدّ له يدها هاتفه

- ازيك يابشمهندس

رمقها "احمد" بتمهل شديد ، بعدما ترك فنجان قهوته ..، ترقبت ردة فعله من نظرته ولكنها لم تحصل علي أي ترحيب منه ، تجاوزت الأمر ، وجلست فوق المقعد ، تسب أهدابها تنظر إليه بخجل ونعومة

- اكيد حضرتك مش عارفني ، انا أميره مهندسه منتدبه من شركه الامارات العربيه للشركه المعماريه الامريكيه هنا ، اللي حضرتك مساهم فيها بأسهم وتصميمات

وسمحت لعينيها تلك المرة تتعلق به بثقه

- بجد أهنيك علي علي نجاحك وبارعتك يا بشمهندس

لانت ملامحه عندما علم بهويتها ، فابتسم بدوره

- اهلا يابشمهندسه

رحب بها برسمية لم تخفي عنها ..، فادركت أن مهمتها لن تكون سهله مع رجل مثله

وبجراءة أصبحت من صفاتها ، وعدم صدمه طلبها

- ممكن اخد فطاري معاك ..، حبه أدردش معاك شويه ولا هاخد من وقتك

وقبل أن تستمع لحديثه ، أعقبت حديثها بدعابه

- جلسه عملية بحته متقلقش يا بشمهندس

ورغم عنه كان يضحك علي حديثها ، أماء له برأسه ..، فلن يستطيع أحراجها

- قدامي عشر دقايق بس ، أنتي عارفه المواعيد هنا بالدقه

- أكيد يا بشمهندس

وقد بدأت أول خطواتها مع رجلاً مثله "أحمد السيوفي" صيدها القادم وشقيق "عامر السيوفي" ، ذلك الرجل الذي دهسها أسفل قدميه



………….

لقد صار العمل علي قدم وساق، فالسيد الكبير في عطلة هنا لبضعة أيام..، تنهدت بارهاق بعدما وقت الراحة خاصتها..، دلكت جبينها ثم فركت عيونها ونهضت تتمطأ بذراعيها قليلاً فالغرفة خاليه بها ، "فالسيد فتحي" أصبح ملازم للسيد الكبير حتي يُريه إخلاصه وتفانيه في العمل.

ارتسمت السخرية فرق محايها، فهذا ما يحدث له عندما تتذكر "السيد فتحي"..

جاء وقت انصرافها أخيراً..، وكان اليوم أبكر بساعتين..، فهذا الشهر يتم فيه الجرد وليس به أعمال كثيرة

قررت أن تسير داخل المزرعة وتخرج من البوابه الأخري، ورغم إنها اتخذت الطريق الطويل إليها حتي تعود للمنزل..، إلا إنها أرادت السير قليلاً وتأمل الاشجار التي تُحيط المزرعة

استمعت لصهيل فرس يمر جوارها، وقد انكمشت علي حالها حتى تجاوزته..، ولكن سرعان ما انتبهت ان الذي مر من جوارها ما هو إلا مالك المكان، السيد عامر الذي سمعت عنه

التفت خلفها ..، ولكنها لم تري إلا الغبار الذي خلفه خلفها.. ،اكملت خطواتها مستمتعه برائحة الفواكه وقد انعشتها نسمات الهواء التي اخدت تداعب خديها

توقفت في مكانها وهي سيدتين يتحركان نحو الطريق الذي ستُغادر منه.. ،ومن هيئة إحداهن كانت تعلم إنها السيدة الكبيرة التي يتحدثون عنها

غرزت قدم المرافقة في الطين ولم تكن منتبها، فوقفت السيدة العجوز بعصاها

- قولتلك يا هانم خلينا نمشي من الطريق التاني

تمتمت المرافقة حانقة، وقد اختفى الارتياح من فوق ملامح "ناهد"، تقدمت "صفا" منها وقد كانت تُشاهد الأمر من بعيد..، تمدّ للمرافقة كفها تُصافحها

- أنا شغاله هنا في المزرعه، خليني اساعدكم..، زي ما انتِ شايفه في طين المكان

وطالعت السيدة الجميلة، تنظر لعينيها بانبهار حقيقي

- حضرتك اكيد كنتي ملكة جمال في شبابك

واسرعت في تكملة عبارتها، بعدما رأت تلك الابتسامة التي ارتسمت فوق شفتيها

- ومازلتي، جميلة

اطرب "ناهد" حديثها، وشعرت بالأرتياح لتلك الغربية التي تستمع لصوتها متسائلة

- اسمك إيه

- صفا

- نرجع يا هانم

هتفت بها المرافقة بعدما شعرت بالضيق من وقفتها في الطين هكدا، وقد اتسخت ملابسها

- ارجعي انتي، صفا هتاخدني تفرجني علي المكان

اتسعت حدقتي "صفا" ذهولا من طلبها..، ولكن سرعان ما حركت رأسها بحماقة.. ،وكأن السيدة الكبيرة تراها

- مش كده يا صفا، ولا عندك شغل

- عامر بيه، مفهمني مسيبش حضرتك يا هانم

ولكن "ناهد" انتظرت سماع عبارة الواقفه

- من عنيا

وببساطة كانت تجيبها، ابتعدت المرافقة..، بعدما احتلت" صفا" مكانها وقد ابتسمت "ناهد" وهي تستمع لصوت المرافقة المتذمر

أتبعتهم المرافقة غاضبه، ولو غصب السيد عامر، لكانت عادت لبيت المزرعة

طالت الجوله، وقد ضجرت التي تسير خلفهم، ولكن "ناهد" كانت مستمتعه رغم تعب ساقيها..، ولكن فجأة توقفت عن السير تلتقط أنفاسها.. ،ف أسرعت المرافقة إليه تدفع "صفا" عنها

- مش قولتلك يا هانم نرجع، اه ميعاد الدوا جيه وإحنا لسا برة المزرعه

- طيب فين علاجها ، بدل ما بتتكلمي ادهولها

حدقت بها المرافقه بملامح ممتعضة، وتجاهلتها تبحث في هاتفها عن حتي تُهاتف رب عملها لتُخبره عما حدث، رمقتها "صفا" بغضب ولكن سرعان ما كان يتملكها الخوف وهي تري وتيرة أنفاسها ترتفع وتلتقط أنفاسها بصعوبة.. ، انتبهت علي صوت المرافقة وهي تُحادث الطرف الأخر بخوف وتعلم ما ينتظرها حينا العودة

- حاولي تاخدي نفسك براحك يا هانم

وعندما انتبهت علي وجود "صفا" هتفت بضيق

- أنتِ لسا واقفه هنا، البيه لو جيه وشافك فيها طردك

امتقعت ملامح "صفا" وتجاهلتها، فقلقها كان منصب نحو السيده الجميلة التي ذكرتها بوالدتها

- هطمن عليها ومشي

- يبقى خليكي واقفه ، لأن البيه لازم يعرف إنك السبب
**********

وهل تتوانى المرافقه في عملها، بالطبع لا..، ف السيد الكبير قد جاء هو بذاته،

ملامحه كانت قاتمة، وعيناه رصدتها بنظرات سريعه، فتركت "صفا" ذراع السيدة الكبيرة وتراجعت خوفاً من نظراته صوبها

وبعبارات سريعة، وهو يسند والدته ، بعدما أعطاها حبة الدواء سريعاً..، كانت المرافقة تسرد عليه ما حدث، وإصرار السيدة الكبيرة علي إصطحاب هذه الفتاة معهم

توترت صفا ، وهي تري نظرات "عامر" تعود إليها، وبهمس خافت بسبب ربكتها كانت تهتف عبارتها وتسرع في خطواتها مُغادرة

- الحمدلله إني اطمنت عليكي يا ناهد هانم، مضطرية أمشي لاني اتأخرت

تحركت بضعة خطوات، ولكن تجمدت في خطوتها وهي تستمع لصوته الذي صدح خلفها، وقد اتسعت ابتسامة المرافقة, ف السيد سيصب غضبه أخيراً عليها ، وليست هي .. بعدما خشيت من صمته

- اسمك إيه ؟

شعرت بالحزن لفقدها وظيفتها، ولكن شجعت نفسها والتفت نحوه بقوة، فهل سيطردها لأنها اقتربت من والدته ؟..، وما دام سيتأخذ قرار ظالم من رجل متعجرف مثله..، فالتنال شرف القوة أمامه

- صفا

- سيبها يا عامر، البنت هتتأخر علي أهلها ، أنا اللي طلبت منها ترافقني

خرج صوت "السيدة ناهد" بعدما هدأت وتيرة أنفاسها واستطاعت أن تتحدث

لم تدع له "صفا" مجال لحديث أخر، وسارت من أمامه فقد فعلت ما ارادته مع هذه السيده وقد فرحت لسعادتها وهي ترافقها،

سارت أمامه دون أن تنتظره أن يهتف بشئ اخر..،

وضع والدته داخل السيارة وجلست جوارها المرافقة ..، وانطلق بعدها عائداً لداخل المزرعة، ولكن وقوع عيناه عليها وهي تسير بالطريق بخيلاء، جعل عيناه تحتد، فهو لن يمرر لها تجاهلها ، فما دام عامله لدية سيعرف كيف يُعلمها أن تنتظر سماع حديثه حتي يصرفها هو

...........

وقعت عيناها علي عمتها وقد خرجت للتو من باب المنزل تضع فوق خصلاتها حجابها بعجالة..، بعدما شعرت بالخوف عليها

أسرعت نحوها "صفا"، فتنفست عمتها براحة تضمها إليها

- إيه اللي اخرك يا صفا، ده أنتي خارجة من المزرعة بدري النهاردة..، عمك صابر خرج يدور عليكي

وبانفاس متقطعة، وبصوت حزين

- أنتِ أمانة اخويا يا بنتي

التمعت الدموع في عينين "صافية"، فتمالكت "صفا" دموعها حتى لا تذرف الدموع أمامها وتبكي معها

- انا كويسه يا عمتي، خلينا بس نكلم عمي صابر ونقوله إني رجعت

دلفت مع عمتها، فاسرعت "جنه" نحوها بلهفة بعدما خرجت من المطبخ الصغير

- صفا، كنتي فين

والسؤال كان يتكرر لها من العم صابر، ولم يكن عليها إلا أن تخبرهم بما حدث علي طاولة طعامهم الصغيرة

- ربنا يستر يا بنتي، والبيه ما يخدش الموضوع من ناحية تانيه

واردفت " صافية" بقلق

- أنا بسمع إنه راجل صعب اوي، وقلبه قاسي

- أنتِ هتخوفي البنت يا صافيه

وبحنو ابوي، كان يُطالعها " العم صابر"

- متخافيش يا صفا، أنتِ ساعدتي ست كبيرة، حبيتي تتمشى معاها عشان تفرحيها

وهنا كان يخرج صوت "جنه" التي تركت باقية الحديث ولم تُركز إلا في ربط الأمور ببعضها

- علي كده حلو زي اخوه يا صفا ابو عيون زرق ، ولا راجل عجوز

اتسعت حدقتي "صفا" من غباء ابنة عمتها، ولكن سرعان ما كانت تتلاشى صدمتها تنظر لها بشماته، بعدما لطمتها عمتها بحذائها هاتفه

- بنت قليلة الأدب

.........

ذهبت "صفا" لعملها بملامح سعيدة، وقد تناست ما حدث ليلة أمس، فقد رأت والديها في حلم جميل، يبتسموا لها يخبروها أنهم معها ولم يتركوها.. ،صحيح استيقظت في الصباح تبحث عنهم وقد سقطت دموعها ولكن عمتها اخبرتها إنهم مرتاحين في قبرهم ولا يريدون إلا سعادتها

- كل ده تأخير يا صفا

طالعت" السيد فتحي" الذي وقف في الغرفة يدور بها يُحادث نفسه، فعن أي تأخير يتحدث وهي لم تتأخر سوي خمس دقائق

- معلش يا استاذ فتحي، دول خمس دقايق بس

- انتِ هتفضلي ترغي معايا، نضفي بسرعة المكتب البيه بيمر في المزرعه

دفع إليها قطعه القماش والمكنسة، وانصرف بعدها، وقفت تنظر لما دفعه إليها، وقد ضاقت عيناها ولكن سرعان ما كانت تُخبر حالها بالصبر، فلن تجد وظيفه في البلده ، إذا اضاعت وظيفتها

بدأت في تنظيف المكتب ولكن بلكاعة عناداً لهذا الرجل، ولكن توقفت مكانها مفزوعة وهي تستمع لصوت "فتحي" يُرحب بالسيد الكبير

- اتفضل يا عامر بيه

وعامر لم يكن هدفه إلا ليري هذه الفتاة..، وجدها واقفه جوار مكتب "فتحي" تنظفه

- ابعدي كده يا صفا، خلي البيه يقعد في مكانه

واندفع نحو المقعد، ينظفه له..، فاقترب عامر من المقعد بعدما رمق الواقفه، ومن نظرته لها فهمت ما أراد إيصاله لها ولكنها لم تعبأ بنظراته

- اعملي قهوة للبيه يا صفا

- مبعرفش اعمل قهوة يا استاذ فتحي

فاتسعت عينين "فتحي" ذعراً، بعدما سمع عبارتها

- قهوة سادة يا فتحي، اكيد عارف قهوتي

التف "فتحي" نحو "عامر" بعدما رمق صفا بنظرة قوية وصرفها برأسه

- يلا يا صفا، اعملي قهوه للبيه..

كرر "فتحي" عبارته ،متجاهلاً ردها، واقسم داخله، إذا تحدثت بشئ أخر سيطردها

ابتعدت تعد القهوة، ومن نظرات "عامر" إليه.. ،توتر فتحي واقترب منه يُخبره عنها.. ،أعطاه "فتحي " تفاصيل حياتها، وقد كانت تستمع لحديثه دون أن تهتم، ولكن عندما ذكر حادثة والديها وأنها فتاه يتيمة اشفق عليها، كانت معالم الحزن ترتسم فوق ملامحها , فالتفت بجسدها نحوهم، لتتعلق عيناها بعينين هذا الرجل الذي جلس يترصدها

...........

توقف "محسن" جوار غرفة ابنته، يستمع إليها مع شقيقته , وهي تعد حقيبتها من أجل الذهاب لفرع شركة الأخر بمدينة الإسكندرية

- كده يا فريدة، عايزه تبعدي

- يا عمتو ديه إسكندرية، يعني مش مكان بعيد..

واقتربت منها تمازحها

- ما أنا كنت بدرس بره، واتعودتوا علي عدم وجودي

- بس بقيت متعلقه بيكي يا حببتي، ومبقتش اقدر اتخيل البيت من غيرك

تأثر "محسن" من الحديث الذي يسمعه، فقد اضاق الدائرة حول أبنته، بعدما رفضت أن تتزوج "عامر السيوفي"، ولم يكن الحل أمامها إلا أن تبتعد عنه..، أراد أن يتراجع ويترك لها الحرية..، فليس لديه إلا هي

- متزعليش من محسن يا حببتي، هو يمكن تفكيره غلط، ومش قادر يفهم إنك كنتي بتحبي احمد

- هو اللي اجبرني يا عمتو

هتفت بها "فريدة" بعدما اغلقت حقيبتها ووضعتها جانباً، واردفت بملامح حزينه

- اتجوز إزاي واحد كنت بحب أخوه

- صحيح عامر كبير عنك يا فريدة، وشكله من برة يوحي إنه راجل صعب، بس حقيقي يا بنتي أنا احترمته، بعد اللي اعمله معاكي

انتبهت حواس "محسن" بعدما تحرك من مكانه، ولكنه توقف يستمع لباقية الحديث

طالعت عمتها، ولم يكن شعورها هي الأخرى مختلف نحو هذا الرجل

- أنا كمان احترمته، كفايه إنه مشوهش صورتي ولا استغل اللي حصل وفضحني قدام بابا، بعد كلامه السخيف..

واردفت بملامح مستاءه، كارهة لما فعلته

- أنا مش قادرة أتخيل إني كان مهم يحصل علاقه بينا، لولا إنه كان متأكد إني في حاله غريبه

اتسعت عينين " محسن" لا يستوعب ما يسمعه، هل كانت ستحدث علاقة بين أبنته وعامر السيوفي؟

- أنتِ بتقولي إيه؟..

تجمدت ملامح "فريدة" و "كريمة" التي تجمدت عيناها هي الأخري نحو شقيقها الذي دلف الغرفة وعلي ما يبدو إنه إستمع لحديثهم

- بابا، أنت مش فاهم حاجة

وهنا كان يصرخ بها محسن

- جوازك من عامر السيوفي هيتم يا فريدة

...........

انتفضت " صفا" من مكانها بخوف، بعدما جاء احد العمال يُخبرها عن سقوط زوج عمتها بالأرض وعمتها منهارة لا تقوى علي الحركة..، تركت كل شئ واندفعت مع العامل في إحدى السيارات الخاصه بنقل صناديق الفاكهه

هرولت راكضه بعدما هبطت من السيارة ودموعها تغرق خديها، فلم تعد تتحمل فكرة الفقد والفراق ثانية..، وجدت الجميع متجمع حول جسد زوج عمتها الواهن، وعمتها تجلس جواره باكية..،

وقعت عينين الواقف بشموخه عليها.. ،وهي تجثو فوق ركبتيها تخبر زوج عمتها

- هتكون كويس، متسبنيش أنت كمان

ابتسم نحوها صابر يُحاول التقاط أنفاسه

- متخافيش يا بنتي

- فين عربية الإسعاف يا فتحي

وفتحي يقترب منه خائفًا

- علي وصول يا عامر بيه

..........

كان يوم عصيب عليهم، يوم انهكهم من شدة البكاء والخوف، تركت "السيدة صافية" زوجها يرتاح فوق فراشه.. ،وخرجت من الغرفة متجها نحو غرفة الفتيات..، فوجدتهم يجلسون بملامح باهتة حزينه

- محضرتوش لينا العشا يا بنات

انتبهت "جنه" علي صوت والدتها، واطرقت رأسها حزناً

- مين ليه نفس يا ماما

فطافت من عينين "صافية" دمعه حاولت إخفاءها ولكن دموعها اخذت تنساب فوق خديها ..، اجهشوا ثلاثتهم في بكاء مرير

- خوفت علي أبوكي النهاردة، كنا هنعمل إيه لو راح مننا يا بنتي

تعالت شهقات "جنه" ، اما صفا ابتعدت عنهم..، تختلي بنفسها..، فقد اقتحم ذلك اليوم عقلها رغم اقترب عام علي وفاتهم

- الدكتور بيقول، لو الموضوع اتكرر تاني.. بابا هيحتاج عملية ضروري

طالعتها "صافيه" وقد علمت معني العجز اليوم، تفرد يديها فوق فخذيها

- كنا هنجيب فلوس منين يا بنتي..، ربك رحيم بينا

........

قد عاد الأسد لعرينه ثانية، هكذا كان يتحدث موظفينه وهو يدلف من باب الشركة، يسير بخيلاء وبقوة تحت نظرات كل من يراه

دلفت سكرتيرته خلفه، تهتف بترحيب، واقتربت منه تضع الملفات فوق سطح مكتبه

- محتاجين توقيعك يا فندم

وقبل أن ينظر بهم، كان "محسن" يدلف لغرفته..، ومن نظرة عينيه.. ،كان يفهم سبب حضورة اليوم

اصرف سكرتيرته بنظرة من عينيه، فغادرت علي الفور واغلقت الباب خلفها

- تليفوناتك مقفوله، الظاهر مكنتش عايز حاجة تزعجك في اجازتك

تمتم " محسن" حديثه وعلي وجهه علامات الضيق، فنهض عامر عن مقعده، واقترب منه يرمقه بجمود

- خير يا محسن بيه

ومحسن يهتف بغضب، وقد اقترب منه هو الاخر

- مش عيب يا باشا، اعرف الحقيقه كامله من دردشة ستات...

........

هل ستأتي عروس السيد الكبير اليوم، الكل كان يتحدث أمامها ولكن "ناهد" لم تكن تهتم بالأمر، ف زواج عامر خاصة بتلك الطريقه.. ،وراءه شئ خفي..، ولكنها كانت تشعر بالحزن أن تسمع الأمر من الخدم

واخيراً دلف غرفة والدته، بعدما صرف المرافقة لها، مشيرا لها أن تُغادر الغرفه

أسرعت في تلبية أمره، بعد أن نوالت الجالسة فوق فراشها كأس الماء، وارتشفت منه

- اكيد سمعتي إني هتجوز النهارده..، الجواز من غير حفله ومقتصر علي بعض المعارف في بيت والدها..، لكن قريب هنعمل حفلة هنا

القى عبارته، والتف بجسده مغادراً

- هتتجوز جوازه مش مقتنع بيها

تمتمت بها "ناهد"، ودون أن تترك له مجال للجواب عليها..، أردفت متهكمة

- مش هي ديه البنت اللي خليت الخدامه تعرفها عليا، وكنت بتسعي إنك تجوزها لأحمد

- ناهد هانم

هتف بحدة، ومسح فوق وجهه..، فهو بالكاد يتحمل أمر هذه الزيجة التي ظن إنه تخلص منها، ولكن "محسن الصواف" كان مصّر عليها وهو يعلم هدفه الذي لن يحققه له

تأكدت "ناهد" ان هذه الزيجة وراءها شئ، شئ اجبر ولدها البكر، بأن يتخذ قرار الزواج بعد هذا العمر

- مبرك يا بني

قالتها بهدوء..، ولم تكن تنتظر أن يجيبها..، استمعت لصوت الباب وهو يُغلق.. فتنهدت بأسي

- كان نفسي تتجوز واحدة، تاخد قلبك يا عامر وتكون فرحان بيها.. ،يمكن قلبك يلين عليا يا بني

........

طالعته " أميرة" بابتسامة واسعه، وهي تدير مفتاح سيارتها التي دارت علي الفور

- أنا مش عارفه اشكرك حقيقي إزاي

وخرجت من سيارتها، تهتف بكلمات شاكرة..، فوفقت عيناها علي قميصه الذي اتسخ

- من حظي أن السيارة بتاعتك بتمر من هنا، و من سوء حظك إن وقفت بعربيتك عشان تساعدني

ضحك" احمد" علي عبارتها، ورفع كفه نحو وجهه يمسحه..، ولكنها أسرعت تمسح عنه عرقه

- ايدك مليانه شحم

حركت اناملها بخفه فوق جبينه، واقتربت منه حتي لم يعد يفصلها إلا انفاسهم ، ابتعد عنها مبتسماً

- زي ما قولتلك العربية محتاجه تروح لميكانيكي

اماءت له برأسها متفهمه، وعادت تشكره مجدداً

- خلاص كفايه شكر يا بشمهندسه

وانصرف بعدها، بعدما أخبرته إنها ستكون في المطعم الذي يزوره

- هستناك

تمتمت بها، بعدما لوحت له بيدها..، فانطلق بسيارته ولا شئ يشغل باله إلا نجاحه هنا

وهكذا كانت تسير "أميره" في خطتها، ببطئ وذكاء..، وهذه هي الخطوة الثانية لها، وقد اختارت بذكائها الموقع الممتاز

........

توقفت خلفها عمتها بعدما خرجت مصصفة الشعر، ابتسمت لها ببهوت، فهتفت فريدة وهي تطالع نظراتها لها عبر المرآة

- مكنش نفسك اكون زيك

واردفت بحزن، وهي تقاوم دموعها وتعود قوية كما كانت

- اظاهر إن نصيبي نفس نصيبك يا عمتي

ضمته "كريمه" نحوها بقوه، تخبرها إنها افضل واقوي منها

- أنتِ أقوى مني يا فريدة، كان نفسي تكوني فرحانه بجوازك يا بنتي

واردفت بأسي بعدما ابتعدت عنها فريدة

- كان نفسي افرح بيكي، واشوف السعاده في عنيكي

ولكن أين هذه السعادة، واين هي فرحتها.. ،و والدها يقترب منها يمدّ لها ذراعها غير عابئ بما فعله بها ودفعها نحو هذه الزيجة التي تمناها

- كفايه كلام يا كريمة، المأذون وصل

ولم تكن تستوعب أين اخذتها قدماها، حتي سمعت والديها يُخبرها أن توقع اسمها، التقت عيناها بذلك الذي جلس يُطالعها بجمود يعرف كيف بظهره أمام الناس.

......

وفي خطوات هادئة، كانت تدلف برفقته منزلها، سار أمامها صاعداً الدرج دون أن يعبأ بوقوفه، ولكنه كان يشعر بالأختناق.. ،لا يعلم ما هو السبب ولكنه كان يختنق من الداخل

"عامر السيوفي " بكل ما يملكه لم يكن سعيد..، وقف أعلى درج ينظر إليها بهدوء

- اطلعي يا فريدة

صعدت خلفه ببطئ، تنظر حولها في المكان الخالي.. ،وقد اصرف هو العاملين من منزل عدا مرافقه والدته لأنه لم يكن يريد أحدا بالمنزل هذه الليله

اقترب من إحدى الغرف يُشير إليها

- ديه اوضتك

ابتسمت بتوتر وهي تتقدم من الغرفه، ولا تعرف ما ستقوله له، ففضلت الصمت

- تصبحي علي خير

وببساطه كان يُكمل حديثه، متجهاً نحو غرفته..، تنفست براحه، ودلفت الغرفة.. ، فلم يحدث ما اراده والدها..، والسيد محسن كان لا يُريد إلا إتمام الزيجة فعلياً

.........

- لا يا صابر مش هتنزل الشغل، أنت مش شايف نفسك تعبان إزاي

- ولما اقعد من الشغل، مين هيصرف يا صافيه

هتف بها صابر بعدما نهض من فوق فراشه بصعوبه ولكنه تظاهر إنه بخير

- أنا بشتغل، وجنه كلها شهر وتتخرج وتساعدني

احتدت معالم صابر، ولأول مره كان يصرخ بها

- شيفاني مش راجل قدامك يا صافيه

خشيت " صفا" الاقتراب منهم، بعدما سمعت صوتهم المحتد..، توقفت عن تناول فطورها

- انت سيد الرجاله يا صابر، بس أنت لسا تعبان يا اخويا

ابتسمت "صفا" وقد اعجبها هدوء عمتها وامتصاصها لغضب زوجها

- عارف يا ام جنه إنك خايفه عليا

واقترب منها يمسح دموعها التي علقت بعينيها، يضمها إليه، ويلثم رأسها

- لو تعبت يا صافيه، هروح.. ،لكن لو فضلت قاعد هخسر مصدر رزقنا يا صافيه

وفي النهاية كانت ترضخ لعناده

........

دلفت "فريدة" لغرفة "السيدة ناهد"، تنظر إليها والمرافقة تطعمها وجبة غدائها

يومان مروا علي تلك الزيجة، وقد غادر اليوم عامر لعمله..، ف تذكرت حنقه من والدها الذي تسأل لما لم يذهبوا لعطلة زواج يريحوا بها اعصابهم

فتركتها هي الجواب له، حتى يُجيب والدها.. ،والإجابة إنها ليس متفرغ لهذا الهراء

ضحكت داخلها وهي تتذكر ملامح والدها، ولكنها كانت سعيده مما يفعله عامر، امامه وقد اتفقوا علي هذا الأمر حتي يشعر والدها بذنبها وما اقترفه

- صباح الخير

- قصدك مساء الخير

ارتفع حاجب "فريدة" في دهشة وهي تستمع لردها عليه، ولكنها تجاوزته.. ،فمهما كانت هي سيدة عجوزها ضريرة

- اخبار حضرتك إيه النهاردة

التفت "ناهد" نحو الصوت، وتمتمت بهدوء

- بخير

- قولت اجي اسأل عن حضرتك

والعروس أخيراً، قد تذكرت حماتها..، هكذا حادثت " ناهد" حالها

ارتبكت "فريدة " من نظرتها وعباراتها المقتضبه، فلم تجد إلا ما هو بارعة فيه..، وهو النقد ولقاء الأوامر علي الخادمة

كانت "ناهد" تستمع إليها. ،ولم تكن تري فيها إلا شبابها..، وإذا استطاعت أن تلك لقلب ابنها..، ستكون هي القوي المسيطره وسترهقه من دلالها.

.......

وقفت "صفا " جوار فراش العم صابر، الذي عاد مبكراً من العمل واستطاعت العودة معه بعدما اذن لها "السيد فتحي" لترافقه

- انا بشتغل وعمتي بتشتغل..، ليه عايز تتعب نفسك يا عمي

ابتسم "صابر" بوهن، يرمقها بحنان

- واكون عبأ ليكم يا بنتي، بدل ما اريحكم

فالتقطت "صفا" كفه تمسح فوقه

- وجودك وسطينا ده أهم حاجة

وفي تلك اللحظة كانت تندفع جنه لحضن والدها بعدما أتت من الجامعه..، تخبره بحبها لها وإنها لا تتخيل العيش دونه

..........

تناولت طعامها بهدوء، تنظر إليه من حينا إلى آخر، حتى زفرت أنفاسها ضجراً، فرفع وجهه عن طبقه يسألها

- في حاجة عايزه تتكلمي فيها يا فريدة

تركت شوكتها، ونظرت إليه بحماس

- عايزه ارجع شغلي من تاني

- مش شايفه إن نزولك للشغل مينفعش حاليا

اماءت برأسها له متفهمه

- يعني مش معترض علي الفكرة، وتقولي لما ننفصل الأول

ابتسم إليه، رغم إنه قليل التبسم..، إلا إنه لم يكن يُريد ظلمها كما فعل والدها

- طبعا مش معترض يا فريدة، جوازنا مصيره معروف..، فمش هقف قدام مستقبلك

وبفضول كانت تسأله

- يعني سؤال مستقبلي شويه

فانتظر سماعها، فتعلقت عيناها به

- لو لقيت شريكة حياتك اللي بتدور عليها صح، هتخليها تشتغل وتدور علي مستقبلها

وبتملك عجيب كان يُجيبها، بعدما مسح شفتيه ونهض عن طاوله الطعام

- الست اللي هتجوزها هتكون ليا انا و ولادنا وبس..، مستقبلها هيكون إحنا

ألقاها وانصرف، فقطبت حاجبيها.. ،تتذكر حديث " أحمد" المختلف عنه..

.........

دلف لغرفة والدته، بعدما أخبرته المرافقة لها إنها تُريده، شعرت بوجوده فاخبرته بصراحه

- اتجوزت نسخه مني يا عامر

تجاهل عبارتها، وتسأل

- المرافقة الجديدة، قالتلي إنك عايزانى

ابتسمت وهي تراه يتجاوز حديثها، وقد علمت إن الأمر لا يعنيه من صفات فريدة..، ف بالتأكيد لن تظل هذه الفتاه طويلا معهم

- مش عايزة المرافقة الجديدة

- ليه؟

انتظر أن تخبره بعدما حبها للمرافقه الثانية التي أتي بها بعد حنان ولكنها لم تعطيه الجواب

- هاتلى البنت اللي شوفتها في المزرعه

قطب جبينها يُحاول أن يتذكر من هذه الفتاة التي تقصدها، ولكنه كيف ينسى تلك الفتاه صاحبة النظرات القوية التي لا تهتم بأحد..

…………….

دفنت وجهها بين الدفاتر، ذلك العمل المميت الروتيني، الذي أصبح يغمسها في حياة لم تكن تحلم بها يوماً.. ، دلكت جبينها وعنقها من شدة إرهاقها.. ،إرهاق أصبح مصاحب لها من تفكيرها الشديد، في المال الذي يحتاجه زوج عمتها من أجل دواءه الباهظ

دلف "السيد فتحي" المكتب وعندما وجد بضعة سندوتشات أمامها ولم تمس شئ منهما..، اقترب يلتقط منها أحدهم يقضمه

- عندي ليكي خبر حلو يا صفا

اتسعت عيناها فرحاً، ووقفت من مكانها تسأله

- هتسمح لعمي صابر يشتغل نص يوم، وتديله يوميته كامله

- هو انا فاتحه جمعيه خيريه، لعيله صابر

تهدل كتفيها بخيبة من هذا الرجل، الذي لا يشعر بسلاطه لسانه، فقدت حماسها وعادت لمكانها..، تزفر أنفاسها بقلة حيله.

- مسألتيش يعني إيه الخبر السعيد يا صفا

- هو في حاجة تفرح يا استاذ فتحي

وهتفت داخلها حتي لا يسمعها

" مافيش خبر بيجي منك يفرح"

- الهانم الكبيرة، عايزاكي تشتغلي عندك

فاتسعت حدقتيها ، بعدما رفعت عيناها نحوه، بل تستوعب ما تفوه به

- البيه طلب مني، أعرض عليكي شغل في القصر عنده..، مرافقه للهانم الكبيرة

أنتظر "فتحي" ، سماع موافقتها …، ولكنها ظلت واقفه تحدق به لا تستوعب ما يتحدث عنه

- ديه فرصه متتعوضش يا صفا ..، فرصة تساعدي بيها جوز عمتك الغلبان

واقترب منها يُخبرها عن الراتب الضخم الذي تحصل عليه ، وعن العيشة التي ستعيشها في هذا القصر
****



ظلت الأنظار عالقه بين ثلاثتهم ، إلي أن هتفت عمتها ، بعدما بدأت تستوعب ما تفوهت به أبنه أخيها:

- لاء ياصفا ، أزاي أوافق تعيشي بعيد عني

واردفت متحسرة علي الحال الذي اصبحت فيه أبنه شقيقها

- عايزه تبقي مرافقه ، مش كفايه بهدلتك في شغل المزرعه ..، ده أنتي مكنتيش متعوده علي البهدله ديه يا بنت الغالي

تمتمت بها "صافيه" وذرفت دموعها ،فاردف "صابر" بعجز وألم بعد حديث زوجته :

- ليه يابنتي عايزه تحسسيني إني خلاص بقيت عاجز

فاسرعت صفا نحوه ، تقبل كفيه

- أنا شوفت الست ديه ، وحبيتها ..، مش يمكن ربنا بعتني ليها

وبقلة حيله ونواح كانت تهتف صافيه :

- اقول لأخويا الله يرحمه إيه ، اقوله أني مقدرتش اتحمل مسئولية بنتك .. اقوله سيبتها للدنيا تلطش فيها ..

وصابر لم يكن حاله اقل منها ، إنه يفهم سبب أقتناعها بهذا العمل ..، العمل الذي عرضت عليه زوجته ان تعمل به منذ أشهر ولكنه رفض ..، انتظرت "صفا" جوابهم فليس لديها فرصة إلا في هذا المنزل بذلك الراتب الضخم الذي أخبرها به فتحي.

نظرت "صافيه" نحو زوجها القابع مكانه بضعف ، تتوسل اليه بنظراتها بأن يقول شيئا , يجعلها تتراجع عن تلك الوظيفه ، طالع "صابر" تلك الواقفة تنظر إليه برجاء ، فإذا اقتنع هو ستقتنع عمتها :

- فكري تاني ياصفا يابنتي ، و أوعي للحظه تفتكري أنك عبأ علينا يا بنتي ..، حسن الله يرحمه كانت جمايله كتيره عليا ..

ولكنها كانت مُصرة علي الذهاب ، حتي تحصل علي الأموال التي ستُساعدهم بها

- يمكن تكون صفحه جديده من حياتي ، ولو مرتحتش أوعدك هرجع علطول

وبوعد أخذوه منها ، كان يوافقوا ..، فليس بيدهم شئ ما دام هي تُريد ذلك

دمعت عينين "صافيه" فاقتربت منها تحتضنها بقوة ، تؤكد لها ..، إنها إذا لم تجد حالها في هذا العمل ..، ستعود للقرية ..، كما أن "السيد فتحي" وعدها أن وظيفتها هنا ستظل محفوظه.

..............................................................

ظلت طيلت ليلتها ، تتقلب في فراشها وتسأل نفسها سؤالاً واحد؟

هل ستسطيع تحمل ما هو قادم ، فالعمل في قصر كبير لدي هذا الرجل الذي جعلها تخافه ، منذ أول لقاء لها معه لن يكون سهلاً عليها

أغمضت عينيها ، وقد بدأت أحلامها تسيرأمام عينيها ، تتذكر أحلامها الورديه بأن تصبح يوما ما ذات شأن في شركة كبيرة خاصة بمجالها ، وابتسامه حزينه أرتسمت فوق شفتيها وهي تتذكر ..، كم كانت تظن أن الحياة تفتح لها ذراعيها وتنتظرها حتي تحقق لها أحلامها ، ولكن احلامها جعلتها تغفل عن الحقيقة..، فالأحلام ليست سهلة المنال

فتحت عينيها وتنهدت بثقل ، تنظر لسقف الغرفة كعادتها

- هتقدري تستحملي اللي جاي ياصفا

أقتربت منها "جنه" بعدما شعرت بها ، وكانت مثلها قد جفاها النوم

- وافقتي علي الشغل عشان علاج بابا يا صفا مش كده

وسقطت دموع "جنه " ، وقد تذكرت أعمامها

- إزاي في ناس قلبهم قاسي كده ، عمرهم ما فكروا يسألوا علي اخوهم ..، عايشين في العز ، واخوهم مش لاقي حق العلاج ، وبيشتغل مجرد فلاح في الأرض

أعتدلت "صفا" في رقدتها ، وأحتضنتها ..، وهي أيضاً لا تستوعب كيف لأخوه يفترقون عن شقيقهم لأنه تزوج من أمراه لم يُريدوها في عائلتهم لانها فقيرة ولم تكن هذه المرأه إلا عمتها

- أنتم مش محتاجينهم يا جنه ..، ديما حطي في راسك كده .. الناس اللي تبيعك بعيهم

مسحت "جنه" دموعها ..، وقد أبتسمت علي حديثها ..، ومازحتها حتي تزيل هذا البؤس قليلاً عنهما

- يعني أبيعك يا صفا ، مدام هتبعينا وتبعدي

دفعتها "صفا" عنها ، وقد فصلتها عبارتها ..، التمعت عينين "جنه" بعدما أعتدلت من وضيعتها

- بتبصيلي كده ليه ؟

- أنتِ هتروحي تشتغل في قصر السيوفي ، يعني أبو عيون زرق هتشوفي هناك

وقبل أن تهتف "جنه" بشئ ، اقتربت منها "صفا" تُكمم لها فمها

- الواحد غلطان ..، إنه بيحكيلك عن مشاعره

فتملصت "جنه" من قبضتها ، واخذت تلتقط أنفاسها

- هتموتيني عشان كنت بضحك معاكي

- لأني عارفاكي هتفضحيني ..، لكن عشان أريحك ياجنه وتبطلي جو الأحلام ،

الناس اللي زي ديه مبتحبش غير اللي شبهم يا جنه

رمقتها "جنه" ثم قطبت ما بين حاجبيها ..، فمن هو الذي يعيش الأحلام غيرها ..، فضحكت "صفا" علي هيئتها ..، فهي تقصد حالها وليست أبنه عمتها التي تعيش دوماً علي أرض الواقع.



..................................................................

أنبسطت ملامح "ناهد" بعدما أستمعت لما يُخبرها به ، فلم تكن تُصدق إنه سينفذ لها رغبتها بهذه السرعة ..، ويجلب لها هذه الفتاة ..، كما أرادت

- يعني وافقت تيجي تعيش هنا

وبكبر كان يُجيبها

- ومتوافقش ليه ، ديه هتاخد مرتب عمرها ما حلمت بي

تعجبت "ناهد" من حديثه ، ولكنها لم تهتم بالأمر ..، دلفت "فريدة" الغرفه وقد أستمعت لعبارته متسائله

- هي مين ديه اللي هتيجي هنا

أشاحت "ناهد" وجهها للناحية الأخري ، فتمتم هو قبل أن ينصرف

- المرافقة الجديده

حركت "فريدة" رأسها ، وغادرت الغرفة خلفه ..، اتبعته حتي دلف غرفته ووقفت تتسأل ثانية

- هو أنا ممكن أروح النادي يا عامر

- اعملي اللي أنتي عايزاه يا فريدة

وهكذا كان يُعطيها الحرية في كل شئ ..، فبدأت تشعر بالضجر من الأمر ولا تعلم السبب

انتبهت إنه وقف يزيل عنه قميصه ..، وعندما التقت عيناهم ..، ظن إنها ستُغادر الغرفة ولكنها اقتربت منه ووقفت امامه تزيل عنه قميصه وتُخبره بما يُعجبها به

- تعرف إنك أكتر راجل شوفته مهتم بجسمه ، حقيقي يا عامر اللي يشوفك ميعرفش يحدد سنك

طالعها وهي تتحدث ..، لقد تكيفت "فريده" مع المكان بل وبدأت تعتاد عليه وتقترب منه

توترت وهي تراه يبتعد عنها ، بعدما أزاح عنه يديها برفق ..، انتبهت علي فعلتها ولكن لم تكن تقصد شئ ..، فهي اعتادت علي الصراحه في حديثها

- ممكن يا فريده ، تنزلي تطلبي من الخدامه تحضر العشاء

أماءت له برأسها وهي تعلم إنه يصرفها بذوق ..، فتنهد براحه بعدما رحلت من أمامه ..، يهتف لحاله وغريزته

- اوعي تضعف يا عامر ..، مافيش ست تقدرك تضعفك مهما كان جمالها ورقتها

…………..



وقفت جنه تعد لها حقيبة ثيابها ببؤس ، وقد اصبحت دموعها عالقة بأهدابها تخشي نزولها من أجلها من اجل أن لا تحزنها

- أوعي تعيطي وتقلبيها دراما ياجنه

اماءت لها "جنه" برأسها ، ولكن دموعها انسابت رغماً عنها

- بحول أتقبل إنك هتبعدي عننا يا صفا ..، لكن مش قادره

وبصعوبه ، كانت تتحكم "جنه" في دموعها ..، وحتي تُخرجها "صفا" من هذه الحاله تسالت وهي تنظر نحو الثياب

- أختارتيلي هدوم تليق بسيدات القصور

ابتسمت "جنه" بعدما مسحت دموعها ، ورمقتها بتذمر

- طبعا الليدي صفا ..، هتعيش في قصر وهتبقي من الهوانم

وهكذا بدء المزاح كعادتهم ..، ولكن كل منهن كانت تُفكر فيما سينتظرهم

"صفا" التي سترحل حتي تجني المال ..، من اجل مساعده زوج عمتها في علاجه المكلف

و "جنه" التي بدأت بالفعل تبحث عن عمل ، فقد أوشكت دراستها علي الإنتهاء

…………..

اتبعت خطوات "السيد فتحي" بعدما ترجلت من السيارة الفخمه التي نقلتها من البلده إلي قصر السيوفي .

و في بضعة خطوات قبل الصعود للدرج الرخامي، توقف "فتحي" مبهوراً ككل مرة يأتي فيها إلي هنا ،حيث يطلق عينيه للتحديق في ثراء أبناء السيوفي وما وصلوا إليه..

لم يكن حالها مُختلف عنه ..، فقد وقفت تلتف حولها تنظر للمكان برهبة وعدم تصديق إنهم بهذا الثراء الفاحش ..، ولا تعلم لما أتتها صورة هذا الرجل ..، ليس الشقيق الأكير ..، بل الأصغر الذي رأته منذ بضعة أشهر في المزرعه ..، صاحب العينين الزقاوين الذي لم يترك مخيلتها ..، فكلما قرأت كتاباً يصف فيه كاتبه الشخصيات كانت ترسمه في خيالها ثم تذهب لأحلامهم وتحلم به في حلم ليس إلا سراب تصنعه لحالها ..، وقد عانت لفترة من أحلامها الحمقاء بهذا الرجل حتي بدأت تتنساه

فاقت من شرودها ، وقد أنتبهت علي صوت "فتحي"

فتحي : طلعتي محظوظه يا صفا ، عامر بيه بنفسه يشغلك هنا عنده مرافقة للست كبيره ، والله أعلم إيه تاني ممكن يحصل

تمتم "فتحي بعبارته الأخيره ، ولم تفهم مقصده ..، فهتفت متهكمه وبصوت خافت

- حظ ، والله مافي حد عايش في الحظ غيرك يا فتحي

- بتقولي حاجة يا صفا

فطالعته بعدما حملت حقيبة ملابسها ، بعد أن أخرجها السائق لها

- لا يا أستاذ فتحي ، أنا بقول إني هفتقد شغلي معاك ..، هو في مدير زي حضرتك بيريح موظفينه

فهندم "فتحي" من جلبابه الفخم ، الذي لا يرتديه إلا في المكان التي تناسبه

- اصيله يا صفا ، وعشان كنتي موظفة مجتهده وبتسمي الكلام ..، هوصي عامر بيه عليكي .. ، ما أنتي عارفه ..

وقبل أن يتم عبارته ، كانت تهتف بدلاً عنه بتلك المعلومه التي أصبحت تحفظها عن ظهر قلب

- عارفه يا أستاذ فتحي ، صله القرابه العظيمه بينك وبين الباشا!

فتحت لهم الخادمه أخيراً ، بعدما ضجرت "صفا" من الوقوف وسماع عبارات "فتحي" الفخوره بقرابته مع عائله السيوفي ..، وكيف كان والده صديق لوالد السيد عامر

رحبت بهم الخادمه ، وقد كانت علي علم مسبق بقدومهم

- عامر بيه ، مستنيكم في مكتبه

ارشادتهم نحو المكتب ، الذي يعلم "فتحي" وجهته ..، فسار أمامها..، يفرد جسده وكأن صاحب أملاك وليس من مستخدمين هذا الرجل

وبنبرة جامده ، كان يتسأل "عامر" بعدما رفع وجهه عن الأوراق التي أمامه

- اتأخرت ليه يا فتحي ، المفروض كنت توصل هنا من ساعتين ..

فالتف "فتحي" نحو "صفا" يرمقها حانقاً ..، فهي السبب في تأخيره ..، بعدما وقفت تودع كل من أحبتهم في البلده وكأنها ستُهاجر إلي دولة أخري

- الهانم كانت بتودع أهل القرية

تمتم بها "فتحي " متهكماً ، فرمقته بضيق لم يخفي عن "عامر" ، الذي نهض عن مقعده ..، يسألها عن أسمها مرة أخري

- قولتيلي أسمك إيه ؟

- صفا

بضيق كانت تخبره أسمها ، فضيق "عامر" عينيه غير مُصدقاً أن هذه الفتاه تُحادثه هكذا ..، رمقها "فتحي" بقوة ..، ولكنها لم تكن تأبي لنظرات فتحي فلم تعد تحت رحمته وقد تركت العمل في مكتبه ودفاتره

- أكيد عارفه وجودك هنا ليه

- مرافقه ، للهانم الكبيره

- يعني عارفة مهامك ، ولا تحبي تسمعيها

وبجمود كان يسألها ..، وقبل أن تُجيبه ..، كان يُخبرها بقواعده في منزله ..، وإذا لم تلتزم فالباب مفتوح أمامها

- طبعا في إلتزام ، واي اوامر الهانم الكبيره تقول عليها تتنفذ

أحتقنت ملامح "صفا" وهي تسمعه ..، فطالعها "فتحي" يحثها ألا تتحدث ..، فتقدم "عامر" للامام يهتف باسم إحدي الخادمات

- سعاد، سعاد

وفي ثواني كانت تدلف الخادمه ، تطرق عيناها أرضا هاتفه بخوف قد ظهر في عينيها :

- نعم ياعامر باشا

فتعلقت عيناه بالواقفة ، وسرعان ما اشاحها عنه متمتما بجمود:

- خدي المرافقة الجديده ... ، للهانم !

…………..

هل اصبحت الايام تمر بهذه السرعة ، هكذا كانت تتسأل "صفا" بعدما وقفت أمام المرآة في غرفتها تُهندم ثوبها قبل أن تُغادر غرفتها وتتجه لغرفة السيدة "ناهد"

غادرت غرفتها وهي تتمني ألا تري فرداً واحداً ..، بطبع زوجة ذلك المتعجرف ..، تلك الفتاة التي رأتها في المزرعة من قبل برفقة الشقيق الذي رحل ..، الشقيق الذي تمنت أن تراه ثانية

دلفت لغرفة "السيدة ناهد" وابتسامة واسعة تشق ملامحها وقد وجدتها أستيقظت من نومها تنتظرها

- صباح الخير ، علي سيدة القصر الجميله

ابتسمت "ناهد" بحب ، لتلك الشقية التي أعادت لقلبها السعاده ، بعدما رحلت مرافقتها الحبيبة حنان

- أنتِ بكاشة يا صفا

فتعالت ضحكات "صفا" وهي تقترب منها

- طيب أكدب وادخل النار ..

واقتربت منها هامسة

- مش كفاية الذنوب اللي باخدها وأنا بتريق علي وحش القصر ..، والسفيرة عزيره

صدحت ضحكات "ناهد" هي الأخري ، وقد دمعت عيناها من شدة الضحك

- لا عامر مش وحش يا صفا ..، لكن مافيش مشكله إنك تقولي كده عن فريدة

وهتفت بملامح مستاءه تُخبرها

- مكنش نفسي يتجوز واحده زي

فلطمت "صفا" صدرها بطريقة دراميا ..، تنظر إليها

- هو يحلم يتجوز زيك ، ده أنتِ جميلة الجميلات

وهكذا كانت تأخذها "صفا" من لحظات بؤسها

- أنا كنت نسخه من فريدة يا صفا

وقبل أن تهتف بشئ أخر ، كانت "فريدة" تدلف الغرفة ..، تنظر نحو "صفا" التي تبادلها نفس الشعور في عدم تقبلها منذ أن رأتها في المزرعة

- أنتِ قاعده مكانك ..، ومساعدتيش الهانم تاخد حمامها

وسارت تدق الأرض بحذائها ، ولا تُنكر "صفا" إنها انبهرت بما ترتديه ،ولكن إلي أين ستذهب بهذه الملابس في هذا الصباح

- صباح الخير ، يا ناهد هانم

وأخيراً قد تذكرت الجالسة ، فتمتمت ناهد وهي تُحاول النهوض من فوق فراشها

- صباح الخير

قالتها ناهد بفتور ، وسرعان ما تحولت ملامحها إلي ابتسامه واسعه

- يلا يا صفا ساعديني

شعرت "فريدة" بالحنق من تجاهل ناهد ..، وإهتمامها بهذه الفتاة التي أتت من قرية ريفيه

- أهتمي ب أدوية الهانم ، أنا مش هكون موجوده طول اليوم

هتفت بها "فريدة" ، فوقفت "صفا" مكانها تسمعها ..، إنها تري الحقد في عينيها مما يجعلها لا تهتم بحديثها

- صفا بتهتم بكل حاجة تخصني يا فريدة ..، متقلقيش أنتِ روحي شوفي النادي أو الشوبينج بتاعك

حاولت أن تُدراي "فريدة" حنقها من عبارة ناهد ..، فهتفت قبل أن تغادر الغرفة بخطوات غاضبه

- أنا رايحة الشركة يا ناهد هانم ..، شكل حضرتك نسيتي إني سيدة أعمال

وهكذا كان يمضي هذا الصباح مع مغاردة فريدة القصر ، وخلاصهم من تسلطها المرضي

……..

- انتي بتعيطي ياصفا

تسألت "السيدة ناهد" بقلق ، بعدما توقف يدي صفا فوق خصلاتها الناعمه التي تمشطها لها

فابتسمت "صفا"، بعدما مسحت دموعها وهي تفيض إليها بشوقها لوالديها:

- أصل في ناس وحشوني اووي

وضحكت ضحكة منكسرة ، حزينة واردفت بدعابة تخفي خلفها حزنها

- وكده احنا خلصنا ، وعملت احلي تسريحه لسيدة القصر الجميله

فارتسمت أبتسامه سعيدة فوق ملامح" ناهد " ، فهذه المشابغة تُغير لها مزاجها وتجعلها تُحب الحديث معها ..، رغم إنها ليست ممن يتقبلون الناس بسهوله ،

وبحنين كانت تُخبرها "ناهد" عن شوقها لمن تركها وابتعد

- عارفه يا صفا ..، بتفكريني بأحمد

خفق قلب "صفا" وهي تستمع لاسمها ، فاردفت "ناهد" بشوق

- كان بيحاول ديما يخليني مبسوطه ، ويمدح في جمالي .. ، مع اني عارفه انه راح مع الزمن خلاص ..، لكنكم بتحبوا تفرحوني باكتر حاجة بحب أسمها

ابتسمت "صفا" وهي تستمع لعبارتها الأخيره ، فعلي ما يبدو أن "السيدة ناهد " في شبابها كانت تعشق جمالها

وبلطف كانت تُخبرها بأكثر ما اخبرتها للتو إنها تُحب أن تسمعه من الناس:

- عندك حق ياجميلة الجميلات ، هو فعلا راح بس عشان يحل مكانه الأجمل والأحلي

فارتسمت ابتسامة "ناهد " وقد فهمت ما فعلته تلك الماكرة الصغيرة ، طيبة القلب

بدأت "ناهد" تتثاءب ، بعدما شعرت بثقل جفنيها ..، فابتسمت وهي تعدل لها وسادتها ثم سطحتها برفق

- هسيبك ترتاحي شويه

فهتفت "ناهد" قبل أن تغفو

- هو ليه عامر مبيجيش يشوفني من ساعة ما أنتِ جيتي يا صفا ..، هو عشان أطمن إن معايا حد بحبه خلاص

وقبل أن تُكمل عبارتها ، كانت تغفو دون شعور ، فحركت صفا رأسها بأسي عند سماع ما تفوهت به.. ، ودثرتها بالغطاء قبل أن تخرج من الغرفة.

ثم هتفت لحالها متهكمه

"كان الله في عون الأستاذ عامر ، اللي مش فاضي من شدة مشاغله ..، وبتزعل لما اقول عليه الوحش"

..................................................................

نظرت جنه لوجه والدتها الباكي وطالعت حجرة والدها الممتلئه ببعض الفلاحين الذين تألف وجوههم

القت كتبها أرضاً واتجهت لداخل الغرفة ، وقد وقعت عيناها نحو ملامح والدها الشاحبه وقد بدء يأخذ أنفاسه بصعوبه ، ف بالتأكيد قد تعب والدها مجدداً ، أقتربت منها "صافيه" تضمها لصدرها تُطمئن حالها وتطمئنها

- ابوكي تعبان اووي ياجنه ، صمم يروح الارض النهاردة

واكملت ببكاء وهي تحتضن غاليتها

- أبوكي بيروح مننا يا بنتي

..............................................................

بدء صوت ضحكاتها يعلو لأول مره منذ أن دلفت بقدميها إلى هذا القصر ..، وما جعلها أكثر راحة هي والخدم هو عودة تلك المرأة لعملها ، وبالطبع ليست إلا "فريدة" ابنة الحسب والنسب كما أصبح تنعتها الخادمات.

أخذت تلتقط أنفاسها بصعوبة من فرط ضحكاتها بسبب دعابة تلك الخادمة التي تُدعي "صباح" ، تلك السيدة الطيبة ,بشوشة الوجه مع الخادمة الأخري التي تُدعي "سعاد " والأكثر أهتماماً بأمور السيد عامر ، وتعد خادمته المفضله للوحش , كما اصبحت صفا تنعتها بهذا اللقلب

- بقي تبعتي للراجل صورة ممثله وتقوليله إنها أنتِ

ثم حدقت "صفا" بعينين متسعتين من شدة ذهولها ، وأخذت تُفلب عينها بينهم ، وعادت تنفرج شفتيها في ضحكة صاخبة مجدداً

- الخالق الناطق انتي يا صباح ، ياسبحان الله !

لم تتحمل "سعاد" كتم ضحكاتها ، فشاركة "صفا" الضحك ..، احتقنت ملامح "صباح" ، و التقطت بعدها , هاتفها الغالي علي قلبها والذي أشترته من مرتب شهرا كاملا ، وبملامح ممتعضه ووجه عبوس، ثم شرعت في مضغ علكتها:

- يعني أعمل ايه ياصفا ، أه بتسلي على النت لحد ما الاقي اللي يستاهلني

واردفت بعدما حركت لسانها فوق شفتيها بطريقة مضحكه

- بس الواد طلع قمر قمر يكونش عمرو سعد وانا مش عارفه

فحاولت "سعاد" كتم ضحكاتها ولكنها كالعادة تضحك بقوة ، فعبارات "صباح" كانت تفوق مقدرتها أن تسمعه دون أن تضحك ، ولم يكن حال "صباح" مختلف عنهم ، فتعالت ضحكاته هي الأخري :

- وحبيتي على كده ياصباح

تسألت "صفا" وهي تغمز ل "سعاد" التي تأخذ دور المستمع

فخرجت زفرات "صباح" ببطئ و بحالمية كانت تهتف ، بعدما أستندت بذقنها فوق كفيها:

- متحرجنيش بقي يا صفا

ضحكوا ثلاثتهم بقوه علي تلك السخافات الحمقاء التي يتحدثون عنها ولكنها ترفه عنهم ... هدأت وتيرة أنفاسهم من شدة الضحك ، واسترخوا علي مقاعدهم بالمطبخ ..، فتذكرت "صباح" المرة لأولي , التي اجتمعت بها مع "صفا" عندما جاء بها "السيد فتحي"

- بس أنا حبيتك اووي ياصفا ، صحيح انا غلست عليكي في الاول ، عشان شوفتك بت قمر ، وشكلك بنت ناس ... والغيره نهشت قلبي وأنا اقول إزاي القمر ديه هتجاور القرود دول

وأشارت بيدها نحو سعاد التي قد انشغلت في إعداد أحدي الوجبات ...، وتابعت حديثها بمضغ علكتها تهتف , بعدما قذفتها سعاد بأحد المعالق

فتفادت "صباح" تلك الهجمة التي كادت أن ترتطم بها :

- مالك ياسعاد الكلمة زعلت ليه ؟..، مش أحنا قرود برضوه .. ده حتي الانسان أصله قرد

فتعالت ضحكاتهم ثانية ، فلم تعد تتحمل "صفا" ألم معدتها من شدة الضحك ..، فوضعت بيدها فوق بطنها ومالت بجسدها قليلاً حتي تهدأ ..

وسرعان ما كان الصمت يحتل المطبخ ، بعدما دلفت تلك الخادمه المخلصة للسيدة الجديدة ، صاحبة اللغات ، ذو أصول تركية .. وايضا فرنسيه لا يعلموا كيف هذا ولكن هذا ما تقصه عليهم كل ليله من أمجاد أجدادها العظماء

فريده بصرامه وهي تتحدث بعربيه غير متقنة : ضحك ممنوع ، اكل يجهز بسرعه ... ، فريدة هانم علي وصول

واشارت نحو صفا بحده

: وأنتِ السيد عامر ينتظرك في غرفة مكتبه.. ، ذات اللسان الطويل

وهكذا كان اللقب الذي تنعته بها "مارجريت"

……………..

كانت هذه هي المره الثالثة التي تدلف فيها مكتبه الضخم .. ، ذو الأثاث الكلاسيكي الذي تفضله ، ولكنها لا تُفضل صاحب المكان ، ذلك الرجل الذي تشبه بالوحش

"عامر السيوفي" ، مجرد وحش بالنسبه لها

رفع "عامر" وجهه عن أوراقه ، فوجدها تقف تُطالع الغرفة بنظرات مبهورة كحال المرات السابقة ، حدق بها للحظات وهو يتذكر حديث "فريدة" معه هذا الصباح ..، فوالدته تكرهها بسبب تلك الفتاه التي تملئ أذنيها منها ، تلاقت عيناهم ..، فتنحنحت "صفا" حرجاً من نظراته ، فرمقها "عامر" بجمود

- حضرتك كنت عايزني ياأستاذ عامر

فامتقع وجه "عامر" من ذلك اللقب الذي أضافته إلى اسمه لتشعره وكأنه معلماً أمام تلميذته الحمقاء ..

فرفع أحد حاجبيه متمتماً بضيق :

- كلمة أستاذ ديه مش عجباني غيريها

فطالعتها "صفا" لثواني ، لا تستوعب ما يطلبه منها ، وبتمرد كانت تهتف بعدما شعرت بالحنق من عبارته

- بس ميس مارجريت بتقولك مستر عادي ، ومستر من استاذ متفرقش

امتقعت ملامح "عامر" ، فمن هي لتقف وتتحدث معه هكذا دون حساب وتحاوره ، قذف الأوراق التي أمامه بقوه ، ونهض عن مقعده , يرمقها بجمود وقد ظهر جسده العريض وطوله الفارع .. يهتف بصرامه أخافتها :

- مارجريت أستثناء ، ديه رئيسة الخدم .. مفهوم!

وبهمس خافت كانت تتمتم لحالها ، ولكنها سمعها

- ولا عشان قريبه من الهانم مراتك ، الليدي فريدة

ورغماً عنه كان يبتسم ، ولكنه اخفي ابتسامته سريعاً ، فلم تنتبه عليها

ابتلعت" صفا" حديثه الجامد ، الذي اشعرها بدنو مكانتها :

- تحب حضرتك أندهلك ب إيه ؟

وببساطة كانت تسألها عن أي لقب يُريد أن تضعه جوار أسمه ، فلا بأس لديها ، فتقدم "عامر" منها , يرمقها بنظرات جامدة :

- عامر بيه !

هتف عبارته ، فتعلقت عيناها به باستخفاف ، قد أنتبه إليه ..، مما زاده حنقاً منها

- تمام ياعامر بيه ، أي أوامر تانية

وبجمود كان يلقي عليها ما أراد إخبارها به

- فريدة هانم بتشتكي منك ، متنسيش هي مين هنا في القصر ..
******

ابتلعت اهانته التي القاها عليها ، ارادت أن ترد له الأمر وليحدث ما يحدث ..، فلم تعيش حياتها إلا عزيزة النفس ، ولولا ما مرت به ما جاءت إلا هنا ولا عملت لدي هذا الفظ وتلك الزوجة التي لا تراها إلا , امرأة أعتادت علي نيل كل ما أرادته ، والشكوي التي ابلغتها الزوجة لزوجها , لم تكن إلا ما لم تتوقعه

- مش معني إن ناهد هانم اتعلقت بيكي بسرعة وبتحبك ..، تستغلي ده وتظهريها ديما , في صورة وحشه قدامها

تلاشي امتقاع وجهها ، وتحولت ملامحها إلي ابتسامة واسعة ساخرة ..، جعلته يُحدق بها وكل يوم لا يستوعب كيف تقف أمامه هكذا , وللأسف هو لا يتأخذ قرار طردها

: حاضرهعرف حدودي كويس، بس يا ريت تفهم زوجة حضرتك إنها بدل ما بتشتكي بعدم تقبل ناهد هانم ليها ، تسمح من وقتها وتقعد معاها شويه

هتفت عبارتها الأخيرة ساخره ، فمتقع وجه "عامر" من حديثها، واقترب منها بخطوات جامده

- مش ملاحظه إنك بتكلمي وكأنك صاحبة المكان

طالعته "صفا" في صمت بعد عبارته ، فامتعضت ملامحه ورمقها بجمود:

- اتفضلي علي شغلك

أماءت له برأسها وعلي وجهها أبتسامة سمجة ، والشكر كان للسيد "فتحي" الذي علمها لها , فليس كل وقت عليها أن تتحدث ..، وما دام تثير غيظه ..فبالتأكيد تستفزه بحديثها , ولكنها لا تُريد الطرد من اجل زوج عمتها ومصاريف علاجه ..

طالعها بحنق يقسم داخله إنها أكثر النساء برودة وسماجة..، ومن نظرته إليها ، كانت تضحك داخلها بسعاده

التفت بجسدها مغادرة , بعدما أشار إليها بأن تنصرف من أمامه ..، وقبل أن تتقدم بخطوات اخري ..، عادت تلتف بجسدها متجاهله صفاقته وأسلوبه

- ناهد هانم بتسأل ديما علي حضرتك ، ياريت توفر من وقتك القيم ، دقايق وتعالا شوفها مش هتخسر حاجه

- تعرفي إنك بتثيري غضبي يا صفا

خرجت عبارته من بين شفتيه ، بعدما أثارت غضبه من حديثها وكأنها تُحادث صديقًا لها , وليس رب عملها الذي يدفع لها المال من أجل وظيفتها لديه

تجاهلت عبارته ، والتمعت عيناها بالدموع بطريقة أدهشته ، فبعدما كانت تقف تتحداه وتثير مقته ..، أصبحت أمامه فتاة بائسة

- هيجي يوم وتتمني وجودها ، هتتمني تسمع بس صوتها .. تسمع دعوه حلوه منها ... مبنحسش بقيمة الحاجات الغاليه علي قلوبنا غير لما تروح ، وبيكون الاوان فات

فتعلقت عيناه بها وقد خلت منها المشاعر ، فحركت رأسها ساخره ..، فقد تناست إنها تُحادث "عامر السيوفي" ذو القلب المتحجر

تعالا رنين الهاتف ، ولم تكن إلا مكالمة طارئه من سكرتيرة مكتبه ، تمالك مشاعره التي استطاع إخفاءها ولكنه بالفعل قد تأثر بها ..

اتجه نحو سطح مكتبه ، والتقط هاتفه وقد ضاقت عيناه وهو يضع الهاتف فوق اذنه يستمع لسكرتيرته بترقب

- يعني إيه لسا ملقتيش حد بيتقن اللغه الالمانيه ياهاله ، الاجتماع بكره يا هانم ..، بكره الاقي المترجم موجود قدامي مفهوم

والطرف الأخر كان يستمع ، دون أن يعرف كيف يحل هذا الامر في بضعة ساعات ، استمعت "صفا" لحديثه ، وابتسمت داخلها بسعاده ..، فهل ستجني بضعة أموال أخري تستطيع شراء ثياب أنيقة لها ول جنه وتشتري ما تُريده وترفه عن نفسها

- أنا بعرف أتكلم ، ألماني كويس

انتبه علي حديثها ، بعدما أنهي مكالمته مع سكرتيرته ، وبنظرة فاحصة كان يُطالعها

- أنا متفوقة في اللغه ، رغم إني مش متفوقة في اللغه الأنجليزيه

ارادت أن تثبت له صدقها ، فهذه النظرة لا تدل إلا علي شئ واحداً ..، إنه لا يُصدق إنها تمتلك مهارات عدة

- أنتِ طلعتي متعددة المواهب ، يا أستاذه صفا

تمتم بها ساخراً ، وهو يتقدم منها ..، ووقف بهيمنته قربها ,يضع بيديه في جيب سرواله

- الأنسان الناجح لازم يكون عنده مواهب كتير ..، يا عامر بيه

وبقصد كانت تضغط باسنانها فوق عبارتها الأخيرة ، امتقع وجهه من ردها

وبحده كان يهتف

- صبري ليه حدود يا أستاذه صفا

والتف بجسده عنها ، وعاد لمكتبه يلتقط أحد الملفات ..، وأتجه إليها مجدداً تحت نظراتها المترقبة

- ده الملف اللي هنتناقش فيه بكره ، ياريت تدرسيه كويس

وبسعاده كانت تلتقط منه الملف ، تنظر لصفحاته القليله هاتفه بحماس

- حاضر

ابتسم رغماً عنه ، فهذه الفتاه مزيجً غريبً لم يلتقي به من قبل

- للاسف مضطر أثق فيكي يا استاذه صفا ..

وبنبرة حازمه كان يردف ، وقد تلاشي حماسها وتحول لعبوس

- وأنا مبديش ثقتي في الناس غير مره واحده

انتابها القلق من حديثه ، ولكنها عادت لثباتها فهتفت علي الفور

- هحتاجك بكره في الشركة

استمعت لعبارته الأخيرة، وهي تدلف للغرفة.. ،فتسألت وهي تتجاوز "صفا"، بعدما رمقتها بنظرة أصبحت تفهمها

- هتحتاجها الشركه ليه ؟ ، مش هي مرافقة برضوه ولا أنا بيتهيألي

- اتفضلي أنتِ يا استاذه صفا

تجاهل سؤال فريدة، فقد أصبح يضجر من تداخلها في الكثير من الأشياء..، اقتربت منه فتنهد وقد عاد لمطالعة أوراقه

- اكيد شغل يا فريده، وممكن تتفضلي عشان ورايا شغل

اتسعت عيناها من عبارته، تنظر إليه متعجبه من تغيره معاها..، انسحبت من أمامه، تتسأل داخلها لماذا تغير عامر معها هكذا ؟

رفع عيناه عن الأوراق يحدق بطيفها، يخبر حاله.. ان ما يفعله هو الأصح..،فإذا أرادت أن يكون لها بصمه في منزله..، ستكون زوجة فعليه..، ولكن زيجتهم.. تمت لأنقاذ الموقف

.......

كانت "صفا" سعيدة وهي تخبر "جنه" عما حصلت عليه اليوم

- أول ما هاخد مرتبي، هبعتهولك علطول يا جنه..، متخليش عمتي ولا عمي صابر يحتاجوا حاجه

وجنه كانت لا تقوى علي الحديث، و لا تُريد إفساد فرحتها

- لا وكمان ناويه انزل اشتري ليا وليكي طقمين حلوين.. ،

وبأمر كانت تُخبرها، حتي تري سعادتها بتخرجها

- واحضري حفله التخرج..، هبعتلك فلوسهم والفستان كمان

دمعت عينين "جنه" وهي تستمع إليها، ف صفا تُريد إسعادهم بكافة الطرق، "صفا " , ابنه خالها الفتاة المدلله التي لم تتحمل عبأ أي شئ في حياة والديها..، أصبحت الأن تسعي من أجل أن توفر لهم حاجتهم

- جنه، انتِ مبترديش عليا ليه، سيباني اكلم نفسي

وبدعابه كانت تُمازحها، ولكن توقفت عن دعابتها عندما بدء الشك يراودها

- جنه هو في حاجة حصلت لعمي صابر أو عمتي

لم تتحمل "جنه" الصمود أكثر، وإخفاء عنها الأمر.. ،وانفجرت في بكاء مرير

- بابا تعب تاني يا صفا

فانتفصت "صفا" من فوق فراشها مذعورة، تتسأل بقلق

- جنه، براحه كده وفهميني إيه اللي حصل تاني

وبدأت تقص عليها، ما حدث صباح أمس ..، من تعب والدها مجدداً، وإخبار الطبيب لهم انه لا بد أن يتم إجراء عمليه.. فالقلب أصبح لا يتحمل الجهد

- الدكتور قالي، هيحط اسمه في قائمه الناس المنتظرة علي نفقة الدولة

وحاولت أن ترى الموضوع بأمل

- قالي دوره ممكن بعد شهر، والحاله تقدر تستنى..، بس أنا خايفه اوي يا صفا

لم يكن حال "صفا" يختلف عنها، فاغمضت عيناها بأسي وقله حيله

- العمليه هتكلف كام يا جنه

استمعت لرقم المبلغ، فعادت تهوي فوق فراشها

- مش قدامنا حاجه غير إننا نستني الدور ..، يمكن يطلعوا صادقين

تمتمت بها "جنه" وهي تعلم أن الأمر لن يحدث، فهناك حالات أخرى تنتظر مثل والدها ، ومن يُحالفه الحظ سيكون دوره

- أنا بفكر أروح لاعمامي يا صفا، مش حرام ده يحصل لينا وهما عايشين في عز، ده مهما كان أخوهم

- اوعي يا جنه، عمي صابر هيزعل منك.. ،دول مقاطعينكم من زمان ولا عمرهم سألوا عليكم

فهتفت بقلة حيله

- يمكن الدم ميبقاش ميه يا صفا، وقلبهم يحن

ارتسم الحزن فوق ملامح "صفا" وهي تستمع لنبرة أبنة عمتها، وقد أصبحت تحمل الهموم كحالها

- اصبري شويه يا جنه، ولما ملقيناش حل..، يبقى مقدمناش غير إنك تروحي ليهم

……………….

أرتجفت قدميها وهي تخطو بأول خطوه داخل هذا الصرح الضخم ، فلمعت عيناها من رؤية ضخامة وفخامة البناء الذي يدل علي مكانته العالية في عالم المال والمعمار

وتعلقت عيناها بالفناء الواسع ، تتأمل كل من حولها من موظفين يعملون كخلية النحل

وقف امامها موظف الأمن يسألها عن وجهتها:

- افندم ياأنسه

فتنحنحت صفا بحرج وقد تمالكت إنبهارها اللعين:

- انا عندي ميعاد مع عامر ..

وتذكرت رغبته الديكتاتورية في وضع الألقاب على حسب ما يهوي

فاردفت بجديه :

- عامر بيه

فتجه موظف الأمن بها ، نحو إحدي موظفات يسألها إذا كان لديها علم ، ابتسمت وهي تري الموظفه تُخبرها إنه ينتظرها بل وبعالجة فالأجتماع سيبدء بعد خمسه عشر دقيقه ..، رافقها موظف الأمن نحو المصعد , متمنياً له يوماً جيداً ..، وبنظة خاطفة قبل أن يصعد المصعد كانت تلقي بنظرة أخري نحو المكان

- بقيتي تتعملي باحترام يا صفا ، لا وبيتقالي بنتمنالك يوم سعيد ..، شكل عامر بيه قايم بدور عظيم في شركته ..، عقبال يا يقوم به في القصر ويرحمنا من عجرفة مراته ..، الليدي فريدة

.................................................................

حدق بأخر ورقة من أوراق الملف القابع بين يديه ، وقد درسه مجدداً بنظرات سريعة متقنة

أغلقه أخيراً بهدوء تام ، وأسترخي بجسده بارتياح , ينظر نحو القابع أمامه

ابتسم له صديقه ، وقد عاد اخيراً من رحلة غربته في ألمانيا ، ومعه تلك الصفقة التي ستجمع بين شركته وشركة المانيه في مجال محركات السيارات ، وهذا بعيداً عن نمط شركات السيوفي

اكرم : ها ياعامر .. فاضل ربع ساعه علي الاجتماع مع الناس , وانت لسا بتفكر

فمال "عامر" نحو سطح مكتبه ، وبثبات كان يستند بساعده فوقه ، يرفع احد الاقلام .. وقد بدء بالطرق به علي سطح مكتبه ، تلاشي حديثه عن الصفقة التي بالفعل قرر السير بها ، وتسأل وهو يري تغير صديقه

- بس الغربه غيرتك يا أكرم ، بقيت بيزنس مان شاطر

طالعه "أكرم" بسعادة ،وقد إستنتج من حديثه ، بوافقته فكهذا هو دوماً "عامر السيوفي .."

- وأنت لسا زي ما أنت يا ابن السيوفي ..، بتعرف تراوغ اللي قدامك صح

هتف بها "أكرم" ، فصدحت ضحكات "عامر" وهو يستمع لرأي صديقه

- انا موافق علي الصفقه يا أكرم

وفضول كان يقتحم "عامر" ، كان يتسأل عن حياة صديقه ..، ومن ملامحه ونجاحه يبدو إنها استقر بحياته وقد تلاشي أمر زيجته الأولي

- سمعت انك اتجوزت !

فنهض "أكرم" عن مقعده ، واشعل سيجارته ثم دسها بين شفتيه متمتماً ، بعدما زفر أنفاسه المعبئة برائحتها:

- لقيت الشغل والغربه هيسرقوا من عمري فقولت الحق اتجوز وأخلف ،... اومال كل النجاح ده هسيبه لمين ..، وبصراحه حبيتها

ضحك "عامر" علي عبارته الأخيره ..، فكذا هم يراوغون في مشاعر الحب ولا يعترفون به

- عايز تفهمني إن بنات الطبقات العالية والأصول العريقة .. يهمها تخلف وتربي ...

وتابع بنفس لهجته الساخرة وقد تذكر "فريدة " التي هي بعيده تماماً عن صورة النساء اللاتي يراهم تصلح لهذه المهمه :

- ده اهم حاجه عندهم الموضه والحفلات والسفر وتجمعات النوادي الهيفه

- شكلك بتعاني يا صديقي

تجهمت ملامح "عامر" ، عندما قذف له "أكرم" الكره ..، ولكنه كان يعلم نهاية زيجته من فريده ولم يخطط لأستمرارها ولن يفعل هذا بنفسه

لاحظ "اكرم" نظرته ، فتفادي الحديث عن حياة صديقه وتلك الزيجة السريعه التي سمعه عنها من الصحافة ، ف "عامر" لا يُحب الحديث عن حياته الخاصه

وبخطوات معدوده ، كان يتحرك "اكرم" نحو بعض الصور المعلقة علي الجدار ..، يخبره عن شريكة حياته التي أختارها

- أنا اتجوزت موظفه عندي .. عجبتني فاتجوزتها ... ، من عيله مصريه مستواها المادي متوسط بتشتغل هي واخوها في المانيا .. يعني ولا وسط استقراطي ولا من طبقتي الاجتماعيه ، ولا من أختيار العائله زي الزيجة الأولي اللي فشلت .. ، بصراحه ابهرني تفكيرها وتدينها وحسيت إن هي ديه الزوجه اللي هكون مطمن وانا بديها اسمي .. وتكون ام ولادي

وضحك متهكماً علي حال الانسان

- شوفت أكرم حمدان ، اللي كان بيكره مظاهر التدين في الستات ، بقي بيشجع لأي راجل إنه يظفر فعلا بذات الدين

أقتطب "عامر" حاجبيه ، وقد أذهله حديث صديقه ، الذي كان أكثر الناس معرفة بخصاله

- عالم الفلوس والشغل بيسرقوا من عمرك ، ياعامر

فاقترب عامر هو الاخر من تلك الصوره المعلقه ولم تكن إلا لوالده ، يهتف بمشاعر مضطربه :

- جوازي من فريدة كان لأنقاذ الموقف،كنت فاكر ممكن تحصل مشاعر بينا وقدر أتجاوز فكرة إني كنت مرشحها لأحمد وإنها كانت بتحبه .. ، حتي زمان فشلت مع أميرة ، مقدرتش تستحملني .. ، ومنكرش إني ظلمتها بجوازنا السري

تفهم "أكرم" زيجة صديقه

- الجواز ، اكتر خطوه بتحسسنا بمشاعرنا ..، يمكن عشان بنتعري قدام بعض في كل حاجة ..

ساد الصمت بينهم ، وقد شعر بمشاعر صديقه

- انا بقي عندي أيهم دلوقتي يا عامر وقريب هيجلي فرد جديد

اراد أن يبتعد بحديثه قليلاً عما يورق صديقه ، فابتسم "عامر" بسعاده

اطرقت سكرتيرته الباب وعلي مايبدو قد أتي وقت الأجتماع ، دلفت مكتبه بخطي منضبطة وخلفها تلك المرتبكة قليلاً ، صاحبة العيون الخضراء والحجاب البسيط المنمق ، وفستانها الفضفاض ذو الحزام الفضي اللامع الذي يتوسط خصرها

فوقعت نظرات "عامر" عليها ، قد طال تأمله لها رغماً عنها ، تفرك كفيها بتوتر ، وتطرق رأسها خجلاً ..، وكالعاده لا يفهم هذه الفتاه .. هل هي جريئة الطبع أم خجولة ولكنها كانت تكتسب إحترامه يوماً عن يوم بطريقة يتعجبها من حاله

وتحت نظرات "أكرم" المتسائله عن هويتها ، وإنتظار السكرتيره لأوامره ..، كان يهتف بجديه :

- خدي انسه صفا ، وفهميها الاجتماع هيكون ازاي وديها العقود .. ، مافيش وقت ياهاله !

أشار إليهم بالخروج بفظاظه أعتادت عليها منه ، فتحركت خلف سكرتيرته ، تهتف بحنق وملامح ممتعضه ، وقد سمعها كعادته رغم همسها , وهكذا كان يتأكد أن التي كانت واقفه أمامه "صفا" وليست شبيهتها

- مافيش حتي كلمة اهلا .. نورتي الشركه ، شخص غريب الطبع

وبعدما اصبحوا الصديقين بمفردهما مجدداً ، أنفجر "أكرم ضاحكاً "، مُقتربًا منه:

- جميلة اووي البنت ديه ، بس لسانها طويل شوية

……………….

جلست "فريدة" برفقة عمتها في حديقة القصر، بعدما أتت لرؤيتها..، طالعت أبنة شقيقها وهي تتخذ دور السيدة أمام الخادمه تُلقي عليها الأوامر بحده

انصرفت الخادمه، تنفذ لها اوامرها، فابتسمت "كريمه" وهي تفحصها بنظراتها

- ما دام بقيتي متقمسه الدور في القصر، يبقى فعلي جوازك يا فريده

سعلت بقوة، بعدما وقفت بضعة قطرات من عصيرها في حلقها، رمقتها "السيدة كريمه" بترقب حتي مسحت قطرات العصير من حول شفتيها

- جواز إيه اللي أفعله يا عمتو، أنا و عامر متفقين علي مدة جوازنا وهننفصل..، ما انتِ عارفه

اماءت لها "كريمه" برأسها، فهي تعرف بهذا القرار بل ورحبت به.. لأنها لم تراها إلا زيجة فاشله.. ،مصيرها سيكون الانفصال

- عارفه يا فريدة، لكن محسن مش عارف ده..، ده بقى بيسألني بقيتي حامل ولا لاء

عاد سعالها بقوة تلك المرة، لا تستوعب ما تخبرها به عمتها، فانفرجت شفتيها في ضحكة قوية وقد المتها معدتها

- يبقى محسن بيه هينتظر علي الفاضي

- وليه ينتظر علي الفاضي يا فريدة، ما ممكن يتحقق عادي

باغتتها عمتها بعبارتها، فاتسعت حدقتيها لا تُصدق ما تتحدث به عمتها معها بل وبتلك الجدية

- أنا شايفه إن محسن اختار ليكي حياة تليق بيكي، وعامر السيوفي من كلامك عليه مش راجل صعب، يمكن جاد وصارم لكن مش صعب..، والنقطه ديه ممكن تتغير لما يكون في علاقة بينكم

فهمت ما ترمي إليه عمتها، فضيقت عيناها.. ،فما الذي جعل قرار عمتها يتغير وتصبح داعمه لاستمرار زيجتها من عامر

- في الفترة البسيطه ديه عرفتي تشوفي طباع عامر يا عمتي

وبتعقل كانت تخبرها "كريمه"

- حكمت عليه من كلامك عنه يا فريده

- بس هو مبيحبنيش

التمعت عينين "كريمه"، فعلي ما يبدو أن الأمر بدء يتسرب لداخل عقل صغيرتها، و فريدة بدأت تقتنع

- وهتحبوا بعض إزاي وانتم متفقين علي الطلاق

وبضياع أصبح يُلازمها، هتفت

- أنا لسا بحب احمد يا عمتو

كانت تشعر "كريمه" بضياعها بل تراه أيضا في عينيها ولكنها كانت تُريد لها السعاده، التي أصبحت تراها لها في هذا البيت

- انتِ واحمد علاقتكم بقت مستحيله يا فريدة، ولو كان في أمل زمان..، دلوقتي الأمل ضاع بجوازك من عامر، خليكي ذكيه ومتخرجيش خسرانه من كل معاركك

وكأنها بدأت للتو تستوعب حديث عمتها، صمتت عن الحديث واخذت تحدق بمساحة القصر الواسعه

- مين البنت ديه يا فريدة

انتبهت علي نظرات عمتها المصوبة نحو "صفا" التي اخذت تسير في الحديقه تتحدث في هاتفها وكأنها في منزلها

نهضت علي الفور من جلستها، تخبر عمتها بهويتها

- ديه مرافقة ناهد هانم، تقدري تقولي خدامه بس شايفه نفسها شويه

واسرعت في خطواتها، تحت نظرات عمتها وضحكتها..، فعلي ما يبدو أن ابنة شقيقها لا تحب هذه الفتاه

- والهانم مش عارفه إن عندي ضيوف، ولا بقيتي فاكره القصر بيتك

تجمدت ملامح "صفا" وهي ترفع هاتفها عن اذنها..، التفت نحوها تُطالعها، ف اقتربت منها " فريدة"

- مش معنى إن ناهد هانم بتحبك مقدرش اطردك

التمعت عينين "صفا" بكره، فمن هي لتُحادثها هكذا، إنها أصبحت علي درايه بعلاقتها بالسيد عامر، ومن حديث الخدم والسيدة ناهد عن تلك الزيجة، فأنها ليست إلا ضيفة هنا

- هي حديقة القصر من الممتلكات ، اللي بيتمنع المشي فيها

احتدت ملامح "فريدة"، وقبل أن تهتف بشئ يزيد الأمر..، كانت " صفا" ترحل من أمامها.. غير عابئة بشئ.. ،فقد أصبح لديها وظيفه أخرى في شركة "السيد عامر" من أجل ترجمه العقود الخاصه بالصفقة الجديده للشركة وعلي ما يبدو أن الصفقة مستمره لاشهر

اقتربت منها عمتها، بعدما شاهدت الوضع من بعيد

- البنت حلوه يا فريدة

وكأنها كان ينقصها تلك العبارة التي تعلمها تماماً، وتجعلها تحقد عليها

- وكمان باين عليها ليها حضور

وعمتها تزيد الأمر عليها، بكلماتها التي تعرف هدفها

..........

ضحك "عامر" بملئ شدقيه وهو يستمع لشقيقه عن إحدى الطرائف التي حدثت معه، سارت نحو الدرج ولكنها انتبهت علي صوت ضحكاته ولأول مرة تسمعه يضحك هكذا..، اقتربت من غرفة مكتبه ولم يكن بابها موصداً..، فاستطاعت الدلوف بهدوء ولم يشعر بها.. ،ووقفت تنظر نحو ظهره المقابل لها..، وحديث عمتها منذ تلك الليلة يقتحم عقلها..، عامر يتمتع بالحضور والجسد الرجولي القوي، جسداً يجعلك تشعر بالرهبة من صاحبه، فالتمعت عيناها وهي تفحصه، وقد جاءت تلك الذكرى التي كانت سبب جمعهم.

" لو كنت ِ بتنفري منه يا فريدة، مكنتيش ليلتها قربتي منه، حتى لو كان عقلك مغيب ومش حاسه بحاجة.."

وحديث عمتها، ها هو يطرق رأسها، ولكن كل شئ ضاع في لحظة وهي تستمع لحديثه

- طبعاً عايز تنهي المكالمه عشان متتأخرش عليها.. ،مش هتقولي اسمها إيه

وعادت ضحكاته تعلو، عندما أستمع لضجر شقيقه، فالرفيقة ليست إلا سيدة يجمعه بها الصداقه لا أكثر ولم تكن إلا أميره ..، ولأنه في مزاج يسمح له بالدعابات فلم يهتم بتذمر شقيقه

- مش هتقولي اسمها إيه، يا احمد

تجمدت عينين "فريدة" وهي تلتقط عباراته المازحه، فهل يرافق "احمد" امرأه وتركها تعيش بؤس رحيله..، هل صدق والدها عندما اخبرها، أن الحب إذا وضع في طريق المرء..، جعل صاحبه هو الخاسر "

مشاعر متضاربه كانت تخترق عقلها وقلبها..، وبهدوء كما دلفت الغرفة كانت تخرج منها..، ولكنها توقفت مكانها وهي تستمع لصوته بعدما أنهى مكالمته معه شقيقه

- كنتِ محتاجه حاجه يا فريده

التفت صوبه، ومن نظرة واحده نحوها.. ،كان يعلم إنها استمعت لمكالمته مع شقيقه..، أرادت أن تخبره عن "صفا" ولكن تراجعت في آخر لحظه..، فما تفعله من شكوي أصبح يعود عليها.. ،ف صفا قد نالت تقديره وخاصه السيدة ناهد، وما عليها إلا الصبر حتي تستيطع طردها بسهوله

- ممكن نتفرج علي فيلم سوا

ولم يكن عرضها ، إلا إخفاء للموقف..، ولم يكن هو إلا بارع في التقاط النقاط الصغيرة..

- مافيش مشكله يا فريدة، شوفي هتختاري فيلم إيه لأني مش من هواه الأفلام

التمعت عيناها في ابتسامة سريعه، حاولت رسمها..

- اوك، هختار انا

القت عبارتها، وغادرت تحت نظراته.. ،إنه بات يفهمها للأسف..، وبات يخشى عليها من نفسها

وشئ داخله كان يهتف

" ليست هي المرأة المطلوبه في حياتك يا عامر"

......

تفاجأ باختيارها لغرفته، وقد اعدت المكان بلمسات بسيطة..، طالعها بذهول وهو يتسأل

- ليه في اوضتي يا فريدة ؟

والجواب لم يكن يحتاج لتفكيرها

- شاشة التلفزيون هنا أكبر

اقتنع بعض الشئ وتقدم منها يجلس علي طرف الأريكه

- شغلي طيب الفيلم..

ونظر نحو ساعته، فالوقت قد اقترب من العاشرة مساء ..، جلس باستقراطية، فرمقته مبتسمه..، وقد راقتها وضيعة جلوسه.. ،ف عامر هو الأسد في هذا القصر وكل شئ في قبضه يده.. ، بدأت خصال والدها التي ورثتها منه تسيطر عليها بالتملك خاصة كلما تذكرت المكالمه التي استمعت لها بين عامر واحمد

طرقات خفيفة كانت تدق فوق باب الغرفه، وبلطف وثقة كانت تدلف "صفا" الغرفه، تضع أمامهم مشروب تتقن صنيعه بشدة، وقد اخبرتها الواقفة بنظراتها الماكرة، أنها احبت هذا المشروب منها، والحقيقة كانت تفهمها "صفا" ف فريدة لم تفعل ذلك إلا لتخبرها بمكانتها

- مدام فريدة قالتلي إن المشروب الخاص بيا، عجبها..، اتمنى المرادي يعجبها ويعجبك يا عامر بيه

ابتسم "عامر" وهو يرمق الكوب..، وقد اعتدل في جلوسه..، مما جعل فريدة تزداد حنقاً منها، فلما تنال هذه الفتاه تقديره هكذا

- شكرا يا صفا

وبتكلف كانت تهتف فريدة هي الأخرى رغما عنها

- شكرا يا صفا

غادرت "صفا" الغرفة وقد شقت ابتسامتها ملامحها، فلم تنتصر عليها "فريدة" كما أرادت ولم تشعرها بدنو مكانتها..

تجاهل "عامر" الأمر، وانتظرها تتوقف عن زفر أنفاسها بحنق، رمقته وهو يلتقط الكوب ويرتشف رشفة منه

- فعلا عندها مواهب كتير

امتدحها، ف تجهمت ملامح "فريدة" وضغطت علي زر التحكم لتبدء اول لقطات الفيلم..، ولم يكن إلا فيلم رومانسي.. بارد المشاعر ولكنه تجاوز الأمر وجلس يشاهده معها..، يستمع إلى عباراتها الحماسيه..

علقت عيناها به، وقد ظهر عليه الضجر.. ،وقد اشاح عيناه عن المشهد الجرئ الذي يُعرض

انتبهت "فريدة " عليه وابتسمت داخلها وهي تنهض من جلستها، وبقرار قد اتخذته وحسمته مع عقلها..، كانت تطبق المشهد معه..، وهو لم يكن إلا في صدمه لا يبادلها شئ
******

والمرأة حينا لا تفهم مشاعرها وماذا تُريد تكون وحدها الخاسرة

استطاعت أن تُحرك غريزته ورغم عدم إستجابته في البدايه إلا إنه رجلاً وبين ذراعيه امرأة جميله وراغبة به..،

تعلقت عيناها به بعدما ابتعد عنها، ينظر إليه يستوعب، متى وكيف أصبحوا فوق الفراش يتبادل معها جنونها.. جنون يأخذهم لطريق يعرف نهايته..، هو و فريدة اقطاب مختلفه.. ، طالعته في صدمه وهي تراه يعتدل بجسده، ويطرق رأسه أرضاً، يزفر أنفاسه لعله يتمالك حاله ويستوعب ما كان سيحدث بينهم

بهتت ملامحها وهي لا تُصدق إنه نفرها بهذه الطريقه، وطعنتان في القلب لامرأة مثلها كان أصعب ما يكون،

والعبارة تتردد داخل عقلها

" هتخرجي خسرانه من معاركك"

وهذه كانت معركتها، أن تنال " عامر السيوفي "، أن تثبت" لأحمد السيوفي " إنها تخطته كما تخطاها من حياته بل واصبحت زوجة فعليه شقيقه..، بل وملكت قلبه وأصبح في بنصرها تديره كما تُريد

والأهم أن تثبت لوالدها، إنها وحدها من تقرر الأمر..، دائرة مغلقة من الأفكار كانت تدور داخلها..

- المفروض ده ميحصلش بينا يا فريدة

تمتم" عامر " عبارته وهو يزفر أنفاسه بثقل، فسلطت عيناها فوق ظهرها وقد اصابتها كلمته

- لكن أنا عايزاه

تجمدت ملامحه، والتف نحوها ينظر إليها متفرساً ملامحه.. ،وبعبارات لم يصدق إنه سيسمعها منها.. ،كانت تُخبرها عن حاجتها للأمر

- ديه غريزة يا فريدة، لو الموضوع تم بينا مش هنكون غير بنشبع غريزتنا

وببساطة كانت تتقبل كلمته، تخبره بحقيقة وضعتها عمتها صوب عينيها

- أنا محستش بالنفور وانت بتلمسني، حسيت إني عايزاك فعلا يا عامر

التمعت عيناه، فقد اختارت الكلمات الصحيحه لتُلقيها علي رجلاً ك " عامر السيوفي "

- جوازنا نهايته الطلاق يا فريده

اماءت له برأسها، واقتربت منه بعدما وجدت الرغبه تعود في عينيه

- مش هنخسر حاجة

جذبتها إليه وهي سعيده بانتصارها، شعرت بالاكتمال وهي بين ذراعيها ولكن تجاهلت هذا الشعور، وابتسمت بزهو ..

غفا قربها وقد توسدت صدره، تنظر إليه.. ،ابتسمت وهي تري هيئتهم هكذا.. ، فقد ملكت الأسد وستنال من "أحمد السيوفي"،

سلطها شيطانها علي نفسها، والتقطت هاتفها تلتقط لها صوره وهي في حضنه

وفي رساله كانت تبعث له الصوره، تُخبره إنها مضت بحياتها مع شقيقه

وبابتسامه واسعه كانت تعود لحضنه مجدداً

..........

في الصباح، كان يفتح عينيه وهو يشعر بثقلها فوق صدره، طالعها وهو لا يُصدق إنه أتم زيجته بها، ابعدها عن برفق.. ،

اتكأ فوق ذراعه يُحدق بها، فتحت عيناها ببطئ لتجده يُطالعها بنظراته الثاقبه، فابتسمت وهي تتماطأ جواره

- صباح الخير

وقد كانت هناك جولة أخرى، جولة اتخذ فيه قراره..، سينسي ما جمعه ي فريدة من قبل ويبدء معها صفحة جديده، فهو بالفعل أصبح يُريد زوجه وطفلاً يحمل اسمه

وعلي ضحكات عاليه، كانت تفر منه هاربه، لا تستوعب هذا الرجل هو "عامر السيوفي"، اتجهت نحو المرحاض تهتف داخله

- عندك اجتماع مهم، بعد ساعه يا عامر باشا

- مش مشكله نلغيه

وابتسم وهو يرتخي بجسده فوق الفراش بإنتشاء، صدح رنين قصير من الهاتف ، ولم تكن إلا رسالة نصيه..، التقطه وهو يظن إنه هاتفه..، ولكن عندما وقعت عيناه علي خلفيته أدرك خطأه.. وضعه مكانه، ولكن إنبعاث رساله أخرى.. ،جعلته يركز في اسم المرسل..، إنه شقيقه

وبفضول كان يفتح الرسائل، وشقيقه يُخبرها بفداحة ما فعلته بشقيقه، وأنها لن يتهوان إذا تكرر الأمر ثانيه..، كان يُحدق بالكلام وبذلك الخط الذي يُخبره أن رسائلها قد محتها..، فما الذي محته وجعل شقيقه يُراسلها ويخبرها بهذه الكلمات

عبث في ملفات هاتفها ومن حسن حظه أنه كان يعلم الرقم السري الخاص بالتطبيقات لديها..، أستمع لصوت المياة تتوقف وصوتها بالداخل تخبره باقتراح

- إيه رأيك نفطر بره سوا

- عامر أنت سامعني

ولو كان "عامر"، هو ذات الشخص الذي استيقظ في الصباح، يري العالم والنساء في صورة أخرى، لكان وافق علي الفور، لكان منحها ما تُريده، بل جعلها تري رجلاً اخر

خرجت من المرحاض، تستعجب صمته.. ،ومن هيئته كانت تشعر بوجود خطب ما، فتسألت بقلق وهي تقترب منه

- في حاجة حصلت

والاجابه كانت تحصل عليها وهي تراه يقبض فوق هاتفها.. ،يريها الصوره التي بعثتها لشقيقه

- عامر

وصفعة قويه كانت تلطم وجنتها، بل الصفعة أصبحت صفعات

- مكنتش فاكرك بالحقارة ديه

- عامر ارجوك اسمعني

وهو كان اشبه بالوحش الذي اوقدت نيرانه

- بقى انا تعملي كده فيا يا بنت محسن

صراخها تعالا، وقد وقفت "صفا" خارج الغرفة، تشعر بالصدمه وهي تستمع إليهم

- أنا الغلطان من الأول، قولت أقف جانبك واسترك من كلام الصحافه، وفي الاخر تعضي ايدي وطلعيني مغفل

وكلما تذكر الصوره، كان الغضب يشتعل داخله

- وجوزك في بيتي كان غلط من الاول، انتِ طالق، طالق، طالق

ألقاها عليها وغادر الغرفه..، وتوقف مكانه وهو يري "صفا" الواقفة... ،تضع بيدها فوق شفتيها من الصدمه

- عارفه لو كلمك طلعت، هندمك علي حياتك.. سامعه

ارتجفت "صفا" في وقفتها، واماءت له برأسها قبل أن تسرع في خطواتها عائدة لغرفتها..، تحاول أن تستوعب ما سمعته

.......

وقف الخدم يتهامسون عن الأمر، غير مصدقين ما حدث، ف ليلة أمس غفت العروس التي كانت تعيش في غرفة منفصله في غرفة سيدهم، و في الصباح كان يتلامزون بين بعضهم بتأخر السيد عن موعد استيقاظه

- مش معقول تكون مطلعتش بنت

هتفت بها "سعاد" وهي تنظر نحو "صباح" رفيقتها و "صفا" التي لم تندمج معهم بحديثهم

- لا بنت يا سعاد، متتهميش البنت في شرفها

- وانتِ عرفتي إزاي

وصباح كانت ترمقها بعينيها، لا تُصدق غباءها.. ،استوعبت "سعاد" الأمر، ف رفيقتها هي من نظفت الغرفة التي انقلبت رأس علي عقب

- كفايه يا جماعه، اللي بنعمله حرام

اماءوا لها برؤسهم، مقتنعين ما تخبرهم به

- بصراحه أنا فرحانه إنها مشيت

ومثلما تمتمت "سعاد "، كانت "صباح " تهتف مثلها ولكن مشفقة عليها.. ،فلم تكمل شهرين علي زواجها ورحلت من المنزل بوجه مكدوم مطلقه

- الايام الجايه هتكون صعبه علي البيه، وهيطلع غضبه علينا

وصفا تجلس مستمعه لا أكثر، فالحقيقه وحدها من تعلمها، ولأول مره كانت تشفق علي هذا الرجل

.........

كانت هذه المقابله هي المقابلة الثالثه لهم ، مقابله قد دعاها هو هذه المرة ..، بعد تلك الليله التي قضاها ساهداً ..، لا يُصدق ما فعلته فريده

- أنا حقيقي محظوظه إنك دعتني النهارده يا بشمهندس

فابتسم احمد بلطف مصطنع

- محتاج حد أتكلم معاه يا أميره ، هتقدري تسمعيني

أتسعت حدقتيها غير مصدقه ما يطلبه منها ، ومن نبرته كانت تشعر بيأسه ، اماءت له برأسها ..، وانتظرت أن يتحدث ..، وقد فاض لها بما يعتليه وهو لا يعرف لما يتحدث معها في أمور هكذا ..، هل لانها أكبر سناً منه أم ماذا ؟

..............................................................

اتكأ برأسه فوق سطح مكتبه، بعدما أطفأ عقب سيجارته العشرون، لقد عاد يُدخن بشراهة، بعد أن اقلع عن الأمر منذ سنوات.. ، اغمض عينيه وهو يري هاتفه يضئ برقم شقيقه

التقطه بصعوبه يفتح الخط وينتظر سماعه

- عامر

- متقولش حاجة يا احمد، ديه كانت غلطتي من البدايه..، فريده هي ناهد هانم

تنهد "احمد" بثقل وهو يُدلك عنقه وقد شعر بالوجع على ما أصاب شقيقه

- عامر، أنا قلقان عليك..، لو كان ينفع انزل مصر حاليا، كنت نزلت

- بالعكس يا احمد، بعدك افضل حاليا ليا

- أنا اسف يا عامر

انتهت المكالمه، وقد انهاها "عامر" بعدما شعر يقدم قدرته علي الحديث مع شقيقه..، تسأل داخلها..، ماذا كان سيحدث إذا ظل كالمغفل معها .. ،هل كان سيخسر شقيقه

طرقت الخادمه الباب وقبل أن تدلف غرفة مكتبه، كان "محسن" يدفعها من امامه بقسوة

- تطلق بنتي وتضربها يا ابن السيوفي

وبجمود كان ينهض عن مقعده، يرمقه بنظرات قويه، وسرعان مت كان ينفجر ضاحكاً

- بنتك اللي كنت مخطط تجوزهالي، وانا بغبائي سعيت اجوزها لاخويا.. ، وبغباء اكبر اتجوزتها

- هفضحك يا عامر، في كل مكان..، هقول عليك مش راجل

احتدت ملامح "عامر" وهو يستمع لعبارته

- ماهو االي بيضرب واحده ست، ميبقاش راجل

وبقوة كان يدفعها نحو الحائط، يزمجر به، وعبارته تتردد داخل أذنيه

- الراجل ده، لو فضح بنتك المحترمه، الناس هتصقف ليه.. ،بنتك المحترمه اللي كنت فاكرها متربيه...، طلعت اسوء ما يمكن

ازدرد "محسن "لعابه، يتذكر أبنته وهي تتوسل إليه، ألا يذهب له..، ويكفيها ما حدث لها من هذه العائله

- عايز تعرف بنتك أطلقت ليه، في يوم صباحيتها

اتسعت عينين "محسن" وهو يخشى سماع تلك الكلمه، وبصعوبة كان يتسأل

- هو انتوا كنتوا لسا...

انفرجت شفتي عامر في ضحكة قويه وهو يبتعد عنه، لا يُصدق ما يسمعه من هذا الرجل

- هسيب السبب، تعرفه من بنتك كويس.. ،ومش عايز اشوف وشكم تاني

وبحده افزعت "محسن" وجعلته يركض هارباً..، كان يصرخ

- بره.. بيتي

...... …..

أبتسمت "ناهد" بسعاده وهي تسير بقدميها إلى حديقة القصر ، بعدما غادرت تلك الفتاه منزلها وقد أصبحت تجلس بغرفتها تُجنبً لها، ورغم حزنها علي حال بكرها ..، الذي عاد لقوقعته وقسوته إلا إنها سعيده بما حدث حتي لو لم تعرف السبب وراء طلاقهم الذي حدث فجأه

حاولت تلاشي أفكارها ، فهي اليوم لا تُريد إلا السير بهدوء برفقة "صفا" ، تلك التي اصبحت كأبنتها

- أحكيلي عن شغلك مع عامر

وعندما أتي الحديث عنه ، تنهدت وهي تتذكر حالة الجمود والغضب الذي أصبح ينال منه الجميع ..، مشفقه علي حالها

- مدير شديد ، لا يرفق بأحد

هتفت بها ضحكه ، فصدحت ضجكه "ناهد" الجميله بعدما استمعت لعبارتها باسلوبها المازح الذي تحبه فيها

- عملت لابني ، خلت الوحش اللي جواه يرجع من تاني ..

هتفت بها "ناهد" بعدما تلاشت سعادتها ، وارتسم الحزن فوق محياها ، اكملت سيرها بها دون حديث ..، فما الذي ستخبرها به

فتبتسم ناهد إليها بطيبة : انتي بسيطه اووي ياصفا ، حتي في تعبيرك .. عارفه لو كنتي عرفتيني من عشر سنين فاتوا ، مكونتيش حبتيني ولا كنت انا حبيتك

وبرفق أجلستها فوق علي المقاعد المريحه وجلست جوارها وهي تمسك أحد يديها تمسد عليهما بحنان

- الشمس حرارتها هاديه ، والجو جميل

فابتسمت "ناهد" تومئ لها برأسها

- أهلك موحشكيش يا صفا ، لو عايزه تاخدي أجازه قوليلي يا بنتي

تنهدت "صفا" بحزن ، فقد أصبحت تشتاق لعمتها وزوجها وجنه ، ولكنها أصبحت مرتبطه بعمل أخر مع السيد عامر ، وهو لا يتهاون في عمله

أنتظرت "ناهد" سماعها ..، ولكن الحديث توقف علي طرفي شفتيها وهي تستمع لصوت "عامر" الذي هتف باسمها للتو

- صفا !

وازدادت ابتسامه ناهد لسماع صوته ، والتفت بجسدها رغم استحاله رؤيتها له، حاولت النهوض عن مقعدها تهتف بها

- خديني ليه ياصفا

شعرت "صفا" بالخوف من ملامحه وهو يتقدم منهم، يُلقي عليها أحد الملفات والتي أخطأت في ترجمه بعض بنودها

- مش قاردة تنتبهي علي شغلك ، يبقي تسيبي الشغل وخليكي في وظفتك الاساسيه

وبتهكم كان يهتف

- مجرد مرافقة

لم يهتم بنظرات والدته الملهوفه ، ووقفت تُحرك له رأسها لعله يفهم ..، ولكنه كان فضل أن يوبخها ، واخيراً كان ينتبه علي حركة رأسها له ..، فزفر أنفاسه متنهداً وهو يقترب من والدته ..، اقتربت منه وهي تدرك خطورة فعلته هامسه

- شايف لهفتها عليك ..، هي ملهاش ذنب في حاجه

تمالك غضبه منه ، ولكنها حينا طلعت بتلك النظرة التي تشبه القطط في وداعتها ..

- ارجوك

فاتجه صوبها ينظر لنظرات عيناها المشتاقه وحسرتها ، وقد اعتصر قلبه الألم والحقد ليس عليها علي تلك التي أعادت الوحش داخله ..، بعدما كان بدء يتقبل حياته



انحني يلثم رأسها ، فدمعت عيناها فرحة ، ومدّت كلتا يديها نحوه تهتف بسعادة

- تعالي في حضني ياعامر

وكأنه كان يحتاج تلك الكلمه منه ، تعالت الدهشة فوق ملامح "صفا" وهي تراه يضمها إليه ويُلبي رغبتها

ولكن سرعان ما كان ينسحب من بين ذراعيه ، ويسير بخطوات جامده متمتماً لتلك الواقفه

- صلحي الغلطه اللي في الملف يا أستاذه

وغلطه واحده في أحدي الأوراق ، كانت تقع عينين "صفا" عليها .. مصدومه من ثورته عليها بسببها.

…………

لقد مر الشهر المنتظر، وها هي تخرج من المشفى الحكومي خاليه الوفاض، بعدما استمعت للطبيب بأن والدها أمامه شهر اخر..، فهناك حالة لاطفال تستحق..، لم تصدق ما سمعته..، صرخت واعترضت ولكن في النهاية عباره واحده تسمعها

" إن حاله والدها علي نفقة الدوله ولا حق لها في الاعتراض..، وتنتظر مثلما ينتظر غيرها..، أو تذهب بوالدها لمشفى خاص وتدفع المال"

عادت للمنزل تجر اذيال الخيبه، وجدت والدتها تخرج من غرفة والدها بعدما اطعمته واعطته علاجه..، تدعو لصفا التي تبعث لهم المال

- ربنا يكرمك يا صفا يا بنتي

واقتربت من ابنتها بحب وتسألت

- مال وشك أصفر كده ليه، يا جنه

ومن ملامح ابنتها كانت تفهم السبب، وضعت صنية الطعام جانباً.. ،وجلست فوق الأريكة المتهالكة بعض الشئ

- قالولك لسا دوره، مش صح يا بنتي

جاورتها "جنه" بملامح حزينه، وبقهر كانت تخبرها

- قالولي، في حالات مينفعش تنتظر..

- هما مش قالولنا، الشهر ده هتتعمل العمليه يا بنتي

وبتهكم، كانت تخبرها بما سمعته

- نستنى الدور لحد ما هما يقرروا

نهضت " صافيه" بثقل واتجهت نحو المطبخ.. ، اتبعتها "جنه" بعينيها فوالدتها ابتعدت حتي لا تريها دموع عجزها

سقطت دمعة سخية فوق وجنتيها، تنظر نحو الجدار المشقوق في منزلهم المتهالك بعض الشئ

- لقيت حل يا بنتي، نبيع البيت

....... ............

وقفت خلفه تحمل مفكرتها التي دونت بها جميع ملاحظته ومقترحات الجالسين حول هذا الاجتماع الذي قد انتهي للتو ، ورفعت بعينيها قليلًا لتري أي ردة فعل منه إلا إنه كان مازال يُعطيها ظهره ووضع بكلتا يديه في جيب بنطاله ولكن اخيراً قد تنحنح بصوته الخشن الجامد

عامر: هنفضل في السكوت التام ده لحد امتي، ولا القطه بلعت لسانك .. ما تقولي ملاحظاتك ياأستاذه

فانصدمت صفا من ردة فعله ، وقد أصبح بالفعل غليظً ..، فهي تنتظر أمره حتي تتحدث

وبمقت أخذت تقص له كل شئ قد دونته في مفكرتها ، فاقترب منها بتمهل شديد ، ولم تشعر به لأندمجها في تسرده إليه

وبأسلوب لم تعتاده منه سألها :

- وانتي ايه رأيك في العروض اللي تم طرحها في الاجتماع

طالعته في صدمه ، واتجه ناحية مكتبه ينتظر سماعها ، وقد جلس مسترخياً فوق مقعده وأغمض عينيه بإرهاق واضح على قسمات ملامحه ، ولكن ظلت تلك المسكينه واقفه تُحاول أن تستوعب سؤاله عن رأيها

ورمقها خلسة فوجدها واقفة كالبلهاء تحتضن مفكرتها وكأنها تحتضن طفلا

- انتي مسمعتيش سؤالي ياصفا

فحركت رأسها نافية ، إلا إنها سرعان ما عدلت عن خطأها وحركت رأسها بالإيجاب ،وفاقت من دهشتها

وهتفت بصوت خافت

- شايفه أنه عرض هايل ، و …

وقبل أن تُكمل عبارتها وتخبره عن رأيها بالتفصيل ، كان يقطع حديثها

- تقدري تتفضلي يا صفا

وبوقاحة كان يصرفها بفظاظته ، وداخلها تهتف حانقه ..، فلما سألها من البدايه

…………

قضت طيلة ليلتها تفكر في قرارها، فما عساها أن تفعل إلا أن تذهب إليهم، تستجدي عاطفتهم.. ،قررت أن تغادر في الصباح بعدما تُخبر والدتها إنها وجدت عملاً في صيدلية بعيدة عنهم وستضطر لقضاء فترتين..، لأنها تحت التدريب

فكرت بكل ما ستفعله، ولكن لم يبقى إلا شيئاًواحداً، ان تبحث عن عنوان عائلة أهلها..، وببساطة كانت تحصل علي العنوان..، ليس المنزل بل مكان إحد المصانع هناك..، ف عائلة والدها منتشرين في معظم أنحاء الجمهوريه بتجارتهم الواسعه

.........

وقفت أمام بوابة المصنع، تنظر نحو المكان برهبة وقد احرقتها حرارة الشمس الساطعة..، حمدت الله إنها غادرت قريته مبكرا قبل طلوع الشمس، اقتربت من البوابه.. فوقف الحارس مستغربً وجودها هنا.. فالمصنع خاص بالرجال ولا نساء هنا

- خير يا استاذه

توترت "جنه" ومو تنظر إليه

- ممكن اقابل صحاب المكان

تجلجلت ضحكات الواقف، يفحصها بعينيه ومن اختلاف لهجتها عنهم..، علم إنها غريبة عن بلدتهم

- صحاب المكان، مره واحده..،اتفضلي يا استاذه شوفي طريقك

اصرفها بذراعه..، فتراجعت للخلف

- أقولهم بس علي اسمي وهما هيعرفوا أنا

- يا استاذه متجبليش الكلام، اتفضلي من هنا

واسرع في نهوضه من فوق مقعده، وقد تجاهل ما تخبره به عن هويتها واسمها كاملاً، التفت خلفها وهي تسمع بوق سيارة..، وقد وقف صاحبها منتظراً البوابه أن تفتح حتى يتمكن من الدلوف للداخل..، فحصت بعينيها الجالس في السيارة..، فلم يكن إلا عمها "عبدالرحمن" الذي يُشبه والدها في الملامح..،وقد عرفته من تلك الصوره التي مازال يحتفظ بها والدها رغم مرور السنين واحتلال الشيب ملامحه

أسرعت نحوه قبل أن يتحرك بسيارته..، تهتف اسمه

- عمي عبدالرحمن، انا جنه بنت صابر اخوك

أستمع إليها، ولكنه تجاهلها وكأنه لم يسمعها..، دلف بسيارته، وهي وقفت مكانها تنظر نحو السيارة وقد علقت الدموع بأهدابها ولكنها أبت الهطول

وها هي ساعة أخرى تمضي، وهي تقف ننتظر علي أمل..، ورغم حنق الحارس منها إلا إنه قرر تجاهلها، ما دام ابتعدت عن مكان عمله

أخرجت زجاجة المياة التي أصبحت ساخنه من حقيبتها، ترتشف منها بضعة قطرات، ثم اخذت تُطالع الوقت.. ،فلم سعد متبقي علي قطارها إلا ساعه ونصف وقد ظنت إنها ستتلقي أحضان عائلتها

ارتسم التهكم فوق ملامحها ولكن سرعان ما كان الأمل يعود لقلبها..، وهي تجد سيارة أخرى تقترب من بوابه المصنع

أسرعت تمر الطريق الخالي.. ، ولكن تلك المرة لم تعرف بهوية هذا الشاب..، ولكنه انتبه إليها وتسأل وهو يزيل عن عينيه نظارته

- بنت جميله هنا في مصنعنا مش معقول

ابتسمت "جنه" بخجل، من مدحه الذي اشعرها بالأمل

- أنتِ مين

- أنا جنه صابر...

لم تكن تكمل اسمها إليه، حتي صدح رنين هاتفه بصوته الصاخب، ثم اتاه صوت والده

- أنت فين يا وليد

وعندما علم بوجود ولده أمام بوابه المصنع، تسأل وهو ينهض من فوق مقعده

- هي لسا البنت ديه موجوده، قدام المصنع

وقبل أن يهتف بشئ

- لو قدامك، خلي محروس يبعدها من هنا

تنهد حانقاً بعدما غلق والده الهاتف بوجه كعادته..، طالع الواقفة.. وظنت إنه سيكمل حديثه معه..، ولكن الصدمه احتلت ملامحها وهي تراه يتحرك بسيارته دون أن يعبأ لامرها هو الأخر

وقفت لثواني تنظر لطيف السيارة، وقد انغلقت البوابه ثانيه وتلك المرة كان الحارس يقترب منها حانقاً

- أنتِ هتفضلي واقفة لكل واحد..،بت أنتِ.. ،أنا بقيت شاكك في وقوفك هنا

- أنت ليه مش مصدق إني بنت اخوهم

طالعها الرجل متهكماً

- أنا معرفش غير أن حسن باشا، وعبدالرحمن بيه ملهوش غير اخت واحده بس..، لكن اخ.. لا جديده ديه

- طيب فين عمي حسن

تجهمت ملامح الواقف، وقبل ان تستوعب ردة فعله.. كان يدفعها بقسوة من امامه..، اسقطتها أرضاً

- لو ممشتيش من هنا، هبلغ الشرطة.. أو

ووضع يده فوق سلاحه

- او هطخك بالنار

...............................................................

تعالت اصوات ضحكاتهم ، في ذلك المطعم الذي اتوا إليه بعدما استمعوا من البعض عنه ، أتوا كرفقاء ..رفقاء كلمه يضعها هو في علاقتهما ولكنها ليست مثله ..، بل أصبحت مشاعرها تتحرك نحوه

حدقت اميره بالطبق الذي قدم إليهم كضيافة لهم من المطعم لقدومهم إليه لأول مرة :

- شُربة ضفادع ، هي ديه هدية المطعم النهارده

فضحك احمد ملئ شدقيه وهو ينظر للطبق وباقيه الأطباق التي قدمت لهم ، يهتف بمرح أصبح في علاقتهما :

هديه جميله يا أميره ،يلا خلصي طبقك وطبقي .. اصل انا ماليش غير في شُربة السمك

فتعالت ضحكاتهم وقد أخذ بعض الجالسين يحدقون بهم متعجبين من ضحكاتهم ، خفق قلب "اميرة" ، وقد لمعت عيناها وهي تتأمله ، غير مصدقة إنها أحبت هذا الرجل ، احبت الرجل الذي أقتربت منه من أجل مهمه طلب منها لتنفيذها ، احبت رجلاً شقيق للرجل الذي احبته يوماً ، وها هو قلبها لا يرحمها بل يُخبرها بحقيقة مشاعرها " إنها أحبت هذا الرجل "

................................................................

جلست شارده ، محبطه علي متن ذلك القطار العائده بها الي بلدتها ، لم تجني شئ من هذه الزياره إلا الحسرة و إهدار الكرامه ، بضعة ساعه علمت فيهم أن والدهم لديه كل الحق ليبتعد عن هؤلاء المتحجرين القلب ، حدقت بكفيها , فلمعت الدموع بعينيها وهي تري جرحهما بعدما دفعها هذا الحارس بكل قسوة

هطلت دموعها بسخاء ، تنظر لظلمه الطريق من خلف زجاج القطار بعينين تائهتين ، تتنهد بحسره وقله حيله:

- طيب اعمل ايه انا دلوقتي ؟

وتذكرت ما فعله بها عمها وتجاهله لها كأنه لم يراه أو استمع إليها، وقد عاد الألم يخترق فؤادها من شده القسوه ..، تقسم داخلها إنها ستنال منهم حقها يوما
وقفت امامه وقد ظهرالنعاس فوق ملامحها ، بسبب قيامها بترجمه بعض الأوراق وإرسال الأيميلات ، أنتظرت إشارة منه حتي تنصرف ..، ولكنه ظل يُدقق في الاوراق التي أمامه وهي لا تستوعب كيف يعمل هذا الرجل هذه الساعات دون أن يشعر بالتعب ..، فقد أصبحت تشعر بانهاك قواها منذ أن عملت معه في ترجمه الايميلات المرسله والتواصل مع الشركه الالمانيه حتي إنها لمرات عدة قررت أن تترك هذه الوظيفه ..، ولكنها كانت مجبره حتي توفر أحتياجات عائله عمتها

رفع عيناه أخيراً عن الأوراق ، يرمقها بنظرات ثاقبه

- أتمني مالقيش غلطه تاني

حدقت به "صفا" بجمود ، وقد أحتقنت ملامحها من اسلوبه الفظ

- ما دام حضرتك عندك خبره في اللغه ، مبتجرمهاش ليه يا فندم

احتدت عيناه وهو يسمعها ، وارتجف جسدها وهي تراه يرطم سطح مكتبه بقوه

- وأنا مشغلك وبديكي مرتب كبير ليه يا أستاذه

أهانتها عبارته ، ولكنها قد أعتادت علي أسلوبه..، بل واصبحت ترد له الصاع , صاعين .. ولا تعلم لما حقاً ما زال يصبر عليها

- ليه بحس إنك بتحبي تستفزيني يا صفا

وبابتسامه سمجه كان يهتف عبارته ، فارتفع حاجبيها في ذهول ..، فكيف تحول هذا الرجل بتلك السرعه

- عارفه يا صفا ، أنا ليه صابر عليكي

واخيراً قرر يمنحها ان يُعطيها الأجابه عن تساؤلها ، لعلها تفهم غموض هذا الرجل

- لأنك مجتهده ..، لكن مش ديه اهم نقطه ..النقطه اللي بتعلي الناس عندي هي الثقه

وبنظرة جامده كان يُخبرها بتلك النقطه

- حفظتي السر ، ومتكلمتيش عن السبب الحقيقي ورا طلاقي

وتابع بتهكم وهو يتذكر ثرثرة الخدم ، ورغبه والدته في معرفة الأمر

- أنا بعرف أقدر الناس كويس

ولكن لطفه لم يستمر كثيراً كعادته ، فتجهمت ملامحه وقد عادت النسخه الأخري ل "عامر السيوفي " التي تكرهها به

- وبعرف أعاقب كويس أوي ، ومبسامحش في أي غلطه

أمتعضت ملامحه ، وهي تستمع لتهديده

- هتعاقب مثلا عشان غلطه في فاكس ، ده حتي عيب في أخلاقك الكريمه يا عامر بيه

- صفا

وبنبره قويه كان يهتف ، لتجاوزها في الحدود معه كعادتها ، تعالت ضحكتها رغماً عنها ، فازدادت ملامحه قتامه

- والله ما قصدي أضحك ، بس أفتكرت صورة لممثل ما ، كان نفس التكشيرة سبحان الله

- إظاهر أن طردك هيكون قريب يا صفا

تلاشت ضحكتها ، ووقفت بثبات تنظر إليه

- أستسمحني عذرا سيدي ، ممكن أطلع اوضتي قبل ما اطرد فعلا

وغادرت علي الفور من أمامه ، دون أن يسمح لها بالأنصراف ..، تنهد بأرهاق وهو يُطالع الفراغ الذي تركته ..، ورغماً عنه كان يبتسم علي أفعالها وحديثها الذي أحياناً تقتبسه من بعض الكتب أو الافلام الوثائقيه التي تُشاهدها مع والدته ..، ولكن سرعان ما عاد الجمود يرتسم فوق ملامحه وهو يتذكر تلك التي منحها فرصه أن تصبح زوجه له ولكنها كانت ماكرة وقد عبثت معه ، واقترب وقت نيل حقه

...................................................................

دفعتها والدتها فوق الفراش ، بعدما اخبرتها بحقيقة كذبها عليها ، لا تُصدق أن ابنتها تفعل هذا وتستغل ثقتها بها

- بتكدبي عليا يا جنه ، وتقوليلي كان عندي وردية ، وقال إيه أصل يا ماما كان تسليم طلبيه أدويه وكان معايا زميلتي ..، والصيدليه في مكان أمن

واردفت بتهكم وهي تسرد عليها كذبتها

- والصيدليه جانب مديرية الأمن ، وأنا زي الهابله صدقتك يا بنت بطني

وكادت أن تُبرر لها فعلتها ، وندمها علي قرارها الخاطئ ، ولكن "صافيه" كانت اسرع منها ، وانتشلت حذائها أمام نظراتها المصدومه

تعالا صراخها ووالدتها تهبط بحذائها فوق جسدها كالعادة إذا أخطأت ، فالسيده صافيه لا تتهاون في شئ

- كفايه يا ماما

- معرفتش أربيكي يا بنت بطني ، روحتي تتذلي علي اهل أبوكي

تعالت شهقات "جنه" بقوة بعدما سقطت تلك الصفعة فوق كفيها المجروحين ، انتبهت "صافيه" علي صراخها ..، فحدقت بها مُشيرة نحو كفيها

- مالها ايدك

سقطت دموعها وهي تفتح لها كفيها ، تقص عليها سبب سقوطها عليهما ، لعلها تنال شفقتها ..، ولكنها لم تنال إلا غضبها الذي أودعته في صفعاتها بحذائها الثقيل

- خلتيهم يرموكي قدام المصنع ، زي المتسولين ..، أه يا بنت بطني

توقفت عن ضربها ، بعدما استمعت لسعال زوجها وهتافه باسمها ..، اسرعت في مغادرة الغرفه واتجهت إليه حتي لا يُشك بشئ

- بتضربي البت ليه يا صافيه ، بنتك بقت عروسه وبتضربيها

أقتربت منه تعدل له وسادته ، بعدما أعتدل في رقدته

- مهما كبرت مش هتكبر علينا يا صابر

- براحه عليها يا ام جنه ، وفهميها غلطها براحه

- أجبلك علاجك يا ياحاج

تهربت من حوارهم حول أمر أبنتها ، والتقطت علاجه وكأس الماء

ابتلع حبة الدواء وعاد الأرهاق يحتل جسده ..، جلست قبالته لفتره ..، ثم نهضت من جواره بعدما تأكدت من غفيانه ..، عادت لتلك التي تكورت فوق فراشها وفور أن تعلقت عيناها بوالدتها ، وجدتها تقترب منها بماء دفئ وقطن

- هاتي أيدك

أسرعت "جنه" في تلبيه أمرها ، واعطتها كفيها

- هنبيع البيت وندفع تمن عملية أبوكي

اتسعت عيناها صدمه ، ولكنها أبتلعت حديثها ..، فوالدتها قد قررت الامر بحسم

………….

حديثاً طويلا قد دام بينهم ، ولكن وسط حديثهم المحفل بالاعمال والصفقات

قاطع اكرم حديثهم : هي صفا مجتش اجتماع النهارده ليه ؟

أنتبه "عامر" علي سؤاله وقد ترك القلم الذي يوقع به من يده ، لينظر نحو صديقه متعجباً من سؤاله عنها

- لا متخافش يا راجل أنا بحب مراتي ، سؤال فضولي مش أكتر

ضحك "أكرم" من هيئته التي تعجبها ، ورفع حاجبه متسائلا بشك

- اوعي تقولي إن صفا عجباك يا عامر ..، مش معقول أنت لسا خارج من تجربه أن واثق إنها لسا معلمه جواك رغم إني معرفش السبب

ولكنه كان قد حسم قراره ، لن يُعاقب "فريده " و والدها وخاصه بعد طلاقها منه من زيجة لم تسمر إلا شهرين ثم ستأتيها الصفعة الأقوي هي و والدها زيجته التي لن تكون إلا عقابً

- أنا قررت أتجوز يا أكرم

لم يتفوه "أكرم" بحرف ، بل أنتظر سماع باقيه حديثه

- هتجوز صفا

أرتسم الذهول فوق ملامح "أكرم" ، فكيف يتأخذ صديقه هذا القرار ولم يمر علي طلاقه سوي شهراً ونصف

………………

تلاقت عيناها ب ابن أخيها، فابتسمت وهي تضع سبحتها بحجرها مشيرة إليه بأن يقترب، تقدم منها يلتقط كفها يقبله وهو يشعر بكفها الأخر يمسح فوق شعره

- ربنا يرضى عنك يا ابني

تمتمت بها السيد منيرة، هذه المرأة الصعيديه ذو الملامح الطيبة

- اخبار صحتك إيه النهارده يا عمتي

ومنيرة كالعاده تخبره بعبارتها

- هكون بخير لما تفرحني بيك، انت وابن عمك اللي بقى مقاطع الستات

ومن داخله كان يضحك بسخاء، فمن هو الذي هجر النساء، "جاسر " ابن عمه، الذي لا يمر بضعة أشهر إلا وتزوج بأخرى بعيدا عن أنظار العائله، انتبهت "منيرة" علي شروده وتلك الابتسامه الساخرة المرتسمه فوق شفتيه ولكن سرعان ما انتبه "هاشم" علي حاله وجلس جوارها

- في حاجة عايز تقولها ليا، يا ابن اخويا

ولم تكن منيرة إلا أمرأه ذو نظرة ثاقبه بمن أمامها، ورغم طيبه قلبها إلا إنها كانت أمرأة حكيمة قويه..، انتبهت "منيرة " علي كل كلمة يُخبرها به..، لا تُصدق أن ابنة شقيقها.. أتت المصنع تبحث عنهم وقد التقت بعمه "عبدالرحمن" وقد طردها دون أن يسمعها ويعرف سبب بحثها عنهم بعد هذه السنوات

وبحزن دفين، ودموع قد علقت في عينيها

- أكيد اخويا في حاجة، ده عمره ما فكر يرجع لينا تاني ورفض سنين طويله الفلوس اللي كنت ببعتها ليه

وببكاء كانت تتذكره، وتسرد لابن شقيقها كم كان عمه حنوناً وطيب القلب ولولا قسوة والدهم، لكان عاش بينهم هو وزوجته وابنته

- أنت عرفت منين يا هاشم

وهاشم كان يُخبرها باستفاضه عن الرجل الذي دسه هو وجاسر في المصنع الذي يديره عمه وابنه





……………..

كومة من التراب قد أصبح عليها هيئة بيتها بعد أن كان جنة تجمعها بوالديها، فوقف تتأمل بقايا حياتها التي انهدمت يوما مع هذا التراب ، انسابت دموعها وقد أخذتها الذكريات نحو هذا اليوم بتفاصيلها ، يوماً لن تنساه مهما مرت الأيام والسنين

اسرعت بخطاها هاربه ، بعدما التفت بجسدها تُلقي بنظرة أخيرة نحو المكان الذي جمعها باحبابها

التقطت أنفاسها وقد وقفت لمرة أخيرة قبل أن تغادر المنطقه باكملها ، و بعينين باكيتين وذكريات أصبحت تقتحم فؤادها دون رحمة ، قد عادت نيران قلبها التي لم تنطفئ ، وكل ذكري تعود إليها معهم..

ابتسمت بحزن وهي تتذكر عبارات والدها التي كان دوما يخبرها بها هي و والدتها عندما تصيبهم او تصيب غيرهم فاجعات الأقدار

- قطر وماشي يا بنتي ومسيرنا في يوم هننزل في محطتنا ..، ويابخت من كان ضيف خفيف عليها وسابها زي مجيه

وخزها الحنين بلوعة ، ودموعها التي تمالكتها ..، عادت تهطل فوق خديها

- ربنا يرحمك يابابا انت وماما ويجعلكم من اهل الجنه

وفتحت حقيبة يدها ونظرت لبعض الاموال التي اصبحت تحصل عليها من عملها في القصر كمرافقه وعملها كمترجمه في شركة ذلك المتعجرف ، غريب الأطوار

واقتربت من احد الرجال الجالسين علي الارض ، وقد افترش أمامه.. حزم من الجرجير لعله يُرزق منها

: بكام الجرجير

فأبتسم الراجل لها بطيب خاطر ، فأخيرا نظر احد إلى جرجيره وسيرزق

فهتف راضيا وهو ناظرا لجرجيره : الحزمه بجنيه يابنتي

فابتسمت صفا وانحنت تلتقط الحزم تتسأل عن سعرها :

- طيب لو اخدت كل الجرير ، هتدفعني كام

فارتسمت البشاشة فوق ملامح الرجل

- خديه ببلاش يا بنتي

ابتسمت علي طيبة هذا الرجل رغم فقره ، اخبرها الرجل بسعره وقد تهللت اساريره وهو يجدها صادقة القول وقد اشترت منه جميع الحزم ، وبدأت تخرج المال امام عينيه السعيده بمكسبه وقد ساق الله له الرزق دون أن يمدّ يده

دفعت صفا ثمنه .. فاندهش الرجل مما أعطته له ، فهذا ليس ثمن بيعته:

- بس انا معيش فكة ال 200 جنيه ديه يابنتي، استني اما اروح اشوف البقال اللي جنبنا وخليكي واقفه جنب الجرجير ..

وتابع حديثه ضاحكا وقد ارتسمت السعادة على ثغره وهو يُهرول من أمامها : ما بقي بتاعك خلاص

طالعته "صفا" حتي دلف لمحل البقاله القريب منه ، وابتسمت وهي تتذكر سعارته تاركة له حزم الجرجير والمال .

................................................................

ظلت علامات الصدمه مرتسمه فوق ملامح "اكرم" ، وقد ظل علي هيئته دون حديث ، واخيراً بدء يستوعب ما هتف به صديقه ، خاصه وهو يري تلك النظرة الحاسمه في عينيه

- يعني عايز تتجوز صفا عشان تعاقب بنت محسن الصواف .. ، يعني الفكره كلها إنتقام يا عامر

نهض "عامر" عن مقعده ، وقد علم الجواب من صمته

- رد عليا يا عامر ، قرارك أنتقام مش كده

التقط قداحته في صمت ، فازدادت ملامح "أكرم " قاتمه وهو يري هيئته البارده

- طيب وصفا ذنبها إيه

- هتاخد فلوس ، محدش بيقول لاء للفلوس يا أكرم

أتبعه "اكرم" في وقفته ، وظهر الأمتعاض فوق ملامحه ، فلم يُعجبه قرار صديقه ..، إنه يظلم طرف أخر مقابل إنتقامه من أمرأه شوه والدها فيها سمعته

لا يُنكر إنها شعر بالضيق وهو يقرء بعدما تصريحات الصحافه ، بأن "عامر السيوفي" لم يتزوج إلا مؤخراً ثم أنفصل عن زوجته والأمر بالتأكيد وراءه سراً ..، والسر لم يكن إلا في رجولته

- أنا منكرش يا عامر أني نفسي تتجوز ، لكن مش بنفس أختيارك الأول ..، ما فريدة كان أختيارك ليه عشان الصحافة تسكت عن الكلام ..، المرادي برضوه هتعيد نفس الحكايه

- أكرم

هتف بها بحده كعادته ، عندما لا يُعجبه حديث أحداً

- صداقتنا تحتم عليا إني أنصحك يا صاحبي

وببطئ كان يلتف "عامر" إليه

- أنا مش باخد رأيك يا أكرم ، أنا خلاص أخدت قراري

وبالفعل قد أتخذ قراره ، ف "صفا" الوحيدة التي ستكون عقاب لفريدة ..، يتزوج مجرد فتاة يتيمه مرافقة لوالدته ..، يا له من أمر سيجعل به محسن الصواف يعض يده في حسرة

- أنت الوحيد اللي هتكون خسران يا صاحبي

والخساره التي يُخبره بها صديقه ، هو أصبح معتاد عليها من النساء ..، بدايه من والدته ، من تلك المرأه التي أحبها في شبابه ولم تتحمل طباعه ..، للمرأه التي أخذته عاطفته نحوها وقرر أن يتغاضي عن حبها لشقيقه..، ثم ظنها إنها ستقهر شقيقه عندما تصبح في سريره

- هتخسر البنت يا عامر ، لانها مش من النوع ده

ومبرر أخر كان يضعه أمامه صديقه ، وتلك المرة كانت تصدح ضحكتها عالياً

- جوازه سنتين من عمرها ، مش هتخسر فيهم حاجه

- ولو بقي في ولادك بينكم

وبقرارت لم يعد الواقف يفهم فيها صديقه

- لكل حديثً مقام يا اكرم

وعاد لمقعده ، ينظر نحو شاشة حاسوبه ..، زفر "أكرم" أنفاسه، يهز رأسه بيأس وقله حيله من صديقه ..، وكاد أن يهتف بنصيحته الأخيره

- خلينا نشوف شغلنا

................................................................

أبتسمت ناهد بسعاده وهي تستمع الي مزاحهم ودعاباتهم لتضحك من قلبها الذي ظنت إنه قد مات من قسوة الزمن عليه

فهتفت الخادمه صباح ذات اللسان الفكاهي :

- والله ياناهد هانم الواحد مش مصدق ان حضرتك قاعده وسطينا في مطبغنا المتواضع وبتحتفلي كمان معانا بعيد ميلادي العشرين

لتبتلع سعاد قطعة الكعك ، وقد وقفت في حلقها بعدما حشرت العديد من القطع مستمتعه بمذاقها ، اشتد سعالها من حديث صباح عن سنوات عمرها ، فمنذ سنوات وهي تخبرهم إنه عامها العشرون :

- يامفتريه صغرتي نفسك تسع سنين مره واحده

فتعالت ضحكات ناهد علي مزاحهم مجدداً ، فرفقتهم قد اعادت لقلبها السعاده ، قلبها الذي كان يملئه الكبر قديماً ، ولو كانوا التقوا بها في شبابها لمقتوها وكرهوا سماع اسمها كما كان الحال مع فريده التي سعدوا بطلاق رب عملهم لها ، فمن يصدق أن "ناهد" المتعجرفه التي كانت تنظر للناس بطبقية ، تجلس وسطهم الآن في المطبخ وتأكل معهم وتضحك ..

طالعت "صباح" حذائها الجديد الذي اهدته لها "صفا " ، واتسعت ابتسامتها سعادة وهي تراه في قدميهابعدما قررت ارتدائه :

- مش ناقص غير الفستان وابقي سندريلا ..

والتفت نحو سعاد ترمقها بملامح ممتعضه متسائله :

- هتجبيلي أمتى الفستان ياسعاد .. الروج والكحل اللي انتي جبتهوملي مش عجبني غيري هديتك

ارتفع حاجبي "سعاد" دهشه ، فمنذ دقائق كانت سعيدة بهديتها وقد عانقتها ببكاء ، والأن تُخبرها إنها تُريد هدية أخري ، وسرعان ما كانت تدفع قطعة من الكعك داخل فمها ضاحكة علي هيئتها

- الهديه لا ترد ، مبرووك عليكي

فابتسمت "ناهد" علي دعابتهم لبعضهم ، وشعرت بالغرابة من صمت صفا التي لم تنطق بحرف منذ جلستهم وهذا ليس من طباعها المشاغبة مثلهم ، فهي من جلست القصر يشع فرحاً وبهجة منذ قدومها :

- مالك ياصفا من ساعة ماجيتي من مشوارك وانتي ساكته ، انتي مش مبسوطه اني قاعده معاكم

أنتبهت "صفا" علي حديثها ، وقد فاقت من شرودها ، فتلاقت عيناها بعينيهم القلقة علي حالها ،.. حاولت أن تبتسم وتخفي عنهم حزنها ، والتقطت احد الاطباق الموضوعه على الطاوله وبدأت في إطعام "ناهد" وهي تشاغبهم كعادتها :

- البت صباح بتعرف تعمل كيك حلو صح

فامضغت "ناهد " قطعة الكعك، وابتسمت إليها مؤكده علي حديثها :

- فعلا ياصفا ، وبتعرف تضحكنا كمان

فتابعت صفا حديثها مازحة تنظرنحو صباح بمشاغبه ، ترفع لها حاجبيها :

- وكمان صوتها حلو ..

فابتعدت ناهد بفمها عن الطعام ، والتفت بعينيها بينهم ، تهتف بسعاده ورغبه في سماعها :

- طب خليها تغني لينا

فانتفضت "صباح" عن مقعدها مذعورة من الأمر ، فكيف ستغني أمام السيده الكبيره :

لا لا اتكسف ياجماعه الله

فانفجروا جميعهم ضاحكين علي عبارتها الفكاهية ..

صباح : هغني بشرط صفا ترقص ، وسعاد تطبل .. اومال هغني لفنانه العظيمه ليلي نظمي ازاي ..

وتابعت حديثها الفكاهي :

- صاحبة الأغنية العريقه خليها مفاجأه بقي الاغنيه

وتلك المرة كانت "ناهد" تُقنع "صفا" أن تُلبي الأمر من أجلها

ناهد : متخافيش ياصفا انا مش هشوفك ما انتي عارفه ، بس عشان خاطري ارقصي وافرحي معاهم وكمان انا عايزه افرح وسطكم .. بقالي سنين مفرحتش

وبعد محاولات ناهد ، أرضخت "صفا" حتي تُراضيها

وبدأوا ثلاثهم في عرض دورهم بسعاده ، وقد تناست صفا أحزانها قليلا بمغامرتهم البسيطه بينهم ، واخذت تتمايل وسط غناء صباح وحتي سعاد شاركتها في الرقص بفرح وفكاهة والسده ناهد تصفق لهم .

............................................................

دخل عامر القصر وهو يستمع إلى أصوات الغناء الذي لا يدل سوي انه جالس بالشارع وليس قصر .. فامتقع وجهه من الغضب وسار بخطي غاضبه يصرخ باسماء الخدم ، ولكن لا أحد كان منتبهاً علي نداءه .، مما جعله يزداد توعداً لهم

تقدمت نحوه الخادمه "مارجريت" كالأفعه ، وقد كانت هذه فرصتها حتي يطردهم جميعهم ويعود الهدوء للقصر كما كان ، قبل أن تأتي هذه الفتاه وتقلق راحتهم :

- شايف مستر عامر ، البنت اللي اسمها صفا قلبت قوانين القصر ازاي .. ديه بتاخد ناهد هانم تقعدها مع الخدامين في المطبخ ، ديه مش بتحترم قوانينك خالص مستر عامر ، سامع الغنوه البلدي ديه يا مستر عامر... ايه ادلع ياعريس وام فاروق ده

هتفت "مارجريت" عبارتها ، دو، انقطاع مما زاد حنقه وقد تعالا صوت الغناء ..، بل وصحدت زغروطه في القصر ..، وكأنه في فرح شعبي

- بس خلاص ، اسكتي شويه

وسار بخطى سريعة نحو المطبخ متوعداً لهم ، هبط عدت درجات لأسفل نحو المطبخ وقد ارتسم التجهم فوق ملامحه الحاده

وعلي مقربة منهم ، كان يقف وقد تيبثت قدماه يشاهدها وهي تتمايل بجسدها وشعرها يتطاير من خلفها بخفه .. ، وقف لبرهة يُضحك بها وبملامحها السعيدة ، وبخطوات سريعه كان يصعد إلى حجرته ، يُلقي بسترته علي احد الارائك الوثيره متسطحاً فوق فراشه وهو يفكر في خطوته القادمه معها !

..............................................................

ورغم ظهور علامات الشيب علي ملامح السيده منيرة ، إلا أنها ما زالت تحتفظ بجمالها و بشاشة وجهها وطيبتها ، اقتربت من فراش شقيقها .، وحديث أبنة أخيها ما زال يدور بعقلها ، ولم تتحمل الصمت خاصه بعدما تأكدت من إحتياج شقيقهم لهم .

التقطت كفه ، وانحنت تلثم جبينها ..، ففتح عيناه لها مبتسماً وحاول الأعتدال من رقدته :

- خليك يا حسن نايم ، يا اخويا

طالع ملامحها ، وقد تأكد من وجود شئ ما في عائلته

- مالك يا منيرة

- صابر يا حسن

تجمدت ملامح "حسن" وهو يستمع لاسم شقيقه ..، وقد أخذه الشوق إليه ..، ولكن القلب ما زال يحمل ما مضي مع الزمن

- اخوك مريض يا حسن ، اخوك حياته بتضيع

وأخذت تسرد عليه ما عرفته من "هاشم" ابن شقيقهم الراحل رحيم ، وما فعله شقيقهم "عبدالرحمن" بابنته بعدما جاءت إليهم تستنجد بهم

- يرضيك يا حسن ، يرضيك يا أخويا ..، بنتنا تمشي مكسورة الخاطر ..

واردفت متحسرة ، عندما وجدت جمود شقيقها

- اللي حصل زمان .. فات أوان العتاب في ,وانتهي ياحسن ، وانت راجل تعرف ربنا ، اديله ورثه ، وساعد أخوك في عمليته اخوك بيموت واحنا بأيدينا نساعده

حاول الاعتدال في رقدته ، وقد ساعدته "منيرة" بعدما شعرت برغبته ، فقد أنهكه المرض شقيقها واصبح ملازم الفراش

- صابر مالهوش ورث يامنيره انتي نسيتي ان ابوكي رفض يكتبله ورثه وحلف انه مش هيطول منه ولا حاجه

وتابع بقهر وهو يتذكر ما فعله به

- صابر قهرني زمان ، عيشني طول عمري بصلح غلطته

وتذكر أبنه البكر ، متسائلاً

- هاشم مبلغش ليه جاسر ..

فيمتقع وجه منيره من حديث اخيها لتخبره بنفاد صبر : انت عارف ان جاسر ابنك بيكره سيرة عمه ، خصوصاً لما عرف سبب طرده من العيله ، والحمدلله إنه مقبلهاش يا أخويا

وابتسمت بحزن وهي تتذكر الوصف الذي أخبرها به الرجل عن أبنه شقيقها

- البت حلوه اووي ياحسن لولا انك كنت في المستشفي كنت زمانك شوفتها ، ياحسن احنا كبرنا خلاص ياخويا والعمر مبقاش فاضل فيه كتير ليه لسا قلبكم قاسي علي اخوكم

- نسيتي عمل ايه في بنت عمك ، ودفعت أنا التمن .. ، اتجوزتها واتخليت عن حبي الوحيد لسميره بنت خالتك عشان ارضي ابوكي وعمي .. نسيتي يامنيره

وتابع بقهر حزناً علي حال شقيقه وعلي حاله بعد هذه السنوات الطويله

- أنا مظلمتش صابر يامنيرة ، صابر هو اللي ظلمني

-: ام جاسر بقيت في ذمه الله دلوقتي

حسن : فضلت تحبه طول حياتها يامنيره ، اخوكي كسر قلبها وقلبي

دمعت عينين "منيرة" ، وهي تتذكر تفاصيل الحكاية :

- ما انت لحد دلوقتي لسا بتحب سميره

فارتسمت السخريه فوق ملامحه علي حديث شقيقته :

- حب ايه بقي خلاص .. انا خلاص بقيت بودع من الدنيا ومنكم .. ابقي خلي بالك من حنين يامنيره ديه لسا صغيره ، وكمان جاسر ربنا يسامحها اللي كانت السبب في عقدته

- بعيد الشر عنك يا أخويا ، ربنا يعطيك الصحه و طولت العمر وتفرح بيهم

ارتسم الحزن فوق ملامحه ، متمنياً أن يري علي الأقل أولاد بكره الغالي ، الذي كره النساء بسبب أمرأه طعنت رجولته وخانته

ولا تعرف "منيرة" كيف ومتي أصبحت الفكرة في عقلها ، لم تنتظر التفكير في الأمر واندفعت تُخبره

- إيه رأيك نجوز بنت صابر .. لجاسر

انصدمت ملامح "حسن" من عبارة شقيقته ، وقبل أن يفوق من صدمته ..ويعترض علي ما تفوهت به وكيف فكرت بالأمر ..، كانت تخبره منيره بما يدور بخلدها
*****

انصدمت ملامح "حسن" من عبارة شقيقته ، وقبل أن يفوق من صدمته ..ويعترض علي ما تفوهت به وكيف فكرت بالأمر ، أخذت تُقنعه ..،

فالسيده منيرة لم تكن تُفكر إلا بجمع شمل العائله ، لم تُفكر إنها ربما تظلم أبنة شقيقها التي لا تعلم عنها شئ ..، وغفلت عن طباع "جاسر" القوية ..، جاسر ذلك الذي يكره النساء ولا يري فيهم إلا مجرد متعة يتمتع بها الرجل من أجل إرضاء غريزته ،

رجلاً خدعته امرأه ، فقرر أن يجعل جميع النساء تدفع الثمن ..، رجل يحمل الكره لهذا العم لما فعله بوالدته منذ سنوات طويله عندما تركها بين ألسنة الناس يتحدثون عن شرفها ..، ولولا القرار الصارم الذي أتخذه "عارف المنشاوي " كبير العائله ، بأن يتزوج "حسن المنشاوي" من سميرة أبنة عمه.

أتخذت "منيرة" بحنكتها جميع الطرق لأقناع شقيقها ، ولكنها لم تجد إلا الطريق الوحيد الذي سيقنعه ويجعله يُفكر بجديه

- محدش هيستحمل جاسر غيرها يا حسن ، مهما عمل فيها هتستحمل وتسكت ، هترضي بأي حاجة وطبعا صابر عمره ما هيتكلم

واتبعت حديثها بمراره علي حال ابن شقيقها وما وصلت إليه حياته

- جاسر كل شويه يتجوز واحده لا ليها أصل ولا فصل ، ابنك مبيعديش الشهرين إلا وهو متجوز واحده في القاهره ، أنا صحيح شعري شاب يا حسن بس عارفه كويس ابني في إيه .. ابني لسا مجروح من اللي حصله زمان

ووضعت بيدها فوق قلبها، وقد دمعت عيناها

- ده أبن قلبي ، وأنا اللي مربياه

تفاجأ "حسن" بمعرفة شقيقته ، عن زيجات "جاسر" ، ورغم عدم رضاه عن الأمر إلا إنه فضل الصمت حتي يعود أبنه لرشده

- بنت صابر من دمنا يا حسن ، سبناه يتجوز الغريبة وأه شايف وصلنا لأيه ،

ظهر الاقتناع علي وجه "حسن" ، فالتمعت عينين "منيرة" براحه

- وافرض البنت رفضت يا منيره ، ده أنتي بتقولي صغيرة وصيدلانية ..

تلاشت الراحه من فوق ملامح "منيرة" ، ولكن سرعان ما كانت تنفض أي شعور يقلقها من رفض شقيقها وابنته ، فاستطردت بعباراتها.. حتي تزيد من أقتناعه ويقف معها أمام "جاسر" الذي لن يخضع لهم بسهولة

- أخوك بقي محتاج لينا يا حسن ، ولو رجع وسطنا ، عمره ما هيقدريرفض لينا طلب…

وصمتت قليلاً وقد علقت عيناها بعينين شقيقها

- لا هو ولا بنته

- سبيني افكر في الموضوع واقولك

والموافقة قد أخذتها من شقيقها ، حتي لو لم يُخبرها بجوابه صراحةُ ، ولكنها تعلم ما يدور الأن في عقل شقيقها الأكبر

……..

زفرت "صفا" أنفاسها براحه ، بعدما استمعت لصوت أبنة عمتها وقد أجابت علي مكالماتها أخيراً ، ولأنها تعلم أن عدم إجابة ابنه عمتها عليها , وراءه سببً ما ، فتسألت وهي تنتظر أن تسمع جوابها دون مراوغة

- مش هسأل كتير ، فيكي إيه يا جنه جاوبيني

دمعت عينين "جنه" وقد جلست علي أحد الارائك الخشبيه في الممشي الخاص بالمارة بالقرب من الصيدليه التي اصبحت تعمل بها

- روحتلهم ، وطردوني يا صفا

ودون أن تخبرها عن هوية من تقصدهم ، كانت "صفا" تُدرك تماماً من فعل هذا بأبنة عمتها ذو القلب الهش الذي لم يعتاد علي قسوة القلوب

- وزعلانه ليه ، ما أنتِ عارفه أنهم نسيوكم من حياتهم

هتفت بها "صفا" بقوة وقد أوجعها قلبها عليها ، ابتلعت "جنه" غصتها وهي تُطالع الطريق الذي بدء يخلو من الناس

- كنت فاكره هيخدوني في حضنهم ، ليه الكره ده وعشان إيه ..، عشان أتجوز واحده فقيرة

تنهدت "صفا" حانقة ، وهي تتذكر ذلك اليوم الذي أخبرها والدها عن السبب ..، وقد أخذها الفضول لتعرف أين هم أعمام "جنه" ، بعدما أتت تلك المرأة التي لا تتذكر اسمها , وقد أتت لزيارة بيت أخيها وكانوا لدي عمتها في زيارة قصيرة

- انسيهم يا جنه ، أنسيهم زي ما عمي صابر نسيهم

- وأنتِ فاكرة إن بابا نسيهم في يوم يا صفا ، هو بيتظاهر بكده عشان عمتك

هتفت بغصه ، قد شعرت بها "صفا" …فالعم صابر يحب عمتها لدرجة جعلته يتخلي عن كل شئ من أجلها

- نفسي الاقي حد يحبني زي حب جوز عمتي لعمتي ، طلعتي محظوظه يا صافيه

واحتضنت وسادتها ، غارقة في حلمها ، وقد نسيت تلك التي تسمع عبارتها وتزفر أنفاسها حانقة منها ومن أحلامها بفارس الاحلام المنتظر

- أنا بكلمك في إيه ، وأنتِ بتكلمي في إيه ..

صرخت "جنه" بقوة ، وهي تُسمعها عبارتها المستاءه .. انتفضت "صفا" عندما أنتبهت علي صراخها الحانق ، والقت بالوساده أرضاً تنفض رأسها

- الحلم كان جميل يا جنه ، ده أنا كنت بدأت أتخيل شكله

ازدادت ملامح "جنه" إحتقاناً ،وقد نهضت عن المقعد الخشبي ، وسارت نحو الطريق حتي تعبره

- شوفي حاولتي الحكاية لأيه ، بدل ما تهوني عليا

وبقهر طفولي كانت تُخبرها هذه المرة ، عن ضرب عمتها لها وكأنها فتاة صغيرة ، أنفرجت شفتي "صفا" في ضحكة قوية ، شعرت وكأن من بالقصر جميعهم قد أستمعوا إليها

- عمتي ضربتك ، لا صافيه ديه ديما شريرة كده

وعادت ضحكاتها تعلو ، تستمع لعبارات "جنه" المتذمرة وقد أرتسم الحنق فوق ملامحها ، لتتسع عينين "صفا" صدمة ، وهي تراها قد أغلقت الخط وأنهت المكالمة

- ديه قفلت التليفون ، ماشي يا جنه

هتفت عبارتها ، و القت بهاتفها جوارها ..، ونهضت من فوق الفراش تتماطأ بجسدها وتفرد ذراعيها ..، ولكن سرعان ما كانت تنتبه علي الوقت ..، فقد حان وقت أخذ" السيده ناهد "لأدويتها

اسرعت في هندمت ثيابها ووضعت حجابها فوق خصلاتها ، وركضت مهرولة نحو غرفتها

تعالت شهقتها وقد أصطدمت بجدار صلب ، ولم يكن إلا هو الذي كان يُغادر غرفة والدته للتو ، رمقها متفحصاً لها ، فابتعدت عنه بعدما تخطته ودلفت نحو الداخل وقد شعرت بالأرتباك بسبب تهورها في السير

زفر "عامر" أنفاسه حانقاً منها ، والتف حتي يصرخ عليها ويسألها عن تأخرها لأعطاء والدته علاجها ..، فلما هي هنا ..، هل من أجل الضحك أم الرقص أم المزاح مع الخدم

كانت كل تلك العبارات تدور بعقله ، ولكنه لم ينطق بها ..، فبمجرد أن التف نحوها ..، تذكر هيئتها البريئة وهي تتراقص بين الخدم ..، هيئتها ما زالت تقتحم عقله ليس بتلك الصورة التي رأي بها فريدة ولكن بصورة أخري تجعل قلبه يبتسم

سار بخطوات سريعه ، فرمقته "صفا" مدهوشة ، من حركته بعدما وقف يُطالعها وهي تُعطي الادوية للسيدة ناهد

- كنتي بتضحكي ليه ياصفا ..بصوت عالي

وبلطف كانت تردف

- مش تحكيلي ، و تضحكيني معاكي

- عامر بيبلغك ، تنتبهي علي صوتك

اتسعت حدقتيها ، و سرعان ما توردت ملامحها والسيده ناهد تردف تلك المرة بعبث ، والضحكة أرتسمت فوق ملامحها

وكما توقعت ، قد استمع من بالقصر صوت ضحكاتها ، ولحظها الذي تعرفه تماماً كان هو من سمعها ..، وقد أخذت اليوم أحد تحذيرته التي لا تنقطع

………….

استرخي بجسده وقد رفع ساقيه فوق الطاولة الصغيره ، ينظر إليها مستمتعاً برقصتها له ..، ابتسمت له وهي تقترب منه وتتمايل نحوه ..، تُظهر له مفاتنها بسخاء ..، وهو كان خير من مرحب لكنه لا يتأثر ولا يضعف ..، ف "جاسر المنشاوي" رغم عبثه مع النساء وعلاقته المتعدده إلا أنه لا يمنح أي أمرأة هذا الشعور ..، أسقطها فوق ساقيه بعدما اعتدل في رقدته ، فتعالت ضحكاتها وهي تتعلق بعنقه

- قولي أني جميله في عيونك يا جاسر

تعالت ضحكات "جاسر" وهو يعبث بجسدها

- ما أنتِ جميله فعلا يا سهر ، هو لازم اقولك يعني..

واردف بمكر وهو ينظر في عينيها ويعلم ما تنتظره منه

- لا مبحبش أشوفك معندكيش ثقة في نفسك

زفرت أنفاسها وقد علمت أن هذه الليلة التي اقسمت أن يُخبرها بحبه ، قد ضاعت ..، فمهما حاولت أن تفعل له ..، "جاسر" لا يراها إلا زوجه بعقد رسمي متفقين علي فسخه إذا أراد هو هذا ..، زوجة برتبة عشيقة , يا له من إنجاز حققته وهي التي تركت زوجها من أجله بعدما ظلت لعام كامل تركض خلفه في كل مكان وقد منحها أخيراً فرصة أن تكون من نساءه

لم يمنحها ما أرادت ، بل منح نفسه ما أراده هو ..، نهض من جوارها بعدما انتهت متعتهم وطالعها وهي مسطحه فوق الفراش فتسألت وهي تعلم الاجابه لكنها منحت نفسها أملاً

- مش هنفضل هنا للصبح

وبنظرة منه كانت تعلم الإجابه ولكنه أعاد الجواب عليها ، حتي تسقط من سقف أمالها

- أنتِ عارفه إحنا بنيجي الشقة ديه ليه يا سهر ، بنقضي وقت لطيف وننبسط

ضغط علي عبارته الأخيرة ، واتجه نحو المرحاض تحت نظراتها اليائسة من هذا الرجل

…………

ابتسمت "صفا" بسعاده وهي تُطالع وجه ذلك الرجل الذي افتقدته بكتبه وحديثه الطيب ، فوقفت تتأمله من بعيد وهو يُرتب كتبه فوق الرصيف ..، وبخطوات بطيئة كانت تقترب منه، تتذكر الايام التي كانت تأتي فيها إليه ، كلما كانت تُرسلها والدتها لجلب بعض الأغراض للمنزل ، كانت تذهب متذمره ..، وفي عودتها كانت تمر علي العم محمود تتساير معه قليلاً وتمازحه

وقفت خلفه ، تنتظر أن تري سعادته بقدومها إليه، وهل نساها أم ما زال يتذكرها

- وحشتني ياراجل ياطيب

استمع العم محمود للصوت الذي لم ينساه ، والتف نحوها مصدوماً غير مُصدقاً إنها هي ..، التمعت عيناه بطيبة ، واتسعت ابتسامته وهي يفحصها بعينيها ، هاتفاً باسمها :

- صفا !

التمعت الدموع بعينيها ، فقد أشتاقت لهذا الرجل بالفعل ..، لقد كان دوما كريما وعطوفاً معها ..، يسمع أحلامها مبتسماً ..، يُخبرها إنها ستجد ما تتمني يوماً لانها فتاة طيبه القلب ، وبعتاب كان يُخبرها

- كده تنسي عمك محمود يا بنتي

وعندما أنسابت دموع فوق خديها ، فهي لم تنساه ولكنها أبتعدت عن هنا ..، ابتعدت لتعيش مع عمتها بعد رحيل والديها

- عرفت يابنتي بكل اللي حصلك .. ، روحت أسال عنك ..، بعد ما غيبتك طولت ..،جيرانك قالولي اللي حصل

تمالك دموعه ، فقد بكي هذا اليوم علي حالها وتمني لو عرف لها طريقاً

- وعرفت انك روحتي تعيشي عند عمتك .. ربنا يرحمهم يابنتي

ارتسم الحزن فوق ملامحها ، فانتبه "العم محمود" عليها ، فاسرع في التقاط الكتب التي تحبها هاتفة بنبرة مرحه لعله يُخفف عنها

- موحشتكيش كُتب عمك محمود القديمه ، وكُتب مراد زين

فابتسمت "صفا" ، وهي تراه يُحاول إخراجها من حزنها ، هاتفه بمشاغبة ومرح قد أفتقدهم منها

- أنت اللي وحشتني ياعم محمود .. ، أنا جيت بس عشان اشوفك وادفعلك تمن الكتاب اللي اخدته منك اخر مره لان للاسف ضاع مني

وعادت تبتلع غصتها ، حتي لا تتذكر ذلك اليوم الذي ضاع منها عند عودتها لمنزلها , لتراه وهو حطاماً ، وقد خرجت من تحته أجساد والديها وقد فارقوا الحياه

عم محمود : طب وحبيبك مراد زين مش عايزه تشوفي اخر كتاب ليه .. نزل السوق من أسبوع ..

واردف وهو يُخبرها بما سمعه من البعض عن إعتزاله

- بيقولوا إنه أعتزل الكتابه

فعبست ملامح "صفا" ، فحتي كاتبها المفضل ترك الكتابه ..، واصبح بائس مثلها

- مدام اخر كتاب ليه يبقي خلاص هاخده

............................................................

لامست يديها وجهه الشارد وكأنه في عالم اخر، فانتبه "احمد" علي حركتها التي أفزعته وبلطف كان يزيح كفها عنه

أطرقت "أميرة" رأسها بعدما شعرت بالحرج من ردة فعله

- أنت مش معايا خالص يا احمد ، حاسه إنك عايزنا نمشي من المكان

وبألم كانت تتسأل

- هو أنت زهقت من علاقتنا

تعجب من نطقها نحو علاقتهم بتلك الطريقه ، وكأنهم أحباء وليسوا رفقاء يتشاركون همومهم وحديثهم معاً

- معلش يا اميرة ، في شوية حاجات شغلاني في الشغل

ورغم أن من مهمتها أن تعرف تفاصيل عمله ، وما يؤرق أفكاره مع شركاءه إلا إنها لم تعد تهتم بشئ إلا هو

ابتسم لها باللطف وقد مسح فوق كفها ، معتذراً

بادلته الأبتسامه ، والتمعت عيناها ..، وقلبها يُخبرها أن تفصح له عن مشاعرها

- احمد انا ..

ولكن الحديث توقف علي طرفي شفتيها ، وقد أخذ هاتفه يصدح بنغمته الهادئة ، فطالعها ثم طالع رقم المتصل بسعاده وهو ينهض عن طاولتهم :

- عن اذنك يا اميره ، هرد علي التليفون

ابتعد عنها ، تحت نظراتها العالقه به .. تزفر أنفاسها متنهدا وقد ابتلعت حديثها ..، فلم يأتي اليوم بعد ..، أو ربما إنها أخطأت في قرارها .. ويجب عليها أن تُفكر بمهمتها التي طالت وأصبح مديرها يتذمر منها

ارتشفت من كأس الماء الذي أمامها وقد عادت لثباتها ، ولكن لحماقة قلبها ..، كانت تعود لتتأمل تفاصيله الرجولية

ضحكت داخلها ساخره ، إنها ضعيفة أمام رجال هذه العائله ، وبمشاعر مضطربه كانت تُدلك عنقها تهتف بلوعة وقلة حيله

- أنا اتورطت في حبك يا احمد ، اعمل ايه انا دلوقتي ، مش قادره أذيك ولا ينفع ابعد عنك غير بعد ما أنفذ مهمتي

..................................................................

أفزعها صوته الجامد ، وقد أتت من الخارج سعيدة بما تحمله ، سقط الكتاب من يدها والتفت نحوه، فعلقت عيناها بنظراته وقد وقف يفحص ما تحمله بنظرات ثاقبة :

- افندم ياعامر بيه

تأملها عامر للحظات ، ثم حدق بالكتاب الذي سقط منها ..، يري أسم شقيقه المستعار فوق غلافه، وعلي ما يبدو إنه أخر أعمال شقيقه ، تحرك نحوها ولكنه لم يكن يقصدها .. إنما كان يقصد الكتاب الذي أنحني والتقطه ..، طالعها عندما التقط الكتاب ليري في عينيها اللهفة نحو الكتاب ، فكيف سيكون حالها إذا اصبحت أمام كاتبه ..، محظوظ هو شقيقه ..، يحبه معجبينه وهم لا يعرفون هويته الحقيقية ..، ويحبه من يعرف "احمد السيوفي" المهندس المنضبط الطموح

باغتها بسؤال لم تكن تنتظره منه ، فقد توقعت أن يستخف بها كعادته

- يعني خرجتي تشتري كتب ، وبتحبي تقري لمين كمان يا صفا

ورغم التهكم الذي ظهر في نبرته ، إلا أنها تجاهلت الأمر ..، تُخبره بالأدباء الذين تحب القراءة لهم

أماء برأسه ، وقد ترك لها فرصة الحديث قليلاً ..، حتي إنها استعجبت إنه وقف يسمعها ، ولكن ها هو "عامر السيوفي" يعود بغلاظته

- بقيتي مصدر ازعاج في القصر ، ومارجريت بتشتكي منك كتير ، ده غير خروجك من القصر من غير ما تبلغيني

تهجم وجهها ، وقد استفزتها عبارتها

- أخدت اذن ناهد هانم

أحتدت ملامحه ، وقد اقترب منها ..، وبعجرفة كان يلتف بجسده هاتفاً

- تعالي ورايا علي المكتب .. مش هفضل واقف اكلمك علي السلم كده

أمتقعت ملامحها فقد ضاعت بهجة هذا اليوم ، سارت خلفه تُفكر ما التوبيخ الأخر الذي ستحصل عليه أيضاً ..

وقفت في منتصف الغرفة ، تعقد ساعديها أمامها وتنتظر سماعه ، رمقها بنظرة لا تعرف تفسيراً لها ، نظرة كانت طويله ..، جعلتها تشعر بالقلق



التقطت منه الورقة التي مدّها إليها في صمت ، انتظر أن يري معالم وجهها وتظهر صدمتها ..، لم تمر سوي دقيقة إلا وهو يري صدمتها وشحوبها

تقدمت منه لا تستوعب ما تراه ، فكيف فعل هذا الأمر بها .، وكيف خدعها بهذه الطريقة المقززه ..، هل جعلها توقع علي هذه الورقة ليستغلها ، ودموعً كانت تغرق وجهها وهي تُطالعه بنظرة تحمل الحقد والكره ، تتسأل بصدمه وعيناها عالقة بالورقة

- انا ممضتش علي الورقة ديه ، أنت بتعمل فيا كده ليه

صرخت وتقدمت منه تدفع كل ما فوق سطح مكتبه

- انت شيطان .. انا كنت فكراك طيب .. طلعت شيطان ، صحيح اللي يكون قلبه جافي علي أقرب الناس ليه ..، أكيد شيطان ..، أنت تستحق اللي عملته فيك مرات

والعبارة تتردد في أذنيه بقسوه ، فاغمض عيناه وقد ظن ما تخيله حقيقه ولكنه لم يكن إلا مشهد تخيله ..

طالعته "صفا" بضجر ، من صمته ونظراته المحدقه بها ..، فلماذا ينظر إليها هكذا

- عامر بيه ، أنا تعبت من الواقفة

فاق من شرده علي عبارتها المتهكمه ، فانفض رأسه واعاد الورقة لدرج مكتبه متمتماً بجمود وهيئة جادة

- تقدري تروحي تشوفي ناهد هانم

التوت شفتيها أمتعاضً من عبارته ، فهل يصرفها بتلك الطريقه ..، اتجهت صوبه تلتقط منه الكتاب الذي وضعه فوق سطح مكتبه هاتفه

- ده ملكيه خاصه

ورغماً عنه كان يبتسم ، هذه الفتاه تجعله ينسي غضبه الذي يتصاعد كلما تذكر امر تلك الخائنة ، خاطبه عقله المذهول من فعلة صاحبه ، وقد أخذ بضعة ليالي يُفكر بالأمر وقد حسم قراره الذي تراجع عنه للتو

- مش معقول يكون قلبك رحيم يا عامر ، وطلعت صفا برة لعبتك

……………..

تنهيدة قوية اخرجها صابر وهو يُطالع وجه شقيقته ، يتأمل ملامحها بشوق ، وقد ظهر فوق ملامحها الجميلة العجز ولكنها ما زالت جميله كما هي بطيبتها ، ورغم ما حدث إلا إنها أحبهم لقلبه ، فحاولت لسنوات طويله التواصل معه ومنحه المال ولكنه كان يرفض اخذ شئ منها

- صافيه ديه منيره اختي ياصافيه ..

فجلست "منيره" علي المقعد الذي كانت جالسة فوقه "صافية" قبل دلوفها إليهم ، حركت "صافيه" رأسها إليها ، كما فعلت منيرة ، والتقطت كفيه تمسح فوقهما برفق ، تهتف بحنان تحت نظرات صافية التي تحولت للأمتعاض

- متتعبش نفسك بالكلام ياصابر ياخويا ، انت لسا تعبان

واردفت بعدما رأت الدموع قد لمعت بعينيه

- زعلت اووي انا وحسن اخوك ، اننا مدفعناش ليك فلوس العمليه يابن ابويا ، سامحيني أننا أتأخرنا عليك يا اخويا

واردفت تُخبره عما سعت زوجته في إخفاءه عنه

- ياريت بنتك كانت جاتلي أنا ، مرحتش ل عبدالرحمن وابنه ..، كنت هاخدها في حضني ديه من ريحتك يا حبيبي

ارتسمت معالم الصدمه فوق ملامح "صابر" المتعبه ، فابتلعت صافيه لعابها وقد علقت عيناه بها ، يتسأل بصدمه

- جنه راحت ليكم الصعيد

هتف عبارته والتقط أنفاسه بصعوبه، فالأول مرة تخبئ عنه صافية شئ ، فاسرعت صافيه نحوه وارتسم القلق فوق ملامحها

- متتعبش نفسك ياصابر

ازاح ذراعها عنه ، فنظرت نحو منيره بغضب :

ده مبقاش ليه يومين خارج من عمليه كان هيروح مني ومن بنتي ، وأنتي جاية تحكيله كلام ملهوش لازمه

طالعتها "منيرة" بصدمه ، فما الذي جعلها تنفعل هكذا ، فعلي ما يبدو أن شقيقها لم يكن يعلم بذهاب أبنته إليهم

- لولا عامر بيه ، راجل ابن أصول تكفل بالعمليه ، كان زمانه ضاع مني ومن بنتي

ضغطت "صافيه" علي عبارتها الأخيره حتي تُشعرهم بسوءهم ، فالغريب الذي يعملون لديه لم يتأخر عن مساعدتهم ، عندما لجأت إليه أبنة شقيقها وهي مجرد فتاة تعمل عنده مرافقة لوالدته

واردفت بباقية حديثها تتهكم على حنانهم العجيب بعد هذه السنوات ، حانقة منهم :

لسا فاكرين اخوكم ياست منيره

فحاولت "منيرة" رسم ابتسامة على شفتيها ، حتي تتجنب حديثها ، وقد اعطتها الحق في غضبها

- أنا همشي دلوقتي ياصابر وهجيلك تاني

فعاتب صابر زوجته بنظراته ، ولولا عدم قدرته علي الحديث لكان اخرسها

صابر : لاء يامنيره ما تمشيش انتي وحشاني اووي ، خليكي معايا يابنت ابويا واحكيلي عنكم

ونظر إلى صافيه بنظرات لائمة

- اخرجي انتي ياصافيه ، هاتي لمنيره حاجه تشربها

امتقعت ملامح "صافيه" ، وكادت ان تتحدث منيره ، ولكن صابر عاد يحدق بها بنظرة جامده , قد فهمتها ...غادرت صافيه الغرفة حانقة وهي تشتعل غضبا :

- ماشي ياصابر، لما تخرج بس من المستشفي 
*******

طالعت "السيدة كريمة" ابنه شقيقها بصدمه من هيئة ملامحها، التي لا تُبشر إلا بشئ واحداً ، واقتربت منها تُحدق بما تحمله ..فتسألت بعدما تمنت أن لا تكون ما تراه صحيحاً

- حامل يا فريدة

اماءت لها برأسها وقد انسابت دموعها فوق خديها ، و لا تقوي علي النطق ..، فقد اصبحت حاملاً من رجلاً لم يعد يطيق رؤيتها ، رجلاً انهي الشراكة بينه وبين والدها حتي إنه خسر المال من أجل ألا يجمعهما شيئاً ، رجلاً اكتشفت إنها حبتها من مجرد شهرين قضتهم معه ..، وأن مشاعرها لم تكن نحو الشقيق الأصغر إلا إنبهاراً

- طيب بتعيطي ليه يا بنتي

ارادت أن تُشعرها بأنها سعيدة بالخبر، ولكنها من داخلها كانت خائفه ..، فابنة اخيها وعامر السيوفي علاقة وانتهت بأبشع النهايات

- عامر بيكرهني يا عمتو ، بيكرهني أوي ..، لدرجة لما روحتله الشركه من يومين عشان اقوله إني ممكن أطلع حامل قالي ..

حدقت بها عمتها تنتظر سماع باقية عبارتها ، ولكنها صمتت عن حديثها تمسح فوق بطنها , لعلها تطمئن تلك النبته التي وضعها الله في رحمها من ليلة واحده جمعتهما

- قالي لو ده فعلا حصل ، الطفل لازم ينزل لإنه مش هيقبل يكون ليه ابن من واحده زي

عانقتها عمتها بذراعيها ، بعدما شعرت بالوجع من أجلها ، فلم تكن تتمني لصغيرتها حياة كهذه, ولا مصير ضائع وللاسف هي من أختارته وسقطت في شرك شيطانها

- عنده حق يكرهني

وابتعدت عن ذراعي عمتها ، تُخبرها إنها لم تكن تقصد ما فعلته

- مش عارفة أنا إزاي عملت كده

عادت "كريمه" تضمها نحو صدرها ، تمسح فوق ظهرها بحنان

- اللي حصل ، حصل خلاص يا بنتي ..، ياريتني ما كنت شجعتك تقربي منه ..، مكنتيش هتطلعي خسرانه حاجة

وأغمضت عيناها بقهر ، فجميع أقرابهم أخذ يتسأل لما تطلقت منه بهذه السرعه ..، هل كان يستر عليها أم ماذا ..؟ ، وشقيقها "محسن" لم يتهاون في الكلام بل رد الصاع ، صاعين ، واخبر الجميع بتلميحات قد فهمها البعض غير مصدقين ..، ان "عامر السيوفي" لم يُلبي رغبات وحيدته فطلقها منه ، لذلك لما يتزوج إلا مؤخراً ومن أبنته وقد أفتضح عجزه ،

وضاعت أبنة شقيقها بين الأحاديث ، حتي تجنبت الخروج من المنزل وانعزلت بين جدران غرفتها

- أه يا فريدة ، كان مستخبي ليكي ده كله فين يابنتي

سقطت دموعها متحسرة علي حالها ، وهي تستمع لعبارات عمتها ..، أبعدتها "كريمة" عنها برفق ، تمسح دموعها بكفيها

- أبوكي لازم يعرف

فصرخت ، وقد تراجعت للخلف تنظر لعمتها وهي تنفي لها برأسها

- لاا ، بابا مكنش همه من البدايه غير فلوس عامر السيوفي ..، مش هيهمه أي حاجة ممكن تحصلي

واردفت بخوف وهي تحمي جنينها بذراعيها

- عامر هيموتوا ، مش هيشوفه غير نقطه سوده بسبب لحظه ضعف منه

رمقتها عمتها في صمت ، وتركتها تخرج كل ما يعتلي فؤادها

- أهدي يا فريدة

- أنا هسافر ، امسك فرع دبي ..، هبعد عن هنا

- أنتِ بتقولي إيه يا فريده

وبإصرار كانت تُجيبها وقد التمعت عيناها بقوه

- أنا مش هخسر تاني خلاص ..، ولا هخسر الطفل ولا هكون ورقه يلعب بيها محسن باشا عشان يؤش من تاني ويرجع مصالحه مع عامر

وبإصرار أكبر ، كانت تنظر لعمتها وقد أقتربت منها بعدما رأت عم اقتناعها

- أرجوكي يا عمتي أحترمي قراري ، لحد ما انا أقرر أقولهم

ولم تجد "كريمة" إلا الخضوع لقرارها ..، بعدما رأت رجائها

………….

نظرت "جنه" كالبلهاء لصفا الجالسه جوارها على احد مقاعد المشفي، بعدما استمعت للطرئف التي عاشتها أبنة عمتها في هذا القصر ، لم تُصدق ما تُخبرها به عن "عامر السيوفي" من غلاظة وعجرفة يتمتع بهما

- مش عارفة أصدقك يا صفا ، الراجل دفع فلوس العمليه ..، لا وجايه بسواق مخصوص وتقوليلي عنه الحكايات ديه ..، ده طلع راجل جينتل مان ..، ده أنا حبيته

والتمعت عينين "جنه"وقد اسبلت اهدابها ، فدفعتها "صفا" بخفه

- مدفعش الفلوس ، غير بعد ما ناهد هانم طلبت منه ..، بعد ما اكتشف السبب , إنها تفكر تبيع مجوهرات من عندها عشان تساعدني ..

وبحب أصبح يزداد في قلبها نحو هذه المرأة، أردفت

- معروفها عمري ، ما هنساه يا جنه

وبدعابة كانت تهتف "جنه "

- طيب و معروف عامر بيه

عادت "صفا" تدفعها فوق كتفها ولكن تلك المرة كانت دفعتها أقوي ، بسبب حنقها منها

- ده كان فكرني ، أنا اللي طلبت من ناهد هانم تبيع مجوهراتها ..

واردفت ممتعضه وهي تتذكر نظرته لها ذلك اليوم

- ده كان فكرني طماعه واستغلاليه

ولكنها كما هتفت بسوءه ، كانت تهتف بمحاسنه التي لا تعرق متي تظهر ، فهذا الرجل يُحيرها في شخصيته

- لكن الصراحه ، أول ما عرف ما تأخرش وقالي كنتي قولتيلي

وعاد الحنق يرتسم فوق ملامحها

- ومافيش مشكله ، هيخصم الفلوس من مرتبي كل شهر

انفرجت شفتي جنه في ضحكه قوية ، وسرعان ما كانت تضع بيدها فوق فمها ..، بعدما رأت نظر البعض من الممرضات الواقفين في حديقة المشفي

- بس ياهابله ، احنا في المستشفي .. فضحتينا انا بقول اطلع اطمن علي عمي صابر قبل ما استاذ عامر يبعتلي السواق

فطالعتها "جنه" بوداعه بعدما أستمعت لعبارتها

- متشوفيلي شغل عنده يا صفا

امتعضت ملامح "صفا" وهي تنظر لأبنة عمتها التي قد أصبح عقلها في مكان أخر ، عادت "صفا" لمكانها وقد تذكرت أمراً

- هي ديه عمتك ، اللي اتقبلنا معاها من شوية يا جنه

ارتسم الحزن فوق ملامح "جنه" ، فلم تعد تُحب ذكر أسم هذه العائله

- شكلها طيب ، بس سبحان الله النفوس فعلا غير الوشوش

- صفا ، بلاش نتكلم عنهم .. ماما كان عندها حق لما قالتلي أنهم باعوا أخوهم سنين طويله ..، هيقبلوني أنا في حياتهم

طالعتها "صفا" في صمت ، وسرعان ما كانت تنتبه علي عمتها ، التي اتجهت نحوهم بعدما التقطتهم عيناها ..، اقتربت منهم ..، وقد ظهر فوق ملامحها علامات الأمتعاض

حدقوا بها في صدمه ، بعدما جلست ووقفوا هما ..، ينظرون إليها وهي تلطم فخذيها ..، وقبل أن ينتابهم الذعر والخوف ..، كان يفهمون سبب حنقها و لطم فخذيها ..، فلم تكن إلا حانقة من العم صابر وشقيقته.

..............................................................

أنتهى من سرد حكايته أخيراً، حكاية مؤلمة أردات أن تعرفها بعدما أخبرته عن الرجل الذي أحبته وتزوجته عرفياً ولكنها جعلت أسمه مجهولاً ، وقد احترم رغبتها

وبملامح قاتمة وعينين قد احتلهم الخواء والظلمة ، نطق كلمة النهاية عن الماضي ، شعرت به وهو يُحاول أستعادة ثباته بعدما أغمض عيناه ، يزفر أنفاسه ..، ثم عاد يفتحهما ينظر إليها مبتسماً وهو يلتقط فنجان قهوته ويرتشف منه ، لعلا مرارة القهوة تُغلب مرارة الفراق ومرارة ما عرفه من شقيقه

- انتهت حكاية الحب بالفراق بس فراق من نوع التاني " الموت "

ابتسمت إليه" أميرة" وقد ادهشها وفاءه ، طالعته بتردد قبل أن تضع كفها فوق كفه ..، استشعر لمستها هذه المرة بشعور مختلف ولكن سرعان ما كان ينفضه عنه ..، فهو أختار أن يظل أسير الذكريات ، يُحمل نفسه سبب موتها ، يُحمل نفسه إنه هو السبب لتركه لها مع عائلته وقد كان يعلم مدي جشعهم وحبهم للمال ، حتي لو باعوها لرجلاً يُعطيهم المال من أجل نيلها ..، فهذا ما فعلوه معه ولو كانوا وجدوا أفضل منه ..، لأعطوها له

- أميرة ، إحنا أصدقاء

قالها حتي يخرج من تلك المشاعر التي لا يفهمها نحو هذه المرأة ..، ويجعلها تفيق من ذلك الوهم الذي أصبح يراه في عينيها ..، ازاحت كفها عنه وقد شعرت بالحزن من عبارته وكأنه يوضح لها بصراحه ..، مكانتها لديه

طالت نظراته إليها قليلاً ، بعدما رأي الحزن قد ارتسم فوق ملامحها ، شعر بالشفقة نحوها ..، ولكن سرعان ما كان ينتبه علي الوقت

حدق بساعته ، وقد تعجب من أمره ، فكيف ينسي هذا الاجتماع الذي سيضم الشركاء ..، رغم أن اليوم عطله

نهض عن مقعده ، وقد وقف يُخرج المال من جزدانه يُحدق بها ، بعدما نهضت هي الأخري بنظرات متسائله

- عندي أجتماع مهم في المؤسسه ، مش عارف نسيته إزاي

ويا لها من حمقاء ، فقد تناست هي أيضاً سبب أجتماعها معه اليوم ، ولم يكن السبب إلا لتعرف منه معلومات تعطيها للسيد" توفيق" عن سبب أجتماع الشركاء ، فالرجل قد أزداد ضجراً منها ، ولن يصبر عليها طويلاً ..، فهذه مهمتها ، وإما تنجح أو تخسر وظيفتها ..، فلا هي أقامت علاقة معه يستغلها رئيسها في العمل ويفضحه ، فالشركة تهتم بسمعه شركائها ، ولا هي تنال منه معلومات هامه تخص الشركة.

............................................................

نطقت اخيراً بعدما فاقت من صدمتها التي سقطتها على مسمعيها بعدما اخبرتها والدتها بالأمر

جنه : اتجوز مين ، وابن عمي مين

فطالعتها "صافيه" بملامح متهكمه:

- عشان تسافري الصعيد من ورانا تاني ، عمك طلب ايدك لابنه جاسر .. و لا أنتي كنتي فاكرة إن زيارات عمتك لينا من غير سبب

احتقنت ملامح "جنه" وهي تري السخرية فوق ملامح والدتها ، ونهضت من جوارها عازمة أمرها علي الحديث مع والدها ، فقدت ندمت أشد الندم لذهابها إليهم ، ولم تعد تعترف بهذه العائله

- رايحه فين يا بنت بطني

- أنا لازم أتكلم مع بابا ، أنا مش هتجوز حد ولا عايزه أشوف فرد من العيلة ديه تاني

رمقتها "صافيه" بملامح ممتقعه ، ف أين كانت هذه الكرامه قبل أن تذهب إليهم ، وعادت تتحرك ثانية ، ولكن ذراع "صافية" كان الأسبق وهي تقف وتلتقط ذراعها

- ابوكي تعبان ، ومصمم علي الجوازه ديه .. وعمره ما هيرفض لاخوه الكبير حسن طلب ولا لعمتك..، ف أرضى بنصيبك يابنت بطني

رمقتها "جنه" بصدمه ، فعن أي رضي الذي تُحادثها عنه والدتها ، اتسعت حدقتيها ذهولا وهي تستمع لعباراتها التي اردفت بها بملامح حزينه

- أبوكي أستحمل عشاني كتير ، ورضي بالفقر عشان حبه ليا ..

وبعينين دامعتين كانت تهتف

- أنتِ حته مني يا جنه ، لكن ما دام أبوكي أمر وطلب .. ، يبقي هتنفذي كلامه يا بنت بطني ..

وبحرقة كانت تردف

- يمكن تكوني الطريق اللي يرجع بيه وسط اخواته من تاني

فابهتت ملامح "جنه" ، وقد علقت عيناها بعينين والدتها ، لا تستوعب حديث والدتها وهي تردد :

- اتجوز واحد معرفهوش !

…………………..

كانت هائمة مع كل كلمة تنطقها "السيده ناهد" عنه ، فأحيانا الكلمات تكفينا أن نهوى أشخاص لم نراهم إلا مرة واحده ولا نظن أن القدر سيجمعنا بهم يوماً ..، أردات أن تُخبرها أن تكف عن وصفه لها..، فقد رأت هذا الرجل الوسيم من قبل ..، ولكنها فضلت أن تسمعها وتكون جاهلة عن هويته.

توقفت "ناهد" عن الحديث ، بعدما أدركت بأن شوقها إليه قد أزداد .. ، ومدّت كفها تبحث أسفل وسادتها عن صورته ، وكأنها اليوم تُريد تذكيرها بملامح هذا الرجل

- ده أحمد أبني اللي بحكيلك عنه يا صفا، أوصفهولي ياصفا بنظرة عينك أنتي ، عايزه أعرف لسا ملامحه زي ماهي ولا الزمن برضوه غيرها

فانتبهت "صفا" علي عبارتها ، والتقطت منها الصورة ، ودون أن تنظر لملامح هذا الرجل..، كانت تصفه لها وهي تتذكره بكل تفاصيله في ذلك اليوم

وصفته لها ، وناهد تبتسم ، وقد اتسعت أبتسامتها وهي تستمع لنبرتها الهائمة ، الهادئه ,

رمشت بعينيها بإرتباك أصبح جليّ فوق قسمات وجهها ، بعدما أنتبهت علي حالها وابتسامة " السيدة ناهد"

- ملامحه كلها منك

فابتسمت ناهد ، وقد التقطت منها الصورة بعدما أعطتها لها ، هاربة من تأثير هذا الرجل عليها

- بس أحمد أحلى مني

- شبه أبطال الروايات

و دون وعي كانت تهتف بعبارتها ، وبخبث كانت "ناهد" تتسأل

- انتي بتحبي قراية الروايات ياصفا

فاتسعت ابتسامتها ، وسرعان ما كانت تتلاشى من فوق ملامحها

- كنت بحب قصص الحب اووي ، كنت بشوف الحب في الخيال وبس .. بس حياتي دلوقتي مينفعش لا احلم فيها ولا اعيش فيها الخيال ، للأسف الخيال بيموت مع اول صفعه من الواقع

شعرت "ناهد" بحزنها ، وقد علمت أنها تذكرت والديها وأخذها الحنين إليهم ..، وبحب كانت تفرد لها ذراعيها ، ولكن رنين الهاتف قد صدح بنغمته التي خصصتها لواحداً تنتظر سماع صوته كل ليلة ولكن اليوم يُهاتفه مبكراً عن عادته

وبشوق هتفت

- ده احمد ياصفا

............................. ......................................

كانت كلمات منيره تسقط على مسمعه وكأنها هواء يتطاير حوله، احتسي فنجان قهوته بتلذذ غير عابئ بحديثها الذي يدخل من أذن ليخرج من الأخري ..، استمرت "منيرة" في حديثها دون أن تري ضجره ، ولكنها توقفت عن الحديث وهي تراه ينهض عن مقعده ووقف بهيبته الجامده ، ينحني ليُلثم كفها

- تسلم أيدك علي القهوة يا غاليه

وتحرك من امامها تحت نظراتها ، والتقط أحد الملفات ، يخطو بخطوات عاجلة نحو الخارج

- مضطر اروح الشركه دلوقتي ياعمتي، عندي أجتماع مهم ..، وللأسف معنديش وقت أسمع كلام أعتبرته مسمعتهوش

بهتت ملامح "منيرة" وتلاشت صدمتها ، تنظر إليه بقوة

- عمك صابر ليه حق في كل الأملاك اللي انت بتديرها ، ويعتبر شريك معانا

توقف مكانه ، وقد التقط للتو مقبض الباب ..، التف إليها بعدما التقطت أذنيه عبارتها ، وعندما رأي نظرات القوة من عينين عمته ..، عاد إليه يرمقها بنظرات فاحصه وقد فهم الأمر

- أنا اللي اعرفه ان جدي مكتبش ليه حاجه ..بسبب اللي عمله زمان ..

وتابع حديثه بحقد دفين أستوطن قلبه منذ أن علم سر رحيل عمه عنهم :

- نسيتي أمي يا عمتي ، سابها عشان حتت واحده من الفلاحين عجبته ..

واردف ساخرًا

- عايزاني اتجوز بنتها ، يعني يوم ما أقرر أتجوز .. اتجوز فلاحه لاء بتهزري

والقي عبارته دون أن يعبأ بمضمونها

- والله أعلم البت ديه بنته ولا لاء ، اللي اعرفه إن عمي خلف بعد سنين طويله من الفلاحه

- جاسر

صرخت به "منيرة" ، ونهض عن مقعدها ..، فتجاوز أبن أخيها في حديثه ..، فكيف يُشكك في نسب أبنتهم ، تلك الفتاة التي تُشبهها ولكن بملامح أجمل .، إنها أبنة شقيقه ، ولن تهدأ حتي تزوجهما

- حكاية أمك وحسن وصابر ، انتهت من زمان يا جاسر ..، مش هنفضل متعلقين بالماضي يا ابن قلبي

وبنبرة جامدة كانت تهتف ، بعدما أقتربت منه

- احنا دلوقتي في الحاضر والماضي خلاص مات ، لو انت متجوزتش جنه , فنصيب عمك صابر هيروح كله لبنته وبنته لسا صغيره وعلى وش جواز واي حد ممكن يطمع فيها يعني مش على اخر الزمن واحد غريب هيدخل في عيلة المنشاوي

جاسر : فلوس مين ده اللي ليهم عندنا ، أنا اشتريت نصيب عمي عبدالرحمن ، عشان محدش يشاركني في حاجه ولا يقولي فلوسي ولا مش فلوسي ... ألعبي لعبه تاني ياعمتي بدل لعبة الورث والفلوس لاني متأكد إن جدي مكتبش حاجه لعمي صابر

وكاد ان يكمل حديثه لكن حديث والده أوقفه

حسن : هتتجوز بنت عمك ياجاسر ، ومتنساش ان الفلوس ديه كلها بتاعتي انا وعمتك صحيح انت كبرتهالنا ياولدي بس هتنكر خير ابوك عليك

فتلاشي غضب جاسر ، وارتسم القلق فوق ملامحه وهو يري هيئة والده المتعبه

- ليه قومت من علي سريرك يا حاج ، الدكتور مانعك من الحركة

ونبرة متعبة ، حزينه كان يهتف "حسن"

- تعبي الاكبر بسببك انت يابني ، انت مش شايف بقيت ازاي انت بقيت عامل زي الوحش ..

فارتسم الزهو فوق ملامحه ، واخذ يداعب والده بعدما أجلسه على أحدي الارائك المريحه ، وقد أراد صرف عقلهم عن أمر هذا العم وأبنته ، حتي يخلو بنفسه ويُفكر في الخلاص, دون الأخذ من مالها ، فهو من تعب وكبر هذا المال

- شخصيتي ديه هي اللي بقت مخلياني كبير العيله ومحدش بيقدر يقف قصادي ، وقريب كمان هكون عضو في مجلس الشعب .. مش فخور بأبنك ياحاج

حسن : فخور وفي نفس الوقت خايف عليك من نفسك ،الكبر بيخسر صاحبه يا ولدي

واردف وقد التمع الإصرار في عينيه ، بعدما فهم مراوغته في الحديث معهم

- وعشان كده لو متجوزتش بنت عمك وبما أنك عارف ومتأكد ان عمك مالهوش حاجه في ورث جدك .. فأنا وعمتك هنكتب نصيبنا لعمك صابر وبنته وده اخر كلام يابني

تجمدت ملامحه ، وتطاير الشر من عينيه وهو يُطالع نظرات والده نحو، وعلي ما يبدو أن القرار قد تم اخذه .. ،

أراد أن يتحدث ، ولكن حديث والده قد الجمه :

- عارف بكل جوازاتك السريه في القاهره ، بس انت راجل واعي وأدري بمصلحتك .. ، وفكر في كلامي وكلام عمتك وانا متأكد انك هتفكر كويس في الموضوع ، ولد حسن المنشاوي مش هيضيع جزء من ثروته عشان خاطر جوازه مش هتأثر في حياته حاجه

علاقت عيناه بعينين والده ، فوالده يتلاعب معه بالحديث ، يتلاعب معه في نقاط يعلم إنها ستجعله يظل طيلة يومه يُفكر في كل كلمه أخبره بها.

.................................................................

كان الصمت يحاوطهم ... إلى ان رفعت صفا وجهها عن بعض الاوراق تهتف بسعاده :

- خلاص ترجمتهم

طالعها "عامر" متهكماً من نبرتها ، وقد تلاشت حماسها ..، فهذا الرجل يبهرها كل يوم بتغيره السريع ، عاد يُركز في أوراقه ونبرة جامده تمتم

- مدام خلصتي تقدري تطلعي تكملي سهرتك مع صباح وسعاد

رمقته بحنق ، وهي تود قذف تلك المزهرية بوجهه ، ولكنها عادت لثباتها ..تُزكر حالها أن هذا هو "عامر السيوفي" لا يمضي دقائق إلا وتحول ، وبفظاظة هذه المرة كان يهتف

- حطي الورق علي المكتب واتفضلي

حركت رأسها يأسه من طباعه ، وسارت نحوه تضع الأوراق فوق سطح مكتبه، وعندما طالعته وهو منهك فوق الأورق وقد ظهرت علامات الأرق فوق ملامحها

- أنا ممكن اساعدك ، ومن غير مقابل ..، يعني مش هاخد منك فلوس زياده

قالتها بدعابه ، وقد تناست أمرها ..ومن نظرة منه جعلها تتراجع للخلف ، تزدرد لعابها

وبهمس خافت كانت تعيد عرضها ثانية ، ولكن بجديه

- اساعدك يا عامر بيه

رمقها بنظرة هادئه ، هذه المرة ، يعطي لها بضعة أوراق ..، مشيراً نحو أريكه جانبيه تحتل غرفة مكتبه ، اتسعت ابتسامتها وهي تراه يمنحها مساعدته ..، وقد عاد "عامر" الطيب الذي تحب هدوئه مرة أخري وليس ذلك الذي يُطالع كل ما أمامه بأحتقار

انكبت فوق الاوراق التي اعطاها إليها ، وبجفون أصبحت تتثاقل كانت تُنهي أخر ورقة ، وقد ندمت أشد الندم لعرضها أمر مساعدته ..، التقط هيئتها بعينيه

- كفايه عليكي يا صفا

وباعتراض وتذمر كعادتها كانت تهتف بعدما فركت عيناها

- فاضل ورقه واحده ، وأنا لازم اخلص مهمتي كلها

وعادت للورقة التي أوشكت علي إنهاءها ، فاسترخي بجسده ينظر إليها ، يتسأل داخله هل حقاً هناك نساء ك صفا ، أم جميعهم مثل فريدة و والدته

وعندما أتت ذكري "فريدة" علي ذهنه ، تذكر اخر لقاء بها .. ، أتت لتُخبره إنها من المحتمل أن تكون حامل بطفله ..، تجمدت ملامحه وقد أحتلت الظلمة عينيه ..، فاقتربت منه "صفا" تضع الاوراق أمامه تهتف أسمه

- عامر بيه

وبملامح مظلمه ، كان يُطالعها هاتفاً بقوه

- أخرجي يا صفا

ومن نظراته القاتمة، كانت تركض من امامه.. فهو لا يُريد رؤيتها مرة أخري ..كاداة الأنتقام من فريدة

……………. ………………

صراخ وصياح أصبح يعصف بكل من يقابله في طريقه، وصل اخيراً مكتبه ،

فركضت خلفه سكرتيرته بزيها الملتصق القصير ، والتي لولا أصرار عمه عبدالرحمن عليه بأن يوظفها لمجاملة أحد رفقاءه لكان قد طردها منذ اول يوم

تراجعت بخوف ، وهي تري قتامة نظراته وسرعان ما كان يصرخ بها

- أخرجي بره ، ومش عايز ولا ملفات ولا أوراق تتمضي مفهوم ... ،وأول ما هاشم يجي تدخليه علطول سامعه

طالعته بخوف، مُحدقة بهيئته التي لا تبشر بالخير ، وانصرفت مسرعة من أمامه ، عائدة بادراجها لمكتبه تُرتب بضعة أوراق ، تهتف لحالها

- شكله راكبه عفريت على الصبح

دلف هاشم بعدما علم برغبته في رؤيته ، لأمر عاجل وقد رأي مكالمات عدة علي هاتفه وقد ظن إنه بسبب أجتماع اليوم ، وعندما رأي ملامحه هتف بتسأل وقلق

- مالك ياجاسر ، إيه اللي حصل ومخليك مش طايق نفسك

جاسر : عمك وعمتك النهارده كلموا المحامي يجيلهم عشان يتنزلوا لعمك صابر اللي طلعلي في البخت عن نصيبهم .... انا بجد مش عارف هما بيفكروا كده ازاي وليه

هاشم : ما تتجوزها ياجاسر وخلاص

ثم تابع حديثه بخبث كما طلبت منه عمته :

- وياسيدي أعتبرها خدامه مخصوص ليك ، واه بدل الستات اللي بتتجوزها وتطلع عقدك فيهم .. طلعه عليها هي .. لحد اما تقول حقي برقبتي زيهم وتمشي

فرمقه جاسرحانقاً من أسلوبه المتهكم

- انا بتجوز الستات ديه بمزاجي ، مش غصب عني ياهاشم

هاشم :مفرقتش ياجاسر ، وكمان البنت قمر بصراحه

والتف هاشم خلفه يتمتم بخوف ودراما ، أزادت من حنق الواقف :

- اوعي تقول لأروي الكلام ده

فلم يتحمل "جاسر" سماع المزيد منه وكأنه متفق معهم

- أطلع بره يا هاشم

طالعه "هاشم" بعدما نهض عن المقعد الذي جلس عليه للتو، متمتماً قبل أن يُغادر

- فكر كويس ياجاسر ، عشان متخسرش .. وما دام عمي وعمتي مصممين علي حاجه عايزين يعملوها , هيعملوها وانت عارف كده كويس ،هتضيع تعبك كله وحد يجي يقولك فلوسي وورثي... وكل ده عشان خاطر جوازه ممكن تخلص منها بسهوله بعدين
طالعت هيئتها أمام المرآه ، بعدما وضعت زينتها وتفننت في إظهار مفاتنها ..، حدقت بالثوب للمرة التي لا تعرف عددها ..، فابتسمت ساخرة علي حالها ..، لقد اصبحت عاهرة بجدارة واليوم ستنفذ الامر ، ستجعله يقع في الخطيئة ..، ستجعله يعرف من هي حقاً , فهي ليست إلا أمرأه يستغلها رجلاً ظنت إنه يمنحها فرصة لتبني حالها وتري نجاحها ولكن أكتشفت في النهاية ما هي إلا في دائرة مغلقه وقد تورطت مع هذا الرجل في توقيعات تجعلها تقضي باقية عمرها بالسجن ..، وإما أن تنفذ أوامره أو يطيح بها

"النهاردة المهمه تتنفذ يا أميرة ، و بكرة الصبح عايز أشوف صور لاحمد السيوفي وهو في حضنك "

وبوقاحة كان يُطالب بالمزيد ..، والمزيد لم يكون إلا مقطع تظهر فيه معه ..

ارتسمت السخرية فوق شفتيها ، وهي تتذكر وعده لها ، بأنه لن يجعلها تظهر بالصورة ، فهو لا يُريد غير فضح هذا الرجل ..

عادت عيناها تتعلق بالمرأه ، تنظر لحالها بحزن ..، فماذا كان سيحدث إذا تزوجها "عامر السيوفي" في العلن ، ماذا لو كان أحبها كما أحبته و وثقت به ..، وعاد شيطانها يوسوس لها يُقنعها ..، أنها ستنتقم منه في أخيه , بل وستبعث إليه الصور لتريه كيف جعلت شقيقه يصل لفراشها ..

وحقد دفين ، ها هو يصحوا ولكن قلبها عاد ليُخبرها أنها أحبت هذا الرجل ..، أحبته واحترمته ، وبين تصارع أفكاره ، وما تُريد ولا تُريد كان رنين جرس شقتها يعلو

ابتسم "احمد" وهو يقدم لها باقة الأزهار قبل دلوفه للشقه ، بادلته أبتسامته وهي ترحب به

- متعرفش أد إيه أنا سعيده ، نك لبيت دعوتي يا أحمد

التف نحوها ومازالت ابتسامته مرتسمه فوق شفتيه وهتف بمزاح ، فهو قد اصبح يفهم مشاعره نحوها ، ف اميرة لا تعد بالنسبه إليه إلا شقيقه قد تمني أن يحظي بها يوماً

- هتأكليني بقي أكل مصري زي ما وعدتيني ، ولا هتكوني ضحكتي عليا وكان مجرد إغراء ومش هلاقي غير هوت دوج

ضحكة بقوة علي عبارته ، وقد وضعت باقة الأزهار جانباً ..، بعد أن أشتمت رائحتها

- لا متخافش يا سيدي ، عملتلك الأكله اللي بتحبها

واردفت وهي تخطو نحو المطبخ

- عشر دقايق ، وكل حاجة تكون جهزه

- اساعدك يا أميرة

توقفت مكانها ، وهي تستمع لمبادرته ، فاماءت برأسها وقد ابتلعت غصتها ..، فقد انتهت رحلتها مع "احمد السيوفي" وهذا أخر لقاء بينهم

اتبعها، بعدما أزال سترته وطوي أكمام قميصه ..، ولوهلة وقفت تُطالع هيئته الرجوليه .المُهلكه.، تستحضر غريزتها وتتلاشي مشاعر قلبها ..

أعدوا الطعام سوياً ، وكلما كانت تقع عيناها عليه .. يتحسر قلبها

طالع نظرتها إليه وهو يقضم أصابع المحشي الذي أعدته إليه مبتسماً

- تسلم أيدك يا أميرة

…………….

طالع المعلومات التي جمعها إليه أحد رجاله ..، متنهداً بضجر ..، فهو لم يجد شئ يُسئ لسمعتها ، حتي يستغل الأمر لصالحه ويرفضها كزوجه تحمل أسمه ..، بعدما وضعه والده وعمتها في طريق مسدود بينهم

القي بالملف داخل أحد الأدراج ، ونهض عن مقعده يدس سيجارته بين شفتيه ، يزفر أنفاسه الحانقه المعبئة بدخانها

- طلعتي يعني شريفه ، والناس بتحلف بأدبك

هتف عبارته وهو يُحرك شفتيه مستاءً ، ولكن سرعان ما كانت تتبدل ملامحه للقسوة

- حظك وحش يا بنت صابر ، عشان تقع في طريقي

شعر بتأنيب الضمير قليلاً ، عندما عادت صورتها تقتحم عقله ..، فلم تكذب عمته في أمر جمالها ..، ولكنها ليست من نساءه أو كما يسميهم جواريه ..، ف "جاسر العامري" لا يري النساء إلا جاريات أسفل قدميه يتمتع باجسدهن كما يُحب

وبقسوة و وعيد كان يهتف

- لو وافقتي علي الجوازه ، يبقي أنتِ اللي أختارتي طريقك بنفسك

…………….

طالعت القهوة التي تحملها بتوتر، واقتربت منه تنظر نحو اللوحه التي وقف يُطالعها

- جميله أوي اللوحه ديه

هتف عبارته ، عندما شعر بوجودها خلفه

- أشتريتها من باريس

التف نحوها مبتسماً ، التقط منها فنجان القهوة وسار نحو أحدي الأرائك يجلس عليها

- مفكرتيش ترجعي مصر يا أميرة

كانت عيناها عالقة نحو فنجان القهوة ، ولكنها أسرعت في تمالك حالها ..، تتذكر أنها أخر ليلة في مهمتها ، وجدته يضع فنجان القهوة فوق الطاوله ينظر إليها منتظراً جوابها ..، ابتلعت لعابها وهي تقترب منه

- القهوة هتبرد

ابتسم علي أهتمامها الشديد بأمر القهوة وتلاشيها الجواب عن سؤاله ، متسائلاً بمزاح

- أفهم من كده إنك بتهربي من الرد

- مبقاش ليا حد في مصر ، أهلي وماتوا وأخواتي أتبروا مني

شعر بالحزن علي حالها ، ونهض مقترباً منه .. ودون شعور منه كان يضمها إليه بدعم ، سقطت دموعها , فمن يأخذها بين ذراعيه يُطمئنها ويحنو عليها ..، سيستيقظ في الصباح ليري طعنتها

- صحيح أنتِ غلطتي في حق نفسك يا أميره قبل حقهم ..، لكن محدش فينا معصوم من الغلط

ابتعدت عنه ، تنظر إليه دون حديث ، وقد أزدادت دموعها هطولاً فوق خديها ..، حاولت أن تهرب من أمامه ولكنه التقط ذراعها

- أنت ليه حنين كده

هتفت عبارتها صارخه ، فقطب جبينه متعجباً أمرها وقبل أن يهتف بشئ ويسألها عما بها , كانت تهتف دون شعور منها

- عارف أنا حطالك إيه في القهوة

تجمدت ملامح "احمد" ينتظر سماعها ، وشيئاً فشئ كانت تزداد صدمته

- حطالك مادة مخدره ، عارف ليه ؟

وبمراره كانت تردف

- عشان أعمل معاك علاقه ، وافضحك في المؤسسه

علقت عيناه بها وبفنجان القهوة وهو لا يستوعب ما هتفت به للتو ، أخبرته ببداية لقاءهم الذي كان مدروساً ..، أخبرتها إنها كانت تعلم ما يحب ويكره ليس بالمصادفة ..، إنما كان لديها الكثير عنه لتستطيع الأقتراب منه

وبنظرة طويله كانت تقع علي هيئتها ، ليتأكد ما كانت بالفعل تسعي إليه ..، لم يكن يظن أن تحررها المبالغ من متطلبات عملها لتسقط الرجال ..، ولكنها اليوم أكتشف أنها ليست إلا عاهرة متقنعة عملها بجدارة

تهوي بجسده فوق الأريكه وقد ارتخت ساقيه من الصدمه ، بعدما قصت عليه كل شئ وما كان سيحدث هذه الليله ..، يتسأل داخله , هل تكون المنافسة بالعمل بتلك الطريقة المُقززه ، وبثقل كان يهتف بعدما أطرق رأسه أرضاً وزفر أنفاسه









- وانا كنت صيده سهله مش كده

نفت برأسها وانسابت دموعها فوق خديها ، تبتلع مرارة حقلها وهي تستمع لنبرة صوته المحتقرة ، فكيف ستكون نظرته لها إذا تلاقت عيناهم ..، وها هو يتحقق ما خشته ..، ينظر إليها باحتقار لم ينظر به لأمرأة من قبل ، وبصراخ كان يهتف عبارته مجدداً

- كنت صيده سهله ، عرفتي تجذبيني ليكي ..، لا وكمان وصلتيني لبيتك ولأخر مستوي في اللعبه

اطرقت رأسها وهي تستمعه ، فمهما حاولت أن تتكلم ، كان الحديث يقف علي طرفي شفتيها ، تأمل طاولة العشاء وقد ضجر من إنتظار سماعها ، فما الذي ستتحدث عنه بعدما خبرتها باللعبة كامله ..، هل ستخبرها إنها أمرأه رخيصه تبيع جسدها

وبسخرية كان يُتمتم ، بعدما نهض من فوق الأريكه وهو يقترب منها

- كان عنده حق لما مشفكيش غير في صورة رخيصه ، مجرد جسم

بهتت ملامحها وهي تستمع عبارته ، وقد فهمت مقصده ، رمقها ساخراً ينتظر جوابها هذه المرة علي عبارته ، ولكنها تجاوزت الحديث عن هذا الرجل ، الذي إذا عرفه سيعلم إنها لم تكن غير ضحية اخرج بها شقيقه عقده

- انت كنت المنافس الوحيد ليه ، ولما فوزت بفرصة الانضمام لمنظمه المهندسين هنا ، "توفيق" ، مقدرش يستحمل الخساره وكان لازم يعمل اي حاجه عشان يعرف يضربك بيها ... وبعد فتره اكتشف انك اول عضو المنظمه توافق عليه من غير ما تشرط عليه انه يكون متجوز وليه أسره

بررت لها دواخل الحكاية ، ولم يزيده الأمر إلا أحتقاراً لها

- وإيه اللي مخلكيش تكملي في اللعبه ياحضرت السكرتيره المحترمه ، مدام عندك ضمير أوي كده

هتف بها وقد أصبح صوته يتخللها المهانة ، فاغمضت عيناها بقوة

- صدقني كان غصب عني أعمل كده ، توفيق مخليني أوقع علي ورق ممكن يدويني السجن

تلاقت عيناه بها ، يستشعر صدقه ولكنه تلاشي مشاعره ، يسألها مستخفاً بحديثها

- ودلوقتي مستعده عادي تروحي السجن

- ههرب قبل ما يوصلي ، ما أنا اتعودت علي الهروب

تمتمت بها بعدما شعرت ، بأن لم يعد يحمل داخله نحوها إلا الكره والغضب

طالعها بنظرة طويله ، قبل أن يتجه نحو سترته ويلتقطها راحلاً من هذا المنزل ، فلم تعد يفرق معه ، ما ستجنيه ، ولكنه تيبث في مكانه

- أنا حبيتك يا احمد ويارتني ما حبيتك .. ، اخوك دمرني زمان وانت برضوه جيت وعملت كده

عادت عيناه تتعلق بها بصدمه أخري ، وهو يستمع لاسم شقيقه

- أيوه عامر هو الراجل اللي دمرني ، وخلاني أهرب من مصر , بعد ما أهلي أتبروا مني ومن عاري

وبألم كان تردف ، بعدما وجدته يرمقها بنظرات لم تعد تفهمها ، ولكنها أرادت اليوم أن تُخرج له كل ما يثقل فؤادها وهي لا تعرف كيف أنتهت هذه الليله هكذا

- عامر هو اللي دمرني ، حولني من انسانه كانت مليانه بمشاعر الحب ..، غنسانه بقت ضايعه مش فاهمه مشاعرها ..، اخد كل حاجة حلوه مني وسابني تايهه ، شوفت اخوك وصلني لأيه

وبغصة كانت تهتف ، رغم صعوبة الكلمه

- خلاني مجرد عاهرة

والحقيقة الأخري التي عملها لقد كانت قاسية ، وقد عرف لما دفع شقيقه الثمن في علاقته مع فريدة ، لقد كان يستحق ما حدث له.

................................................................

أخذت تدور في حجرتها كالمجنونه ، لا تعلم كيف لزوج عمتها وعمتها أن يوافقوا علي هذه الزيجه ..، هل تناسوا قسوة هذه العائله ، صم بكاء "جنه" اذنيها بل و وترها ، فهتفت بمقت ولم تعد تستطيع التفكير

- اهدي بقي .. وبطلي عياط خلينا نفكر في حل

- اهدي ازاي ياصفا ، بابا قالوهم كلمتهم ، تفتكري هقول لاء ..

فتجمدت ملامح "صفا" وهي تستمع إليها :

- عمي صابر ، إزاي يعمل فيكي كده

وبمرارة كانت تهتف ، ولا تعلم هل تشفق علي حالها ولا علي والدها الذي عاد يسعي لينال حب أخوته

- جوازي من أبن عمي هيرجع قربه من أخواته تاني ، يا صفا ..، تفتكري هيفكر في إيه غير أنه يوافق حتي لو هكون أن الطريق ، لوصالهم من تاني

تعالت شهقاتها ، فاغمضت "صفا" عينيها مقهورة علي حاله أبنة عمتها و وقوعها في إختيار صعب هكذا

- ارفضي ياجنه ، انا مش مرتاحه للجوازه ديه اشمعنا عمتك وعمك افتكروكم دلوقتي ، ده غير إنك بتقولي أبن عمك راجل مطلق ومش ظاهر في الصوره خالص , يعني أكيد رافض زيك

وبخوف من الحكايات التي تسمعها عن زيجتها تحدث هكذا

- ده ممكن يكون راجل معقد ، وتدفعي أنتِ الثمن

استمعت إليها "جنه" في صمت ، وبمرارة كانت تهتف

- لو رفضت يبقي بنهي علي حياة بابا ياصفا ، شكلي هرضي بمصيري، وعلي رأي عمتك يمكن اكون انا الطريق اللي يرجعوا بيه شملهم من جديد

فصرخت بها "صفا" حانقه ، فهي تُخبرها بمخاوفها ، و الحمقاء تستسلم لقرارهم الظالم

- طريق ايه ده ياجنه اللي هتضحي بحياتك عشانه ، هتجوزي واحد متعرفهوش ، واحد أكبر منك ب 15 سنه

.............................. .................................

توسدت صدره العاري ، بعد ساعات قضتهم بين ذراعيه ..، تتبادل معه الحب رغم علمها إنه لا يبادلها إلا شهوة ، وإنها مثلها كمثل النساء اللاتي مروا بحياته ، حاولت ألا تصبح مثلما أخبرها أخر مرة أجتمعوا فيها ..، ألا تصبح كالزوجات أمرأة متطلبه ، تبحث عن النكد ..، فهو يجتمع بها لأراحه ذهنه وجسده

- جاسر

أنتبه علي حديثها ، وهي تلتقط منه سيجارته ، وتدسها بين شفتيها ، طالعها وهي تزفر انفاسها المعبئه بالدخان ثم سعالها الخفيف متعجباً ، ولكن سرعان ما تلاشي تعجبه وهو يراها تنظر إليه تُخبره

- بشرب سجاير بقالي مده

حرك رأسه ساخراً ، وهو يستمع لباقية ما أصبحت تفعله ..، ولكن لا شئ كان يُحرك فيه غريزة رجولته ، فهي كغيرها ..، تفعل ما تُريد لا شيئاً واحداً أن تكون لرجلاً اخر ما دام هي معه ، ولكن بعد أن ينتهي العقد بينهم فالتفعل ما يحلو لها

- مش مضايق من اللي بعمله يا جاسر

وببرود كان يُجيبها بعدما نهض من جوارها

- أنتِ عارفه الشرط الوحيد اللي بفرضه علي أي ست بتجوزها ، راجل غير لا ، غير كده الأمر يخصها

لم يترك لها مجال للحديث ، فقد ترك الغرفة ..، تلاعبت بخصلاتها وهي لا تعرف كيف تُحرك غيرته ، كيف تجعله يشعر بها

وابتسمت وهي تراه يعود إليها ، تظن أن ليلتهم ما زالت مستمره ..، ولكن عيناها قد تجمدت وهي تنظر نحو ما يمدّه إليه

- إيه ده يا جاسر

- زي ما أتفاقنا في بداية جوازنا يا سهر ، يوم ما هتشوفي الشيك ده ، يبقي جوازنا انتهي

وبقسوة لا تعرف كيف تتملك قلب هذا الرجل كان ينطقها

- أنتِ طالق .. يا سهر



……………..

اخذ يفرك في عنقه بقوة ، وهو يتذكر حديث شقيقه معه ، يتذكر قسوة كلماته وكم كان هو رجلاً بشعاً يدعي الفضيله ، أغمض عيناه وقد عادت العبارات القاسية تحتل فؤاده

"ذنبها عملتوا فيك فريدة يا عامر ، يبقي متلومش علي فريدة قبل ما تلوم علي نفسك "

نهض من فوق مقعده ، حائر الخطي ، يشعر بثقل أنفاسه ، التقط هاتفه فقد أتخذ قراره سينقذ "أميرة " من هذا المصير الذي وضعها به ، ضغط علي رقم شقيقه ينتظر جوابه

- أحمد انا هساعدها تتخلص من الكل القذارة اللي بقيت محوطاها ، بس خليك متأكد أنا مظلمتهاش ، أنا كنت ..

وقبل أن يُخبره ‘ إنه كان سيتزوجها بعقد رسمي ولكنه وجدها قد تركت البلد باكملها ، ولكن "احمد" قطع حديثه يُخبره بصدمه أخري

- أنا محتاج مساعدتك يا عامر

تجمدت ملامح "عامر" فما الذي سيخبره به شقيقه هذه المرة ، سقطت العبارات فوق أذنيه وقد قتمت عيناه ، لا يُصدق ما يسمعه منه ، هل سعت أميرة نحوه لتوقعه في شباكها وتنفذ مخططات الرجل الذي يهدده ، هل لقاءها بشقيقه لم يكن بالصدفه ..، لقد بدأت الصورة تضح إليه ، اللقاء الذي تغافل عن سؤاله عنه ليلة أمس بعدما أخذ شقيقه يخرج عليه غضبه مصدوماً منه يفعل ذلك

- يعني أنت واميرة كنتوا..

وقبل أن يهتف "عامر" بعبارته

- أنا كنت بعتبرها أخت ، صديقه ..، لكن أنا ماليش دعوه بمشاعرها نحوه

أرتسمت السخرية فوق شفتي "عامر" ، فشقيقه جدير بأن يأخذ وسام البرود في حديثه أكثر منه

- عامر هو أنت لسا بتحب أميرة

- أنا محبتش أي ست يا أحمد ، ومظنش هحب في يوم

هتف عبارته ، يقسم داخله إنها لن يحب أمرأه ، وان الزوجه التي سيبحث عنها ستكون من اجل الأنجاب لا أكثر

ورغم ما يشعر به داخله من غضب ومشاعر لا يعرف مهيتها ، بعدما عرف بقرب شقيقه من المرأة التي عاشرها يوماً ، هتف باهتمام حتي يعلم ما يثقل فوق كتفي شقيقه

- إيه المشاكل اللي عندك يا أحمد ، واقدر احلها ليك ازاي

وهو كان أكثر من يعلم أن شقيقه ، سيحل له الأمر مهما كان بينهم

- عايز زوجة

اقتطب جبينه ينتظر سماع باقية حديث شقيقه

- زوجة تكون عارفه ، إنها في مهمه وهتعيش معايا هنا لحد ما اثبت وجودي في المؤسسه هنا

انتهي الحديث بينهم ، وقد ترك له الأمر ، بعدما وضع له الشروط والمواصفات لهذه العروس

……..

وقد ظل ليلتين يُفكر في أمر العروس التي سيبعثها لشقيقه ، أنهي عقب سيجارته التي لا يعرف عددها ، يطرق سطح مكتبه ..، منتظراً قدومها ..، فقد أختار العروس أخيراً ولن تكون إلا "صفا " ، لعلا شقيقه يجدها في المرأة التي تزيل حب تلك الراحله عن قلبه الذي أصبح أسير الذكريات

قطع شروده ، الطرقات الخفيفه التي حطت فوق باب الغرفه ، ثم دلوفها وتقدمه منه ، تنظر إليه بنظرات متسائله

- تعالي ياصفا

اشار نحو المقعد وهو يتحرك نحوها ، فطالعته وقد بدأت تشعر بالقلق من لطفه

- هو في حاجة حصلت يا عامر بيه

- اقعدي الأول ، وأنتِ هتعرفي السبب يا صفا

نفذت أمره ، وجلست فوق المقعد وقد جلس قبالتها ، يُطالعها بنظرة طويله ، زادتها أرتباكاً

- تتجوزي أحمد أخويا يا صفا...

تجمدت ملامحها ، وقد اتسعت حدقتيها مما سمعته ، ليعيد حديثه ثانية وينتظر جوابها ، ولكن سرعان ما كانت تفيق من حالة جمودها ، تنتفض من فوق مقعدها

- أنت بتقول إيه

احتقنت ملامحه ، وهو يراها تقف قبالته صارخه

- أنت فاكراني إيه ، ولا حضرتك عايز مقابل الفلوس دلوقتي يا عامر بيه ، أنا كنت غلطانه لما فكرت إنك ممكن تعمل معروف من غير مقابل

القت عباراتها عليه ، دون أن تعطيها فرصة للحديث ، وقد أزداد اقتحان ملامحه من اتهماتها اللعينه ، فهو لم يختارها إلا من اجل أن يمنحها فرصه للقاء الكاتب الذي تحبه

- فلوس إيه اللي عايزاها مقابل منك ، أنا عملت كده زي ما بعمل أي معروف مع حد مش لازم يعني أقولك إنها صدقه مني

تناست الحدث الاساسي ، والتقطت اذنيها اخر عباراته

- صدقه

تنهد وهو ماقتاً لحديثها وصغر عقلها

- تحبي تسمع سبب عرضي ولا هتفضلي واقفه قدامي تاخد الكلام علي مزاجك

وهي كالعاده لا تصمت ، تحدثت بأشياء عدة ، وهو قد أتخذ وضع الصامت ..، يسمعها تلك المرة بملامح جامده

- مراد زين .. هو احمد السيوفي ياصفا كاتبك المجهول

القي عبارته ، بعدما ضجر من سماع المزيد ، وتلك المرة كانت تتسع حدقتيها في صدمه ، تنظر إليه بنظرة جعلته يرغب بالضحك علي هيئتها

- مراد زين ده خالي الله يرحمه ، واحمد كان بيستخدم اسمه كمستعار، انا عارف انها صدمه بالنسبه ليكي ، ومدام كشفت ليكي جميع الورق قدامك ، وده مش من طبعي

هتف عبارته وهو يسير بخطواته مبتعداً عنها متسائلا بجمود

- القرار قرارك ، تحبي تكوني مرات الشخص اللي حبتيه من شوية كلام في كُتب

وقطب حاجبيه ، متذكراً شيئاً قد طرء علي عقله للتو

- و أظن إنك شوفتي في المزرعة يا صفا

وبدعابة ، كانت غريبة علي طباعه التي تتغير حسب مزاجه المتقلب

- أظن أي بنت مكانك ، مش هتحتاج تفكر كتير

تجاهلت عبارته ، فهي إلي الأن لا تُصدق أن الرجل الذي اقتحم مخيلتها لأشهر ، الرجل الذي كلما سمعت أسمه من السيده ناهد ، يخفق قلبها وكأن بينهم علاقة حب وليس لقاء واحد وقعت عيناها فيها عليه

وبتعلثم هتفت غير مصدقة ما سمعته ، فلعلا ما تسمعه كذبً

- بس الصوره اللي شوفتها زمان لمراد زين كان راجل عجوز

- ديه كانت صورة فعلا مراد زين ، الصورة اللي حب احمد يظهرها ليكم

وبهدوء أعاد عباراته ، بعدما اتجه نحو مقعده وجلس عليه ، يلتقط بضعه أوراق يصب نظراته فوقهم

- فكري ياصفا والقرار قرارك .. ، انا مش بغصب عليكي ، احمد عايزني ابعتله عروسه ليه في امريكا وانا بصراحه بديكي الفرصه اللي عيشتي تحلمي بيها ،مكنش نفسك حد من ابطالك يبقوا حقيقه ياصفا

وبجمود كان يردف ، بعدما عادت عيناه تتعلق بعينيها ، ومازالت الصدمه تحتلهما

- شايفه سياسة رجال الاعمال الجديده بيقدموا عروض من غير مقابل

****
******

أيام قضتها تفكر في قرارها، لا تستوعب حتي اليوم ما عرضه عليها "عامر السيوفي" ، وما أخبرها به عن شقيقه ..، تنهدت بأرهاق من كثرة تفكيرها ، فعقلها يرفض هذه الزيجة ولكن قلبها ينسج لها الأحلام مع هذا الرجل ..، الذي خفق له قلبها من لقاء واحد جمعهما دون تخطيط

و قد تحركت مشاعرها نحوه ، حلمت به لليالي ، بل كلما جاء طيفه أمام عينيها ترتبك وكأنها تراه بالفعل ..،فهي مشاعر جديدة وغريبه عليها ، لم تجربها يوماً ، فقد قرأت الكثير عن قصص الحب والمشاعر ولكنها لم تعشها يوماً

عادت تزفر أنفاسها ثانية ، تشعر بالضجر من حالها ، فأما أن توافق ، أو ترفض .. فلما تجلس تُفكر بمشاعر قلبها اللعينه وكأنها تُماطل في قرارها الذي أصبح واضحاً ، وفي لحظه كانت تنتفض من فوق فراشها ، تحك رأسها لتُفكر أين وضعت هاتفها ؟

فلا أحد تستطيع الحديث معه ، إلا "جنه" رغم أن حالها لم يكن يختلف عنها ،بل هي أفضل منها فقد جعل "عامر" القرار لها

- هو أنا حطيت التليفون فين ؟

خاطبت حالها وهي تبحث عن هاتفها ، لتتذكر أخيراً ، أين وضعته ..، اتجهت نحو الفراش ثانية ، تلتقط الوساده ..، فتجده أسفلها ، التقطته وهي تتمني أن تُجيب عليها "جنه" من أول رنين ، ولكن الهاتف خذلها ولم تكن أبنة عمتها في نطاق الخدمه

خرجت زفراتها تلك المرة بحنق ، كما أرتسم الأستياء فوق ملامحها ..، القت الهاتف مجدداً ، واخذت تسير بالغرفه ، تُفكر للمرة الأخيره

والقرار ، ها هي تبلغ به "عامر" الذي ترك جريدته ، والتف برأسه إليها يُحدق بها ،يتأكد من سماع عبارتها ، انتظر سماعها ثانية ..، فاطرقت رأسها تُعطيه الجواب بصوت هامس ، جعله لا يُصدق أن التي تقف أمامه ليست مرافقة والدته المتمرده

- موافقه يا عامر بيه ، بس عمي صابر يكون وكيلي

وبالفعل تم كل شئ ، رغم أعتراض العم صابر والسيده صافية وقد ذهبت هي إليهم أولا تُخبرهم ، ثم أتي بعدها "عامر" للبلده ليأخذ موافقتهم بالأصول التي يعرفها وتربي عليها

والزيجة قد تمت ، والعمه وقفت تحتضن أبنة شقيقها ببكاء، وجنه لم يكن حالها إلا كحال والدتها ، تُطالعها وهي تمسح دموعها .، لا تُصدق إنهم افترقوا.

طالعهم العم صابر ، وقد علقت عيناه بأبنته .. فشعر بالندم من اجلها ، ولكنه لا يستطيع رفض طلب شقيقه ، فقد أنتظر أن يعود شمله بعائلته منذ زمن وليس لديه سبيل معهم إلا أبنته ليزوجها لابن أخيه وكبير العائله .

- متقلقش يا عم صابر ، صفا أمانه عندي قبل ما هتكون أمانة أحمد أخويا

فانتبه العم صابر ، علي يد "عامر" ، وقد ربت فوق كتفه

- كلمتك ، وعد شرف يا عامر بيه

اماء له "عامر" برأسه ، متفهماً خوفه عليها ..، ولكنه أعطاه كلمته

……………..

تأملت السحاب حولها علي متن الطائرة المتجه إلى أمريكا ، تغمض عينيها وهي تُفكر في لقاءهم الأول وكيف ستكون شخصيته ، وكيف ستعيش معه وتجعله يتقرب منها ويحبها

فكرت بكل شئ بحالمية ، فهذه هي عادتها , تري كل شئ باحلام وردية ..، بل واخذت ترسم حياتها القادمه معه ..، ولحماقتها بدأت تتخيل حالها بين ذراعيه يسرد لها الحكايات , وهي تخبره إنها أحبته من كلماته منذ أن ابصر قلبها علي كتاباته ، وهو يُطالعها بسعاده ..سبحت في خيالها وتناست ما تعيشه ما هو إلا مشاهد تضعه بعقلها فيتوق لها القلب.

- لا مش لازم تخليه يعرف انك عارفه هويته المستعاره يا صفا ، عامر بيه قالك إنه يوم ما هتكوني قريبه منه وتعرفي مكانتك عنده ..، هتلاقيه بيحكيلك عن كل حاجة مرت في حياته

وبسعاده كانت تبتسم لحالها ، فبالتأكيد سيأتي هذا اليوم قريباً وسريعاً ..، فازداد حماسها باللقاء المنتظر ، ولطيلة الرحلة كانت تغفو مع أحلامها دون شعور.

…………



اخذت تُقلب بصرها في أركان الغرفة المظلمة، وهي جالسة علي نفس وضيعتها ، بعدما دفع الوسادة إليها وغطاءً، مشيراً للأريكة بفظاظه أن تغفو فوقها ، فقد أصبحت فراشها منذ اليوم ..

طالعته بكره وهو يغطي في ثبات عميق فوق الفراش الواسع ، وقد بدأت جفونها تثقل من شدة النعاس ، فلم تجد إلا ان تتمدد فوق الأريكة تغفو عليها مرغمه

أنتفضت مفزوعة ، بعدما شعرت بسقوطها فوق الأرض ، وقد شبكت ساقيها بالغطاء ، وكلما كانت تُحاول النهوض ، كانت تتعرقل وتسقط ثانية

تنهدت بضجر ، عندما تخلصت من الغطاء أخيراً ، وعادت تتسطح مجدداً فوق الأريكة ، شعرت بتقلبه فوق الفراش وقد كان يغفو براحه ..، عقلاً وجسداً ..وكلما كانت تقع عيناها عليه وهو نائم ، كانت دموعها تنساب فوق خديها ..، فقد اصبحت زوجه لذلك القاسي ، المتعجرف

اغمضت عينيها ، لعلها تعود لغفيانها ، ولكن اخدت تتقلب فوق الاريكه ، وذكريات هذا الأسبوع عادت تقتحم عقلها وقلبها

شردت في يوم عقد قرانها حيث كانت أول مره تراه فيه فكل ما علمته عنه ، كان من احاديث عمتها ، وقد تجنب القاء بها ..، وكما أخبرت والديها .. عمتها إنه طرء له العمل لا يستطيع تأجيله ، وإضطر للسفر خارج البلاد ،

وضعت له "السيده منيرة" الحجج والأعذار ، حتي تجمله أمام والديها ، وبالفعل قد حصل علي تقديرهم الذي أدركت تصنعه فيه ، حتي يظهر لهم في افضل صوره

ارتسمت ابتسامة ساخرة فوق شفتيها وهي وتتذكر لطفه معهم، وقد تجاهلوا حنقهم منه قبل عودته ب ليلة، وقد قرروا الرحيل في الصباح ..، ولكن عمتها تغلبت علي عقل والدها لينتظر قليلاً ، وكأنها كانت تعلم بموعد عودته.

ولم تمر الساعات حتي أتي هو دون أن يهتم لرؤيتها ، وبسهوله كان ينال حب والدها و والدتها التي كانت تدعمها حتي لا تتم تلك الزيجه ، ولكنها اصبحت كحال والدها سعيده بزيجتها

" ما شاء الله عريس يابنتي ولا في الأحلام مال وجمال وهيبه مالي مركزه .. ، ده جابلك فستان الفرح معاه من بلاد بره ، حفظي عليه ياجنه شكل دعوتي ليكي بأبن الحلال ربنا استجابها ليا يابنتي، هو أبن عمك يا بنتي وعمره ما هيأذيكي"

ترددك عبارة والدتها ، داخل عقلها ولولا سكون الليل لكان صوت ضحكاته قد تعالا ، ف اين هو أبن الحلال ، الشهم ذو الطباع الكريمة ، الذي تحلم به جميع الفتيات

فاقت من أفكارها ، وقد بدء صوت أذان الفجر يعلو ، ولدهشتها كانت تجده ينهض من فوق الفراش ، لم يهتم بالنظر نحو مكانها ، وكأنه نسي أمرها ..، وسرعان ما كانت تجده يخرج من المرحاض وهو يتنحنح ، ويتجه نحو الخزانه يلتقط عباءته الصعيديه وينثر عطره ، ولوهلة كانت تستمتع بالنظرإليه اسفل الغطاء ..

شعرت باقترابه نحو الأريكة ، فاغمضت عيناها سريعاً، وحاولت كتم أنفاسها ، ولكن شعرت بالغطاء يطيح من فوقها وهو يرمقها بقوة ، ويهتف بغلظه

- قومي صلي الفجر ، وعايز لما أرجع الاقيكي حضرتي الفطار يا عروسه

.................................... ............................

وقفت تتمايل بين احضانه وهو يراقصها كالاميرة ... ، تغمض عينيها وهي تتذوق العسل من عشقه وكلماته وتذوب بين همساته وقد ارتفعت وتيرة أنفاسها وأخذ قلبها العاشق يدق كالطبول ..، تستمع لصوت همساته بعدما عبثت لمساته بروحها

- بحبك اووي يا صفا

فتترنح "صفا" بين يديه ، فيتابع هو حديثه العاشق الذي حلم به قلبه وظنها حلماً بعيداً:

- انتي هدية الزمن ليا يا صفا ... مراد زين الحقيقي اتولد علي ايدك

فترفع تلك العاشقة المتيمه بحبهعينيها لأعلي، فتري نظراته الصادقه ثم عادت تختبئ بين احضانه أكثر :

- أنت كنت حلم بعيد أوي ..، معقوله أتحقق بالسرعة ديه

فتفيق وتفتح عيناها الحالمة بالأوهام، وتتأمل المكان حولها لتجد ان الطائرة تستعد للهبوط .. ، التقطت أنفاسها ، بعدما أرتفعت وتيرتها من هول هذا الحلم على قلبها ، فارتسمت فوق شفتيها ابتسامه عاشقة وكأنها مازالت في حلمها

...................... ...........................................

أخذ يُقلب في أوراقه كالتائه ، يمسك احد الاقلام وهو يطالع ساعته من حينا لأخر ،

فموعد وصول تلك الزوجه التي قد اختارها له اخيه ، وقد حاول أن يُذكره بها فقد رأها بالمزرعة، ولكنه تظاهر إنه لا يتذكرها ، توقف عن التحديق في الاوراق التي امامه ، والتقط ورقة وأخذ يحرك قلمه بحركات دائريه فوقها ، لعله يهدء من أفكاره حول من ستكون دخيلة علي حياته برغبته ، ولولا ما حدث معه ..، ما كان فكر بالامر

عاد يلتقط هاتفها ، لينظر إليها مجدداً ولا يُنكر أن ملامحها قد أقتحمت مخيلته ذات ليله ، فكرته بزوجته وحبيبته الراحله ، التي أقسم ألا يتزوج بعدها ..، ولكنه سيفي بوعده الأخر ..، فلا أحد سيشاركها قلبه

- سامحيني يا مها ، غصب عني

..............................................................

اغمضت "جنة" عينيها من هول الزعاريط التي اصمت أذنيها ، وعمتها تأخذها بين احضانها تبارك لها ، ولكن بداخلها تعلم تماما بما تعاني ابنة اخيها ، ولكن ما جعلها تطمئن قليلا هي ابتسامتها المرتسمة فوق ملامحها ، وقد أستطاعت رسمها ببراعه من أجل ألا تشمت أحد بوالديها ، أبعدتها

"العمه منيرة" عن أحضانه تنظر إليها ثم عادت تضمها نحوها بقوة وبهمس كانت تُخبرها

- الست الشاطرة ، هي اللي بتحفظ أسرار بيتها ..، وأنا بنت أخويا متربية وبنت أصول

التقطتها ذراعين "صافيه" المشتاقة لأبنتها ، وقد ضمتها إليها بقوة ..

- قمر يا بنت بطني ، أكيد رفعتي راس أبوكي وراسي

تلقفتها أحضان الأهل ، وهي كانت شاردة .. تستمع لأحاديثهم نحو السعاده الأخري التي سوف تدخل بيت المنشاوي ..، إذا جاء الحفيد

ضحكوا ، وحلموا بالقادم ..، وكلما تحدثوا كانت تبتلع غصتها ، فحديثه لها هذا الصباح لا يُغادر عقلها ، ولم تكون لا عبارات يرفقها بقول لا أو ممنوع

خروجها من منزلهم لمنزل والده ، الطعام هناك معهم ..، لا تتدخل في أموره ولا أمور عائلته ، تكون كالصماء بينهم ، لا تنتظر منه أن يكون زوجً ، لا فعلياً ولا بأي صورة أخري ، لا تسأله إلي أين ..، ولا مع من تكون ..، لا يحب الحديث كثيراً ولا يحب المرأة الثرثرة ، وإذا خرج شئ عن علاقتهما ..، سيدفعها ثمن ذله لسانها وستنال منه أشد العقاب ، غرفتهم هي من ستنظفها ، وفي بيت العائلة ستساعد في الطبخ وتنظيف المنزل مع الخدم ولا تعد نفسها عروساً مدلله

سمعته ، وصمتت ..، ليتها كانت شخصيتها قوية كأبنة خالها ، ليتها كانت "صفا" لاستطاعت نيل حقها منه

أتي لحظه رحيل والديها ، ورغم إصرار عمتها وعمها حسن للبقاء معهم ..، إلا أن والدها فضل الرحيل والعوده لمنزله والبلده التي بها أحبابه وجيرانه ، سقطت دموعها بعدما أحتضنتها والدتها تودعها

- يا بنت بطني ، عمتك هنا بدالي ، انا لازم ارجع بلدنا يابنتي ، حالنا وحياتنا هناك انا وابوكي منقدرش نبعد عن البلد ...

والتفت بعينيها تُطالع زوج أبنتها ، الذي ستظل لأشهر تفتخر به لجيرانها وتريهم صورة أبنتها وهي عروس جواره

- وجاسر وعدنا إننا اول ما نشتاقلك وتشتقلنا هيجيبك لينا علطول ، واحنا هنجيلك ديما يابنتي

وأردفت داعية الله ، أن يتم المراد بسرعة

- ربنا يرزقك الذرية الصالحه يا بنتي



تجمدت حواس "جاسر" وهو يستمع لهذه الدعوه ، وتمني داخله أن ينتهي هذا اللقاء السخيف ..، الذي أخذ منه مجهوداً وهو يرسم دوره ببراعه أمام عمه و وزجته

احتضنها "صابر" وقد سقطت دموعه هو الأخر ، فاقتربت منه منيرة تربت فوق كتفه

بنت أمانه عندنا يا صابر متقلقيش، كان نفسي ترجع تعيش وسطينا

والتفت نحو "جاسر" الذي ابتعد عنهم قليلاً حتي يُحادث احد رجاله

- ابن أخوك راجل وهيحافظ عليها يا صابر

اطمئن قلب "صابر" و "صافيه" وقد أخذوا الوعود منهم ..، والدور الذي اتقنه أكمله حتي النهاية ، ولم يرحل عمها وزوجته إلا وهم مطمئنين ..، سعداء بسخاء زوج ابنتهم وفهمهم للأصول

فرغ المنزل منهم أخيراً ، فوقف يزفر أنفاسه ..، وهو يراها تصعد للاعلي

- رايحه فين يا عروسه

هتف عبارته الساخره ، وهو يُحدقها بجمود ، التفت إليه تطالعها ببراءة لا يحبها في أعين النساء

- أنتِ هتفضلي خارسة كده ، مش سامعه بقولك إيه

- افندم

حاولت نطقها بثبات ، ولكن نبرتها خرجت بتعلثم ، فاقترب منها ..مُشيراً نحو المطبخ

- حضرليلي الأكل ، مش عريس أنا برضوه

وبوقاحة كان يهتف عبارته ، فاحتقنت ملامحها

- عمتي جايبه أكل كتير ، في التلاجه ..ممكن تسخنه ..

وقبل أن تُخبره عن كيفية تسخين الطعام ، كانت تصرخ من شده الألم ، بعدما قبض فوق ذراعها

- أسخن إيه يا حلوه ، عشر دقايق والاقي الكل قدامي مفهوم

وبقوة كان يدفعها من أمامه ، فركضت نحو المطبخ تحتمي به ، فوقف ينفض كفيه هاتفا

- حسك لو سمعته تاني ، مش هتعرفي هيحصل ليكي إيه ، مسمعش منك غير حاضر ونعم

وصرخ بعلو صوته

- مفهوم

وبشهقات كانت تكتمها بكفها ، كانت تهتف بخوف

- مفهوم

......................... ..................................

اخذت صفا تفرك يديها بقوة وذلك السائق يطالعها بإبتسامته البارده .. شعرت بالصدمه وقد تجهمت ملامحه ، تتسأل داخلها .. كيف لا يأتي هو ويستقبلها بباقة الأزهار التي حلمت بها كثيراً , فهي عروس وتستحق بعض التدليل

خدعتها أحلامها كالعاده ، وقد ضاع حلمها الاخري، ولم تري السعادة التي تخيلت أن تراها في عينين شريك حياتها ، كلما كانت تحلم بهذا اليوم مع أبنه عمتها

سارت السيارة بها ، فتركت لعينيها حرية النظر لجمال البلد التي أنتقلت إليها ، وقد تناست أمره ، رمقها السائق عبر المرآة وهو يراها ملتصقة بنافذه السيارة ، تبتسم وتلوح لكل شئ يُقابلها

توقفت السياره أخيراً عند إحدى البنايات الفاخمه ، فقد كان المنزل عباره عن فيلا صغيره ترفقها حديقة رائعه بحمام سباحة بالخلف ، أسرع السائق بالترجل من السيارة واتجه إليها يفتح لها الباب مرحباً بقدومها ، ولكنها تعجب من تشبثها بالمقعد ، تنظر إليه بقلق وقد أختفت أبتسامته ، وبعربية وقد تناست عدم فهم السائق لها

- هو مش هيجي يستقبلني ، مش كفايه مجاش المطار

هزء الرجل رأسه ، نافياً عدم فهمه لحديثها ، وقبل أن تنتبه علي حماقتها ، كانت الخادمة تخرج إليها ، وعلي وجهها ابتسامة واسعة ، مرحبة بقدومها

والسؤال الذي كانت تُخبربه السائق للتو، اخبرته للخادمة ..، التي طالعت السائق "نيمار" وهي لا تفهم ما تتحدث عنه

تنهدت "صفا" ضجراً من غبائهم ..، ولكن سرعان ما كانت تُدرك أن الغباء به هي وحدها ..، ترجلت من السيارة ولكن من الباب الأخر تهتف مازحه ، بعبارة أنجليزيه قد حفظتها من الأفلام

ولم يكن هو إلا واقف خلف ستار شرفته ، يُطالعها ويرتب أفكاره

.............................................................

وقف يطالعها بسكون تام ، فاطرقت رأسها أرضاً وقد توردت وجنتيها خجلاً ، أنتظرت أن يُخبرها بكلمه لطيفه عن فستانها ، وجمالها ,يخبرها إنه يتذكرها ، ومع غوصها في أخلامها ، كان يقترب منها بخطوات هادئه ، وقد سلب عطره أنفاسها، اصبحت المسافة بينهم منعدمه ، رفعت عيناها إليه ، وعندما تلاقت عيناهم ..، كانت تهرب من نظراته خجلاً، طالت وقفته وشعرت بنظراته تتفرس ملامحها ، وهي صامته ..مرحبة

ظنت إنها سيطبع قبلة فوق جبينها ، وقد أرادت هذا الأمر بشده ، فهذا كان من أحلامها فليحققه لها فهي عروس ، و أغمضت عيناها وهي تغوص في أحلام نسجتها معه ،

ولكن سرعان ما كانت تفيق من غفوتها وقد تجمدت ملامحها وهي تسمعه يهتف ببرود ويمدّ لها كفه حتي يُصافحها :

- اهلا ياصفا

طالعت كفه الممدود في ذهول ، وسرعان ما أنتبهت علي تجمد عيناها نحو كفه ، فصافحته وهي تبتلع مشاعر السلب داخلها ، فلم يتحقق لها حلماً حتي هذه اللحظه

- اتقابلنا قبل كده يا صفا

هتف عبارته ، وقد عاد قلبها يخفق ..، فهو يتذكرها ، وما دام قد تذكرها بالتأكيد قد علقت في عقله ، وبهمس كانت تتمتم

- أتقابلنا في المزرعه ، في مكتب الأستاذ فتحي

اماء برأسه ، وقد الجمود يرتسم فوق ملامحه ، ارتبكت قليلاً وهي لا تعرف إلي متي ستستمر هذه الوقفه

- قبل طبعا ما تطلعي لأاوضتك ، محتاجين نتكلم شويه

طالعته في صمت ، وقد شعرت أن حديثه به شئ ، توترت قليلاً مبتسمه

- أنا فعلا محتاجه السرير

ابتسم علي عبارته ، فكما أخبره شقيقه .. إنها ظريفة الطبع وخفيفة الظل

- كلامنا مش هياخد ، غير عشر دقايق يا صفا

وبابتسامه واسعه ، كانت تنظر إليه .. تنتظر سماعه

- أنتِ طبعا عارفه سبب جوازي منك يا صفا ، أكيد عامر بلغك بالأسباب

تلاشت ابتسامتها ، وقد شحبت ملامحها ..، فعن أي أسباب يتحدث ..، أخبارها أن شقيقه يُريد عروساً تؤنس وحدته في غربته ، ورغم إنها لم تكن يوماً تتمني الزواج هكذا ..، إلا إنها قبلت بالأمر ، فهذا الرجل كان حلماً لها ذات يوم ، وهي تظنه عجوزاً من شخصيته المستعارة

لم يتلقي منها أي عباره ، وقد فهم أن شقيقه لم يخبرها عن أمر الزيجه و دورها ، وكيف ستعيش معه ، وألي متي ؟

- إظاهر إن عامر مالكيش كل حاجة عن جوازنا

وبتعلثم كانت تُجيبه ، عما أخبرها به عامر

- قالي إنك عايز عروسه ، تكون معاك في غربتك

تعالت ضحكاته رغما عنها ، بعدما استمع لعبارتها ..، فحقاً شقيقه متلاعب بالكلمات ، رمقته وهي تنهض من فوق الاريكه ..، وقد أوجعها استخففه ، عاد يُطالعها بعدما ألتقط شئ ما من فوق سطح مكتبه ، ولم يكن إلا عقداً يرفقه صكً

- جوازنا هيكون لمدة سنه ، لحد ما أخلص مشروعي هنا ، ويستقر وضعي في المؤسسه ، بعدها هننفصل ، وتشوفي حياتك ، ومتخافيش مش هتطلعي من الجوازه خسرانه حاجه

ازدادت ملامحها شحوبً ، وقد أستمر في إلقاء عباراته ، يُخبرها ببنود العقد ، وها هو أخر حلم يضيع منها ويسقط بالوحل



- عايزاني احط في حسابك كام ياصفا ، عايزه كام لموافقتك على عرض الجواز

……………..

أخذت عبارات تلك الجالسه ، تسقط علي قلبها كنصل السكين ، فحتي لو لم تُحب هذا الرجل ، لكنها لا تتحمل سماع شئ عن حياته القديمه ، وما كان يُقدمه لزوجته ، التي كان يعشقها ويطير بها جنوناً ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ..، بل جلبت إليها صورة لتريها ملامحها الجميلة الفاتنه ، وانوثتها الطاغية

- اكيد خلقتك هي اللي طفشته ، في عريس يروح شغله بعد يومين جواز ، فين ايامك يامرام ..، مكنش بيقدر يبعد عنك ولا يوم واحد

تذكروا حكايات الزوجه الاولي والغرام الذي لم يكن ينطفئ لليلة ، بل كانت ترافقه بكل مكان يذهب إليه ، تعالت ضحكاتهم ، وهم يرون معالم وجهها كيف أصبحت ، بل أخذت تتهرب من نظراتهم عليها ، تقبض فوق قماش ثوبها في صمت ، تتذكر وعيده لها ، فإذا نطقت بشئ سيريها كيف تكون معاملتها له ، حبست دموعها العالقة تتمني إنتهاء هذه الزيارة حتي تهرول إلي غرفتها وترثي حالها

- قوليلي يا جنه ، هو أنتِ بتجيبي فساتينك منين ، اصلهم عجبيني أوي

هتفت "نيرة" عبارتها ساخره ، فتعالت ضحكات "أروي" و "هدي" مجدداً ، يرمقونها بنظرات فاحصه

- انتِ ازاي وفقتي تتجوزي واحد متعرفيش عنه حاجه ؟

ونهضت "نيرة" عن مقعدها واقتربت منها ، تستطرد عبارتها ، وتنظر نحو أبنة خالتها وشقيقتها

- اكيد عشان الفلوس ، فعلا الفقر وحش



لم تتحمل "جنه" سماع مزيد ، وفي لحظه لم تتوقعها نيرة ، كانت تسكب كأس العصير فوق وجهها ، تحت نظرات أروي و هدي المصدومتين بعدما نهضوا عن مقاعدهم

وبعويل وصراخ كانت تصيح "نيرة" بعبارات حانقه ، متوعدة لها
******



جلست شارده فوق فراشها ، ورغم جمال الغرفة التي أصبحت تُقيم فيها ، والسعاده التي أتت بها لهنا ، إلا ان كل شئ أختفي من داخلها ..ضاع حلمها الجميل ، و لم تبقي إلا عباراته القاتله تقتحم عقلها منذ تلك الليلة



- عايزاني احط في حسابك كام ياصفا ، عايزه كام لموافقتك على عرض الجواز



عبارة أحرقت قلبها الحالم ، فاطبقت فوق جفونها بقوة ..، وقد عاد المشهد يتجسد إليه ثانية وهو يُضيف علي حديثه دون أن ينظر إليها



- مليون جنيه كويس ياصفا ، لو عايزه اكتر انا موافق



أرتسم الألم فوق ملامحها ..، تهز رأسها رافضه لعلها تطرد كلماته ، إنه وقف يُسعرها وكأنه يُسعر شئ يشتريه ، سقطت دموعها فلم تكن تظن أن هذا الرجل كحال شقيقه لا يمتلكون إلا المشاعر البارده ..، لقد ظنته رجلاً كابطال الروايات ..، ولما لا يكون مثلهم وهو يجعلها تشعر بمثالية أبطالها وتضحياتهم من أجل الحب ، ولكن "احمد السيوفي" كان مختلفاً تماماً عن هذا الرجل الذي رسمته بخيالها ، وقد ركضت وراء سراب واستمعت لقلبها.



فاقت من شرودها ،وهي تستمع لبضعة طرقات فوق باب غرفتها ..فاعتدلت علي الفور ، وكما توقعت .. كانت الخادمة الجميله تدلف لغرفتها ولكن هذه المرة كانت تُخبرها أن السيد "احمد" يُريدها .



خرجت من غرفتها ، تهبط لأسفل حيث غرفة مكتبه ..، ولكن توقفت مكانها وهي تستمع لصوت نداءه باسمها



- صفا



اطبقت فوق جفنيها بقوة ، فصوته يُذكرها بحديثه القاتل معه ..، وهو يعطيها المال من أجل موافقته علي زيجه لن تكون فيها إلا ضيفه وشريكة سكن لا اكثر ولا تحلم بأن تتطور علاقتهم ، حذرها من الوقوع بحبه ..، كان جباراً ، قاسياً وهو يقف أمامها وعيناه في عينيها يُخبرها أن تحترس



اقترب منها ، بعدما ظنها لم تسمعه ..، فالتفت إليه ..، تُجليّ حنجرتها من مشاعر الخيبة



- أفندم



- هعمل تليفون لمصر ، وعامر وماما عايزين يطمنوا عليكي ..، فأنا شايف أن وجودك جانبي وإحنا بنكلمهم هيطمنهم أكتر خصوصا ماما



وابتسم بلطف وهو يتذكر حديث والدته عنه ، وكيف أخذت توصيه عليها ليلة أمس ، والدته التي لا تُحب الناس بسهوله ..، اصبحت هذه الفتاه لديها مكانه كبيرة في قلبها



اماءت برأسها إليه ، فهذا من بنود العقد الذي وقعته ، حتي تحافظ علي ماء وجهها ولا يظنها إنها تسعي للتقرب منه ، فلن تأخذ أمرأة قلبه بعد زوجته الراحله.



.................................. ............................



احتدت عيناه وهو يقترب منها ، فتراجعت للخلف حتي التصق جسدها بالجدار ، أغمضت عيناها بقوة ، بعدما شعرت بأنفاسه قربها



- أنا مش قولتلك إحترام عيلتي من إحترامي



حركت رأسها بخوف ، فضاقت عيناه وهو يرمقها



- كلامي متنفذش ليه



وبصعوبة ، كان يخرج صوتها من شدة ذعرها من نظراته القوية



- أهانتني في بيتي



التقط ذراعها بقسوه ، وقربها منه ..، فانصدمت بصدره الصلب وخرجت شهقتها بفزع



- وأنتِ فاكرة نفسك هانم في بيتي ، تهيني أهلي وتطرديهم



- أنا مطردتش حد



دفعها نحو الجدار ، فارتصم به جسدها ، لتصرخ متأوها



- وأروي أختي ومرات فاخر أخويا هيكدبوا برضوه ، ونيرة اللي غرقتيها بالعصير ..، هقول إيه عن تربية..



وقبل أن يُكمل عبارته ، كانت تهتف صارخه



- متغلطتش في أهلي ، أهلي شرف مليون مرة من واحد زيك



تعالا صوتها هذه المرة بقوة ، فعاد يلتقط ذراعها بقسوة وقد عاد الوعيد لعينيه



- لو دفنتك دلوقتي ، محدش يقدر يسألني عملت كده ليه



شعرت بالأخنتاق وهو تشعر بكفيه ، تُحاوط عنقها



- بكرة تروحي بيت العيله تخدمي وسط الحريم ، وحسك عينك أسمع ليكي صوت تاني



التقطت أنفاسها بصعوبه بعدما دفعها بقوة عنه ، قد كاد يقتلها هذا الوحش الذي لم تري مثيل في جبروته.



................................ ................................



ظلت تتأمل ظلام الليل من الشرفة الصغيرة المفتوحه ، وكأنها تنظر إلى ظلمة قلبها الذي فقد الحياه من شدة ظلمته ، سقطت دموعها ، كحال كل ليلة ..،فلم تعد تعرف أي ليلة باتت فيها دون أن تبكي فوق وسادتها حتي تثقل جفونها وتسقط نائمه



كان الظلام يُحاوط الغرفة ، ولم يكن حال قلبها إلا شبيهاً بتلك الغرفة المظلمه ، طالعت أجساد أولاد شقيقه ..، فمنهم من يغفو أرضاً وأخرين فوق الأسِرَّة الصغيرة ذو دورين



أسرعت في مسح دموعها ، عندما التقطت عيناها ابن أخيها ، وهو يستيقظ ويفرك عيناه بقوة يبحث عنها كعادته ، اقترب منها بلهفة , يرتمي فوق جسدها ، ضمته إليها بقوة تلمس فوق خصلاته النعمه تسأله بحنو



- صحيت ليه ياحبيبي



دفن الصغير رأسه في حضنها



- حلمت بالعفريت يا عمتو ، كان عايز ياكلني من رجلي



ابتسمت علي حديثه ، فبالتأكيد قد قصي عليه أحد اخوته .. حكاية من حكايتهم حتي يجعلوه يخاف وينام علي الفور دون أن يزعجهم بحديثه واسئلته الكثيرة



- محمد وعلى بيضحكوا عليك عشان عارفين إنك بتخاف



ابتعد عنها الصغير ونظر لها براءة يسألها عن كذب أخوته



- يعني هما بيكدبوا عليا



اماءت له برأسها ، فهز رأسه هو الأخر



- أنا هفتن عليهم ، لما يروحوا يلعبوا كرة ، ويهربوا من المدرسة



ورغما عنها كانت عيناها تدمع من الضحك ..، بسبب توعد الصغير لأخوته ، شاركها الصغير الضحك وهو يتثاوب وقد دس رأسها في حضنها



- أنتِ أتأخرتي ليه النهارده ياعمتو



- كان عندي شغل يا حبيبي



- هتجبيلي اللعبة اللي قولتيلي عليها



وضعت بقبلة فوق رأسه ، تخبره بالجواب الذي ينتظره



- هجبهالك يا حبيبي



أتسعت أبتسامة الصغير ، وعانقها ..، يُخبرها أنه يُحبها كثيراً وكثيراً



- احكيلي حدودة كل يوم ياعمتو



…………..



وفي ناحية أخري من هذا البيت القديم ، كانت إحداهن تبث السموم في أذنين زوجها



- هنفضل لحد أمتي يارجب نستحملها ، انا تعبت بقي نفسي احس اني ست البيت ده لوحدي



وتابعت حديثها بحنق ، فقد فعلت الكثير حتي تجعلها تفر من البيت دون راجعه ..، لكنها كانت كاللعلقة في حياتهم .. ، مهما أسمعتها من عبارات متهكمة لا يتحملها أحد ، تنظر إليها مبتسمه بل وتشكرها



- انا ذنبي ايه ان اختك المعنسه ديه تفضل عايشه معايا



نفث الراقد دخان سيجارته المحشيه بالحشيش بتمهل ، وقد بدء يشعر بالضجر من حديثها الذي لا ينقطع عن شقيقته ، فماذا سيفعل لها ..، هل يطرد شقيقته من منزل والديها أم يُطلقها ويرتاح من حياته ومن ثرثرتها ؟



عاد يسحب نفساً عميقاً من سيجارته ، لعله يذهب لعالم أخر ويفقده تركيزه ويري الحياة وردية وجميلة



- كفايه بقي وجع دماغ ياسناء هو انتي مبتزهقيش



وبضيق كانت تتمتم ، بعدما سحبت منه سيجارته



- لا مبزهقش يا رجب



التقط منها السيجارة حانقاً ، فامتعضت ملامحها



- هفضل لحد أمتي أقولك إن حياة ليها نصيب زيها زي في البيت ،



وبضيق كان يردف



- ده لولا شغل حياة أختي ومساعدتها لينا في المصاريف كان زمانا بنشحت ، وبتربيلك العيال ، وعمرها ما اتأخرت عنك في حاجه ..، تنسيتي الجذمه اللي لسا جيبهالك الشهر اللي فات



- أتقطعت يا اخويا



هتفت حانقها ، فاشاح رجب عيناه عنها ..، فلو نطق بكلمه أخري سيكون طلاقها



اقتربت منها ، بعدما وجدته يبتعد عنها ، تُداعب صدره بأنامله مستخدمه سلاحها الأخر، وقد أستطاعت جذبها إليها وقد لمعت في عينيه الرغبه



- يا رجب وافق تجوزها لمسعد اخويا



تأوهت في صدمه ، بعدما دفعها عنه ونهض من فوق الفراش



- اجوزها لمين ياختي ، لمسعد اخوكي تاجر المخدرات .. نامي ياسناء بدل ما يطلعش عليكي صبح



..............................................................



تعلقت عيناه بتلك الزواية التي كانت تجلس بها تترجم له بعض الاوراق ، التمعت عيناه وهو يتذكرها مشاغبتها وثرثرتها الدائمه ، حتي إنها لم تكن تهابه مهما صرخ بها وجعلها تري وجهه الصارم ، عاد السكون لقصره ثانية ..، وقد عاد الخواء يحتل قلبه مجدداً



فاق من شرودها ، بعدما تقدمت منه الخادمة بفنجان قهوته وتنحنحت حرجاً وهي تضعها أمامه



- القهوة يا بيه ، حضرتك عايز مني حاجه تانيه



- شكراً يا سعاد



أسرعت في الأنصراف عائدة للمطبخ بعدما أعطاها جوابه ، عاد لشروده ثانية وهو يرتشف من فنجان قهوته .. متذكراً هذه المرة ، المرأتين اللّتين مروا بحياته وكلاهما أحبوا شقيقه ، فريدة التي غادرت البلاد منذ يومين وقبل رحيلهم سعت للقاءه ثانية ولكن هذه المرة لم يسمح لها برؤيته ، وأميرة التي هاتفته اليوم تشكره علي ما فعله معها وإنقاذه لها ، ومنحها فرصة جديده في بلد أخر ، ترددت عبارتها الأخيرة له وكأنها كانت تدعو عليه بالشر



" اتمني يجي اليوم اللي تحب فيه ، وتعرف يعني إيه حب يا عامر"



سرعان ما كان ينفض رأسه من أفكارة ، للمرة التي لا يعرف عددها يهتف لحاله



- أنا والحب طريقنا بقي مستحيل ، ولو فكرت اتجوز هتكون مجرد ست عارفه دورها كويس في حياتي ، للمتعة وبس



وبارهاق كان يُدلك عنقه ، لعله يسترخي قليلا ، ويعود لمطالعة ملفاته وعمله الذي لا ينتهي ولا يُريد له نهاية ، فهولا يجد نفسه إلا في نجاحه وإتساع مشاريعه



ولكن توقف فجأة وهو يتذكر تلك الهدية التي يجب عليه جلبها ..، لعيد ميلاد أبن صديقه أكرم ، حاول تذكر اليوم الذي ابلغه فيه عن موعد حفل الصغير ..، لتتسع عيناه وهو ينهض عن مقعده غير مصدقاً أنه الليلة وعليه الذهاب لأحضار هدية أولاً، فقد أخذ منه أكرم وعداً



……………….



وقفت تُطالع متجر الألعاب الضخم ، الذي يُقابل متجرهم … وقد علقت عيناها باللعبة التي رأها ابن شقيقها ، عندما أتي معها هنا منذ عده أشهر ..، ومنذ ذلك الحين يُخبرها عن هذه اللعبه ..، حتي إنه أدخر المال من مصروفه الصغير لتجلبها له …، ابتسمت بمرارة وهي تتذكر فئة المائة جنيهات وهو يُعطيها لها ..، يُخبرها أن تجلب له اللعبة بها ، والصغير ينتظر اللعبة التي لا يقل ثمنها عن سبعمائة جنيهاً ..، صحيح ليست باهظه الثمن حكال اللعب الاخري ولكنها لا تستطيع تحمل تكلفتها ، خاصة ان سناء لا تضع أمامها فرصة لتدخر شئ أو تجلب حتي شئ لحالها ، غير الهاتف الذي مازالت تدفع قسطه ولم تهنأ به ..، فالهاتف يحتاج للمال حتي تُصلحه



توسعت حدقتيها وهي تحملق في ذلك الرجل الذي تتذكر أن رأته من قبل ..، إنه هو من أسقطها أرضاً بعدما صدمها بسيارته



رأته وهو يُخرج المال بعدما أشتري هدية من المتجر ، فعلقت عيناها بالهدية التي كانت تُجاور اللعبة التي يُريدها أبن شقيقها ..، تدعو الله أن لا يشتريها أحداً ، ولكن عيناها قد لمع بهما الفزع وهي تراه يأخذ اللعبة الأخري ويدفع ثمنها



أسرعت لداخل المتجر ، تخبر صاحبة المتجر ، و تنظر نحو الفتاه التي تعمل بالمتجر ، وقد طالعتها بأسف ، فصاحبة المتجر هنا اليوم ، ولن تستطيع التفوه بشئ وإخبارها أن هذه اللعبة قد حجزتها منذ أشهر حتي يتوفر المال معها وتأتي لأخذها



- اللعبه ديه أنا حجزاها يا مدام سماح



ضاقت عينين الواقف ، وقد تذكرها ..، إنها هي الفتاة التي صدمها بسيارته ، تجاهلتها صاحبة المكان ..، ونظرة نحو العاملة



- إيه الكلام اللي بتقوله ده يا زينة



هتفت الواقفة بتردد ، بعدما رمقت "حياة" بأن تصمت



- حياة من مده طلبت تشتري اللعبه ، وانا قولتلها طول ما اللعبة موجوده ، تقدري تاخديها بعد ما تجمعي تمنها ..



اماءت السيدة سماح برأسها ، تنظر نحو حياة التي وقفت مرتبكة من نظرات الواقف



- اللعبه أتباعت خلاص



وعادت تصب أهتمامها نحو "عامر" الذي أشاح عيناه عنها



- محتاج حاجة تانية يا فندم



غادرت "حياة" المتجر بحزن ، تتذكر ابن شقيقها وكيف سيحزن لانها لم تبتاع له اللعبة ..، اتجهت نحو المتجر الذي تعمل به فقد أنتهي وقت راحتها وعليها العوده



- أنتِ يا استاذه



هتف بها "عامر" ، وقد اسرع إليها بخطواته ..، يمدّ لها اللعبة منتظراً أخذها منه



- أعتبريها تمن تصليح التليفون



لم تُجيبه بشئ ، فترك حقيبة اللعبة جانبها متمتماً



- لحد ما تفوقي من صمتك ، اللعبة جانبك



وانصرف دون أن يلتف مرة أخري ، ورغما عنها كانت تزيل كبريائها جانباً وتنحني لتلتقط اللعبة ..، فلم يعد بيدها شئ غير القبول



………………



جلس فوق فراشه يًطالع هيئتها في بيجامتها القطنيه ذات اللون الوردي بإستخفاف



، فالتفت بجسدها ناحيته بعدما عدلت من وضع فرشتها علي تلك الاريكه ... فعاد هو للعبث في هاتفه



جنه : هو أنا ممكن اروح انام في اي اوضه تانيه ، البيت كبير وفي اوض كتير



وببرود كان يُجيبها ، بعدما رفع عيناه عن هاتفه



- لا



ونهض من فوق الفراش ، مقترباً منها ، فازدردت لعابها من قربه وتلك النظرة التي يرمقها بها وكأنه يتوعد لها



- أحمدي ربنا إني بنيمك علي الكنبة ، ورحمتك من نومة الأرض



اتسعت عيناها غير مصدقه حديثه ، فهل كان سيجعلها تغفو فوق الارض ..، اتجه بعينيه نحو الفراش واشار اسفل مكان رقدته ، فشعرت بالذل وابتلعت غصتها وهي تشيح بعينيها عنه



جلست على اريكتها وقد تجاهلت عبارته ، وتسطحت فوقها تحت نظراته المحملقة بها، فاسرعت في رفع الغطاء عليها وضمته حول جسدها باحكام ، رغم شعورها بحرارة الجو



فضحك ساخرا علي فعلتها: بكره انا مسافر القاهرة ..، مش عايز أرجع واسمع حد بيشتكي منك في حاجة ، تنفذي كلامهم من غير أعتراض ..، ومش عايز أقولك مكانتك إيه هنا



وبنظرات قد بدء الخواء يحتلهما ، أخبرته بمكانتها التي اصبحت تعلمها ، ولا تلومه ..، فقد تركها والدها مع عائلته القاسية دون أن يُفكر في مصيرها



- مقامي خدامه ، يا جاسر باشا



وبابتسامه جامده كان يرمقها ، قبل أن يغفو براحه فوق فراشه



…………….. ……………



اخذ العرق يتصبب فوق جبينه ، فاعتدل بصعوبة ، يلتقط أنفاسه ، يشعر بالسخنه تجتاح جسده ، لقد مرض بسبب وقوفه الدائم في الشرفة دون أن يهتم ببروده الهواء ، نهض من فوق الفراش يلتقط حبة دواء لعلها تُسكن الألم ، ولكن سرعان ما أنتبه أن دورق الماء فارغ وبتعب كانت يسير بخطوات مرهقة ، يهبط الدرج حافي القدمين ويبتلع لعابه بصعوبة .



تيبث مكانه علي أعتاب المطبخ ، يُحملق في ذهول ، فقد كانت منكبة علي الطعام ..، تأكل بشراهة من شدة جوعها



أبتسم بإرهاق .. وسار ناحيتها وقد حاول أن يتجاهلها حتي لا يُحرجها ، ولكنها أنتفضت مفزوعه وقد تركت المعلقه ، واخذت تمضع الطعام بسرعه



- أصل كنت جعانه



هتفت عبارتها وهي تبتلع باقية الطعام العالق في حلقها



وفرت من امامه مهرولة قبل ان يتحدث هو بشئ ، فالتقط كأس الماء الموضوع فوق طاولة المطبخ .. وارتشف منه وهو يتذكر هيئتها الطفولية ويبتسم.



........................................................ ....



كانوا جميعهم يضحكون إلا هي ، تتماسك امامهم حتي لا تبكي من حديث أروى وما يزيده اكثر حديث ابنة خالتها اللاذع ، ف أروي تستطيع ان تتحملها وتلتمس لها العذر فهي وحيدة اخويها ويتيمه فقد فقدت والدتها منذ الصغر .. ولكن تلك الأفعي لماذا تأتي كل يوم إلى بيت العائله ، لتلعن قرار هذا الظالم في أمرها بأن تذهب الي بيت والده كل يوم صباحا ...



أنتبهت علي صوت عمتها وهي تُناديها



- تعالي ياجنه انا عايزاكي ياحببتي



فنهضت "جنه" تُلبي طلبها ، وقد خلصتها أخيراً عمتها من جلستهم ،هاربه من نظرات السخريه من زوجة فاخر شقيق زوجها و أروي وعلى رأسهم أفعتهم الكبيره ابنة خالتهم شقيقة هدي زوجة فاخر .. يا الله عيلة مكتمله وهي الوحيده المنبوذة بينهم



كل هذا كانت تتمتم به بين طيات نفسها،



وقفت في منتصف غرفة عمتها ،فاقتربت منها "منيرة" تضمها بحنان ثم أبعدتها لتمسح فوق خديها



شعرت بالامان وهي تراها تعود لضمها مجدداً ، ولن تنكر أن عمتها حنونه معها ، لا يستطيع أحد التفوه بحقها بشئ أمامها



- انا حاسه بيكي ياجنه ، وشايفه معاملة جاسر ليكي يا بنتي.. بس جاسر مينفعش معاه الضعف لازم تبقي أقوي ، اتمردي عليه يابنت اخوي وانا معاكي



لتنظر اليها جنه ، وقد صدمتها عباراتها ، فهل تطلب منها أن تتمرد وهي التي كانت تخبرها أن الزوجه العاقلة لا بد أن تكون صامته ..، تسمع وتنفذ فقط



- بس جاسر بيعاملني كويس ياعمتي ، هو بس طبعه شديد



حافظة علي كبريائها وكبريائه معا ، فحدقت بها منيرة تستعجب عباراتها ، فالذي يظهر أمامها علي عكس ما تسمعه منه



- أنتِ متأكده يابنت اخوي ، ولا بتداري عني ..



اماءت لها برأسها ، تتهرب من نظراتها ، فهي بالفعل كاذبه ..، جاسر ليس إلا قاسي ، متحجر القلب



- بنت اصول ياجنه ، وابن اخوي في يوم من الايام هيحمد ربنا انك بقيتي مراته ومن نصيبه ، الراجل مسيره في يوم بيعرف قيمة النعمه اللي في أيده يا بنتي



وهل سيأتي هذا اليوم ، هتفتها داخلها ساخره ..، ولكن كان هناك سؤال يلح علي ذهنها



جنه : جاسر طلق مراته ليه ياعمتي ، وهي ماتت فعلا ولا لسا عايشه



تلاشس الاسترخاء من فوق ملامح منيرة ، وابتعدت عنها تنظر نحو الشرفة المفتوحه



- سيبي الماضي في حاله يابنت أخويا ، وبكره كل حاجه هتنكشف ليكي .. المهم حربي في معركتك كويس عشان تنتصري ، وبلاش تبقي ضعيفه خليكي ذكيه



واشارت منيره نحو عقلها وهي تضحك ، وتابعت حديثها :



- عايزه اشوف ذكاء الست فيكي



طالعتها "جنه" في صمت ، وقد بدأت تفهم حديثها رويداً ..، منيرة لم تضعها في طريق أبن أخيها إلا لتتغلب علي قسوته ، وتمحي ذكري أمرأة أخري من داخله



- أروي طيبه هتقدري تكسبيها بسهوله ، ومرات فاخر هي بس محموقه عشان جاسر مرضيش يتجوز اختها .. بس هابله ويقدر يضحك عليها . بس خدي بالك من اللي حاطه عينيها على جوزك وعايزه تفوز بيه



استمعت إليه في صمت ، واغمضت عينيها بارهاق من كثرة ما يدور حولها من خبث ووجع ، فيكفي إنها تعيش في بيت واحد مع ذلك المعقد السليط .. وكادت ان تتكلم لتجده يدلف الحجرة دون ان يعيرها اهتماما وكأنها ليست مرئية



جاسر : قالولي انك في اوضتك ، قولت اجي اخد البركه منك ودعواتك ..



وانحني بجسده الرجولي الذي ترتجف منه البدن خوفاً، فهو يحمل قدرا كبيرا من الرجوله والوسامه الصعيديه المهيبة ..



وسرعان ما كان يتجه بعينيه نحوها فيري نظراتها الشارده إليه.. فارتسمت السخرية فوق شفتيه ، فقدت بدأت العروس تهيم به ، وها هي تفتح نحو قلبها طريقاً لدماره قد أختارته لحاله وسيكون أكثر من سعيد وهو يذلها



تعلقت عينين "منيرة" بنظراتهم التي طالت ، فهتفت مازحه:



- مافيش كلمه حلوه هتقولها لمراتك



اسرع جاسر في إشاحه عيناه عنها ، وقد طرقت رأسها أرضاً ، تجاهل حديث عمتها وابتسم وهو يصب نظرات أهتمامه عليها



- النهارده حجزتلك تذاكر العمره انتي وبابا وكمان حجزتلك في فندق قدام الكعبه علطول



فتتهلل اسارير منيرة سعادة، وهي تسمع ما يزفه إليها



- فرحتني يا ابن قلبي ، ربنا ما يحرمني منك يا ابن الغالي



فرتفعت دقات تلك الواقفه خلفهم ، وقد أسعدها فعلته ن وحنانه علي أهل بيته رغم إنه لا تنال منه إلا القسوة ، انتبهت علي صوته بعدما أقترب منها ولطم خدها بخفه ، وهو يُلقي مزحته نحو عمته



- مراتي سرحانه فيا ، شايفه السعد اللي أنا في يا عمتي



والعمه ترفع يداها عاليا تهتف بدعاء



- ربنا يسعدكم يا بني



...........................................................



ارتجفت صفا من رؤيته بهذه الحاله وهي تراه يصعد الدرج بتعب ، فركضت نحوه تسأله بقلق :



- انت تعبان، فيك حاجة بتوجعك



طالعها احمد بألم وهو يحرك ساقه اليمني بصعوبه ، فألم فخذه مازال يؤلمه ..



احمد : ممكن ياصفا تروحي تجبيلي علبة المسكن من فوق



حدقت به بفزع ، وسرعان ما كانت تُهرول لاعلي نحو غرفته ، توقفت في منتصف الغرفة ، وقد وقعت عيناها لاول مره علي تفاصيل حجرته ذو اللون الاسود في متعلقاتها ، ورغم ذلك فكل شئ يلمع بهدوء كصاحبه ، لطمت جبهتها وقد عادت تتذكر لما هي هنا ،



واتجهت نحو علبه الدواء الوحيده التي تتوسط المنضده الصغيره .. واسرعت بخطاها إليه تلهث بانفاسها



وبضجر من حالها ، أخذت تتمتم



- نسيت المية ،هجيبلك المية بسرعة



ورغم تعبه إلا انه ابتسم على ردة فعلها، عادت اليه لاهثه وهي تمد يدها بكأس الماء



طالعها "احمد" ، بنظرة لم تفهمها ..، ولكن سرعان ما كانت تُدرك خطأها ، فهو ينتظر منها أن تعطيه علبة الدواء يدها ، وبدعابة كانت من سماتها هتفت مازحها



- معلش أنا لما بتوتر ، بكون غبية



اتسعت أبتسامته وهو يسمع عبارتها ، ولكن سرعان ما تلاشت وهو يشكرها



- شكرا يا صفا



تجاهلت ملامحه الجامده ، وقد المها قلبها ..، إنه أسرع في إخفاء أبتسامته وكأنها لا تستحق إلا الجمود منه



- خليني أساعدك لحد أوضتك ، متخافش أنا صحتي كويسه،



كانت عفوية في حديثها ، لم تنتظر جوابه علي عرضها ، بل أسرعت في إسناده ، تلتقط يده بعفويه



- هات ايدك عشان اساعدك



ثم داعبته بحديثها مرة أخري :



- ما انا مش هقدر اشيلك



حاول أن لا يتأثر بحديثها ، ويضحك ..، ولكن لم يتحمل رؤيتها وهي تسير بصعوبة جوارها ، وكأنها بالفعل تسنده ، وهو كان يمنحها المهمه دون أن يُحمل عليها



- حابسه نفسك ليه علطول في اوضتك يا صفا ، أنا قولتلك أعتبري البيت بيتك وأننا رفقاء سكن



ابتعدت عنه وقد عاد حديثه هذا اليوم يخترق أذنيه ، من بنود وضعه في عقد ، فهي لم تقبل بالزواج منه إلا لتحقق حلمها فيه , وليس من اجل الحصول على مال منه



- لو أسلوبي كان غليظ معاكي يومها ، متزعليش ..، بس حاولي تتعوضي علي طباعي ياصفا



فتحت فاها كالبلهاء ، وهي تستمع لعباراته ، إنه تعلم طباع هذه العائله ..، ولكن أن يصرح بها بهذا الهدوء ..، كان الأمر صعب علي قلبها البائس



أتسعت أبتسامته ، وهو يري تنظر إليه بتلك النظرة ، وكأنها مصدومه من حديثه معها ، خلع سترته يُلقيها جانبا ...، وجلس فوق الفراش يفك أزرار قميصه ... وهي مازالت في وقفتها تُطالعه بحدقتي متسعتين ذهولاً ، ولكن فجأة انتفضت من مكانها ، تنتبه علي تحديقها به ، و وقوفه في غرفته وقد أخذ يزيل عنه قميصه ، وظهر جزعه العلوي



وبخطوات سريعه كانت تهرول نحو غرفتها ، تلتقط أنفاسها بصعوبه ، أغلقت باب غرفتها واسندت ظهرها عليه قليلاً ، مبتسمه بحماقة ، وسرعان ما كانت تفيق من شرودها تلطم جبهتها كالعادة ، تسأل حالها



- هو أنا ليه قلبي بيدق كده



والحقيقة هي تعلمها ، إنه تحب هذا الرجل ، ولكنه لا يُريد حبها ..، تلاشت سعادتها واتجهت نحو فراشها ..، تُلقي بجسدها عليه .. غارقه في أحلامها هاربة من أفكارها



***** 
أنتفض جسدها فزعاً ، وهي تراه يتقدم منها بملامح جامده بعدما صفع باب الغرفة خلفه بقوة ، أنتظرت سماع كلماته اللاذعة ككل ليلة ، ولكنه أخذ يقترب منها في صمت ، فجعلها تزدرد لعابها بذعر، تراجعت للخلف بخطوات مرتجفة حتي التصق جسدها بالجدار

- بتشتكيني لعمتي ياجنه، بتظهري ليها إنك ضحية

نفت برأسها خائفة من ثورته ، فلم تزده حركتها إلا تحجراً وهو يراها ليست إلا مراوغة ..،قبض فوق ذراعها بقوة ..، وأخذ يُحركها بين ذراعيه صارخاً

- بتقوليلها مافيش اي حاجه حصلت بينا واني مبدكيش حقوقك

وبصراخ أكبر ، أصم أذنيها هتف

- عايزه حقوقك يا هانم

أنصدمت من سماع عبارته ، فما الذي يتحدث عنه ، أنسابت دموعها فوق خديها وهي تري عيناه تزداد قتامة

- انا مقولتش حاجة ، أزاي تفكر إن ممكن أقول كده

تفرسها بنظرات جامده ، وببطئ كان يميل فوق أذنيها يهمس برغبة قد أوقدتها داخله

- لو عايزه قولي

ارتجف جسدها من عبارته الوقحة ، وهي تري نظراته تفحصها وكأنه يُعريها من ثيابها ، عاد يدنو منها ، يهمس في اذنيها بكلمات جمدتها في وقفتها وسرعان ما كانت تدفعه عنها بقوة

- انت حيوان ،حيوان

تجهمت ملامحه ، وارتفع كفه لأعلي .. فهبط كفه فوق خدها بصفعة قوية ، انفجرت علي أثرها دماء شفتيها ، رفعت وجهها نحوه وهي تتحامل على نفسها من قوة صفعته وجرح كبريائها

جنه : ومريض ومعقد وظالم ومعندكش رحمه ، انا بكرهك بكرهك .. روح طلع عقدك على اللي خانتك مش عليا انا

القت عباراتها بحرقة ،فتجمدت ملامحه وأخذت تتردد عبارتها الاخيره في أذنيه وقد اعادت له سنوات مضت ، أقترب منها يرمقها بغضب وقد تطاير الشر من عينيه..

وبقسوة كان يجذبها من حجابها ، فسقط عن رأسها ، وانسدل شعرها الغزير ..توقف لبرهة يُحدق بها ، ولكن سرعان ما كان يعود لقسوته ..يقبض فوق خصلاتها بقوة

- عرفتي منين ، انطقي

كلماتها اصابته في مقتل ، اصابة رجولته التي طلما سعي أن يُداريها خلف قناع قسوته ..، فتحت نيران لم تخمد وذكريات لم ينساها عقله يوماً ، قبض فوق عنقها وقد عاد يتسأل بأنفاس متقطعه ، من أين عرفت بخيانة زوجته

- أنطقي ، بدل ما ادفنك مكانك

هزت رأسها نافيه وهي تُشعر بالأختناق من قبضته ، فهي لا تعرف شئ عما تفوهت به ، إنها ارادت وجعه بأي طريقة .. حتي لو نطقت بجهالة عن شئ لا تعرفه ..

- معرفش حاجة ، أبعد عني

هتفت برجاء ، فلم تعد تتحمل قبضته وقد بدأت جفونها تثقل من شده الأعياء، ازدادت قبضته فوق خصلاتها ، فنسابت دموعها بغزارة وخرج صوت نحيبها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة

- أنت قاسي ، و وحش

وبضعف كان يخرج صوتها مهزوزاً قبل أن تسكن بين ذراعيه

- أنا دلوقتي عرفت حقيقه قسوتك

...............................

كانت تجلس وسط اطفال الدار تلاعبهم بحنو وتبتسم بسعاده علي سعادتهم وركضهم حولها، ركض أحد الصغار نحوها ، فانحنت تضمه إليها ، تمسح فوق خصلاته والصغير يتمتم ببكاء

- أتعورت يا ابلة حياة

وضعته أرضاً ، وجثت فوق ركبتيها ..، تري جرحه الصغير , فأبتسمت وهي تدنو نحو جرحه وتلثمه له بقبلة حانيه

- وكده بتوجعك

أبتسم الصغير وهويومئ لها برأسه ..، فقد طاب جرحه وأنتهي ألمه من قبلتها ..، دار الصغير حول نفسه يُخبرها إنه أصبح بخير ..، فضحكت وهي تراه يركض ويقفز بين رفقاءه ، ولو كانت تمتلك يوماً أخر أجازة لها ..، لقضته بينهم

ورغماً عنها كانت دموعها تنساب ، وهي تتذكر ذكري بعيده

فلاش باك

- و أختك تخرج معانا ليه يا رجب ، مش كفاية صابره وساكته إنها قاعده معايا في البيت ، ومش عارفه أخد راحتي

- وطي صوتك يا سناء ، بدل ما أحلف إن مافيش خروج

- هي ديه خروجه ، ده أحنا بنروح نقعد في جنينة الحيوانات

هتفت عبارتها ممتعضه ، و أخذت تلوي شفتيها إستنكاراً

- أحمدي ربنا أني بخرجك أنتي والعيال ، وكفاية رغي كتير وألبسي يلا خلينا نلحق قبل الزحمه

- مش عايزه أروح خلاص يا أخويا ، ما هو أصل لا أنا لا أختك

وكالعادة كان ينتهي الشجار ، بترك زوجة شقيقها للمنزل

مسحت دموعها ، فقد أراحت زوجة شقيقها من خروجها هذا اليوم معهم ..، تأتي لهنا لتجلس مع الأطفال وتقضي يوم عطلتها بينهم

أنتبهت على صوت مديرة الدار وقد أقتربت منها السيدة "فاتن"

- ربنا يباركلك ياحياه يابنتي ، أنتي متعرفيش الأطفال بيستنوا وجودك أد يه كل أسبوع ..، اليوم بيكون كله فرح وسعاده ليهم

ابتسمت حياه ، واطرقت عيناها خجلاً من كلمات السيدة "فاتن"، والقت بنظرة سريعة نحو الأطفال وركضهم بحديقة الميتم بسعاده

- كان نفسي أقدم ليهم أكتر من كده

هتفت بها بقلة حيلة ، فلو كانت تملك المال لجلبت لهم كل ما أرادوا من ألعاب وثياب ، أنتبهت علي الدعوات التي تحملها السيدة فاتن ، وقد تذكرت للتو الحفله التي ستقام عن قريب في الدار

- هي ديه الدعوات اللي هنبعتها لرجال الاعمال

أماءت لها السيدة "فاتن" ، ومدّت لها يدها بالدعوات .. ، تستبشر الخير بذهابها هي وإعطاء الدعوة لأصحابها

- أنا عارفه إن طلبي صعب عليكي يا بنتي ، بس أنا مستبشرة خير ..، روحي وزعي أنتي الدعوات ديه يا حياة ، مافيش حاجة بتكوني فيها إلا وبيجي خير من بعدها

علقت الدموع بعينيها ، من كلمات السيده "فاتن" والتقطت منها الدعوات تبتسم لها

- أن شاء الله هيقبلوا الدعوات ، عشان يفوزوا بالجنه

وعادت عيناها تُحدق بالدعوات ، تدعو داخلها أن يقبلوا الدعوه ويأتوا للدار ، يُلبون دعوتهم
.....................................

جلست تطالعه بإرتباك بعدما دعاها كي تحتسي معه مشروبه الساخن ، شعرت بالضجر من جلوسها في صمت ، وقد أنشغل هو قليلا بحاسوبه الشخصي ، واخذ يرتشف من فنجان مشروبه الدافئ

تعلقت عيناها به ، تتسأل داخلها ..، لما قد دعاها وهو مشغول..، تعالت صوت أنفاسها الحانقة ..، وقد أنتبه للتو إنه أندمج في عمله ونسي أمرها وهو الذي دعاها لتجلس برفقته بدلاً من مكوثها الدائم في غرفتها

- أعذريني يا صفا ، انشغلت عنك

حاولت تلاشي حنقها ، وابتسمت بعدما وضعت كأس المشروب الفارغ فوق الطاولة

- مافيش مشكله ، أنا هروح أوضتي مدام مشغول ..، تتعوض مرة تانية

القت عبارتها وهي تنهض ، ولكن يده كانت أسرع وهو يجذبها لتجلس ، معتذراً مرة أخري بلطف

- هخلي مدام صوفيا ، تعملنا حاجة تانية نشربها ..، ونقعد ندردش سوا

طالعته وهو ينهض ، بعدما منحها أبتسامة سلبت قلبها ، أغمضت عيناها وهي تضع كفها فوق ملمس يده فوق كفها الأخر الذي لمسه ، إنه لطيف جداً معها اليوم ..، وهي لن تتحمل كل هذا اللطف ..، فقد اصبحت تُقاوم حبها له

عاد بعد دقائق ، وما زالت أبتسامته مرتسمة فوق شفتيه ، جلس جوارها وقد التف بجسده نصف التفافه يسألها

- أحكيلي عن حياتك يا صفا

ضاقت عيناها ، وقد تفاجأت من سؤاله، طال صمتها فهي لا تعلم بما ستقوله له ، ولكن سرعان ما دمعت عيناها وقد عادت جراحها تندمل

- مافيش حاجه احكيها

اقترب منها "احمد" وقد تلاصقت ساقيهم وشعرت بانفاسه تلفح صفحات وجهها:

- ليه الدموع في عينك يا صفا

هتف بلطف ، كان صعب عليها أن تتحمله ..، أسرعت في مسح دموعها تتسأل هذه المره هي

- هو انت ليه بتصحي من نومك علي كوابيس

كان فضولها ، يأخذها لمعرفة السبب ، ولكنه راوغها في جوابه ، وبفتور كان ينهض من جوارها

- الماضي بيفضل مستوطن عقولنا يا صفا

لم يستوعب عقلها ما يتفوه به من كلمات مبهمه كحال صاحبها ، وبانفاس مثقلة بألام الماضي كان يردف

- الذكريات ببتحفر جوانا يا صفا

كانت خير من يعلم جوابه ، فقد أصبحت تعيش علي الذكريات

وبصعوبة كانت تتمالك دموعها ، تنظر نحو ساقه وهو يعرج عليها قليلاً ..، رغم إنها من قبل لم تراه هكذا

- هو ليه رجلك بتوجعك ، أنت كنت كويس من يومين

ابتسم وهو يلتف نحوها ،يحدقها بنظرات قوية ، ارتبكت علي ملاحظتها الدقيقة لكل شئ يُخصه ، فاقترب منها يمنحها الجواب تلك المرة دون مراوغة

- ديه اصابه حصلتلي زمان في رجلي ، وفي كل شهر من السنه لازم الألم يرجع ليا ..، مش عارف ليه الموضوع ده مستمر ..، بس ممكن تكون حالة نفسيه

تعلقت عيناها به وهي تسمعه ، تتسأل داخلها ..، ما الحادث الذي حدث له ..، ولكن "احمد" كان يمنحها ما يُريدها أن تعرفه

- بكره في حفله تبع الشركه ، ووجودك مهم معايا ، زي ما أتفقنا في بنود العقد ..، أي دعوة لازم تكوني معايا فيه

ليته لم ينطق عبارته الاخيرة ، وذكرها ببنود عقده ..، عاد الألم ينهش فؤادها ، وبصعوبة كانت تتمالك حالها ، تبتسم إليه ..، تمنحه ما ينتظره ..، فهو المالك وهي المملوك الذي عليه الطاعة

- حاضر

تعجب من نطقها بأقتضاب لكلمتها ، ولكن سرعان ما تلاشي تعجبه وهتفت بمرح أعجبه

- أخيراً هخرج واشوف الشوارع هنا

ورغما عنه كان يضحك ، وهو يراها تضم كفوفها نحو صدرها ممتنه لدعوته

- شكلك مرحه اووي ياصفا

ابتسمت بصعوبة ، فلم يكن مرحها إلا لتُداري خلفه حسرتها

اقترب منها ، فاسبلت أهدابها ..، لتشعر بملمس كفه فوق خدها

- أنتِ مُسلية ولطيفة يا صفا

........................



لم تكن صفعته لها ليلة امس سوي إلا غباراً قد سقط فوق قلبها أدماه أكثر ، تحسست شفتيها المتورمة من صفعته ، ورغم محاولتها لتُداريها عن عيناهم المتربصة ، كان الفضول يدفعهم ليعرفوا لماذا هيئتها اليوم هكذا ، كانت تري في نظرات البعض الشماته ، والقلق والحزن في نظرات عمتها وعمها حسن

وبنبرة حانية ، أخذ يسألها عمها

- مال وشك يا جنه ، في حاجه حصلتلك يابنتي

وكادتها كانت ترسم أبتسامة هادئه فوق ملامحها ، تناوله كأس الماء وحبوب علاجه

- لا ياعمي مافيش حاجه ، انا بس وقعت امبارح

تناول منها عمها كأس الماء ، يرتشف منه ، وقد تلاقت عيناه بعينين شقيقته "منيرة" التي أتخذت دور الصمت وقلبها يحرقها علي حال أبنة شقيقها ..، تلوم حالها ..، لأنها السبب علي إتمام هذه الزيجة ، ولم تستمر منيرة في صمتها ، وبنظرة حانية أخذت ترمقها ، وتمدّ لها كفها ، لتقترب منها

- مكنتيش جيتي النهارده مدام تعبانه ، كنتي خليتك في بيتك يابنتي ، مش لازم كل يوم تيجي بيت العيلة

أندفعت "جنه" صوبها بعدما دعتها لحضنهم ، فقد أصبح حضن العم منيرة ملاذ غربتها وقسوة ما تعيشه

- انا جيت اودعك انتي وعمي قبل ما تسافروا العمره ، وكمان أستأذنكم اخد أروى معايا البيت عشان متحسش بغيابكم

أندهشت منيرة من عرضها ، كحال حسن ..، ف أروي كالأخرين تُعملها بكبر ، تُهينها بنظراتها وتجاهلها كالباقية

منيره : بس مرات فاخر هنا في البيت وغير الخدم ، انتي لسا عروسه يابنتي ، غير إن أروي طبعها صعب

سقطت كلمة عروسه على مسمعها كالجمر المُلتهب .. فتمتمت تُداري خيبتها

- عروسه مين بقي ياعمتي .. هو انا هدلع اكتر من كده ، وكمان جاسر علطول في الشركه أو في مصر أو مش فاضي ،وانا و أروي هنعرف نسلى بعض وفرصة نقرب من بعض اكتر

تفهمت "منيرة" طلبها ، فأماء لها "حسن" أن تنفذ الأمر ..، لعلا أبنته تتقرب تلك الفترة من أبنة عمها وتعرف معدنها الطيب كما عرفه هو ، اخذت موافقتهم ، واسرعت في خطاها تُغادر الغرفة تهتف بسعاده

- هروح اشوف فين اروي واقولها

شيعتها منيرة بنظرات حانية ، وعادت تُطالع شقيقها الراقد فوق فراشه بوهن ، تُخبره بندم

- تفتكر إني غلطت لما أصريت أجوزها لجاسر يا حسن ، أنا بقيت أحس بالذنب يا حسن

وهذه المرة كان يُطمئنها قبل أن يغمض عيناه ويغفو قليلاً

- بكره يعرف معدنها الطيب يا منيرة ، ويعشقها

..............................

وقف يتأملها طويلا وهي تهبط درجات الدرج بخفه .. طالعها بتمعن يدرس كل تفاصيل جسدها في فستانها الذي قد اهداه لها صباحاً .. ، اتسعت أبتسامته اكثر ، وقد لمعت عينيه من شدة جمالها

رأت الأنبهار في عينيه ، فتوردت وجنتاها وهي تخفض رأسها أرضاً ..، أقترب منها يلتقط كفها مبتسماً بلطف

- مكنتش أعرف إن ذوقي حلو كده يا صفا

توترت من سماع عبارته ، وقربه المهلك لمشاعرها ..، وما فجأها حقاُ إنه لثم كفها بشفتيه

ابتعدت عنه ، وكأن شئ قد لدغها ، فطالعها بنظرات متسائله عما حدث ..، ولكن اسرعتفي وضع يدها فوق كفها تسأله بتوتر

- طب لفة الحجاب كده كويسه ، ومناسبه للحفله ولا اروح اجرب لفه حجاب تانية

تعالت ضحكات "احمد" وهو يراها لا تلتقط أنفاسها وهي تُحادثه من شدة ربكتها أمامه ، وسرعان ما كان ينتبه علي إمتعاض ملامحها ، وزمها لشفتيها كالأطفال

التقط أنفاسه بعدما توقف أخيراً عن الضحك ، وأشاح عيناه عنها غير مصدقاً إنه بات يضحك هكذا

- كلك على بعض حلو ياصفا ، ويلا عشان هنتأخر

تلاشت حنقها ، واتبعته وهي تحمل طرفي فستانها ، ولكن وقفت تشهق بفزع بعدما التوي كاحلها أسفلها ، حاوط خصرها بقلق وضمها لصدره ، فاغمضت عيناها وهي تتنفس رائحته التي سلبت أنفاسها لقربها منه

- شكلنا كده مش هنروح الحفله ، وهنروح علي المستشفي يا صفا

ابعتدت عنه بعدما تداركت أمرها ، وقد تخضبت وجنتاها بحمرة الخجل ، اعتدلت في وقفتها ، تُهندم من نفسها ، فابتسم بخفه وتقدم أمامها نحو الخارج

- يلا عشان أتأخرنا علي الحفله

اتبعته بحزن ، فقد تمنت ان يحدث مشهد اخر ، تمنت لو امسك يدها ، وتبطأت ذراعه , تسير جواره وكأنهم أزوج حقاً ، وليست مجرد زوجة بعقد مشروط

.............................

ظلت تعبث بحقيبتها إلى ان تهللت اساريرها اخيرا وقد وجدت ضالتها ، تنفست براحه بعدما كانت تظن بأنها قد فقدته ..، فأخذت تحرك المفتاح في باب الشقة ،

ودلفت للداخل، وسارت بخطوات متعبه فأنتبهت على صوت زوجة أخيها في المطبخ وهي تحادث أبنتها

سناء : محدش يقول قدام اللي ما تتسمي اننا طبخنا النهارده ، وبالذات ادم نبهي عليه .. الواد ده انا مش عارفه مين هي امه انا ولا هي

فتهتف ابنتها ، تشعر بالشفقة نحو عمتها ، فوالدتهم تعملها بقسوة رغم تحذير والدهم الدائم وشجارهم الذي لا ينقطع بسبب قسوة معاملتها لها

- ياماما ديه عمتو طيبه اووي، شوفتي أشترت لأدم اللعبة اللي كان نفسه فيها ، وبتحاول تجبلنا كل حاجة عايزينها

وبحزن كانت تردف الصغيره ، تسأل والدتها

- انتي ليه مبترضيش تأكليها من الاكل الحلو اللي , بابا ساعات بيجيبه .. وبتأكليها بتنجان وفول كل يوم وتقوليلها ان ده أكل النهارده مع اننا ساعات بناكل حاجات تانيه حلوه

تجهمت ملامح سناء ، واقتربت منها متوعده ، وقبل أن تقبض فوق ذراعها وتدفعها من أمامها ..، لوقوفها أمامها بهذه الطريقة من اجل عمتها ، ولكن وقفت مكانها تُحدق بحياة التي دلفت للمطبخ وتنظر إليها مبتسمه تخفي خلفها قهرها

- ممكن يا ام رانيا تجهزيلي اكل كل يوم .. ده لو مش هتعبك يعني وياسلام لو جبتيلي الفول بتاع امبارح كان طعمه حلو اوي

وسارت من امامها تحبس دموعها ، فحدقت سناء بأبنتها صارخه بعدما أفتضحت أمر الطعام الذي يتناولوا دونها

- أمشي غوري من وشي

............................

كانت المره الأول التي تجمعهم مائدة طعام واحده ، تخلو من باقية أفراد العائله ، بل وتكون في منزلها عزيزة النفس ، تنفست براحه وهي تمضغ طعامها ، فأخيراً ستأكل وتمتلئ معدتها دون الشعور بأن أحداً يرمقها بنظرات ساخره

استمع لتنهيداتها ، فرفع عيناه صوبها يتأملها وهي تمضغ طعامها ببطئ وقد أرتسمت الراحه فوق ملامحها ، طالت نظراته نحوها ، ولكن سرعان ما أشاح عيناه عنها ، وهو يستمع لصوت شقيقتها ، وقد فهم مقصدها من سؤالها

- هو انتوا ليه مروحتوش تقضوا شهر عسل ياجاسر ؟ ، اشمعنا مرام اخدتها شهر لفيتوا فيه اوروبا..

امتقعت ملامحه ، وقد أحتلت الظلمه عيناه ، بعدما أستمع لعبارتها الأخري ، صفع طاولة الطعام بقوة وهو يصرخ بها ، بعدما أشعلت النيران داخل قلبه ..، فلما عادوا يذكرونه بتلك الخائنه

- لو خلصتي أكلك ، تقدري تقومي

ألجمها حديثه ، فنهضت علي الفور تخفي دموعها عنه ، بعدما أحرجها بهذه الطريقة أمام زوجته ، أسرعت "جنه" في التقاط ذراعها تنظر إليها برجاء

- كملي اكلك يا اروي انتي مأكلتيش حاجه

ولكن أروي كان غضبها الأكبر منها ، دفعت ذراعها عنه ، ترمقها بحنق

- شبعت خلاص ، هخرج الجنينه اشم هوا وبكره الصبح هروح

القت عبارتها وانصرفت بخطوات سريعه نحو الخارج ، فتعلقت عيناها به ..، فوجدته ينهض عن مقعده ، وعلامات الوجوم تظهر فوق صفحات وجهه ، امتعضت من أنسحابه بهذه السهوله دون أن يعبأ بمغادرة شقيقته وصراخه عليها

- ابقي صالحها لو سامحت ، مكنش ليه لزوم تزعق فيها هي مكنش قصدها ، ديه دردشه عاديه

سكن في وقفته ، وهو يسمعها ..، والتف نحوها ببطئ يرمقها بنظرات قاتمة ، وسرعان ما كانت تحتله الصدمه ، وهو يجدها تطالعه بكبرياء ، وقوه لأول مره يراها في عينيها منذ ان تزوجها .. ثم انصرفت ..تغادر المكان هي الأخري دون أن ترتجف من نظراته كما أعتاد.

................................

وقفت "جنه" تتأملها من بعيد وهي تتمني قربها كصديقه واخت كما كانت هي وأبنه خالها ولكن اين هي الان فقد رحلت بعيدا ولم تهاتفها منذ ان سافرت ..، تنهدت بحزن أتخذت قرارها في الاقتراب منها .. وسارت نحوها :

- الوقت اتأخر يا أروي مش هتنمي

فالتفت اروي نحوها ، ولكن سرعان ما اشاحت وجهها بعيدا عنها ، وصمتت

فأبتسمت جنه وجلست جانبها :

- طب ممكن اقعد جنبك ونتكلم شويه

لتنهض أروى تهتف بتأفف: لاء انا هسيبلك المكان كله تقعدي براحتك فيه

ولكن سرعان ماأمسكت جنه ذراعها راجيه :

- اروي احنا في سن بعض ليه منقربش من بعض

فترمقها اروي بأستخفاف ، تهتف بكبر

- انا مبقربش غير من الناس اللي نفس مستوايا

تقبلت "جنه" حديثها ، و تجاهلته

- طب انزلي بمستواكي معلش واقعدي معايا ، انا نفسي اتكلم مع حد اووي واضحك وهزر معاه ،وياستي مش هقلل من مستواكي ومش هتخطي حدودي معاكي

فرفعت أروي أحد حاجبيها مدهوشة من تقبلها لأهانتها ، و بغرورها هتفت :

- اتكلمي

جنه : انتي في كلية صيدله صح ، انا لسا متخرجه جديد منها

أرادت أن تخلق معها أي حديث ، فلم تجد إلا الحديث عن دراستهما

فطالعتها أروي بذهول ، ف لأول مرة تعرف أن أبنة عمها خريجة جامعه

- أنتِ كنتي في صيدله

فابتسمت "جنه" وهي تومئ برأسها ، فقد رسموا نحوها صورة الفتاة الجاهلة الفقيرة:

- بس تصدقي ايام الكليه وحشتني مع انها كانت ايام رخمه برضوه بس صحابي وحشوني

فبدأت اروي في الحديث معاها عن مغامراتها هي الأخري بعدما شعرت بلطافتها

- ده انتي مصيبه يا أروي ..، عملتي في الدكتور كده

- انا مالي هو قال عايز يشوف نتيجة التجربه وحظه إنها فرقعت في وشه ، ولولا ان في معرفة بينه وبين جاسر كان زماني مفصوله

فتعلقت عينين جنه بها، وهتفت بأمل أن تكون تقبلتها :

- هو احنا ليه منبقاش صحاب واخوات

اروي بتردد : لاء انتي هتاخدي جاسر في يوم مني وهيبقي ليكي انتي لوحدك .. زي ما مرام اخدته زمان ليها

شعرت بالصدمه من حديثها ، ولكنها أسرعت في أحتوائها بحب وصدق

- عمري ما هعمل كده ..

وداعبتها ضاحكه

- ياختي خدي اخوكي كله ، ده عليه شخطه تخض

وتابعت بحديثها تهتف بمزاح

- قربي كده هقولك حاجه ..

فاقتربت منها اروي ، تنظر إليها بترقب

- بخاف منه عامل زي الغوريلا ، اوعي تقوليله

انفرجت شفتي أروي في ضحكة قويه .. تُشاركها "جنه" في الضحك، وسرعان ما كانت تضع أروي بيدها فوق فمها تكتم ضحكتها ..، خوفاً من شقيقها ، ولكنه بالفعل كان قد خرج يصرخ بهم

- جنه

ورغم إنها لم تكن وحدها من ضحكت ، إلا إنه أصبح كالعاده لا يخرج حنقه إلا بها

............................

أخذ يقلب في الملفات الموضوعه امامه بضيق ، فصرخ حانقاً بتلك التي تقف أمامه ، وتنظر إليه بقلق :

- فين ورق الصفقه الجديده ياهاله

لتبتلع ريقها بصعوبه خوفا من بطشه

- صدقني ياعامر بيه انا ادتهولك امبارح

فجلس عامر على مقعده بضيق ، وقد بدء يتذكر إنها بالفعل قد اعطته له أمس ،

فرك عنقه بضيق من حاله ، فالورق بمنزله وقد اخذه معه حتي يُراجعه بتركيز .. وبتنهد وهو يزيل عنه رابطة عنقه

- خلي عم نصر السواق يروح يجبهولي من القصر

فهرولت سريعا من امامه وهي حامدة الله بأنه قد تذكر أين قد وضعه ...

ورغما عنه كان حديث أكرم يقتحم عقله

" أنت اللي بتخسر يا عامر ، محدش غيرك عمره بيضيع غيرك أنت "

حاول طرد عبارة صديقه عن عقله ، وقد لفت نظره احد الاظرف الموضوعه فوق سطح مكتبه ، التقطها فضولاً حتي يراها ، وقعت عيناه علي اسم الجمعيه ، فعاد يُلقيها مجدداً أمامه ، يُذكر حاله إنه سيبعث إليهم مبلغ من المال ، لكن ليس لديه وقت ليُلبي الدعوه

ولكن تلك المرة قد علقت عيناه بالعبارة المكتوبه

(دي دعوه من ربنا ليك ، حاول تفوز بيها )
ابتسمت بسعاده وهي تُطالع تفاصيل الحفل من حولها، ورغم انها قضت معظم وقتها تغمض عينيها خجلاً مما تراه من تحرر في المظاهر والتعامل..، فالخمر تُقدم للمدعوين ..،و جميع نساء لا يشبهونها ، علقت عيناها بالبعض وما زادها صدمه أن هناك عرب يحتسون الخمر بل ويتباسطون في تعاملاتهم كالغرب…، كانت شاردة في التفاصيل لعلها تُسلي حالها ، فقد تركها بعدما عرفها علي البعض ..

ففاقت من شرودها بعدما ضجرت من حملقتها في المدعوين ..، فقد فحصت وحللت كل شئ حولها ، خرجت أنفاسها بسأم وأخذت تبحث عنه بعينيها ، متجها بنظراتها نحو المكان الذي أتجه إليه



تقدمت منها احدي النادلات وهي تحملبمشروباتهم الكحوليه المُثلجه ،حدقت "صفا"بالمشروب حانقة ..، تتسأل داخلها .. هل هي عمياء أم ماذا .. فمظهرها وحجابها واضحين فلا تحتاج أن تخبرها بشئ ..

وقفت النادلة تُخبرها إنه ليس كحولاً ..، وانه مشروب من نوع خاص ولكن "صفا" لم تفهمها بسبب ركاكتها في اللغة الأنجليزيه ..، ابتعدت عنها النادله بعدما ضجرت من توضيح الأمر لها ..، فاتسعت عينين صفا وهي تراها تبتعد دون أن تتركها تُكمل حديثها الغير مرتب ..، اقترب منها "احمد" وقد لاحظ الأمر وعندما رأي علامات الأستياء فوق ملامحها ..فهم ما حدث

صفا : أنا عايزه أمشي من الحفله

وقبل أن يهتف بشئ ويسألها عن سبب ضيقها من الحفل ، رغم إنها كانت منذ دقائق تُطالع الحفل باستمتاع ..، كما كان يري من بعيد كلما وقع بنظراته نحوها

- احمد

هتفت بها أحدي النساء ..، واقتربت منه تُعانقه ..، وما أدهشها إنه سمح لها باحتضانه

تجهمت ملامح "صفا" وهي تراها ملتصقة به ، و ما زادها حنقاً إنها تُحادثها بالأنجليزيه رغم انها عربية كما يبدو لها من ملامحها ونطقها لأسمه

خرجت زفراتها بصوت مسموع ، فانتبه عليها وقد أشاحت عيناها عنهم

- بوس وأحضان ، و أنا واقفة .. ده أنا حتي زي مراتك

استمع لهمسها ، فابتسم رغماً عنه ..وكاد أن ينفجر ضاحكاً بسبب عبارتها الأخيرة ولكنه تمالك نفسه وأنهي حواره مع الواقفة معتذراً منها بعدما أخبرها برغبة زوجته بالرحيل

شيعتها المرأة بنظرات مستاءة ، ورحلت تحت نظرات "صفا" المتعجبه من نظرتها إليها

- هي بتبصلي كده ليه؟

وبابتسامه جاهد علي إخفاءها ، تمتم وهو يُشيح عيناه عنها

- أصلها عرفت إنك مراتي

- هي مراتك كلمة عيب ، ولا شكلي ضيعت فرصتها

أنفرجت شفتيه في ضحكه عاليه ، وسرعان ما تمالك حاله وهو يلتقط ذراعها

- أنا بقول كفاية عليكي كده ، ويلا يا مجنونه

التمعت عيناها وهي تراه يسحبها خلفه ، حتي توفف بها أمام السيارة ..التقت عيناهم ..، وقد احاط خصرها بذراعيه .. ارتفعت أنفاسها وهي تري نظراته إليها ..، ولكن سرعان ما كان يفيق من شروده وهو يُذكر حاله ..أن التي أمامه ليست "مها" إنها أخري تشبهها في شخصيتها.

...........................

كانت السعادة تملئ قلبها ، وهي تتأمل ثيابها البسيطه وتختار من بينهم ما يناسبها من اجل حفل الدار التي ستقام غداً ، وبابتسامه واسعه كانت تتجه نحو المرآة الصغيرة في الغرفة ..، تنظر نحو الثوب الذي سعت جاهدة في تنسيقه علي أمل أن يكون جميلاً عليها ويظهرها بشكل أصغر ، فقد أصبحت تشعر بالحزن كلما نداها أحداً بالسيدة ولم يسبق لها الزواج ،

حدقت بالثوب بأعين لامعة ، فالثوب جميل ومبهج ويُنير ملامحها

تأملتها "سناء" بعدما دلفت للغرفة بملامح حانقه ، وعندما علقت عيناها بهيئتها لم يزيدها الأمر إلا حقداً

- يعني طردتي ولادي من الاوضه عشان حضرتك تعمليلي حفله عرض ازياء بالهلاهيل بتاعتك ديه ياست حياه

التفت نحوها وقد تلاشت سعادتها ، ولكنها كانت تعلم إذا تحدثت بشئ ..، فلن تنتهي الحكاية إلا بشجاراً

- معلش يا سناء استحمليني ، الحفله بكره وعايزه يكون شكلي حلو

التمعت عينين "سناء" بخبث ، فها هي الفرصه قد أتتها حتي تُلقي عليها عباراتها وتشعرها بنقصها ، رمقت ما ترتديه بنظرات متهمكه رغم جمال الثوب وبساطته

- مهما حاولتي تلبسي مش هتكوني زي بنات اليومين ، أنتِ خلاص يا حياة القطر فاتك ومحدش هيبصلك

وبحقد كات يتقطر من كلماتها ، كانت تردف

- ده أنتِ ، لا مال ولاجمال

ومدّت يدها تلتقط بضعة أثواب ملقاه فوق الفراش

- أنتِ فاكرة شوية الهلاهيل ديه تعجب حد

واستطردت متهكمه وقد شعت عيناها سعاده ، وهي تراها تُقاوم ذرف دموعها

- هدوم موضتها انتهت من التمانينات ..، لولا بس ان اخويا عينيه حلوه مكنش بصلك وطلب ايدك وقال ايه بتدلعي وتقولي لاء

انسابت دموعها فوق خديها ، بعدما فقدرة قدرتها علي مقاومتها ..، لقد هزمتها "سناء" كعادتها ، وجعلتها تفقد كل ذرة أمل داخلها .. بأن تجد من يُحبها ويرضي مهما

- أخوكي يستاهل واحده أحسن مني يا سناء ، مش واحده فاتها قطر الجواز

رمقتها "سناء" بزهو وسعاده ملئت قلبها الحاقد ، وهي تراها تُغادر الغرفه بعدما مسحت دموعها

- لازم افضل احسسك علطول ان مافيش حد هيبصلك ، ما انتي ميبقاش فيكي كل الصفات الحلوه وانا لاء ياست حياه

..............................

نظر إلى ساعته بإرهاق ، بعدما اغلق اخر ملف كان يطالعه .. ليتذكر تلك الدعوة , التي كان قد قرر إرسال المال إليهم عن طريق أحد موظفينه ..، ولكن لا يعلم كيف غير قراره فجأة وقرر الذهاب بنفسه ..

دلك عنقه لعله يسترخي للحظات قبل نهوضه والأستعداد للذهاب ، فبضعة دقائق لن تضيع من وقته شئ

نهض عن مقعده ، واتجه لغرفته ..، يستبدل ملابسه بأخري أكثر أناقة ورسميه ، نثر الكثير من عطره ، والتقط ساعته الباهظه ، وخاتمه ذو الحجر العتيق وأرتداهما ، ثم هندم سترته وقد ألقي بنظرة أخيرة علي هيئته

هبط الدرج بخطوات متعجله ، ولكنه توقف في منتصفه ..، بعدما صدح رنين هاتفه ، طالع رقم صديقه متعجباً من إتصاله وقد كانوا معاً اليوم في الشركة

- من غير اعذار انا عزمك علي العشا النهارده

تعجب من أمر العزيمه التي يعرضها عليه صديقه ، وقبل أن يعترض كان أكرم يُصر عليه

- مافيش إعتراض يا عامر ، أنا وعدت المدام خلاص إني هخرجها ..، ولا أنت عايز صاحبك يطرد من البيت

أكمل خطواته وهو يضحك علي عبارات صديقه ، يرتب خصلاته بيده الأخري متمتماً

- و أنا ميرضنيش إنك تزعل المدام

- عقبال ما أقولك الكلمه ديه يا عامر

هتف بها "أكرم" ، فتصلبت ملامحه وهو يصعد سيارته ..، فلن يسمعها من أحداً , لأنه لن يعطي أي أمرأه مكانه بحياته ..، هو لو تزوج ، و وجد المرأة التي يبحث عنها ..، ضعيفة ، لا تتحدث ، ترضي بأي شئ يقدمه لها

- أنا مضطر أقفل يا أكرم ، عندي مشوار مهم لازم أروحه وابقي أبعتلي مكان المطعم

وبفضول كان يتسأل أكرم

- مشوار إيه المهم يا عامر ، اوعي تقولي إنك لقيت العروسه

تجهمت ملامح عامر من سخافة صديقه اليوم

- مش ملاحظ إنك بقيت سخيف يا أكرم

- خلاص يا باشا ، هقفل بكرامتي

هتف بها أكرم مازحاً ، قبل أن يغلق الخط ، ويتجه نحو دار الأيتام وقد عاد عقله يشرد في أمر العروس التي سينهي بها أمل "محسن الصواف " في العودة لأبنته ، وسينجب الوريث الذي سيُخبر به الجميع إنه رجلاً بالفعل ، سيوجع تلك التي رأي الندم في عينيها بعد فعلتها الشنيعة به .

.............................

وقفت حياه توزع بلالين على الاطفال ، وقد لمعت السعادة في عينيهم ، ربطت للبعض البلالين في أقدامهم كما طلبوا منها ، ركضوا سعداء بالحفل ..، فبعد الحفل سيكون لديهم الكثير من الألعاب والثياب والحلوي

أقتربت منها أحدي الصغيرات وقد كانت تحمل بيدها حذائها ، انحنت نحوها تضحك علي كرهها لأرتداء الاحذيه ، تداعب وجنتيها الشهية ، وتمازحها

- أنا مش عارفه ، إيه سبب عدم حبك للجذم يا ليلي

والصغيرة تُخبرها ، إنها لا تُحب الاحذيه وتجرح أقدامها ..، ركضت الصغيرة من أمامها بعدما نداها اصدقائها وأتجهت نحوهم لتأكل الحلوي

طالعتهم "حياه" بابتسامه واسعه .. تدعو الله أن يمنحهم حياة أجمل حينا يكبرون

تقدمت منها السيده "فاتن" تهتف برضي وهي تتأمل حديقة الملجأ

- الجنينه بقي شكلها جميل اووي ، ربنا يسعدك ياحياه يابنتي زي ما بتسعدي غيرك كده .. وتابعت حديثها تردف بطيبه

- بس مكنش ليه لزوم تاخدي اجازه من شغلك النهارده يا بنتي

- عارفه ياماما فاتن نفسي اقدر اساعد الدار بأكتر من كده ، كنت اتمني يبقي مرتبي كبير واقدر اسعد الأطفال

التمعت عينين "فاتن" بحب ، لطيبتها وحنانها وتقديمها لكل ما تستطيع إلي الأطفال

- كفايه علي الاطفال ابتسامتك وحنانك ، الفلوس عمرها ما بتعادل الحنان يابنتي
...............................

ضحكاتهم أصبحت تتعالا وقربهم بدء يثمر بصداقه رائعه ، وما نفعها من هذا التقارب هو إنشغال تلك الافعي نيره في السفر للفرع الأكبر بالعاصمة

ركضت أروي ضاحكه بعدما سكبت بعض الدقيق على وجهها

- النهارده حرب الدقيق ، وبلاها الكيكه اللي كنا ناوين نعملها

فاتبعتها جنه بكوب من الدقيق ، راكضه خلفها نحو الحديقه الخلفيه في المنزل ، وأخذوا يتمازحون ، وسرعان ما كانت تتعلق عينين "جنه" بشئ ما خلف أروي ، فالتفت أروي بجسدها ، بعدما أخذها الفضول لتري ما تُحدق به ، صدحت صرخة أروي وهي تري الدقيق ينسكب فوق خصلاتها ، وجنه تركض من أمامها ضاحكه ..، تُخبرها إنها نالت حقها

تعالت صوت ضحكاتهم ، وهم ينفضون ملابسهم ..، عائدين للداخل ، ولكن تيبثت أقدامهم فجأة وكلتاهما تُطالع الأخري بعدما أستمعوا لصوته الجامد ، وقد ودع للتو أحد رجاله ، وكالعادة صرخ باسمها وحدها ، وتقدم منها بملامح يتطاير منها الشر

- جنه

وسرعان ما كانت تفر أروي من أمامه ، وقد تركتها تنال بطشه بمفردها ..، ازدردت لعابها وهي تراه يُحدق بها ويقبض فوق كفيه بوعيد

فتسارعت دقات قلبها خوفاً ، والتفت حولها تبحث عن أروي لعلها تأتي وتخلصها من شقيقها ، ولكن أروي كانت اجبن منها ، بل وأكثر معرفة منها بطباع شقيقها

- عملالي البيت مهزله ، ولا كأنكم في ملاهي ..

تتدافقت عليها كلماته اللاذعه التي أعتادتها منه ، ولم تعد تهتم بشئ يُخبرها به ..، التقط ذراعها وهو يري صمتها هاتفاً بقسوة

- أكلت القطه صوتك دلوقتي يا هانم واتخرستي

ضاقت عيناها ، وبحيلة ماكره لا تعلم كيف أتت على عقلها سلطت عينيها على شئ ما خلفه ،فليس أمامها شئ إلا الهرب من أمامه

جنه : غريبه يعني فاخر جاي لينا البيت

ترك ذراعها ، وقد التف خلفه ، ولكن سرعان ما كان يكتشف كذبتها وتلاعبها به ، ركضت من أمامه وقد تعالت ضحكتها تهتف بسعاده

- الهروب في الحالات ديه نص الجدعنه

تطاير الشر من عينيه وهي يسمعها

- هزارك ماسخ ، ومش مقبول ....

عادت ضحكاتها تتعالا ، غير عابئة بحديثه ، مما زاده حنقاً وتوعداً ..، فقد بدأت هذه الفتاه تخرق قوانينه ، تثير غضبه بل أصبحت لا تهابه ..، وشيئاً فشئ ستقف أمامه تُناطحه

رمقها وهي تصعد الدرج بخطوات راكضه ، ولولا عدم رغبته في رؤية شقيقته معاملته لها لكن صعد خلفها وعاد إليها تورم وجهها ..، وعلي ما يبدو إليه إنها قد أشتاقت للأمر.

........................

اتسعت ابتسامة السيدة "فاتن" ، وهي تحملق بالمبلغ الضخم الذي تبرع به الواقف أمامها ، التمعت السعاده في عينيها ، غير مصدقة قيمة المبلغ الذي سيساعدها في تصليحات الدار وجلب كل ما ينقص الأطفال من إحتياجات

- ربنا يباركلك ياعامر بيه ، وشكرا انك قبلت دعوة الدار النهارده

فحرك عامر رأسه بإيماءة بسيطة وهو يري السعاده في عينين المرأه السمحه

- اوعدك ان زيارتي مش هتكون الأخيرة

- ماما فاتن انا هبدء بفقرة الأراجوز دلوقتي

تصلبت حواسه وهو يستمع للصوت الذي أصبح يعرفه تماماً ، التف ببطئ نحو صاحبة الصوت ، تتعالا الدهشة فوق ملامحه

تعلقت عينين "حياه" به وقد أصابها الذهول ، تتسأل داخلها لما أتي هذا الرجل لهنا ، لكن سرعان ما كانت تنتبه علي حمقتها ..، فالرجل ميسور الحال وبالتأكيد من المدعوين للحفل لتبرع بالمال ، تلاشت صدمتها عندما وجدت يشيح عيناه عنها

فاشارت نحوها فاتن تدعوها للأقتراب

-أعرفك بحياة يا عامر بيه ، من الزوار الدائمين علي الدار ..، والأطفال بيحبوها أوي ..، ده غير الخدمات الكتيره اللي بتقدمها للدار

تعالت الدهشة فوق ملامح "عامر" ، وقد عادت عيناه تتعلق بها ، احتلي التوتر ملامحها ، فمدّ يده يُصافحها وكأنه لأول مره يراها ، فطالعت يده الممدودة ..، وأبتسمت بحبور وهي تُخرج من جيب تنورتها إحدي الحلوي

- أتفضل

فما كان منه غير انه ابتسم ، من مغزي تلك الهديه ، فقد رفضت مصافحته ولكنه تقبل الأمر برحابة صدر متفهماً سبب رفضها

- شكراً يا أنسه الحياة

هذه المرة أصبح يعلم إنها ليست متزوجه ، من خلو يدها من محبس الزواج

طالعتها فاتن بابتسامة محبة

- روحي ابدأي فقرة المهرج ياحياه ، عشان استاذ عامر يحضرها لانه شكله مستعجل

فانصرفت حياه علي الفور من امامهم ، وقد خفق قلبها من رؤية هذا الرجل مجدداً ، قاومت خفقان قلبها وعادت السعادة ترتسم فوق ملامحها وهي تري الصغار يركضون نحوها بالهدايا التي حصلوا عليها

وقف يُحدق بها ، ولم يعد منتبهاً علي حديث السيدة فاتن ، وقد أخذت تخبره عن الدار والمشرفات وما يسعون له من أجل توفير حياة كريمة للاطفال ، علقت عيناه بها مرة أخري وهي تبتسم ..، ولا يعلم لما أقتحمت صورة المرأة التي يرغب بها عقله.



............................

حاولت جاهدة بكتم صوت أنفاسها حتي يظنها غافيه ، و يبتعد عنها ..، شعرت بأنفاسه الساخنه فوق صفحات وجهها ، فارتفعت وتيرة أنفاسها رغماً عنها ، ابتسم بخبث وهو يكتشف تظاهرها بالنوم :

- انا عارف انك صاحيه ياجنه ، متحاوليش تهربي مني بالنوم .. بدل ما اعمل حاجه اخليكي تندمي عليها

احتلي الخوف قلبها ، ولكنها حاولت التماسك وتظاهرها بالنوم ، حتي يضجر منها ويتركها

اقترب منها "جاسر" اكثر، وعلامات المكر مرتسمه فوق شفتيه ، انتفضت فزعاً وهي تنهض من فوق الاريكة ..، تشهق بصدمه وهي تضع بيدها فوق شفتيها ، فقد حاول تقبيلها:

- انت قليل الادب

صدحت ضحكاته الساخرة ، وهو يراها بتلك الهيئة ، وقد عاد الذعر يحتل عينيها

طالعها بخبث... ينتظر رؤية صدمتها الأخري ، وقد كان متوقع ما سيحدث ، وها هو يري ردة فعلها التي زادته عبثاً ..،اطبقت فوق جفنيها بقوة ..، لا تُصدق إنه يقف أمامها عاري الصدر لا يرتدي سوى بنطالا قطنياً ..

- أستر نفسك

عادت ضحكته تتعالا ، لا يستوعب ما تفوهت به ، ولكن سرعان ما عاد لتلاعبه بها

- عشان متحاوليش تلعبي معايا تاني سامعه ..واتجه نحو المنضدة التي تجاور فراشه ، والتقط علبة سجائره ، دس السيجارة بين شفتيه وعاد يرمقها بتمهل ونظرات جامده :

- أنتِ في بلد في الصعيد ، والناس هنا ليها قواعد غير مكانتي وسط الناس بحذرك من اي تصرف يهز صورتي ، لا إلا هوريكي الجزء الوحش من جاسر المنشاوي .. واللي حصل النهارده هعتبره غلطه

أراد أن يري الخوف في عينيها ، ولكنها وجدها تستلقي فوق الاريكه تعبث في هاتفها القديم بطريقه عشوائيه حتي تتجاهله ، أستشاط غضباً من فعلتها واقترب منها يلتقطها من ذراعها ، فانتفضت صارخة :

- طب برود ببرود بقي ياجنه ، قومي هاتي ميه سخنه واغسليلي رجلي .. ما انا النهارده حابب ألعب معاكي لعبة القط والفار

دفعها من أمامه ، وقد ظنها سترفض أمرها ، ولكنها تفاجأ بابتسامتها المصطنعه

- عنيا ليك يا سي جاسر

تطايرت حمم الغضب من عينيه ، وهو يسمع عبارتها قبل أن تفر من أمامه ، ضغط فوق شفتيه بقوه يحادث نفسه :

- ماشي يا جنه

وبعد وقت .. كنت تجلس تحت قدميه تُدلكهما له بتمهل :

- قولتلك اللعب مع جاسر مينفعش

فرفعت وجهها نحوه وبنبرة بارده , كما أصبحت تتعلمه منه :

- هو أنت فاكر أإن أنا بعمل كده عشان خايفه منك ، يبقي للاسف مفهمتنيش يا ابن حسن المنشاوي .. بس انا بطيعك عشان طاعة الزوج

واردفت بخبث ، تنتظر رؤية ردة فعله

- غير لما اطلب منك وانا تعبانه تغسلي رجلي تبقي تغسلها ليا

ألجمته عبارتها ليرفع حاجبه الأيسر يرمقها بمقت ، يهتف حانقاً:

- نعم ياختي

جنه : اه وفيها ايه ، هقدم السبت عشان الاقي باقي الاسبوع ..غير ان اللي أنا أعرفه ان سيادة النائب راجل خدوم واللي بيقدم ليه خدمه بيقدمله عيونه ولا ايه

فانتفض من مكانه يتوعد لها :

- نجوم السما أقربلك ، وشكلي اتهونت معاكي في حاجات كتير

فنهضت قبلته ترفع شفتيها إستنكاراً :

- هتضربني تاني ، بس افتكر ان كل صفعة بتفقد فيها رجولتك

ليصرخ بها بعدما لم يعد يستطيع تحمل ردودها :

- اطلعي بره الاوضه مش عايز اشوف وشك السعادي ،غوري نامي في اي مكان تاني

لتترك له الغرفة ، فأخذ يدور بها كالمجنون وقد فقد صوابه بسبب وقوفها أمامه غير عابئة منه

ارتسم الزهو فوق شفتيها وهي تهبط الدرج... فتلاقت عينيها بعينين أروي وعلي ما يبدو إنها أستمعت لشجارهم، طالعتها أروي بأسف :

- أنا أسفه ياجنه !

.......................

اغمض عيناه بقوه وهو يطرد أحداث ذلك اليوم من عقله ، فقد اصبح يكره التفكير في اي يوم يمر عليه ولكن اليوم كان مختلفاً تماماً عن باقية الايام .. ، ليتذكر تفاصيل يومه في دار الايتام ويتذكرها هي خصيصاً وكيف شيعها بنظره طويلة قد ألقاها عليها قبل الرحيل ..، وكأنه عقله بدء يتخذ القرار نحوها ،

أتكأ بجسده على جانبه الايمن ، وقد عاد لشروده في تفاصيل ملامحها فلم تكن بارعة الجمال ، ولكنه لن يختارها لجمالها ..، فهو لا يُريد إلا زوجه يضعها في قصره كأثاثه الثمين ، لا تسمع ولا تري ولا تتكلم ..، تعرف تماماً إنه تفضل عليها بالزواج منها ، وانها لا قيمه لها بحياته ..، إنما هي زوجة تمتعه متي يشاء ، لا يسمع منها غير كلمة نعم .

اقتحمت هذه المرة صورة أخري علقه ، تلك التي شاركتهم طاولة العشاء برفقة عائلة صديقه ، وقد دعتها زوجة صديقه ، لعلها تجذبه بملامحها الجميلة الفاتنه وجسدها المتناسق الذي يشبه عارضات الأزياء ، بجانب شهادتها الجامعيه , فهي طبيبة أسنان ، ذو أصل عريق ، مثقفة .. وقد ظن صديقه إنها نالت إعجابه لتحاوره معها في بعض الحديث ، ورغبته في زيارة عيادتها ، ولكنها كانت بعيدة عن الصورة التي يرغبها.

........................

كان الملل يحتل كل جزء من عقلها فلا شئ يُسليها في هذا المنفي ، رغم انه منفي جميلا وبجانب من تمنته في أحلامها , إلا أن المكان كالجليد مثل صاحبه ..

زفرت أنفاسها بضجر، وهي تُفكر في شئ تفعله إلى ان وقفت امام خزانة ملابسها وقد ملئها لها بكل ما تحتاجه من ثياب عصرية.

التقطت تنوره قصيره ، لا تعرف لما جلبها لها , وهي محجبه وبالتأكيد لن ترتديها في المنزل ..، فهي ليست زوجه حقيقية تتزين لزوجها حتي تغريه بفتنتها وجمالها ، نفضت هذه الأفكار من رأسها متهكمة علي حالها ..، واسرعت في التقاط بلوزه رائعة التصميم تُناسقها في اللون

أرتدتهم بسعاده وخاصة بعدما تأملت هيئتها بالمرآة ورأت جمالها فيهما

اشعلت المسجل وقد أتتها رغبة بالرقص ، و أخذت تدور بالتنورة على غنوة صاخبة بلحنها وشعرها يتطاير نحوها بخفه ..

شردت في لحظات ليست بقديمة ، فتذكرت رقصتها التي أصرت عليها "ناهد" بأن ترقصها وسط صباح وسعاد رفيقاتها بالقصر ..، أقتحمت صورة ناهد عقلها بحنين وشوق عصف بفؤادها ، تتمني مهاتفتها , ولكن اين هاتفها فقد تحطم منها قبل ان تأتي لهنا ..

اطفأت المسجل ، وجلست على فراشها بأسي تلتقط أنفاسها .. وقد ضاع رغبتها في الرقص مع أحزانها

ومع مشاعرها الحزينه المشتاقه ، لم تسمع صوت الطرقات علي باب حجرتها ثم دلوفه الغرفة ، يضع هاتفه على أذنيه يهتف بمن يحادثه :

- ثواني ياماما هخليها تكلمك

رفع بهاتفه نحوها : صفا .. ماما عايزه تكلمك لانك وحشاها

وسرعان ما كانت أحزانها تتلاشي ، تلتقط منه الهاتف وتُحادث ناهد ، تحركت أمامه بخفة ودلال لما تقصده ..، فانتبه علي ما ترتديه أخيراص ، و لأول مرة يراها بهذا التحرر ، أخذت عيناه تتفرسها بتفحص

أنتهت المكالمه لتناوله الهاتف بسعاده :

- كان نفسي أكلمها اووي ، مكنتش عارفه ان ربنا هيحققلي امنيتي بالسرعه ديه

ولكن لا رد كانت تتلقاه منه ، فقد كانت عيناه عالقه بجسدها الذي يظهر إليه بسخاء وبدعوه صريحة . 
لا تعرف متي وكيف كان قريبً منها للغاية ، أنفاسه تلفح صفحات وجهها ، يزدرد لعابه ببطئ ، ينظر إليها بنظرة كانت غريبة عليها ، ولكنها جعلتها تشعر بالحرارة تحتل سائر جسدها ، أغمضت عيناها لا تقوي علي قربه ولا النظر في عينيه ..، وبصعوبة كان يهمس وهو يرفع كفه يمسح به فوق خدها ببطئ

- أنتِ جميله أوي يا صفا

سلبت كلماته أنفاسها ، فتسارعت دقات قلبها ..، فتحت عيناها بتمهل، بعدما شعرت بأنها لا تقوي علي لمساته ، رأها تنظر إليه بنظرة كانت شبيها بتلك النظرة التي كانت تخصه بها حبيبته الراحله ، انتفض عنها بعدما شعر بفقدانه لسيطرته علي مشاعره ..

خرج من الغرفة بخطوات سريعه ، وكأنه يهرب من شئ ما ..، ولكن الحقيقة كانت واضحه بالنسبه إليها بل مؤلمه..، إنه يهرب منها وحدها

........................

جففت جبينها بارهاق من شدة اعيائها ، تنظر نحو لدلو الماء وقد بدء جسدها يؤلمها ..، ولكنها تحاملت علي نفسها ..، واكملت مهامها ..، أكملت تنظيف المنزل ومسحت الأرضيات

عادت تجفف حبات عرقها ، فاقتربت منها نساء ..، تنظر للمنزل بنظرات فاحصة ..، حتي أرتسم الرضي فوق ملامحها ولكن سرعان ما أحتل الأستياء ملامحها

- ما أنتِ زي القرده أه ، اومال ليه كنت عملالي فيها تعبانه

واردفت بتهكم ، رغم إنها تري المرض ظاهر علي ملامحها

- مكنش دور برد ده اللي عايزه تقضيه في السرير ، ولا أنا علي كده جبل ..، شايله عنك كتير

- ربنا يديكي الصحه يا سناء

هتفت بها "حياه" وهي تتجاهل كلماتها ، أمتقعت ملامح "سناء" وهي تستمع لعبارتها ..، فالماكرة تُريد أن تكون بصورة الملاك ، وتظل هي الشريرة

- خديني بكلمتين يا ختي ، يلا أنجزي وخلصي مش هنقضي طول اليوم تنضيف ، ولا عايزه اخويا مسعد يجي يلاقي البيت يضرب يقلب ، والأكل لسا مخلصش

- معلش ياسناء هخلص اه ، ما انتي عارفه غسيل الهدوم اخد اليوم كله مني

رمقتها "سناء" بضيق ، فهي لا تُريدها صامته هكذا ..، تُريدها أن تفتعل شجاراً معها ، لعلها تستطيع التخلص منها ، وبحقد ألتمع في عينيها ..القت عبارتها وهي تنتظر تلك المرة , أن تري ثورتها وغضبها ..، حينا تعلم بالقرار الذي أتخذته هي و زوجها وسيأتي شقيقها اليوم من أجل هذا القرار.

- مسعد هيقرء فتحتك النهارده مع رجب.. هو رجب ملقيش

سقط دلو الماء من يدها ، فاغرقت المياة الأرضيه ، صرخت سناء بضيق غير عابئة بشحوب ملامحها ، ولا تظراتها التي فاضت بالصدمه والألم ، وبانفاس اصبحت ثقيلة تسألت

- رجب وافق علي مسعد !

و "سناء" تمنحها الجواب بنظرات شامتة ، وهي سعيدة بقرب الخلاص منها

.......................

ظل عقلها شارداً ، بأحداث الليلة الماضية ، وكيف خرج من غرفتها سريعاً وكأنه يهرب منها ..، حتي إنه لم يرغب بتناول وجبة العشاء معها ..، رغم إنهم مؤخراً أتفقوا علي تناولها سوياً ..، ما دام اقامتهم مستمرة حتي ينتهي هذا العام ..، فلن يظل كل منهما يتعامل مع الأخر وكأنه غريب

جلست فوق الأريكة في صمت، تستعجب دعوته لها في غرفة مكتبه ، وقد تركها معتذراً منها حتي ينهي مكالمته

نهضت عن الأريكة ، بعدما طالت عودته ..، وسمحت لنفسها بتأمل الكتب المرتصة فوق الأرفف ، تعجبت من كمية الكتب واخذها الفضول لتلقط البعض ..، تنظر داخلهم

ابتسم وهو يتجه نحوها ، يراها تنظر ممتعضه لكتاب باللغة الأنجليزيه ، وقد اصبحت تسبب لها عقدة

- مش عجبك الكتاب ياصفا

سألها مازحاً وهو يري امتعاضها ، ويلتقط منها الكتاب ..، ليعلم السبب

رمقته بتوتر ، وهي تسمعه يقص لها عن الكتاب ، ومن حديثه كان الكتب كنز ثمين يجب عليها قراءته

- حقيقي أنا برشحه ليكي تقري يا صفا

اطرقت رأسها خجلاً وهي تمنحه الجواب ، الذي تغافل عنه

- بصراحه مش هعرف اقراه ، انا كويسه في الالماني بس الانجليزي لاء بصراحه لغتي فيه ضعيفه شويه وممكن تقول شويتين

ابتسم علي عبارتها ، فقد اصبحت تجعله يبتسم من حديثها الذي لا تتصنعه ، وضع الكتاب جانباً ، والتقط كتاب أخر

- تحبي تقري شعر

كان الكتاب عبارة عن دواوين شعر ، راقبها وهو ينتظر جوابها ..، فوجد السعاده تلمع في عينيها تومئ له برأسها وتُشاكسه بالحديث

- بس ياريت يكون مترجم ، ما انا مش لسا هترجم سطر سطر

صدحت ضحكته التي أصبحت تتعجبها منه في الأوان الاخيرة

- لاء متخافيش ياستي انا هترجملك وهقرهولك كمان

ويا للصدمه حبيبها يقرء شعراً عن الرثاء ، اغمضت عينيها وقد ضاعت أمالها ، فقد ظنته ديوان عن الغزل ، وبصوت خافت أخذت تُحادث نفسها

- رثاء ، احلامك كلها ضاعت يا صفا

……… ……..

اليوم هو قدوم عمتها وعمها من العمره ، كانت السعادة تعم المنزل الكبير والكل يستعد لأستقبالهم ، ورغم السعادة التي ملئت قلبها لعودتهم إلا إن الألم من حيناً إلي أخر كان ينغز قلبها , فتلمع الدموع بعينيها وهي تري حالها منبوذه بينهم ..، فالجميع ذهب بالسيارات لاستقبالهم ولم تبقي إلا هي بالمنزل بين الخدم تُساعدهم في الطهي والأمور العالقة ، وكأنها غريبة عنهم ولا حق لها في أن تُشاركهم شئ ، علقت الدموع بعينيها ..، ورغماً عنها كانت تنساب فوق خديها وسرعان ما كانت تتمالك حالها تمسح عنها دموعها ..، تنظر نحو احدي السيدات العاملات في المنزل

- عنك يا خالة هنية ، هاتي اكمل عنك

لطمت العمه "هنية" صدرها ، وهي تراها تُحاول أن تلتقط منها إناء الطهي ، وللحقيقة هم لا يجعلوها تفعل شئ ..، لأنهم لا يروها إلا سيدة في هذا المنزل وزوجات كبير العائله بل بلدتهم

- لا ياست جنه ، متودنيش في داهيه ياغاليه انا وصالحه هنخلص كل حاجه قبل الحاج والحاجه ما يوصلوا بالسلامه



- وفيها ايه ياخاله هنية ، هو أنا مش زي صالحه بنتك .. خليني اساعدكم انا قاعده فاضيه



ألحت في طلبها ، حتي قبلت العمه "هنية" عرضها بصعوبة ، ابتسمت "جنه" وهي تحمل عنها الإناء وتضعه فوق الموقد ، ولكن سكنت مكانها وهي تستمع لسؤال "صالحة" أبنة هنية عن سبب عدم ذهابها معهم

- هو انتي مروحتيش ليه مع جاسر بيه جوزك ياست جنه ، فاخر بيه أخد معاه الست هدي وكمان اروي .. اشمعنا انتي

زجرتها والدته بعينيها ، بعدما رأتها تتدخل فيما لا يخصهم

- مالكيش صالح بلي بيحصل ياصالحه ،اسكتي خالص وخليكي في شغلك وريني همتك

- هو أنا قولت حاجة يا أماه ، أنا بس بسأل الست جنه

تجاوزت "جنه" سؤالها ، فبماذا ستخبرها ..، هل ستُخبرها أن السيد جاسر لا يراها زوجة وأنها لا تقل شئ عنهم ، اتجهت نحو السكين تلتقطه حتي تُكمل تقطيع الخضار وعلي وجهها ابتسامة واسعة تخفي خلفها قهرها

- ها هنعمل ايه تاني ،قبل ما يجوا من ...

كادت ان تكمل عبارتها ، إلا إنها وجدت كل من يعمل بالبيت يركض بعدما استمتعوا لطلقات النار وصوت السيارات يعلو خارجاً ...

انتفضت مذعورة ، وسارت نحو الخارج مثلهم ..، حتي تُطالع ما يحدث

وقفت تنتظر عمها وعمتها بفرحه وقد تقدمت عن الخدم ، بعدما شعرت بالحرج بوقوفها بعيداً منزوية بحالها ، بهتت ملامحها ..، وقد ألجمها ماتراه , زوجها يسير برفقة أبنة خالته التي تسعي جاهدة لتتزوجها حتي لو ستكون زوجه ، تركها تتباطأ ذراعه غير عابئ بها ولا بنظرات الخدم إليها

ابتلعت غصتها ، واشاحت عيناها بعيداً عنه .. فانتبهت علي صوت عمها عبدالرحمن الذي تقدم منها ، يمد لها يده حتي يصافحها , بعدما طردها اشر طرده عندما جاءت تطلب مساعدته

عبدالرحمن : اهلا ببنت اخويا الغالي ومرات ابن اخوي

.......................

اخذت دموعها تنساب فوق خديها ، تنظر نحو أخيها برجاء ، وقد ثقل الألم فؤداها ولم تتبقي إلا المرارة في حلقها وهي تسمعه

رجب : هتفضلي لحد امتي ترفضي اللي بيتقدمولك ياحياه ، مسعد راجل مش هتلاقي زيه

حاول شقيقها إقناعه ، رغم إنه يعلم بكذبته ..، ولكن لم يعد بيده أي شئ يفعله

حياه : مش عايزه اتجوز يارجب ، وبالذات مسعد الله يخليك

تألم قلبه ، وهو يراها تجثو فوق ركبتيها تتوسله ، تكاد تُقبل قدميه ..، علقت الدموع بعينيه وانحني يلتقطها من فوق الأرض يمسح دموعها التي أغرقت خديها وقد تعالت شهقاتها

- انت زهقت مني يارجب ، لو عايزني اطلع من البيت وأروح اعيش عند خالتي همشي يا اخويا

لم يتحمل "رجب" رؤيتها هكذا ، واسرع في طرق رأسه حتي لا تري دموع عجزه ، يُخبرها راجياً موافقتها ..، حتي تُخلصه بما ورط حاله به

- لازم تتجوزي مسعد ياحياه ، مسعد كاتب عليا شيك كبير اوي لا إلا كده اخوكي هيتحبس

تجمدت عيناها نحوه ، وقد صدمها ما تسمعه منه..، اشاح عيناه عنها ..، فاقتربت منه ترفع وجهه إليها تسأل بتعلثم

- عليك كام ليه يا رجب ؟

شحبت ملامحها ، وهي تستمع للمبلغ المالي الضخم ، فابتعد عنها وهو يعلم أن خلاصه بها وحدها ..، فهو لن يتحمل دلوف السجن وترك أولاده مشردين دونه

- أنا أجلت كتب الكتاب لأسبوعين قدام نكون جهزنا حاجتك يا حياة ..

.......................

الألم يزداد اكثر واكثر في قلبها ، فتجدهم جميعهم يجلسون يتمازحون إلا هي تجلس في زاوية بعيده تتلاعب بتطريز عباءتها الورديه ، تتذكر حديث والدتها,عندما حادثتها صباحاً

" الست الشاطره تكسب جوزها يابنتي ، وجوازات كتير كانت كده ونجحت بالعشره والموده .. ابن عمك راجل ميعبهوش حاجه متضيعهوش من ايدك "

التمعت عيناها بالدموع ، فعن أي زوج تتحدث والدتها ..، إنها لا يراها من الاساس ولا يرغب بوجودها ، يُهينها ويُهمش وجودها بحياته ..، وما عليها إلا الصمت , فقد ارتضي والديها بتلك الزيجة وما عليها إلا الدفع الثمن

اصرفت عيناها بعيداً ، ولكن سرعان ما كانت تفيق من شرودها وتعود بالنظر نحو عمها حسن، وهو يدعوها للأقتراب منه :

- تعالي يامرات والدي جانبي

وتابع حديثه وهو ينظر نحو جاسر وقد ضجر من حديثه عن العمل :

- جوزك زهقني من كلامه اللي كله عن الشغل والاراضي

نهضت عن مقعدها بصعوبه ، وهي تنظر البعض تترصدها ،أقتربت من عمها تُلبي رغبته في قربها ..، وقد أسعدها اهتمامه بها ، وعادت السعاده تلتمع بعينيها المنطفأه

رمقها بنظرات جامدة تفرسها ، يتأخذ طرف الأريكة حتي يترك لها مكاناً جوار والده

- ومينفعش اقعد انا جنبك ياجوز خالتي

هتفت بها "نيرة" وكادت أن تنهض ، ولكن نظرات حسن القوية جعلتها تتراجع وتعود لمقعدها

وبهمس خافت كان يُتمتم ، وقد أستمعت إليه "جنه" وقد اتسعت ابتسامتها : قبر يلم العفش

اصبحت الجالسة هذه المرة محور الحديث عنهم ، وعن رغبتهم في رؤية حفيداً لهم ، تخضبت وجنتاها وهي تستمع لحديث العم والعمه منيرة ..، فحدقها بنظرات جامده ، ونهض من فوق مقعده بعدما شعر بالأختناق ينظر نحو هاشم أبن عمه ، وفاخر شقيقه الذي اخذ يُلاعب طفله الرضيع

: عايزك يافاخر انت وهاشم في المكتب

هتف عبارته بقوة ، وهو يسرع بخطواته نحو غرفة المكتب ، فهو يُريد الهروب من تلك الجلسة ، فلم يعد يتحمل حديثهم الذي يزيده حرقة وألماً ، فهو لا يُنجب ولن يروا أولاده يوماً.

شحبت ملامحها، وهي تراه ينهض بتلك الطريقة ،وقد أتجهت أعين الجميع عليهم ..، متعجبين الحالة التي أصبح عليها فجأة

نهضت "نيرة" عن مقعدها ، بعدما أتتها الفرصه واقتربت منها ونظرات الحقد تحتل ملامحها

- أول ماقربتي منه ، مطقش يقعد جانبك وقام ..

وبمكر كانت تردف بهمس

- متحلميش إن الجوازه ديه تستمر ، وإنك هتفضلي مرات جاسر المنشاوي

.....................

اسبوعا طويلا قد مر عليه وهو يقاوم رغبته في الذهاب إلى ذلك الملجأ ، فقد اتخذ قراره وحسم الأمر ..، هي الزوجة المطلوبة ..، هي من وضع فيها شروطه

انتابه شعور بالضيق من حاله قليلاً ، فكيف يُفكر بالزواج بتلك السرعه .. ،وهو لم يفيق من زيجته من فريدة ..، ولكن عاد وميض الحقد والأنتقام يلمع في عينيه .. سيريها هي والدها كيف لا يكون رجلاً

نهض عن مقعده وهو يلغي احدي إجتماعته الهامة تحت نظرات سكرتيرته المتعجبة

وقف بسيارته أمام الملجأ ، ولدقائق ظل مكانه ..، يُفكر للمرة الأخيرة ..، ترجل من سيارته بعدما فتح له سائقه الباب ، وبخطي واثقه كان يتحرك نحو بوابة الدار

تهللت أسارير السيدة "فاتن" ، وهي تراه سائقه خلفه يحمل بعض الهدايا

أقتربت منه تهتف بسعاده وقد ركض الأطفال أمامها:

عامر بيه نورت الدار ، انا قولت خلاص مش هنشوفك تاني

صافحها "عامر" ينظر حوله ، لعله يجدها اليوم ..، ولكن أمله قد خاب .، ولكن سرعان ما ألتمعت عيناه ، فالسيدة "فاتن " منحته الجواب قبل أن يسألها عن عنوانه ..، بل وسهلت عليه عرضه حينا يتقدم لها ، فكل شئ في قبضة يده ، وستتم تلك الزيجة بصورة سريعه ..، فالمال وحده من سيكون المتحكم بالقرار

- حياه هتتجوز ومش هتيجي الدار تاني خلاص

.........................

وقف مصدوما وهو يتأمل صديق عمره الواقف أمامه الان ، إلى أن سار بسعاده نحوه يحتضنه بشوق

أحمد : مش معقول يارامي ، انت هنا في أمريكا

- قولت مش هتنساني ونستني يا ابن السيوفي ، بس أنا مطلعتش قليل الأصل زيك

تجلجلت ضحكات "احمد " ، وقد شعر رامي بالغرابه قليلا ..، فصديقه قد بدء يعود لعهده قديماً ، دعا داخله أن يستمر به الحال هكذا ، وتنهد وهو يسأله مازحاً , بعدما أرتشف القليل من مشروبه .. : مفاجأه حلوه صح

احمد : اكيد ، بس ليه مقولتليش قبل ما تيجي

- ياسيدي جالي عرض عمل هنا ، غير ان البنت اللي بحبها مقيمه في امريكا

عادت أبتسامة "أحمد" تتسع ، وهو يغلق بضعة ملفات أمامه ، يتذكر تلك العلاقة التي كان لا يُحبذها

- البنت اللي عرفتها عن طريق مواقع التواصل الأجتماعي ، مش معقول يا رامي

طالعه "رامي" وهو يعلم ما سيُلقيه عليه صديقه ، من عبارات مستاءة

- بلاش تفضل تديني مواعظك وحكمك والفشل والكلام ده .. انا بحبها بجد يا احمد

لم يرغب "احمد" في الحديث عن الأمر، قد أتخذ فيه صديقه قراره

- ربنا يسعدك يا رامي ، وعلي فكرة أنا مبسوط إنها جابتك أمريكا

تحدثوا بمواضيع عدة ، وعن اسم الشركة التي سيعمل بها صديقة عنه ..، عرض عليه "احمد" أن يعمل معه ، ولكن "رامي" فضل العمل في هذه الشركة ، يُخبره بمزاح

- لا أنت بالذات يا ابن السيوفي ، محبش إنك تكون مديري ..، أنت منضبط زي الساعه

تعالت ضحكاتهم ، وحل الصمت بينهم للحظات ..، فوضع "رامي" كوب مشروبه فوق الطاوله يتسأل بفضول :

- انت أزاي اتجوزت ، انا مش مصدق الخبر لحد دلوقتي

أشاح "أحمد" عيناه عنه ، فهو لا يحب الحديث عن هذا الأمر:

- حبيت اتجوز فأتجوزت .. ، غير ظروف الشغل هنا خلتني أفكر فعلا في وجود زوجه حتي لو فترة غربتي

حدقه "رامي" في صدمه ، مما يسمعه منه :

- بس مش شايف ده ظلم ليها ، الطلاق مش سهل علي أي ست يا أحمد ، وافرض بقي في ولاد بينكم يا احمد

تجمدت ملامح أحمد ، وهو يستمع لعبارات صديقه ..، فعن اي أطفال يتحدث صديقه ، وزيجته ب صفا بعقد مشروط وهو لن يمسها حتي تنتهي مده زواجهم ويستطيع التحرر من هذه الزيجة

- أنا وصفا متفقين علي كل حاجه ، هعوضها لما ننزل مصر بشغل في أكبر الشركات ، وهديها الفلوس اللي هي عايزاها

فسر له الزيجة بعبارات بسيطه ، وقد فهم "رامي" الأمر ..، وقد أزدادت صدمته

- وهي راضيه بكده

وبهدوء كان يُجيبه حتي يُنهي هذا الحديث ، وقد نهض عن مقعده .. متجهاً إلي مطالعة الطريق بالخارج

- جوازنا زي عقد العمل يا رامي

..............................

كانت حره طليقة تتمتع بحريتها وسط الأراضي المزروعه ، تستنشق رائحة المحاصيل في موسمها، وتستمع بطراوة الهواء.

ارتسمت على شفتيها ابتسامة محبة وهي تتأمل ملامح أطفال القريه وهم يركضون ناحية بركة صغيره في الجانب الأخر..يسبحون بها

ظلت أبتسامتها تتسع رويداً ، وهي تتذكر بأن اليوم هو بداية تمردها عليه ،

و قد أصبح وجعها يفوق قدرتها فيكفيها وجعاً وتحملاً من قوانينه

خرجت متحججه من عمتها بأنها تريد العوده إلى بيتها .. ورغم إصرارعمتها بأن تمكث معهم كما أعتادت حينا يُسافر للعاصمه ، حتي يعود من رحلة سفره ولكن كان الافضل لها ان تنفرد بحالها بل وتتمرد علي قيوده اللعينة وكأن زواجهم حقيقاً ..

لقد اصبحت تستقلي فوق فراشه دون أن تخاف ، بل وستخبره أن يكون لها فراشاً مريحاص مثله

دغدغها نسمات الهواء العليلة ، وهي تشرد في رائحة عطره التي تعبئ وسادات فراشه فحتي في غيابه يترك لها اثره

زفرت أنفاسها بخيبة فكلما خفق قلبها بحبً صغيراً نحوه دمره هو بأفعاله الظالمه .. فما ذنبها ان تتحمل ماضيه بقسوته

فاقت من شرودها ، وقد تعالا رنين هاتفها , فتخرجه سريعا من جيب عباءتها

- أيوه يا أروي

- انتي لسا زعلانه من كلام هدي ياجنه ، هي بس عايزه تفرسك ياهبله

اعاد حديث "أروي" لها ما حدث وحاولت تناسيه ، عادت الدموع تلتمع بعينيها وهي تُجيبها بألم:

- انا منسيه من حياتكم كلكم يا أروي ، متقلقيش عليا انا كويسه هتمشي شويه وراجعه

تعلثمت أروي في حديثها متمتمه , قبل ان تنهي المكالمة وقد شعرت بحزنها :

- جاسر قرب يوصل ، فاخر هيروح يجيبه من المطار

وعادت تكمل سيرها تحادث نفسها ، فهو في رحلة لسويسرا ، ولم تعرف إلا من عمتها ، فلم يكلف نفسه عناء ان يخبرها بشئ .

سقطت دمعة من عينيها وهي تتذكر كلام هدي عن اتصاله الدائم بوالده وعمته واخاه فاخر للأطمئنان عليهم .. ولكن اين هي من كل هذا؟

انتبهت على صرخات احد الاطفال الذين لا يتجاوزون عمر الثانية عشر ويفلحون في الارض ، ويد أحدهم تصفعه

ركضت ناحيته بأشفاق ، تنهض الطفل من الارض ..، تمسح عنه الغبار تسأله برفق إذا كان بخير ، اماء لها الطفل برأسها وهو يتحاشي النظر نحو ذلك الذي وقف يرمقه بوعيد أخافه :

- ابعدي ياحرمه انتي من هنا ، بدل ما أطخك .. حرمه وشها مكشوف

لم تتحمل "جنه" كلماته المهانة ، واقتربت منه وقد احتدت عيناها ، تصرخ به :

- انت بتضربه كده ليه ، انت راجل معندكش رحمه

حدقها الواقف في صمت ، وسرعان ما كانت تصدح ضحكته عاليا ، وقد التف بعد المزارعين حوله يستنكرون وجودها هنا ويتساءلون عن هويتها ، فهتف احدهم :

في حاجه ياحاج منصور

جذب منصور يد الصغير يدفعها بعيداً ، حتي يتفرغ لها :

- خد حسابك وامشي ، وقول لامك معندناش شغل ليك ، وانتِ بقي لازم اعرف أنتِ تبع مين ياحلوه ، و واقفه تبجحي قدام الرجاله

لم تعبأ بتهديده ، وصاحت بصوت مرتفع وهي تجذب الصغير ليها

- هبلغ عنك البوليس ،سامع ياعديم الضمير والرحمه

......................

جلس بإسترخاء يتأمل الشخص الواقف أمامه بعينين مفترسه ، فمنذ أن وضعها داخل رأسه ، فاصبح تفكيره بها محصورا حول دائرتها وحياتها وحياة شقيقها

أسبوعا أخر ، منذ ذهب للملجأ وعلم السيدة "فاتن" أمرها ، ولولا سفره ذلك اليوم لأمر عاجل لكانت زيارته لتلك العائله قد تمت

ويا لحظه السعيد ، كل شئ يسير لصالحه ، فالشقيق لم يكون إلا عامل بأحد مصانعه

دلف "رجب" بخطوات عثرة مكتبه ، يخشي طرده أو شئ أكبر من هذا القبيل ..، داخله كانت مخاوف كثيره ..، فلم يحدث أمر هكذا من قبل وتم أستدعاء السيد الكبير , لأحد من عماله ..، حتي ان مديره قد تعجب الأمر

طالعه "رجب" وهو يزدرد لعابه ، ينتظر سماعه ، التمعت عينين "عامر" بفخر وهو يري مكانته وسلطته في أعين الناس

- تعالا يارجب

حدق به "رجب " ، وتقدم منه بخطوات مرتجفه ، وعلي وجهه تساؤلات كثيرة لسبب وجوده اليوم هنا ، أشار اليه بأن يجلس , حتي يرحمه من هذا الذعر

ارتبك "رجب" وهو يُنفذ أمره ، ينظر إليه بقلق

- هو أنا عملت حاجه ياعامر باشا، انا موظف أمن غلبان عندك وفي حالي والله ياباشا

أشعل عامر سيجارته ، ومدّ له بعلبة سجائره .. حتي يلتقط منها واحده , فاسرع "رجب" في تناول واحده ، ارتسم الذهول فوق ملامح "رجب" وهو يراه ينهض عن مقعده ويتقدم منه ليشعلها له

- مالك يا رجب خايف كده ليه

- العين متعلاش علي الحاجب يا بيه

أنفرجت شفتيه في ضحكة عاليه ، وهو يستمع لعبارته

- اقعد يا رجب ، خلينا نتكلم

عاد "رجب" لمكانه يتسأل حتي يطمئن قلبها

- هو أنا عملت حاجة يا بيه

جلس "عامر" قبالته ، يتفرس ملامحه الخائفه

- وتفتكر لو كنت عامل حاجة يا رجب ..، كنت هتبقي موجود هنا في مكتبي

زفر "رجب" أخيراً أنفاسه ، بعدما اطمئن قليلاً وأنتظر سماعه

- اومال حضرتك ليه طلبتني ياباشا مدام معملتش حاجه

عامر : انا عايز اتجوز اختك حياه

انتفض "رجب" عن مقعده ، ينظر إليه مدهوشاً مما سمعه ، لا يستوعب ما نطق به رب عمله .. ، وبتعلثم أخذ ينطق

- تتجوز مين يا بيه ، أختي حياه

حدقه "عامر"، وهو ينفث دخان سيجارته , مشيراً إليه بالعودة لمقعده:

اكيد طلبي مش مرفوض يا رجب

ازدرد "رجب " لعابه :

بس حياه كلها يومين وتتجوز

التمع الجمود في عينين "عامر" ، ولكن سرعان ما كان يميل نحوه يسأله:

هترفض طلبي يارجب

- مقدرش ياعامر بيه ، لكن مسعد كاتب عليا شيك ب مائة ألف جنيه

تعالت قهقهات عامر ، وهو يسمع الثمن ..، نهض من أمامه وعاد لمقعده ليجلس خلف سطح مكتبه بشموخ

عامر : مش مهم ، الفلوس هدفعلك أضعافها يارجب

والعرض كان سخياً بشده ، علي رجلاً مثل رجب 
- أمسك الحُرمه اللي متربتش ديه ياواد يا عنتر ، انا لازم اعرف من أنهي عيلة في البلد

هتف بها الواقف ، واردف وهو يتفرس ملامحها ويستمع للهجتها ، وقد ظهر فوق ملامحه الوعيد لها ، نحو ما ينتظرها ، فكيف لأمرأه في بلدتهم أن تقف هكذا أمام الرجال ، إنه لعاراً لهم

- شكلها مش من نواحينا ، بناتنا وحريمنا متربين وعارفين أصولنا

احتدت ملامح "جنه" وهي تستمع لعبارته وسط رجاله بتلك الروعنة ، فستنتظر ليعرف هويتها بنفسه , حتي يخرس تماماً

- واللي يدافع عن حق عيل صغير يبقي مش متربي ، قصدك جبان ميعرفش يعني إيه رحمه

تعالات أصوات الواقفين ، لا يُصدقون إنهم تهينهم بهذا الشكل المُهين ..، بل وتقف أمام ناظرهم "السيد منصور" الذي توكله عائلة المنشاوي علي جزءً من أملاكهم

تجمع الرجال حول "السيد منصور" ، مما جعل كل من يتحرك سيراً علي الأقدام في البلده يقف ليُطالع المشهد ، فالأول مرة تقف أمرأة لديهم تتبجح أمام رجلاً

التمع الوعيد في عينين "منصور" بحده ، يصرخ بأحد المزارعين

- حد يشوفلني من أي بيت الحرمة ديه

تجهمت ملامح "جنه" وهي تستمع لعبارته وتراه يناديها بهذا اللقب ثانية ، ضمت الصغير إليها ، تهتف بلامبالاة ..فتهديده لا يفرق معها بشئ

- اعلي ما في خيلك أركبه ..، و أنا مستنيه تجبلي كبيرك ..عشان يعرف إزاي يشغل راجل ظالم زيك

احتقنت ملامح "منصور" ، و ازدادت عيناه قتامة ..، و قد أنتهي وقت صبره ..، ترقب الجميع ما ينتظرونه ، ولم يخيب منصور ترقبهم , فرفع كفه لأعلي بعدما أندفع صوبها

- يبقي لازم تتربي ، الحُرمه اللي زيك ناقصها راجل يشكمها

……………………

- اخبار سفريتك ايه ياجاسر

تسأل "فاخر" ينظر نحو شقيقه بنظرة خاطفة ، يقود به عائداً لبلدتهم , اغمض "جاسر" عيناه متنهداً بإرهاق

- هحكيلك كل حاجة ، لما أفوق يا جاسر

تنحنح فاخر حرجاً ، فلم يعد يري الوقت مناسب لأخباره برغبته في الأبتعاد عن هنا ..، والذهاب لفرعهم بمدينة الأسكندرية ، رمقه "جاسر" بعدما شعر بأن شقيقه يريد إخباره بشئ , فخشي أن يكون شيئاً يخص أمور العائلة

- قول اللي عايز تقولهولي يافاخر

تركزت عينين "فاخر" نحو الطريق ، فتمتم مؤجلاً حديثه

- لما ترتاح يا جاسر من سافريتك الأول نبقي نتكلم

وبنظرة كان يعلمها "فاخر" ، بعدما رمقه "جاسر" منتظراً سماعه دون مماطلة

- أنا عايز امسك فرع شركتنا الجديده في اسكندريه ياابن ابوي ..

........................

الجميع كان يترقب ، هبوط الصفعة فوق خدها، تراجعت للخلف وقد دب الرعب في عينيها ..، ولكنها قاومت أرتعاش جسدها ووقفت بصلابه تنظر إليه بتحدي ..، ولو كان "منصور" في البداية يُهددها وينتظر تراجعها وسماع أسفها ..، فبعدما وقفت أمامه هكذا وعماله ينتظرون رؤية ما تستحقه هذه المرأة حتي لو كان معها الحق في البداية

- منصور

صرخ بها "جاسر" الذي هبط من سيارة شقيقه ، بعدما أستوقفه المشهد وتجمع الناس وقد شعر بالقلق هو وشقيقه

انتفض "منصور" فزعاً ، يهتف بخوف وهو يراه يتقدم منه ، وخلفه السيد "فاخر" شقيقه :

- جاسر بيه ، فاخر بيه نورتوا الأرض

تجاهله "جاسر" واتجه نحو الواقفه وسط الرجال ، و التقط ذراعها بقوة وقد اشتعلت عيناه بوعيد لها ..، ولكن الغضب الأكبر كان لذلك الذي كان للتو سيصفعها ، سيصعف زوجته ..، زوجه "جاسر المنشاوي" وابنة عمه

- من امتى بنرفع ايدينا علي ست يا منصور ، ولا ظاهر نسينا النخوة والرجوله

امتقع وجهه منصور ، فعن أي سيدة يتحدث رب عمله ، إنها لا تمت بالنساء لشئ ، إنها وقف تُناطحه أمام رجاله

- ديه حُرمه قليلة الادب ياجاسر بيه .. ، ومعدومة الربايه حتي أسال الرجاله

أماء الواقفين بروؤسهم ، فالتف إليها يرمقها بملامح جامده ، وقد ازدادت عيناه قتامة و وعيد ، أرتجف جسدها من نظرته..، وخشيت مما ينتظرها ..، فلو ظنت ان "جاسر" سيأخذ حقها ، ستكون أكبر مغفلة ..، فجاسر لا يراها إلا زوجة قد فرضت عليه , و من أجل الحفاظ علي مال العائله واقف علي هذه الزيجة

تشبثت قدميها أرضاً ، و ضمت الطفل أكثر إليها وكأنها تستمد منه قوتها ، مما جعل عيناه تتوقف علي ذراعيها وهي تحتضن الطفل وبثبات كانت تهتف أمام الرجال ، وقد استعادة قوتها

- مش همشي من هنا ، غير لما الراجل ده يسيب الولد في حاله .. ده ممكن يضربه ياجاسر

وما كان منه سوى ان جذبها بعنف اكبر دون أن يمهلها أن تكمل حديثها ، ألتفت نحو الصغير وقد دفعها هو أمامه نحو السيارة ، متجاهلاً نظرات الواقفين يُطالعون الامر في صدمه :

- هجيلك تاني ، ومحدش هيقدر يعملك حاجه

دفعها جاسر داخل السياره بعدما اشبع أذنيها بالسب ، واتجه نحو منصور مجدداً.. ، ابتلع "منصور" لعابه ، بعدما علم بهويتها , هو والجميع من فاخر الذي طالع خطوات شقيقه الغاضبه ، يخبر منصور بعينيه ..، أن ينتظر تلقي ما يستحقه علي فعلته

ركض "منصور" إليه حتي يستسمحه في فعلته ، فلم يكن يعرف إنها زوجته

- والله ما كنت اعرف انها مرتك ياجاسر بيه ..

وانحني ، يُحاول ألتقاط كفه حتي يقبله ، ولكن "جاسر" انتشل يده منه .، فجعل منصور يترقب طرده أمام الجميع

- انا كنت ممكن اقطع رزقك يامنصور ، بس مش هقطع رزق واحد غريب جيه بلدنا يطلب العون ..

ونظر نحو الصغير الواقف خوفاً، وعلامات الضرب ظاهره على وجهه فاردف بجمود : - بوس راسه دلوقتي وقدامي يامنصور، مش كفايه بتشغلي أطفال في الارض ..

هرول منصور يُنفذ امره ، و انحني يُقبل رأس الصغير امام الجمع الواقف , وقد فتح الجميع أفواههم مصدومين مما يحدث أمامهم ..

وبلطف أشار "جاسر" نحو الصغير ، فاسرع الصغير إليه وقد أطرق عيناه أرضاً :

- من هنا ورايح متشتغلش وأنا هتكفل بمصاريفك

هللّ الجميع بكرمه ، يرفعون أيديهم داعين لهم ..، أما منصور وقف يعض فوق شفتيه

اتجه نحو سيارته ، وسار فاخر معه يخاف أن تخرج عاصفة جنونه بتلك التي جلست منكمشة علي حالها بالسيارة

.......................

صار مللها يزداد كل يوم ، اصبحت لا تطيق غربتها التي وضعت نفسها فيها بجانب حلماً ظنته سيتحقق ولكنها وجدت نفسها مجرد زوجه بعقد ، ورفيقة ليس إلا حتي يُهون عليه وعليه ا..أيام مكوثهم معاً

تنهدت بضجر، وأخذت تطالع جدران المنزل.. وسرعان ما كانت تلمع فكرة داخل عقلها ، فانتفضت من مكانها تنوي تنفيذها لعلها تُخلصها من ضجرها

فالبيت رغم نظافته من أهتمام تلك الخادمه الاجنبيه إلا انها لا بد ان تضع لمساتها كأنثها عربيه

أخذت تدور في كل ركن من أركان المنزل ،وبعدما اعدت ادوات تنظيفها تحت نظرات خادمتها المذهوله

بدأت تتأمل هيئتها برضي وهي تقف بأحد الثياب الخفيفة المؤهلة للمسح والتنضيف .. ، لملمت خصلات شعرها في كومه واحده بمشبك مثبت .. وبدأت مهمتها المهلكة وهي مطمئنه بأن وقت قدومه مازال طويلا .. وستُسلي نفسها

مر الوقت دون أن تشعر به ، وقد أهلكتها فكرتها الحمقاء ، وبدء جسدها يؤلمها، فالبيت واسع ومكون من طابقين ..

حملت أدوات التنظيف ثانية وهبطت نحو الأسفل ، مقررة إكمال مهمتها في الطابق الارضي ، واول حجره فكرت بها في هذا الطابق .. ، كانت حجرة مكتبه و ليتها لم تفكر .. و ليتها سمحت لخادمتها بتلك المهمه بعدما طلبت منها ان تساعدها

كانت قد انتهت من تنظيف الغرفه ومسحها ولم يتبقي لها سوى مرحلة تلميع الزجاج والاسطح .. ، تأملت تلك اللوحه الهندسيه المرسومه بدقه وملونه أيضا حسب مساحات الخُضره , ومساحات المياه التي ستحيطها ، مالت فوق الرسمه بفضول وأعين منبهرة ، تُحدق بها بالطبق الذي وضعت داخله الماء والصابون ومنشفتها الموضوعه على احد كتفيها ..

وقد أخذ الطبق المملوء بالمسحوق يتمايل بخفه بين يديها ، وهي ما زالت تُطالع اللوحة اللوحه الهندسيه بفضول ، وكيف سيتم تنفيذها علي أرض الواقع ، لم تكذب يوما والدتها عندما كانت تخبرها بلقب المساطيل الحمقا

وها هي تري اللقب يتجسد أمام عينيها ، وقد اتسعت حدقتاها ذعراً ، وهي تري الطبق ينسكب محتواه فوق اللوحة .. ف اللوحة الجميله قد تشوهت معالمها وأصبحت الخطوط جميعها داخل اللوحه متداخله ..

فشهقت بفزع وهي تري تشوه اللوحه الجميله :

- ماهو السبب في حد يحط شغله كده ، هو اللي مهمل

واسرعت في وضع يدها فوق شفتيها تهتف ببؤس علي حالها :

- هعمل ايه أنا دلوقتي.. ، أنا مهندسه كمبيوتر ..، وصحيح شاطره في تقليد الرسومات ، لكن مش بارعة والموضوع هواية

أحتلي التفكير ملامحها ، لعلها تجد حلاً يُخلصها من الأمر

- هحاول اقلدها براحه

وسرعان ما كانت عيناها , تلتقط احدي اللوحات الفارغه المُلقى جانبا وبدأت تنفذ فكرتها الحمقاء ، تدعو الله أن توفق في موهبتها

مرت ساعه واثنان وثلاث .. ومازالت المحاولة مستمره حتي غفت على اللوحه بعدما انهكها جسدها

وكعادته كل يوم يأتي من عمله بالشركه ، يدلف حجرة مكتبه اولاً .. ، تجمدت عيناه نحوها ، وهو يراها غافية علي سطح الطاوله التي يضع عليها رسوماته وتجلس علي المقعد خاصتها ، التقطت عيناه القلم القابع في يدها ، واللوحه القديمه التي تشوهت ، وتلك اللوحة التي تضع رأسها فوقها

ورغما عنه كان يبتسم ، وهو يرمقها متفحصاً علي شئ بها .. ، أنحني برفق نحوها يتحسس وجهها وبصوت هامس اخذ يتمتم وعيناه غارقة في تفاصيلها الناعمه :

- صفا ، اصحي نامي في أوضتك

كرر هتافه بها ولكن كان النعاس يثقل جفنيها ، ضحك وهو يحملها فوق ذراعيه .. لتستقبله الخادمه راكضه نحوه ، تشرح له كل مافعلته سيدتها اليوم

صعد الدرج وقد تجاهل حديث الخادمه ، ودء يشعر برأسها تُدفن أكثر في تجويف عنقه ..، وقد تعالت وتيرة أنفاسها وأنفاسه أيضاً

وضعها برفق فوق فراشها بعدما دلف غرفتها ، وشيئاً فشئ كانت أبتسامته تتسع وهو يراها تتماطئ فوق الفراش ..، تبحث عن وسادتها دون أن تفتح عيناها وتضمها لأحضانها

بدأت الرؤية تتضح إليه، وقد علقت عيناه بردائها القصير الملتصق بجسدها إلى حد ما , وشعرها الذي تساقطت منه عدت خصلات متمرده

عادت وتيرة أنفاسه ترتفع ، يصحبها حرارة جسده ، فجلس جانبها يتحسس ذراعيها العاريين بدافئ بهمس بأنفاس راغبة لا يعرف كيف ومتي أصبحت تُشعلها داخله :

- صفا اصحي طيب غيري هدومك بدل ما تتعبي ...

تلملمت في الفراش بنعاس ، تُحاول فتح عينيها بصعوبه , تهتف بتذمر كالأطفال..، بعدم رغبتها في الأستيقاظ ..، ولكن سرعان ما كانت تنتفض من غفوتها ، بعدما تداركت أين هي

- اللوحه راحت فين ، انا كنت قربت اخلصها

ونهضت من فوق الفراش وما زالت غافية علي روحها ، تقص عليه احداث اليوم بأكمله إلى أن زفرت أنفاسها تسأله :

- انت مش هتزعقلي صح ، ولا هتضربني ولا هتطردني

تعالت ضحكاته ، وهو يري تسارع أنفاسها بعد الحديث الكثير الذي أخبرته به ، أقترب يقبض فوق كتفيها برفق ..، يتأملها بأنفاس مسلوبه ، وأعين تشتعل بهم الرغبه .. ولكن تمالك نفسه وهو ينظر في عينيها الناعستين ، ويربت على احدى وجنتيها بخفه ورفق

- في نسخه تانيه من الرسمه في الشركه يا صفا ، ديه النسخه اللي بعدل فيها مش اكتر ..

ارتسم الأرتياح فوق شفتيها ، وزفرت أنفاسها براحه ، ابتسم وهو يراها كيف التمعت عيناها

: ومش هزعق ، ولا اطرد ولا اشتم

اتسعت ابتسامتها ، رغم نعاسها وهي تستمع لعبارته ، وبرغبة اصبحت تحرقه وهو لا يري فيها إلا صورة تلك التي رحلت عن عالمه ..، كانت يقترب

ارتجف جسدها وهي تري انعدام المسافه بينهم ، وقد أخذت أنفاسه تُداعب عنقها ..، تراجعت للخلف وهي تشيح عيناها عنه ، فعاد يتقدم منها ولكن تلك المرة كان يفيق من سحرها أخيراً ، و مال نحو أحد خديها يلثمه ، رغم توقه لتذوق شفتيها .. أنتفض جسدها من فعلته ، فاسرع في الأبتعاد عنها يتمتم قبل أن يُغادر غرفتها هارباً

- غيري هدومك عشان متبرديش

أغلق باب الغرفة خلفه ، لتهوي بجسدها فوق الفراش تضع بيدها فوق قلبها ، تلهث أنفاسها غير مصدقه قربه منها وقبلته التي حطت فوق خدها

...........................

نظرات قاتلة منه كان يرمقها بها ، فقد ضجر وتعب منها ولم يعد يستطيع تحملها طيشها ، ولم يعد راغب بإذاقها المزيد من عنفوانه ، جلس اخيراً فوق فراشه بإرهاق ..، يضع رأسه بين راحتي كفيه

: واقفه قدام الرجاله ، وكأنك راجل قدامهم

وببطئ كان يعود ويرفع عيناه بها ، بعدما زفر أنفاسه متنهداً ..، ارتجف جسدها في خوف ..، تنتظر سماع المزيد منه

- البلد كلها زمانها دلوقتي بتتكلم عن شجاعتك العظيمه

أرادت الحديث ، ولكنه نهض من فوق الفراش واقترب منها .. بعدما فارت دمائه ، وهو يتذكر المشهد وكيف رفع أحد رجاله يده كي يصفعها أمام الجميع بعد تبجحها فيه كما وصله من الواقفين

- ولا كلمه ، مش عايز أسمع صوتك

وبعند كانت تهتف

- أنا عملت كده ، لما شوفته بيضرب الولد الصغير

- وأنتِ مالك؟

وببساطه كان يُعطيها جوابه مستطرداً

- شايفه حاجه مش عجباكي ، احكي لفاخر أخويا أو أحكيلي أنا

- أحكيلك أنت

هتفت عبارتها بمرارة ، فعن أي شخص يُخبرها أن تتحدث معه ..، عن شخص يتجاهلها وكأن لا وجود لها

حدق بها وهو يري الدموع تتعلق بأهدابها ، و تتمالك دموعها أمامه ..، فزفر أنفاسه بحنق فلم يعد يُريد صداع الرأس الذي بدء يشعر إنه سيناله من وراء أفعالها ، وبهدوء كان غريب عليه ، كان يجعلها تقف مدهوشة الملامح تستمع لعباراته المُهينة :

- لولا انك بنت عمي في الاول والاخر .. كنت رميتك في الشارع من اول يوم اتجوزتك فيه بس للأسف بنت عمي حتي لو متجوزك غصب

فتتجمد عينيها من كلماته الجارحه ، واحتقنت ملامحها هاتفه بقوة ، دون أن تخشي غضبه :

- وانا كمان مغصوبه عليك ، هو انت حد يقدر يستحمل يعيش معاك يوم

تصلبت ملامحه ، وغلت الدماء بعروقه .. يرمقها بمقت وأقترب منها يقبض فوق ذراعيها بقوه :

- شكل عمي معرفش يربيكي

شعرت بقبضته تتحجر فوق ذراعيها ، فاغمضت عينيها بألم تسمع سبابه ولعناته

جنه : وانت بقي اللي هتربيني

وسرعان ما كانت تنفض ذراعيها عنه وقد استعادت قوتها :

- اخلص مني وطلقني ، واه اريحك مني خالص

لم يرحمها منه سوى رنين هاتفه الذي أهدأ من غضبه قليلا بل اكثر

ليلتف إليها بعدما انهي مكالمته ، وعاد يحملق بها بضيق :

- طلاق ومش هطلق غير بمزاجي ، واللي حصل النهارده عارفه لو اتكرر تاني .. متلوميش غير نفسك ياجنه

التفت بجسدها مبتعده عنه غير عابئة بالشر الذي يتطاير من عينيه .. ، وقفت مكانها وعادت تطالعه مرة أخري ولكن ببتسامه هادئه

جنه : كان شكلك حلو اووي وانت بتساعد الطفل ، طلع في قلبك رحمه يا أبن المنشاوي

وبتهكم كانت تردف قبل أن تفر هاربة من أمامه ، وعلي وجهها أبتسامه واسعه

- رغم الرحمه بتيجي عندي أنا ..، وتتحول لقسوة

وبملامح محتقنه ، كان يتحرك داخل غرفته ..يزفر أنفاسه حانقاً منها ومن ردودها ، بل ومن مشاعره التي بدأت تتغير نحوها

.......................

أرتجفت قدماها وهي تخطو بأول خطوه داخل مكتبه بعدما سمحت إليها سكرتيرته أخيراً بالدلوف

أستجمعت شجاعتها وهي تعيد كل ما ستقوله له من رجاء بأن يتركها بحالها ، فهي يكفيها ما عاشته وتعيشه ..فرجل مثله لن يتزوجها إلا من أجل غرض في نفسه

طالعت كل جزء من أركان مكتبه الفخم ، تبحث عنه ولكن الحجرة كانت فارغة

- أتأخرت عليكي

هتف عبارته وهو يقف يُحدقها بنظراته ، بعدما خرج من المرحاض القابع بابه في ركن من أركان غرفة مكتبه الواسعه

انتفض جسدها على أثر صوته ،والتفت إليه ببطئ ..، تُحاول إلتقاط أنفاسها

فاتسعت عيناها من هيئته.. ، فاخذ يُجفف شعره ووجهه من الماء ، واكمام قميصه مطوية لأعلى ، وازرار قميصه العلوية مفتوحه للمنتصف .. هيئته كانت عابثة بجدارة مما جعلها تخفض عينيها تهتف بتعلثم

- مش هينفع نتكلم وأنت كده

وهنا كان تنفرج شفتي "عامر" بضحكة مستمتعه ، فكل يوم يتأكد هي العروس المناسبة له ولمخططه

تخلي عن منشفته الصغيره ، واعاد فرد أكمام قميصه وغلق أزراره ببطئ وتمهل وهو يرمقها بتقيم ..، ينظر نحو هيئتها المرتبكه ، وعيناها تُسلطهما بعيداً عنه ..، حتي يفرغ من هندمة هيئته ، وبجمود كان يتحرك نحو مكتبه يجلس عليه متمتماً بعدما عاد لعامر السيوفي

- أتفضلي أقعدي ..، أنا سامعك

استغربت من سرعة تحولها ، فازدردت لعابها وهي تُطالع نفس الراجل الذي التقط به من قبل ..، وقد شعرت بسطوته وهيمنته

ودون أن تقبل دعوته ، هتفت وهي تُطالعه بقوة واهية

- رجب اخويا قالي إن انت اللي دفعت فلوس الشيكات لمسعد ،انا جيت اشكرك على اللي عملته معانا .. واطلب منك انك تكمل كرمك وتسبنا في حالنا

تعالت قهقهته التي صدمتها ، وقد عاد ينهض من مكان جلوسه مقترباً منها ، يمنحها الجواب دون مراوغة

- عامر السيوفي مبيسبش حاجة عايزها يا حياة

ألجمتها عبارته ، فتجهمت ملامحها وقد أعجبه الأمر وشعر برغبة قوية في أن يجعلها زوجته اليوم ، فهي المزيج الذي يُريده بحياته ، وسرعان ما كان يمدّ كفه نحوها بجراءة وكاد أن يلمس وجهها ولكنها أنتفضت مبتعده وفاقت من صدمتها

- أنا مش أنتيكة تقدر تشتريها يا عامر بيه ، واحب أبلغك إني مش موافقة

اعاد ذراعه جواره ، ينظر إليها وقد زاده الامر لوعة ورغبة ..، فنوع حياة جديداً عليه وهناك شئ يُحركه نحوها أعمق من أنتقامه من الاخري ومن والدها ، أو حتي إنجاب الوريث

- ومين قال إني شايفة أنتيكه يا حياه ، أنا عايزك زوجه فعلية ، و زي ما قولتلك مش هتنازل عنك

بهتت ملامحها ، وقد علقت عيناها تهز رأسها برفض

وبتملك وتجبر كان يردف وهو يُعطيها ظهره ، وكأنه ينهي هذا الحديث

- أنا اتفقت علي كل حاجه مع رجب أخوكي ، واختاري أنتي بين سجن أخوكي وتشرد ولاده وبين جوارزه هتكوني أنتي فيها الكسبانه



وبعينين جامدتين ، عاد يُحدق بها يري صدمتها وحيرتها ، ورغبتها في الحديث ..، ولكن كل شئ أرادت الصراخ به كان يقف علي طرفي شفتيها وهي تتذكر توسل شقيقها إليها ، وقد ظنت أن هذا الرجل سيصرف أمر الزيجة بمجرد أن يعلم برفضها له

التقط سماعه الهاتف من فوق سطح مكتبه، يلقي بأمر لسكرتيرة مكتبه

- خلي السواق يجهز العربيه ، عشان يوصل انسه حياه .., يا هالة

...................

أزداد جنونه وهو يتأملها وصوت ضحكاتها يتعالا هي وشقيقته ، فحدق بهما بقوة قبل أن تقذف هي بأحدي الزجاجات على غريمتها أروي .. ليتلقاها صدره فيرمقها بجمود ، فشهقت بفزع وخلفها اروي ضاحكه وهي تتأمله واقف امام غرفة مكتبه يستشيط غضبا

فتنحنحت أروي حرجاً وهي تتمتم :انا بقول الوقت اتأخر ،ولازم اروح

وما كان من جنه سوي ان جذبتها من معصمها : هتبعيني ياأروي

فتأملت الاخري عينين أخيها الجامدتين فتهتف ضاحكه : راجل ومراته انا مالي بيهم ، سلام بقي وهبقي اطمن عليكي

وركضت تلك الجبانه كعادتها ، و للمرة الثانية تفر هاربة وتتركها لبطش أخيها بمفردها

اقترب منها جاسر ، بعدما شيع شقيقته بنظرات قاتمة , ولكنه لن يُلقي بغضبه إلا علي تلك الواقفه:

- هو انا متجوز طفله في البيت ، ولا ايه ياهانم

فارتجفت هي من سماع صوته ، ولكن سرعان ما رفعت عيناها بكبرياء قد استشاط هو منها بالفعل

جنه: ألعب في الشارع يعني

القت عبارتها ، وقد أشتغل الغضب داخله ، ضاقت عيناه وهو يرمقها متجاهلاً عبارتها الطفولية التي تمت للنساء بصلة :

- لاء وعلي ايه ألعبي هنا ،بدل ما تفضحيني

واقترب منها ، حتي أنعدمت المسافه بينهم ، يمدّ كفه نحوها ، يربت علي أحد وجنتيها ساخراً وهو يري نظرات القلق في عينيها

- اجلي اللعب يا شاطرة ، لحد ما تبقي في البيت لوحدك ، لاني مبحبش جو الهبل والعيال الصغيره

....................

ليله طويله قد قضاها بجوارها يتحسس سخونة جبهتها ، ليتنهد بأرتياح بعدما وجد حرارتها بدأت تنخفض ، ولكن نبضات قلبه وهو يعيد بذهنه شريط اعترافها بحبه مازال يعصف داخله .. فتنهد بألم لما فعله بها فقد أحبته حتي اصبح اسمه محفورا بداخلها

فتمتمت بتعب ومازالت أثار الحُمي عليها

صفا : احمد انا بحبك ، مش بحب مراد زين

فتجمدت ملامحه وهو يستمع لباقية اعترافاتها فهي تعلم بحقيقة مراد زين ، فلا بد بأن عامر قد اخبارها بذلك

وتابعت بحديثها الذي تطويه داخل قلبها قائله بأنفاس تحمل معها السخونه :

- متسبنيش يا احمد ، بابا وماما سبوني اوعي انت كمان تسبني

ويالها من كلمات قد جعلته ينتفض من جوارها ، ينظر إليها وقد اصابته كلماتها الراجيه ، فهي تطلب منه أن يظل جوارها وألا يتركها كما تركها والديها

عاد ينحني بجسده نحوها ثانيه ، بعدما تمالك مشاعر وتحكم في صراعه بين قلبه وعقله، أخذ يتحسس وجنتيها وجبتها مجدداً ، وقد أرتسمت الراحه فوق ملامحه ، يهمس لها بنبرة حانية لم يشعر بها سوي قلبه:

- صفا ، صفا فوقي

استمعت لصوته وكأنه يأتي من أميال عنها ، وبصعوبه فتحت عينيها , تُقاوم ثقل جفنيها تتأمل ملامحه القريبة منها بابتسامه ظلت مرتسمه فوق ملامحها المرهقة .. رغم عودتها لأغلاق عيناها مجدداً ، تطلب منه بهمس خافت ما جعل ملامحه تتصلب وتتسارع دقات خافقة

صفا : احضني

أسرع في ضمها إليه بعدما نفض أي شعور داخله ، شعر بأحتياجها القوي إليه , فمنحها ما أرادت مرحباً

برفق أخذ يمسد فوق ظهرها، لا يُصدق ما عاد يفعله معها ..، فهو يغمرها بذراعيه وقد كان يوماً واحده فقط من تحتلهما ، تنهد بوجع مشفقاً عليها ، فقد أحبته "صفا" لقد وقعت في الشرك الذي حذرها منه ، احبت شخصاً أسير الذكريات ..، لا يرغب بمنح أمرأة قلبه ثانية ، سيكون اكبر كاذب إذا أستمر في تعليقها به .. ، سيمنحها جرعات من الحب ثم سيتخلي عنها ، وعندما راودته تلك المشاعر , كان ينتفض عنها كالملسوع ..، ينظر إليها بعدما غفت ولم تعد تشعر به ..، متأملاً تعرقها وشحوب وجهها .. فهو اكثر من يعرف مرارة الحب ، فكيف يذيقها حبه ثم يتخلي عنها ؟

- أنا قفلت علي قلبي خلاص يا صفا ، قلبي ملكته ست زمان ..، ومش مستعد أتجرع مرارته من تاني

وبهمس كان يعود لوعده لتلك الحبيبه ، التي سيظل يراها بصورة ناقيه مهما حدث

- منستش وعدي ليكي يا مها ، هدفن نفسي في الذكريات .. زي ما دفنتك في قبرك يا حببتي

ولم تكن هي إلا غافية في أحلامها الجميله ، تظن نفسها بأنها ما زالت بين ذراعيه وتتوسد صدره .
أصبحت شغلتها كل يوم ان تراقب ذلك اللص الصغير الذي يتسلل برشاقة وجسمه الضئيل ويعبر داخل حديقة منزلهم ، ليسرق من شجرة المانجه ما يحب .. فضحكت وهي تراه قادم بعباءته الصغيره وقفطانه المتسخ من الطين ، واقترب من شجرته المفضله ووقف يطالع ثمارها الناضجة قبل ان يحسم قراره ويتسلقها بخفه ، ثم يبدء بالتهام الثمار حتي يشبع اولا ، وبعدها يأخذ ما يكفيه و يغادر قبل أن يلتقطه حارس هذا المنزل.

هبطت "جنه" الدرج راكضة ، تلمع في عينيها الشقاوة وكأنها طفله صغيره .. تعلقت عيناها به وهو يصعد الشجر بسرعة قصوي بعد أن القي بنظره خاطفه حوله ، تقدمت من الشجرة المقصوده بخفه ، تتحرك بخطوات لعوبة نحو هدفه ، وهي تنوي بأن اليوم سيصبح الارنب الذي ستصطاده ، ضحكة علي أفكارها الطفولية وقد اصبحت أخيراً اسفل الشجرة

شهقت بفزع ، تكتم صوت شهقتها بعدما سلطت عيناها للأمام

- عش دبابير

وصلت شهقتها للصغير ، وعندما ألتقطت اذنه ما هتفت بها ، لم يتحكم في توتره وسقط علي الفور من فوق جزع الشجره وثمرة المانجه بين أسنانه يقضمها ، وقد وضعها للتو داخل فمه

تعالت ضحكتها رغماً عنه من المشهد ولم تكن تقصد سقوطه ، فزحف الصغير بجسده المنبطح أرض وهو يُشعر بالأم ، يُحدقه بفزع :

- مش هعمل كده تاني والله ، بس ما تقوليش للراجل ابو شنب كبير يضربني

فضحكت جنه اكثر وهي تعلم بمن يقصد ، فلا يقصد سوا بغفير بيتها ، قطبت ما بين جبينها ، تحك أنفها تُفكر في طلبه ، وقد أنتظر سماع جوابها وهو يُحاول الوقوف حتي يهرب من أمامها:

- مش أنت سرقت لازم تتعاقب

انصدم الصغير من عبارتها ،وهتف برجاء :

- أخر مره والله ..، مش هعمل كده تاني ومش هسرق حاجة بعد كده

فنظرت اليها جنه بدعابه اكثر : أنت لص ولازم تتعاقب

احتدت ملامح الصغير وهو يسمع عبارتها

- أنا مش لص ، وأنتوا عندكم شجر كتير ومانجه كتيره ، حرام تاكلوها لوحدكم

ارتفع حاجبي "جنه" ذهولاً ، فقد جعل لحاله الحق في السرقه :

وكمان لمض الله الله

كشر الصغير، وقد اعتدل من سقوطه وأخذ يُنفض ثيابه ، ثم قذف إليها ما التقطه متمتماً :

- خدي مانجتكم أهي ، مالكيش حاجة عندي خلاص

سار بخطوات عرجاء من أمامها ، وبشجاعة أدهشتها ..، فهو لم يخاف منها بل جعلها هي المخطأه ، ارتسمت فوق شفتيها أبتسامة واسعه تسأله وهي تسير خلفه

- طب والمانجه اللي سرقتها قبل كده فين

التف الصغير نحوها ، قبل أن يُسرع في خطواته حتي يتخلص من ثرثرتها التي تُعطله عن هربه ، فيكفيها إنها أضاعت ثمارها وجعلته يسقط أرضاً :

- كلتها ، افتحلك بطني يعني عشان تاخديها

استمعت لعبارته قبل ركضه ، فاتسعت حدقتيها ذهولاً ..، وسرعان ما كانت تفيق من دهشتها تهتف بعلو وقد صدحت ضحكاتها

جنه : تعالا خد اللي انت عايزه ، بس متسرقش تاني لان ديه سرقه والسرقه حرام

توقف الصغير مكتنه ، والتف نحوها ببطئ .. ينظر في عينيها لعله يجد الصدق بهما ، عاد الصغير اليها مهرولاً ، حتي ينال كل ما يريده من حديقه هذا المنزل بعدما سمحت له ، وبانفاس لاهثه أخذ الصغير يُخبرها عن سبب سرقته :

محمود صاحبي قالي ان ديه مش سرقه ، عشان أنتوا ناس اغنيه ومش هتفرق معاكم المانجه اللي هاخدها

أشفقت علي حاله ، وقد علقت عيناها للتو برثة ثيابه ..، جثت فوق ركبتيها أمامه ، تمسك يديه بحنو وعطف

- طب هو اللي مش بيسرق ، بيدخل من علي السور خايف ولا بيدخل لأصحاب البيت من الباب

فحرك الصغير رأسه بتفهم ، يتمتم بنبره قد جعلتها تحتضنه بقوه :

- ما انا لو مسرقتش المانجه مش هاكلها خالص ، وانا بحب المانجه

التمعت عينين "جنه" بالدموع ، وقد ذكرها بطفولته .، فرغم ثراء أهل والدها إلا إنها لم تكن تحيا إلا حياة البسطاء كحال الكثير من الناس ، يجلبون الضروريات وينسون شئ يُسمي بالرفهيات ، نهضت من امامه بعدما مسحد فوق خديه برفق :

- تعالا كل يوم اديك المانجه اللي أنت عايزها ، فرحان بقي يا سيدي

ليتهلل اسارير الطفل ، متسائلاً بعدما أنحني نحو ثمار المانجة التي سقطت منه أثناء سقوطه يلتقطها ويمسحها بثوبه:

- ينفع أجيب محمود صاحبي معايا

اماءت له برأسها ، لتتسع عينين الصغير بسعاده ، وركض من امامها بعدما حصل علي ما أراده.

..........................

أخذ لقاءها به يقتحم عقلها دون هواده ، تتذكر حديثه ونظراته ولم تكن غبية في أن تظن أن هذا الرجل ..، ارادها زوجة دون أي نوايا أخري ..، دفعه لشقيقها المال ووضع المساومه ، فاما تركه ليتم سجنه أو مساعدته من اجل خلاصه

زفرت أنفاسها بثقل ، تُغمض عيناها بأرهاق ..، فلو كانت تعلم أن حينما سجدت داعية الله ان يخلصها من حياتها التي انهكتها ، كان دعاءها مسموعاً وسيستجيب الله دعاءها , خرجت من زيجة لتدلف مرغمة زيجة أخري ،وليست زيجتها بالرجل أخر كحال زيجتها من مسعد ..، إنه "عامر السيوفي" ذلك الرجل الذي لا تُناسبه بتاتاً لا هي ولا عائلتها

اقتحمت المخاوف عقلها ، بالتأكيد هي نزوة ليست إلا ، وسينالها ثم يُطلقها وتحمل لقب مطلقة

أشتد الألم داخل رأسها ، تستمع لصوت زوجة اخيها السعيد بتلك الزيجة التي بالتأكيد ستعود عليها وعلي أولادها بالنفع ، تعالت زغروطتها وقد تم كل شئ واصبحت زوجة لهذا الرجل في ظرف يومين، وكما أخبارها إنه لا يترك شئ يُريد ..

- مبرووك ياحياه ولا وبضتلك في القفص واتجوزتي واحد مالي مركزه ومعاه فلوس متتعدش

القت "سناء" عبارتها ببعض الحقد ، سقطت دموع "حياه" وهي تقبض فوق فستانها الأبيض واقتربت من الشرفة ، تنظر نحو مدخل حارتها ..، فقد زين لها شقيقها الشارع بالأنوار حتي يُشعرها بكونها عروساً

- جوزك مستنيكي يا حياه

تمتم بها "رجب" الذي دلف للتو ، يطرق عيناه أرضاً ، يقتحمه شعور الذنب لأنه أجبرها علي هذا الزواج حتي تُخلصه من السجن

التفت نحوهم ببطئ ، بعدما جففت دموعها ..، فلم يعد لبكائها داعي ، فقد أصبحت زوجته وأنتهي الأمر ، تحركت نحو باب الغرفه ترفع فستانها بيديها ، تسير بملامح باهته وأعين يحتلهما الخواء ، تلاقت عيناها بعينين شقيقها ، فعاد يطرق "رجب " راسه يهتف باسف وندم ..، مما جعل "سناء" ترمقهم بنظرات ممتعضه علي تلك الدراما التي تراها ..، فلو كانت مكانها لطارت من السعاده لزواجها من رجل كهذا ..

- سامحيني يا حياة

.........................

دلفت من باب المنزل بتوتر ، وهي تُطالع نظرات الخدم الذيم وقفوا مترقبين رؤية العروس الجديدة الثانية لسيدهم ، الكل كان متعجب من زيجته الاخري السريعه ..، ولكن لا أحد يستطيع التحدث بشئ ..، بل الجميع أبتلع تساؤلاته وأنتظروا العروس الجديده

ارتجف جسدها تنظر نحو كفه بعدما قبض فوق ذراعها يحركها برفق جواره ، طالع أرتجافها يرمقها بحده ..، فابتلعت لعابها وأخذت أنفاسها تعلو وهي تشعر بالخوف مما هو قادم

اتجه بها نحو سيدة تجلس باستقراطية فوق مقعدها ، ومن هيئتها علمت إنها والدته

- ناهد هانم ، والدتي يا حياه

نهضن "ناهد" عن مقعدها ، بعدما ساعدتها مرافقتها ، فمدّت كفيها تتحسس وجهها بيديها ، و رغم صعوبة ما يحدث لها إلا إنها تقبلت فعلتها برحابة صدر ..، تنتظر تقيم السيده الكبيره لها

- مبرووك !

هتفت بها "ناهد" بجفاء بعدما فرغت من ملامسة كل أنش بوجهها ، ثم اشاحت عيناها عنها ..، كأنها تُخبرها أن وجودها لا تُحبذه في بيتها ولم تنال إستحسانها ،

ابتلعت غصتها في ألم ..، والدته لا تطيقها ..، بالتأكيد لأنها ليست من مستواهم ولا تليق بهم ، هذه كانت الافكار التي عادت تقتحم عقلها

ألتفت نحو الواقف خلفها بهيئته الجامده يطالعهما حتي قال هو أخيراً ، بنبرة جامده بعدما رأي عدم ترحيب والدتهم بها :

- " حليمه" خدي ناهد هانم علي أوضتها عشان ترتاح

اسرعت المرافقه ، في تلبية أمره .. فاتجهت "ناهد" بعينيها صوبه ..، ليري في والدته نظرت كان يعلمها ..، شيعها بعينيها وهي تسير جوار مرافقته يقسم داخله إنه سيروض الزوجة الجديده علي طباعها ..، سيجعل من حاله قصة جديده

"للسيد والزوجة التي لا تهتف إلا بكلمه نعم "

أخفضت "حياة" تلك المسكينه عيناها ، بعدما عد ذلك الثقل يجثم فوق روحها المنهكة

أقترب منها الواقف أخيراً ، بعدما أسرع الخدم أيضاً بالأنصراف والعودة إلي أعمالهم:

- الهانم كبيرة طباعها صعبه شويه ، ومش بتتقبل الناس بسهوله ..

وبصوت خالي من المشاعر وقف يأمرها ، بعدما رفع وجهها نحوه ، وقد أصبح يشعر بالضيق من حركتها هذه حينا يُحادثها

- اتمني مسمعش شكوي من حد فيكم ، ونعيش بسلام في البيت ..، لاني حياتي مش فاضيه لسماع المشاكل

و وقف يخبرها عن نظام حياته ، وما يُحبه ولا يحبه .. وهي تستمع لكلماته ..، فركت كفيها بقوة ..، تشعر برغبة قوية في البكاء ..، ولكنها تمالكت بؤسها ووقفت تسمعه

- مسمتعش كلمة حاضر أو مفهوم ..، ولا كلامي مش واضح

وبجمود حاول إظهاره في صوته تسأل ، وقد أخذت عيناه تتفرس ملامحها الشاحبة

- حاضر

منحته الكلمة التي أرادها ، فارتسمت أبتسامته وسرعان ما كان يمحيها من فوق ملامحه ..، يشعر بالزهو والسلطه

- طول ما أنتي مطيعة يا حياه ، هلاقيني معاكي راجل تاني .. لكن

وقبل أن يُكمل عبارته ، هتفت بألم

- متقلقش يا عامر بيه

- عامر و بس يا حياه ..، متنسيش إنك مراتي

والتقط يدها يصعد بها نحو غرفتهما ، بعدما طال وقوفهم بالأسفل ، توقفت خارج الغرفه تلهث بأنفاسها وقد شعرت بقرب اللحظه التي ستصبح فيها زوجته بالفعل

وبخوف تسألت :

- هي ديه أوضتنا

التمعت عينين "عامر" بخبث يمنحها الجواب :

- تفتكري هتكون إيه يا حياه

ابتلعت لعابها ، وهي تراه يضع بيده فوق مقبض االباب ، ابتعد قليلاً يمنحها المرور أولاً ..، طالعته وقد علقت عيناها به برجاء

- أدخلي يا حياة

واخر شئ كان يظنه أن يسمعه هذه الليله ، هو كلمة لا منها عندما أراد الأقتراب منها والحصول علي حقه

- لا ، متلمسنيش

.......................

تأملت هطوول الأمطار بألم ، وهي تتذكر قسوته التي أزادت من قمم جليده معها ، فمنذ ان تعافت من وعكتها الصحيه .. أصبح شخصاً اخر لا تعرفه شخصاً اصبح ينفرها

شردت برجفة أحتلت سائر جسدها ، وقد عادت كلماته اللاذعه تقتحم عقلها ، لقد أخبرها بكل قسوة ، ألا تحلم بأن تكون حبيبته يوما

خرجت زفراتها مثقلة بالخيبة والكسره ، فقد احبت رجلا أسير الذكريات ، رجلاً كلما شعرت إنها وصلت لقلبه ..، لم تجد إلا السراب والخواء

أغلقت نافذتها ورغبه مُلحة تدفعها للركض ، خارج المنزل حيث سقوط الأمطار لعلها تغسل أوجاعها

لا تعلم كم أستمرت من الوقت وهي تستمتع بسقوط المطر فوق جسدها ، ولكنها بدأت تشعر بتخدر جسدها ..، انتبهت علي صراخه باسمه ، ثم اندفعه صوبها

احمد : انتي مجنونه

سحبها خلفه ، عائداً بها نحو الداخل ، ولكن وجدها تنفض ذراعيها عنه بقوه ، وتعود لوقفتها أسفل الأمطال

عاد لجذبها ثانية ، ينظر إلي ملامحها التي بدأت تشحب وقد ثقلت أنفاسها واحمرت وجنتيها

- ايوه مجنونه ، مجنونه عشان شيفاك حلم جميل نفسي أحققه

هتفت عبارتها ، فابتعد عنها مصدوماً ..، صرخت بكل ما تحمله داخل فؤادها له ، وهو وقف يسمعها ببهوت وصمت

- انا أسف ياصفا ، مكنش قصدي أذيكي بس مينفعش تحبيني ، لازم تفوقي من أوهامك .. انا كنت بعملك كضيفة مش أكتر ، مسيرنا في يوم هنفترق

..........................

نظرت الي بعض الأطفال حولها ، وصغيرها اللص الذي اصبحت تعشقه .. رفعت بسبابتها محذره له خصيصاً

جنه : محدش يحاول يغش من التاني

ليلتف كل منهما نحو زميله الأخر ، محاولين اللجوء للغش .. وكان اولهم في المحاولة صغيرها اللص ، فتستخدم سلاحها في تحذيره

- مافيش مانجه ولا عنب كمان

وتنهدت بتعب بعدما أدركت انهم مازالوا لا يستوعبون شرحها ، بل لا يرغبون إلا بالركض في حديقة المنزل

........................

كان يسير بشموخه وقامته المرتفعه وسط بعض ضيوفه ، فانتبه أحدهم علي شيئاً و وقف يتسأل متعجبا مما يري ويتمتم ضاحكا وهو لا يُصدق أن "جاسر المنشاوي" يستغل حديقة منزله مقرأة لأطفال البلده :

- أنت فتحت حضانه هنا ياجاسر بيه ولا إيه

فامتقع وجه "جاسر" من حديثه الساخر ، وهو يُحدق بما وقف ضيوفه يُسلطون عيناهم نحوه

التقطت عيناه جسدها الضئيل وهي تجلس في المنتصف ، ويلتف حولها أطفال لا يعرف من أين أتت بهم ، أغمض عيناه بضيق.. يقبض فوق كفيه وهو يستمع لعبارات ضيوفه ، سيطر علي غضبه بصعوبه ، وعاد يلتف اليهم يجذب نظراتهم نحوه ، يرسم علي محياه أبتسامه بسيطه مصطنعه وهو يقودهم لداخل المنزل :

- اصل زوجتي بتحب اطفال البلد اووي ، وعندها أهداف إنها تمحي الجهل من البلده وتساعد الأطفال

تمتم بها وهو يُحاول أن يُداري خلف حديثه مقته ، من تصرفاتها الهوجاء دون الرجوع إليه بشئ ، أماء كبار البلده بروؤسهم وقد أعجبتهم الفكره

قادهم نحو الحجرة التي أعتادوا الجلوس فيها ، ومناقشة مشاكل بلدتهم وحل الأمور العالقة ، اغلق باب الغرفه ..، وحاول التقاط أنفاسه وهو يتحرك بخطوات متوعده ..، يسرع باسم الخادمه التي بعثتها إليهم عمتها

- انتي يازفته يا روحية

هرولت الخادمه نحوه ، وقد احتلي الخوف ملامح وجهها

- مش قولتلك تقولي للهانم ، اني جاي ومعايا ضيوف مُهمين ، وتروح بيت العيله

أسرعت الخادمه في طرق رأسها أرضاً ، تُخبره إنها نفقذت أوامره بالفعل

- قولتلها والله ياجاسر بيه

أحتدت ملامح وجهه وقبض علي كفيه بقوه وهو يلعن عنادها معه واخراج غضبه بأستمرار ، اسرع في خطاه خارج المنزل بنظرات متوعده

فوجدها تودع الاطفال ببشاشه ، وتخبرهم إنها تنتظرهم الحصة القادمة ، اقترب منها بطوله الفارع وجسده القوي بحنق .. يجتذب ذراعها ويتجه به نحو المنزل :

- عايزه تحرجيني قدام ضيوفي ياجنه

ازدردت لعابها ، وهي تري نظراته التي أرجفت أوصالها ، وسرعان ما كانت حيلة من حيالها التي تعلمتها مؤخراً تلمع في عينيها ، ترفع أناملها نحو وجهه المتصلب تمسح فوق خده وقد شبت قوق أطراف أصابعها حتي تستطيع الوصول إليه

جنه : نسيت إن النهارده جاي لينا ضيوف مهمين ، المرة الجايه أوعدك مش هنسي يا حبيبي

القت كلماتها ، وتركته في ذهوله من كلمتها الأخيره التي نطقتها ..، علقت عيناه بها وقد التفت نحوه وما زاده دهشة ..، إنها تمنحه ابتسامه واسعه ، صحيح يري داخل عينيها التلاعب ولكن ليس إلا تلاعبً قد بدء يُحرك فيه غريزته

وبأعين قاتمه ، كان يضغط فوق شفتيه متمتماً

- بتلعبي بالنار يا جنه !

......................

أغمض عيناه بتعب بعدما أنتهي من أجتماعه الذي استمر طويلا ، فظهرت صورتها أمامه ف ارتسمت ابتسامة على محياه ، سرعان ما أزالها ..، فمهما منحته الطاعه وتوسم فيها الزوجة الصالحه ، لن يراها إلا أداه لتحقيق ما يرغب ..، و رغم إنه لم ينالها وما زال زواجهم حبراً علي ورق ..، ولكنه أراد منحها فرصه

رمقه أكرم بعدما التقط ابتسامته يهتف بمزاح حتي يُضايقه قليلاً :

وحشتك ولا ايه ياعريس

تجهمت ملامح "عامر" يرمقه بضيق من مزاحه الفظ الذب لا يستهويه

- ياراجل في حد يسيب عروسته بعد يومين جواز ، انت بصراحه جبار ياعامر

- أكرم

صرخ بها بحده ، بعدما تجاوز "أكرم" حدوده معه ..، فحرك أكرم يأسه بيأس منه

- بلاش تضيع حياتك يا عامر ، عشان أفكار عقيمه عايشه في دماغك ..، مش كل الستات شبه بعضها

تمتم بها "أكرم" قبل أن ينسحب من غرفته ، فتنهد "عامر" ضجراً ..، لقد أصبح يخرج حنقه فوق روؤس ناس ليس لهم ذنب بما يعيشه

دلك عنقه ، وزفر أنفاسه بأرهاق وهو ينهض عن مقعده ، يتذكر تلك الورقة التي دستها في سترته قبل ذهبه ..، وقد تناسي أمرها ومعرفة ما بها ..، التقط سترته ليخرج منها الورقة ، ينظر إلي ما سطرته بيدها وقد تجمدت ملامحه وهو يقرأ دعوتها له ، وتوصيتها في عدم تجاهله لفروضة ، وأنها تنتظره ليتناولوا وجبتهم معاً

وشئً واحد كان يقتحم عقله ، يخبره أن هذه المرأة غريبة الأطوار

.............................

وقفت أمامه ببرود أصبحت تجيده منذ تلك الليله ، ثم رفعت وجهها نحوه , تطالعه وهو منهمك في غرفة مكتبه ، منكب بين روسامته الهندسيه

صفا : ممكن تليفونك

هتفت بها "صفا" ، فانتبه علي وجودها ..، يستعجب طلبها ..، رأها تلتف بجسدها بعدما استنبطت من نظراته إنه ليس راغب في إعطاء هاتفه

- رايحه فين ، مش هتاخدي التليفون

التفت نصف إلتفافه نحوه ، تبتلع غصتها وهي تُجيبه

- شكلك محتاجه ، مافيش مشكله خلاص

رمقه بتدقيق ، يستعجب حالتها الجديده ، ولكن نفض ما يُفكر به ..، فهذا هو ما أراده منها

تقدم منها ، يمدّ لها بكفه متسائلاً بفضول

- هتتصلي بي مين

التقطت منه الهاتف ، وهي تُحرك رأسها نافيه ..، تجيبه عن سؤاله

: مش هتصل بحد ، هدخل علي النت لأني زهقت من القعده لوحدي وبقيت حافظه كل اللي بيتعرض علي التلفزيون ، حتي صوفيا زهقت مني

منحته الجواب ، الذي أراد معرفته ..، فشعر بالضيق من حاله ..، فهي بالفعل تعيش حياة خالية من كل شئ ..، لا خروج إلا لو كان حفل دعاه إليه أحداً وقبل هو الدعوه .. غير ذلك لا يمنحها أي شئ .. لا هاتف ولا حاسوب ..، حتي نسي أن يسألها يوماً أين هو هاتفها

تركته في شروده ونظراته التي كان يرمقها بها ، وكأنه يلوم حالها ..، وجدها تلتقط حاسوبه تسأله وهي تنتظر قبوله أيضا ..، تشعر بأحقيتها في أشياءه ما دام لا يمنحها حبه ولا يُريد منح قلبه لها

- ممكن استعير لابك شويه

فاق من شروده ، وقد اتسعت أبتسامته شيئاً فشئ ، يسلط عيناه عليها وهي تضم حاسوبه إليها وكأنها تُخبره إنها لن تنتظر موافقته ، وبمرح أخذ يهتف :

- هتستولي علي حاجتي ولا ايه ياصفا !

تقبلت مزاحه بملامح جامده: شكرا خلاص

حدق بجسدها بعدما أنصرفت بحاسوبه وهاتفه ، وسرعان ما كان يفوق من ذهوله ، يلتقط ذراعها يُقربها إليه وقد ضجر من برودها وحالة الصمت التي اصبحت عليها

- مش معقول هنكمل حياتنا كده يا صفا

- حياتنا !

تجاهل نطق كلمتها ، غير عابئ بمحاولتها في التخلص من قبضته ..، عانقت عيناه عينيها يسألها بارادة مسلوبه

: مش هتسهري معايا شويه ياصفا

أبتسمت بتشفي وهي تراه لا يستطيع السيطرة علي مشاعره ، التي يُحاول جاهداً في إخفاءها ، فها هو يطلب قربها بعدما دفعها عنه ونبذ قربها وحبها :

- ماليش مزاج اسهر مع حد ، انا بحب اقعد لوحدي بعشق الوحده وأوضتي

اذهلته عبارتها ، فهو يطلب قربها الذي أنتظرته ، ويقاوم مشاعره المضطربه ، تخلي عن جموده وصعوبة الكلمات وهي ينطقها ، وقد أسرت عيناه عينيها :

محتاجك اووي ياصفا

وأنحني بجسده كي يقبلها ، ولكن أسرعت في أشاحت وجهها عنه ، فسقطت قبلته قرب ثغرها

- صفا

أبتعدت عنه ، بعدما شعرت بعدم قدرتها علي صده أكثر ، فقد أحرقتها أنفاسه ، وازدادت دقات قلبها :

- ممكن تسيب دراعي

تجاوز مقته ، ورغبته في الهرب منه ..، تجاوز كل شئ بتناقض عجيب عليه يُخبرها تلك المرة بمراوغة جديده عليه

- هسيبك بس بشرط يا صفا

حدقته بتذمر ، تمط شفتيها للأمام ..، تنتظر سماع شرطه ، فتمتم ضاحكاً وهو يري عبوسها

- تقعدي معايا هنا وأنا بشتغل

........................

أرتفع صرخاه بها وهو يرمقها بنظراته القاسيه ، فأنتفضت من نومتها فزعا وهي تراه يطالعها بعينين لا توحي إلا بالهلاك ، ونهضت من فوق أريكتها مذعورة ، تُحدق بعينيه وقد أخذ الشر يتطاير من داخلهما

- عايزه أطفال ياجنه ، وبتشتكي لعمتي

بهتت ملامحها من عبارته ، تزدرد لعابها من شده قربه منها وتخلصه من عباءته :

- ابدا انا مقولتش حاجه ، هي سألتني وانا بلاعب ابن فاخر بحب الاطفال ولا لاء .. وقولتلها هو في حد مبيحبهومش

وتابعت حديثها بخوف ، وهي تري نظراته وقد أندلعت منها الرغبة

جنه : أنت بتقرب مني كده ليه ؟

وشهقت خرجت منها وهي تراه يلقفها بين ذراعيه يتجه بها صوب فراشه بإصرار عما يعزم عليه

- هاخد حقوقي .. لتفتكري إني مش راجل يا هانم

تعالت صرختها ، وهي تري ينقض عليها كالذئب الجائع .. تهتف راجيه وهي تُحاول الخلاص من ثقل جسده :

لا لا ياجــــــــاســــــــــــر !! 
كان كالمغيب وهو يمزق ثيابها ، يقبلها بشراسة ..، يفترسها بين ذراعيه وهو لا يري إلا صورة واحده أمام عينيه ، صورة تلك الخائنة التي غدرت به يوماً ..، ملوحة دموعها كان يلتقفها كلما عاد يُقبلها ، ولم يكن إلا صوت بكاءها وحده يسمعه ، حتي فاق أخيراً من ذلك الجرم الذي سيفعله بها فهو ليس مغتصب .. لينال زوجته كرهاً

هدأت شعلة جنونه ، وقد بدء عقله يسبح معه في بحور ذكرياته .. عاد صوت نحيبها وشهقاتها يخترق أذنيه بخفوت ، حتي بدء يتلاشي تدريجياً و لم يعد يسمع لها صوتً ..فلم تعد تمتلك قدرة لتُحارب ضراوته ولا ثقل جسده وقبضته القويه التي يأسر بها ذراعيها

ابتعد عنها أخيراً ، يميل بجسده متسطحاً جوارها ، فانكمشت علي حالها باكية لا تُصدق إنه قد تركها

عاد الماضي يخترق حصونه ، حصون عتية وضعها حول قلبه وعقله ..، استمع لنحيبها الذي كان يصل إليه وكأنه يأتي من بعيداً ، فالتف إليها ليراها تُلملم ثوبها ودموعها تغرق خديها وعلاماته القاسية قد دمغت عنقها ونحرها

اغمض عيناه بقوة وقد عاد أقسي ما سمعه يوماً يخترق فؤاده ، عاد الشئ الذي جعله يصبح هكذا ..، رجلاً قاسياً ، زير نساء .. لا يتزوج النساء إلا ليجعلهن يُدركون قيمة أنفسهن ..، إنهم ليسوا إلا متعة للفراش

" كان لازم أخونك ، ازاي أعيش مع راجل عقيم مبيخلفش .. انت عقيم ياجاسر ، وأنا عايزه طفل حتي لو هنسبه ليك وهو مش منك"

قتلته الذكري ، كما قتلته من قبل ، نغز الألم قلبه ..، فلم يشعر إلا وهو يصرخ بها ، حتي يخرسها عن نحيبها الذي لا يزيده إلا إنغماساً في حقده وكرهه

- اطلعي بره ، مش عايز أشوفك قدامي

هتفها بصراخ ، وهو يرمقها ..، فهرولت من أمامه بعدما لملمت ثوبها بأحكام وسارت راكضه نحو مكان تحتمي به منه

اندفعت نحو احدي الغرفه ، وتهاوت أرضاً وما زالت تشعر بأنفاسه ولسعات قبلاته فوق جسدها

لم يكن حاله مختلفاً ، فقد عاد ظلام الماضي يصحو داخله ، ظلام ظن إنه يطفئه كلما تزوج من أمرأه جعلها تحبه ثم تركها بقايا امرأه محطمه

نهض من فوق الفراش ، وهو يشعر بثقل يحتل قلبه .. واتجه نحو الشرفة الواسعه عاري الصدر ، يطالع ظلام الليل وقد عاد الجمود يرتسم فوق ملامحه ، يضغط فوق شفتيه بقوة، يهتف داخله لو عاد به الزمن لكان قتلها بيديه دون رحمه

وها هي صورة أخري تقتحمه ، ومن سواها ..تلك التي دلفت لحياته وظلامه ، تزوجها مجبراً لا هو يستطيع دمغها باسمه وكشف سره ، ولا هو قادر أن يظل يُكرهها بعيشتها معه ..، فقد فعل المستحيل لكي ترحل ولكنها أعتادت علي قسوته ..، وبهمس كان يخرج من شفتيه

- هتتحرقي بنار قسوتي يا جنه ، لو مخرجتيش من حياتي !

........................

وقفت أمامها بأمل ، ثم تعلقت عيناها بجمالها رغم مرور الزمن .. تنهدت بعمق وهي تري عبوس ملامحها ، عندما علمت من مرافقتها بأنها موجوده الان معهم

- ايه اللي جايبك أوضتي ، قولت مش عايزه اشوفك

سقطت دموع "حياة" قهراً ..، فيكفيها ما تعيشه مع قسوة أبنها ، وبقلق أقتربت منها وجثت فوق ركبتيها جوار فراشها

- ارجوكِ متكرهنيش ، صدقيني انا مش وحشه ..، متقبيش زيه قاسيه

تجمدت ملامح "ناهد" وهي تستمع لعبارتها الاخيره ، صحيح إنها أصبحت تعلم أن ولدها يغفو بغرفة منفصله عنها ، وقد أخبرتها الخادمه إنه تركها ليلة الزفاف وهو حانق بعدما سمع كل من بالقصر صراخه عليها ..يُخبرها أن صبره لن يطيل عليها وأنه دفع المال فيها ، كما إنها ليست بالفتاه التي تليق بشخصاً ك "عامر السيوفي"

صور كثيرة لهذا الزواج قد افترضتها "ناهد" بعدما أصبحت لا تفهم سبب لوجود هذه الفتاه هنا ، خاصة بعد طلقه السريع والعودة لجموده وقسوته

- عامر أتجوزك أزاي

تسألت بها "ناهد" بعدما أدركت أن الجواب ستعلمه منها ، بهتت ملامح "حياه" وهي تستمع لسؤالها وهي تتذكر تهديده لها بعدم إخبار أحداً لطريقة زواجه منه وخاصة والدته

- لو مش هتتكلمي ، اطلعي من أوضتي عايزه أرتاح

تعلقت عينين "حياة" بها ، وبصعوبة كانت تتحرك ولكن توقفت مكانها تطرق عيناها

- هحكيلك ، بس خلينا لوحدنا

انتبهت "ناهد " علي وجود مرافقتها ، فهتفت بتلك الواقفه وقد كان لديها فضول لتعرف سبب زيجة السيد الكبير بفتاة كهذه لا تليق بمستواه

- سبينا لوحدنا يا حليمه

خرجت الخادمه مرغمه ، فوقفت "حياة" مكانها ..، تفرك يديها بقوة حتي ضجرت ناهد من صمتها

- هتحكي ولا خايفه منه

ورغماً عنها كانت تخبرها بتفاصيل زيجتها من أبنها ، بداية من لقاءتهم المتفرقة ..، ثم دفعه المال لشقيقها وعرضه عليه مقابل المال

استمعت ليها "ناهد " بانصات ، وشئ واحد كانت تشعر به ..، إن ولدها لم يختار هذه الفتاة إلا ليضع عليها تجبره وسطوته

- عامر قرب منك

ألجمها سؤالها ، فازدردت لعابها ..، لتهتف بها ناهد

- يبقي مقربش منك ، لو عايزه تنجحي في جوازك من أبني ..، اوعي تبقي ضعيفه وتستسلمي ليه ..، لو استسلمتي ليه هتعيشي طول عمرك معاه علي الرف

شحبت ملامحها وهي تستمع لحديثها ، وسرعان ما كانت تزداد صدمتها

- أو هيستني تخلفي ليه طفل ، وبعدين يخرجك برة حياته ..

كان هذا أكبر مخاوفها ، فلم تسمع عن الأثرياء إلا الغدر ..، فهم يندمون بعدما تضيع الزهوة ويكتشفوا سوء أختيارهم

- أنا عارفه إن كلامي صعب عليكي ، لكن أبني بيحسب كل حاجة بعقله

وبحقد نحو تلك التي أعادت غضبه ، وجعلته يعود لصورتها القديمه بعدما كانت تشعر بتحرك قلبه

- عامر ، لسا مطلق مراته من شهرين

ولو كان ما علمته منذ لحظات صدمها ، لكن عبارة "ناهد" الأخير جعلته تترنح في وقفتها وقد اتسعت حدقتيها ..و "ناهد" تتمم عبارتها بملامح حزينه

- طلقها بعد جوازه منها بشهرين

والحقيقة الوحيده التي بدأت تصل إليها ، إنها ليست بالفعل إلا نزوة ..او غرضاً سينال منه شيئاً ثم سيلقيها خارج أسوار قصره

- لو عرفتي تكسبي قلب عامر يا حياة ، هتعيشي أسعد ست في الدنيا ..، لكن لو خسرتيه زي اللي قبلك .. هتطلعي أنتي الخسرانه

طالعتها "حياة" بملامح مشوشة ، تلتقط أنفاسها بصعوبه ..، فهي لم تكن تُريد إلا زوجاً يُخلصها من حقد زوجة أخيها ، بيتً دافئاً صغيراً وأطفال حولها ، شعرت "ناهد" بالشفقة عليها .. فهتفت برفق وسماحة

- قربي يا حياة

أنتبهت علي صوتها ، وقد علقت عيناها بها وهي تعتدل فوق فراشها .. تمدّ لها ذراعيها

- هخليكي تعرفي توصلي قلب أبني يا حياه

..........................

تنهدت بألم وهي تري لمعان الحب في عين أروي وهي تقص عليها حكاية حبها وعشقها لهاشم أبن عمها

فارتسمت أبتسامه شاردة فوق ملامحها ،.. ولا تعلم لماذا شرودها أصبح بهذا الرجل رغم كل ما فعله بها .. ،وخاصة تلك الليلة التي كاد يغتصبها فيها ، وسرعان ما كانت ابتسامتها تتلاشي ..، فق هجرها وسافر دون أن يهتم لأمرها وكالعاده لا تعلم بخبر سفرته إلا من العائلة

اردات البكاء ، ولكنها تمالكت حالها ..وعادت تنتبه علي حديث "أروي"

- انا مش مصدقه إنه بيبادلني مشاعر الحب يا جنه

وبحالمية أردفت وهي تغمض عينيها

- ده أنا قولت هنقضيها نظرات لحد ما نعجز

ورغماً عنها كانت تضحك علي حديث أبنة عمها ، لكن اختفت ضحكتها وهي تستمع لسؤال "أروي"

- حبيتي جاسر يا جنه

سؤالاً كان جوابه صعبً عليها ..، فلو أحبته هي ، هو لن يُحبها ،خرجت تنهيده عميقه من أعماقها ، وهي تتخيل لو كان جمعها الحب هي وجاسر لكانت تحيا حياة سعيده ، كتلك الحياة التي عاشتها زوجته الأولي معه

- أخوكِ عمره ما هيحبني يا أروي ، هيفضل طول عمره شايفني الزوجه اللي اتجوزها إجباراً من العيلة

شعرت "أروي" باألامها ، ومدّت كفها تمسح فوق كفها برفق , لعلها تُخفف عنها

- جاسر اخويا كان حنين اوي وكان الحب ده من اول الحاجات اللي بيؤمن بيها ، واتحدي العيله والدنيا كلها عشان يتجوز مرام .. حتي نيره رغم انهم ديما كانوا بيقولوا عليهم في العيله انهم لبعض بس مفرقش معاه ، ومن سبع سنين بس كل حاجه اتقلبت أخويا مبقاش هو

هتفت بها أروي وهي تشعر بالمرارة علي حال شقيقها

- هي مرام راحت فين يا أروي

تسألت بفضول ، ولكن أروي أنشغلت عنها في مطالعة هاتفها ، بعدما صدح رنينه تُتمتم ضاحكة

- ديه نيره ، اه لو عرفت اننا قاعدين سوا وبندردش دلوقتي

طالعتها "جنه" بيأس ، فلم تحصل علي جواب منها يُريحها ويُريح قلبها ، صرخت اروي بسعاده ..، مما جعلها تنتفض من فوق مقعدها فزعاً ، لتقترب منها أروي وتضمها بقوة هاتفه والفرح يحتل ملامحها ، وهي لا تُصدق ما أبلغتها به نيرة

- جاسر وافق علي هاشم ،وهيرجع من سافره يوم الخطوبه يا جنه .. انا مش مصدقه نفسي ، أخيراً هلبس دبلة الانسان اللي بحبه يا جنه

ورغم سعادتها ، لتلك الفرحه التي تراها تلمع في عينين أروي ، إلا إنها ابتلعت غصتها بمرارة ، وهي تري نفسها لا شئ بحياته ، فلو كانت زوجه حقيقية بحياته لكانت هي من زفت الخبر لأروي ، وليست نيرة

وبصعوبة تسألت

- هي نيرة بتشتغل مع جاسر

و أروي منحتها الجواب بسهوله ، لا تُصدق إنها لا تعرف أن "نيرة" تعمل سكرتيرة لجاسر

نيره سكرتيرة جاسر ياجنه ، هو أنتِ متعرفيش

.........................

تنهد بعمق وهو يري سعادتها بالهاتف والحاسوب الجديد ، فلمعت عيناه لشدة افتقاده لمرحها..

أبتعادها عنه أصبح يزداد كل يوم لدرجة جعلته يشتاق إليها وهو لا يعلم كيف يشتاق لها هو من يطردها بعيداً عن حياته ،رغم إنها صارحته بحبها

انتبه علي سؤالها ، وقد أخرجته من شروده الذي أصبح يُلازمه كلما أصبحت قربه

- طيب أشغل التليفون ده ازاي ، مش عارفه افتحه

ابتسم "احمد" وهو يري أستياءها ، فاقترب من فراشها وجلس عليه ، يُخبرها وهو يُحدق بملامحها الجميلة وبرائتها التي باتت تُرهقه

- تعالي ، أوريكي بيشتغل ازاي

اقتربت منه بتوتر ، لتجلس قربه تتسأل بأرتباك وهي تتحاشي النظر إليه :

- لو مفهمتش فيه هاخد تليفونك

دفعته عبارتها ، للضحك بقوة .. لا يُصدق إنها طامعة بهاتفه

احمد : ده انتي طلعتي، حاطه عينك علي تليفوني بقي ، طيب ايه رأيك ان تليفونك احدث من تليفوني بمراحل

فنهضت متذمره من جوارها ، تضع بيديها فوق خصرها ، ارتفعت تنورتها القصيرة بعض الشئ، فما كان منه إلا أن علقت عيناه بساقيها وقد سلبت شقاوتها أنفاسه، جذبها إليه فسقطت فوق ساقيه ، لتشحب ملامحها وهي تري حالها قريبة منه لهذه الدرجة ، وقبل أن تعترض كان يُخبرها صراحة

- مش هشرحلك التليفون بيشتعل إزاي ، إلا وأنتِ كده ومش عايز أسمع أعتراض

- نعم

وبأعتراض كانت تهتف ، فلمعت عيناه بخبث وهو يراها تُحاول الخلاص من قبضته حول خصرها

- ممكن تبعد عني

وبأنفاس مسلوبه ، كان يهتف دون شعور

- مش قادر أبعد عنك يا صفا

ارتفعت أنفاسها ، وهي تسمع عبارته ..وتري توقه إليها ، ولكن سرعان ما أنتبهت علي حالها وهي تشعر بملمس يديه فوق ساقيها ..، لتُدرك أن ما يدفعه نحوها ليس إلا رغبة

- الاصدقاء في بينهم حدود ، ولازم مانتجاوزش الحدود ديه

انتفضت عنه ، بعدما هتفت بعبارتها التي ألجمته ، ولم تكن عبارتها إلا حديثه الذي أخبرها به من قبل

- صفا ..أنا

وقفت الكلمه علي طرفي شفتيه ، لو كان قالها لكانت منحته نفسها مرحبة ..، رأت الضياع والتردد في عينيه .. فتأكدت إنها ليست إلا أمرأه تُحرك غريزته ، وها هو يخذلها مرة أخري..

وسرعان ما كانت تخرج من الغرفة راكضه ، تخفي دموعها التي علقت بعينيها

.........................

أتسعت أبتسامة عمتها وهي تراها بكل هذا الجمال ، وبفستانها الذي قد اظهر كل شئ من أنوثتها .. وقد زادها جمالاً فوق جمالها

- أه لو كان جاسر هنا دلوقتي ، وشاف قد إيه هو محظوظ بالجمال ده كله

ألمها حديث عمتها ، فاغمضت عينيها تمنع هبوط دموعها ، فابتعدت عنها "منيره" تضم وجهها بين كفيها :

- أنا عارفه اني بتدخل في حياتكم اوي يابنتي ، بس صدقيني من حبي ليكم .. ومتأكده إن في يوم هشوف الفرحه بتلمع في عينيكي ، وهتشكروني انتوا الاتنين

حاولت تمالك دموعها ، فعن أي فرحه و أمل تتحدث عمتها .. ، جاسر لا يُحبها بل هي من تورطت وأحبته

تعالت أصوات الزغاريط وطلقات النار ، فتهللت أسارير منيره :

- أكيد كتبوا كتب الكتاب ، هروح أشوفهم واشوف جاسر ، وانتي أدخلي للبنات وفرحيهم يا بنتي

مسحت "جنه" تلك الدمعه التي أنسابت فوق خديها ، واسرعت بالدلوف نحو الحجره الواسعه التي تضم معظم نساء وبنات عائلتهم والعائلات الاخري أحتفالاً لهذه المناسبه السعيده ، واقتربت من أروي تحتضنها بقوة تُهنئها:

- مبروك يامدام أروي قولاً بس وليس فعلا

تخضبت وجنتي أروي خجلاً وهي تستمع لعبارتها ، فقرصتها جنه فوق ذراعها غامزه تُشاكسها

اقتربت منهما نيرة ، وهي تشعر بالحقد ، خاصه وهي تري جميع النساء يمدحون جمالها ، وحظ كبيرهم في الزواج منها:

- عقبال لما تبقي انتي كمان مدام فعلا مش بالأسم بس

احتقنت ملامح "جنه" غضبا من وقاحتها ، فحدقت بهم أروي بغرابه، وخاصه وهي تري أحتقان ملامح جنه ..، اسرعت في جذبها بعيداً عن نيرة ، حتي تنهي تلك النيران التي تطاير من نظراتهم نحو بعضهم :

- هنرقص انا وانتي صح ، اوعي تنسي وعدك ليا

فصدحت ضحكات نيره وهي تستمع لحديث أروي :

- وانتي إنها بتعرف ترقص ، بلاش تخليها تكسفنا قدام الناس..

وتابعت حديثها وهي ترمقها بغيظ : أقعدي بقي ياأروي وبلاش فضايح قدام الناس

ابتلعت "جنه" عبارتها ، وقد التمع التحدي في عينيها ، تجذب ذراع أروي في وسط الغرفة

- معندناش عروسه تقعد ، وبما أننا بنات وسط بعض .. فهنعمل اللي يعجبنا

لتحتقن ملامح نيرة ، وهي تراها ترقص ببراعة وأعين الجميع حولها ، يتهامسون بين بعضهم عنها ، يتسألون هل ترقص كل ليلة أمام كبيرهم

.........................

وقف يتأملها وهي تلتهم بقوه وجبة عشائها سرا في مطبخهم المُظلم، لتتسع أبتسامته وهي يراها تتلذذ بطعم الطعام بهمهات مُتلهفه .. فأقترب منها بحزر

أحمد : عشان تحبسي نفسك في اوضتك تاني من غير أكل

لتنتفض فزعا ، تتأمله وهو يقف امامها حتي قال بتنهد : صفا انا مش عايزك تبعدي عني

وجذب بيديها متمتماً برجاء :

- عايز اوريكي تصميم المنتجع الجديد اللي انا صممته وكان بسببه وجودي هنا

فتحركت خلفه مسلوبة الاراده ، وصعدت معه نحو غرفته ، أجلسها فوق فراشه ، فأخذت تطالعه بأرتجاف وضعف وكادت ان تنهض وتهرب من خفقان قلبها الذي أطفئته منذ ان جرحها ورفض حبها بوحشيه .. فجذب ذراعها وأجلسها ثانية وجلس جانبها فوق الفراش وفتح حاسوبه، قبل أن يمنحها فرصة للهرب

- ها ايه رأيك

لمعت عيناها بأنبهار حقيقي ، تُدقق في حاسوبه وقد تناست أي مشاعر اخري

- انت اللي صممت ده

تعالت ضحكاته ، وهو يراها تُشكك في قدراته:

- جوزك مهندس شاطر علي فكره يامدام

ألجمتها عبارته ، فتعالت أنفاسها وقد أخذت كلمته تتردد داخل أذنيها ، تنظر إليه :

- كنت اتمني اني أصمم المشروع ده في مصر

وتابع حديثه بفخر : وجودي في أمريكا ، كان بسبب براعة المشروع ،

بس عارفه ياصفا اجمل حاجه لما تقدري توصلي لأحلامك اللي بتحبيها مش اللي فرضاها لنفسك

حدقته ، وهي تسمع لحديثه ، وقد اتمعت عيناه بعدما علم بأنه يثرثر كثيرا عن نفسه فتسأل حتي يجذبها نحو حديث أخر

أحمد : نفسك تحققي إيه يا صفا من احلامك

وأه لو اخبرته عن حلمها الذي تتمناه ، إنه هو من كان حلمها الذي تمنته ، أنتظر أن تمنحه جوابها ، وعندما طال أنتظاره ، رفع كفه نحو خدها يمسح فوقه متمتماً

- هتاخدنا علاقتنا لحد فين يا صفا ؟

........................

ألتمعت عين أروي بشقاوة وهي تطالع مقطع الفيديو ، بعدما انتهت حفلة عقد قرانها ،حدقت بشقيقها الذي جلس بهيمنته يتحدث مع فاخر ، ورغماً عنها كان يخرج صوتها عاليا ، فجعلت الجميع ينتبه عليها :

- ديه جنه طلعت أستاذه

طالعها الجالسين ، لا يفهمون مقصدها ، فالتف بوجه نحو شقيقته ، عندما استمع لاسمه من فم شقيقته وقد ترك فنجان قهوته ، ولم يكن غير هدي هي من فهمت حديث أروي ، فهتفت بضيق مستنكرة ما حدث

- كسفتنا قدام حريم العيله ياعمتي ، فضلوا يسألوا مين ديه .. واول ماعرفوا انها مرات كبير عيلة المنشاوي ،معرفناش نخرس ألسنتهم

تعالا صوت صراخ فاخر ، بعدما أنتبه علي ملامح شقيقه

- هدي

فامتقعت ملامح "هدي" ، غير عابئة بصراخه عليها

- مالها نيره أختي عقله وراسيه وبنت اصول

قبض جاسر فوق كفيه وهو ينهض عن مقعده ، وقبل حديثه بشئ ..، كانت "منيرة" تهتف بحده ، وقد أحتقنت ملامحها :

- وبنت أخوي بنت أصول برضوه ياهدي .. خد مرتك يافاخر وعلمها أزاي تعرف تحترم الكُبار

وصرخت بوجه أروي التي انكمشت علي حالها ، بعدما أكتشفت فداحة فعلتها

- وانتي أمسحي المسخره اللي علي تليفونك ديه

- فين جنه ياعمتي

صدح صوته ، بعدما تمالك غضبه وطالع شقيقه الذي شعر بالحرج من عدم إحترام زوجته لأفراد عائلته وعدم إحترامها لتحذيره

- إحتراماً ليك مش هتكلم علي اللي قالته مراتك يافاخر

تقدمت منهم غافلة عما حدث بغيابها ، وتلك النيران التي تتطاير من عينيه ، تهتف بسعاده بعدما أنهت حديثها عبر الهاتف مع والديها :

- بابا وماما بيسلموا عليكوا ، وباركوا لعمي علي خطوبة أروي

ونظرت نحو عمتها هاتفه :

- عمي حسن عايزك فوق ياعمتي عشان تكلمي بابا

حدقتها عمتها بنظرات طويله ، ونهضت عن مقعدها تومئ لها برأسها ..، وقبل أن تتجه نحو الدرج شيعت نظراته نحو الواقف يقضم فوق شفتيه بقوة ..تُطالعه بنظرات راجيه

- مالكم يا جماعه ، ساكتين ليه

وبقسوة كان يجذبها من ذراعها ، يجرها خلفه

- مش عايز أسمع ليكي صوت

شعرت بالأهانه ، من جره لها بتلك الطريقه ..، وبصعوبة حاولت التخلص من قبضته

- براحه ، أنت بتجرني كده ليه

وبحده كان يعود لالتقاط ذراعها مجدداً ، يدفعها تلك المرة أمامه

- قولت مش عايز أسمع صوتك

.................................

نظرت اليه طويلا وهي تحمل حقيبتها

- انا مش هقدر أكون الست اللي أنت عايزها

ليطالعها هو بجمود ، بعدما فقد كل ذرة تعقل داخله ..، فيكفيه إنه ما زال صابراً عليها ، يمنحها العذر رغم ضيقه :

- هو لعب عيال ، فوقي ياحياه مش معني اني بدأت اعاملك كويس وصابر عليكي يبقي انا ضعيف ياهانم .. بلاش أوريكي قسوتي اللي بجد

حدقته ساخره ، وقد أنسابت دموعها فوق خديها :

- أنت مش عايزني غير ست ضعيفه ، تفضل تحسسها إنك ولي نعمتها ، وأنا مش هفضل طول عمري كده ..، حرام عليكم

لم يتحمل "عامر" حديثها ، واقترب منها يلتقط ذراعها يضغط فوقه بقوة ، مما أزاد إنهمار

- لولا فلوسي أخوكي كان دخل السجن ، أو كنتي أتجوزتي تاجر مخدرات ..، شايفه إزاي أنا ولي نعمتك

دفعها عنه بعدما انهي حديثه ، لتتعالا شهقاتها بعدما صدمتها عبارتها ، فهي ليست نداً مع هذا الرجل ، وبمرارة كانت تهتف

- مش من حقي ادلع صح ، ولا من حقي احب ولا من حقي يسألوني تتجوزي مين ولا من حقي اختار حاجه خالص.. لازم انا بس اللي أضحي وأسامح واتحمل وأتهان وأسكت ..أنا مكنتش عايزه لا قصر ولا فلوس .. أنا كنت محتاجه راجل يحبني

ألجمته عبارتها ، فعن أي حب تنتظره منه ..، وهو أقسم ألا يسمح لأمرأه تُحرك قلبه ..، طالع دموعها وهي تُخبره بأحلامها مع الرجل الذي تمنته ، وبذكاء كان يقترب منها يضمها إليه رغم أعتراضها ، يمنحها ما تُريده كذباً

- وليه متحاوليش معايا يا حياه

توقفت دموعها ، ورفعت عيناها إليه ..، لا تستوعب حديثه

- أنا عارف إني بجرحك بكلامي ، بس أنا من طبعي قاسي ..، ومش بؤمن بالحب ..، لكن ليه متحاوليش معايا

كان يعلم بأنها ليست بالمرأة الذكية اللعوب ، فلو كانت ذكية لكانت طبقت حديث والدته الذي استمع إليه بالمصادفه ، أو كانت أستخدمة صلاحيتها كزوجة ، وتنتهز الفرصه التي منحتها لها الحياة ..، وتعيش حياة الرفاهية ..

- أحاول

وبخفوت كانت تسأله ، تتذكر نصائح ناهد إليه ..، نحو الشد والإرخاء حتي لا يضجر منها ..، شعرت بذراعيه تطاوق خصرها ، يُلمس جسدها بحنو غير تلك الطريقه التي اعتاد فرضها عليها حينا يرغبها وينتهي الأمر ببكاءها

- أنت مبتحبنيش

- ما أنتي كمان مبتحبنيش يا حياه

بمراوغة كان يُجيبها ، حاولت التملص من اسر ذراعيه وسحر عيناه الناعسة

- عشان كده بقولك نحاول

وببطئ كان يقترب منها ، يلثم خدها ثم قرب فكها ..، يتجه بشفتيه نحو عنقها ..، ارتخي جسدها بين ذراعيه ..، فلمعت عيناه بشقاوة ..، فبمجرد كلمات هادئه ..ينال ما أراده ، اتجه بها نحو الفراش ، وقبل أن يطرحها فوقه ، كانت تفيق علي حالتها ولكن أسرع في التهام شفتيه متمتماً

- هنحاول يا حياة ، هنحاول نحب بعض

هتف بالكلمه التي يعلم إنها ستعيدها لأغماءتها القصيرة معه ..، وبتروي ورفق كان ينالها

وللعجب إنه ظن إنه سيكتفي معها بمرة واحده ، ولكن هيهات كان لا يستطيع الخروج من سحرها وخجلها الفطري ، لقد أشعرته برجولته وبمشاعر لم يشعر بها من قبل ولكنه لن يفسرها . 
وقفت أمامه تشعر بأن هناك حديث يُريد إخبارها به ، تلاقت عيناهم في نظرة طويله ..، ولأول مرة تري في نظراته لها نظرت لم تفهمها ، ولكنها كانت أبعد عن تلك النظرة التي أعتاد النظر بها إليها ، لم تري البروده والقسوة بل رأت رجلاَ أخر .. رجلاً يُريد الهرب من مشاعره ..، حللت , أنتظرت وداخلها كان ينبض بالترقب ..، ولكن كل شئ تحول داخلها وهي تستمع لأخر ما توقعته



- أنا أسف ياجنه



وأسفه لم يكن ما يُريد إخبارها به وحده هذه الليله ، اشاح عيناه عنها بعدما رأي نظرتها المتلهفة لحديثه ..، وبدون رحمه كان يُسقطها من سحابتها



- إحنا لازم نتطلق ياجنه !



سقطت العبارة علي أوتار قلبها كالصاعقه ، فأخذ صداها يتردد علي مسمعها ، فالتمعت عيناها بالدموع غير مصدقة ..، إنه يُخبرها بضرورة طلاقهم بعدما شعرت ببصيص من الأمل في نجاح علاقتهما



أبتلعت غصتها اللعينة ، تلوم حالها علي حبها لهذا الرجل .، فكيف سمحت لقلبها بأن يُحبه وهي تعلم بفشل حكايتهم ..، انسابت دموعها وقد وقف يرمقها بنظرات احتلها الخواء ..، أرادت الصراخ به ..، ارادت صفعه وضربه بكل قوتها ..، لعلها تُخرج فيه قهرها ..، ولكن رنين هاتفه جعلها تفيق من أفكارها ..، تنتبه علي الحاله التي أصبح عليها وهو يسأل شقيقه صارخاً



- ايوه يافاخر ، بتقول إيه ؟



ارتجفت يده فوق الهاتف ، وهو يسمع ما يُخبره به شقيقه ، فاقتربت منه وقد أحتلي الذعر ملامحها



جنه : إيه اللي حصل ؟



هرول من أمامها دون جواب ..، فركضت خلفه تصرخ باسمه بعدما شعرت بالخوف من حدوث شئ لعائلتها ..، لتجلس فوق الدرج بأنفاس مسلوبه تنظر نحو الفراغ أمامها ، تهمس أسمه هذه المرة بخفوت



................................................................



أبتسمت صفا بسعاده وهي تضغط علي أخر زر سيجعلها تثبت عضويتها في أحدي المنتديات العربيه



تنهدت براحه ، مع اول خطوه للتسليه بمفردها بعيدا عنه



لتضحك بقوه وهي مسطحه علي بطنها وتتلاعب بساقيها ، فتتخيل مشاهد تلك الروايه التي تقرأها ضاحكه ..فقد كانت عباره عن يوميات زوج وزوجه



تعالت صوت ضحكاتها بقوه وهي تكمل قراءة الروايه ،ومع طرقاته الخافته وعدم استجابتها ، سمح لنفسه بالدلوف .. فتقع عيناه عليها وهي بذلك الوضع الذي أشعل توقه إليها ..، أقترب منها مبتسماً بأنفاس مسلوبه ، يُريد معرفة ما يُضحكها ويُسليها:



- ما تضحكيني معاكي



باغتها بسؤاله ، فانتفضت مفزوعة من فوق الفراش ، تلتقط أنفاسها الهادرة ، تنظر إليه وهي تضع بيدها فوق قلبها



- خضتني يا احمد ، انت دخلت هنا امتي ؟



اتسعت ابتسامته شئ فشئ ، وهو يستمع لاسمه بتلك النبرة التي زادته رغبة وتوقاً ، وجلس جانبها يُطالع ما كانت تقرأه ويضحكها :



- مقولتليش برضوه بتضحكي علي ايه ياصفا



التقطت أنفاسها ببطئ ، وعدلت من وضيعة جلستها ..، تشيح بالهاتف بعيداً عنه :



- عادي بتصفح علي النت ، وبضحك علي مواقف لمتجوزين



حدقها "احمد" بنظرات لعوبه ، وهو يراها تبتعد بالهاتف عنه، وبعبث أخذ يتسأل :



- وإيه هي مواقف المتجوزين اللي بتضحك ، أنا أعرف إن في مواقف تانية أحلي



خفق قلبها من عبارته ، ولكن سرعان ما كانت تتحكم في مشاعرها



- مواقف للمتجوزين مش للصحاب ، فأكيد مش مضطر تعرفها



تجهمت ملامحه ، وهو يستمع لعبارتها التي تصده بها ، ورغم ضيقه إلا إنه تجاوز الأمر وعاد يبتسم إليها ، يُخبرها عن سبب قدومه لغرفتها:



- معزومين النهارده علي العشا



وها هو يثبت لها براعته في تجاوز كل شئ ..



...............................................................



تنهد براحه وهو يتأمل وجه والده المبتسم برضي



جاسر: كده تخضينا عليك ياحاج



فاغمض حسن عيناه بتعب



-احنا اللي غصبنا علي بنت عمك كمان ياجاسر في الجوازه ديه ، اوعاك تفتكر ان انت الوحيد اللي ضحية هي كمان أتنازلت يابني عن حقوقها في إنها تقول لاء ليا و لعمتك و لعمك .. انا وعمتك حطينا مقابل قرب عمك مننا تاني "بنته" ومكنش عنده حاجه غير إنه يدهالنا ، متظلمهاش يابني متخدهاش بذنب حد



أظلمت عيناه من سماع حديث والده ، وقبل أن يهتف بشئ ويُخبره إنه سيُطلقها حتي يُحررها من عالمه المظلم ويمنحها حياة تستحقها ، كانت عمته تدلف الغرفة بملامحها البشوشة:



- اخبارك ايه دلوقتي ياحسن ، كده ياخوي تقلقني عليك



- انا قولت لجاسر كل حاجه يامنيره ، لازم يعرف انها كمان اتظلمت وسطينا



طالع عمته ، بنظرات خاليه ، فتسألت منيرة بشك :



- مراتك عايزه تمشي ليه ياجاسر ، عمك صابر تحت وهي مصممه أنها تمشي معاه



تصلبت ملامحه ، وهو يستمع لعبارات عمته ..، فحتي لو أخبارها بطلاقهم ..، فهو من يُقرر متي رحيلها وليست هي ، اندفع لخارج الغرفة ..، تحت نظرات والده وعمته ..، فابتسمت منيرة وهي تُطالع شقيقها



- لسا جوايا أمل إنهم يحبوا بعض يا حسن



..............................................................



تأملها "عامر" بنظرات طويله ، دون أن تحيد عيناه عنها ..، تذكر أمسً وهي بين ذراعيه يسألها عما تُريده ..، وقد ظن إنها ستطلب شيئاً من رفاهيات الحياة ..، ولكنها كل يوم تثبت إليه إنها بالفعل نموذج اخر من النساء ..، تصلبت ملامحه وهو يري قلبه إلي أين يأخذه ..، فاقترب منها بخطوات جامده ..، بعدما ضجر من أنتظارها وعلي ما يبدو إنها تناست إنه أخبرها أن وجودهم هنا لساعة واحده كما أتفقوا ..، ثم يعيدها للمنزل ويعود لأعماله وقد أعطاها حقها في تلبية حاجتها , كما أصبحت تُعطيه حقوقه الزوجيه



تقدم منها ، وقبل أن يُخبرها بوجوب رحيلهم ، تلاقت عيناها به بسعاده وهي تتجه إليه



- عجبتهم الهدايا اووي ، ربنا يوسع من رزقك وتفضل ديما ترسم الفرحه علي وشوش الناس



ألجمته عبارتها ، بل جعلت جموده يتلاشي ..وهو يُعانق عينيها بنظرة طويله ، يتسأل داخله



هل هي بالفعل مختلفة عنهن جميعاً ، عن والدته و فريدة بل وأيضا أميرة ؟



فاق من شروده ، وهو يراها تُحاول جذبه نحو الأطفال



- مش كفاية كده يا حياه ، عندي أجتماع مهم



- اقعد بس معاهم خمس دقايق ونمشي ، أرجوك



وبرجاء كانت تهتف عبارتها ، وقد علقت عيناها بعينيه ..، خفق قلبه بشعوراً لا يعرف مهيته ، واقترب من الأطفال يتأملهم بنظرات حانية بعيداً عن قسوته وجموده



توقفت بعيداً عنه ، و قد أقتربت منها السيدة "فاتن" سعيده بما تراه



- حافظي عليه يا حياة ، الفرصة مبتجيش في حياة الإنسان غير مره واحده



….



وها هي تنفذ المطلوب ، تنفذ ما تنصحها به "ناهد" وقد أصبحت قريبة منها ، تطبق ما كانت تسمعه من الحكايات ، فالرجال لا يحبون زوجاتهم إلا بعدما تجمعهم العشرة والمواقف ، ورغم تضارب قلبها وعقلها مع بداية زواجهم وإرغامها علي هذه الزيجة ..، إلا إنها وجدت معه الخلاص من حياتها بجانب زوجة أخيها



أنتبهت علي سماع باب الغرفه يُفتح ، ودلوفه بأرهاق وقد قطب جبينه وهو يراها مستيقظة لهذه الساعه ..، أسرعت إليه تسأله بلهفة صادقة



- أتأخرت ليه يا عامر ؟



اراد أن يُخبرها ، أن لا حق لها بأن تسأله عن شئ ..، ولكن توقف الحديث علي طرفي شفتيه وهو يجدها تقف خلفه وتزيل عنه سترته



- قلقت عليك ، و فضلت مستنيه نتعشا سوا ..، وعلي فكرة أنا جعانه خالص



- أتعشيت بره ، وبعد كده تقدري تاكلي من غيري لما اتأخر



تعجبت من نبرته الجامده ، فالفترة الماضيه كان يُعاملها برفق ، شعرت بالتوتر وهي تراه يبتعد عنه ويتجه نحو المرحاض



نفضت عقلها من أفكارها ومخاوفها ، واتجهت نحو المرآة تنظر لهيئتها ..، ازالت مئزرها برفق ، فتخضبت وجنتيها من شدة الخجل ..اعادت المئزر فوق جسدها ولكن سرعان ما كانت تتذكر حديث "ناهد" ، فرجل كزوجها بمكانته يري الكثير من النساء ، ازالت المئزر مجدداً ووقفت تمشط خصلاتها الطويله ، وقبل أن تتجه نحو الفراش وتستر جسدها بالغطاء ..، كان يخرج من المرحاض يُجفف عنقه وخصلاته



انتبه علي سماع شئ يسقط ، فابعد المنشفه عن وجهه ..، ليراها تقف مرتبكة تنظر إليه وهي تلتقط قرورة العطر التي سقطت منها



اقترب منها ببطئ وهو يري تراجعها عنه ، ورغم إنه قد قرر عدم الاقتراب منها هذه الليله إلا إنه كان يتحرك صوبها بأنفاس لاهثه



- أنتِ جميلة كده ليه يا حياة



تمتم عبارته ، وهو لا يُدرك كيف خرجت الكلمات من شفتيه ..، جذبها إليه فارتطمت بصدره الصلب ، تسأله وهي تشيح عيناها بعيداً عنه



- أنا بجد جميلة يا عامر



والجواب الذي كان يستنكر إنه منحه لها ، كان يُعيده ثانية عليها ، بل أخذ يعيده لمرات عديدة وهي بين ذراعيه يسحبها معه نحو السحاب



..............................................................



وقفت باكية ، تتأمل رحيل والدها بعدما جاء ليطمئن علي اخيه أولاً ثم عليها ، طالعها في صمت ، وقد وقف قريباً منها حتي تلاقت عيناهم ، فحدقته بأعين قاتمه



- مرضتش تمشيني معاه ليه ، مش كنت عايز تطلقني ولا جاسر باشا لسا بيدرس قراره ، بس أنا بقي مش عايزه أعيش معاك خلاص



القت عبارتها بصراخ ، جعل عيناه تحتد ، فمنذ مني واصبح صوتها هكذا أمامه



- مليون مرة أقولك صوتك ميعلاش ، كلامي ليه مبيتسمعش



هتف بها ، وهو يقبض فوق ذراعها بقوه ..، فنفضت ذراعها عنه







- مش عايزه أعيش معاك تاني .. كفايه ذل واهانه لحد كده ، طلقني



حدقها بنظرات مظلمه ، وهو يستمع لعبارتها ..، أقترب منها , فاخذت تتراجع عنه وهي تري نظراته



- طيب يا جنه ، أنسي بقي موضوع الطلاق ..لأني مش ناوي أديكي حريتك دلوقتي



وأنحني صوبها ، فمالت برأسها بعيداً عنه ..، بعدما شعرت بأنفاسه تلفح صفحات وجهها



- إلا لما أخد حقوقي ياجنه ، وأتمتع بأمتيازات الجوازة ..، مش معقول تخرجي من الجوازه لسا بنت ، ده حتي عيبه في حقي



القي عبارته بوقاحه ، وابتعد عنها يتفرس ملامحها ، فصدحت ضجكته عالياً وهو لا يُصدق إن بضعة كلمات ترغبها النساء منه ، تجعلها مذعورة هكذا .



..................................................................



أمتقع وجهها وهي تتأمل بعينيها تلك الفتاه التي يصطحبها صديقه فاقتربت منه :



- هي ديه حبيبت صاحبك اللي ناوي يتجوزها



فابتسم "احمد" وقد أنتبه علي نظراتها نحوهم : مش عجباكي



وبهمس خافت كانت تسأله :



- إزاي موافق تلبس كده



وقبل ان تكمل باقية حديثها ، أقترب منهم "رامي" هاتفاً باعتذار :



- أسفين علي التأخير ، اعرفكم بساره



نهض "احمد" عن مقعده مرحبا بها وعيناه نحو صفا ، وقد ضمها إليه بعدما وقفت هي الأخري مرحبة :



- صفا مراتي



ارتجف قلبها من لمسته ، وتعريفها لهم بأنها زوجته ..، حاولت التخلص من ذراعها ..، فابتسم وهو يُحررها أخيراً ، وعادوا لجلوسهم



أتي النادل ، ولدهشتها إنه قد اختار لها أنواع الطعام التي تُحبها ، طالعته في صمت ..، كما اخذ "رامي" يحدق بهم ..، لا يُصدق أن هذا الزوج ليس إلا صورياً ..، كانت عينين الجالسه أمامهم تُراقبهم ، تنحنحت "سارة" بعدما شعرت بأنتبه "صفا" عليها ، وعلي تحديقها بهم



- مكنتش فاكرة ، نك بالجمال ده يا مدام صفا



توردت ملامح "صفا" ، وقد علقت عيناها بالجالس جوارها ..، فاقتربت منه حتي تخرجه من شروده وحرجها أمامهم من نظراته العالقة بها ، فماذا كان سيفعل إذا كان يُحبها ..، ام هذا دوراً يجيده حتي يثبت إليهم إنهم زوج و زوجة بالفعل



- بتبصلي كده ليه ، ممكن تستعجل النادل لأني جعانه



ضحك "احمد" مرغماً ، بعدما أشاح عيناه بعيداً عنها ، فرمقها "رامي" متعجباً :



- طيب ما تشاركونا معاكم الضحك يا جماعه ، بصراحه يامدام صفا انتي عاملتي أنجاز في شخصيه جوزك المصون ده .. ده كان بارد ورخم بشكل بس دلوقتي حاسس انه بقي لذيذ



تعالت ضحكاتها رغماً عنه ، فاسرعت بوضع يدها فوق شفتيها ..، بعدما حدقها بنظرات متوعده ، فقد اعجبها حديث "رامي" عنه ..



- شكلي النهارده هخليك تدفع عزومة العشا عقابا ليك



تراجع "رامي" بمزاحاته ، بعدما رمق المكان



- وعلي ايه انا بقول السكوت حلو



حاولت كتم صوت ضحكاتها ، فضغط بحذائه فوق قدمها ، لتتأوة بخفوت من فعلته



- نتلم شويه يا مدام مفهوم !



....................................... ..........................



وقف يتأمل نظرات عيناها الشغوفة، وهي تتابع سعادة أروي بالورد الذي قد بعثه إليها هاشم في لفته رومانسية منه ..، تجمدت ملامحه ، وهو يري الحسرة قد أرتسمت فوق ملامحها بعدما تلاقت عيناهم معاً



أنتبه علي صوت شقيقه ، بعدما دلف للشرفة الواسعه :



- امتي هترجع لنفسك تاني يابن ابوي ، وتنسي الماضي



التف اليه جاسر بجمود ، رغم مشاعره المضطربه ، يتجاهل حديث شقيقه



- الحاج نام



تفهم "فاخر" هروبه من سؤاله ، فتنهد زافراً أنفاسه



- طبعك ومش هتغيره يا جاسر ، ديما مبتحبش قد يقولك انك غلط ، متقلقش ابوك كويس ، اخد علاجه ونام



.................................. ................................



مع اول خطوه كانت تصعد فيها الدرج مُتجها الي غرفتها ، كانت ذراعيه تجذبها بقوه يصرخ بها ، بعدما فقد كل ذرات تعقله:



- كانت قاعده حلوه صح ، اندمجتي اووي مع رامي



طالعته بذهول ، وهي تشعر بقسوة قبضته فوق ذراعيها ، ولكن تجاهلت ألامها وهي ترسم أبتسامه واسعه فوق شفتيها



- رامي , صاحبك بجد مافيش منه ، شخصيه جميله اوي تخليك تنسي الدنيا وتضحك من قلبك



تجمدت ملامحه ، وهو يسمع عبارتها التي زادته تجهماً وقتامة بل جعلته لا يشعر بقسوة حديثه



- متنسيش وجودك في حياتي كان ليه ، ومُدته قد إيه متتعوديش اووي علي العيشه



وأردف ساخطا :



- متنسيش انك مجرد بنت كنتي بتشتغلي عندنا



دفعها من أمامه بعدما ألقي بحديثه ، وأنصرف وهو يلعن ذلك الشعور الذي اصبح يجتاحه بقوه ، وقفت مكانها مصدومه بأعين متحجرة وسرعان ما كانت تنساب دموعها فوق خديها ..، وقد أخذ حديثه يتردد في أذنيها ..، فهي بالفعل ليست هنا إلا لمدة معينه ، ولكنه كاذب ..، فلم تعد تعلم أين هي في حياته



..............................................................



كان سؤال "ناهد" كفيل بأن يجعل قلبها يخفق بقوه .. الي ان عادت ناهد بتسألها ثانية بمراوغة:



- بدأتي تحبي عامر يا حياة



طالعتها "حياه" بنظرات شاردة ، لا تعرف بما تخبرها .. لأنها بالفعل لم تعد تعرف مشاعرها نحوه ، أغمضت عيناها وهي تضع بيدها علي عنقها تتذكر عنفوانه معها في علاقتهما ، ولكن ذلك العنفوان سرعان ما يتحول لشغف ..، إنها باتت لا تشعر بأنفاسها الهادرة وهي قربه ، حتي قلبها بات يتقافز من موضعه حينا يراه وكأنه يتوق للمساته ، عقلها و قلبها و جسدها ..، أصبحوا خائنين إليها وقد تركت نفسها لهذا الرجل بعد تلك الليلة



- حياة



هتفت "ناهد" اسمها ، بعدما اختفي صوتها ..، وطال جوابها



- مش عارفه ، لكن عامر بقي يعاملني كويس



والمعاملة لم تكن إلا بالفراش ، ولكن ناهد ظنت أن الامور بدأت تنصلح بينهم من جميع الجوانب



- أنا معرفش يعني إيه حب غير من القصص الي بنسمع حكايتها ،مجربتش احساس إن حد يحبك من غير مقابل غير مع امي وابويا الله يرحمهم



توقفت الكلمات علي طرفي شفتيها ، وهي تلتف خلفها علي أثر صوته الجامد



- أخبارك إيه النهارده ، المرافقة معاكي كويسه ولا ابدلها ليكي



ارتسمت السعاده فوق ملامح "ناهد" وهي تستمع لصوته وانتظرت قربه ..، اقترب منها يُجاورها فوق فراشها ..، وقد علقت عيناه بتلك التي غادرت الغرفة ، يتذكر حديثها الذي سمعه مع والدته



- حياة مش شبهي يا عامر ، حياة نضيفه من بره ومن جوه اوعي تخسرها يا ابني ..لانك مش هتلاقي زيها تاني



ألجمه حديث والدته ، وتلك المرة كانت عيناه تتعلق بوالدته



- مش بنفوز غير مرة واحده في الحياة !



..............................................................



جلس علي فراشه بتعب ، يتأملها وهي تعدل من وضع وسادتها فوق الاريكه .. فنهض واقترب منها :



- تعالي نامي علي السرير



صدمتها عبارته ، تتذكر أول ليلة لها معه ..، بعدما دفع الوساده نحو الأريكه ..، يُخبرها إنه مكانها وقد رحمها من نومتها علي الأرض لكرم أخلاقه



وباستهزاء تمتمت



- مش متعوده علي كرم الأخلاق ده يا جاسر باشا ، عموما متشكره علي عرضك السخي



احتقنت ملامحه ، من سماع عبارتها التي لم تعجبه



- كلمه ومش هعيدها تاني .. ، اسمعي الكلام مره في حياتك ياجنه



- طب وانت هتنام فين



تسألت بعدما قررت ، اتأخذ الهدنة معه في الحديث



فظهرت أبتسامته لأول مره



- متخافيش هنام في أوضه تانيه



- ليه موجهتنيش لما ضغطوا عليكي عشان تتجوزيني



باغتها بسؤاله الذي لم تتوقعه منه ، فتلاقت عيناها بعينيه ..، وقد أنتظر سماع جوابها ولكن جوابها قد طال ..



- جنه انتي قبل ما تكوني مراتي ، فأنتي بنت عمي يعني من دمي ولحمي .. اوعدك اني هراعيكي وهحاول مبقاش مُعقد ومتسلط زي ما انتي شيفاني .. بس حاولي تحترمي وجودي وغيابي وبلاش تصرفاتك المجنونه



اتسعت حدقتيها في صدمه وهي تستمع لحديثه ، لا تُصدق أن الذي يقف أمامها ويُحادثها هو "جاسر" زوجها ..وبمرارة تمتمت بعدما ابتلعت غصتها:



- انا بحترمك ، انت اللي مبتحترمنيش



كان يعلم بصدق حديثها ، ولكنه أراد أن يمحو الحزن التي أحتلي قسمات وجهها ، وبمزاح كان جديداً عليها تمتم



- طيب وبخصوص مصايبك السوده اللي بتعمليها انتي واروي



ابتسمت مرغمه ، فابتسم هو الأخر ، يتذكر عندما شاهدها احد رجاله صباحاً ، تجلس مع بعض نساء بلدتهم وتتناول معهم بعض الاطعمه وتمازحهم



واقترب منها بهدوء ، يُخبرها :



- مش هكون معاكي ديكتاتور تاني ، بس اوعاكي تنسي وضعي هنا في البلد



وسرعان ما كان يتحول هدوئه ، لضحكات عاليه ..، وهو يراها تُحدق به بغرابه ، ترفع حاجبيها بطريقة مضحكة ، وبرغبة ملحة كانت تقتحم قلبه ..، أجتذبها نحوه ، يضمها إليه بقوة أفتقدتها صوابها ، بل وجعلته يفقد حصونه للحظات ولولا أبتعادها عنه ..، لكان حدث ما يخشاه ..، أن يجعلها امرأته .



..................................................................



برودة مشاعره أصبحت تعصف به بقوه ، فانتفض من غفوته بعدما غاب سلطان النوم عنه ليتركه لسلطان جنونه بها



نهض عن فراشه ، وقد رحل النوم عنه .، وبخطوات هادئه كان يهبط الدرج متجهاً صوب غرفة مكتبه



عاد الي عالم هروبه ثانية ولكن بمشاعر اخري ، فمشاعره السابقه كانت للماضي الذي أفقده اجمل احلامه ، اما الان فهو يصارع حاضره ومستقبله ، توق ونفور لمشاعر أراد دفنها ..، و كل شئ داخله لم يعد يفهمه.



أغمض عينيه بشرود وهو يتذكر كلماته اللاذعه التي قد دمرها بها مرة أخري ، خرج من مكتبه وقد أتخذ قراره بالذهاب لغرفتها ، فلم يعد يطيق الشعور الذي يثقل فؤاده



وبمشاعر مضطربه ، كان يجول ببصره علي ملامحها الهادئه في ظلام غرفتها ..، أقترب من فراشها ، وأنحني بجسده , يتأمل كل تفاصيل ملامحها .. ، مدّ كفه نحوها بتردد ، فتغلب عليه قلبه ..، واخذت أنامله تتحرك بخفه فوق خديها وعينيها



- سامحيني ياصفا ، سامحيني بس انتي السبب انتي شبهها اووي بجنونها وبرائتها ،بنسي معاكي العالم كله .. نظرتك ليا فيها حاجه مش قادر اقاومها.. انا ليه بظلمك كده وأنتي كل اللي بتقدمي ليا بدافع الحب ، بس صدقيني بُعدك عني راحه ، اوعاكي تفضلي تحبيني ، لازم تكرهيني ياصفا



................................................................



دلفت بقدميها لأول مره مقر شركته ، فابتسمت أروي وهتفت بسعاده وهي تشتاق لرؤية هاشم ومفاجأتها له :



- جاسر اكيد هيتبسط اووي لما يشوفك



طالعتها "جنه " باضطراب وخوف ، تخشي ردة فعله عندما يراها ..، فهو لن يكون سعيداً برؤيتها ..، خفق قلبها وهي تتمني أن ترحل حتي لا يكسر قلبها كعادته..، فهي لن تتحمل كسرة أخري أم إذلال منه وخاصه لو حدث ذلك أمأم أروي :



- أنا بقول أرجع استناكي في العربيه احسن يا أروي ، وانتِ روحي صالحي هاشم وتعالي



لم تمهلها "أروي" لتسمع المزيد من الاعتراضات ، وجذبتها إليها



- ياعبيطه هفضل أعلم فيكي لحد أمتي ، لازم تقربي من جاسر اكتر وتهتمي بيه ، اشمعنا نصايحك ديه بتقوليها ليا



أطرقت رأسها بأسي ، فهي تُعطي لأروي النصائح حتي تعيش بسعاده مع رجلاً كهاشم ، يُحبها ويتمني رضاها ، لكن هي و جاسر علاقتهم مختلفه ..، جاسر لا يُحبها ولا يراها ولا يرغبها ، صحيح تحسنت معاملته لها ولكنها لن تخدع حالها وتظن إنه سيُحبها يوماً



ومع خطوات لم تحسب سرعتها بسبب شرودها وجدت "أروي" تضغط علي زر صعود المصعد ، تتسأل بلهفة



- تفتكري الهديه هتعجب هاشم



- هاشم بيحبك يا أروي ، واللي بيحب حد بيسامحه علطول



تعالت السعاده فوق ملامح "أروي" وهي تستمع لعبارة زوجه أخيها وابنة عمها الحبيبة ، ضمتها "جنه" بحنان ، وسرعان ما كان يتوقف المصعد في الدور المنشود



خرجوا من المصعد ، فتحركت "أروي " نحو الطرقة المؤدية لغرفة هاشم ..، تهتف إليها دون أن تنتظر سماعها



- مكتب جاسر علي أيدك الشمال .. ومتقلقيش مكتب رئيس مجلس الأدرارة هتلاقي مختلف وهتعرفي علطول



وتركتها وذهبت بخطي سريعه ، ومن سوء حظها كانت "نيره" تسير عبر الردهة التي وقفت فيها بتوتر ، لا تعرف أن تقف مكانها تنتظر أروي أم تهبط لأسفل وتنتظر بالسيارة ، انتبهت علي صوت "نيرة" التي فور أن رأتها ..، أقتربت منها بنظرات خبيثه ، ماكرة ترسم فوق ملامحها أبتسامة مصطنعه :



- ياجنه مش معقول ، أكيد جاية لجاسر ، بس جيتي مع مين



وصمتت نيرة للحظات وهي تعبث بخصلات شعرها مفكرة



- أكيد مع أروي



اماءت "جنه" برأسها ، ورغبتها في الفرار تزداد



- نورتي الشركه يا جنه ، جاسر أكيد هيكون مبسوط



هتفت بها "نيرة "، وهي تنظر لملامح "جنه" ، التي التمعت عيناها وقد عاد الامل داخلها .., بأن جاسر سيُسعد لرؤيها ، حتي إنها بدأت تتخيل كيف سيستقبلها ويهتم لأمرها



طالعتها "نيره" بخبث ، تُهنأ نفسها علي تلاعبها بها ، وعلي تصديقها إنها شئ هام بحياة جاسر ، ويبدو عليها إنها أصبحت متيمة با ابن خالته



- هو دلوقتي فاضي ، هدخل اقوله انك بره



أتبعته "جنه" ، حتي أصبحوا في غرفة فسيحة وقد أقتربت نيرة من سطح مكتبها ، تلتقط من فوقه بضعة ملفات متمتمه



- هوديله الملفات ، وابلغه بوجودك ..، أقعدي يا جنه مالك واقفه كده



استعجبت لطفها العجيب ، وجلست منتظرة ..تضم حقيبتها الصغيرة إليها ، خرجت نيرة بعد دقائق من غرفته وقد أغلقت الباب خلفها ، فنهضت علي الفور ولكن أملها قد خاب وهي تسمعها



- 5 دقايق بس ياجنه ، لان للاسف دخلت لقيته مشغول



حدقتها بشماته ، وهي تري نظرات الخذلان مرتسمة فوق ملامحها



- ها تشربي ايه ، ولا هتستني تشربي مع جاسر ..



هتفت "نيرة" عبارتها بخبث ، وهي تخفي نظراتها الشامته وسعادتها ..، وهي تري شحوب ملامحها



مرت الخمس دقائق كما أخبرتها ، أتبعها عشر دقائق ..، حتي طالعت ساعة يدها البسيطه , فوجدت إنه قد مر نصف ساعه وهي تنتظر سماحه لها بالدلوف لغرفته



نهضت عن مقعدها ، بعدما شعرت بالمهانة ، وقد علقت الدموع بأهدابها :



- لو مش فاضي امشي خلاص ..



حدقتها "نيره" بصدمه مصطنعه ، وهي تزيح حاسوبها الشخصي من أمامها ، ثم نهضت مُعلله



- ثواني ياجنه .. تمشي إيه بس ، أكيد جاسر أنشغل شويه ..، مش عارفه أقولك إيه هو علطول كده الشغل بينسي أي حاجة في حياته



واتجهت "نيرة" بالدلوف لغرفته ، ترسم فوق ملامحها أبتسامة واسعه ، فقد أتتها الفرصة علي طبق من ذهب لتقهرها



عادت لجلوسها بأحباط ، تفرك يديها بتوتر ..، فانتبهت علي رائحة عطر قوية ..، ثم تقد إحدي النساء منها ,قبل ان تسأل عن وجود نيرة ..، كانت نيرة تخرج من غرفة جاسر ..وتستقبلها بترحيب



- اهلاً مدام ناريمان نورتي ، حالا هدي خبر لمستر جاسر بوجودك



أتجهت نيرة عائدة لغرفه "جاسر" غير مهتمه هذه المرة بوجودها ، جلست المرأة فوق المقعد منتظرة ، وسرعان ما كانت تخرج نيرة متمتمه



- اتفضلي يا مدام ناريمان



علقت عينين "جنه" بالمرأة التي سارت أمامها بخيلاء ..، فقبضت فوق حزام حقيبتها وقد أرتجفت شفتيها ..، تمنع دموعها من الهبوط



- أعذريني يا جنه ، جاسر بيبلغك إنه مش فاضي ، وخلي السواق يوصلك



لم تنتظر سماع المزيد ، واندفعت خارج الغرفة ..، ودموعها تنساب فوق خديها ..، لقد طعنها في الصميم ..، لقد حرق قلبها وأذلها ، ارتطم جسدها بكتف "فاخر" الذي وقف يُطالعها مصدوماً من هيئتها ، حتي إنها تجاهلت نداءه
- لسا فكرانا ياست حياه ، ما احنا بقينا مش قد المقام

تجاهلت "حياه" عبارتها ، ودلفت للمنزل تضع ما تحمله من يدها وخلفها السائق :

- ليه بتقولي كده يا سناء ،هو فين رجب والولاد

رمقتها "سناء" بنظرة حاقدة ، تفحص بعينيها ما تريديه من ثياب ومجوهرات

- رجب في الشغل يا حببتي ، والولاد في مدارسهم ، قومي قومي يلا اعملي بقعدتك انا تعبانه ومش طايقه نفسي عقبال عندك حامل يا أخت جوزي

هتفت بها "سناء" وهي تتجه نحو غرفتها ، ولم تجد إلا حديثها المسموم الذي ستنال به حقها وتثأر لحالها

حياه بصدمه ، فشقيقها لم يعد يتحمل الأنفاق علي صغاره الخمس : حامل !

حدقتها "سناء" بملامح ممتعضه وهي تقف أمام غرفتها :

- هدخل انام ، عايزه لما اصحي الاقي كل حاجه نضيفه ، والاكل معمول .. انتي مش غريبه ياحياه ، و ولاد أخوكي زمانهم جاين من المدرسة

حدقتها "حياه" بنظرات صامته ، لتقف "سناء" مكانها والحقد يتوغل داخلها بل يحرق فؤادها ، وعادت تلتف اليها ثانيه :

- هو صحيح جوزك مزهقش لسا منك ، اصل اتفاقه مع رجب انه شهرين ويطلقك لو محصلش حمل ، هو أنتِ مش حامل يا حياة ..، ألحقي يا حببتي أحملي قبل ما يرميكي ويشوف واحده غيرك تجبله عيل

حدقتها تلك المرة "حياة" بملامح شاحبة ، لا تستوعب ما تسمعه ، وقد وصلت سناء لهدفها وهي تري السعاده أختفت من فوق ملامحها

...........................................................

حدق بها بصدمه ، وقد تصلب جسده ، وهو ينهض بصعوبة من فوق مقعده لا يقوي علي الحركة ،أشار إليها بأن تعيد حديثها مجدداً ، فاقتربت منه تخبره ما جاءت لأجله :

- كنت حامل منك

ابتلع ريقه وهو يرمقها ، يُحاول أستيعاب ما يسمعه متمتماً أخيراً

- كنتي حامل مني أزاي !

ألقي عبارته ، وهو يهوي بجسده مجدداً فوق مقعده ..، بعدما لم يعد يتحمل وقوفه ، ارتجفت شفتيه ..، يعيد عبارة الواقفة علي مسمعه وقد أنفصل عن العالم

- حامل !

علقت عينين الواقفة به ، وهي لا تُصدق صدمته التي لا تعرف تفسيراً له ، حتي إنها باتت تشعر وكأنه تقف أمام رجلاً أخر غير "جاسر المنشاوي" الذي عاشت معه لشهرين يذيقها عنفوانه المحبب لقلبها ثم طلاقهما كما أتفقوا

توقف عقله عن العمل ، يصارع عواصف الماضي الذي قد أخذ منه عمراً كاملاً ، فماضي قد حوله من شخص يعشق لشخص يمقت ، ماضي قد جعل شبابه يتحول الي شيخوخه ، ضاقت أنفاسه ورفع كفيه يُدلك بهما جانبي رأسه.. وقد عادت المشاهد التي حفرها الزمن تعصف داخل ذاكرته بقوه

فلاش باك

- للاسف ياجاسر نتيجة فحوصتنا طلعت ، وانت

وصمتت قليلا قبل ان ترفع بوجهها لتصفعه بدون رحمه قائله :

- العيب فيك ، ونسبة علاجك ضعيفه جدا

فيهوي بعدها فوق فراشهما ، وقد تجمدت عيناه نحو الفحوصات التي وقفت تحملها بين يديها، فهو من ضغط عليها كي يسارعون في أمر الأنجاب .. أمتدت يداه بأرتجاف يلتقط من الفحوصات ..، ينظر نحو النتائج بأعين زائغة وأنفاس مثقلة ..، وهي تعيد علي مسمعه ما أخبرها به الطبيب

أقتربت منه وهي تتأمل تقسيمات وجهه المُكفره من الصدمه ، وأنحنت بجسدها قليلا ، تجثو فوق ركبتيها أمامه، وراحت تمسك وجهه بين راحتي كفيها

- انا هفضل جانبك ياحبيبي ومش هسيبك أبدا ، انا مش عايزه أطفال غير منك انت وما دام ولادي مش هيكونوا منك ياجاسر ، خلاص أنا مش عايزه ..

واردفت بعدما رأت عيناه تتعلق بها ، ولم تكن نظراته إلا خاوية

- أنا أكتفيت بيك يا جاسر

وقف شريط التضحيه ، وقد ارتسمت السخرية فوق شفتيه ..، حتي أن الواقفة أصبحت لا تفهم شئ من تبدل ملامحه وصمته ، عاد لشروده وهي يتذكر

فبعد مرور عام علي تلك التضحيه العظيمة.. ، وتقبل فيه قضاء ربه بقلب راضي ، فكم كان لديه رغبه قويه في ان يتبني طفلا يُراعيه ويتخذه ولدا له ، ويغدق عليه حنانه ..لتحترك المشاهد مجدداً أمام عينيه ..، وكأنها كانت بالأمس

جاءت اليه أحدي الاسطوانات المدمجه كأهداء له ، وصاحب الرساله المجهوله التي كانت مرفقة مع الأسطوانه .. يُخبره أن لا يتجاهلها ، اخذه الفضول ليري ما بها ..، وقد كان يتوقع كل شئ إلا خيانة زوجته ، بل ومع شريكه الجديد ، يتبادلون القبلات بجوع ، يعبث بجسدها ، وهي تتأوه ..، فتزداد يداه جراءة ، إلي ان مال بها فوق الفراش ..، لم يتحمل رؤية المزيد من المقطع المسجل ، فقذف بحاسوبه عرض الحائط وهو يصارع هيجان عقله من الجنون ، ويخرج سريعا من مقر شركته التي يتابعها في فرنسا

وبسرعة قصوى ، كانت ستضيع فيها حياته وصل فيها الي منزله، وخرج من سيارته ، يتحرك بخطوات يدلف المنزل ..، كان يتحرك نحو الأعلي , ولكنه توقف مكانه يستمع لصوت ضحكاتهم ، وعلي ما يبدو إنهم كانوا علي وشك الصعود لأعلي

احتدت عيناه ولم يشعر بحاله إلا وهو يهجم عليه بقوة ..، حتي تمكن الأخر من دفعه صارخاً وهو يزيل الدماء عن أنفه

- : طلقها يا ابن المنشاوي ، والشركه أتنازل عنها ... بدل ما انت عارف ممكن اعمل إيه بلي بعتهولك ، وتخيل لما اهل البلد عندك في الصعيد يشوفوك وانت طرطور ، ولا الحاج لما يلاقي اخرة تربيته في كبير العيله راجل خرونج ، بص انا مش هقولك انا ممكن اشوه صورتك ازاي بس انت عارفني

كاد ان يعوض لسحقه ، يستعد لإخراج سلاحه وقتلهم معاً

- كان لازم أخونك ، ازاي أعيش مع راجل عقيم مبيخلفش .. انت عقيم ياجاسر ، وأنا عايزه طفل حتي لو هنسبه ليك وهو مش منك ، طلقني كفايه لحد كده عليك

وجد رجال الشرطه يقتحمون المنزل ، ينظر إلي ما حوله مصدوماً ، يُقيدونه بتهمة اخري وهي تجارة السلاح



فاق من شروده علي صوت زينه التي كانت اول من عشقته ورفض هو حبها من اجل تلك الساقطه

زينه: انت عارف ان جوازنا كان صفقه ، وكل واحد اخد مصلحته .. انا مش جايه اخدعك انا جايه اقولك ازاي مرام اقدرت توهمك سنين طويله انك مبتخلفش ياجاسر ، ازاي صدقتها

ليهوي هو علي أقرب مقعد متأملا اياها بقوه قائلا : زينه ، انتي عارفه انك غير اي ست أتجوزتها

لتجلس هي أمامه بهدوء قائله بأسف : كان نفسي ابنك يعيش ياجاسر بس للأسف ، اتولد ميت.. انا معرفتش بحملي فيه غير لما سافرت لأهلي في المغرب تاني ، هناك عرفت اني حامل ، حاولت اجي علي نفسي وارجعلك تاني بس انت رمتني وطلقتني ياجاسر اول ما صفقة جوازنا انتهت ، انت بيعت حبي ليك كتير ...

فرفع بعينيه اليها ليتأمل عشقها الذي مازالت تحمله له ، حتي تمتم بغضب : اه لو كنتوا عايشين لحد دلوقتي ، كنت قدرت انتقم منكم

...............................................................

أبتعد عنها بملامح جامده ، وهو يراها كقطعة الجليد بين ذراعيه، نهض عنها ضجراً ..، فما الذي يجعلها باردة هكذا ..، وهو اليوم بعثها لأهلها ، بل

وأصبح يُعاملها برفق ..، يمنحها بعضاً من الأمتيازات ..، هل ستتمرد عليه أم ستظن نفسها شيئاً هاماً بحياته ..، هي لست إلا خانة فارغة في حياته

- والهانم مالها مزاجها النهاردة ، مش عايزه قولي ..، ستات صحيح تسد النفس

صفعها بعباراته ، فارتعست شفتيها ..، لتنفجر باكية ، تكتم صوت شهقاتها المرتفعه بيدها

طالعها فزعاً ، وهو يري هيئتها ..، وقد تأكد أن هناك شيئاً أوصلها لهذه الحاله

- مالك يا حياه ؟

هتف بها قلقاً ، وقد تبدلت كل مشاعره الحانقه..، وقعت عيناه علي جرح كفها الذي لم يُلاحظه ..فكل ما اراده حينا دلف غرفته ..هي وحدها

- إيه اللي جرح أيدك ، هتفضلي تعيطي كده كتير ..حياة صبري بدء ينفذ

تمتم عبارته الأخيره، وهو يتحرك داخل الغرفه ينتظر سماعها ..، وقد تعالت وتيرة غضبه

- ليه .. ليه عايز تعمل فيا كده ، ليه اختارتني أنا ، ليه بعد ما خلتني احس معاك بحاجات حلوة ..، افوق علي كدبه كبيرة .. ، ليه اتجوزتني ؟

تجمدت عيناه عليه ، يربط حديثه ببعضه ..، فمن اعاد إليه أفكارها المضطربه في أمر زيجتهم ..، بعدما اخضعها لسلطانه وجعلها كما أراد

انسابت دموعها بغزارة ، وهي تري الحقيقة في عينيه ..، غايته منها كانت كبيرة ..هي لا تروق له ، إنما أختاره لينال ما يُشعره برجولته وسطوته

نفض كل مما سمعه ، وأقترب منها يأسرها بين ذراعيه ..، ينهال عليها بقبلات عطشه

- قولتلك كل ما كنتي زوجه مطيعة ، كل ما كسبتيني يا حياة

صفعتها عبارته الباردة ، ولا تعلم كيف أتتها القوة ..، لتدفعه عنها هاتفة بانفاس متقطعه



- متلمسنيش انا بكرهك بكرهك ..، أنا صدقتك بغبائي ، أفتكرت فعلا إننا بنحاول نقرب من بعض ..، حتي لو مكنتش علاقتنا غير في …

ابتلعت كلماتها الأخيرة ، التي تُشعرها بدنو وجودها في حياته ، زوجة لأرضاء غريزته لا أكثر، زوجة لتُنجب له طفلاً ..، زوجه لا تعلم أي غرض أخر جعله يختارها من أجله

حدقها بنظرات جامده ، بعدما التقط علبة سجائرة ، يلتقط منها سيجارة يدسها بين شفتيه

- عايزة تعرفي سبب أختياري ليكي يا حاجة

وببساطة كان يُخبرها عن غرضاً واحداً ، أختارها لسببه

- عايزك أمينه يا حياه ، وعايز أكون أنا سي السيد

ألجمته عبارته ، تنظر إليه في صدمه

- أنتوا كلكم شبه بعض ، صنف نمرود وخاين للعشرة

وها هي صفعة أخري يصفعها بها ، لا تعلم كيف أتتها القوة لتُخبره عما سمعته من ثرثرة الخدم

- وأنا مش شبه مراتك ، يا عامر باشا .. لو كان عندك عقده بسببها .. متجيش تطلع عقدك علي ولاد الناس

ألقي سيجارته أرضاً، ثم دهثها بقدمه غضباً ..واقترب منها بعدما هتفت بعبارتها ..، تلاقت عيناهم ..، فطالعته في خوف ..، وقبل أن يرفع كفه ليصفعها , أحاطت وجهها بكفيها واغمضت عينيها ..

شعرت بالصدمه وهي تراه ينسحب من الغرفه ، وصفع بعدها باب الغرفة بقوة ..، جعل جدران القصر تهتز ..، أرتجف كامل جسدها ..، وكادت أن تتحرك نحو خزانه ملابسها ..، إلا إنها وجدت نفسها تسرع نحو غرفة "ناهد" وقد كانت مستيقظه وكأنها تنتظرها

أرتمت بين ذراعيها ، فضمتها ناهد نحوها تُخفف عنها

- هتتعبي مع أبني يا حياه ، بس اللي أستحملت قسوة أقرب الناس ليها ..، هتقدر تصبر وتتحمل تاني ..

وهل أصبح لديها قدرة للتحمل والخضوع ؟

.................................................................

وقف يسمع صوت بكائها وهي جالسة في ظلام حجرتهم تقرء في كتاب الله ، حدق في ساعة يده فوجد ان وقت بزوغ الشمس قد أقترب .. وان ليلته قد قضاها خارجاً ينفث عن غضبه وذكرياته

تحرك من قربها ، وقد تركها في خلوتها .. واتجه نحو فراشه يرمي بثقله عليه ، يُحدق بها من حيناً إلي أخر , يتذكر حديث فاخر معه عنها عندما جاءت الي الشركه وخرجت من غرفة مكتبه باكية ، اتصالات اروي التي أنهالت فوق رأسه وقد كان في ذروة غضبه .. فاغلق هاتفه عن الجميع

تنهد بعمق وهو يعتدل من رقدته ، بعدما وجدها تطوي سجادة الصلاة :

- ليه مادخلتيش ليا لما كنتي في الشركه ، حد هناك زعلك بكلمة

سألها بلطف ، تعجبته ..فهل وصل به البرود بأن يتحدث معها هكذا ..، وكأنه ليس هو من تسبب في بكائها ، تلاقت عيناهم ..، فنهض من فوق الفراش وهو يري شحوب ملامحها شدة البكاء

- مشيتي ليه من الشركة معيطه ، ومدخلتيش ليا ليه ، مش هحاسبك علي خروجك من غير أذني دلوقتي، لكن لازم أفهم سبب عياطك

عادت دموعها تُغرق خديها ، كلما تذكرت ما فعله بها وإهانتها له

- أنت بتكدب عليا ولا علي نفسك

- جنه

صرخ بها ، وقد عاد الحنق يرتسم فوق ملامحه

- أفهمي كلامك قبل ما تنطقيه

- أنا مش هقدر استحمل حياتي معاك اكتر من كده ، انا حاولت ارضي بنصيبي بس لحد كده وخلاص .. وجودي هنا وجنبك بيموتني بالبطئ

كانت في عالم أخر وهي تهذي بحديثها ، الذي لم يعد يفهمه ، اقترب منها يقبض فوق كفيها ..، يسألها بهدوء لعله يفهم سبب بكائها

- اظن من أخر مره اتفقنا فيها هنحترم بعض وأنا علي قد ما بقدر بنفذ وعدي

لم تشعر بحالها ، إلا وهي تضربه بقبضتي يدها بقوة تصرخ به وتدفعه عنها

- اشمعنا انا ، اشمعنا انا اللي مش لاقيه حد يهتم بيا هنا غير عمتي وعمي .. اشمعنا انا اللي كل يوم بحس بالنقص .. ليه خلتني اوصل لمرحله اني احسد غيري علي سعادته .. نظرة هاشم لأروي بتخليني أسال نفسي مليون سؤال ليه حظي كان كده .. ليه بكمل حياتي مع واحد بيكرهني ، أنت وصلتني إني قربت أكون مريضة نفسيه ..، طلقني يا جاسر ، طلقني ومتخافش .. هقول أنا اللي وحشه وبشعة ولو عايز تاخد حقك قبل ما تطلقني عشان رجولتك .. أنا موافقه .. بس طلقني

ألجمته عبارتها ، بل صدمته ..، هل لهذه الدرجة تُريد التخلص من حياتها معه

- إيه اللي حصل لما جيتي الشركه مع أروي يا جنه

أنتظر سماعها ، فاشاحت عيناها عنه ..، تمسح عنها دموع قهرها

- مش مهم هي قالت ايه ، المهم اني فهمت ان وجودي في حياتك مبقاش ينفع

احتدت ملامحه وهو يسمعها ، أتجه صوابه ولكنه كان يعلم أن في قربه سيكون هلاكها ..، غادر الغرفه بخطوات غضبه بعدما هتف عبارته

- ما دام مش عايزه تقوليلي سبب ثورتك ، هعرف أنا بنفسي يا هانم

...............................................................

غياب خادمتهم بسبب عطلتها وذهابها إلى أهلها هو من جعل الحديث بينهم يعود مجدداً ، تذوقت طعم الحساء الذي تطهوه بتلذذ ،تتمتم لحالها مشجعة :

- ياسلام عليكي ياصفا ، اه لو صوفيا داقت طبخي هتطلب مني دروس خاصه في الأكل والنكهات ، مش طبخهم اللي كله مسلوق ومفيهوش ملح

- بتكلمي نفسك يامجنونه

أنتفضت مفزوعه علي أثر صوته ، ثم ضحكاته ، لتلتف نحوه بغضب ، تمسك بيدها معلقة الطعام ، تؤرجحها نحوه

- ابقي اطبخ لنفسك بقي ، انا مش فاضيه

سارت من امامه ، بعدما القت كلماتها الحانقة ..عن شئ بسيط تفوه به .. ولكنه كان يعلم إنها تخرج غضبها منه بأي شئ

رايحه فين ، اقفي هنا

أمتقعت ملامحها ، فعاد يبتسم إليه وكأنه لم يجرحها بكلمات لن تنساها يوماً :

- موافق إنك تكملي دراسه هنا يا صفا

حدقته مصدومه من موافقته ، فقد كان أمس معترضاً بشدة ، حتي إنها كادت تبكي أمامه :

- بجد ، موافق أعمل ماجستير

تأمل سعادتها التي أسعدته ، فاقترب منها يأسر جسدها بذراعيه ، يشبع عينيه من رؤية سعادتها :

- مقدرش احرمك من حياتك واحلامك ياصفا ، وما دام انتي حابه تكملي هنا .. وتطوري من نفسك ف مافيش مشكله .. وجودنا ف امريكا شكله هيطول

طالعته بدهشه وهي تحاول ان تستوعب حديثه

- أحنا مش هننزل مصر اخر السنه .. عشان تطلقني وتشوف حياتك

حرك رأسه نافياٍ ، وقد شعر بالضيق من كلماتها ، فابتعد عنها يُشيح بعينيه بعيداً

- لسا مش عارف أمتي شغلي هنا هينتهي ، اما موضوع اننا نفترق فأنسي ياصفا .. قدرنا بقي خلاص مربوط ببعض

لم تُحركها كلماته ، فهي تعلم بأنه يتحدث دون أن يشعر بما تفوه به ..، ثم بعدها يندم علي حديثه

- حد يبقي عنده لعبه حلوه ومجنونه كده ويتخلي عنها

لم تؤثر بها كلماته المازحه ، فتمتمت حتي تقطع الأمل عن قلبها

- بس أنا عايزه ننفصل يا أحمد

تجاهل حديثها وكأنه لم يسمعه ، وأتجه ناحيه الطعام متسائلاً :

- ريحة الاكل تجنن

رمقته بملامح متتعضه ، وهي تراه يتهرب من حديثها عن أمر طلاقهم

- هننفصل أمتي يا أحمد

تذوق الطعام دون ان يطالعها ، أو يهتم بحديثها

- وطعمه تحفه ، ويتاكل اكل

وألتف إليها ، يري معالم الحنق مرتسمه فوق ملامحها ..، وقد ظنته سيُحادثها هذه المرة بجديه ، بعدما طالت نظراته إليها :

- إيه رأيك بعد ما نخلص أكل ، نتصل بعامر ونطمن عليهم ..

واردف بعدما تذكر عائلتها

- وكمان عمتك وبنتها

جعلها تنسي كل شئ ، وقد أرتسم الحماس في عينيها ..، وهي تتذكر احبابها وتناست أمر طلاقهم

- فكره جميله ، حضر بقي الاكل واعمل عصير .. ماهو دورك بقي مش أحنا متفقين نتعامل بتحضر

طالعها وهي تُغادر المطبخ ، بعدما القت بأوامرها عليه ..، ولو يمكن إلا سعيداً بل أكثر الرجال سعادة

...................................................................

غاص في شروده الذي أصبح يُرافقه ، تذكر لحظة تطلعه على فحوصاته الجديده ،لتصبح الحقيقه امام عينيه ..

لم تكذب "ناريمان" عليه في شئ .. ، فهو بالفعل ليس بعقيم ،ولكنه اصبح بالخاسر ..فقد خسر سنين طويله من عمره وهو بلا امل وبلا روح ، قد خسر نفسه القديمه واصبح شخصا مُعقد

تعالا أصوات الجالسين ، فرفع عينيه عن طبقه الذي لم يمسه ، فوقعت عيناه علي الجميع .. يتأمل نظرات السعاده التي تشع من عيناهم جميعا إلا هي ، تأكل بدون شعور ، يري الكسرة في عينيها ،.... الكل يمزح ويضحك إلا هي .. فقد أطفأ روحها بالفعل ..، دموها وقتل برائتها ..، وقد صدقت عندما أخبرته إنه حولها لبقايا أمرأة

زفر أنفاسه ، بعدما شعر بثقل روحه من كم ما أصبح يعيشه مؤخراً

- ليا طلب عندك ياجاسر ، بس لازم توافق ياابن اخويا عشان خاطر عمتك

هتفت العمه "منيرة" راجيه ، فأماء لها برأسه أن تطلب ما تشاء ، فهو لا يرفض لها طلبً

- عايزين نروح نصيف في الغردقه

وأتجهت بعينيها نحو جنه الساكنة في مكانها ولا تتفاعل معهم وكأنها بعالم أخر:

- وبما إني عارفه انك مش هترضي تيجي معانا ، فهناخد جنه

هتفوا جميعهم برغبتهم في اجازه صيفيه،يرغبون بموافقته

كانت بعيده عن أحاديثهم ، لا تستمع لشئ ..، بل جعلت نفسها داخل قوقعتها ، تنظر نحو طبق طعامها بشرود ، تنحنح وهو يرمقها ولكنها كانت بعيداً عنه تماماً :

- انا موافق ياعمتي ، بس جنه لاء مش هتروح ..

أمتقع وجهه منيره ، فابتسم وهو يراها كيف فاقت من شرودها وانتبهت علي حديثه ، ورمقته بنظرة أصبح يفهمها

جاسر : مش عايز مراتي تسبني ، في إيه ياجماعه ، انا وهي بعد فتره هنسافر تركيا

علقت عيناها به ، فحدقها بنظرة مبتسمه ..، جعلته تشيح عيناها بعيداً عنه

تهللت أسارير "اروي" وهي تطالعهم بسعاده ، غير مصدقه أنهم أخيراً قرروا الحصول علي رحلة زواجهم:

- هنيالك يا ست جنه ..جاسر باشا هياخدك معاه تركيا

واتجهت بعينيها نحو "هاشم " الذي أنشغل في تناول طعامه , لتتمتم بضيق ولكن بصوت منخفض لعله يسمعه :

- عارف لو مخلتنيش اسافر فرنسا زي ما وعدتني ، هنكد عليك ياهاشم

انحشر الطعام في حلقه ، فاسرع في التقاط كأس الماء يرتشف منه ، يُطالعها بيأس

- مجنونه وتعمليها ، وأسكتي بقي عشان اخوكي مركز معانا وشويه كده وهيقوم يقتلني .. ده أنا ولا كأني مش جوزها يا ناس

طالع فاخر زوجته التي قد أمتقعت ملامحها غيظً ، بعدما أدركت بأن تلك التي تدعي البراءة ، قد حصلت علي ابن خالتها اخيرا وانتهت أحلام اختها للابد

مال فاخر عليها هامساً ، حتي يُخرج من دائرة شقيقتها وأفكارها التي يعلمها :

- إيه رأيك ياهدي في شهر عسل جديد

وشدد علي كلماته الاخري محذرا :

- وبلاش اختك نيره تنط معانا في كل حاجه ، انا مش عارف هي طالعه حقوده كده لمين

فرمقته "هدي" بحزن علي حال شقيقتها ، وهي تتذكر كل ما تفعله اختها منذ زمن لكي تحصل علي جاسر وعمرها قد ضاع في الركض خلفه ،لتُتمتم بخفوت لحالها :

- غبيه يانيره ، هتفضلي طول عمرك غبيه

انسحبت من الجلسة ، تحت نظرات الجميع صاعدة لأعلي ، لتتابعها نظرات "منيره" بحزن ، واتجهت بنظراتها نحو "جاسر" الذي جلس جامد الملامح ، يقبض فوق كفه الموضوع فوق الطاولة بقوة ، ربتت العمه علي كفه ، وكأنها تشعر بوجود خطبً ما يعتلي صدره ، فأبتسم لها بدوره.. ونهض عن مقعده ليتجه هو الاخر الي حجرة والده في الأعلي ..، حيث مكان ذهابها

اقترب من غرفة والدة ، ووقف ساكن في مكانه يستمع لصوت بكائها و رجائها له :

- ارجوك ياعمي خليني امشي من هنا ، لو أروي مكاني كنت هترضي ليها تعيش مع حد بيكرهها ..

طالعها "حسن" بنظرات حزينه ، وكاد ان يتحدث ، ولكن أنتبه علي دلوف "جاسر" الذي أقترب منهم ، يرسم فوق ملامحه أبتسامة واسعه ، يُداري خلفها خيبته وحسرته :

- ممكن اخد مراتي ياحاج

ليبتسم حسن برضي ، ويشير اليهم بالانصراف بعدما علم بأن أبنه سيتكفل بأمر زوجته ولكن بطريقه مُرضيه بعيده عن طباعه القاسيه

أمسك بيدها فجأه ، يجرها خلفه برفق ..، ويهبط دون أن يتوقف أو يعبأ بكلماتها المعترضه

- امسحي دموعك

فحاولت ان تنفض يده عنها ولكن قبضته القويه لم تسمح لها ، فهتف مُعاتباً :

- عايزه تمشي وتسبيني ياجنه ..

هبطت معه لأسفل مرغمه ، وهي لا تعرف كيف ستتخلص من حياتها معه ، فوقف في مكانه ، وقد قربها يضمها نحو صدره يستمع لتساؤل عمته

- رايحين فين ياولاد

وجاسر كان يمنحها الجواب بمشاكسة ، جعلت قلب منيرة يتراقص سعادة

- مروحين بيتنا ياعمتي ، أصل مراتي وحشاني أوي

تجمدت عيناها ، وهي تُحاول الأبتعاد عنه .. فهللت أسارير منيرة سعادة

- تسع شهور يا جاسر وأخد حفيدي في حضني ، سامع يا ابن أخوي

وهو كان خير من مرحب بحديث عمته الذي راقه ..
*************



وقفت أمامه حانقة من جره لها أمام العائله ، وذلك الحديث الذي ألقاه علي عمته ..، لقد أخجلها أمامهم جميعاً …، تجمهت ملامحها بالحنق وهي تراه لا يعبأ بشء وكأنه لم يضعها في موقف مُحرج

- أنت إيه اللي قولته قدام عمتي ، احرجتني قدامهم وكأن بينا حاجة فعلا

وبوجه محتقن ، اخذت ترمقه بتحدي

- ومهما عملت ، وحاولت تكون لطيف قدامهم .. أنا برضوه مصصمه نتطلق يا جاسر

تجمدت عيناه الخاويتين نحوها ، فتكأ بنصف جسده فوق الفراش متسائلا ، وهو يتجاهل جزءً من حديثها الذي لم يُعجبه

- إيه اللي قولته قدام عمتي ؟

هتف عبارته ، وهو يتفرس ملامحها ..، ليُحرك يده فوق شاربه وكأنه للتو قد تذكر حديثه

- كل ده عشان قولت مراتي وحشاني ، هو عيب لما الواحد فينا يقول مراته وحشاه

طالعها بمكر ، وهو يري أحتقان ملامحها ..، وقد أعجبه الأمر

- هتطلقني امتى يا ابن حسن المنشاوي؟

وما كان منه إلا إنه أنفجر ضاحكاً ، وكأنه أستمع لمزحة وليس كلمة طلاق

- أبن حسن المنشاوي ، سبحان الله اللي يشوفك من كام شهر وأنتِ بتترعبي مني ..، ميشوفكيش قدامي وأنتِ واقفه تتكلمي معايا دلوقتي ..، في كلام ماسخ يسد النفس

ولم يُمهلها لحظه ، لتستوعب حديثه ..، فاعتدل بكامل جسده فوق الفراش ..، يرمقها فاحصاً لملامحها وجسدها

- لما يجيلي مزاج اطلق ، هطلق يا بنت عمي

ارادت صفعه بعد عبارته الأخيرة ، وقبل أن تتمتم بعباراتها الغاضبه ..، نهض من الفراش مقترباً منها بتلاعب

- لكن بلاش تحلمي أوي ، لأني غيرت رأي

وبوقاحة ، أخذ يُتمم عبارته

- أصلك بقيتي عجباني أوي

لم تتحمل سماع المزيد من عباراته الوقحة ، البارده .. فندفعت صوبه صارخه ، ترفع سبابتها نحوه

- هتطلقني يا ابن حسن ، بدل ما أفضحك ..، ولا أقولك هرفع عليك قضيه خلع

ورغم الجمود الذي أرتسم فوق ملامحه ، إلا إنه تركها تهذي بما تُريده ..، يعطيها كل الحق في ثورتها عليه ، انحني قليلاً حتي يزيل حذائه عن قدميه

- خلع وتفضحيني ..، مش بقول أظاهر إني قصرت الأيام اللي فاتت في معاملتلك..

ضغطت فوق كفيها بقوة ، فحديثه لا يزيده إلا غضباً ..، تلاقت عيناها المتحديه ..بعينيه الناعستين وقد ارتفعت وتيرة أنفاسها من شده غضبها

- بكرهك ، بكرهك .. ومش قاردة أعيش معاك في مكان واحد

وبغضب هذه المرة كان يصرخ بها ، وهو يلتقط ذراعها يقبض فوقه ويهزها بقوة

- متختبريش صبري يا جنه ، أنا سايبك تتكلمي وتصرخي قدامي ..، واقول لنفسي حقها ..، ما أنا عملت فيها حاجات كتير ، يمكن لسا زعلانه من حوار الشركه ..، مع ني عاقبة نيرة عشانك ونقلتها من عندي ..، وأنتِ ماشاء الله مش علي لسانك غير طلقني

وبحركة لم تتوقعها ، كان يدفعها نحو الفراش .. يميل عيها يُكبل كفيها

- طلاق مش هطلق يا بنت صابر ، وهتتعلمي إزاي تتعملي كويس مع جوزك

- أنت مش جوزي

بأنفاس لاهثه تمتمت عبارتها ، وهي تحاول جاهدة التخلص من أسر ذراعيه

- والهانم بقي عايزه تتأكد إني جوزها فعليا ..، معنديش مشكله أعرفك النهاردة إني جوزك فعلا

ارتجفت أوصالها وهي تستمع لعبارته ،ولم تغفل عن مضمونها الواضح

- أنت وقح

- بلاش أعرفك يعني إيه وقاحه يا جنه

ببرود يُتقنه ، كان يُخبرها بنفاذ صبره، وسرعان ما تحول ضجره لمشاعر أخري

- إزاي مكنتش شايف الجمال ده كله ، مش معقول كنت أعمي

باغتها بعبارته التي لم تتوقعه ، فتجمدت عيناها نحو كفه وهو يُحركه فوق ملامحها

- عيونك ، شعرك ..، ملامحك .. كل حاجة فيكي جميله وناعمه يا جنه

ارتجف جسدها من تغزله ،وهي تشعر بالصدمه من حديثه وتحوله ..، أزدادت يديه جراءة وبأنفاس أصبحت مسلوبة رغماً عنها ، أخذت تتدفعه

- أبعد عني

شعرت بشفتيه تجول فوق وجهها ، غير عابئ بحركتها ودفعها له ..، حررها أخيراً من أسر ذراعيه بعدما ألتقط ملوحة دموعها بين شفتيه ، وانتفض مبتعداً عنها

- أنا اسف اني حسستك بالنقص في يوم ، اسف اني خليتك تحسي انك أقل من اي ست .. اسف علي كل لحظه قهرتك وبكيتك فيها يا جنه ..

وجدها ساكنه في مكانها ، بعدما أعتدلت من فوق الفراش وضمت جسدها بذراعيها ..، استمع لصوت شهقاتها ، لا يُصدق إنها أصبحت بالفعل لا تطيق وجوده

- لدرجادي كرهتيني ياجنه

أعطته جوابها وهي تبكي بقهر ، تدفن رأسها بين ساقيها :

اه كرهتك

أبتسم رغما عنه ، وهو يراها تُخبره بكرهها له ، وتهز رأسها نافيه

- وبتعيطي ليه دلوقتي ؟

- عشان مكرهتكش للأسف ومش عارفه أكرهك

خفق قلبه ، وهو يسمع عبارتها ..التي أعادت لقلبه النبض ..، أتجه صوبها يضمها بين ذراعيه رغم رفضها ، وضحكاته تتعالا ، حتي إنه أخذ يُغرقها بقبلاته

- أنت غبي ، ومتسلط ، وقاسي و معقد...

صدحت صوت ضحكاته بصخب ، وهو يُحاول ألتقاط كفيها ..حتي تتوقف عن دفعه

- يا مجنونه ، كفايه

حررها أخيراً من بين ذراعيه ، حتي يتمكن من احتضان وجهها ومسح دموعها

- خلينا نمنح بعض فرضة يا جنه ، أنا عارف أد يه كنت قاسي معاكي

أرتجفت شفتيها ، وتعالت أنفاسها وهي تري رجلاً اخر أمامها

- ليه أتغيرت فجأة كده

منحها جوابه ، وهو يدفن رأسها بصدره ، فلم يعد يُحب تذكر الماضي

- هتعرفي كل حاجة في وقتها يا جنه

أبتعدت عنه ، تنظر نحو عيناه وقبل أن تهتف بشئ ..، كان يعود لضمها وهو يتسطح بجسده فوق الفراش

- عايزك تنامي في حضني ياجنه !

…………………

أخذ يتأمل تفاصيل وجهها بسعاده وهي تبتسم تارة وتحزن تارة وتارة اخري تصفق كالأطفال .. حتي وجدها تهتف بسعاده وهي تقفز من مكانها

صفا : ايوه بقي هو ده

صدحت صوت ضحكاته رغما عنه ، رغم إنه حاول لمرات أن لا يُشعرها إنه يُحدق بها كالمراهق ، ولكن جنونه بات بالفعل يعيده لسنوات قد مضت

- يا مجنونه ، مش معقول من حكاية لا تمثل الواقع ..، تتفعلي معاها كده

هتف عبارته بعقلانيه ، جعلتها تقترب منها تتفرس ملامحه ..، حتي جعلته يعود للضحك ..، وهو لا يُصدق إنه تزوج من أكثر النساء طفولة

- كتابنا العزيز هو اللي بيقول كده ، عموما أنا هطلع أوضتي وأصفق وأهيص و أعيط براحتي ، وخليك أنت مع برنامجكم الممل

وقبل أن تندفع ناهضة من جواره ..، كان يلتقط ذراعها يعيدها لمكانها

- تفتكري كنت مركز أصلاً مع البرنامج ..

همس عبارته ، فجعل قلبها يتراقص طربً ..، هذا الرجل لا يجعلها تشعر بالقوة أمامه للحظه ..، رأها وهي تزفر أنفاسها بقوة وكأنها تطرد معها مشاعرها

- لو عايزه نتفرج علي فيلم ويكون من إختيارك معنديش مانع

حاولت العودة لشخصيتها الأولي ، وليست تلك الحمقاء التي تغرق معه من مجرد نظرة عابرة ..، التقطت جهاز التحكم بترفع ..، بطريقة زادته ضحكاً ، مما جعلها ترمقه بملامح ممتعضة

- بتضحك علي إيه ؟

حاول كتم ضحكاته ، بعدما رأي حنقها

- هاتي الفيلم يا صفا ، ويا ستي خلاص بطلت ضحك

أعتدلت في جلستها ، ولكن سرعان ما وضعت جهاز التحكم بحجرها متسائله بفضول

- ما تيجي ندردش شويه ، أنا زهقت من كتر ما بتفرج علي التلفزيون

أعتدل في رقدته هو الأخر ، حتي تلاقت عيناهم واقتربت أنفاسهم ..، وقد ضاقت عيناه متسائلاً

- بقلق من دردشتك يا صفا ، بس عموماً موافق علي عرصك ..، عشان تعرفي أد إيه أني زوج لطيف وكريم

التوت شفتيها عبوساً من عبارته ، فرمقها ضاحكاً وهو يُحذرها

- لكن سؤال واحد مفهوم

لم تمنحه فرصه ، أنتظر سؤالها الذي جعله يشعر بالفضول والترقب

- انت حبيت قبل كده يا أحمد ؟

منحها الجواب وهو يشيح عيناه بعيداً عنه

- كنت بحبها بجنون

ورغم علمها بأمر زيجته الأولي من "عامر" وحبه الشديد لهذه المرأه .. ، إلا أن نيران الغيرة كانت تحرق فؤادها ..، كانت تتمني أن تكون الاولي في كل شئ بحياته ..، ولكنه صراحها بحبه الشديد لها

رأته ينهض من جوارها ، يقص عليها إنها تُشبهها في أشياء كثيرة .. ليست الملامح ولكن جمال الروح ..، أرتجفت شفتيها وهي تستمع لحكايتهم وكيف كان لقائهم وكيف أحبها ، و لما تزوجوا سراً

تفاصيل كثيرة كانت تسألها له ، وهو يُجيب ، حتي أصبح لم يعد لديه قدرة علي الحديث

- كفايه يا صفا ، أنتِ قولتي سؤال واحد وأنا جاوبتك علي أسئلة كتيرة

وبفضول نحو حالها هذه المرة تسألت

- طيب وأنا

طالعها وهو لا يفهم سؤالها

- وأنتِ إيه يا صفا

- مش مهم خلاص

أرادت أن تسأله عن مشاعره نحوها ، هل أصبح يحبها نصف ما أحب هذه المرأة ..، أم أن الطريق بينهم ما زال طويلاً ..، ومن نظراتها الهاربة عنه ..بدء يفهم سؤالها ..، ولكنه لم يكن مستعداً لمنحها الإجابه ..، فهو يخشي أن يكون أحبها تعوداً ليس أكثر

- تعالي في حضني ياصفا

قربها منه ، يُحارب صارعه بين قلبه وعقله ..، ورغم رفضها لتكون قريبة منه ورغبتها للهرب نحو غرفتها ..، إلا إنها استكانت بين ذراعيه

- الحب مش بأيدينا ياصفا

سقطت دموعها وقد شعر بحرارة ملمسها فوق قمصيه القطني ، أرادت الصراخ به .. حتي تعرف أين هي في حياته ، ولما لم يُحبها كما أحب هذه المرأة ..، وتلك المرة كانت تمنحه السؤال كاملاً ، تنتظر جوابه

- أمتي هتحبيني ، وهكون زيها في قلبك

وتلك المرة كان يضمها بقوة إليه

- أنتِ قدري يا صفا ..، مبقتش أقدر أعيش من غيرك ..، سيبي الايام توضح ليكي كل حاجة

شعرها بيديها ، تُحاول فك حصاره حول جسدها ..، ابعدها عنه برفق ينظر لملامح وجهها الغارقد بدموعها ، يهتف بألم

- أنا فضلت قافل علي قلبي سنين طويله ، لكن رجع يدق معاكي من جديد ، قلبي بدء يتحرك بمشاعر مش عارف أفهمها

وبألم فاق ألامه كانت تهتف

- مش فاهم مشاعرك ؟

- الماضي كان صعب يا صفا ، الفراق عذبني لسنين طويلة ، مش هستحمل تاني ، مش هقدر أقوم تاني ...

أراد جذبها نحوه ثانية ، لعله يزيل مخاوفه عننه ، لعله يمنح قلبه الأمان ..، يُخبره إنه قد وجد وطنه أخيراً

- هتفضل رافض مشاعرك ليا ..لحد أمتي؟

- أنا بحبك في نضوجي يا صفا .. بحبك بالقلب والعقل

- هو حتي للحب حسابات وسن

تمتمت عبارتها ، بعدما يأست من عناد الحب معها ..ووضعها في طريق رجلاً لا يعرف ماذا يُريد ؟

- خلينا نعيش مشاعرنا من غير قيود وماضي

وهل يُخبرها هي بهذا الحديث ، ولكنه بالفعل كان يُخبر نفسه ..، فلم يعد يرغب بالمزيد من الضياع.

..............................................................

دلف لغرفتهما وقد أصبح الأرهاق ظاهر فوق ملامحه ، وقد وجدها كعادتها التي أصبحت عليها ..، تتقدم منه في صمت أصبح يلعنه داخله ..، تزيل عنه سترته وكأنه عاجز عن إزالتها عنه

- هتفضلي باردة كده لحد أمتي ؟

تقبلت عبارته ، بأبتسامة واسعه ..، غير مهتمه بمضمونها ..، إنها بدأت تتعلم التعامل مع هذا الرجل ..، عامر لا يحتاج إلا التجاهل وليس المسايرة وإثبات له حقيقة معتقداتها

يُريدها عبده أو زوجه دون أمتيازات ..، فلن يجد بعد الأن

يُريدها متعة لفراشه ، ينالها وقت ما يُريد .. فلن يجد

لن يجد شئ يُريده ..، بل سيجد ما تُريد منحها له

شعرت بذراعيه تقربها منه ، وها هو يعود ليستغل النقطه الوحيده التي يظن نفسه بارعاً فبها ، ولن تكذب علي حالها للامر ..، فجسدها يخونها أحياناً للتوق للمساته

شعر بالأحباط يعود إليه بعدما شعر بتجاوبها معه ، ولكنها تحولت لقطعه من الجليد ..، تخلصت من أسر ذراعيه ، فابتعد عنها ينظر نحو شفتيها ، وقد أدماهم بقبلاته القاسية

- بقيتي ست مقرفة ونكديه

وببساطة كانت تُجيبه

- لو صلاحيتي أنتهت من حياتك ، تقدري تطلقني ..، أظن أني مفرقش معاك

- حياه

صرخ بها عالياً ، مما جعلها تتراجع وقد أرتسم الخوف ملامحها ، ولكن سرعان ما عادت لثباتها

- صبري لما بينفذ ، مش هتقدري تعرفي ردة فعلي

- عامر السيوفي، ردود أفعاله متوقعه

ضاقت عيناه ، وهو يستمع لعبارتها القوية ..ونظرتها المتحديه وتسأل بتلاعب وهو يتقدم منها

- و ردود أفعالي المتوقعة ، إيه هي بقي يا حياة هانم

- القسوة

تجمدت عيناه ، وهو يستمع لعبارتها التي لم تنطقها بخوف ..، احتدت عيناه وهو يواصل تقدمه منها ، فتراجعت للخلف تخشي صفعته

- اتجرأتي عليا يا حياة

وبتوعد وقوة كان يقبض فوق العلبه التي كان يحملها هدية لها ، ولكنها لا تستحق أي شئ منه ، ترك الغرفة لها يجر أذيال الخيبة .. بعدما ظن إنه سينال ليلة رائعه .. بعد ان يمنحها هديته ويُخبرها ببضعة كلمات كاذبه ..

التقطت أنفاسها بصعوبه ، بعدما غادر ..فها هي تُجيد دروس حماتها العزيزه ، صاحبة الدهاء

…….

دلف لغرفة مكتبه ، حانق من نفسه ..، يُلقي هديته بأهمال فوق سطح مكتبه ..، لا يُصدق إنه لا يتخذ قراراً ويُطلقها ..، ويبحث عن أخري ضعيفة لا تقوي علي تحديه ولا أثبات له إنها قويه ..، شعر بقوة حارقة تحتل قلبه ..فلما هو صابر عليها ..،لم لا يُعيدها لشقيقها وحياتها البائسة ..، بحث عن الجواب ولكنه لم يجد إجابة ..هو لا يستطيع التخلص منها

هو يُريدها هي ، وكأنه كان يبحث في النساء عنها

ورغماً عنه كان يبتسم ، رغم كل ما يفعله فيها ..، إلا إنها تستيقظ قبله ..تُحضر له أشياءه، تودعه بدعائها الذي يستعجبه ، تُهاتفه لتطمئن عليه حتي لو كانت تجد الحجج في إتصالاتها ..، تنتظره حتي يعود ..، وتسأله عما يُريده حتي علاقتهما تترك نفسها له ولكن لا تكون إلا قطعة جليد فيضطر إلي تركها بعدما تجلعه يصل لأعلي نشوته ..، يُسمعه ألفاظ لا يُصدق إنه ينطق بها ولكن يكون حانق بالفعل منها حينا يجدها باردة بين ذراعيه وكأنها لا تؤدي واجبً عليه

أطرق رأسه فوق سطح المكتب ، غير راغب في مطالعة اعماله .. كعادته حينا يعود لمنرلة ، قرر النهوض أخيراً بعدما عاد لثباته والتقط الهديه مُقرراً الهدنه والمراوغة معها قليلاً ..، حتي يعيدها لخضوعها

وجدها تجلس فوق الفراش ، تُسبح وتقرء أذكار النوم ..، إنها مزيجً عجيبً عليه

تقدم منها ، يُقدم لها العلبة التي لم يأخذها الفضول عنها ..، حينما دلف في المرة الأولي

طالعت العلبة الأنيقة التي وضعها فوق حجرها ، ولم تكن إلا علبة هاتف يحمل ماركة شهيرة ، ماركة سمعت عنها ولم تحلم يوماً أن تقتني هاتفاً منها

- الهدية ديه ليا أنا ؟

تسألت وهي تنظر إليه ، وقد ظنها سترفض ..، إلا إنها التقطت العلبة مبتسمه

- شكراً

أبتسم وهو يراها متلهفة لرؤية الهاتف ، الذي فور أن رأتها .. نهضت علي الفور من فوق الفراش تُعانقه

- شكراً أوي يا عامر

ضمها إليه ..بضمه خالية من الرغبه ..، كانت تعلم إذا رفضت الهدية ستزيده عناداً معها وستسمع كلاماً هي في غني عنه ..، فعامر إذا تعامل بالنفور أكثر .. يزداد قسوة

أبتعدت عنه ، تمدّ إليه الهاتف تسأله

- ممكن تفهمني أتعامل معاه إزاي ، اصله صعب عليه

وهو كان خير من مرحب ، التقط منها الهاتف وجاورها فوق الفراش .. يُعلمها التعامل عليها

- فهمتي

اماءت برأسها مبتسمه ، علقت عيناه بها ..، يجذبها إليه وقد خرج صوته لأول مرة راجياً لأمرأه

- بلاش الليلة يا حياه ، خليني أحس إنك عايزاني زي ما أنا عايزك

منحته ما أراده ، ولم يكن يُدرك إنه بدء يغرق معه .. يُحطم في قربها أفكاره ومعتقداته ..، يكتشف إنها الأولي في كل شئ رغم أختياره لها بعقله الذي خانه مع قلبه اللعين..

............................... ..................................

منذ ان أخبرها أن يتركوا مشاعرهم ويتحرروا من الماضي ، أصبحت بعيدة عنه اكثر، وكأنه لم يُخبرها إنه يُريد قربها ..، صفا تهرب منه ، كما كان يهرب منها هو من قبل

- اسبوع بتبعدي عني فيه ياصفا ليه

طالعته بتوتر ، وهي تُحاول الهرب منه حتي لا تسمح لعينيها في تأمله ، وصراعها الدائم بين قلبها وعقلها ..

- محتاجة فرصة ، أفكر فيها مع نفسي ..، زي ما أنت كنت واخد فرصتك

راقب ملامحها بنظرات جامده "صفا" ، تُريد أن تجعله يعيش كما جعلها تعيش هي ..، ولكنه لم يعد يطيق بعدها ولا هروبها ..، ولو أستطاعت تحمل مزاجه المتقلب هو لن يتحمل الأمر ..، إنه بدء يتوق إليه بشده ..، إنه كالأحمق كحال قلبه ..، يظن إنه أعتاد عليها وهو أصبح غارق في حبها

- مافيش فرص تانية ياصفا ، متعمليش زي ما انا عملت

أشاحت عيناها بعيداً عنه ، وقد زادته نبرة صوته اليائسة .. ولعاً ليه

شعرت بذراعيه فوق كتفيها ، يُقربها منه

- أنا عارف إني زعلتك كتير ، لكن خلاص يا صفا ..أنتِ بالنسبالي

وقبل أن يُكمل عبارته ، كانت تتحرر من قبضتيه ..

- أنت حبتني ، عشان شوفتني فيها

ألجمته عبارتها ، بل صدمته ..، هل تخلق في علاقتهم الحجج والأعذار ، حتي تُعذبه وتُعذب حالها ، لن يُنكر إنه بالفعل رأها في البداية نسخة من مها في شخصيتها ..، ولكنه ليس بالاحمق .. ليستمر هذا الشعور داخله ،ف صفا ليست مها ، صفا أكثر تمرداً ، صفا شخصية لم يعد يفهمها ولكنه صبح يفهم نفسه ..، إنه غرق في حبها

- أنتِ ليه عايزه تعذبي نفسك ، قبل ما تعذبيني

أنسابت دموعها رغماً عنها ، فهي بالفعل باتت تُعذب نفسها

- لو مكنتش ماتت ، كنت زمانكم سوا دلوقتي بتربوا ولادكم

- مش معقول تكوني بتفكري كده

صرخ بها وهو يشعر بالصدمه ، لما وصلت إليه بأفكارها

- ليه عايزه تبعديني عنك ، ليه لما قربت منك عايزه تهربي مني

تلاقت عيناهم في صمت ، فتألم قلبه وهو يراها بهذا الضياع ..، جذبها إليه يضمها غير سامحاً لها بالأبتعاد عنه

- خلينا ننسي كل حاجه ونبتدي صفحه جديدة

ارادت الحديث ، ولكنه لم يسمح لها بحديثاً أخر ..، حطت شفتيه فوق شفتيها في قبلة طويلة

, أطاحت بكيانها ، فأبتعدت عنها أخيراً بأنفاس لاهثة .. ينظر نحوها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبه ، أراد أن يعيد الأمر لمراراً ولكنه تجمد في وقفته وهي يسمعها

- عايزه بطاطس محمره

رمقها متجهماً ، لا يُصدق ما نطقت به ، بعد ما عاشه للحظات :

- نعم بطاطس

شعرت بالتوتر من نظراته ، وطلبها الأحمق مثلها ، ولكنها لم تجد شئ تهتف به إلا بما كانت ترغب به معدتها ، فقلبها الأخرق يُريد أشياء أخر ..، وهي لن تسير إلا خلف معدتها

أنفجر ضاحكاً ، بعدما أخذ يُطالع ملامحها التي تتغير كل ثانية وكأنها تُحادث حالها

- بطاطس يا صفا

أماءت برأسها ، وقد تخضبت وجنتاها بحمرة الخجل

- كل الكسوف ده عشان ..

وقبل ان ينطق بالمزيد ، أسرعت في رفع كفها ..، تُكمم به فمه حتي يتوقف عن حديثه ، عاد لضمها إليه بتوق ، يُخبرها عن عشقه لجنونها

تخلصت من أسر ذراعيه ، وقد عادت رغبتها لتناول البطاطس يزداد

- أنا هروح أعمل بطاطس، تحب أعملك معايا

فرت من أمامه، ولكنها وقفت مكانها .. تشعر بالذهول وهي تستمع لعبارته

- هما يومين يا صفا ، وبعد كده مش هتعرفي تهربي تاني

أسرعت بخطوات راكضه نحو المطبخ ، تستند فوق أحدي الرخامات .. تلتقط أنفاسها بصعوبه ، فعن أي يومين يمنحها ..

وعندما وصل الأمر لعقلها ، وضعت بيدها فوق شفتيها ..، لا تُصدق أن علاقتهما ستصل لهذه النقطه ، شهقت بأعتراض وهي تُحرك رأسها نافيه

- لا ، لا يومين

- خلاص هو يوم واحد

أتسعت حدقتيها ، وهي تلتف نحوه ..، وقد اتبعه نحو المطبخ يغمز لها بوقاحة لم تعهدها منه من قبل

- ولا أقولك مافيش مشكله ، نخليها الليله

وتلك المرة كانت يقترب منها ، بإصرار وكأنه حسم قراره
******

تراجعت للخلف خائفة ، مرتبكة .. تنظر نحوه وهو يتقدم منها ، خرج صوتها مرتجفاً وهو تري المسافة قد أنعدمت بينهم

- أحنا محتاجين فرصة نقرب من بعض تاني

لا تعرف متي أصبحت بين ذراعيه ، وهو ينتظر سماع المزيد من أعذارها ، تعالت أنفاسها ..فعلي ما يبدو أن هذا الرجل لن يمنحها الراحة اليوم ..، وسيكون قلبها أكثر من مرحباً بتلاعبه المُحبب له..، ولكنه تخشي الأحتراق من قربه

ألتقطت عيناها طبق الفاكهة القريب منها ، فمدّت يدها برجفه تلتقط حبة تفاح .. وتضعها داخل فمه ..، قبل أن يفعل فعلته ويُقبلها مجدداً

تعالت ضحكاتها وهو تري حبة التفاح محشورة في فمه ، وقد تخلصت أخيراً من أسر ذراعيه

- حلوة التفاحة مش كده

طالعها بحنق ، وهو يُخرج التفاحة من فمه ..، لا يستوعب جنونها ..، ففي اللحظه التي شعر بخضوعها ..تمكنت من الفرار منه

- بايخه ومش حلوه يا صفا

تمتم بها ممتعضاً، فتعالت ضحكاتها رغماً عنه وهي تراه بهذا الحنق

- مش عارف إيه لعب العيال اللي فيكي ده

رمقته ممتقعة ، وقد ضاقت عيناها عبوساً ..، اجتذبها إليه مجدداً يُخبرها بهمس وهو يلفح عنقها بأنفاسه الهائجه

- جنونك هو اللي رجعني لحياتي القديمه ، رجعني لاحمد

لم يمنحها فرصة ، لتستوعب كلماته وقربه ..، اغمضت عيناها من هول المشاعر التي تعيشها مع اليوم وكأنه رجلاً مختلفاً

غمرها بين ذراعيه ، بعدما لم تعد تتحمل الوقوف ،هامساً بخفوت

- يومين وبس يا صفا ، سامعه

ولا تعلم لما أنفجرت في بكاء مرير، وهي تتذكر والديها ..ابعدها عن ذراعيه ، يُطالعها في صدمه , لا يُصدق إنه ضغط عليها اليوم بمشاعره التي لم يعد لديه قدرة علي إخفاءها

- صفا ، فيكي إيه مالك

سألها بلهفة ، بعدما أجلسها فوق أحد المقاعد بالمطبخ ..يمسح عنها دموعها

- لو كنت ضغط عليكي النهاردة ، فتأكدي إنه من حبي ليكي .. صفا أنا مبقتش أقدر أتحكم في مشاعري ، بقيت واقف في النص لا أعرف أرجع لورا وأرجع احمد القديم ..، ولا عارف أخد خطوة جديده في حياتي .. ، بس خلاص أنا اختارت أبدء من جديد

صارحها بكل أضطرابته ومخاوفه ، رفعت عيناها إليه .. وقد تلاقت عيناهم في صمت طويل ..،قطعته هي وقد عادت دموعها تنساب فوق خديها تُخبره بمرارة

- بابا وماما وحشوني اوي

لم يتحمل بكاءها ولا تلك الكسرة التي يراها في عينيها ..، احتواها بقوة بين أحضانه

- أوعدك إني هعوضك عن كل لحظه وحشه حسيتي بيها بعد فراقهم

ابتعدت عنه تتأمله ، وتلك المرة هي من كانت تُعانق شفتيها بشفتيه ..، تُخبره بحبها له الذي أصبح لا يتحمله قلبها من شدته

................................................................

تأملها بغضب ،وهو يرمق الوسادة التي تضعها بينهم فوق الفراش حتي تفصل أجسادهم ، ولو ظنت هذه الحمقاء إنها تستطيع منعه عن شئ يُريده فبالتأكيد هي أكثر النساء غباءً

رمقها بخبث وهو يراها تشد فوق مئزرها ، وتلك المرة كان يقطب جبينه وقد أنتبه للتو ..إنها تضع غطاء رأسها

- يعني مخده وقولنا ماشي ، رغم إني لو عايز حاجة هاخدها .. والمخده مش هتمنعني يا جنه

حدقته بأستياء وهي تفهم مضمون كلماته الوقحه ، فلو كانت ليلة أمس سمحت له بأحتضانها والنوم جواره ، لن تمنحه هذا الامر مجدداً ..، فهي ليست سهلة المنال لو ظن .. ستُعذبه كما عذبها ولن تمنحه رضاها بسهوله

هكذا كانت تُقنع نفسها ، بعدما المكالمة الطويلة التي خاضتها من أبنة خالها .. ، وللاسف حظهم كان متشابهاً

- لكن كمان تلبسي روب فوق البيجامه ، وحجاب وأنتِ نايمه

أردف عبارته ، حانقاً بملامح ممتقعة ..، طالتها يده ..فاستطاع جذبها إليه نحو صدره الصلب ، فشهقت مصدومه من فعلته التي باغتها بها في لحظات شرودها

- أبعد أيدك عني ، إحنا أتفاقنا إننا هنتعرف علي بعض الأول ونفهم طباع بعض ..، أنت راجل متقلب المزاج يا جاسر

تجهمت ملامحه وهو يسمع عبارتها التي أخترقت أذنيه ، يتسأل بعدما دفعها جوارها ومال عليها

- أنا إيه يا هانم ، سمعيني كلامك كده تاني

ارتفعت وتيرة أنفاسها ، وارتجف قلبها غضطراباً وهي تري قربهم بهذا الوضع ..، رطبت شفتيها بلسانها وهي تُحاول العودة لثباتها

- راجل متقلب المزاج ، سريع الغضب ..، ملكاش أمان

وتلك مرة كانت تري نظراته القاتمه ، لو لم يكن يُريد إصلاح علاقتهما ..، لجعلها تري غضبه و وحشيته ، تمتم بكلمات حاولت تفسيرها ولكنها لم تتمكن من فهم شئ

- أنت ليه مش ديمقراطي ، وبتسمع الطرف التاني وتحترم رأيه

أطبقت فوق شفتيها ، تمنع حديثها المسترسل الذي سيؤدي بها للهالك ، ابتعد عنها بكامل جسده ، بل ونهض من فوق الفراش يهتف بجمود

- هسيبلك الأوضه كلها ، عشان تعرفي أد إيه أنا راجل ديمقراطي

ألجمتها حدته ، وابتعاده ..، ظنته سيتقبل صراحتها ويتمازح معها .. ولكنها تأكدت من غباءها ..، لو كان زوج صفا يتحمل الأمر ..، فجاسر مختلف الطباع عنه ..، رجلاً بدماء صعيديه

- جاسر أنت زعلت

التف إليها ، قبل أن يُغادر الغرفه ، يرمقها بملامح ممتعضه

- وأزعل ليه ، مش لأزم أكون راجل ديمقراطي عشان أرضي ساعدتك .. وأنا أه براضيكي وبسيبلك المكان ..، لا مخده تحطيها ولا تكتفي نفسك بكل الهدوم ديه .. عشان خايفة لسمح الله أغتصبك .. يا مدام

- أنا مش مدام ، أنا أنسه

تركت جميع حديثه ، ولم تتمسك إلا بتلك الكلمه التي جعلته يرفع أحد حاجبيه ..، يرمقها بترقب وقد عاد مقتربً منها ..، أتسعت حدقتيها ذهولاً ، و وضعت كفها فوق شفتيها لا تُصدق إنها نطقت تلك العباره ، ولكنها لم تكن تقصد ما وصل إليه ..، إنها بالمجمل تكره تلك الكلمه

- جاسر ، أنت فهمتني غلط

وبهمس ، وأنفاس لاهثه وعينين تدج بالرغبه

- أنا عايز أفهم غلط ، ومحتاج أفهم غلط .

- جاسر

همست أسمه راجيه ، بأن يبتعد عنها .. فلو تركت نفسها لمشاعرها ..لضاعت جميع مخططاها

- أنا بالي مش طويل يا جنه

وبصعوبة كانت تمنحه الجواب الذي أصبحت تعرفه عنه

- عارفة ، بس أنا محتاجه وقت نتعوض في علي بعض ..، ارجوك

خرج حديثها متقطعاً ، وهي تغمض عينيها من هول ما تشعر به قربه ..، شعرت بقلاته التي أخذت تتحرك فوق وجهها وسرعان ما وجدته يبتعد عنها ..، بعدما تمالك توقه و رغتبه

- هخرج شويه ، تكوني نمتي .. لكن مش عايز أرجع وألاقي المخده ديه في نص السرير ، وأنتي لسا متكتفه بكل الهدوم ديه وكأننا في المكسيك

القي عبارته وهو يبتعد عنها ، ولم ينتظر سماع جوابها .. بل غادر علي الفور .. فلو ظل معها للحظه أخري لضرب بجميع قرارته في منحها وقتً عرض الحائط ..، فما كان يمنعه عن إتمام زيجته منها هو خوفها من كشف الحقيقة التي عاشا في ظلامها .. إنها رجلاً عقيماً .. ، توقف أعلي الدرج وهو ينظر نحو الردهة الخاصه بغرفتهم .. لا يستوعب الحقيقة التي يُخبرها به قلبه للتو … إنها يُحبها وما يُنقع نفسه به إلا كذبً

ولم تكن هي بحال مختلف عنه ، ولكنها أعترفت لقلبها منذ وقت إنه تورطت بحب هذا الرجل

غفت بعدما نفذت ما طلبه منها ، وعندما عاد كانت تشعر بثقله فوق الفراش ثم جذبه لها بين أحضانه ..، يعبئ رئتيه برائحتها متمتماً بخفوت

- مش معقول أكون فعلا حبيتك من أول يوم شوفتك فيه

.............................................................

طالعت وجه اختها ، وقد أخذت تترقب تغير ملامحها ..، تشعر بالشفقة نحو أختها الصغري ، وكيف وصلت لهذا الحقد :

- أنا جاسر يجيب سكرتيره بدالي ويخليني مجرد موظفه كل ده عشان مين

تنهدت "هدي" وقد عاد الضيق يرتسم فوق ملامحها من نفس الحديث الذي باتت تسمعه كثيراً مؤخراً ، ومهما حاولت أن تصرفها عن جاسر وحياته ..، تزداد تشبثاً بأوهامها ..، إنها ستنالها يوماً

- أنسي جاسر بقي يانيره ، هو لا بيحبك ولا عمره هيحبك .. ولا حتي حاسس بيكي

والتقطت يدها ، تُجبرها علي الوقوف ، واتجهت بها نحو المرآة لتجعلها تري هيئتها وملامحها التي بدأت تكبر

- العمر بيجري ، ويوم ورا يوم بتكبري .. عمرك بيضيع يانيره وانتي بتفكري في انسان مش شايفك غير بنت خالته وبس ، اتجوز مرام وسابك وبعدين اتجوز جنه .. بس ايام مرام كنتي لسا صغيره الفرصه كانت قدامك ام دلوقتي بقيتي ناضجه ، عمرك بقي كام دلوقتي يانيره

تجمدت ملامحها ، من حديث شقيقتها ..، وابتعدت عنها نافرة ، بعدما أصاب الحديث نقطه ما داخلها :

- أنتِ بتعايريني ياهدي

ألجمت "هدي" عبارتها ، فهي لا تُريد إلا رؤيتها سعيده ، وسعادتها بعيدة عن جاسر

- أنا بعايرك يا نيرة ، فهمتي خوفي عليكي مُعايره

حدقتها "نيرة" بضجر ، من النصائح التي بدأت تسمعها منها ومن أروي التي تخلت عنها ، حتي العمه "منيرة" بدأت تلفت أنظارها ..، بأن جاسر أعتاد علي جنه وتقبلها في حياته ، وربما تسمع الخبر الذي تنتظرة العائله قريباً وهو قدوم طفل جاسر من جنه الغالية أبنة شقيقها

- إظاهر إن انتي وأروي بقيتوا خساره عليا ومبيجيش من وراكم فايده ، خليكم في حياتكم وسبوني في حالي ...وحياتي وانا اللي همشيها وبكره جاسر يندم انه متجوزنيش !

...................................................................

نظر اليه رامي طويلا وهو يتأمل نظراته العالقة بها ، وكأنه لا يطيق أبتعادها عنه

- صفا وساره شكلهم مبسوطين مع بعض وهيبقوا صحاب ، فكرة التزحلق علي الجليد كانت فكرة مجنونه بعيد عن طباعك ياأحمد

طالعه "احمد" ، بعدما أشاح عيناه بعيداً عنها ، يمسح فوق خصلاته

- بحاول ابسطها يارامي ، كفايه اني ظلمت مها بحب أناني وماتت بسببي

- يعني شعورك بالذنب بموت مها مخليك تعامل صفا كده

وبضياع كان يتمتم ، بعدما عادت تتعلق عيناه بمجنونته

- مش عارف يا رامي ، ولا بقيت فاهم نفسي ولا مشاعري .. لكن أنا مبقتش عايز غير أشوف سعادتها

حدقه رامي بنظرات لامعه ، وهو لا يُصدق أن صديقه مازال يجعل مشاعره

- أنت لسا مش متأكد بحبك ليها ، النهاردة أقدر اقولك .. إنك فعلا حبيتها يا أبن السيوفي

تلاقت عيناه بعينين رامي ، الذي أخذ يومئ له برأسه مؤكداً

تعالا صياحها باسمه ، فالتف بعينيه إليه وهو يومئ له برأسه رافضاً

- يا سيدي روح ، بدل ما تنكد عليك في البيت

أحتقنت ملامح "أحمد" ، بعدما استمع لعبارة صديقه وقد أبتعد عنه يُخبره إنه سينضم إليهم

ورغم عدم رغبته في مشاركتهم ، إلأ إنها مجرد ما أتت إليه متذمرة كالطفله الصغيرة ..،كان يُلبي رغبتها ..دون أعتراض ..

طالعه "رامي" يغمز إليه ، حتي يُشاكسه , يهمس بخفوت

- وبدأت حاجات كتير تتغير فيك يا أبن السيوفي

..................................................................

تأمل ابتسامتها المرحه مع والده، وقد أخذت طعمه بيديها :

- كفايه يابنت اخوي ، اكلت كتير كأني عيل صغير

أرتسمت أبتسامة "جاسر" بأتساع فوق شفتيه ، وهو يطالعها.. فمسحت فم عمها وناولته دوائه ..، حتي اغمض عيناه ، مُشيراً اليهم بالانصراف ليستريح قليلاً

غاروا الغرفه ، ليتركوه ينعم بالراحه ، ليتوقف هو وسط الردهة وقد أتته رغبة ملحة في ان تطعمه هو الأخر :

- عايزك تأكليني بأيدك ..

طالعته بذهول من طلبه ، بل يطلبه هنا في منزل العائله

- جاسر إحنا مش في بيتنا

- لما نروح طيب

كأن كالطفل الصغير ، وهو يطلب منها أطعامه ..، طالعته بملامح عابثه تتسأل بمشاكسة حتي تُغضبه

- أنت غيرت من الحاج حسن ولا إيه يا كبير العيلة

- أيوة غيرت ، ولو أستمريتي كتير في الحكاية هخليكي تأكليني هنا قدامهم

أتسعت عيناها ذهولاً ، فهي إلي الأن لا تُصدق طلبه وغيرته من والده ..، ارادت أن تتجاوز الحديث معه عن هذا الشئ ..، بعدما رأت نظرته اللعوب

- رجعت بدري ليه النهاردة

كانت تخشي رودوده الفظه ، ولكن أقسمت داخلها ..إنها لن تسأله مجدداً إذا عاملها بفظاظه

- كنت محتاج رأي الحاج ، في قراري الأخير إني اترشح المرادي في مجلس الشعب

وقبل أن تسأله عن شيئاً يأخذه إليه فضولها ، كان يرمقها مبتسماً ، مشاكساً لها هو هذه المرة

- ميعاد الدرس بتاعك قرب خلاص ياحضرت الاستاذه .. ، فياريت تأجليه أو تجيبي تلامذتك هنا ..، لأن في ضيوف مهمين جايلني

أماءت برأسها متفهمه ، دون أعتراض كعادتها المعترضة علي قرارته ..، جذبها نحو غرفته القديمه وتلك المرة كانت تلتقطهم نظرات العمه "منيرة" ..، فابتسمت بسعاده واكملت خطواتها نحو غرفتها

دفعها نحو الجدار بعدما أغلق باب الغرفة متمتماً ، وهو يري أنفاسها التي أخذت تتعالا ونظراتها المتوتره

- محتاج أشحن نفسي في حضن برئ يا جنه

والحضن البرئ الذي أخبرها به ، لم يكن بريئاً للغاية.

................................................................

تعلقت عيناه بصور أفراد العائله بتدقيق ، يستمع لسرد أحد رجاله بعض التفاصيل عن أفراد العائله ، أصرف الرجل بأشارة من عينيه .. فغادر الغرفه في صمت ..، وترك سيده في وقفته ..، يحدق بالصور وينفث دخان سيجارته الثالثة

- ما انا لازم أدخللك من مكان يا ابن المنشاوي ، ده في طار قديم بينا ولازم نتصافي فيه يا حسن يا منشاوي أنت و ولادك

عادت عيناه تدور بين الأشخاص ، وسرعان ما كنت تتسع أبتسامته بمكر , وقد وقعت عيناه نحو الفرد الذي مازال حديث رجله منذ لحظات عنه يقتحم عقله ويتكرر داخل اذنيه ، أبنة الخاله التي تسعي وراء جاسر المنشاوي وتعمل معه في شركته ، بل وتتمتع بامتيازات كثيرة في أعمال العائله.

"نيرة"

................................................................

وقفت أمامه بسعاده ، وهي تُحدق به كالطفلة الصغيرة غير مصدقة ، إنه سيصطحبها معه إلي إحدي المتاجر لشراء ثيابً جديده :

- هنشتري هدوم جديده

أماء لها برأسه ، للمرة التي كان لا يعرف عددها ، يمنحها الجواب مجدداً مبتسماً

- انتِ ناسيه ان الدراسه كلها اسبوع وهتبدء

اطربتها عبارته ، وقد استمعتها من قبل .. ولكنها كانت تُحب سماعها ..، رغم إنها ليست غزلاً ..، فماذا لو أخبرها إنه سيقضوا أمسية سوياً ..، أبتسمت وهي تتخيل هذه الأمسية ..، حتي إن تنهيداتها الحارة قد خرجت دون وعي منها

- صفا هو أنتِ نمتي مكانك

طالعته وهي غائبة الذهن لا تستوعب حديثه المتهكم

- ده أنا نمت وبحلم كمان

تعالت ضحكته ، فلم يعد يعرف معها إلا الضحك .. مطت شفتيها في عبوس بعدما نفضت رأسها من أفكارها الحمقاء

- خلاص أسفين يا صفا هانم ، أسفين بدل ما تقلبي اليوم دراما

- أنا بقلب اليوم دراما ، طيب مش هخرج معاك

ولم يزيده عنادها ، إلا مزيداً من الضحك ، اقتربت منه تدفعه فوق صدره

- مش أرجوز أنا قدامك

- أجمل أرجوز شوفته بحياتي

التقط كفيها في قبضة واحده ، يُغرقها بحديثه الذي يجيده

- طبعا كاتب ، تقدر تضحك علي العقول

رمقها بعبوس مصطنع ، يهتف متذمراً

- ديما ظلماني

شعرت بذراعيه ، فوق جسدها .. حدقته وهي مسلوبة الأراردة كعادتها قربه .. وقد كان خبيراً في جعلها تستكين بين ذراعيه

- إيه رأيك نأجل مشوارنا بكرة

اماءت برأسها دون شعور ،فابتسم بمكر وهو يجذبها إليه أكثر .. ولكن سرعان ما كانت تُدرك فعلتها ، دفعته عنها راكضه نحو الأعلي

- لاأنا ميضحكش عليا يا بشمهندس ، أشرب قهوتك براحه ، لحد ما أجهز وأعمل حسابك هنتعشا بره

استمعت لصوت ضحكاته ، وهي تهرول لأعلي ..، تستمع لكلماته الوقحة بعض الشئ ..، بأنه سينال حقه منه أضعاف مضاعفة

التقط أنفاسه أخيراً ، ينظر في أثره ولا يُصدق ذلك الأحساس الذي بدء يشعر به ..، صفا تجاوزت جميع حصونه ..، فلم يعد يطيق بعدها ..، وها هي مخاوفه تعود لقلبه .. يخشي هذه المرة فقد السعاده التي يعيشها

................................................................

ظل يطالع أبتسامتها وهي تضع الطعام له، بعدما أستغنت عن تلك الخادمه التي قد بعثت بها إليهم عمتهم

فيتذكر كلمات احد كبار عائلته وهو يسأله متي سيصبح له ولداً وريثاً يورث أسمه ،

تنهد بعمق وهو يُحدق بها ..، وبسعادتها الظاهرة فوق ملامحها ..، ولكنه بدء يضجر من صبره الذي طال ، وقد اصبح يتوق بشده لنيلها وإنجاب طفلاً بل أطفالاً منها

أخذت عيناه تتحرك فوق جسدها وهي تضع له الطعام بطبقه ، تسأله علي يُريد المزيد

- كفاية يا جنه ، وأقعدي بقي .. لاني مش مستعد أقولك علي العواقب اللي هتحصل لو مبعدتيش عني

ألجمتها عبارته ، وسرعان ما كانت تفهم مضمونها بوضوح وهو يغمز لها بوقاحة ، لم تعد تُصدق إنها به ، "جاسر المنشاوي" يتسم بالوقاحه والعبارات الصريحه ، كبير العائله لا يتحكم في لسانه ، تخضبت وجنتاها بحمرة الخجل .. واتجهت نحو مقعدها ترفع نحو شفتيها كأس الماء ترتشف منه القليل , لعلا توترها يزول

تذوق بضعة لقيمات من الطعام ، بعدما قرر أخيراً تركها .. حتي لا تختنق أمامه من شدة توترها وأرتباكها

- تسلم أيدك طعم الأكل جميل

أرتسمت أبتسامة متوترة فوق شفتيها ، وهي تستمع لأطرائه المحبب لقلبها

- بجد عجبك الأكل

طالعها بنظرة طويله ، ثم ترك معلقته .. ليمنحها الجواب بقبلة فوق كفها ..، تعالت أنفاسها بشده وهي لا تستوعب أفعاله

- جاسر هو أنت متأكد إنك مش خيال أو راجل تاني

تجلجلت ضحكاته ، وهو لا يُصدق ما يسمعه منها

- لا مش خيال ولا راجل تاني يا بنت عمي

أسبلت أهدابها ، تستمتع بتلك اللحظه التي سرقت منها أنفاسها ، و تراقص قلبها مع دقاته

- مش كفايه صبر أسبوعين يا جنه

فاقت من نشوتها ، وهي تشعر بمقعدها يُقربها منه ..، تعانقت عيناهم معهم .. وقبل أن تمنحها بالجواب ، رفع معلقتها يطعمها به

- مش عارف ليه حاسس ، أني وحش وهيفترسك كل ما أجيب السيرة ديه

وبرفق كان يُطعمها

- كلي يا حببتي ومتخافيش

حشر الطعام بفمها في دفعات ، حتي لم تعد تستطيع ابتلاع ما في حلقها

- جاسر ، أنا كده هتخنق

أنتبه علي ما يفعله ، فاسرع في جذب الماء إليها ، أرتشفت بضعه قطرات من الماء سريعاً ..، وطالعته حانقه

- أنت عايز تخنقني مش كده ، أنا برضوه أستغربت الرومانسية اللي كنت فيها يا جاسورتي

ضحك في البداية علي حنقها وتذمرها منه ، ولكن سرعان ما تحولت ضحكاته للعبوس والمقت

- جاسورتك ، ايه الدلع الماسخ ده

التمعت عيناها بمشاغبه ، بعدما وجدت أخيراً ما يُضايقه

- أنت يا شيخ العرب

- وكمان شيخ العرب

هتف عبارته ممتعضاً ، وقد عاد لطعامه

- ضيعتي لحظه الرومانسية اللي كنا عايشنها

وجاسر الذي كانت تستعجب طباعه منذ دقائق ، عاد للرجل الذي تعرفه تماماً .. الرجل المتذمر الذي لا تطول لحظات هدوئه ورومانسيته

- الاكل مليان شطه ليه ، أنا مبحبش الشطه

ضاقت عيناها وهي تسمع تذمره علي الطعام ، بعدما شكرها عليه من قبل

- مش كنت من شوية بتقولي تسلم أيدك

- مش معني إن قولت كده ، يبقي منقدش الأكل

ذمت شفتيها حانقه ، من عبارته

- مش بقول متقلب المزاج

لتصدح شهقتها عالياً وهي تراه يرفع من فوق مقعدها ..، يريها كيف يتقلب مزاجه بسهوله ، ولكن تلك المرة كان مزاجه مُحبب لقلبها ، مزاجً جعلها مسلوبة الأنفاس وقد تراخت ساقيها ولم يكن إلا ذراعه الملتف حول خصرها يسندها نحوه

………..

جلست فوق الفراش ، تُقلب بهاتفها الذي أصبح يمنحها تسلية كبيرة ..، طالعت باب المرحاض المغلق ..، تستمع لصوت الماء ..فارتسمت فوق شفتيها مشاعر الخجل وهي تتذكر لحظاتهم منذ دقائق وتأخره علي عمله لأول مرة منذ زواجهم ، ارتفعت يدها نحو عنقها تُدلكه قليلاً ..، وقد أخذها عقلها نحو لقطات تُشعرها بالخجل وكأنه ليس زوجها

اتسعت أبتسامتها ، رغم إنها مازالت تشعر بالمرارة لأنها تعلم أن ما يحدث بينهم إلا غريزة تدفعه نحوها ..، ولكن ما السبيل أمامها ..، هو لا يسمح لها بالأبتعاد أو الرفض حتي لو أراها جانبه المظلم ..، وقد بدأت تفهم طباعه ، وكما اخبرتها ناهد بخبرتها ..، إنها تستطيع ترويضه ولكن بالصبر

افاقت من شرودها علي رنين الهاتف ، وللحظات ظنته هاتفها لتشابه نغماتهم ..، ولكن هاتفه هو ما كان يصدح رنينه ..، التقطته من موضعه واتجهت به نحو باب المرحاض تهتف به , تُخبره أن أحد يُهاتفه ..

لم يسمعها ، كما أن الهاتف توقف عن الرنين ..، عادت نحو الفراش ولكن رنين الهاتف تعالا مجدداً ..، طالعت الرقم بفضول فلم يكن إلا رقماً دولياً

- مين كان بيرن

التفت إليه مفزوعة وقد توقف رنين الهاتف مجدداً ، فعلقت عيناها بهيئته ، وهي تراه يلف المنشفة حول خصره .. ويقترب منها ..، التقط منها الهاتف والقاه فوق الفراش ليجذبها إليه مستمتعاً بحاله توترها وأرتباكها كلما طالعته وهو هكذا ..

- محتاجين أد إيه من المراحل ، عشان تبطلي خجلك ده

وبدلال لا تعرف متي أكتسبته وكيف ، حركت رأسها

- مش عارفه ، بس وأنت وشطارتك

أتسعت حدقتيه ذهولاً ، فمن التي تتحدث به هكذا ..، هل هي حياة التي تخرج الكلمات من شفتيها بصعوبه ، وإذا خرج الحديث كان حديثاً بائساً

عانق خصرها بذراعه ، متمتماً وهو يُقربها منه

- أظاهر دروس ناهد هانم ، بتجيب نتيجة حلوة

ألجمتها معرفته ، بما تفعله معها والدته ، ابتلعت لعابه وهي تراه يبتعد عنها ..، تخشي تقلبه الذي لم تعد تعرف كيف توزانه أو هل ستظل تتحمله ولكنه فجأه وهو يلتف إليها

- إيه رأيك نخرج نفطر بره ، ونروح النادي نقضي اليوم هناك

تهللت أساريرها سعادة ، واسرعت إليه تُعانقه غير مصدقه

- وناخد ماما ناهد معانا

هل تطلب في خروجتهم التي تعد الثانية ، ذهاب والدته معاً ..، طالعها في صمت وهو لا يستوعب أي هي من النساء ..، لقد وسمها بالعديد من الكلمات ولم يعد يستطيع وسمها بالمزيد

- يعني مش عايزه نكون لوحدنا ، أي ست في الدنيا ما بتصدق تكون ما جوزها لوحدها

أسرعت في تحريك رأسها نافيه ، تُخبره عن مدي حبها لوالدته ..، خفق قلبه وهو يستمع لما تعده لها من محاسن والدته ولطفها معها .. ، فهل يوسمها بلقب أخر وهو الوفاء الذي تفتقره النساء اللاتي مروا بحياته

تعالا رنين هاتفه مجدداً ، وكان للتو سوف يخرج من المزيد من اللحظات معها .. حتي إنه كان سيضرب بعرضه عرض الحائط ..، ولن يتركها إلا حينا يشعر بذلك الشعور الذي لا يُغادره

ابتعد عنها ، والتقط هاتفه .. متعجباً من الرقم وسرعان ما كان يفتح الخط .. يستمع للطرف الأخر ولم تكن إلا هي تهتف أسمه بلوعة وشوق

- عام
أنسابت دموعها العالقة، وهي تُحدق في الهاتف بصدمه ..لقد أغلق الهاتف بوجهها حينا استمع لصوتها ، ثقلت أنفاسها بالألم وهي تتسأل داخلها ..، هل لهذه الدرجه لم يعد يرغب حتي بسماع صوتها ؟ ، هي تعلم بفداحة جرمها وما فعلته في لحظه جنون لم تحسب له

أرادت أن تنتقم من الشقيق الأصغر ، وها هي تحصد هجر الأكبر ..، هجر الرجل الذي اكتشفت وقوعها بحبه بعد فوات الأوان

تقدمت منها السيده كريمه ، وقد أتت إليها لتعيش معها وتعتني بها ، رغم رفضها لصمتها حتي الأن عن أمر الطفل ..، ولكن العمه بعدما كانت مسترخية الملامح ، تحمل فنجان القهوة خاصتها ..، تبدلت ملامحها وهرولت نحوها مفزوعة من هيئتها

- مالك يا فريدة ، أنتِ تعبانه ياحببتي ..، مش معقول يكون ألم الولاده ده أنتِ لسا فاضل علي ولادتك شهرين يا بنتي

حدقت بها عمتها مفزوعة من صمتها ، ولكن الجواب قد حصلت عليه وهي تري الهاتف في يدها ، تقبض فوقه بقوه

- أتصلتي بي برضوه يا فريدة

تعالت شهقاتها ، فابتعدت عنها العمه "كريمه"، تلتقط أنفاسها براحه بعدما أطمئنت عليها

- حتي لو عرف إني حامل ، وهجيبله الطفل اللي مستنيه من زمان ..، عامر مش هيسامحني ولا هيرجعلي تاني

طالعتها كريمه بأسي ، فمهما حاولت إقناعها أن تمضي بحياتها وتنسي ما مضي ، تعود أبنة شقيقها لنفس النقطه ، ارادت طمئنتها واقتربت منها تحتصنها

- رجعوك ليه غلط يا فريده ، هيفضل طول عمره شايفك بنفس الصوره ، ومش هتستحملي يا بنتي ، ده غير إنه بقي راجل متجوز

- مبيحباش ، هو أتجوزها عشان ينتقم مني ومن بابا .. عشان يعرف يثبت ليه وللناس إن عامر السيوفي راجل كامل مش بيعيبه حاجة

صرخت بعبارتها المريرة ، وحاولت النهوض بعيداً عن عمتها .. لعلها تختلي بنفسها قليلاً ، ولكن عمتها أعادتها لأحضانها

- و محسن هنفضل مخبين عليه لحد أمتي ، إنك حامل .. ده أنتِ قربتي تولدي يا بنتي ، ومش هنفضل طول عمرنا عايشين هنا في الامارات

تلاقت عيناها بعينين عمتها ، فعلي ما يبدو قد أتي الوقت الذي يجب أن يعلم فيه والدها عن امر الحفيد الذي كان ينتظره بشوق

……………..

طالعته وهو يقف أمام المرآة ، يرتدي سترته .. وقد أصابه الوجوم بعد المكالمه العجيبه التي لم تتعدي الدقيقه.. حيث وقف كالصنم يستمع لصوت المتحدث ..، يقبض فوق هاتفه بقوة ، ثم القاه فوق الفراش

- عامر

هتفت أسمه بخفوت ، فوقف مكانه يُحملق بالمرآة ، دون الرد وسرعان ما كان يلتقط متعلقاته .. ويسرع هارباً من الغرفه أو من أي سؤال أخر ستسأله

…………….

حدقها "احمد" بملامح منبسطة ، بل وأخذت ابتسامته تتسع شيئاً فشئ , بعدما تناول أصناف الطعام التي أجادت صنعه ،فالتقط يدها يُطبع عليها قبلة حانية :

- تسلم أيدك ياصفا ،

واردف مازحاً ، وهو يرمق خلجات وجهها وتورده نتيجة قبلته:

- هنستغني عن جيسي خلاص

طالعته بملامح مرتبكة ، تتنمني داخلها أن تُخبرها ألا يسير حنونً لطيفً معها لهذه الدرجه ، فلم يعد لديها متسع لتحبه أكثر

صفا : معاك الطباخه صفا ، أحسن شيف في مصر وأمريكا

تعالت صوت ضحكاته ، وهو يستمع لعبارات مدحها ، بعرضها المسرحي الذي أعتاد عليه ، كلما مدحها في شئ راقه منها :

- أنا عن نفسي سعيد ، إني باكل من أيدك ..، وأهتمامك بحاجتي والبيت ..، مش عشان أنا عايزه دورك كده في حياتي ، لكن وجود كل حاجه فيها لمستك عليها .. بيخليني أحس بشعور جديد وغريب

أسبلت جفنيها بطريقة ناعمه ، فتنهد بعمق وهو يري تأثير كلماته البسيطه عليها ..

- صفا من سنتين بالظبط مكانتش ست البيت الشاطره اللي انت شايفها ، مكانتش بتعرف تتحمل مسئولية نفسها حتي .. انسانه عازله نفسها بين سطور الروايات وأحلامها بالفارس المنتظر

أنسابت دموعها رغماً عنها ، حينا أخذتها الذكريات نحو أغلي ما فقدته

شعرت بمقعدها وهو يجذبها به نحوه ، يرفع وجهها إليه .. يمسح عنها دموعها بأنامله، وبنظرة حنونه أخذ يهمس

- متعيطيش ، انا مبقتش أقدر أشوف دموعك

عانقت عيناها عينيه في صمت ، وكلما اخذت شفتيها تتحرك حتي تُخبرها إنها لم تعد تستطيع العيش دونه ، كانت تبتلع حديثها .. ، وعدها داخله لن يتركها يوماً وإذا رحل عنها سيكون الموت وحده من وضع نهاية فراقهم

- عايزه تقلبيها مناحه ، عشان مأكلش صح ونفسي تتسد ده بعينك

ألقي عبارته ، وهو ينتظر رؤية أبتسامتها ، وبالفعل كانت تبتسم إليه ، تُحرك نفسها نافية

وقبل أن تهتف بشئ ، دس في فمها قطعه من قطع اللحم ، فلامست شفتيها أصابعه ، ليُسرع في علق أنامله مبتسماً

- تجنن

تخضبت وجنتيها خجلاً ، من عبارته المثيرة وتلك النظرة التي يُحدقها بها ،تسارعت دقات قلبها ، ولكن أسرعت في أشاحة عيناها عنه ، كما أعادت مقعدها لمكانه واغرقت وجهها في طبقها

- أحكيلي شويه عن شغلك ومشاريعك

هتفت عبارتها ، حتي تجذبه نحو حديثً أخر ، فتنهد بعمق ..، يُخبر نفسه بالمزيد من الصبر

- كل حاجة ماشية كويس ، الحمدلله

تجاوز معها الحديث الذي يُحرجها ، فاتجهت عيناها إليه تتسأل حانقة

- بس هو كده ، رد مختصر ..، أنا عايزه تفاصيل

ورغم الحنق الذي ظهر منذ ثواني فوق ملامحه ، إلا أن كل شئ تلاشي وهو يستمع لحديثه

- انتِ مش معقوله ، لازم كل حاجة تعرفيها بالتفاصيل

أشارت نحو حالها مستاءه ، من حديثه عنها الذي تعلم صدقه

- أنا

عادت عيناه تتسلط نحو شفتيها ، فهي تتحول في لحظه لقطه بريئة ،ناعسة ..يُريد إلتهامها

- بنزعل لما نلاقي الكلام أخدنا لنقطه تانيه

فهمت مقصده ، وهي تري نظراته الماكرة .. اعتدلت فوق مقعدها بجديه لتتعالا ضحكاته بعدما تراجعت عن وداعتها

- معزومين علي حفله بكره يا قطه هانم

ارادت أن تعترض ، فهي لا تهوي حفلاته ولكنه أسرع في منحها الرد قبل أن ترفض رفقته

- حفله هتعجبك اوي ، حفلة جواز

وهل أحداً يكره المناسبات السعيده مثل حفلات الزفاف

...............................................................

وقفت" سناء" تُطالع فاخمة البيت الذي تسكنه اخت زوجها بعينين متسعتين ، تُحملق في كل شئ تقع عيناها عليه .

جاءت احدي الخادمات تحمل ما يشتهوه من الحلوي والعصائر ، فانتبهت علي يد زوجها الذي جذبها كي تجلس ثانية .. ولا تفضحهم بتصرفاتها

- مش عايزه أقعد ، سبني أتفرج علي العز ده كله .. بقي أختك

وكادت ان تكمل عبارتها ، ولكن توقف الحديث علي طرفي شفتيها ، وهي تراها تهبط الدرج تفتح ذراعيها لأولادها مرحبة بهم

رمقتها "سناء" من رأسها حتي قدميها ، وقد أشتعل الحقد داخلها ، وهي تراها بهيئة الهوانم ، بل وملامحها قد زادت إشراقاً وكأنها لم تتأثر علاقتها بزوجها بحديثها الذي خبرتها به منذ لقائهم الأخير ، فلم تأتي لزيارتها اليوم إلا لتتأكد من تدهور علاقتها بزوجها ورؤيتها مدمرة ..بملامح شاحبة ، عضت سناء باطن خدها بمقت ، وقد خابت جميع أمالها

أسرع "رجب" بخطواته إليها ، يضمها نحوه بقوة ..، يسألها عن أحوالها ..، ويُخبرها كيف اصبحت من الهوانم وسيدات القصور وكأنها "فاتن حمام" في فيلم سيدة القصر

- الباشا ، راجل محظوظ عشان تبقي من نصيبه

توردت ملامحها ، وهي تسمع عبارة شقيقها التي مسحت فوق قلبها وكأنه بلسم ، فا ليت "عامر" يري نفسه بالفعل إنه محظوظً بها

اقتربت منهما "سناء" ، بعدما زادت قتامة ملامحها ..فلم تعد تتحمل سماع تلك العبارات ، وكأن حياة وحدها من النساء هي الجوهرة الثمينة

- ليكي وحشة والله يا حياه ، لقيناكي مش بتسألي قولنا نيجي نسأل إحنا

شعرت بأن أضلعها ، كادت أن تتحطم من ضمت سناء ..، فابتعدت عنها تُخبرها بشوقها لهم

- وانتوا كمان وحشني أوي

ورمقت الصغار ، الذين جلسوا يتناولون الحلوي ويشربون العصائر ويثرثرون مع بعضهم في رغبتهم للخروج للحديقه والمكوث طيلة اليوم هنا ، ابتسمت وهي تري نظراتهم إليه حتي تمنحهم الأذن

- يلا نطلع سوا بره

سبقوها الصغار ، فتعالت ضحكة رجب وهو ينظر نحو أولاده

- دول فكرينها الحديقه الدولية

- خليهم يلعبوا يا رجب وينبسطوا

- هيبهدلوا الدنيا ، والباشا ممكن يضايق

طمئنته بنظراتها الحنونه ، وهي تقترب منه

- متقلقش ،عامر بيحب الأطفال

علقت عينين "سناء" بها وتغلل الحقد داخلها ، وهي تستمع لعباراتها الأخيرة عن زوجها ، فمن كانت تنعتها يوماً بالعانس التي لا يرضي بها أحداً ، تزوجت رجلاً تحلم به الكثيرات

- مافيش حاجه جايه في السكه ياحياه !

ألقت "سناء" بعباراتها ، وهي تمسح فوق بطنها .. فالتفت نحوها حياه وقد تلاشت سعادتها ، فرمقتها سناء بنظرات متهكمه ..، وهي تراها تقف عاجزه عن الجواب الذي تخشاه من تأخر حملها ، فقد مر علي زيجتهم أربعة أشهر دون حمل ولكن ما يُدهشها أن عامر لا يُلح علي الأمر ، ولكنها تري نظراته الواجمه وتبدل ملامحه ، كلما أخبرته أن عادتها الشهريه قد أتتها

................................................................

وقفت تمشط خصلاتها في شرود ، وهي تتذكر حديث زوجة شقيقها ، فلم تترك سناء حديث يُشعرها بالخوف مما هو قادم ، إلا وأخبرتها به

من المحتمل تقل فرصة إنجابها ..لأنها في الثانية والثلاثون ، و لكن ربما يكون عدم حملها خيراً لها ولهم ..، حتي لا تعود إليهم بطفلاً وبدلاً أن تكون فرداً واحد يُصبح فردين ..، فلما يبقي رجلاً مثله متزوجاً من أمرأة مثلها لا تحمل إلا شهادة فوق المتوسط .. بمعهد حكومي لم يسمع عنه أحداً ..، وهو رجل ذو شأن وكيان ، لم تكتفي سناء عند هذا الحد

بل أخبرتها بملامح حزينه ، إنها رأت حلماً لها ..، لا يُبشر بالخير

أنتبه اخيراً علي وقفتها التي طالت ، وقد كان هو الأخر غارق في مهاتفة "فريدة" له أمس ، فمكالمتها .. جعلت حقده .. يعود نحو النساء ، بعدما بدء يتعايش مع حياته الجديده ، يمنح نفسه ويمنح الواقفه أمامه بملامح شارده فرصه

نهض من فوق الفراش واتجه صوبها بعدما لم تُجيب عليه ، متسائلا وقد ضاقت عيناه

- المفروض تكوني أتبسطي النهارده ، اخوكي و ولاده قضوا معاكي اليوم كله

طالعته بذهن شارد ، لا تقوي علي سؤاله نحو مخاوفها ..، فربما تكون هي الحقيقه ، فماذا إذاً ستجني عندما تعرف ما يُتعسها

عامر لا يُحبها وهي متأكده من هذا ، ولكنها لا تفهم شخصيته المتقلبة .. وهي بدأت تُحاول أن لا تضيع فرصتها معه كما أخبرتها "ناهد" ، فلو ضاعت الفرصه .. ستعود محملة بالخيبات لعائلة شقيقها ، ستعود لسلاطة لسان سناء وسمومها

انسابت دموعها فوق خديها ، فرمقها بفزع

- مالك يا حياة ، إيه اللي حصل خلاكي تعيطي

لم يكن لديها جوابً تُخبره به ، أسرعت في القاء جسدها عليه ..، تدفن رأسها في صدره

- عامر ، احضني جامد .. طمني إنك مش هترميني في يوم من الأيام

صدمته عبارتها ، التي جمدت ملامحه .. فهل أصبحت تشك بأضطراب مشاعره نحوها

ضمها إليه وهو يشعر بالألم يستوطن قلبه ، وهو يراها بهذا الأنهيار.. تحرك بها نحو الفراش ، ليجلس فوقه ثم وضعها فوق فخذيه يُهدئها بحنان ، جعلها تزداد في بكائها

- احكيلي يا حياه ، إيه اللي زعلك فجأه وخايفة من إيه

تعلقت عيناها به ، فامتدّت كفوفه نحو وجهها

- كل حاجة مخوفاني ، أنا بخاف أفرح

ألجمه ما نطقته ، فلم يشعر إلا وهو يجذبها لصدره يُعانقها بقوه ..، يعطيها وعداً حقيقياً نابع من قلبه

- طول ما أنا عايش ، متخافيش من حاجة ، أنا أمانك يا حياة

.............................................................

طالعت "جنه" البلد الجديده ، التي ستقضي بها شهراً معه عبر زجاج تلك السياره التي تصطحبهم إلى شقتهم , فهي لاول مره تعلم بأن زوجها دائم السفر لتركيا وله هنا مُعاملات كثيره حتي انه يجيد التحدث بلغتهم وكأنه يعيش فيها ، أشياء كثيره بدأت تعرفها عن بأدق التفاصيل

رفرف قلبها بسعاده ، وقد شعرت أخيراً بالراحه .. فعلاقتهما أصبحت ينعمها الهدوء والحب الذي بدأت تراه في عينيها

فاقت من شرودها ، وهي تراه يمنحها هاتفه ، بعدما ضاقت عيناه

- أروي بتتصل ، واكيد مش عايزه تكلمني أنا

ابتسمت بسعاده ، وهي تلتقط منه الهاتف بحماس ، وقد وصلها صوت "أروي" المتحمس أكثر منها لهذه الرحلة

- وصلتوا تركيا

طالعت الجالس جوارها ، وقد أنشعل في مطالعة ارقام البورصه عبر جهازه اللوحي

- الجو هنا جميل اووي، ولا الشوارع تجنن يااروي .. احنا في اسطنبول دلوقتي

- يارتني كنت معاكم ، عملت إيه انا برحلة الغردقه دلوقتي ، ده حتي مكنش فيها سُياح اتفرج عليهم واصاحبهم

أنفرجت شفتي جنه بضحكات عاليه ، فحدقها بنظرات قوية .. فهم ليسوا بمفردهم فالسائق يصطحبهما ، اسرعت في وضع كفها فوق شفتيها ..، تستمع لتذمرات أروي

- أه لو هاشم سمع اللي بتقولي ده ، هيطير رقبتك

استمعت هذه المرة لأستياء "أروي" وهمست وهي تلتصق نحو باب السيارة

- الرجاله هنا ايه حلوين خالص .. يااا ..

وكادت ان تصف لها احد الاشخاص ، وقد وقعت عيناها عليه في المطار ، ولكن وجدت يلتقط منها الهاتف ، ويغلقه مُحدقاً بنظرات حانقة متوعده

- ماشاء الله جايبك هنا عشان تتأملي في الرجاله وتعجبي بيهم

تجهمت ملامح "جنه" من ردة فعله ، تهتف بحماقة دون أن تستوعب ما تنطقه كعادتها

- ليه قفلت السكه ، كنت عايزه اوصف لأروي الراجل الحلو اللي كان في المطار وضحكلي

أحتدت عيناه بالقتامه ، فالتصقت بشده بمقعدها ، خائفة من نظراته :

- مش هحاسبك دلوقتي علي وقاحتك ، بس قسمً بالله لو اتغزلتي في راجل قدامي أو ورايا حتي ..متلوميش غير نفسك

طالعته بملامح مستاءه ، متذمرة ..تمط شفتيها حانقه من مزاجه الذي يتقلب بسهوله ، فحديثها مع أروي لم يكن إلا في إطار المزاح ..، ولكن هو هكذا دوماً سريع الغضب

أشاحت عيناها بعيداً عنه ، فعاد لجذبها قربه متمتما وكأنه رجلاً أخر

- قربنا نوصل خلاص

...................................................................

تأملت صفا المكان حولها بسعاده وهي لا تُصدق بأنها اليوم تحضر حفل زفاف في الظهيره ونهار اليوم مازال ساطعا كما كانت تشاهد ذلك عبر التلفاز ..

لتسمع صوت الموسيقي الهادئه أستعداد لمجئ العروس

فألتفت نحو زوجها المنشغل بالحديث في هاتفه ، فاقتربت منه تلفت نظره لطيلة حديثه في الهاتف ، تمسد فوق ذراعه .. فهي تُريد ان تحظي بحنانه واهتمامه ، طالعها "أحمد" بأبتسامه هادئه وتابع مكالمته وهو يحيط خصرها بأحد ذراعيه

استكانت صفا قرب صدره ، وهي لا تعلم لما كل هذه المشاعر التي قد طرأت عليها الان ..

أنهي أخيراً مكالمته ، ومال علي اذنيها معتذراً عن أنشغاله بها ، متسائلاً وهو يُطالع الحفل حوله:

- عجبتك الحفله

- عجبتني اووي اووي يا احمد .. ، وكادت ان تُكمل باقية حديثها عن مدي اعجابها ، فوجدت العروس الجميله بفستانها القصير تدلف بُصحبة عريسها صاحب البدله البيضاء الكلاسيكيه والسعاده تطل من عينيهم

أخفضت رأسها أرضا ، وهي تُحارب مشاعر بؤسها

فوجدته قد يتمتم مُعتذرً مرة أخري ، وكأنه يهرب من نظرات بؤسها

- معلشي ياصفا .. هعمل مكالمه ضروريه بعيد عن صوت الموسيقي وراجع تاني

لثم جبينها في قبله طويله ، وسار مبتعداً عنها أمام نظراتها الشارده ..

تركها لعاصفة مشاعرها القوية .. ، وسرعان ما كانت تنساب دموعها دون إرادة منها فوق خديها .. خاصه بعدما وقعت عيناها نحو الرقصة التي أفتتح بها العروسان الحفل ، فهي لم تحتفل بزفاف ولا حتي خاتم زفاف يوثق ملكيتها به ...، فهو يقترب ويبتعد ..يغمرها بالحب ثم يعود لجليده ثانية

لتأتي لحظه مراسم توثيق الزواج ، فيقف الضيوف مُهللين بسعاده

أقتربت هي من الجمع الواقف بترقب ، وقد تسلطت عيناها علي جميع التفاصيل بشغف ..لتتابع مايحدث عن قرب

وقف العروسان بحب بعدما وافقوا علي كل بنود الزواج بسعاده .. أخذ تصفيق الحضور يعلو بعد القبلة التي لثم بها العريس شفتي العروس ، فنفرجت شفتاها كالبلهاء مما تراه .. فهم يتبادلون القُبلات علانياً وبتوق بل ويواصلون بالمزيد والحضور سعيدون بالأمر.

تابعها بعينيه من بعيد ، محدقاً بتفاصيل ملامحها ، ليري الألم الذي أستطاعت إخفاءه عنه ، و قد كان هو السبب فيه ، فهو لم يمنحها شيئاً كأي فتاة لم يسبق له الزواج ، لا لحظة أعتراف ، لا محبس زواج ولا حفل زفاف وفستان عرس وباقة زهور .. اقترب منها بخطوات هادئه وهو يقسم داخله إنه سيفعل لها كل ما تمنته عن قريب ، فلم يعد لا يريد إلا رؤية السعاده تلمع في عينيها

.................................................................

بدأت نيران غضبها تشتعل مع كل كلمة تقصها أروي على مسمع عمتها .. حتي هتفت اروي بحسن نيه لسعادتها من أجلهم :

- جاسر شكله بدء يحب جنه ياعمتي

زفرت منيره أنفاسها براحه ، وتعالت السعاده فوق ملامحها ، ولكن سرعان ما تلاشت سعادتها وتحولت ملامحها للجمود وهي تستمع لحديث نيرة الحاقد

- لحق يحبها امتي ، وازاي .. ماتقولي كلام عاقلين ياأروي

أمتعضت ملامح "منيره" غضباً، وهي تستمع لكلماتها التي تحمل الغل والحقد

- خدي اختك ياهدي وأنقلعوا من قدامي ..

فأقتربت هدي من اختها لتجذبها بعيدا حتي وقفت نيره امام منيره بدموع

نيره : انتِ السبب لولا انك روحتي جبتي بنت اخوكي كان زمانه اتجوزني وحبني ..ليه كده حرام عليكي

فنهضت منيره عن مقعدها بملامح قاتمة :

انتِ بتخرفي تقولي ايه ياخرفانه انتِ ، مين ده اللي كان هيتجوزك جاسر طول عمره شايفك زي اروي ، صلحي دماغ اختك ياهدي عشان شكلها كبرت وخرفت

وسارت منيره في اتجاه غرفتها وهي تتمتم : بت قليلة الادب ، كان ناقص كمان منجيبش ولاد من نسل المنشاوي مش كفايه فاخر ، امتي بقي ياجاسر هتفرحني بعيالك

..................................................................

حاولت قدر المُستطاع ان تبدء معه حواراً ، لعلها تقتل ضجرها ، او تجذبه إليها نحو الثرثرة التي تعشقها ، ولكنه كان يجلس صامتً بهدوء قاتل ، جعلها تزفر أنفاسها حانقة

زفرت أنفاسها بصوت مسموع ، فالتف نحوها وقد قطب ما بين حاجبيه متعجباً نظراتها الحانقة نحوه

- جاسر المُتسلط اللي بيزعق علطول أرحم من جاسر البارد

تعالا العبث فوق ملامحه ، فترك فنجان قهوته الذي كان يرتشف منها مستمتعاً وهو يُطالع التلفاز ..، جذبها إليه من ثوبها ، بطريقة صدمتها وزادتها توتراً

- ما أنا كلامي بياخد منحني تاني ، وأنتِ مبتحبهوش

وبانفاس متعلثمه ، أجابته متذمره

- لأنك بتحب المواضيع اللي مش تمام

رفع حاجبيه مستمتعاً ، بتوردها وتوترها متسائلا وكأنه لم يفهم حديثها

- مش تمام ؟ ليه يا استاذه جنه ..

وقبل ان تهتف بشئ ، وتخبره إنه يتلاعب بها .. كان يُخبرها بمتعة مواضيعه التي لا تروق إليها ، أتسعت عيناها وهي تستمع لحديثه وعن النساء اللاتي يستمتعون بهذه الأمور

- خلاص كفايه ، أنا مبقتش عايزه أتكلم معاك .. خلينا نتفرج علي البرنامج أفضل

تعالت ضحكاته ، وهو يراها تتهرب منه كعادتها ..، فعاد لجذبها إليه يهتف بجمود مصطنع

- ولا برنامج ولا غيره ، أنا هسيبلك المكان كله

أسرعت في النهوض خلفه ،تجذبه من قميصه
لم تكن إلا لعبة بسيطه أنتهت بفوزه ، لعبة لا تعرف كيف ومتي تحولت لهذا الأصرار في عينيه ..، إنها تري رغبته المشتعله بها .. ، وها هو يلصقها به يطلب منها تلك المرة برجاء أن تكون له



طالعته بأنفاس مسلوبه ، واخذت دقات قلبها تخفق بقوه ، توقً مثله لما يُريده ولكنها تخاف أن تجني مشاعر الخيبة بعدما تمنحه نفسها ..



- مش كفايه لعب يا جنه



وهي كانت كالمغيبة أمامه ، لا تقوي علي النطق .. ، داعب عنقها بكفه وهو يراه كيف تطبق فوق جفنيها بقوة ..، هاربة من نظراته



ارتسمت أبتسامة حانية فوق شفتيه ، هو متأكده لو نالها هذه اللحظه لن تعترض ولكنه لا يُريد الضغط عليها في مشاعرها



- مش كنتي عايزه تخرجي ، ولا هنفضل في السكون ده كتير



شاغبها بحديثه ، فاسرعت في فتح عينيها ، تنظر إليه ببلاها عما تسمعه منه ..، إنها كانت تتوقع أنه سينفذ ما يُريده ، ولكنه أصبح كالعاده يُفاجأها ..، لم تري بريق الرغبه في عينيه ، بل وجدت لمعان من نوعً أخر



- يا بنتِ أرحمي قلبي الضعيف ، وبلاش نظراتك ديه ..، أنا بكافح بكل قوتي



القي عبارته الأخيرة مازحاً ، وقد تعالت أصوات ضحكاته ، ورغماً عنها كانت تتضحك هي الأخري .. ركضت نحو غرفتها قبل أن تعود شخصيته الأخري ..، ويظهر لها جاسر العابث الوقح



ارتدت ثيابها بعجاله ، ووقفت امام المرآه تُهندم من وضع حجابها ..، لتتوقف يدها نحو دقات قلبها المتسارعة ، وهي تتذكر اللحظات الماضيه من جنون .. ، فهي حتي هذه اللحظه لا تستوعب أن الرجل الذي تعيش معه الأن ، بعبثه وجنون , هو جاسر أبن عمها ..ذلك الفظ الغليظ



توقف علي أعتاب باب الحجرة ، يُحدقها بنظرات طويله



- مع إني كان نفسي تقوليلي مش عايزه تخرجي ، ونقضي الوقت مع بعض



شهقت مفزوعة وهي تستمع لعبارته ، فقد أفزعها وجوده وأخرجها من شروده ، تعالت ضحكاته وهو يقترب منها



- مش معقول كنتِ سرحانه فيا



لم تتحمل مازحه الثقيل ، الذي زادها خجلاً وتوتراً ..، اندفعت صوبه تدفعه بكفيها



- ممكن تخرج بره بقي ، وتستناني لحد ما أخلص



ضاقت عيناه بعبوس مصطنع ، وهو يستمع لعبارات طردها



- يعني مخرجك ، ومتنازل عن حقي في الشرط ..، وكمان بتطرديني



كانت تظن إنه يتحدث بجديه ، ولكن نظراته إليها .. جعلتها تضحك وهي تري تلاعبه بها ، عانقته بذراعيها .، بحركة لم تُخطط لها ..، ولكنها لم تكن تُريد إلا الدلال عليه ونيل المزيد من مشاعره التي لم تعد تفهمها أهي حب ، أم مشاعر تقودها الرغبه



- ده من كرم أخلاقك يا شيخ العرب



- بلاش يا جنه ، تتدلعي في الوقت ده .. أنا بحذرك



أبتعدت عنه ، وهي تفهم مقصده ..فالتقط ذراعها ..يُنفذ ما يتوق إليه قلبه .، ابتعد عنها أخيراً بأنفاس لاهثه ، ينظر إليها وهي تلتقط أنفاسها ، تضع بيدها فوق شفتيها ، ثم اسرعت بخطوات هاربه نحو المرحاض ..، فتعالا صوته بعدما استعاد توزانه ، يهتف بعبث



- عشر دقايق ، لو تأخرتي .. هنكمل الجزء اللي وقفنا عنده



وانصرف من الغرفه ، وصوت ضحكاته تتعالا ..، بعدما أستمع لصوت شهقتها العالية



...................................................................



تنهد بحراره وهو يطالع باب حجرتها المغلق ، فحفلتهم التي ذهبوا إليها بسعاده ، انتهت بالعتاب والوجع الذي رأه في عينيها ، وكأنها تلومه علي ما تعيشه معه ،



أراد ان يدلف إليها ، ويأخذها بين أحضانه ويتوه معاها في عالم بعيد عن العقل والقلب المشتت .. ولكن مشاعرهم المتخبطه جعلته يتراجع عن قراره ، فلو كان من قبل لا يعرف ما يُريده , فهي أصبحت مثله لا تعرف أتُريد القرب أم تُريد تعذيب حالها بفهمه وهو لم يعد يفهم حاله ..، إنه بالفعل كلما نضج ومر عام من عمره .. أصبح عقله هو المسيطر عليه في قرارته ، إنه يعيش في تذبذب ودوامه كبيرة يتمني نهايتها والغرق بين ذراعيها



أنتبه علي مرور الوقت ، فدقق النظر بساعة يده .. ، يتذكر ضرورة ذهابه .. لحضور ذلك الأجتماع الهام



سار نحو الدرج بعدما ألقي بنظرة أخيره علي باب غرفتها ، واتجه بأول خطواته هابطاً لأسفل ، ولكنه وقف مكانه وهو يلتف مجدداً بعدما أستمع لباب الغرفة يُفتح ثم خروجها منها



عاد إليها بلهفة وقد أطمئن قلبه أخيرا عليها



- مش معقول يا صفا ، حابسه نفسك من أمبارح



طالعته بملامح جامده ، فلو كان يهتم لأمرها لأجتذبها من غرفتها وقوقعتها بالعنف ، ولكنه يتركها لأفكارها ومخاوفها معه ، وينتظر حتي تعود هي إليه :



- انا خارجه مع ساره نشم شوية هوا .. انا مش هفضل محبوسه هنا علطول



ألجمه حديثها البارد ، وكأنها تُعاقبه .., فابتسم وهو يجذبها إليه يوعدها , بأنه هو من سيفعل ذلك ، ف لتنتظر للغد



- بكره هبقي أخرجك انا للمكان اللي تعوزيه ،ولوحدنا كمان



- بلاش تعاملني بأحسانك ده ، متتصدقش عليا بمشاعرك



تجهمت ملامحه ، وقد ترك ذراعيها ..، يشعر بالصدمه مما يسمعه منها



- أنتِ بتقولي إيه ؟



أرادت أن تُخرج به كل الحديث ، الذي وضعته ساره داخلها ، فيجب عليها أن تريه أنها لم تُعد تريد رجلاً ، ما زال عالقاً في حب من رحلت



شردت فيما رأته أمس وقد أثبت إليها ..، إنها مازالت لا تعي شئ بحياته ، فهو مازال محتفظ بصور هذه الحبيبة في درج مكتبه ، وهي التي أصبحت توهم نفسها إنه أحبها



أبتعدت عنه ، حتي لا تتحدث بحديث أخر ، يزيد الأمور تعقيداً بينهم ، فجذبها إليه متسائلا بعدما حاول تمالك غضبه منها



- مش معقول تكون حفلة امبارح هي اللي أثرت عليكي كده



لم تمنحه الجواب ، كل ما منحته له نظرة طويلة ساخرة ، جعلت ملامحه تحتقن



- لو خرجتي من البيت ، يبقي اتحملي عواقب تصرفك يا هانم



تجاوزها بعدما رطم كتفه بكتفها عن قصد، وغادر المنزل حانقاً



انسابت دموعها ، ومازالت الصور لا تُغادر خيالها ، تتسأل داخلها ..، هل كلما رأي صور هذه الحبيبه كلما كان يُقبلها ..، يتذكر لحظاتهم سوياً ..



دلفت نحو دوامة قويه من المشاعر ولم ترحمها عبارة ساره التي مازال صداه يتردد داخلها



"هو شايفك فيها يا صفا ، أوعي تصدقي إنه حبك ..، لو كان حبك مكنش فضل محتفظ بالصور "



................................................................



تأملت ضخامة الحفل الذي قد دعوت اليها من قبل أحدي رفقاتها ، لتقف خلفها صديقتها نسرين وهي تتحرك بخيلاء بفستانها القصير :



- أهلا نيره حببتي



طالعتها نيرة ببتسامه هادئه ، فمدّت لها "نسرين" يدها مرحبة :



- مبسوطه اوي انك جيتي الحفله



- المرادي بقي ، الحفله بمناسبة ايه يانسرين



تسألت "نيرة" وهي تُلقي بنظرات فاحصه نحو المدعوين ..، والإجابة التي لم تتوقعها "نيرة" ، كانت تُخبرها به الواقفه بسعاده ..، وكأنها تخلصت من الأسر



- بمناسبة طلاقي



وتعالت صوت ضحكتها ،وهي تري نظرات نيرة المصدومه من حديثها :



- بلا رجاله بلا هم .. ، بكره تتجوزي وتعرفي إن وجودهم هم .. يمكن الحاجه اللي بتميزهم فلوسهم ، وكل ما كان تقيل ..كل ما طلعتي كسبانه من الجوازه



امتقعت ملامح نيرة من حديثها ، وقبل أن تسألها عن باقية الرفيقات ..، كانت نسرين تبتعد عنها ، بعدما تمتمت غير مصدقة حضور أحدهم لحفلها



- مش معقول "راجي النعيمي" هنا في حفلتي ، ووافق علي الدعوه



اتجهت نظرات نيرة ، نحو هذا الرجل الذي تراه لأول مره … ، ما أدهشها هو التصاق نسرين به ، وكأنه هو الصيده التالية بعد تحررها من زيجتها



اشاحت عيناها عنهم ، وهي تلتقط عصيراً بارداً ينعشها ، وقد ضجرت من الحفل وندمت علي مجيئها ، مر الوقت وظلت واقفة بمفردها ..



طالعت ساعة معصمها ، لتري أن وقت أنصرافها قد حان ..، فالساعة قاربت علي الحاديه عشر ، ويجب عليها ان ترحل .. ، عادت تبحث عن نسرين حتي تُخبرها بضرورة رحيلها ، وتؤكد عليها موافقتها علي عرض العمل في الخارج ..، لعلا بعدها يُشعر



"جاسر " بقيمتها ، وهي سوف تطبق جميع الأحتمالات ..، فما زالت تُمني نفسها بفرصه أن تكون له يوماً



- شايفك وكأنك بتدوري علي حد



شعرت بالتوتر ، وهي تلتف بجسدها نحو صوت أحدهم ..، تنظر إليه بترقب ..، فهو نفس الرجل الذي ركضت نحوه نسرين فور دلوفه لحفلها



................................................................



أخذت تعبث بمشروبها البارد بضجر ، وقد خرجت من شرودها أخيراً وهي تستمع لصوت ضحكاتهم يعلو .. ، رفعت رأسها المطرق عن المشروب ..، واتجت بعينيها نحوهم .. لتجد تلك المرأه تلامس ذراع زوجها بوقاحه .. أنتظرت أن تري ردة فعل من زوجها ، وقد أسعدها ما فعله ، فقد أنتفض من اثر لمستها ، ثم حدق بها بغضب ، فاتجهت "أشكي" بنظراتها نحوها تُعلل لها سبب فعلتها التي أثارت مقتها:



- مش معقول جاسر يكون خايف علي زعلك



واردفت بحقد ، وقد عادت بعينيه نحو الجالس



- أهنيكي علي قدرتك في تغيره



تجمدت ملامح "جاسر" وهو يسمعها ، فلو أستمرت جلسته قليلاً ..، ستخرب "أشكي" كل شئ ، بل ربما تُخبرها إنه كانت أحدي زيجاته ، نهض عن مقعده ، يجتذب ذراع تلك الجالسه ، تُقلب عيناها بينهم



- نتقابل بكره في الشركه يامراد



وقف مراد مودعاًله ، بعدما رمق شقيقته بنظرات ممتعضه ..، فها هي قد أنهت جلستهم الهادئه بأفعالها



سارت جواره والأفكار تضارب داخلها ، من نظرات تلك المرأة نحوه ، شعر بتخبطها ، فأنحني صوبها يُلهيها عما تُفكر به وتستنتجه



- عشان تعرفي ان جوزك مرغوب فيه زاي



استطاع إنتشالها من أفكارها ، وهو يرها تُحدق به بغضب ، ولكن سرعان ما كانت تتحول ملامحها للسعاده ، وهي تجد أحد الممثلين الأتراك يدلف برفقة امرأة ..، ركضت نحوه تُخبره بمدي حبها له ، والرجل لم يكن يفهمها إلا من بضعة كلمات بسيطه ..، ولكنه كان يرسم فوق شفتيه أبتسامه واسعه ..



احتدت ملامحه وهو يقف يُطالع المشهد ، وكاد أن يقترب منها ويجذبه من ذراعها ..،إلا إنه وجدها تُشير إليه ..، تعرفهم إنه زوجها .. ، حاول تجاوز الأمر وهو يُحرك رأسه لهم ..، يُخبرهم إن طبيعه زوجته هكذا تحب المزاح والضحك



- صورني بليز معاهم يا حبيبي



وهل يرفض هو ، بالطبع لاا ..، فقد وضعته في وضع محرج ..، التقط لها الصوره وغادروا المطعم ، حدقها بنظرات متوعده بعدما أقترب من السيارة التي استأجرها هنا، وقبل أن يهتف بشء ويُخرج حنقه الذي تراه يشع من عينيه تمتمت



- ده ممثل يا جاسر ، وكل الناس بتتصور مع الممثلين ولاعبين الكرة وأي حد مشهور



- والهانم طبعا ..بتعرف تبرر لنفسها كل حاجة



تجهمت ملامحها من حديثه ، فارتفع حاجبه متسائلا وهو يفتح لها باب السياره



- الهانم عندها اعتراض



ولم يجد منها إلا التذمر والصمت ..، دلفت السيارة بوجه حانق ..واشاحت عيناها بعيداً عنه



- أفردي وشك يا هانم



حدقها بضيق وهو يراها لا تعبأ بحديثه ، وقبل أن يهتف بشئ ..، أخذت تمتم بأستياء



- ديكتاتور ، ومتقلب المزاج



والشعور الذي كان داخله ، قد أختلف .. انفجر ضاحكاً وهو يجذبها إليه رغم إعتراضها ..، يُخبرها بصدق إنه بات يعشق جنونها



.................................................................



دلفت غرفتهما ، بعدما قضت بعض الوقت مع والدته ..، لقد أصبحت علاقتهم ببعضهم قوية للغايه ، لدرجة إنه بدء يشك في طباع والدته ..، السيده ناهد كل يوم تُذهله أحبت صفا ، و حياه .. أحبت المرأتان اللاتي لم يشبُهها



اقتربت منه بعدما تحررت من مئزرها ، فظهرت بيجامتها الطفوليه ..التي جعلته يُحدق بها ثم انفجر ضاحكاً ، طالعته بملامح عابسه وهي تري نظراته نحوها



- مهما حاولت مش هرمي البيجامه ديه يا عامر



تعالت ضحكته ،ونهض مقترباً منها ..يلتقطها من منامتها



- نفسي أعرف البيجامه ديه غاليه ليه عندك كده



- أسباب أحب أحتفظ بيها لنفسي



وعندما حدقها بنظرات تعرفها ، اقتربت منه ..ترفع ذراعيها نحو عنقه ..، بطريقه أدهشته بل جعلته ينطق دون وعي



- أنا لازم أشكر ناهد هانم كل يوم



تجاهلت عبارته ، وشبت فوق أصابع قدميها .. حتي تكون قريبة منه



- أتحايل شوية عليا ، وأنا أقولك سبب حبي ليها



تعالت صوت شهقاتها فزعه ، وهي يباغتها بفعلته .. يحملها فوق ذراعيه ، يهمس لها وكأنه ليس هو ذلك الرجل الذي كان يتحدث قبل قدومها عن الصمود



كانت غارقة في بحوره ، يُعلمها كيف يكون الحب بين ذراعيه ..، ابتعد عنها بعد وقت يجذبها لحضنه ، يتنهد بأنفاس طويله غير مُصدقاً ..، أن هذه المرأه ببساطتها تُعالج ندوبه دون شعور



غف بعدما وضع بقبلة حانية فوق جبينها ، ففتحت عيناها ..تسمح لحالها بالتحديق به ..، تتسأل داخلها هل ستتمكن من زرع بذرو الحب داخله ، أم إنها تزرع في أرضاً ليست لها.



............................................................



غضب وألم أصبح يمتلكه من برودها ، ولكن يأتي للبيت ولا يجدها فقد اشعلت جميع النيران داخله ..



وجدها تدلف المنزل بملامح سعيده مسترخيه ، وهو كالأحمق كان سيجن عليها :



- كنت بشم شويه هوا



فالتقط ذراعها ، وقد بدء المقت والحنق يحتل كيانه من تصرفاتها :



بتتمشي ، احنا في امريكا مش في مصريا هانم



فسارت هي من امامه، دون أن تهتم بحديثه وكأنها تُعانده:



- كنت بتمشي



تجهمت ملامحه ، وفرك جبينه بقوه ..، من شده الم الرأس الذي يشعر به



- أنا صبري ليه حدود



تجاهلته ، واتجهت نحو غرفتها ..، بابتسامه واسعه .فها هي تجعله يكاد يُجن ، لا تعرف لما أختارت التمرد ..، ولكنه تشعر بشئ يدفعها نحو المزيد



التقط ذراعها حانقاً منها ، ومن تصرفاتها



- سيب أيدي يا احمد



- أنتِ إيه ، اللي شقلب حالك كده



حاولت التخلص من قبضته ، فسقطت دموعها وهي تشعر بقوة قبضته فوق ذراعها ، ترك ذراعها وهو يري دموعها التي وغزت قلبه بالألم



- أكيد هعرف سبب تغيرك يا صفا ، ما دام مش راضيه تصارحيني



تركها في بؤسها ، فعن أي شئ ستخبره ، هل علي إحتفاظه بالصور ، ام عن خاتم الزواج الذي لم تعد تعرف هل لها ام كان لتلك الراحله ، ام عن حديث ساره عن حكايات رامي له ، وكيف كان عاشق بقوة لمن تركته و رحلت .







.............................................................



ابتسمت نيره بسعاده ، وهي تتأمل ضخامة تلك الشركه وثراء ذلك الرجل .. فمنذ لقاءهم بذلك الحفل وقد أصبحت علاقتهما قريبة .. ،



حتي إنها بدأت تُثرثر في الحديث كثيراً عنه ، أمام "فاخر" زوج هدي شقيقتها ، وها هي ثرثرتها تُجني نفعها وفوائدها ، ف "فاخر" قبل مشاركته في إحدي الصفقات التي يراها ضخمه ، وستنقلهم نقلة أخري



انتبهت علي صوت فاخر الحاد ، وقد أخرجها من شرودها وهم داخل المصعد



- أنا مش عارف ايه لازمه المسخره اللي عملاها في وشك ، والبناطيل اللي مخلياكي زي الراجل



رمقته نيرة بحنق ، وهي تُشيح عيناها بعيداً عنه ، تهتف بخفوت وهي تعد فوق شفتيها المطلية بطلاء صارخ اللون :



- طلع عقدك علي مراتك يافاخر مالكش دعوه بيا



تنهد فاخر ضجراً من أفعالها ، فمهما حاول إرشادها لا تستمع ..، مُقرراً داخل نفسه إنه سيتركها تتحمل عواقب إستهتارها.



.............................................................



جلست تعبث في حاسوبه الشخصي ، فانتبهت علي دلوفه ونظرته التي عالقت بحاسوبه :



- في البلد عندنا الصغير لو لعب في حاجة الكبير يضرب ، تخيلي بقي لما يكون كبير العيله



تعالت ضحكتها الجميله ، وقد تركت له حاسوبه ..، أقترب منها يضمها إليه سعيداً وهو لا يعرف السبب ، هل بسبب ضحكتها ، ام بسبب ذلك النعيم والهدوء الذي أصبح يعيش فيه اسقط الحجاب الذي كانت تضعه فوق رأسها ، ورمقها متهكماً :



- المفروض أرجع من بره ، الاقي مراتي مستقبلاني بشكل يخطف نفسي ، مش أرجع والاقيها لبسه إسدال الصلاة



عادت ضحكاتها ، تتعالا ..، لا تُصدق حديثه ..، فالرجل الذي كانت تسمع صوته منذ ساعه ، وهو يجلس بمجلس العائله ..، ويحكم بين الأفراد ..، هو نفسه ذلك الذي يُجاورها ويعبث معها بحديثِ مخجل



- مش كفايه دلال ودلع بقي ..، عمتك كل يوم تسألني هنجيب الحفيد أمتي



أتسعت حدقتيها ، تكتم صوت شهقتها علي حديثه الثقيل



- من حقي أدلع ، بعد كل اللي عملته فيا



تعالا حاجبيه في دهشة ، وهو يتُحاول الفكاك من أسره



- مطلعتيش سهله يا بنت عمي ، وانا اللي كنت فاكرك مكسورة الجناح وطيبه



عبست ملامحها في تذمر ، وهي تستمع لعباراته المازحه



- بتهزر يا شيخ العرب



- والله شيخ العرب ، قرب يبوس الأيادي



ألجمتها عبارته ، لا تستوعب هل لهذه الدرجة أحبها ، واصبحت تمتلك فؤداه ..، التقط كفها يُقبله بحنو ، وقد أرتفع كفه الأخر نحو خصلاتها بعدما أزاح حجابها



- بحب شعرك ، بحب كل حاجه فيكي



داعبها بحديثه ، إنه بالفعل بارع في سرق أنفاسها ، وتخبطها .. بارع لدرجه إنها لم تعد تتحمل الصمود أمامه.



...............................................................



استمعت الي صوت ذلك المحاضر بشرود ، وهي تتذكر قبلته الناعمه علي أحد كفيها، عندما أصطحبها صباحاً الي الجامعه التي ستحضر بها رساله الماجستير ثم الدكتوراه،



هو أصبح هادئ معها تماماً .. ، وكأنه بدء يفهم لعبتها معه ويعطيها أحقيتها في الصبر عليها ، فهي شهدت معه مواقف كثيراً ..، ولولا حبها له لكانت مضت بطريقها وتركته بكل أمتيازاته



انتهت المحاضره ، فنهضت من جوار زميلتها كالمغيبة ..، فهي باتت تشعر بالغباء لعدم فهمها واستعابها لشئ



سارت كالباقية ، خارج قاعة المحاضره .. ليرفع هو بوجهه عن أوراقه التي اخذ يُلملمها ، ينظر إليها وهي تُغادر هاتفاً باسمها بين نفسه ..، فالفتاه التي رأها في حفلة الزفاف ..، اصبحت طالبه لديه ، وها هو القدر يمنحه فرصة رؤيتها مجدداً في صفوف طلابه



فاق من تحديقه ب باب القاعه .. وهو ينتبه علي صوت رنين هاتفه , ولم يكن المتصل إلا زوجته الحسناء كمثل "ليندا " ، تلك المرأة التي هدمت بحور عشقه لها وجعلت منه مسخاً خائباً ، أهتمامها بأن يصبح لها كيان وفقط قد أنساها كيف تكون زوجه حقيقيه حتي أمومتها قد نسيتها



جسدها الممشوق كعارضات الازياء ليس إلا من أجل عملها في أحدي شركات الأزياء والموضه .. ، عاد شريط ذكرياته نحو خمسة أعوام قد مضت



ليزفر أنفاسه بثقل وخيبة ، وهو يتذكر كل خيبات الحب التي حصدها من أجل محبوبته التي أنعطف بهم رحلة زواجهم نحو الفراغ والبرودة



توقف رنين هاتفه ، وقد صدح الرنين مجدداً للمره الثالثه ..، وها هي الزوجه التي كلما ظن بتغيرها ..، تُخبره برحلة سفرها اليوم لفرنسا ، لعرض أزياء طارئ قد قدم إليها



اغلق هاتفه ، دون أن ينتظر سماع كلمات حبها التي تُخبره بها بعد كل مكالمه ، من اجل إعطاءه جرعة الصبر والأستمرار في حبها وتحمل عملها ، لملم أشياءه وغادر القاعه متجهاً نحو سيارته لتقع عيناه عليها مرة أخري.



……………



اقتربت "فريدة" من والدها ، تلتقط كفيه برجاء ..، بعدما ألقي عبارته الاخيرة .. مصراً علي معرفة "عامر السيوفي " بوجود طفلاً ، ويجب عليه إعادة أبنته لعصمته



- أرجوك يا بابا ، أرجوك متبلغش عامر دلوقتي



حدقها "محسن" بنظرات قاتمة ، يصرخ بها بعدما ألقي نحو شقيقته الصامته نظرات معاتبه علي إخفاءها عنه الأمر



- المفروض كان يعرف ..، من أول ما عرفتي إنك حامل يا هانم ..، مش سيباه يتجوز عليكي ، وجيالي الأمارات هربانه



- أنا مش هربانه ، أنا كنت محتاجه أبعد بأبني



- أبنك ، ده هو الفرصه الوحيده اللي هترجع علاقتنا مع عامر من جديد



واطرق رأسه ، وهو يتذكر كل ما حدث له بعد تطليق عامر لابنته ، إنه خسر كثيراً من الصفقات ، والطفل سيكون الورقه التي تزيل بينهم المشاحنات وسيصفح عنه "عامر"



- عامر هيعرف بالطفل قبل ولادتك يا فريده ، لازم يعرف



صدمها إصراره ، وقد بدأت تفهم السبب ..، والدها يسعي لعودة أعماله مع عامر ، بعدما أشاع الفضائح عنه ، علقت عيناها بعينين عمتها التي وقفت صامته ..، فهي من أصرت عليها أن تُبلغ والدها بعدما كانت متخذه قرارها بأنه لن يعلم إلا عندما تضع مولودها ..، مولودها الذكر الذي قررت أن تمنحه لذلك الذي عاقبها علي فداحه جرمها بالكره والهجر و زواجه السريع من أمرأه اخري أقل مكانه منها بل لا مكانه لها في عالمهم .
دلك عنقه بأرهاق ، بعدما أنتهي إجتماعه الذي أستمر أكثر من ساعتين ..، طالع مدراء الأقسام وهم يُغادرون ، وعاد لمطالعة أوراق الصفقة الجديده

اقترب منه "اكرم" ، بعدما قرر عدم المغادرة ورؤيته ..، فقد بدء يشعر بوجود خطبً ما معه

- مالك ياعامر ، مبقتش عجبني الفتره ديه

ثم تسأل بقلق وهو لا يتمني سماع ما يظنه

- أوعي تقولي ، إنك مش مرتاح مع مراتك واكتشفت غلطتك في الجواز بسرعه منها

رفع "عامر" رأسه ..، ومن نظره عيناه ..كان ينظر إليه أكرم مترقبً جوابه

- تفتكر إنك ممكن بالصدفه تكتشف إن كل أختياراتك اللي فاتت كانت غلط ..، وإن الاختيار الوحيد الصح في حياتك ..هو نفس الأختيار اللي كنت منتظر فشله

رمقه "أكرم" وهو لا يعي ، ما يقصده صديقه ..، ف "عامر" وكأنه يتحدث معه بالألغاز

- لا ده الموضوع كبير أوي

- فعلا يا أكرم كبير ، ومحير ..

تمتم بها بثقل ، فانفرجت شفتي الجالس بابتسامة واسعه ، هاتفاً بأقتراح

- ما تاخد مراتك وتروح يومين بعيد عن كل حاجه ، منه هتستريح من الشغل ومنه تعرف تفكر كويس

واردف ، بعدما التمعت ابتسامة خبيثة فوق محياه ، يغمز له بأحدي عينيه

- ومنه تتبسط أنت والمدام

والأقتراح كان ينال أستحسان الجالس ، وكأنه أخيراً وجد أن الأبتعاد قليلاً ..، سيجعله يفهم مشاعره أكثر ويفيق من تخبطه ..، وفي قرارة نفسه ..كان يعلم إنه يحتاج لمنح قلبه فرصة أخيرة.



...................................................................

أخذ يستمع إلى تفاصيل يومها في الجامعه كما أعتاد منذ أيام، ولكن هذا اليوم أنتبه الي أدق تفاصيل ما تقصه عليه ، وقد ظهرت أبتسامتها عندما تحدثت عن محاضر أحدي المواد ، وهو مُحاضر من أصول عربيه بل ومصري الجنسية ، حتي إنه أخبرها اليوم ..إذا أحتاجت لشئ فلتخبره

ترك "احمد" المعلقه التي كان يحتسي بها الحساء ، ورمقها مُدققاً في خلجات ملامحها ، متسائلاً بنبرة جامده:

- مش ملاحظه أن كل الكلام بقي عن دكتور باسل

طالعته صفا ، دون فهم .. فما الذي يجعله يغضب ..، إذا كان حديثها عن محاضرها بهذا الود ، فهو رجلاً لطيفً وذكي ، انتبهت علي نهوضه ولم يمس إلا القلبل من الطعام ، فجذبت ذراعه تنظر نحو طبقه

- أنت مخلصتش طبقك ، ده أنا عامله الاكله اللي أنت طلبتها وبتحبها

رمقها ، قبل أن يُحرك ذراعه من قبضتها ..، فقد ضاعت شهيته من حديثها المفعم بحماس عن هذا الرجل

- شبعت خلاص

تركها ، واتجه نحو غرفة مكتبه ..، لتلتف بمقعدها تُحدق به ، غير مصدقه ما نسجه لها قلبها وعقلها معاً ..، احمد يغير عليها ، بل لا يطيق أستماع مدحها عن رجلاً غيره ، هل أصبح بالفعل يحبها ، أم هي مجرد أشياء تحدث بين الأزواج في العاده

عاد التشتت يقتحم عقلها ، فما تُخبرها ساره عنه .. يجعلها تشعر بالأضطراب وتشك في مشاعره ..، فقد بدء أحمد يتباعد عنها بسبب برودها معه ، وهذا لا يدل علي شيئاً واحداً ..، إن ما كان يُحركه نحوها ما هي إلا الرغبه

أطرقت رأسها في يأس ، ولكن جميع حواسها قد تجمدت وهي تشعر بلمسات كفيه فوق كتفيها وهمسه

- بكون فعلاً عايز أسمع تفاصيل يومك يا صفا ، بس مش لدرجه تفضلي تمدحي راجل قدامي

التفت إليه ببطئ ، تتظر نحوه وقد تعالت أنفاسها ..، اجتذبها من فوق مقعدها يمسح بأنامله فوق خديها

- تحبي نسهر النهاردة بره

ومن حماسها المفرط ، ونظرتها إليه .. كان يشعر إنها لا تضيع منه ..بل هي تحتاج لوقت كما أحتاجه هو من قبل

- يعيش ، احمد السيوفي

تعالت ضحكاته وهو يضمها إليه ، ولم تعد سعادتها قائمه إلا علي رؤيتها سعيداً

- مجنونه !

...................................................................

نظرت أمامها لروعة المكان ، وهي تشعر بنسمات الهواء تُداعب خديها ، أغمضت عينيها وهي تتمني داخلها ، أن تظل هذه السعاده تُحاوطها ، أن يُحبها ويمنحها قلبه مطمئناً ..، ألتفت بجسدها نحو الفراش ، تُطالعه وهو غافي .. تتذكر مجيئهم أمس لهذا الفندق في مدينة شرم الشيخ ، وقد فاجئها برحلتهم

عادت لتُطالع الأجواء أمامها من الشرفة التي تطل علي منظر جذابً ، تزفر أنفاسها براحه ، تُفكر في احاسيسها التي باتت تشعر بها معه تتسأل داخلها ، هل بالفعل بدء يُحبها ، أم ما زالت الرغبه ما تقود علاقتهما ، أم مازلت هناك نوايا قائمه من هذه الزيجه التي لم تثمر إلي الأن بطفلاً يضمه رحمها

ويا ليت أفكارها لم تأخذها لهذه النقطه ، فقد عاد حديث "سناء" يقتحم عقلها ..، ستعود إليهم يوماً بطفلا ، بعدما تنتهي غايته منها

نفضت رأسها وهي تخبر نفسها ، ان عامر ليس هذا الرجل ..، عامر يعشق كل ما هو من دماءه ، ربما لن يُحبها هي ، ولكنه سيُحب أطفالها

خفق قلبها ، وهي تتخيل طفلاً تحمله في رحمها منه ، فشعرت بالتوق الشديد ، وهي تضع بيدها فوق بطنها ..، تتمني حدوث الأمر ، غاصت في أحلامها وقد تخيلت صغارها ، لتنتبه علي صوته الناعس وهو يهتف باسمها ، بعدما بحث عنها جواره

- حياه

اسرعت إليه ، ترسم فوق شفتيها ابتسامه دافئه ، بعدما أغلقت الشرفه ، ليتسأل وهو يعتدل في رقدته فوق الفراش

- صحيتي بدري ليه ؟

أقتربت منه ، بعدما أزالت خُفها المنزلي وصعدت جواره فوق الفراش

- حبيت أستمتع بالجو ، والشمس لسا مطلعتش

طالع الوقت في ساعته ، فلم يكن يتجاوز السابعه صباحاً

- المكان جميل أوي يا عامر ، أنا مبسوطه أوي

عبرت عن سعادتها بالمكان ، بسعادة حقيقية .. وارتمت فوق صدره تُعانقه

- لو كنت فاكر ، إنك هتتبسطي كده .. كنت أخدت القرار من بدري

- قرارتك ديما بتطول ، بس متقلقش معاك زوجه صبورة أوي

لم تكن تقصد أي مغزي من عبارتها ، بل خرجت بتلقائيه ..، فطالعها ..مُحدقاً بملامحها

- بهزر يا سيدي القاضي

وشيئاً فشئ ، كانت تتسع أبتسامته ..، وهو يجدها تدندن له تلك الغنوة التي أكتشف مؤخراً حبها لها "كن منصفا يا سيدي القاضي"

علقت عيناه بها ، وهو يسمعها .. تُغني له عبارات الغنوة ..، أزداد توقه الذي لم ينطفئ لحظه ، يهمس لها بأنفاس راغبه

- كنتِ فين من زمان ؟

توقفت عن الغناء ، وهي تستمع لعبارته العجيبه عليها من رجلاً ك "عامر السيوفي" ، لم يمهلها لحظه لتُفكر أو تسأله عن مقصده .. فقد عانقت شفتيه شفتيها ..، وكأنه يمنحها الجواب هكذا ..، لتغرق بين ذراعيه كعادتها كما أصبح هو يغرق مثلها .

.................................................................

لم يُصدق "راجي" بأنه اليوم يجلس في بيت والده ، و يقف أمامه "حسن المنشاوي" يرحب به بكرم رغم ضعفه وإنهاك المرض له ، أتت أحدي النساء مرحبة به , ولم يكن غافلاً عن هويتها ..، فهو أصبح يعرف جميع أفراد العائله

- نورت بيتنا يا بني

رحبت به العمه "منيرة" ، فنهض راجي علي الفور ..، يلثم كفها . فتفاجأت من فعلته التي أسعدتها ، ربتت فوق كتفه ، داعيه الله له

- ربنا يباركلك يا ولدي

الجالسة كانت خاليه من "جاسر" الذي كان لديه عملاً هاماً ، في العاصمه

تنقلت الاحاديث عن أعماله ، ومشاريعه القائمه هنا ..، مما جعل "فاخر" يشعر بالزهو إنه أستطاع ربط بعض الصفقات مع هذا الرجل وتوطيد العلاقه ، وها هو "راجي النعيمي" في بيته ، يتناول طعامهم ويشرب الشاي معهم ..، كفرداً من العائله

تمازح معهم ، بل وصدحت ضحكاته وهو يشكرهم علي الجلسة اللطيفة وكرمهم

غادر المنزل ملتفاً نحوهم وقد يقفون بالخارج لتوديعه ، وقد عادت القتامة لداخل قلبه وهو يتذكر حديث خاله قبل وفاته عن عائله والده ذو الأصول الصعيديه ، والده قد ترك والدته ، بعدما أخذ منها ما أراد وتركها .. حاملاً منه ، وبعد إنجابه سجله هو باسمه بعدما رفض الأعتراف به ..فهو لم يكن إلا طفلاً قد أتي غلطة.

...................................................................

دلف غرفتها كالأعصار ، ينظر نحو هيئتها المرتبة :

- حفلة ايه اللي معزومه عليها ياصفا هانم

التفت إليه فزعة ، من رؤيته غاضب هكذا ، وكأنها اجرمت في شئ

- حفله عيد ميلاد ساره

- ما أنا عارف إنه عيد ميلاد ساره هانم ، لكن أنا قولتلك لاء الصبح ..، لكن اتفاجأ إنك متفقة مع السواق إنه هيوصلك الحفله ويستناكي وكأني مش جوزك يا هانم

أرتبكت من ملامحه الجاده ، وتراجعت للخلف وهي تري نظراته الجامده

- علاقتك بساره ديه تنتهي نهائي ، اللي كان ربيطنا بيها رامي ..، وخلاص علاقتهم أنتهت

اسرعت بالجواب ، تُدافع عنها

- هي مغلطتش .. صاحبك اللي انسان مريض سابها عشان…

وقبل أن تُكمل عبارتها ، وتخبره إن حياتهم هنا هكذا ..، لا يهتمون بالعذرية كنحن بالشرق

ولكن نظراته الحاده ، اخرستها ..، اجتذبها من ذراعها بعدما اخرج هاتفه من سترته ..، يضعظ علي أحد الأرقام

- بجد يا أحمد خلاص فكرت اننا نقرب من بعض ، صدقت حبي ليك ، متخافش ياحبيبي هعرف أنسيكي كل اللي عشته في حياتك ، أوعدك هخليك أسعد راجل ..، صفا عمرها ما هتفهم راجل زيك ، أنا أقدر ألبي ليك كل رغباتك

ألجمها الحديث الذي أستمعت إليه، كما أحتقنت ملامحه من غباءها ، شعرت بالصدمه وهي تراه يبتعد عنها ، بعدما أغلق المكالمه ..، فهي جعلتها تشك بكل أفعاله كلما أقترب منها ، بل أصبحت تُخبرها بكل شئ يخص علاقتهما .

- عشان تعرف إنك غبية

تركها بعدما ، اندفع مغادراً من الغرفه ..، دون ان يستمع لهمسها الخافت لأسمه

..............................................................

بدأت رقصتها بسعاده لتقضي علي ملل مكوثها بالمنزل ، خاصة إنها لم تعد تذهب لمنزل عمها بكثره , بسبب تعامل هدي زوجة فاخر بجفاء معها ، اخذت تتمايل بجسدها وشعرها يتراقص حولها .. بمرح كالراقصه التي تُشاهدها علي إحدي قنوات التلفاز

معرفتها لقدومه اليوم متأخراً أعطاه الحريه ..لترتدي ثوب الرقص الذي أشترته له "اروي" وعلي ما يبدو أن زوجها الماكر هو من طلب من شقيقته شراءه

مالت ودارت بجسدها ببراعة مُتقنعه ..، ولكن تصفيقه القوي ..جعلها تتجمد في حركتها وهي تراه يستند بجسده العريض جوار الحائط .. ، اعتدلت من ميولها الذي أظهر رشاقة خصرها وهي تبحث عن شئ تُخطي به جسدها

- وقفتي ليه

اقترب منها بأنفاس تتسارع مع شده رغبته وتوقه لرؤية المزيد من مهارات زوجته وانوثتها

- أنا كنت زهقانه ..، فقولت أتسلي

اظلمت عيناه من الرغبه ، وهو يراها تلتقط ما تُغطي به جسدها عنه ..فاسرع في التقاطه منها ..يُلقيه أرضاً

- تتسلي من غيرك برضوه يا جنه

- جاسر

همست مرتبكه ، تطرق رأسها أرضاً ..لا تقوي علي مطالعته ..بعدما استطاع محاصرتها

- عيونه

- ممكن تبعد

والجواب كان يمنحه لها وهو مسلوب الإراده

- المرادي ، مش هقدر يا جنه ..

لم تفهم حديثه ، إلا عندما وجدته يحملها فوق ذراعيه يتجه بها نحو فراشهما ، يُخبرها إنه لم يعد يستطيع الصبر ، إنه بات يشتهيها في أحلامه ، و في كل لحظاتهم .

غاصت معه في مشاعر جديده عليها ، منحته كل شئ قلبها وجسدها ..، وهو كان أكثر الرجال سعاده ، ظن أن غريزته هي من تحركه ..، ولكنه أكتشف شئ أعمق ..إنه ليس بالحنون في علاقاته .. ولكن معاها كان يُلامسها برفق ..، يهمس لها بكلمات صادقه



ارتسمت السعاده فوق ملامحه ، وهو يضمها إليه .. ينظر نحو ملامحها وهي غافية بعمق فوق صدره ، أراد أن يجعلها تستيقظ ولكنه أشفق عليها ..، فشدة توقه نحوها ..، جعتله ينالها مراراً ..يُخبرها وسط عاصفته إنها السبب في حرمانه من الجنه بين ذراعيه

حاول التحرك من جاورها بخفه ،ولكنها شعرت به .. فاجتذبت هامسه

- أنت رايح فين

ابتسم وهو يُطالعها ، وقد كانت شبيها بالقطه الناعسه وهي تُهمهم بسؤالها

- رايح المصنع يا حببتي ، عندي أجتماع مهم النهارده

- حتي النهارده شغل

تمتمت معترضه ومازالت لا تقوي علي فتح عينيها ، فمال نحوها يلثم خدها معتذراً

- مش هتأخر عليكي ، هخلص الأجتماع وأرجع علطول

حاول النهوض ، والابتعاد عنها ..حتي لا تؤثر به هيئتها المغريه ..، ولكن توقف عن حركته وهو يشعر بيدها تقبض فوق قميصه

- جاسر ، بليز

- يا حببتي صدقيني..

وقبل أن يُكمل عبارته ، كانت تعانقه من الخلف ، تهمس إليه بكلمات كان يعلم إنها من شده نعاسها تهتف بها دون وعي ، أو ربما ليلة أمس قد قضت علي جميع الحواجز بينهم

اجتذبها نحوه ، يطرحها الغرام ..، بشوق وكأنها لم تكن بحضنه منذ ساعات



وبعد ساعه ، فاقوا من سحابتهم الغائمه بالمشاعر , بسبب رنين هاتفه الذي لم يكف عن الرنين .. بسبب الأجتماع الهام الذي سيعقد بعد نصف ساعه ، كان تركض هنا وهناك … تُحضر له ثيابه وحذائه وهو يتحدث حانقاً

- خلاص يا فاخر ، قولتلك هكون عندك بعد نص ساعه

وفاخر يتسأل للمره العاشره ، ما الذي أخره .. بعدما كان يُشدد عليه أمس عدم التأخر

- أه رغيك الكتير ده معطلني

اغلق الهاتف في وجه "فاخر" الذي وقف يُحدق بهاتفه ..، طالعته وهو يتجه نحو المرحاض ، ثم خرج بعد دقائق يُجفف خصلاته ..، ينظر إليها ممتعضاً

- شوفتي اخرت دلعك ، هتأخر لأول مره علي اجتماع

اقتربت منه تناوله قميصه ، تضحك علي تذمره

- يعني بتحط عليا اللوم ، بدل ما تراضيني .. عشان رايح الشغل النهاردة ، وسايب عروستك لوحدها

رمقها بنظره لعوبه ، بعدما راق إليه حديثها ، وهي تُغلق لها أزرار قميصه

- عروسه ، أه لو حد عرف إنك لحد ليلة أمبارح كنت لسا …

وقبل أن يتمم عبارته ، التي كانت تعلم نهايتها ..، ابتعدت عنه هاربه

- هروح أحضرلك قهوتك بسرعه

تعالت ضحكاته ، وهو يراها تهرب من أمامه ..، يهتف لها ضاحكاً

- أنا بقول أسيب فاخر يترأس الأجتماع النهارده ، وخليني أشوف اهدافي

................................................................

وقفت تُحضر حقائبهم ، بعدما انتهت رحله مكوثهم هنا ..، لقد أنتهت الأيام المعدودة التي عاشتها برفقته في هذا المكان ..، اقترب منها يسألها إذا أنهت كل شئ

- خلاص يا حياه

التفت نحوه ، وقد غامت عيناها بالحزن تخبره إنها أعدت الحقائب ، فطالع نظرات عينيها وهي تتهرب منه ، حاولت الابتعاد عنه ، ولكن أسرع في التقاط ذراعها

- أنتِ زعلانه يا حياه

اماءت برأسها ، فابتسم وهو يري حزنها وكأنهم لن يأتي لهذا المكان مجدداً

- أنا وعدتك إننا هنيجي تاني ، ده غير يا ستي ممكن كما نسافر بره البلد

عادت عيناها تلمع بسعاده ، وهي لا تصدق حديثه

- بجد يا عامر

وعامر كعادته المؤخره ، كان يمنحها الجواب كما يُحب ، مع وضع وعوده ..، ابتعدت عنه تلهث أنفاسها ، تدفن وجهها بصدره

- أنا بحبك أوي

………………………………..

أتسعت أبتساته ، غير مصدقاً ما يقرأه ، من كلمات قد سطرتها هي ..، اسرعت نحوه بعدما وقعت عيناها عليه وهو يُركز بتدقيق نحو شاشة حاسوبها

- أنت بتعمل إيه؟

التقطت منه الحاسوب ، لتري ما كان يُطالعه كما ظنت ، فشعرت بالتوتر وهي تحتضن

- شايف ، قدامي موهبه محتاجه حد يكتشفها

احتقنت ملامحها ، وقد ظنت إنه يتمازح معها

- محتاجه بس بعض الأرشادت يا صفا

واخذ يُخبرها عن بعض النقاط التي يجب عليها ، الأتخاذ بها حتي لا تخونها الكلمات وسرد الحكايه والشخصيات

تلاشي عبوسها ، وجلست علي مقربة منه تستمع إليه ، طالعته بنظرات عاشقة .. وابتسامتها شيئاً فشئ قد أتسعت .. وهي تتذكر احد احلامها معه .

...................................................................

جلس "حسن" يشرد في ذكريات قد مضي عليها عمراً طويلاً ، لتسقط دمعة حاره علي أحد خديه ، بعدما أطبق فوق جفنيه بقوة ،

عادت به لذكريات لسنوات طويله ، يتذكر تلك الفتاه ذات الملامح الغجريه التي تعرف عليها بالصدفه عندما كان ينهي بعض أعماله في مدينة الأقصر .. ، كانت تقف تتأمل المعابد بأنبهار شديد .. حتي إنه عندما حل الظلام وبدء الزوار في الرحيل كان شغفها يزداد وكأنها لاول مره تأتي لهنا .. فقد كانت تشبه في ملامحها إحدي ملكات الفراعنه ليتذكر أول أسم أطلقه عليها " نفيرتيتي"

أخذته الذكريات لتفاصيل ظن إنه قد تمكن من نسيانها ، ولكن الزمن لم يُنسيه شئ ، فهو هاهو مازال يتذكر عيناها بلمعانهم

، ورغم إنه كان رجلا متزوج من ابنة عمه التي هجرها اخيه "صابر" واضطر هو بالزواج منها لتقاليد العائله ، وقد ترك حبيبته التي عشقها بجنون تنفيذاً لقرار والده الصارم ، ولكن "حور" بشكلهاوعلي شئ فيها .. قد سحرته بها ...،

تزوجها يوماً واحداً ولم يعرف عنها شئ بعد ذلك ، سوي ان اهلها جاءوا لأخذها بالقوه ، بعدما علموا بمكان إقامتها ، كانت تعيش في مصر شهوراً ولم ترحل إلا بعدما تزوجها.



فاق "حسن " من شروده علي صوت ولده الحبيب والغالي ، وقد انحني بجسده كي يقبل كفيه وجبينه بحب

- مبتسمعش كلام الدكتور ليه ، يا حاج .. ولا عايز كل شويه تشوف غلاوتك عندنا

حدقه حسن بحنان ، وهو يربت فوق كفه

- عارف ، ومتأكد إني غالي عندكم يا والدي

جاوره "جاسر" فوق فراشه ، يُخبره عن أوضاع العمل والعائله ..، وهو جلس يستمع إليه بفخر واطمئنان علي أحوال العائله من بعده

- بقولك إيه يا ولدي، خد مراتك وروح زور عمك ، عمتك منيرة كلمتني من عنده ، وصوته مكنش عجبني ياولدي ، ديه بنتهم وم حقهم يطمنوا عليها وتطمن عليهم

..................................................................

طالعها بنظرات خبيثه ، لم تفهمها .. بسبب إنبهارها من ثراءه الذي أصبح يُدهشها :

- كنتِ بتحبي جاسر

ابتلعت الطعام بصعوبه ، وهي تستمع لسؤاله ، ولم تكن تتوقعه منه ..، شعر بتخبطها وتوتر ملامحها ، ونظراتها إليه وقد فهم ما يدور بخلدها ، فاسرع يُبرر لها سبب سؤاله ، وهو يرتشف من مشروبه البارد ، ينظر إليها مترقبً ردة فعلها

- أظن من ساعة ماعرفنا بعض وأنتِ بتحكيلي كل حاجه عن العيله يانيره ، وكلامك الكتير عن جاسر ملهوش غير معني واحد أي راجل ممكن يفسره كده

ارتشفت بضعة قطرات من الماء ، بعدما أردف عبارته
- شايف في عيونك ، حب كبير لراجل ميستحقش حبك

زفرت أنفاسها ، وهي لا تستوعب كيف أصبحت مكشوفة بمشاعرها أمامه ، تراجعت للخلف ، تستند فوق مقعدها مسترخيه

- عمتي منيره مرضتش تجوزني جاسر عشان عايزه نسل المنشاوي يكون من صلبهم .. ، وجنه بنت أخوها هي الاحق مني

غامت عيناها بالدمع ، كانت صادقه في كل ما تخبره به .. ولكنه لم يكن يراها إلا في صورة واحده ، إنها ماكرة

- بعد ما بابا مات ، جاسر بقي مسئول عن كل حاجة تخصنا ، كبرت وانا شيفاه سندي ..، اتعلقتي بي أوي ، تعلق مرضي زي ما هدي أختي ديما تقولي ، لكن مش عارفه ليه من ساعه ما قربنا من بعض بقيت أكتشف أني مشاعري ناحية جاسر حاجه مختلفه فعلا

حدقها "راجي" بنظرات طويله ، هل بالفعل هي بارعة لهذه الدرجه حتي تجعله للحظه يُصدقها ، أم إنها بالفعل صادقة

راجي : تتجوزيني يانيره !

ألجمها ما نطقه ، وقد أتسعت حدقتيها ذهولاً من عرضه ، فالتمعت عيناها بالسعاده ولا تستوعب ما نطقه ، إلا عندما عرض عليها الأمر مجدداً .. وقد مال بجسده فوق الطاوله قليلاً ، والتقط كفيها

- موافقه ، تديني فرصه أرمم جواكي كل اللي فات

اماءت برأسها ، وهي تنظر إليه غير مصدقه … إنها استطاعت جذب أنظار رجلاً مثله ..، تسعي خلفه الكثيرات

والصدمه الأخري التي أضاعت فرحتها ، حديثه الذي أخبرها به بجديه

- جوازنا هيكون علي سنه الله ورسوله ، لكن في السر يا نيرة !

................................................................

ظلت صفا تنتظر خروجه من غرفته مثل كل صباح ، ولكنه قد تأخر عن موعد عمله اليوم ، وقفت أمام غرفته .. تتذكر وجهه الشاحب وارهاقه الظاهر فوق ملامحه ليلة امس، فاخذ القلق يدب بقلبها ..، فدلفت الغرفة دون أن إنتظار مقتربه منه بلهفة بعدما رأته يتصبب عرقاً ، ويهمس بكلمات غير مفهومه ، حاولت أن تُيقظه أو تعدله من رقدته ولكن كان وكأنه جسد بلا روح

ركضت مسرعه لأسفل ، تبحث عن بعض المثلجات من اجل اخفاض حرارته ، وأدوية تُساعدها ..، ولكن كل ما فعلته لم يجدي نفعاً معها ..، ولم تجد إلا السائق الذي كان ينتظرها من اجل إصالها لمحاضرة اليوم ، فحرارته لا تنخفض وهو بحاجه لطبيب أو الذهاب للمشفي.

............................................................

كان يطالعها وهي تطعمه ، حتي أزاح الطعام جانباً ليتأمل معالم وجهها الشاحبه يتمتم بحب متسائلا

- خوفتي عليا ياصفا ، وعملتي كل ده عشاني

تذكرت لحظات قلقها عليه، وهي تري الطبيب يفحصه ، حركت رأسها إليه وهي تحمد الله بصوت مسموع إنه أصبح بخير الأن

شعرت بكفيه ، تُحيط وجهها يهمس إليه بأخر شئ أنتظرته اليوم

- بـــحــبــك يا صفا

أرتعشت شفتيها من أثر لمساته المصحوبه بكلمة حبه ، وكاد ان يقترب منها ويلتهم شفتيها بقبلة عميقه

ولكن رنين هاتفها قد قطع اللحظه ، لتبتعد عنه تاركة له وسط مشاعره الهائجه العطشه

أخرجت هاتفها من جيب بنطالها القنطي القصير فحدق بها متسائلاً ، بعدما ضاقت عيناه مترقبً جوابها :

- مين اللي بيتصل بيكِ ياصفا ؟

حدقته بتوتر ، فلم يمهلها فرصة للرد بعدما علم الجواب منها ومن نظرتها نحوه ..، التقط منها الهاتف ..، ينظر نحو الاسم المدون ، يهتف بمقت وملامح جامده

- بيتصل بيكِ ليه ؟

- ده هيبقي المشرفة علي الرساله بتاعتي

احتدت عيناه ، وهو يسمع صوتها أخيراً ، يقذف بهاتفها بقوه بعدما رأي الرساله التي بعثها إليه ، فهو يريد الأطمئنان عليها بعد تغيبها

- وأه التليفون الزفت ، عشان يعرف يتصل تاني

حدقت بفعلته مصدومه ، هاتفها أصبح محطم في الارض ..دون سبب يستحق غضبه

- التليفون

طالع صدمتها حانقاً ، يجذبها من منامتها بعدما أسرعت في التقاط قطع هاتفها وتركيبها

- كل اللي همك التليفون يا هانم

وقبل أن تنطق بشئ ، كان يخرسها بجنونه الوحشي ، جنونه الذي أعاد شوقها ولهفتها المثيله للهفته .

...................................................................

هبطت الدرج بخطوات سريعه وسعيدة ، بعدما اخبرها هذا الصباح ..، إنهم ذاهبون اليوم للملجأ لزيارة الأطفال ، عانقته لحظتها بحب وهي لا تُصدق إنه بات يبحث عن الاشياء التي تُفرح قلبها وتُسعدها

اقتربت من غرفة مكتبه ، تجهل رفقته لأحد ..وكادت أن تدلف الغرفة ولكن جمدها حديث الرجل الذي وقف أمامه يعيد عليه ما أخبره به ، وقد وقف يُطالعه بملامح متلهفة

- فريده ..حامل في أبنك .. ابنك كلها أسبوعين ويشرف الدنيا ..، حفيدي ، ابنك وابن فريده يا عامر
هل غادرت السعادة التي كانت تعلم تماماً إنها ستُفارقها ، أم إنها كانت تعيش في حلماً جميلاً ..، تشبثت به حتي لفظها الحلم واعادها إلي واقعها وخيباتها ،



تعلقت عيناها بعينين ذلك الرجل وهو يُغادر الغرفة ، بعدما ألقي بكل شئ يُريد الحديث عنه ..، وعامر مازال واقف في صدمته لا يعلم أيحزن أن القدر ربط بينه وبين تلك المرأه بطفلاً من مجرد ليله واحده ، أم يسعد لأنه أخيراً سيرزق بطفلاً من صلبه ..



تناسي كل شئ من حوله وجلس فوق مقعده ينظر نحو الصورة التي تحتوي علي جنينه في رحم والدته ..، علقت عيناه بالصوره لا يستوعب المشاعر التي تحركت داخله للتو ، رغم حقده علي هذه العائله وهذه المرأه التي طعنته في ظهره ، بعدما أراد بدء حياة معها ومنحها فرصة في حياته ..، و رغم ان عقله كان يأبي هذه الفرصه ..فكيف يختار المرأة التي رشحها لشقيقه بل أخذت تركض خلفه.



أقتربت منه بملامح باهته ، وقد أخذتها قدماها نحوه ..فوقفت ثابتة مكانها في منتصف الغرفة لا تعرف أتقترب منه أم تبتعد وتنئ بنفسها بعيداً عنه قبل أن تخونها دموعها وتنساب فوق خديها



رفع عيناه نحوها ، وكأنه أخيراً أنتبه لها ..، ولكن نظراته إليها في حديثً صامت ..، جعلها تعلم بحقيقة ما سمعت وحقيقة صحوتها من حلمها الجميل



غادرت الغرفة بخطوات سريعه ، فلم يُعد لديها قدرة علي عدم رثاء نفسها والبكاء علي حظها ..



………..







تجهمت ملامحه ، واحتدت عيناه من شدة الغضب ، وهو يستمع لطلب ذلك المُحاضر ، الذي وقف بكل تبجح يطلب منه إعطاءه فرصة للأقتراب من زوجته ، ويقص عليه انفصاله القريب عن زوجته بعد فشل حياتهم معاً



- وطبعاً صفا ، لقيت فيها الست اللي بتتمناه ..مش كده يا دكتور باسل



شعر "باسل" بالتوتر من حديثه ، وسرعان ما كان يومئ برأسه مؤكداً



- عندك كل الحق تقلق من مشاعري ، أتجاه أختك .. لكن لو أنا كان نيتي شئ مش كويس لسمح الله ، مكنتش أتكلمت معاك بوضوح



- طبعا ، طبعا



هتف بها "احمد" وقد اظلمت عيناه



- لكن مش شايف ، أنك واخد القرار بسرعه ..، وانت لسا مخرجتش من علاقتك مع مراتك



طالعه الواقف ، وهو لا يفهم سبب غضبه الظاهر فوق ملامحه وهو يُحادثه



- أنا في عمر أقدر أحدد فيه كويس ، أنا محتاج إيه في حياتي ..، يمكن أختياري لزوجتي أخطأت في ، لكن صفا حقيقي مشاعري مختلفه .. كل اللي محتاجه منك تدينا فرصه نقرب من بعض



وبأبتسامة واسعه أردف وهو يشعر ببعض التوتر







- أنا صرحت أنسه صفا بمشاعري قبل ما أجيلك هنا الشركه ، وطلبت مني اني اصارحك بمشاعري ناحيتها ، لأن متقدرش تعمل حاجه من غير أذنك ..، وحقيقي أن أحترمت فيها ده ، رغم إن بعدي عن العادات والتقاليد ..إلا اني بعتبر الصراحه في كل حاجه هي الأفضل



قبض فوق كفيه بقوه بعد عبارة الجالس أمامه ، لا يُصدق إنه وصل بها الأمر ..لتبعث له الرجل لهنا ..حتي تغضبه لهذه الدرجه القاتله ، لم يتحمل سماع المزيد ودون شعوراً منه .. اقترب منه يلتقطه من ثيابه يلكمه بقوة لعله يستطيع أطفاء نيران غضبه ، يُخبره صراحه



- اللي قاعد تكلمني عن جمالها وصفاتها الحميده ، ديه تبقي مراتي يا دكتور



والصدمه كانت من نصيب "باسل" الذي أنبطح أرضاً ، واخذ يمسح الدماء عن أنفه لا يستوعب الخطأ الفادح الذي وقع به



- لكن هي قالتلي أنكم أخوات ؟



………………….



زفرت أنفاسها بقلق وهي تجلس فوق فراشها ، و تقضم اظافرها بتوتر .. وقد ظهرت فوق ملامحها ابتسامة واسعه .. أخذت تتسع شيئاً فشئ .. حتي تلاشت تماماً وهي تستمع لصوته الصارخ



- صفا



أندفع نحو الغرفه ، وقد أظلمت عيناه كلما تذكر وقوف هذا الرجل أمامه .. يُخبره عن مشاعره نحو زوجته ، وبل وأعطته الموافقه ليذهب إليه حتي يعرض عليه الامر



- بلتعبي علي مين فين يا صفا



أنتابها الذعر ، وهي تلتصق بظهر الفراش ، تنظر حولها لعلها تجد طريقاً للفرار ، بللت جفاف شفتيها بطرف لسانها تسأله بنظرات زائغة



- أنا مش فاهمه حاجة



تعالت شهقتها ، وقد سحبها من مكانها ، ينظر إليها بوعيد



- بقيتي تعرفي تكدبي ، وتلعبي لعبه مش قدها



- أنا مبلعش بيك ، ولا بكدب علي حد



- كدابه



دمعت عيناها وهي تشعر بقسوة قبضتيه فوق ذراعيها ، فحاولت التخلص من أسره



- أيوه بلعب بيك ، وعايزه أوجعك يا احمد ..خلاص أرتحت



تجمدت ملامحه ، لا يُصدق إن الامور وصلت بينهم لتلك النقطه



- ليه ؟ .. ده أنا صرحتك بحبي ، طلبت منك فرصه تانيه نبدء بيها من جديد .. ضعفك وأستسلامك ليا في مشاعرنا ، شوقي ليكي كل ده مبقاش فارق معاكي في حاجه



- خايفه منك ، خايفه لتصحي في يوم تقولي .. إنك فوقت خلاص و إنك محبتش غيرها



- و حبيتك أنتِ كمان ، يمكن حبيتك أكتر منها



صرخ بها بعدما دفعها عنه بكل قوته



- مبتحسيش بحبي ليكِ ، لدرجادي خوفك من فشل علاقتنا عماكي يا صفا



تعالت شهقاتها ، وهي تُحرك له رأسها نافيه .. فعن أي إحساس ستشعر به .. وهي كلما كانت تقترب كان يُبعدها عنه



- صوركم اللي لسا في درج مكتبك



التف إليها ببطئ .. ينظر نحو ملامحها التي أغرقتها الدموع ، وقد فهم السبب وراء مشاعرها المؤخرة وتباعدها عنه



- أظاهر إن إحنا اتبادلنا الأدوار يا صفا



عادت يقترب منها ، وقد علقت عيناه بها .. فلو الحديث اليوم سيُخرج كل ما يعتلي صدورهم ، فليصرخوا بكل شئ .. لعلا البدايه تُضع أو النهايه وتنغلق صفحه الماضي



- أي إنسان فينا ليه ذكريات بيحب يحتفظ بيها ، و مها عمري ما هنساها لانها كانت فيوم في حياتي ..، هبقي كداب لو قولتلك نسيتها



- عمرك ما هتحبني ، طول ما أنت بتحبها



- مها ماتت يا صفا ، الحقيقه اللي بتنسيها كل ما لقيتي نفسك مش الوحيده في حياتي



- كفايه



ارتسم الألم فوق ملامحها ، وانهارت فوق الفراش الذي كانت تقف فوقه منذ لحظات ..، ليقترب منها وينتشلها من بؤسها



- مشكلتك عايزه تبقي الأولي في كل حاجه يا صفا



رفعت عيناها إليه ، تري في كلماته تفسيراً لأنانيتها



- لان ببساطه كنت أنا الأول في كل في حياتك ..، فتمنيتي تلاقي نفس الشئ



تعلقت عيناها به، وهي تسمعه .. ربما كانت هذه الحقيقه أو ربما ما مرت به معه ..جعلها تخشي من مشاعره



رفعها من فوق الفراش ..،يضمها لصدره ..يهمس إليها بحب , يعلم إنها تحتاجه



- كفاية عذاب يا صفا ، بقينا ندور من فينا هيبعد عن التاني الأول



أرادت أن تتحدث ، أرادت تخبره .. إنها لا تُريد الأبتعاد عنه .. ولكن كل شئ حشر في حلقها …



رفع كفيه نحو وجهها يُعنقها هذه المرة بعينيه



- أديني فرصه إني أحبك يا صفا



..................................................................



طالعته بنظرات صامته ، وهي تنتظر منه حديثً يُطمئنها ، ولكنه فضل الصمت مثلها الأيام الماضيه ..، أقترب منها بعدما تخذ قراره



- أنا مسافر النهاردة بليل ..الأمارات يا حياه



أخبرها بهدوء ، بعدما جلس جوارها وانتظر سماع أي حديثً منها .. ولكنها ظلت علي صمتها تُحرك له رأسها



- ممكن أطول شوية في رحلتي



علقت عيناها به وأخيراً خرج صوتها



- هتفضل أد إيه هناك



أشاح عيناه عنها وأخذ يُدلك عنقه بأرهاق وهو يُجيبها



- مش عارف لسا يا حياه ، بس أكيد بعد ما فريده تولد ونسوي أمورنا سوا .. لاني مش هسيب أبني يتربي بعيد عني



أبتلعت غصتها وهي تستمع لعبارته، التي تؤكد لها .. إنها لم تعد بحياته وعليها الرحيل من منزله حتي لا تكون عائق في حياته في عوده طليقته وطفله..



نهض من جوارها مُتجهاً خارج الغرفة ، بعدما أخبرها بما أراده



- عامر



هتفت اسمه واقتربت منه تُخبره برغبتها للذهاب لمنزل شقيقها ..، ما دام هو سيُسافر وسيتركها لفترة لا تعرف مدتها



- ممكن أروح أقعد عند رجب الفتره ديه



والجواب الذي لم تُريده ، قد أعطاه لها ببساطه .. ، و بحركة واحده من رأسه .. جعلتها تتأكد تماماً أن النهايه قد وضعت .. ، فقد حررها السيد من عالمها .. حررها بعدما لم يجد لوجودها معني بحياته ..



غادر الغرفه .. فوضعت بيدها فوق شفتيها تكتم صوت نحيبها ..، تخبر حالها بأنفاس متقطعه



- أنتهت القصه الجميله يا حياه ، وانتهيتي أنتِ معاها



...................................................................



طالعها بنظرات محتقرة ، بعدما أنتهت عاصفتهم ونالها لمرات ..، حدق بملامحها المسترخيه ، وقد ارتسمت فوق شفتيه أبتسامه ماكرة ..، فقد حقق ما أراده مع تلك التي يُحركها طمعها نحو الرجال الأكثر ثراءً ، مال نحوها وقد عاد العبث يطفو فوق ملامحه ، فشعرت بانامله تتحرك فوق خدها ثم عنقها ..، ففتحت عيناها إليه



ابتسم بخبث وهو يراها تنظر إليه بإنتشاء ، وكأن ملامسته لها تعيد لها ما حدث بينهم ليلة أمس ، همست أسمه بعدما شعرت بقبلاته فوق كتفها



- راجي



وراجي كان مستمراً في نيل المزيد منها ..، منحته نفسها مجدداً بنفساً راضيه ..حتي أبتعد عنها ينظر إليه بنظرة قوية ، تحمل داخل طياتها الحقد



- مبروك يا بنت الحسب والنسب



ارتجف جسدها من سماع نبرته ، وقبل أن تسأله عن السبب الذي غيره فجأه .. كان يلتقط الغطاء من فوق جسدها



- مش معقول لحد دلوقتي معرفتش أتكيف منك ، ده حتي الفلوس اللي دفعتها فيكي مش قليله ..



والتقط العقد الماسي الذي يلتف حول عنقها ، وكأنه يُخبرها أنه قد خسر أمواله وهداياه بحق



ارتعشت شفتاها من هول الصدمه ، وما تسمعه منه .. فهذا الرجل الذي أمامه ليس من تزوجته أمس ومنحته جسدها مرحبة .. تتمني أن يغزوها لمرات



- أنت بتقول إيه ؟



- بقول أني زهقت منك .. من مجرد ليلة يا حلوة



.................................................................



مشاعر غريبه أصبحت تتضارب داخلها ولكن مشاعر الفرح والسعاده بما وصلت به حياتها معه ، جعلتها تنسي أي شئ قد مر عليها معه



رمقت "صافيه" أبنتها الشارده .. ورغم شرودها كانت السعاده ترتسم فوق ملامحها ، ثم علقت عيناها بحبات الأرز الذي لم تنتهي من تنقيته ، فهتفت ضاحكه وهي تلتقط منها الطبق



- أنا لو قعدت علي سرحانك ده يابنت بطني مش هخلص الاكل لأبوكِ ولا لجوزك



أنتفضت "جنه" من شرودها ، ترفع عيناها نحو والدتها ..التي رمقتها بنظرات عابثه :



- قومي شوفي جوزك وابوكي لو عايزين حاجه يشربوها ، لحد اما اخلص الاكل



ظلت مكانها دون حركه ، فعاد صوت والدتها يتعالا حتي تفيق من حاله شرودها



- روحي شوفي جوزك يا جنه ، ليكون محتاج حاجه



حاولت نفض رأسها من أفكارها ، واسرعت في النهوض .. لتخرج من المنزل نحو المكان الذي يجلس به والدها وزوجها الحبيب الذي بات يحتل كامل تفكيرها



تباطأت في خطواتها نحوهم ، فعلقت عيناه بها بشوق .. جعلها تطرق رأسها أرضاً تتذكر ليلة أمس ، غمز لها بعينيه يُذكرها بما حدث .. وكم كان يتوق للعوده لمنزله اليوم حتي يفعل كل ما يُريد في أي وقت ومكان دون حسابً لأحد



خرجت شهقة خافته منها ، وهي تتعثر في خطواتها لتسقط أرضاً .. ، فاسرع في النهوض نحوها ، دون أن يستطيع تمالك حاله .. فانفجر ضاحكاً كحال عمه



طالعته حانقه من صوت ضحكاتهم ، فاقترب منها والدها مبتسماً علي تذمرها ودفعها لكف "جاسر" الممدوده لها حتي يُساعدها



- قومي يابنتِ ، مبيقعش غير الشاطر



تحرك والدها نحو الدار ، ليتركهم معاً .. فعادت لدفعه عنها تنظر إليه بأمتعاض



- أبعد عني



- أنتِ ليه قماصه كده ، ما أبوكِ كمان ضحك



- جاسر



ارتفع صوتها بتحذير ، فرمقها بنظرات قويه .. جعلته تتراجع للخلف تسبل أهدابها بوداعه



- أنتِ اللي بتعصبني ، وبتخليني أعلي صوتي



أقترب منها ، بعدما تعالت ضحكاته علي وداعتها التي تتسلح بها .. عندما تري نظرات التحذير من عينيه



- يعني أنا السبب ؟



أسرعت في تحريك رأسها .. وهي تتحاشا النظر إليه ..، فعلقت عيناه بهيئتها في ذلك الجلباب البيتي البسيط



- أنا بقول كفايه كده ياجنه ويلا نروح



- أرجع أنت ، وانا كام يوم …



وقبل أن يسمح لها لأتمام عبارتها ، اجتذبها نحوه ..يُخبرها برفض قاطع حتي لا تتجادل معه



- هنمشي النهارده بليل



والتذمر وحده ما كان يراه فوق ملامحها ..، ولم يزده الأمر إلا متعة



..................................................................



وقفت مذهوله تطالع الحفل الذي حلمت به دوماً، إنه حفل عرسها .. ، حفل الزواج الذي ظنت إنه ضاع مع باقية أحلامها ..



رفعت عيناها الدامعة من شده سعادتها نحوه ، فلم تري في ملامحه هو الأخر إلا السعاده وابتسامه واسعة مرتسمه فوق شفتيه



- أنت عملت كل ده عشاني



التقط ذراعها حتي تتأبطه ، يمنحها الجواب وهو يسير بها وسط الجموع الحاضرة للحفل ، كان يشعر بتوترها ورجفتها .. ولكنه استمر بالسير وهو يهمس لها



- صفا ، استرخي وأفرحي



وقف أخيراً وسط الحضور ، الذين كانوا من الأصدقاء واعضاء المؤسسة التي يعمل بها كشريك ، وقد نال احترام وتقدير الجميع في مهلة قصيرة ..، الكل كان منبهراً من دعوة الزفاف



- النهارده أنا حابب أقول ، إني اسعد راجل في الدنيا



تعالا تصفيق الحضور ، وهم يستمعون لعبارته لزوجته وتلك النظرة العاشقه التي يُخصها بها



أخذت نغمات الموسيقي تتعالا بالمكان ، فبدئوا بأفتتاح الرقصه ينظر نحو عيناها التي مازالت الدموع عالقه بها



- بحبك



أنسابت دموعها ، واندست بين احضانه .. يضحك علي بكائها في أشد لحظاتهم سعاده



- أقولك بحبك ، تعيطي يا مجنونه



عاشت كل ما أرادت عيشه .. ، رقصت وضحكت .. ومع كل صورة كانت تُلتقط لهم .. كان الحب وحده ما ينبض في عينيهم



وها هو العرس ينتهي ، ويرحل المدعوين ..



……………….



ابتسامة حنونه ظهرت فوق محياه وهو يري زوجته المجنونه واخته التي لا تقل جنونا عنها يتمازحون بصغير أخيه فاخر ، نظر في ساعة يده بضجر ..، فوجد ان وقت قدوم ذلك الرجل الذي قد سأم الحديث عنه من والده واخيه فاخر قد حان.



تعالت الأصوات ..، فحدق بهما حانقا .. فكثيراً ما يُخبرها ألا تضحك هكذا ، ولا تضحك من الأساس أمام أحداً ،ترك الشرفه وأتجه نحوهم بملامح قاتمة متوعده :



- روحي العبي انتي واروي ياحببتي في البيت التاني ، عشان قسما بالله لو سمعت نفسك والضيوف هنا لحسابك هيبقي شديد معايا ومافيش رحلة الملاهي اللي انت واروي المجنونه زيك عايزينها ، ده أنا بقيت عايش مع أتنين مجانين ..



وقفت كلتاهما ، يُطالعنه بملامح مصدومه بسبب غضبه ..



- كلامي يتسمع ، وبلاش البحلقة ديه و إلا..



وقبل أن يُتمم عبارته ، كانوا يتحركون من امامه .. متذكرين عقوبتهم التي ستتم إذا خالفوا أمره ..، وسيحرمهم من رحلتهم كما أخبرهم



حدقها وهي تركض وتحتضن أبن شقيقه ، ورغماً عنه كان يضحك وهو يلطم كفوفه ببعضهم



- أنا فعلا متجوز طفله



..................................................



وضعت حقيبة ثيابها التي أتت بها ، وجلست جوار الفراش تمسح فوقه , هذا الفراش الذي شهد مشاعر هم العاصفة وعطشه للمزيد منها ..، سقطت دموعها التي لم تجف .. فقد انتهت الحكايه وحان الوقت لرحيلها



أستجمعت قواها وهي تُلقي بنظره أخيرة في أرجاء الغرفه ، وقد تركت له كل ما جلبه لها من هدايا وثياب



حملت حقيبتها ، فاسرعت الخادمه لتأخذها منها حزينه علي رحيلها ، ولكن جميعهم صمتوا ، بعدما منحتها السيده الكبيره الاذن



اتجهت نحو غرفة "ناهد" التي فتحت لها ذراعيها فور دلوفها



- هسيبك تمشي يا حياه ، عشان متأكده إنك هترجعي تاني



عادت دموعها تنساب فوق خديها ، وهي تعلم أستحاله عودتها .. فهي لن تحتمل عودته لطليقته ..لن تتحمل أن تكون فرداً زاداً علي احد



ضمتها "ناهد " نحوها بقوة ..، وكأنها لا تُريد تركها



- أمشي يا بنتي ، امشي لحد ما هو يعرف قيمتك ..، لازم نخسر عشان نعرف قيمه وجود الناس اللي بنحبهم



……………………………………..



سقطت دموعها بقهر وهي تستمع لكلماته المهينة عبر الهاتف ، أنهت المكالمه بعدما فقدت قدرتها علي تحمل حديثه ،



علقت عيناها بالهاتف الذي اضاء برساله منه ، لتنظر نحو محتواها والرساله لم تكن إلا رغبته في رؤيتها ليله .. فدورها لم ينتهي بحياته وعليه أن يمتع حاله بها إلي أن يضجر منها ويشبع رغبته



عادت هاتفها يُضئ بساله أخري ، وكأنه يُريد عدم إعطاءها فرصه .. لتُفكر قليلاً في عدم الرضوخ لأمره



- أنا معزوم في بيت حسن المنشاوي النهارده ، لو حابه أحكيلهم عن جوازنا السري معنديش مشكله



اسرعت في الضغط علي رقمه ، بعدما رأت رسالتها وفهمت باطنها .. ، صدحت ضحكاته وهو يسمع صوت أنفاسها الهائجه



- هجيلك الليله ، أوعي تقولهم حاجه .. أرجوك



..................................................................



كانت هائمه في كل كلماته التي يبثها اليها من حب ، طالعته بهيام وهي تتحسس خديه بأناملها



- يعني أنت حبتني بقلبك ولا بعقلك يا أحمد



ابتسم علي مراوغتها معه في الحديث ، حتي تصل إلي هدفها وما تُريد سماعه منه



- الحب بالقلب بس ماينفعش ياصفا ، لازم الحب يكون أشتراك بين القلب والعقل .. القلب ممكن يمل ويزهق في يوم بس لو العقل والقلب متقاسمين في الحب ده.. الحب بيكون أقوي



أرادت أن تغوص مع في حديثه ، فاسرع بوضع يده فوق شفتيها



- كفايه كلام بقي



وقبل أن تسأله ، لما يُريد إنهاء حديثهم .. كان يخرسها بقبلاته يهمس إليها بكلمات عاشقه



.................................................................



أخذت عقود صفقتهم الجديده تثير به الشكوك بسبب عائد هذه الصفقه التي أراد أن يشاركهم راجي فيها ..، نظر للأوراق التي أمامه بتدقيق تحت نظرات شقيقه فاخر الذي يصر علي إتمام هذه الصفقه ، ونظرات والده الذي صمم ان يحضر هذا الاجتماع رغم تعبه



زفر أنفاسه ببطئ ، وقد علقت عيناه بنظرات راجي الذي كان يحدق به وينتظر قراره ، إنه يشعر بأن وراء هذا الرجل شيئاً خفياً ، ولكنه لا يجد شيئاً يؤكد له شكوكه



- محتاج أقرا العقود وأدرسها مره تانيه يابشمهندس .. ، موافقتي هتتأجل للأجتماع التاني



أنهي الأجتماع بكلمه واحده ، وقبل أن يعترض فاخر علي الأمر .. كان يحمل أوراق الصفقة تتبعه سكرتيرته مغادراً المكان حتي لا يسمع جدلاً.



...................................................................



كانت شارده تستمع إلى التفاصيل التي تقصها عليها شقيقتها ، ولكن عندما بدأت سيرته تغزو أذنيها .. علقت عيناها بشقيقتها تسألها بنبرة مرتجفه



- جاسر بقي يحب مراته ، مش هو ده اللي عايزه توصلي ليا يا هدي



رمقتها "هدي" بنظرات فاحصه وهي تشعر بأن هناك شيئاً قوياً .. تعيشه شقيقتها وتخفيه عنها



- مالك يانيره ، فيكي حاجه وأنا حاسه بكده .. وشك بقي باهت .. وروحك وكأنها أنطفت ، ده حتي أم السعد بتقولي أنك ديما قاعده في أوضتك .. حتي مبقتيش تخرجي كتير زي الاول



أشاحت عيناها عن شقيقتها والتقطت حقيبتها حتي تنهض راحله ، قبل أن تخونها دموعها



- أنا كويسه يا هدي ، متقلقيش عليا



..................................................................



لم يكن حديثها عن رحلتها سوي حديث طفله تحكي لوالدها عن تفاصيل نُزهتها المدرسيه



فترك الملفات التي كان يُطالعها ، بعدما علقت عيناه بها .. فرأه تنظر إليه بتلك النظره التي تفقده حصونه



نهض عن مقعده واقترب منها يلتقطها من فوق مقعدها ، فتعالت ضحكاتها وهي تفهم سبب قربه ، ففرت هارله قبل أن يتمكن من جذبها



- بقالي ساعه قاعده معاك وبحكيلك ، وانت مش مديني أي أهتمام ..



- يعني عايزه تعاقبيني



وقبل أن تهتف بالجواب ، كان يتمكن من ألتقاطها ..، يرمقها بخبث



- الليل قدامنا طويل ، وهسيبك تحكيلي بالتفاصيل الممل وتكرري زي ما أنتي عايزه عن رحله الاطفال يا حببتي



امتقعت ملامحها ، من تهكمه عليها .. وقبل أن تدفعه عنها وتستكمل فرارها .. كان يجذبها إليه



- هو في فار بيهرب من المصيده



.................................................................



هتفت صفا بسعاده وهي تشاهد ولاية" ريو دي جانيرو" البرازيليه ، بعدما وصلت بهم السياره الي احد فنادق الولايه ليضمها اليه متسائلاً وهو يري السعاده في عينيها :



- عجبتك المفاجأه



- جميله أوي أوي



عاد لضمها إليه ، وهو يستمع لعبارتها يهمس لها ضاحكاً



- مافيش حاجة جميلة غيرك يا صفا



أنهوا أجراءات الحجز ، واتجهوا خلف العامل الذي يحمل حقائبهم ..فاخذت تحدق بكل شئ حولها ، كان يشعر بالسعاده وهو يري سعادتها



القت بحذائها ، فور أن دلفت للغرفه التي حجزها مسبقاً ..، فضحك علي هيئتها وهو ينظر نحو الحذاء



- عشوائية في كل حاجه في حياتك يا حببتي



وقبل أن تمتقع ملامحها ، من حديثه الذي يثير جنونها ومشاغبتها .. كان يُخذبها إليه .. يُخرسها بأكثر الأشياء أصبحت حباً إليه



..............................................................



اغلق راجي هاتفه وهو يبتسم بداخله ، فترويضها أصبح متعة مُسليه بالنسبه له .. فتنهد بأسف خبيث على حظها الذي أوقعها بين يديه فهو ليس من عادته التلاعب بالنساء



ولكن نيره قد جعلته يرغب في كبح غرورها وحبها للمال ، والحقيقه التي لا يُريد أن يُصارح بها نفسه أنها أرادها



أنتبه علي صون "حسن" ، وقد أنهي صلاة الظهر فوق المقعد لعدم قدرته علي الوقوف .. ومدّ له يده حتي يعيده نحو فراشه ..



اجلسه برفق ، ينظر لملامح هذا الرجل الذي من المفترض يكون والده الذي لا يحمل الرحمه وقد تخلي عنه وهو صغير كما أخبره خاله و وصفه له



- حليمه النعيمي اخبارها ايه ياولدي !



تجمدت ملامح "راجي" من سماع أسم والدته من علي لسانه ، فمن أين علم بهويته التي ظن إنه أخفاها ، لم يمنحه راجي جوابً .. بل أسرع في مغادرة غرفته .. يُخبره إنه لديه موعداً هاما



………………………



اخذت "ناريمان" تتأمل تلك الرساله المُرسلة لها علي ايميلها الخاص .. وعادت تقرأ محتواها ثانية من اجل ان تفهم ذلك المخطط الذي تريد دعمها فيه صاحبة تلك الرساله .. أغلقت حاسوبها بضيق فبعد ان نسيت جاسر وتركت امره ، تأتي هذه المرأه تحكي لها عن حبها له وهجره لها من أجل أن يتزوج أبنة عمها صاحبه الأصل والشرف ..



جميعهن هجرهم ، لأنه ليس الرجل الذي يُحب أو يرغب بتقيد الزواج له .. مجرد عقود زواج تتم .. حتي تنتهي مده الشغف التي يشعر بها نحو كل منهن



لقد نالت الشرف ، ورأت زوجته ، فتاة بسيطه للغايه ..، تسألت فور أن علمت هويتها .. كيف أستطاعت أن تروضه وتنال ما حاولوا فيه هم نيله ..، ولكن الأجابه لم تحصل عليها من قبل ، وقد قررت المضي في حياتها



عادت تنظر للرساله المبعثه بفضول مجدداً ، ولا تعرف لماذا شعرت بألحاح شيئاً داخلها .. بأن تتواصل مع هذه المرأة ، التي لم تكن إلا "سهر" الزوجه الأخيره في عقود "جاسر المنشاوي"
طالعها شقيقها بنظرات حزينه علي حالها وهو يراها متقوقعة علي حالها فوق الفراش الصغير في غرفة أولاده ..لقد عادت "حياة" لنفس المكان الذي لفظتها منه زوجته حتي تكون هي السيده الوحيده في المنزل ..، عادت من ضحت بنفسها لأجل أن يخرج هو من ورطته ..، عادت من نسي إنه الشقيق الأكبر والسند وجعلها تتحمل أعباء كل شئ ..عادت الوردة وقد زبلت أوراقها وفقدت رحيقها

أصرف أولاده بأشاره من يده حتي يخرجوا من الغرفه ويكفوا عن الشجار حولها ، لم تشعر شقيقته بهدوء الغرفه ، كما لم تشعر به وهو يجلس فوق الفراش يمسح فوق شعرها بحنو، ويهمس اسمها بنبرة حزينه

- حياه

- أنا كويسه يا رجب متقلقيش

منحته جوابً يُريحه ، ولكنه لم يشعر بالراحه بتاتاً ..، فصوت شقيقته الحزين يؤلمه

- عامر بيه ، اتصل بيا وعايز يكلمك ..، تفتكري لو مكنش عايزك في حياته ..كان هيتصل بيا عشان يطمن عليكي .. كان ما هيصدق يا حياه

- هكون في حياته زوجه تانية ملهاش قيمة ، أنا مكنش ليا قيمة من الأول يا رجب

دمعت عيناها وهي تُخبره بالحقيقه المرة ، تُخبره إنه لم يمنحها الحياه والسعاده إلا عندما أظهرت إليه الولاء والخضوع ..، عاشت معه زوجه مطيعه ترضي بما يُقدمه لها ، ترسم علي محياها الأبتسامه كلما أقترب منها راغبً.. تنفذ الأوامر ، تسمع النصائح حتي تمنح نفسها فرصه لتكون في حياته فرداً يُذكر ..، وها هو سعيها نحوه قد أنتهي ..، حتي انتقامه من طليقته أنتهي ..، وما دام الصفحات القديمه قد غلقت فبالتأكيد صفحتها ستكون في طيّ النسيان ، وستكون مجرد امرأه مرت في حياته

- مش قادر أقولك أتنزلي واقبلي تكوني زوجه تانيه ..

دمعت عيناه وهو ينطقها بقلة حيله ، فهو لا يُريد لأخته أن تعود للفقر ، أن تعود لسلاطه لسان زوجته التي لولا اطفاله ما كان عاش معها هذا العمر متحملاً صفاتها الفظه

- مش هقدر يا رجب ، لو كنت أقدر كنت فضلت في بيته وأستنيته لحد ما أعرف هيكون إيه دروي في حياته

- ليه حظك كده يا حياه

ضمها إليه ، يُتمتم عبارته التي كانت كالطعنة لقلبها، إنها بالفعل بدأت تشعر بسوء حظها في الحياه ، ولكن سرعان ما كنت تنفض رأسها تهتف برضي

- أنا راضيه يا رجب بنصيبي

…………..

علقت عيناها به وهي تحتسي عصيرها ، لا تُصدق إنه هنا معها .. يجلس أمامها ..بل أتي معها لطبيبتها ورأي طفلهما ، كلها أشياء لم تظنها أن تحدث ..، ولكن "عامر" خالف كل توقعاتها فيه ، خرجت تنهيده حارة من بين شفتيها ، تُرثي معها حياتها وحالها وغباءها، فقد اضاعت رجلاً لو كانت نظرت إليه كما تنظر له اليوم ..، لعشقته بكل كيانها ..، لتمنته وحده دون غيره ، ولكن ما مضي لن يعود

- أمتي هتسامحني يا عامر

لفظت عبارتها بندم ، وهي تسترخي فوق مقعدها وتضع بيدها فوق جنينها ، فعلقت عيناه بفعلتها ، ولمعت بتوق لتلك اللحظه القريبة

تجاهل سؤالها ، متسائلا إذا كان هناك شيئاً يؤلمها فيرحلوا من هنا

- لو تعبان ، ممكن نقوم

- لا ، لا .. أنا مبسوطه

أعتدلت في جلوسها ، تنفي تعبها حتي لو كانت تشعر به ..، فهي ظلت لأشهر تتمني لحظه أخري تجمعهما

اشاح عيناه بعيداً عنها ، يُحاول جاهداً رسم الهدوء فوق ملامحه ، ولكن داخله كان يشعر بالقلق ، نحو تلك التي لا تُجيب علي مكالمته ، فهل تُعاقبه علي بعده عنها

- وجودك هنا عشان الطفل وبس ، مش كده يا عامر

تسألت وهي تترقب جوابه ، تمنت لو يُخبرها إنه من أجل كلاهما ..، ولكنه لم يكن يوماً رجلا مراوغاً

- أنتِ عارفه سبب وجودي كويس يا فريده ، فبلاش تصعبيها علي نفسك

أنسابت دموعها ، وهي تري عيناه تعود لقتامتها ، وكأنه ينفي أستحاله عودتهم مجدداً

- لكن أنا مش هسيب أبني يا عامر ، أبني هيعيش معايا هنا ..في دبي

تجمدت ملامحه ، وهو يري نظره التحدي في عينيها ..، وكأنها تُخبره أن أحقيته في طفله بقربهم ثانية ، انتهت جلستهم في ذلك المطعم ..، واتجه بها نحو سيارته حتي يوصلها لمنزلها ، ولم يكن الصمت إلا السبيل الوحيد بينهم ، رمقته من أسفل أهدابها خلسة ، وهي تراه يقود السيارة ويضغط فوق عجلة القياده بقوة ..، حتي أبيضت مفاصل يديه

عاد الحزن يرتسم فوق ملامحها ، فهي تعلم إنه يفعل كل هذا من أجل طفله ، يتحمل قربها من أجله وحده ..، وعامر لن ينسي يوماً ما فعلته به ، ولكنها تُريد أن يمنحها فرصه حتي لو وضعت الطفل بينهم واجبرته .

.......................................

اتسعت ابتسامته شيئاً فشئ إلى ان انفرجت شفتيه في ضحكة صاخبة قد خانته ، أخذ يطالعها بعشق وهو يتأمل ذراعيها المفرودتين في الهواء عاليا وهم يستقلون التلفريك في هذه الولايه .. ، ويتعالا صوت مرحها وهي تهتف بصياح :

- أنا مش مصدقه أني بعمل كل حاجه كان نفسي أعملها

- أقعدي يا مجنونه

التقط ذراعها ، وهو لا يستطيع تمالك حاله من شده الضحك

خانتها قدميها ، فسقطت فوق فخذيه ..تُعانقه ضاحكة

- قولي بحبك بصوت عالي

- بحبك يا صفا

أتسعت أبتسامتها ، وتسارعت دقات قلبها ..، لا تُصدق إنه صرخ بحبها ، عانقته بعينيها بعشق ..، وقد بدء يفهم طبيعة زوجته ، صفا تُريده كل يوم يُخبرها بحبه ..، لا تُريده رجلاً صامتً وهو كان خير مرحباً بالأمر ..، فالنساء هكذا شيئاً واحداً إذا بحثت عنه داخلهما ومنحته لهم .. ستجده معطائين ، محبين ..، راضين ..، يمنحونك كل شئ ويعطونك قلوبهن مرحبين.

انتهت جولتهم ، التي بالفعل نالت من أجسادهم ..، وفور أن دلفوا غرفتهما في الفندق الذي يُقيمون به.. سقطت فوق الفراش مرهقة ..، فابتسم وهو ينتشلها من فوق الفراش

- قومي خدي حمام دافي ، وغيري هدومك يا صفا

واقتراحه لم يكن ممتعاً بالنسبه لها ، فهي تتوق للنوم قليلاً..، همست بنعاس وقد اطبقت جفنيها باسترخاء

- لما أصحي يا حبيبي

وها هي تنفذ ما تُريده ، وليس ما أراده ..، استيقظت من نعاسها وقد وجدت حالها تغفو بطول الفراش وليس بعرضه كما غفت ، حجابها قد أزاله عنها ..، وازال بعضً من ملابسها حتي تستطيع النوم براحه

بحثت عنه في الغرفه وهي تنهض من فوق الفراش ، تفرك عيناها ..لعلا النُعاس يُغادرهما

انتبهت علي صوته وهو يتحدث في الهاتف في الصاله المرفقة لغرفتهما ..، فاتجهت صوبه بعدما علمت بهوية المتصل ولم يُكن إلا عامر الذي اخذ يقص عليه ما يعيشه هذه الفتره ، وطفله من فريده الذي لم يعلم به إلا مؤخراً

ضمت نفسها إليه ، تتمسح بصدره كالقطه الناعسة ..، وقد التقطت أذناها بضعة من الحديث الذي جعلها تبتعد عنه مصدومه

أنتهت المكالمه أخيراً ، فطالعته بتحديق

- هي فريد طلعت حامل من عامر ، وكل ده هو كان ميعرفش

حرك إليها رأسه بهم ، فتحولت ملامحها للعبوس

- طيب وليه تعمل كده ، وتخبي عليه إنها كانت حامل

- عامر مكنش مديها فرصه تصارحه ، وخافت عليه منه

زفر "احمد" أنفاسه وهو يُجذبها إليه ، لعلها يجد بعض الراحه بين ذراعيها

- عامر صعبان عليا أوي يا صفا ، بعد ما لاقي الاستقرار مع حياه ..، رجعت فريده تاني لحياته

حاولت الابتعاد عنه حتي تتمكن من رؤية ملامحه ، ولكنه رفض أبتعادها

- خليكي في حضني ، بحس بالسلام وأنا جواه

اشتدت في ضم نفسها إليه ، تمنحه ما يرغب تتسأل مجدداً

- يعني هيرجع لفريده؟

والجواب لم يكن موجوداً لديه ، ف عامر إلي الأن لا يعرف أي قراراً سيتخذه بعدما عقدت فريده الأمور بينهم ، فأما هي والطفل أو سيبقي الطفل معها ..، ويأتي هو لرؤيته كلما أراد.

...................................................................

منذ اخر لقاء كان بينه وبين حسن المنشاوي ، وأصبح عقله غير قادر علي ربط الامور ببعضها.. صحيحاً "حسن" لم يظهر إليه بأنه يعرف بشئ ..، وما عرفه ليس إلا إنه من دماء هذة العائله وإنه أبن أخو تلك الحبيبة الغاليه "حليمة النعيمي "

فقد طلب رؤيته اليوم مُصراً علي فاخر وجاسر دعوته للغداء معهم وسط العائله ، جاسر الذي بدء يشك فيه ويتعجب معامله والده له

فرك رأسه بعدما شعر بالصداع ، فما الذي توصل إليه "حسن" من معلومات .. هل يظن فقط إنه أبن أخو المرأه التي هجرها ، أم إنه أكتشفي ما خفاه خاله منذ زمن

اخذته عيناه نحو ذراعه ، فاسرع في طيّ اكمام قميصه .. حتي يري الوحمة الغريبة المميزة التي تعلو مرفقه وكان يتعجب من شكلها ، إلي أن رأها اليوم بالمصادفه في ذراع حسن وفي نفس الموضع ، وسؤال واحد كان يسأله لنفسه

- يا تري أنت طيب ، ولا قاسي القلب يا حسن يا منشاوي !

.................................................................

اخدت تُلامس بأناملها الناعمه ملامح وجهه المُتصلبه وهو نائم ، فابتسمت علي تقطيبه وجهه ، فحتي وهو نائم عابس الوجه ..، كادت أن تبتعد عنه وتنهض من جواره بعدما أنتهت لحظات تأملها فيه ، ولكن تراجعت لمكانها تشهق بفزع من أثر قبضته فوق ذراعها وجذبها نحوه يهمس بنعاس وهو يضمها إليه

- يعني بتصحيني ، وتقومي كده من جانبي عادي

علقت عيناها بتفاصيل ملامحه الرجوليه التي تعشقها ، ورفعت كفيها تعبث بما هو ملكً لها

- عارف نفسي في إيه ؟

طالعها بنظره عاشقة ، راغبه .. ينتظر سماع ما يرغبه وقد لمعت عيناه وهو يهمس

- نفسك في إيه ؟

- نفسي أحلقلك شنبك

هتفت عبارتها وهي تنتظر أن تري الاستحسان فوق ملامحه ، ولكنها لم تري إلا العبوس وهو يدفعها من فوقه ..، حتي ينهض

- طلباتك ماسخه ، ومبتعجبنيش ..، مش عارف ليه بسيبك تقولي اللي نفسك فيه ..، رغم إني متوقع حاجة مش هتعجبني

القي عبارته عليها ، دون أن يعطيها مجالاً للرد ..، فاسرعت ورائه تلتقطه من ملابسه

- هو ده صباح الخير

رمقها بنظرة من فوق كتفيه ، وقد تجهمت ملامحه

- والله صباح الخير اللي تفتح النفس مستنيها منك أنتِ

- هو أنا بقيت أسد نفسك أوي كده

هتفت بها متذمره وهي تعقد ساعديها وتلتف بجسدها بعيداً عنه

- يعني تموتي في النكد وكمان قماصة

- أنا قماصه يا جاسر

زمجر بضيق من صغر عقلها ، وأتجه نحو المرحاض ..، يسب ويلعن ..، أنتبهت علي الدراما التي وقفت تعيشها مع نفسها ، ففي النهايه هو تركها وهي وقفت غاضبه لا تُصدق تحوله بهذه السرعه ، ولكنه هكذا دوماً , فما الجديد الذي اصبحت تكتشفه بشخصيته

خرج من المرحاض ، يُجفف رأسه وعنقه ..يتجاهل وجودها ..فاسرعت إليه تتعلق به

- شيخ العرب ، بقي بيتقمص بسرعه زي العيال الصغيره

حدقها بمقت ، وكأن الحديث لم يعجبه

- صباح الخير يا حبيبي

ورغماً عنه ، كان يبتسم وهو يراها تُحاول تقبيله فوق كلا خديه

خرجت شهقة من شفتيها ، وهي تراه يلصقها به يُعلمها نتائج الدلال علي رجلاً مستعداً لنيل فريسته ، وكالعاده التي أصبح بها مؤخراً هو الذهاب لعمله متأخراً عشرة دقائق او ربما اكثر .. بعدما كان اكثر الرجال أنضباطً..، فزوجته جنونها لا يكون إلا في الصباح .

.................................................

جلست منيره بجانب اخيها شاردة بعدما اخبرها بشكوكه

- طيب والمحامي قالك ايه ياحسن

- "حليمه" ماتت بعد ما خلفت علطول ، وبعدين فهد اخوها طلق مراته بعد ما ابنهم اللي مات بسبب اهملها ... وولدي يامنيره اتكتب باسمه .

رمقته منيرة في صدمه ، لا تُصدق أن هذا الرجل ابن اخيها ..، ولكن سرعان ما كانت تبتسم .. فقد كانت تشعر بقربه منهم وكأنه من دمائهم

- لازم جاسر وفاخر يعرفوا بالحقيقه ياحسن ، ده أخوهم

أرتسم الندم فوق ملامحه ، بعدما طبق فوق جفنيه بأرهاق

- مش كفايه إن جاسر لحد دلوقتي منسيش اني كنت بحب ست تانيه على امه ، كمان يعرف اني اتجوزت عليها ... ، جاسر مش هيسامحني يامنيره ولدي وانا عارفه قسوة قلبه زي عمه عبدالحمن قلوبهم مبتنساش

.................................................................

وقفت تتمايل بين ذراعيه ، فقد أخذها جنونها اليوم وهذه اللحظه .. أن ترقص له وتتدلل عليه ، وهو الذي احياناً يكاد يُقابل أصابعها حتي تفعل له شيئاً يُريده ، ولا تنعته إلا بالوقح ..، ذو الأخلاق الفاسده ..، تفقده صوابه أحيانا بحديثها ، وأحيانا تفقده كل توازنه ..، أعترف لنفسه هذه اللحظه .. إنها أستطاعت بالفعل أستواطن قلبه ، فلم يعد يستطيع العيش دونها ، وقد عاد الضعف يحتله واكثر الاشياء التي أقسم عليها يوماً ..إنه لن يجعل أمرأه نقطة ضعفه

حاول أن يتخلص من سحرها قليلاً عليه ، ويقبض فوق كتفيها حتي يوقفها من جنونها

- جنه أنا مش فاضي لدلعك ده دلوقتي

عبست ملامحها ، ومطت شفتيها متذمره ، واستمرت في تراقصها وهي تُعانقه

- أنا كده زعلت منك

- مش شايف إنك زعلتي يعني

توقفت عن تحركها ، ودفنت رأسها بصدره

- لا أنا زعلت وصالحني بقي

ضمها إليه ، وقد ضرب بكل قرارته ..، فلم يعد يستطيع إحزانها

- عمك و عمتك عايزاني في موضوع مهم ، هقولهم إيه طيب يا مجنونه .. أقولهم بنت أخوكم العاقلة .. كانت ..

وقبل أن يُكمل عبارته ، كانت ترفع كفها نحو شفتيه تُخرسه

- جاسر ، انا مبقتش أشوفك خالص ..، وهترجع متأخر أنا عارفه ..

ضاقت عيناه وهو ينظر إليها متسائلاً

- عايزه إيه يا بنت صابر ، قوليها وأنا ..

لم تنتظر سماع المزيد منه ، فقد فهمت ما أراد أن يُخبرها به ..، اخبرته ما تُريده ، فاطاحت بعقله ..

بعد وقت كان رنين هاتفه يتعالا برقم عمته .. ولكنه كان غارق معها في دوامة العشق الذي أصبحت تجيد إشعاله داخله.

...................................................................

وقف يهندم من ثيابه ، بعدما أنتهي من نيلها وقد أنتهي اللقاء بينهم ..في تلك الشقه التي استأجرها لتكون مكان لقاءهم الدائم حتي ينتهي منها :

- ارحمني وطلقني ..أنا كرهت نفسي خلاص ومبقتش طايقه نفسي

تعالا نحيبها ، وهي لا تُصدق إنها وصلت لهذه المرحله بحياتها .. امرأه للفراش لا أكثر ، يُعاملها وكأنها عاهرة ..، اغمضت عيناها بقهر .. وهي تتذكر ما يحدث اثناء علاقتهما ..، كادت أن تخرج كل ما في جوفها .. ولكن شعرت بيده تقبض فوق خصلاتها

- مش هسيبك غير بمزاجي ، سامعه .. وبلاش علامات القرف ديه علي وشك

- حرام عليك ، كفايه بقي

هتفت عبارتها بضعف ، بعدما دفعها نحو الوساده .. يُطالعها بنظرات فاحصه لهيئتها العاريه أمامه ، وجدته يحل أزرار قميصه ..، لتتراجع للخلف تكتم صوت صرختها التي خرجت منها مرغمه

- لااا.، لااا



..................................................

حملت كوب الينسون الذي قد أعدته له ووقفت مُتذمره من طلباته ، بسبب ما أقترحته عليه

- مش كفايه طلبات لحد كده ؟

طالعها "احمد" وقد تمالك حاله ، ورسم الجديه فوق ملامحه ..، ورمق أوراق مشاريعه ..، مُتجاهلاً طلبها

- خليها مره تانيه يا صفا ، أنتِ شايفه أنا مش فاضي أد إيه ؟

- نعم

خرج صوت تذمرها ، واقتربت منه تلتقط كأس المشروب الساخن واندفعت خارج الغرفه به .. تحت نظراته المصدومه من فعلتها

- خدي هنا ، رايحه فين

- مش أنا اللي عملته ، هشربه بقي ..، واعمل لنفسك

اسرع في التقاطها ، فسقطت بضعة قطرات من المشروب

- في زوجه مطيعه تعمل في زوجها كده ..، وكل ده ليه عشان عايزاه يقرالك كتاب

عبست بملامحها ، وقطبت ما بين حاجبيها متذمره من حديثه ..، فتعالت ضحكته مرغماً وهو يراها بهذا العبوس

- هنفذ الطلب ، بس قصاد طلب ..

وقبل أن يُتمم عبارته ، كنت تهتف حانقه

- طلب تاني ، خلاص أصلا أنا غلطانه .. ، كل ده عشان بحب أسمع صوتك وأنت بتقرء

ابتعدت عنه ، ولكن أعادها لقربه ..، يدفن وجهه بعنقها متسائلاً

- وإيه السبب اللي بيخليكي مستمتعه وأنا بيقرء يا صفا ؟

رفعت عيناها نحوها ، وسرعان ما كانت تُسبل أهدابها

- صوتك وأنت بتحكي التفاصيل ، بيخلني أعيش في مكان تاني .. بحس إني طايره فوق السحاب

افقدته صوابه بعبارتها ، بل وجعلته لا ينتبه علي القطرات الساخنه التي سقطت فوق صدره ، بعدما الصقها به

وها هو ينفذ لها طلبها وهي تغفو فوق ذراعها مستمتعه بالحكايه ، أنتهي من بضعة صفحات .. فلم تنتبه علي أغلاقة الكتاب إلا بعدما تحرك قليلاً ليضعه جانباً

- هي كده الحكايه خلصت

ابتسم بمراوغة وهو ينحني صوبها بنظرات هائمه

- بكره نكمل باقي الحكاية

..............................................................

دلفت المنزل علي صوت صراخ زوجه شقيقها بأطفالها ، تقدمت منهم تُحاول جذب الصغير من قبضتها حتي تُخلصه من صفعاتها

- كفايه ضرب في الولد يا سناء ، أنتِ مش بتربيهم

دفعتها "سناء" عنها ، حتي كادت أن تسقط ..، صارخه بها

- ولادي وأنا حره فيهم ، لما يكون عندك ولاد أبقي وريني هتربيهم إزاي يا ست حياة

ابتعلت "حياه" غصتها ، وتجاهلت عبارتها .. وعادت تُخلص منها الصغير الذي أخذ يهتف باسمها حتي تُخلصه من والدته

دفعت "سناء" الولد إليها .. واخذت تلتقط أنفاسها بصعوبه وهي تضع بيدها فوق بطنها المنتفخه

- سيبتهولك أه يا ست حياه ، أنا مش عارفه إيه اللي رجعك لينا تاني ولا أقول إيه علي حظي الأسود ..، مينفعش يبقالي بيت زي أي ست

القت سناء عباراتها ، التي باتت تُخبرها بها كل يوم ..، منذ أن عادت إليهم واخبرتهم أن حياتها مع عامر أنتهت ، فطليقته ستعود إليه بعدما تُنجب له طفلهما ..، ودورها بحياته قد أنتهي

سقطت دموعها رُغماً عنها تُخبرها بقهر

- أنا لقيت شغل في محل ملابس يا سناء ، وهحاول أدور علي شقه أعيش فيها .. متقلقيش مش هفضل طول عمري مشاركاكي بيتك وحياتك

ورغم أن البيت كان منزل والديها ..، قبل زوج شقيقها ، وقد ضاقت به السبل ليجد مسكناً يعيش فيه ..، فاقترحت عليه أن يتقاسموا الشقه ..، وها هي النهايه أصبحت ضيفة ثقيلة للغايه علي زوجه شقيقها ..، ظنت بسعيها لنجاح زيجتها ستحظي بحياة لن يُعايرها أحداً بثقل وجودها فيهاولكن هيهات فهي تحصد الخيبات فقط.

رمقتها "سناء" بنظرات سعيده ..، وقد تراقص الفرح داخل قلبها تتسأل بأمل أن يكون حدث ما تدعو إليه ليلاً ونهاراً

- هو عامر بعتلك ورقة طلاقك

ابتعدت "حياه" عنها ، دون أن تمنحها الجواب الذي سيُريحها ، فسناء لا تتمني بحياتها لا لتراها مدمرة ، بائسة و وحيده ..، وها هي أصبحت هكذا

……..

طالعت هاتفها بسعاده فور أن استيقظت علي رنينه ، ضغطت علي زر الإجابة ، تستمع لصوته الدافئ ..تسأله بلهفة

- هترجع أمتي يا جاسر

ضحك وهو يُجيبها ، فمجنونته لم تنتظر وتسأله عن حاله أولاً..، بل تسألت عن موعد عودته

- لحقت أوحشك ، ده هما 5 أيام يا حببتي

وبتنهيدة تحمل معها الشوق ، أخذت تُخبره عن مدي أشتياقها له

- مبقتش أقدر علي بعدك

تعالت ضحكاته ، وهو لا يُصدق إنها تُخبرها بصدق ولهفة عن عدم قدرتها علي تحمل غيابه

- غصب عني يا جنه ، أنتِ عارفه الشغل بيحتم عليا السفر ديماً

- عارفه يا جاسر ، أنا بس بقولك كده غصب عني

ابتسم وهو يرتاح فوق مقعده مسترخياً ، يستمع لنبرتها الحنونه ، وقد تركها تتحدث عن كل شئ تفعله في غيابه ..، انتهت المكالمه بعد أن أعطاها بعض التعليمات لتهتم بصحتها بعدما أخبرته إنها تشعر ببعض التوعك

ضمت الهاتف إليها ، ولكن سرعان ما كانت تنفضه عنها بفزع .. بعدما صدح رنينه مجدداً ، فطالعت رقم أروي بتلهف تنتظر منها سماع ما تتمني تأكيده

- حسن الصغير ناوي يشرف خلاص

هتفت بها أروي بسعاده حقيقية ، تخبرها عن مدي السعاده التي ستكون بها العائله عند معرفتهم بالأمر ، خفق قلبها بسعاده هي الأخري لا تُصدق ما تسمعه أذنيها ..، تضع بيدها فوق بطنها متسائله

- بجد يا أروي النتيجه طلعت إيجابيه

- أنتِ لسا شاكه بعد أختبار الدم كمان ، جاسر هيفرح أوي يا جنه

اتسعت ابتسامتها وهي تشرد في اللحظه التي ستُخبره فيها

- أروي بلاش تقولي لحد ، أنا عايزه جاسر أول واحد يعرف

و أروي ما كان عليها إلا لتحترم رغبتها ، وتحفظ سرهم الصغير حتي يعود شقيقها من سفرته

…………..

خرجت الطبيبة من غرفة الولادة ..، ترفع عنها القناع الطبي ..، تنظر إلي لهفتهم في إنتظار المولود والأطمئنان علي الأم

اقتربت منها السيدة كريمه بلهفة ، ولكن وقفت مكانها متسمرة وهي تستمع لعبارة الطبيبة الأسفه
وقف ساكن مكانه ، بعدما ابتعد عنهم ووقف في ركنً بعيداً مكفر الوجه ، لا يستطيع الحديث ..، تركها تصرخ عليه ..، تتهمه إنه لم يكون يُريد هذا الطفل بل وبالتأكيد تمني لو لم تحمل منه طفلاً

أغمض عيناه وهو يشعر ببعض الذنب من صحة ما تقوله ، فهو رغماً عنه كان يشعر بعدم تقبله أن تكون فريدة أمً لأطفاله ، فما حدث بينهم تلك الليلة كان صعب أن ينساه ..، أمرأة تصور حالها وهي في أحضان زوجها لرجلاً أخر ، والرجل لا يكون إلا شقيقه الذي كان في البدايه يسعي في تزويجها له ، ثم رحل شقيقه لأنه لم يجد فيها المرأه التي يُريدها ..، أثارته عاطفته نحوها ..، ولا يُنكر أن شدة جمالها وذكائها أجتذبه بل وجعله يضعف خاصة بعدما حدث بينهم في تلك الليلة التي تناولت فيه أحد العقاقير المخدرة بكأس العصير

- أنت السبب ، طمعك هو السبب ..، أبني مات بسبب مطامعك وأحلامك يا محسن بيه

أندفعت الطبيبة داخل الغرفه ، بعدما ركضت السيده كريمه مستنجده بأي أحداً .. فمنذ أن فاقت وهي علي هذه الحاله تصرخ دون توقف

خرج عامر من الغرفه ، ورغماً عنه سقطت دموعه ، سقطت دموعه نحو الطفل الذي تلهف لرؤيته ، وسقطت دموعه علي تلك القابعة بالداخل

خرج "محسن" هو الأخر ، وهوي بجسده فوق أحد مقاعد المشفي ، لا يُصدق إنه يوم أن يري حفيده ، يراه ميتً بلا روح مجرد صوت أستمعوا إليه ، ثم توقف كل شئ .., والسبب كان مجهولاً للأطباء ..، فالطفل كان بصحة جيده أثناء فحص الأم الأخير قبل دلوفها لغرفة العمليات ..، إنه قضاء الله وقدره

أطرق راسه أرضاً في خزي ، فقد كان أساس سعادته بالحفيد المنتظر ، إنه سيعيد العلاقات بينه وبين والده ..، وستعود أبنته لتكون سيده في قصر ابن السيوفي ، طمح لأحلام عدة سيُحققها هذا الحفيد ..، وكل شئ قد ضاع بالفعل مع مطامعه

ارتفعت عيناه نحو "عامر" ، لعله يري في عينيه نظرة شماته ، ولكن لم يجد إلا الحزن قد أرتسم فوق ملامحه ..، ولم يكن هو إلا الشرير بالحكايه ولن تُسمحه أبنته طيلة عمرها

……………

هبطت لأسفل بملامح بشوشة حتي تستقبل السيدات اللاتي أرادوا رؤيتها ..، وقد أخبرتها الخادمه إنهم وكأنهم من أحدي الجمعيات ..، وعلي ما يبدو قد وصل صوتها لأحد المنظمات وستسطيع مساعده نساء البلده والأطفال

ولكن سعادتها قد تلاشت ، وهي تري تلك المرأة التي رأتها من قبل في الطائرة وقد كانت إحدي المضيفات ..، وقد أخبرها "جاسر" إنه علي معرفة سابقة بزوجها قبل أن يتوفي

- مدام مروة

أبتسمت المرأه وهي تتقدم منها ، تمدّ لها يدها حتي تُصافحها ، و علقت عيناها بالجالسات وقد أسترخوا في جلوسهم وأخذوا يُحدقونها بنظرات ثاقبه ..، شعرت بالتوتر لأنها لم ترتدي ملابس اكثر رقياً مما أرتدته في عجاله ، فالنساء شديدات الجمال والرقي وكأنهم عارضات أزياء ، أو خرجوا من مجلة نسائية

- مش معقول لسا فاكراني

ابتسمت "جنه" وهي تُصافحها ، وقد عادت ملامحها للاسترخاء ..بعدما نفضت عن رأسها تلك المشاعر السلبية

- أكيد طبعاً فاكراكي

والقت بنظرة أشد تدقيقاً نحو الجالسات ، ولكن عيناها كانت تضيق وقد أنتبهت علي تلك المرأه التي ألتقت بها بتركيا وكانت بصحبة شقيقها الذي يعد رفيقاً لجاسر

- أنا مش فاهمه حاجة

تعالت ضحكات الجالسات ، وهم يرونها تقترب منهن بعدما تجاوزت "مروة" التي وقفت تُطالعها بشفقه ، فهي زوجه مخدوعة لا تعرف شئ عن ماضي زوجها وزيجاته الكثيرة

- الزوجه المخدوعة

صاحت بها "أشكي" بعدما تلاعبت بخصلات شعرها ، تنظر إليها بشماته

- جاسر كان بيصارح كل ست فينا ، بالست اللي كانت قبلها ..، لكن طبعا جيه عندك وحب يخليكي مغفله

هتفت بها "سهر" التي نهضت عن مقعدها ، تُحاول جذب تنورتها قليلاً للأسفل

- أعرفك بنفسي ، الزوجه الأخيره من جوازاته السريه .. طلقني قبل جوازكم بيوم

عادت ضحكات الجالسات تعلو ، وهم يرونها تقف جامده الملامح ..لا تُحرك إلا أهدابها في ذهول وصدمه

اقتربت منها أخري ، وقد تبادلوا نظراتهم نحوها

- أعرفك بنفسي ، أنا رانيا ..، مديرة مجلة أكيد تسمعي عنها

اخبرتها بالمجله التي تُديرها ، ولم تكن "جنه" جاهله عن اسمها

- السؤال اللي عايزه أسأله ليكي ، تفتكري ليه جاسر مصرحكيش عن زيجاته السرية

الكل ترقب سماعها .. ولكنها سكنت مكانها لا تقوي علي تحريك شفتيها ..، تعالت ضحكات "سهر" ودفعت الواقفة برفق من أمامها ..، حتي تمنحها الدور والاجابه عليها

- خلينا أجاوبك أنا يا رانيا ، أكيد طبعا لأن جاسر مش هيبطل جواز في السر، جاسر بيزهق وبيحب التغيير

صدحت ضحكاتهم ، يأكدون علي حديثها ..، أقتربت منها "مروة" التي أتخذت دور الصمت

- أنتِ رقم في زيجات جاسر المنشاوي ، حتي لو كنتِ بنت عمه ..، جاسر مبيشوفش الست غير متعه وبس

- بس متنكروش إن كل ست فينا ، كانت مبسوطه أوي معاه ..، أصل جاسر بيعرف اد إيه يسعد الست اللي معاه

تعالت أنفاسها ، واطبقت فوق جفنيها بقوه ، لا تقوي علي سماع المزيد ، سارت كل لحظاتهم سوياً ، قبلاته ، شغفه بها ، وذلك التوق الذي كانت تراه في عينيه ، ملكيته لها وحدها ..، ولكن كل شئ صار كذبه ..، إنها لم تكن الوحيده ، لم تكن إلا رقماً أضافه في قائمه نساءه

- كفايه يا جماعه مش عملتوا اللي عايزينه خلاص

صاحت بها "ناريمان" التي لم تكن هويتها مجهوله بالنسبه لها ، فقد رأتها من قبل في مكتبه ، علقت عيناهم بها ..، وقد ظنوها أنسحبت من أتفاقهم ولكنها أتت ..لتكتمل الصوره والعدد ، ولكن العدد كان ناقص ..

- كلنا واحده فينا أتجوزها علي سنه الله ورسوله ، كلنا جرينا وراه من أول نظرة وشعور حسيناه ناحيته ، جوزك أي ست ممكن تعلم بي ، جاه ومنصب ومال ..، قوليلي مين الست اللي مش ممكن تجري وراه ، جاسر مضحكش علينا ..، كل حاجة كانت بتم بأتفاق

ونظرت إليهم ، وقد أمتقعت ملامحهم من حديثها

- لو قولتي لواحده فينا ، هنسحب وخدي مكاني ..، هتجري فوراً وتبوس رجليه

ونظرت نحو "سهر" و"أشكي" ، فاشاح عيناهم بعيداً ممتعضين الوجه ..، فهم من سعوا لتجميعهم حتي ينتقموا منه ، ويدمروا زواجه

- هنبقي كدابين ، لو مقولناش إننا أخدنا مقابل ..، إحنا اللي رضينا إننا نكون مجرد ست بيتجوزها عشان متعته

تعالت أصواتهم ، معترضين ..، ولكن "ناريمان" كانت أقواهم بشخصيتها التي أصبحت قوية ..، حتي لو شعرت بالغيرة من الواقفة أمامها بضعف ، حتي لو رغبة في عودتها إليه ..، لكنها لن تقول إلا الحقيقة .. التي أخفوها خلف ضعفهم وحبهم لرجل ك "جاسر المنشاوي " ، رجلاً إذا دخل حياة أمرأه أمتلكها لطيلة العمر ..، إنه كالوشم حُفر فوق أجسادهن ..، مهما مر بحياتهم من رجال بعده ..، فكان رجلاً منفرداً بشخصيته وعنفوانه.

غاروا جميعهن ، بعدما لم يعد لوجودهن أمراً يتطلب منهن ، فكل شئ قد تم ، وقد أنتقموا لكرامتهم التي دعسها تحت قدميه ومضي في حياته .

أنهارت فوق الأرضيه البارده ، وانسابت دموعها أخيراً بعدما حررتها من مقلتيها

...................................................

تذوق طعم الكعكة وعيناه لا تحيد عنها ، تنظر إليه منتظره تعليقه علي ما صنعته ، اتسعت أبتسامته شيئاً فشئ ، وعاد لتذوق قطعة أخري ..، رغم عدم تفضيله للسكريات الزائده ..، طالعته بترقب تنتظر إطراءه ، بل ووقفت ترفع كتفيها بفخر علي إجادتها للكعكة التي أمتدحها بها الكثير

- تسلم ايدك يا حببتي

طالعته بسعاده وجلست جواره تتسأل مرة اخري

- بجد عجبتك يا أحمد ، انا حاسه إن السكر زاد مني

والتقطت قطعه من الكعك حتي تتأكد ، فاغمضت عينيها من شدة طعم السكر بها

- مسكره أوي ، مش عارفه إزاي مقدار السكر زاد

أبتسم علي هيئتها المتذمرة ، وهي تمضغ قطعه الكعك

- الزوج الخلوق ياكل وهو ساكت ، دون أعتراض

انتبهت علي حديثه ، وقد انفجر ضاحكاً ..، وجدها تتخذ موضع الهجوم كما أعتاد منها ..، فتنحنح متراجعاً للخلف ، يهتف باستسلام

- ايدك فيها سكر يا حببتي ، عشان كده الكيكه طلعت مسكرة بزياده

أرتفع حاجبيها وهي تستمع لعبارته ، تمط شفتيها متذمرة

- يا سلام ، ابن السيوفي بيتراجع في كلامه ..، بقيت تخاف يا بشمهندس

- طبعا ، يا حببتي

هتف بها وهو يضحك بقوة ، فازداد عبوسها

- يعني أمدح ميعجبش ، أعترض ميعجبش ..، قوليلي أعمل إيه يا صفا هانم

- متقولش حاجه خالص ، تاكل في صمت

وفي لحظه لم يحسب له ، بغتته بدفع قطعه الكعك داخل فمه ..، شعر بالاختناق وهو يُحاول إبعادها عنه ..، فابتعدت عنه تتقافز أمامه ضاحكه

- بذمتك ده هزار

سعل بشده ، وتجهمت ملامحه ..، فتلاشي مرحها وهي تقترب منه نادمة

- أحمد ..، أنا مكنش قصدي.. أنا كنت

هتفت عبارتها ، تنتظر ردة فعله ..، واطرقت رأسها بعدما شعرت بجرمها من هيئة ملامحه الجامدة ..، تعالت شهقتها فجأة وهي يحملها ويطيح بها فوق الأريكه

- ما دام بدأنا الهزار ، يبقي استحملي

وهزاره كان جنوناً أعتادت عليه ، جنوناً اصبح يخفق إليه قلبها .. من شده التوق له، تعالت أنفاسها وهي تراه يحدقها بأنفاس لاهثه ..قبل ان يعود لحملها صاعداً بها نحو غرفتهما ..، يهمس لها بكلمات حبه وعشقه .

…..

ضمها إليه بعدما توسدت صدره ، يُداعب خدها بأنامله

- علي فكرة ، الشركة هتفتح فرع في مصر ..، وهكون المسئول عن أحد فروعها

ابتعدت عنه ، لا تستوعب ما تسمعه .. تسأله وهي تُحدق به حتي تتأكد من حديثه

- مالك مش مصدقه كده ليه ، الموضوع كان من خطط الشركه ..، لانه كانوا موقفين القرار مؤقتً

- قول بجد إننا هنرجع مصر

ابتسم وهو يري السعاده تلمع في عينيها

- بجد يا صفا ، لكن لسا مش عارف أمتي بالظبط

- المهم هنرجع

سحبها نحوه ، يضمها إليه وقد سقطت دموعها شوقاً لأحبابها

- أنا كنت فاكره الغربه حلوه ، لكن طلعت صعبه أوي ..

- لولا بعدي يا صفا ، و وجودي هنا .. مكنش القدر جمعنا

ابتعدت عنه ، حتي تتمكن من رؤية ملامحه ، والسؤال الذي رأه في عينيها ..، كان يمنحها الجواب عنه قبل أن تسأله

- لو مكنتش سافرت وأضطريت أتجوز عشان قوانين المؤسسه ، بعد ما كان بيتعلب عليا عشان أقع في الشرك ..، واطلع قدامهم شريك مش مناسب ..، هدفه مش النجاح ..، لو مكنش ده كل حصل ..، كانت هتحصل أي حاجه تانيه عشان تجمعنا

وبهمس خافت قبل أن يعيدها لأحضانه ، بل عالمهم العاصف بالمشاعر

- أنتِ قدري يا صفا

....................................

توقف "عامر" بملامح جامده أمام المتجر الذي اصبحت تعمل فيه منذ أيام ، ينظر إلي ملامحها بشوق ، لكن شوقه كان يضيع وسط ما يشعر به ..، لا يُصدق أنها ظنته إنه سيتركها ويُطلقها عندما يحصل علي طفلاً من أمرأة اخري

علقت عيناه بالمشهد ، وهو يراها تُحاول إرضاء أحدي الزبونات ، والزبونة تقف متذمرة ..، تشيح بيديها ثم تقدمت أمرأه أخري تُحاول إرضاء الزبونه وقد شحب وجهها وابتعدت بعدما اشارت لها صاحبة المتجر بالابتعاد

تلاقت عيناها به وهي تلتف بجسدها ، لتشعر بالصدمه وهي تراه واقف أمامها ، بهيبته وعنفوانه ، تهتف اسمه بتعلثم

- عامر

……….

تعالت صرخاتها ، وهو يجرها خلفه لداخل المنزل ، وقد خرج الخدم يُحدقون بسيدهم وثورته العاصفة وهو يسحبها خلفه ، مشفقين عما سيحدث لها

دفعها داخل غرفتهما ، فهوت فوق الفراش من شده دفعته

- الهانم مكنتش بترد علي أتصالاتي ، عشان مخططه للطلاق ..

حاولت الحديث ولكن اخرسها بصراخه

- مش عايز أسمع صوتك

- أنا مش عايزه اعيش معاك ، ولا عامر بيه مينفعش حد يسيبه لازم هو اللي يطرد الناس من جنته

- حياه

بصراخ أقوي كان يهتف ، وهو يتقدم منها بنظرات محذره

- طلقني

ظن أن أذنيه قد خانته في السمع ، فالتقط ذراعها مُشيراً إليها بأن تعيد عليه ما تُخبره به

- مش هفضل طول عمري عايشه مع راجل ، مش عارفه أنا إيه في حياته

ألجمه حديثها ، فتركها تهذي بكل ما ترغبه ..، واتأخذ دور المتفرج

- سيبني أروح لحالي ، أرجوك .. كفايه عذاب فيا لحد كده .. أنا عملت فيكم إيه عشان تاخدوا كل الحلو اللي جوايا ..، وتسيبوني أرمم نفسي لوحدي

استمع ، واستمع .. وهي وقفت أمامها باكية .. تُخبره عن خيباتها السابقه ، وخيبتها معه من زواجهم

- عايزه حريتك يا حياه

زاغت عيناها ، وشعرت بأنفاسها تتثاقل ..، فاماءت برأسها بعدما فقدت قدرتها عن الحديث ..، خرجت صرخته وهو يراها تسقط أسفل قدميه

- حياه

……….

اطبقت فوق جفنيها بألم ، بعدما أنصرفت عمتها من غرفتها ..، العمه لا تري تصرف كبير العائله إلا نزوة مرت بحياته ، وهي ليست إلا الأساس

خانتها دموعها ، وقد عاد تفاصيل ذلك اليوم منذ ثلاثة أيام .. يسير أمام عينيها بقسوته

تعالت شهقاتها ، فوضعت كفيها فوق شفتيها .. ، ولكن صياح "أروي المُهلل" منذ أن علمت بوجود الجنين ، جعلها تمسح دموعها

- جنه ، جنه .. شوفي أنا اشتريت إيه للبيبي

التقطت منها "جنه" الحذاء ، بعدما أستطاعت رسم أبتسامه باهتة فوق ملامحها

- جميل أوي يا أروي

طالعتها "أروي" بشك ، وهي تستمع لنبرة صوتها المهتزه ..، وجفنيها المنتفخين

- أوي تقوليلي كنتِ بتعيطي ..، عشان جاسر وحشك ..، فيكي إيه يا جنه ؟

- صدقيني يا أروي مافيش حاجه ، واخوكي فعلا وحشني

حدقت بها "اروي" ، وهي تراها تُحاول جاهده إبعاد عيناها عنها

- هي عمتي منيرة ، كنت هنا ليه .. أصل غريبه .. لو كانت عايزنا كنا أحنا اللي روحنا ليها

وسرعان ما كانت تردف ، وهي تلطم رأسها بكفها

- أه صحيح ، ده أنا اللي قولتلها إنك تعبانه

واسرعت في إكمال حديثها ..، تنظر نحو ملامح جنه الشاحبه

- لكن متخافيش ، سرك لسا في بير .. مقولتش لحد .. حتي هاشم ..، مع إني هموت وأقوله

ابتسمت "جنه" مرغمه ، فالتقط أروي يديها هاتفه

- إيه رأيك ننزل نتمشي شويه في الجنينه

ولم يكن لديها مجالاً للأعتراض ، ف أروي جرتها خلفها نحو الأسفل ..، تتخيل اللحظه التي سيعلم بها شقيقها بوجود طفله ويطيراً فرحاً وسعادة.

.........................................

حدق "عامر" بالفراغ الذي أمامه ، وهو يستمع لصوت الطبيب ..، يُخبره بحمل زوجته وتأكيد ما أخبره به أثناء الفحص لها في المنزل

- مبروك يا عامر بيه ، زي ما قولتلك المدام حامل ..، نتيجه العينة قدامي أه

- أنت بتقول إيه يا دكتور

اعاد عليه الطبيب ما نطقه ، يُخبره بضرورة بدء متابعتها مع طبيبة نسائيه..، أغلق الخط وهو مذهول مما سمعه ..، هل أعطاه الله طفلاً أخر عوضً علي وفاة من لم يلحق رؤيته ، من شعر بالذنب نحوه

اسرع بخطواته نحو غرفتها ، فوجدها تحاول الأعتدال من فوق الفراش

- خليني أروح ، رجب زمانه قلقان عليا

احتقنت ملامحه من عبارتها ، ولكنه تجاوز كل شئ ..، واعطاها أحقية غضبها

- رجب عارف إنك مع جوزك يا مدام

- أنت قولتلك هتنفذ طلبي ، وانا عايزه أطلق يا عامر ..، أنت أتجوزتنا عشان تنتقم من طليقتك ..، واه أنتوا رجعتوا لبعض وجبتوا طفل ..، خليني أسيب البيت قبل ما الهانم الجديده تشرف ..، أكيد مش هتحب تشاركك في حد

لم يقطع حديثهم ، إلا دلوف "ناهد" وقد ساعدتها مرافقتها .. في القدوم لغرفتهم..، صمتت حياة عن حديثها ..، لتقترب منها ناهد بلهفة

- كده يا حياه ترجعي ، من غير ما تشوفيني

سقطت دموعها ، وقد ضمتها ناهد إليها ، تخبرها كم أشتاقت لها ، وكيف نال الجميع من غضب الواقف خلفهم ..، عندما علم إنها تركت المنزل بلا عودة

- الولد ده بيحبك ، بس هو كده غبي

اتسعت عينين "عامر" في ذهول وهو يستمع لحديث والدته ، ونعتها له بالولد

- أنا ولد ، كل ده ولد

تجاهلت "ناهد" حديثه ، فابتسمت حياه مرغمه

- لو الكلام عني هيخليها تضحك ، أنا موافق خلاص

هتف بلطافه ، وهو يتقدم منها ..، فرمقته بملامح ممتعضه

- عقليها يا ناهد هانم ، الهانم طلبه الطلاق

- حياه عاقله ، وهتعرف تختار كويس

انسحبت "ناهد" من غرفتهما ، بعدما تركت له الكرة ..، ورغم علمها بما حدث لذلك الحفيد ..، إلا إنها فضلت أن تعلم الحياه الأمر منه

رأها تعود لبحثها عن حجابها ، فالتقط منها الحجاب ..، وكلما أجتذبت شئ ..، كان يُجذبه منها ويُلقيه بعيداً مزمجراً بضيق

- أنا أخدت قراري خلاص ، لو سامحت بقي

- فريده مش هترجع حياتي يا حياه ، حتي لو كان الطفل مش مات

هتف بها ، يمنحها الجواب الذي تنتظره ، ولكن كبريائها كان يمنعها أن تسأل عن ما حدث له في سفرته وهل أتي طفله وأين هو و والدته..، تجمدت عيناها نحوه وقد علقت كلمه واحده بأذنيها، تهتف بصدمه

- الطفل مات

……………………….

وقفت امام بيت والديها بأنهاك ، تطرق الباب بخفوت وقد أسندت جسدها فوق الجدار ، بعدما شعرت ببعض الدوار يُداهمها

صرخت "صافيه" بذعر ، تنظر لملامح أبنتها الشاحبه

- جنه

ضمتها "صافيه" لصدرها ، بعدما شعرت بأنها لا تستطيع الحركة تتسأل بلهفة وهي تدلف بها لداخل المنزل

- فيكِ يا بنت بطني ، قلبي مش مطمن

طالعها والدها بشوق وهو لا يُصدق مجيئها إليهم ، ولكن سرعان ما تبدلت ملامحه للقلق ، وهو ينظر إلي ملامحها الباهته ، والتف حوله يبحث عن ابن شقيقه ..، ولكنها كانت بمفردها

- فين جوزك يا بنتِ

- عايزه أتطلق من جاسر يابابا !

تجمدت ملامح والديها في صدمه، وهم ينظرون لبعضهم، ثم لها

........................................

طالعها بنظرات مسترخيه ، فتورد خديها وهو يضمها إليه بحب

- مصيرنا بقي مربوط ببعض يا حياه

دفنت وجهها بصدره وهي لا تقدر علي الحديث ، إنها لم تعد تقوي علي البعد عنه ، وكأنها أصبحت مسحورة به ..، تسير إليه كالمغيبة

- أنا خايفه يا عامر

وبهمس هتفت ، وهي تتشبث به أكثر

- خايفه منك ، أنت عامل زي موج البحر ..لما بيقلب بيكون موجه غدار

ضمها إليه بقوة،وكأنه يُخبرها بكذب شعورها نحوه ، وضع بذقنه فوق رأسها ..، يغمض عيناه بألم ..، فعادت الأحداث تقتحم عقله

- عمري ما غدرت بحد يا حياة ، الغدر بيجيلي من الناس اللي وهبتها قلبي ومنحتهم فرصه يكونوا قريبين مني

ابتعدت عنه ، تتأمل ملامحه الحزينه ..، ترفع كفها تُحركه برفق فوق خده

- مش عارفه أخفف عنك وجعك إزاي .. بس صدقني انا زعلانه علي الطفل ، أنا كنت فرحانه ليك ، كنت عايزه ابعد عن حياتكم عشان تعرفوا تربوه سوا ..، وميتحرمش من حد فيكم

فتح عيناه ..، ينظر لدموعها التي أغرقت خديها ، يري أجمل صورة رأي فيها أمرأة

- أنتِ إزاي كده يا حياه

وبابتسامة واسعة كان يُجيب علي حاله بعدما وجد الأجابه

- فعلا أنتِ حياه ، حياه بتوهب الحياه للناس وبتزرع في قلوبهم الحب

وبرفق كان يُسطحها فوق الفراش ، يُحرك بيده فوق بطنها ..، فدغدغتها حركته ، وظنت إنه يمزح معها ولكن كل شئ تجمد فيها وهي تسمعه يهتف

- هتكون طفل محظوظ يا حبيبي !

…………………

حدقت به عمته بصدمه ..، بعدما وجدته يدلف للمنزل بأنفاس لاهثة ..، اتجهت إليه منيره ، تضمها نحوه ، تُخبره كم أشتاقت إليه ، ولما لم يُخبرهم بعودته

- فين جنه ياعمتي !

تسأل بلهفة ، وهو يبتعد عن ذراعيها ، فاشاحت منيرة عيناها بعيداً عنه ..، لا تعرف بما تُجيبه ، فرمقها بتوجس يتسأل مجدداً

- جنه ليه مش البيت ، وتليفونها مقفول ..، وأنتِ وأروي حججكم بقت كتير كل ما أسألكم عنها

أطرقت منيرة رأسها ، ترطب شفتيها بلسانها

- عمتي

- هترجعلك يا بني ، عمك صابر مش هيسكتلها ، هي بس بتريح أعصابها عندهم

تجمدت ملامحه ، وهو يستمع لعباراتها التي تنطقها بتعلثم ، دقق النظر في ملامحها ينتظر معرفة السبب ، فزفرت أنفاسها بثقل وتلاقت عيناها بعينيه

- عرفت بجوازاتك القديمة يا جاسر
******

جلست بملامح حزينة فوق فراشها ، تطالع هاتفها الذي أعادت تشغيله ..، تنتظر رؤية أسمه فوق شاشته ، تتمني لو يعيد أتصالاته ويُخبرها بأسفه ، ثم جاء ركضاً إليها معتذراً عما فعله بها ..

دمعت عيناها ، تسأل حالها ..، متي كانت مهمه لديه ، أخذها وسواسها نحو دروبً مظلمه وأفكاراً قاتلة ..، فتعالت شهقاتها في بؤس مرير ، فهرولت والدتها إليها بعدما استعمت لنحيبها ، تضمها لأحضانها

- مش تقوليلي بس إيه اللي مزعلك من جوزك يا بنتِ ، أنا وأبوكي خلاص هنتجنن

تشبثت "جنه" بأحضانها ، تسألها بمرارة ، لما فعلوا بها هذا ..، لما دفعوها نحو هذه الزيجه وجعلوها تخرج منها خاسرة بقلب يُمزقه الألم

- كان نفسي تعيشي في العز يا بنتي ، مكنتش عايزاكي تعيشي زي في الفقر

- أنا تعبانه أوي يا ماما

دمعت عينين "صافيه" علي حال صغيرتها ، حاولة أن تُواسيها وتُفرحها بخبر عودة صفا ، ولكن "جنه" كانت في عالمها المرير ، تضغط فوق شفتيها بقوة ..، لا تُصدق إنه عاد من سفرته ولم يأتي حتي لرؤيتها وطلب العفو منها ، أحبت رجلاً متحجر القلب وليتها ما عرفت الحب يوماً علي يديه

- الرجاله يا بنتِ ديما كبريائهم بيمنعهم يراضوا الست ، لكن الزوجه الشاطره والعاقله بتوطي مع الريح

ابتعدت "جنه" عن أحضان والدتها ، ترمقها بألم بعد سماعها لحديثها

- بابا عمره ما أستحمل يزعلك ، عمره ما خلاكي تنامي زعلانه منه

أطرقت "صافيه" رأسها ، فهي تعلم بصدق ما تخبرها به ، ولكنها لا تُريد لها خراب حياتها ، التقطت كفيها ، تمسح فوقهم برفق

- جوزك كل يوم بيتصل بأبوكِ يطمن عليه وعليكي ، جوزك شخصيته غير أبوكِ يا بنتي ..، ويمكن مع العشرة يلين

والجواب كانت تعطيه لوالدتها ، قبل أن تتسطح فوق الفراش وتجذب نحوها الغطاء لعلها تغفو وترتاح من صراعها ومشاعرها

- وأنا مش عايزه أعيش مع راجل قاسي زيه

………………

لم يكن حاله مختلفاً عنها ، بل عادت القسوة تحتل وجهه ، عاد خالي المشاعر ..، يصرخ في الجميع ويصب غضبه عليهم ، والجميع يطالعونه في خوف من بطشه..، يترقبون عاصفته من أبسط الأشياء ..، يتمنون لو عاد مديرهم الهادئ مجدداً , كما كان منذ بضعة أشهر

قذف الأشياء من فوق سطح مكتبه ، لا يصدق ما أوقعه فيه شقيقه في صفقة خاسره ، رغم تحذيره له في عدم التوقيع ولكن "فاخر" ، استغل الفترة التي يعيشها من هجر زوجته له ، واستغل منصبه وفعل ما رفضه

أندفع "فاخر" لغرفته ، وقد أحتل الخزي ملامحه ..، ينظر نحو شقيقه أسفاً عما فعله

- راجي كان مطمني إن الصفقه كسبانه ، مش عارف إيه اللي حصل

سقط فاخر أرضاً ، بعدما تلقي لكمه قويه فوق فكه ..، فالتقطه جاسر من قميصه بملامح غاضبه

- عرف يضحك عليك ، ويطمعك

اشتد العراك بينهم ، فخسارتهم قويه ..، وسيظلوا لسنوات يتعافون منها

- خليت أبوك يمضي علي الصفقة بنفسه يا فاخر ، عشان عارف إنه يملك السلطة بعدي

وفاخر يمسح دماء أنفه ، لا يستطيع النظر في عينين شقيقه ..، عاد يقذف كل ما يقف أمامه ..، لا يُصدق اللعبه الحقيرة التي لعبها عليهم هذا الرجل

أنحني بجسده يلتقط أنفاسه ، وقد سكنت ملامحه واشتد الألم فوق صدره ..، انتفض فاخر من وقفته وهو يمسح دماء أنفه وشفتيه ..، واتجه نحو يهتف بفزع وهو يراه يقبض فوق قلبه

- جاسر

……………..

وقف جوارها وقد دمعت عيناه ، وهو يسمع الخبر الذي تزفه لهم الطبيبه ، لا يُصدق أن الله أكرمه بنعمة أخري من نعمه الكثيره عليه

- طفلين

هتف بها غير مصدقاً ، تحت نظرات حياه التي لم تقل عنه من الصدمه ، تتسأل مثله في ذهول وسعاده

- يعني هجيب توأم

اماءت لهم الطبيبة برأسها مبتسمه ، ونهضت عن مقعدها تهز برأسها بضحكه خافته علي حالهم .. و غادرت مكان الفحص ، حتي تتركهم يستوعبون الخبر

التقط عامر كفها ، ينهضها برفق من فوق الفراش الطبي ، وسرعان ما كان يُضمها بقوة إليه ، تستمع لهمساته وحمده لله ، وكم هو كريم في عطاياه ..، فطفله الذي فقده وحزن عليه ..، عوضه الله بعده بطفلين

غادروا عيادة الطبيبة ، وهو يمسك يدها ويسير بها نحو سيارته ، لتقف مكانها من فرط سعادتها

- هو إحنا ممكن نتمشي شويه يا عامر ، الجو جميل أوي

طالعها ، وطالع المكان حولهما..، فتسأل وهو يشعر بالقلق نحوها

- اخاف تتعبي يا حياه

ابتسمت وهي تلتقط ذراعه ، وتتأبطه .. فتوقف عن السير مجدداً

- لو تعبتي ، قوليلي علطول

ضحكت مرغمه ، وهي تشده نحوها

- عامر أنا كويسه ، و ولادك كويسين مش سمعت كلام الدكتوره

توقف مكانه ، يسألها بعدم تصديق

- حياة هو أنتِ فعلا حامل في طفلين

ضحكت بكل قوتها ، حتي شعرت بالألم في معدتها ، لا تستوعب الكلمات المتعلثمه التي تخرج من شفتيه ، ولا توتره العجيب عليها ، عامر السيوفي بقوته وحنكته وأمواله ..، مازال تحت تأثير الصدمه ، دمعت عيناه مرغماً وهو يجذبها إليه ويسير بها

- كنت خايف ربنا يعاقبني يا حياه ، عشان ذنب أبن فريده ، لكن صدقيني مظلمتهاش هي اللي ظلمت نفسها

توقفت مكانها ، ووقفت قبالته ترمقه بنظرات حانية ..، نظرات جعلته يتوق للعودة لمنزلهم ، حتي يُخبرها كم هو يُحبها

- الراجل اللي ميقولش لمراته ، سبب طلاقه من طليقته .. يبقي راجل عظيم ..، أنا واثقة أن السبب كان قوي يا عامر ، قوي لدرجه إنك مقدرتش تغفره ليها

والسبب كان قوياً جداً علي رجلاً مثله ، رجلاً عاش طيله حياته يرفع رأسه ، و يخشاه الجميع

عادوا لأكمال سيرهم ، ولاول مره كان يتخلي عن مكانته وعن تعقله ..، ضحكوا وتوقفوا أمام كل متجر ..، يشترون أشياء بلا هدف ..، حتي الأطعمه التي كان يرفض تذوقها أجبرته اليوم علي تناولها

عادوا لسيارته ، وهو يضحك علي حاله وعليها ، وقد أغرقت المثلجات ثيابهم خاصة هو ..، بعدما ذابت فوق يديه

- بتضحكي عليا يا مدام ، لا وخلتيني أقف أكل من الشارع كمان

تعالت ضحكاتها ، وهي تستقل السيارة في المقعد المجاور له

- أتجنن مرة في حياتك يا عامر

جذبها إليه ، يباغتها بقبلة خاطفه ..، جعلتها تشهق بفزع وتلتف حولها ..، لا تستوعب ما فعله للتو ..، أحتلي العبث ملامحه وقد بدء في قيادة سيارته متمتماً وهو يغمز لها

- مش بتقوليلي أتجنن

...........................................

أنسابت دموعها وهي لا تستوعب ما تخبرها به أروي ، عن سقوط شقيقه ودخوله العناية المركزه ، جاسر القوي الذي يظنه الجميع لا يمرض ولا يرهقه شئ ، سقط في مكتبه أرضاً

- جاسر تعبان أوي يا جنه ، تعالي يا جنه .. تعالي وقوليله إنك حامل .. ، ليه بتعمل فيه كده

اغلقت "أروي" الخط ، دون أن تنتظر سماعها ، فاتجهت خارج غرفتها بخطوات مهرولة نحو مكان جلوس والديها ، حتي تُخبرهم بحديث أروي ، ولكنها وقفت مكانها ..، تطبق فوق جفنيها بقوة ، تتذكر الحقيقة المريرة التي علمت بها ، تتذكر قسوته وعدم مجيئه إليها

- لو كان بيحبك يا جنه ، كان جالك أول ما رجع من سفره ، لو كان جيه وخدني في حضنه ..، كنت ممكن أسامحه ..، لكن كبريائه ديماً بيمنعه

عادت لفراشها ، تدفن راسها أسفل وسادتها ، تُرثي حالها وحال قلبها ، تُقاوم رغبتها القويه في الركض إليه

…………………

خرج من المشفي هذا الصباح رغما تحذيرات الطبيب له ، ولكنه لم يعد يُطيق المكوث بالمشفي ، خاصة بعدما علم بأشتداد المرض علي والده

توقفت سيارة "هاشم" أمام منزل العائله ، وقبل أن يترجل من مقعده ويلتف إليه حتي يساعده ، كان يترجل من السيارة ويزيح يده الممدوده من أمامه متمتماً بحده

- أنا لسا بصحتي يا هاشم متقلقش

حدقه "هاشم" بقله حيله ، يزفر أنفاسه حانقاً مما يفعله ابن عمه بحاله ..، اسرع في صعود الدرج دون أن يهتم بصوت زوجه أخيه المهلله بعدوته ..، رغم الحزن الذي أصبح يُخيم بالمنزل

وجد عمته ، تتجه نحو غرفتها بملامح حزينه ..، تُسبح فوق سبحتها ولم تنتبه علي وجوده ، شعر بشئ يجثم فوق فؤاده ، فاسرع لغرفة والده ، ليجد راجي جواره و والده يتحدث معه بصعوبه ، وكلما أخبره عن التوقف ..، كان "حسن" يشدّ علي قبضة يده

- مافيش وقت يا ولدي

علقت عيناه بعينين "جاسر" ، فغامت عيناه بالشوق لأبنه الغالي وقد ظنه مسافر كما اخبروه وليس في المشفي بعد المصيبه التي حصلت لهم ..، بسبب ذلك المتبجح الذي يجلس جوار والده

- رجعت بالسلامه ياولدي ، متعرفش أنا كنت مستنيك إزاي ..، كنت خايف أمشي قبل ما أشوفك

اندفع "جاسر" نحوه ، يُقبل كفيه ،يهتف برجاءً له ، ألا يتحدث هكذا

- الموت علينا حق يا كبير عيلة المنشاوي

- هتفضل أنت كبير العيلة ديه يا حاج

لثم رأسه ، يُقاوم ذرف دموعه ، يرمق ذلك الجالس بملامح جامده ، فشعر "راجي" بيد حسن تمسك يده بوهن ، فطالعه بقلق متسائلا

- محتاج مني حاجه

- هاتوا أيديكم يا ولادي

وبأنفاس متقطعة ، كلن يرفع كفوفهم ..، يضمهم بكفيه

- أوعوا تفترقوا عن بعض ، أنت خلاص عرفت الحقيقه يا ولدي ..، اخواتك سندك وضهرك ..، قرب منهم يا راجي

- أنت بتقول إيه يا حاج

ابتلع "جاسر" لعابه ، وهو ينظر نحو راجي الذي دمعت عيناه ..، ثم انسحب من الغرفه

- راجي أخوك يا جاسر ، اخوك من حليمه النعيمي

وهل ينسي اسم هذه المرأه التي أخبره والده عن حكايته معها مؤخراً ، حاول الثبات واحتواء يده

- بلاش تتكلم كتير يا حاج

أغمض "حسن" عيناه ، ينفذ له رغبته ..، يُخبره بخفوت

- سيبني انام شوية يا ولدي

طالعه "جاسر" وهو ينهض من جواره بصعوبه ..، يتحرك نحو باب الغرفه ..، يشعر بأن أنفاسه تتثاقل مع خطواته

كان أذان العصر يعلو ، فخرجت منيرة من غرفة شقيقها صارخه ، جعلتهم جميعهم ينهضون من فوق مقاعدهم وقد أرتجفت اجفانهم وهم يدركون وفاة حسن المنشاوي .

..............................................

أنقضت أيام العزاء الثلاثة ، وقد أصبح الجميع يعيش في حاله حزن وعزله ..، كانت عيناها تبحث عنه ..، لعلها تستطيع رؤيته والأقتراب منه ..، فقد حاولت اليومين السابقين أن تكون قربه ..، لكنها شعرت بالفجوة الكبيرة التي أصبحت بينهم

اقتربت منها والدتها ، وهي تري التعب الواضح فوق ملامحها ، وقد بدأت تشك في أمر ابنتها ، خاصه كلما سألتها عن سبب شحوبها والقيّ المستمر ، تُخبرها أن معدتها تؤلمها

- جنه

أنتبهت علي صوت والدتها ، وقد فاقت من حالة الشرود التي أصبحت تُلازمها ، تنظر إليها

- سمعت من أبوكي ، إن جوزك قاعد في بيته التاني يا بنتي ..وقافل علي نفسه من العصر ..، روحي لجوزك يا بنتي ..، الست الشاطرة بتقف جانب جوزها في محنته وترمي ورا ضهرها الزعل

كانت مقتنعه بحديث والدتها ، فهذا ما نشأت عليه ..، التمعت عيناها بلهفة تتأكد منها

- هلاقيه في البيت

ابتست "صافيه" وهي تري لهفتها ، وكيف استجابة لحديثها دون مجادلة

- أبوكِ قالي .. ، لما سألت عنه يا بنت بطني

حثتها والدتها بنظراتها ، ودفعتها برفق حتي تذهب إليه ..، اسرعت في إحكام حجابها فوق شعرها ..، واتجهت نحو الخارج تبحث عن أحد صغار العائله ، حتي يسير معها للبيت بسبب الظلام بعدما تجاوز الوقت السابعه مساءً.

وصلت للمنزل ، تطرق الباب ولكن وجدته مفتوحاً ..، وعلي ما يبدو كان هناك أحداً معه

اقتربت من الغرفة تستمع لصراخ "جاسر" بنيرة التي تعالت شهقاتها بعدما اخبرته عن زيجتها من راجي منذ شهرين وحملها منه

وضعت كفها فوق شفتيها في صدمه ، والتفت خلفها ..، لتجد راجي يدلف المنزل ، وقد خرج هو الأخر من غرفة مكتبه ..، علقت عيناه بها ولكن تجاوزها متجهاً نحو "راجي" يلكمه بقوة

- حبيت تعاقبنا فيها يا ابن النعيمي

تراجع "راجي" للخلف ، بعدما تمكن من الوقوف ..، يمسح فوق خده من أثر اللكمه، ينفث أنفاسه بغضب

- أنا أبن المنشاوي زي زيك ، يا جاسر

كانت الصدمه الأخري تحتل كيانها ، وهي تستمع لعبارات راجي

أشتدّ العراك بينهم ، فوقفت نيرة منزوية علي حالها ، تضع بيدها فوق أذنيها ..، اسرعت في الأقتراب منهم بعدما رأتها بهذه الحاله ، و وقفت بينهم صارخه

- كفايه يا جاسر ، كفايه

ولكن "جاسر" كان الغضب يعمي عينيه ، أزاحها من امامه بقوة ، فسقطت أرضاً تصرخ هذه المرة من الألم

- جاسر أنا حامل

التقطت اذنيه صوتها المتقطع ، وقد هتفت بها بعدما وضعت بيدها فوق بطنها ، فانحني راجي لأسفل يلهث أنفاسه ويمسح الدماء عنه

تجمدت عيناه ، وهو يراها ..، تتألم وتضم بطنها بيديها ..، وقد تلاشي كل شئ حوله واقترب منها يجثو فوق ركبتيه ، لا يُصدق ما سمعه للتو

…………….

ابتسم الطبيب وهو يُطمئنه علي حالتها للمرة العاشرة ، يربت فوق كتفه ضاحكاً

- إيه يا جاسر باشا ، أحلفلك يعني إن المدام بخير

القاها الطبيب مازحاً ، قبل أن يُغادر الغرفة بعدما سمح لها بالخروج وقد طمئنهم علي طفلهم

اسرع بالأقتراب منها متلهفاً ، فوجدها تشيح عيناها عنه ، تزم شفتيها تذمراً

- رجعنا للقمص تاني ، تصدقي بالله أنا غلطان أصلاً إني ملهوف عليكي

ابتعد عنها ، فاسرعت في التقاط يده

- بدل ما تصالحني ، وتدلل فيا لحد ما اسامحك ..، هو أنت اللي عملته فيا سهل يعني

طالعها بمقت، وقد أغمض عينيه بقوة

- أنتِ شايفه أنا في إيه ولا إيه يا جنه ، المفروض أنا اللي أزعل منك .. دخلت المستشفي مجتيش تشوفني ، تلت ايام العزا عيني تيجي في عينك ..، وتهربي مني زي الجبانه ، كنت محتاجاك جانبي

هتف بها ، وقد جاورها فوق الفراش ، نظرت لملامحه ..، لتجده مرهقاً للغايه وكأنه يحمل هموم الدنيا فوق كتفيه

- أنا أسفه يا جاسر ، أنت متعرفش أد إيه أنا بتألم عشانك ، ولو كان ينفع أشيل عنك شويه كنت عملت كده ..، أنا مش قليلة الأصل صدقني

علقت عيناه بعينيها ، فجذبها إليه يضمها نحو صدره ، مدركاً صدق حديثها

- عارف يا جنه شعورك كويس ، لو مكنتش عارفك فعلا ..، كنت بيعت اللي بينا بالساهل زي ما أنتِ بعتي ومشيتي من غير ما تسمعيني

أرادت أن تتحدث ، ولكن وضع يده فوق شفتيها

- خلينا نقفل الكلام في الموضوع ده دلوقتي ..، وكل حاجة هتلاقي ليها جواب

وطالعها بنظرات قوية ، قاصداً كل شئ يُريده

- وكلمة طلاق لو طلعت منك تاني ، عقابها هيبقي عسير

ولولا الظروف التي يمروا بها ، لكانت أنفجرت ضاحكه من وعيده ، جاسر لن يتغير أبداً مهما حدث .

......................................

كانت تطير من فرط السعاده ، وهي تشتري كل شئ كهدايا للعائله ، اقتربت منه تريه ما اشترته لكل أفراد العائله ، فضمها إليه يخبرها أن كل ما تنتقيه جميلاً

حدقت به بعدما أبتعد عنها ، فاسرعت بالأقتراب منه تسأله بلهفة

- مالك يا احمد

تنهد وهو يجلس فوق فراشهما ، يُطالع ملامحها ثم أشار إليها بالأقتراب منه

- تعالي يا صفا

شعرت بوجود خطبً ما ، فتسألت وهي تزدرد لعابها

- نزولنا مصر ممكن يتأجل سنه أو سنتين ..، الشركه وقفت تاني قرار الفرع

تلاشت سعادتها ، وهي تنظر إليه .. غير مصدقه تراجعهم في القرار

- يعني مش هننزل مصر خالص

اسرع في أحتواء وجهها بين كفيه ، ينظر في عينيها وقد أرتسم الحزن فيهما

- كنت عايزه أزور قبر بابا وماما ، واقولهم أد إيه سعيده ويشوفوك معايا

ضمها إليه وهو لا يقوي علي استماع حديثها

- هننزل يا حببتي ، هننزل أجازة نشوف اللي بنحبهم ونرجع ..، صفا أنا محتاجك معايا هنا

حاولت نفض الدموع العالقة بأهدابها ، فهي تعلم بطبيعة عمله ، وقد وافقت علي الأمر من قبل

- المهم هننزل وخلاص حتي لو أجازه

ابتسم وهو يري تقبلها لما حدث ، وعاد لضمها مجدداً

- وهنروح المزرعة واوعدك نركب خيل يا صفا

ابتعدت عنه غير مصدقة ما يُخبرها به ، هل سيعود لهويته المحببه بعدما هجرها لسنوات من اجلها

- بجد يا احمد

وهو كان غارق في عينيها ، يهمس لها بعشق

- نفسي يبقي عندنا بنت نفس عيونك يا صفا

.....................

ضحكت "ناهد" بقوة وهي تستمع لتحذيرات ولدها الذي تراه قد أصابه الجنون ، منذ أن علم بحمل حياة

- كفايه حركة ، أنتِ مش شايفه نفسك من الصبح بتتحركي

- بتحرك من الصبح يا ظالم ، ده انت عامل عليا حصار

طالعها بملامح قاتمة ، ينظر لوالدته وقد أخذت تضحك دون حديث

- شايفه بترد عليا إزاي ، فين دروسك العظيمه يا ناهد هانم

اتجهت انظار ناهد نحوها ، بعدما اختفي صوت ضحكاتها ، واتسعت أبتسامتها

- دروسي خلاص خلصت ، وعرفنا نروض الوحش اللي جواك

طالعهم بنظرات قوية ، يُقلب عيناه بينهم ..، لا يُصدق إنه أصبح بينهم كالكرة يتلاعبون به

- روضنا نص الوحش بس ، فاضل النص التاني يا ماما

هتفت بها حياه ، فاحتدت عيناه ، ينظر لتلك التي أخذت تضحك وقد شاركتها والدته الأمر

- بتتقفوا عليا يعني

ترك لهم الغرفه بملامح غاضبه ، فعلقت عيناها به غير مصدقه غضبه ، وقد ظنوه بدء يتقبل المزاح

- روح يا بنتي ، وراضيه بكلمتين ..

اسرعت خلفه ، تشعر بالتوتر ..، تفكر كيف تسترضيه ..، فهو أصبح صعب المراس

دلفت للغرفة ، تبحث عنه بعينيها ، فصرخت في ذعر وهي تشعر بذراعه تُحيط خصرها , يهتف بوعيد عابث

- الوحش بقي اللي روضتي يا حياه ، هياكلك لحد ما يشبع

………….

اجتمع الجميع مترقبين هذا الجمع العجيب ، الذي أصر عليه جاسر هذا اليوم ..، تلاقت عيناه بأفراد عائلته ..والكل اخذ يُحدق به منتظرين بما سيخبرهم به كبيرهم

- بعضكم أو الكل سمع ..، إن الحاج حسن المنشاوي رحمه الله...

هتف الجميع ، بعدما رفعوا كفوفهم يترحمون عليه ويذكرون محاسنه ، فاردف جاسر وهو يُركز بعينيه نحو راجي الذي نهض عن مقعده وتقدم منه

- الحاج حسن ، ليه ابن من صلبه من زوجته الخليجيه السيده حليمه النعيمي رحمها الله

تعالت أصوات الجميع ، فعلي ما يبدو أن ما سمعوه صحيحاً ، الحاج حسن كان لديه ولداً أخر وقد تأكدوا من صحه الحكاية

- وعشان رابط العيلة يفضل مستمر وفي وصال ديما ، راجي طلب أيد نيرة للجواز

طالعه الجالسين في صمت ، ومن نظراته القوية كانوا يعرفوا إنه ينتظروا تأكيدهم علي قراره

تحركت "نيرة" نحو الغرفة المجتمعين بها ، بعدما استمعت لقرار موافقتهم ..، كانت تشعر بالغضب ..، فلم تعد تُريد هذا الرجل ، بعدما اكتشفت إنها لم تكن إلا لعبه في يديه ، ولديه زوجه أخري غيرها

وقفت مكانها ، تنظر لتلك اليد التي وضعت فوق كتفها ..، لتلتف ببطئ ..تنظر نحو "جنه"

- لو طلعتي واتكلمتي ، هتخسري نظرة اهلك ليكي وهتخسري جاسر يا نيرة

وبضعف لأول مرة كانت تظهره, لتلك المخلوقه التي كرهتها دوماً ، وسعت علي دمار حياتها

- مش هقدر أعيش معاه يا جنه

وعلي بعد ، كانت تقف هدي ..، تشعر بالصدمه وهي تري شقيقتها في أحضان جنه والأخري تضمها إليها تواسيها ..، وقد بدأت الشكوك تقتحم عقلها. 
الفصل الاخير (2) والنهاية

******



زيجة صامته بلا عرس , كما لم تكن تتمني يوماً ، تمنت ان تكون عروساً جميلاً تحسدها جميع النساء علي زيجتها وجمالها ، ويتحاكوا عن تفاصيل عرسها لسنوات ..

ارتسمت أبتسامة متهكمه فوق شفتيها ، فالعرس بالفعل سيتحدثوا عنه لسنوات ولكن بشفتي ممتعضه، مشفقين عليها ..

أنسابت دموعها وهي تنظر نحو شقيقتها "هدي" التي أشاحت عيناها عنها ، لا تستوعب حتي هذه اللحظه ما فعلته بحالها ولولا "جاسر" و "جنه" وايضا زوجها أحتفظوا بسرها واسرعوا في أتمام هذه الزيجه من أجل من جمع الترابط بين الأشقاء ..، لكن جميع أهلهم وأهل البلده قد شكوا بالأمر

- مش هتحضنيني يا هدي

رمقتها هدي بنظرات غاضبه ، وحزينه

- خيبتي أملي فيكي يا نيره

وأنسابت دموعها ، تشعر وكأن الجميع يعلم بعار شقيقتها

- ليه تعملي في نفسك كده ، كان ناقصك إيه عشان تتجوزي في السر ..، وتتذلي وتحطي راسك في الأرض وتكوني زوجة تانية

- كفايه يا هدي

- هو فعلا كفايه يا نيرة ، وكويس إنه هياخدك معاه الأمارات بعيد عننا ، علي الأقل تداري عارك بالطفل اللي بطنك

وهتفت متهكمه بنبرة مهمومة

- كويس إن بطنك لسا مظهرتش ، كانت سيرتنا بقت علي لسان الناس طول عمر

تعالت شهقاتها ، لا تعرف لأول مرة كيف تُدافع عن حقها

- مش عارفه تردي عليا ، عارفه ليه عشان حاسه بعارك يا بنت أم و أبويا

خرجت "هدي" من الغرفه ، قبل أن تتحدث بحديثً أخر أشد قسوة

دلفت جنه الغرفة تشعر بالشفقة عليها , فقد أتت حتي تستعجلها بعدما تأخرت هدي في غرفتها ، وقد استمعت لبعض الحديث بينهم

طالعتها "نيره" وهي تمسح دموعها حتي لا يري أحداً ضعفها متمتمه

- أنا جاهزة

………

وقفت "صفا" أمام قبر والديها ، ثم جثت فوق ركبتيها تمسح فوق قبرهما ، وقد غشت الدموع عيناها وأنسابت بغزارة

- وحشتوني أوي

بكت بقوه بعدما لم يعد لديها قدرة علي النحيب في صمت ، أسرع في التقاطها من فوق الأرض يضمها لصدره وقد دمعت عيناه تأثراً

- كفايه يا صفا ، أدعيلهم يا حببتي

- وحشوني أوي يا احمد ، قولهم يرجعوا ..

أحتواها بحنان ، لا يعرف كيف يُخفف عنها ..، تركها تبكي حتي كفت عن البكاء وابتعدت عنه

- بابا ..ماما ده أحمد جوزي ..، شوفتي يا بطوط أه أتجوزت راجل زي الحكايات ، كنتِ بتريقي عليا لما أقولك أنا مستنيه بطل يكون ليا لوحدي

ابتسم مرغماً وهو يمسح عنها دموعها ، وقد أخذت تقص عليهم حكايتها معه

ضمها إليه وهو يُغادر المقبره ، فالتفت برأسها نحو قبرهما .. تضع بيدها فوق بطنها تخبرهم في حديثً صامت ، عن حملها لطفلاً في أحشائها ، وهم أول من يعلموا بهذا الخبر السعيد ، حتي يفرحوا بحفيدهم القادم

استقبلهم عامر بحفاوة ، وهو لا يُصدق إنهم جعلوا عودتهم المؤقته مفاجأة لهم

- كده متقوليش عشان أجي أستقبلكم في المطار

ربت "أحمد" فوق ظهره ، وهو يضمه إليه يُخبره عن مدي شوقه له ولوالدته والقصر

- حبيت أعملها ليك مفاجأة يا عامر

أسرعت "حياه" بخطواتها إليهم ، بعدما علمت من الخادمه بقدومهم ..، وقبل أن تتقدم منهم كان يهتف صارخاً

- برضوه بتجري ، انا مش عارف هتخافي عليهم أمتي

تعالت ضحكات "صفا" وهي تقترب منها , تضمها بعدما هتفت مازحه

- أنا قولت الوحش الكامن داخل عامر بيه ، زمانك قدرتي عليه

- هو حد يقدر عليه برضوه

هتفت بها "حياه" وهي مستاءه ، بسبب أفعاله الجنونيه وصراخه الدائم عليها ..، كلما تحركت

- حياه

تمتم بها محتقن الوجه ، وكأنها أضاعت هيبته أمام شقيقه و زوجته ، أنفجر أحمد ضاحكاً

- يا باشا هيبتك موجود متقلقش

صدحت ضحكاتهم عالياً ، فدمعت عينين ناهد وهي تقترب من مكان وقوفهم وترافقها مرافقتها ، تهتف بشوق وهي تمدّ يديها أمامها نحوهم

- أحمد

………………….

التقط منها طبق الطعام ، الذي وضعت فيه كل ما يشتهيه ، طالعها بنظرات ممتنة مُحبة..، فرغم غضبه وحديثه الحاد الذي حادثها به منذ دقائق ..، لا تتذمر ، أو تعبس بوجهها ..

شعر بالإنتشاء ، وهو يري نظرات شقيقه لهم ، وتذمره وهو يُطالع زوجته التي أنشغلت في تناول الطعام ، بعدما اخبرته إنها بالفعل جائعه

- أرجوك يا حياه علميها شوية دروس ، في التعامل مع الزوج ..، بدل ما هي ماشاء الله مش شايفه قدامها غير طبق الأكل

ضحكت السيده "ناهد" علي حنق إبنها الأصغر ، لا تُصدق أن أولادها أصبحوا يتذمرون علي أبسط الأشياء مع زوجاتهم وكأنهم لا يريدهن إلا لهم وحدهم

- أنا يا أحمد مش بهتم بيك ، هو ده اللي تقصده مش كده

أمتعضت ملامح "صفا" وهي تهتف به ، كما امتعضت ملامح عامر وهو يري زوجته تندفع نحو شقيقه وتصنع لهم طبقاً كما صنعته له ..، التقط ذراعها ينظر إليها متمتماً بضيق تحت نظرات أحمد الذي أنفجر ضاحكاً
- مش عنده مراته ، خليها تهتم بي

- وفيها إيه يا عامر

- مالك يا باشا بس ، مش هناكل المدام والله

تعالت ضحكاتهم ما عدا "عامر" الذي احتقنت ملامحه

- مافيش دم خالص ، يا صفا هانم

طالعته "صفا" وهي تحشر الطعام بفمها ، تحرك رأسها نافيه ..، تهتف بحنق وهي تضع لقمة أخري

- جعانه أوي يا احمد

كان يشعر بالدهشه من جوع زوجته العجيب عليه ، فالتقط كأس الماء ..، يقربه منها

- طيب براحه يا حببتي ، أحطلك إيه تاني في طبقك

اخذ يضع لها الطعام ، بعدما أدرك بالفعل إنها جائعه ..، زال عبوسه وصب كل اهتمامه عليها

طالعتهم "حياه" بنظرة دافئه ، فتلاقت عيناها بعينين عامر ..، الذي ألتقط كفها يلثمه بحب

- تسلم أيدك يا حببتي

ورغم إنها لم تعد تساعد الخادمات بالمطبخ ، إلا بالأشراف فقط ..، ولكنه بات يمتدح الطعام يومياً

أبتسمت ناهد وهي تستمع لكلمات الحب والضحكات بين أولادها و زوجاتهم ..، ولم تكن تظن أنه سيأتي يوماً ويجلسون هكذا وستجمعهم مائدة طعام سوياً يسودها الدفئ.

…………….

تقافزت بسعاده أمام الفرس الجميل الذي أخرجه لهم العامل ، كما أمره سيده ..، اسرعت في وضع يدها فوقه ، ولكن الفرس أخذت ترفع قدميها وتصدر صوت صهيلها

ترجعت للخلف خائفه ، بعدما كان الحماس يعتلي ملامحها

- حببتي متخافيش ، هو بس مش متعوده عليكِ

قربها منها برفق ، فتراجعت ثانية بعدما دب الرعب في قلبها

- ما هي مش خايفة منك ، اشمعنا أنا

- قدرات يا حببتي

هتف مازحاً ، فرمقته ممتعضه ..،فهتف ضاحكاً

- بقيتي علطول متذمرة يا صفا هانم

- أحمد

وبهمس خافت هتفت أسمه ، تخبره بوداعه وهي تُسبل أهدابها

- خلينا نتمشي ، أنا خلاص مش عايزه أركب خيل

ولكنه كان مصّر علي تنفيذ الأمر واصطحابها في جولة داخل المزرعه ، صعد فوق الفرس وأجتذبها يضعها أمامه ..، كان يتحرك برفق وفور أن بدأت خطوات الفرس تزداد صرخت خائفه وهي تلتف نحوه وتلتقط قميصه متشبثه به

- صفا ، أنا كده مش هعرف أتحكم في لجام الفرس

- نزلني يا احمد ، نزلني أنا خايفة

اوقف الفرس ، واسرع في الهبوط منه ثم حملها ، فاغمضت عينيها وهي تشعر ببعض التقلصات ، التي أخذت تزداد ولم تعرف من أين يأتي الوجع ، تعالا نحيبها في صدمه ..، فقد حذرتها حياة من ركوب الخيل وأخبرتها إذا علم أحمد بالامر .., فلن يستمر في الركض بها هنا وهناك حتي يستمتعون بأجازتهم الصغيرة

اتجه بها نحو المنزل ، رغم طول المسافه التي قطعوها

- صفا إيه اللي حصلك ، ما أنتِ كنتِ كويسه

لم تستطيع أخباره ،فلو علم بالأمر وأنها لم تخبره ..، سيغضب عليها بشده ..، وضعها فوق الفراش وقبل أن يُخبرها إنه سيُهاتف عمتها حتي تأتي إليهم ..، كان ينتبه علي الدماء التي عُلقت بقميصه ويديه ، ينظر إليها بذهول متسائلاً

- أيه ده ؟

والجواب كان واضح ، وهو يراها تضع بيدها فوق بطنها دون إجابه

……..

غادرت السيدة "صافية" من غرفة أبنة شقيقها ، وقد احزنها فقدنها للطفل ، أقتربت منه وهو جالس فوق الأريكة بالطابق السفلي يطرق رأسه أرضاً

- أطلعلها يا بني ، من ساعه ما رجعنا من المستشفي بتسأل عليك

طالعها "احمد" بنظرات صامته ، فجلست جواره تربت فوق كفه الموضوعه فوق ساقه

- صفا طيبه وغلبانه ، هي يمكن متهورة شويه في تصرفاتها بس مافيش أطيب منها

ظل صامتًا ، يستمع لكلمات السيده "صافيه" التي نهضت وقررت الرحيل ، بعدما منحته بعض السلام من حديثها الطيب

صعد إليها ، وقد بدء يشعر بتوازنه ، وفور أن دلف للغرفه كانت تعتدل من فوق الفراش بلهفة ..، تمسح دموعها

- أنا أسفه يا احمد ، أنا مكنتش عايزه أقولك ..، بس أنت كنت خلاص حجزت تذاكر الطيارة

وأطرقت رأسها في بؤس ، تهتف معللة ..، تتمني مسامحته علي إخفائها عنه لأمر حملها

- كنت عايزه أنزل مصر ، كنت مشتاقة ليهم أوي ..، كنت عايزه أقولهم أد إيه أنا سعيده

هتفت عباراتها ، وقد تعالت شهقاتها من شده الألم ..، فاقترب منها يضمها إليه بعدما رأي إنهيارها

- لما شوفت الدم ، خوفت أخسرك زي ما خسرتها يا صفا

توقفت عن البكاء ، بعدما ألجمها حديثه ..، ابتعدت عنه ..تنظر نحو ملامحه الجامده الشاردة

- زعلي منك عمره ما هيكون اكبر من خوفي عليكي

علقت الدموع بعينيه ، فاسرع بأشاحت عيناه عنها بعدما اطبق فوق جفنيه بقوة

- مشهد موت مها مش قادر أنساه

وقدعاد المشهد وعادت الذكريات لتخنق روحه ، نفس المكان ونفس الوقت ، "مها " تركض بالفرس وهو يركض خلفها حتي يلحقها بعدما فقدت التحكم في لجام الفرس ..، تصرخ باسمه حتي يلحقها ولكن الاوان قد فات ..، وارتطم الفرس بالسيارة الكبيرة وسقطت في بحر دمائها

اسرعت في ضمه إليها ، تُشاركه حزنه في صمت ..، غادر الغرفه بعدما لم يعد يتحمل المكوث أكثر فيها ، حتي إنه لم يعد يتحمل وجوده بالمزرعة التي جاء إليها من اجل أن يُحقق لها رغبتها

أنتظرته طويلاً ، وقد أقترب وقت بزوغ الشمس ..، فتحركت بالغرفة بصعوبه تشعر بالقلق وقيلة الحيله ..، وخاصه بعدما أغلق هاتفه ..، التقطت هاتفها لتهاتف "عامر" فلم يعد لديها قدرة علي الأنتظار أكثر ولكن قبل أن تضغط علي زر الأتصال ..، كانت تجده يدلف وثيابه متسخه بعض الشئ

اندفعت إليه باكيه

- وعدتني إنك مش هتسيبني ، ومش هترجع للماضي تاني ..، لو زعلان مني أنا أسفه ، عاقبني لكن متعاقبش نفسك

احتواها بين ذراعيه ، يشم رائحتها التي تُنسيه كل شئ ..، وبرفق كان يبعدها عنه يُخبرها بحنان

- أنا كويس يا صفا ، كنت محتاج بس أفضل لوحدي شويه

- لا أنت مش كويس يا أحمد

علقت عيناه بملامحها الذابلة ، ودموعها التي أستمرت في الهطول فوق خديها ..، يرفع كفيه يمسح عنها دموعها

- كفايه عياط ، ولا أضم كلمة زنانة ..، مع قماصه ونكديه

هتف بمزاح حتي يخفف عنها ، ويجعلها تُصدق إنه بخير ..، تجمدت جميع حواسه وهو يشعر بشفتيها فوق شفتيه ..، طالت قبلتهما التي شعر فيها بأن أوجاعه تنخمد ، وكأن قبلتها هي الترياق الذي اعاد إنعاش روحه ..، ابتعد عنها بانفاس لاهثه يضع جبينه فوق جبينها ، يتأمل ملامحها الجميله ويضغط بيديه فوق خصرها

- أنتِ أحلي حاجة حصلت ليا يا صفا

…………..

توقفت أمام الشرفة ، تنظر لمياة النيل التي تطل عليها شقته في العاصمه ..، أقترب منها يضمها لصدره متمتماً

- إيه اللي مصحيكي بدري

شعرت بيديه تمسدّ فوق بطنها ، فالتفت إليه تمنحه صباحاً جميلاً في قبلة خاطفة وضعتها فوق خده

- حسيت بقلق شويه ، ولقيت الجو جميل قولت اقف استمتع شويه بالمنظر

داعب أرنبة أنفها باصبعه ، يجذبها إليه اكثر

- أوعي تكوني بتكدبي عليا يا جنه ، وتكوني تعبانه

تعالت ضحكاتها ، وهي تراه ينتظر سماع جوابها بلهفة

- جاسر ، بلاش قلقك الزايد

لطمها فوق جبهتها بخفه ، يتذكر إذا لم يهتم بها تحزن وتتذمر ، وإذا صب اهتمامه عليها تضجر منه

- والله يا حببتي أنا مش عارف ، أنتِ عايزه إيه

- عايزاك تفسحني ، أنت مش جايبني هنا عشان أفضل قاعده في الشقه لحد ما تخلص شغلك

واطرقت رأسها في أسي ، تتذكر رحيل أبنة خالها ليلة أمس

- صفا خلاص مشيت ، ومش هلاقي حد اتسلي معاه

تعالت ضحكاته ، وهو يري تذمرها

- هو إحنا هنعيش هنا طول العمر ، إحنا راجعين البلد بعد أسبوع يا حببتي

صاحت وهي تتقافز أمامه ، كالبهلون ..، فقبض فوق كتفيها يُثبتها مكانها

- يبقي تفسحني طول الأسبوع ، وننزل نجيب الطلبات اللي طلبتها مني أروي

وبنبرة محذره ، كانت تهتف

- كله وطلبات أروي ، ديه تفضحني وتموتني

وبحب كان يُضمها إليها مجدداً ، يُخبرها بموافقته نحو كل ما تُريده

- حاضر يا حببتي

وسرعان ما كان يفيق من هدوئه وهو يجذبها للداخل ، بعدما نظر في ساعة يده

- شوفي عماله ترغي كتير ، ومخلتنيش أقولك أنا عايزك في إيه

وهل ابن المنشاوي يُريدها إلا في مواضيعه الهامه للغاية ؟

غمز لها عبر المرآة بعدما وقف يُهندم من قميصه ، ويربط رابطه عنقه ..، فتوردت وجنتاها خجلاً وهي تتحاشي النظر إليه ، فأنفرجت شفتيه في ضحكة قويه

- لو مكنتش عندي إجتماع مهم بس ..

غادر ، بعدما وضع فوق جبينها قبلة سريعه ، فاتسطحت فوق الفراش ..، تضع بيدها فوق قلبها ، لا تُصدق تلك السعاده التي باتت تعيشها معه وبين ذراعيه .

………….

بعد مرور بضعة أشهر ، في داخل إحدي المشافي الخاصه الكبري

خرج "عامر" من غرفة العمليات بأعين دامعه ، بعدما رأي صغيريها وحملهم ، أسرع رجب إليه بلهفة ، ومن نظرته علم أن شقيقته وضعت صغارها

- مبروك يا عامر يتربوا في عزك يا باشا

ربت "عامر" فوق كتفه ، يشكره ،

تلاقت عينين سناء به في حقد ، تشيح عيناها عن المشهد ، فلم تتخيل يوماً أن تصبح حياة هكذا ، زوج يُحبها بل لم يتركها حتي في غرفة العمليات مصمماً أن يكون معها هذه اللحظه ، تلد في أفخم المشافي ..، وتنجب ولدين وتعيش في عز لو غرفت منه لن ينتهي

كان الحقد يتأكلها ، تعض فوق شفتيها بقوة ، تُطالع لهفته وهو يتجه نحوها بعدما خرجت من غرفة العمليات واتجهت نحو غرفتها بالمشفي .

……………..

حمل "جاسر" صغيرته الجميله ..، ينظر إليها غير مصدقاً إنه يحمل قطعه منه بين ذراعيه

اقتربت منه "اروي" تلتقطها منه ، كما حاول البعض ، لكنه أخفي منها صغيرته ، انفجر الجميع ضاحكين

- يعني أنا هاكلها يا جاسر ، ما تقولي حاجه لجوزك يا جنه

طالعتهم بأرهاق ، تنظر إلي زوجها بعنفونه وهيبته ، وكيف صار كطفل صغير ، وهو يحتوي صغيرتهم

- الكبير خايف علي بنته مننا ، إيه يا كبير المنشاوية مش هتخليني اشيل بنتك

هتف بها "فاخر" ، فاعطاها له ، فاحتقنت ملامح أروي

- كده يا جاسر ، شايفه جوزك يا جنه

ضحكت "جنه" بخفوت ، فضحكت السيده "صافيه" وهو تنظر إليهم . وتنظر إلي ابنتها ، تدعو لها الله ، أن يديم عليها هذه السعاده

علقت عينين صابر بحفيدته، وهو ينهض عن مقعده يلتقط منهم الصغيره هاتفاً

- هاتوا حفيدتي ، تعالي يا أروي خدي شيليها

تهللت أسارير أروي والتقطت الصغيره من عمها ، فدلف "هاشم" ، ينظر نحوهم بعدما أستمع لصياحها بهم

- مين مزعل مراتي

شوفت يا "هاشم"، مكنوش راضين أشيل "رهف"

- بكره مش هنخلي حد يشيل ولادنا يا حببتي

تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل ، واقترب منها يلصقها به ، فعلقت عينين أشقائها بها

- أبعد أيدك عنها

وهاشم يهتف صائحاً بهم ، فانفجر الجميع ضاحكين بقوة

- والله مراتي ، إيه المعامله الوحشة ديه .. ياولاد حسن المنشاوي

خرج الجميع من الغرفه أخيراً ، فاقترب منها بلهفة يزفر أنفاسه براحه

- يااا أخيراً بقينا لوحدنا

- مبسوط يا جاسر

طالعها بسعاده وهو يلتقط كفيها يلثهما

- أنا أسعد راجل في الدنيا يا جنه

اتسعت أبتسامتها ، وهي تُطالعه ..، لا تُصدق إن هذا الرجل بقوته ومكانته ، زوجها وحبيبها

- بحبك

- بحبك ، و دلوقتي كمان ..، ده أنتِ جبارة يا جنه

ضحكت مرغمه وهي تستمع لكلماته التي فهمت مغزاها ، فقربها منه برفق

- هنجيب فارس أمتي بقي

وقبل أن تبعده عنها وتهتف بأعتراض ، كان يُخرسها بطريقته ، هامساً بحب وهو يبتعد عنها

- هدفنا الجاي هو فارس ، و يمكن نسجل هدفين مرة واحده

وسرعان ما كانت تتعالا ضحكاته ، وهي تدفعه عنها صارخة به

………..

اتسعت ابتسامه "صفا" بعدما أنتهت محادثتهم مع أفراد العائله ، اغلق "احمد" حاسوبه مبتسماً هو الاخر يضمها إليه .. يُمسد فوق بطنها

- ولاد عامر وبنت جنه خطفوا قلبي ، عقبالنايا حببتي

ابتعدت عنه ، تشعر بالشوق لتلك اللحظه التي ستصبح فيها أماً

- هكون أم حلوه صح

واخذت تُخبره عما ستفعله مع صغيرها الذي اختارت أسمه علي اسم والدها ، فاتسعت ابتسامته وسرعان ما كان ينفجر ضاحكاً

- إيه كل الأحلام ديه ، اللي مستنيه تحققيها معاه

مطت شفتيها في إستياء ، تجذبه من قميصه بطريقة شرسة

- من غير إعتراض ، هتنفذ كل طلباتنا

تعالت ضحكاته ، وهو يبتعد عنها

- مش عارف ليه بقيتي شرسة يا صفا ، هو أنتِ حامل في نمر مفترس

تجهمت ملامحها ، وهي ترمقه بتوعد وعادت تقترب منه بشراسة ، فانسحب من جوارها

- كل أوامرك وأوامر حسن باشا هتتنفذ بالحرف

استرخت ملامحها ، وتسطحت فوق الأريكه تفرد ساقيها ..، رمقها وهي تلتقط حبات الفواكهه تلتهمها ، و تلوح له بيدها الأخري

- أبعد كده خليني أتفرج علي التلفزيون ، المسلسل بدء خلاص

صدح صوت التلفاز مع أحد المشاهد القوية ، ليبتعد من امامها ، يُطالع المشهد الدموي في صدمه

- مصاصين دماء يا صفا ، وانا بقول ليه التوحش ده

وبعند كان يغلق لها التلفاز ، مقتربً منها حتي ينهضها من فوق الأريكه ولكنها كانت هي من تجذبه إليها تهمس له بوداعه ، بعدما تقلب مزاجها وعادت تشتهيه

- هو أنا قولتلك إني بحب النهارده

ضحك مرغماً من تقلبها الذي أصبح لذيذاً وممتعاً، يهمس لها

- وكمان بقيتي مجنونه يا حببتي

والجنون قد أصبح شيئاً أساسياً في حياته ، بل أصبح هو طعم الحياة بينهم .

****
تمت بحمد الله

خلصتي؟ الرواية الجاية أقوى وأحلى… تعالي وعيشيها معانا👇

تعليقات