رواية ذئاب لا تعرف الحب كاملة جميع الفصول

رواية ذئاب لا تعرف الحب للكاتبة منال سالم هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية ذئاب لا تعرف الحب، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.

رواية ذئاب لا تعرف الحب كاملة جميع الفصول

رواية ذئاب لا تعرف الحب من الفصل الاول للاخير بقلم منال سالم

بداخل مقهى شعبي في أحد الأحياء البعيدة بداخل القاهرة القديمة ، أمسك شاب ما – ملامحه تشير إلى فقره وغلبه - بكوب زجاجي ، ثم أخــذ يرتشف منه ذاك المشروب الساخن الذي يمتليء به .. وما إن انتهى حتى أسنده على الطاولة الخشبية الصغيرة التي يتسند عليها بمرفقه ..
أخذ ذاك الشاب يراقب المارة بأعين غير مكترثة ، إلى أن لفت إنتباهه تلك السيدة العجوز - ذات الملابس الرثة ، والشعـــر الأشعث – وهي تنوح وتندب حظها ، فضيق عينيه ليرى ما الذي تفعله و...
-تهاني بنبرة باكية ، ونظرات زائغة : خدني لحم ، ورماني عضم .. خد اللي ورايا ، واللي قدامي .. رماني بعد ما سرقني ، منه له ، منه له

ثم أخذت تهاني تضرب صدرها ، وتلطم على وجهها بطريقة هيسترية ، والناس من حولها يتعجبون لحالها ..

أشفق ذلك الشاب على تلك العجوز ، ونهض عن مقعده الخشبي – شبه المتهالك – ثم توجه ناحيتها بخطوات راكضة ، ووقف إلى جوارها و...
-منسي بنبرة منزعجة : ست تهاني ، يا حاجة تهاني ، يامه

حدجته هي بنظرات ساخطة قبل أن تستدير برأسها لتبدأ العويل مجدداً ، فلوى فمه في ضيق ، ثم وضع كف يده على كتفها و...
-منسي بنبرة ضائقة : يا ست تهاني مايصحش اللي بتعمليه ده ، الشارع كل يوم بيتفرج عليكي ، تعالي معايا أما أرجعك عند أهلك
-تهاني بنبرة متشنجة ، ونظرات ضائعة : ضحك عليا ، خد فلوسي كلها ، رماني في الشارع ...!!
-منسي وهو يلوي فمه في امتعاض : لا حول ولا قوة إلا بالله .. معلش يا ست تهاني ، الله يعوض عليكي .. تعالي معايا

ثم أمســــك بها من ذراعها ، وقـــام بسحبها – على مهل – خلفه ، وســــار بها في اتجاه منزلها الكائن بأخــــر الطريق ..

.................................................

في مشفى الجِندي الخاص ،،،

أمسك الطبيب بالمشرط ، وقـــام بشق طولي في جسد المريض المسجى أمامه لتبدأ عملية الجراحة العاجلة لأحــد رجـــال الأعمال الهامين في البلد ..
وقف الطاقم الطبي إلى جوار ذلك الطبيب ذو الملامح الصارمة وهم على أهبة الإستعداد لتلقي الأوامر وتنفيذها ..
-مهاب متسائلاً بنبرة حــــادة ، وهو يلوح بيده : معدل النبض ؟
-طبيب ما يقف خلفه بجدية : منتظم يا د. مهاب

أومــىء الطبيب مهاب برأسه إيماءة خفيفة ، ثم أشـــار لباقي الطاقم بعينيه لكي يباشروا عملهم معه ..

.................................

توقف الشاب منسي أمام بناية شبه متهالكة ومعه تلك العجوز ، ثم رفع رأسه عالياً لينظر إلى الشرفات التي تبرز من جانب المبنى لعله يلمح أي فــرد من عائلتها ، ولكنه لم يرى سوى بعض الملابس المغسولة حديثاً و التي تتدلى من حِبال الغسيل القديمة ..
تنهد منسي في عدم ارتياح ، ثم أطرق رأسه للأسفل ، وظل ممسكاً بالعجوز تهاني ، وأجبرها على السير معه إلى داخل البناية ..
كانت خطواتها متثاقلة ، وبطيئة .. ولم تكف أبداً عن الأنين والشكوى .. ولأنه يعلم بأنها ليست طبيعية فلم يعقب على ما تقوله ، وأثــر الصمت ، وسحبها ناحية الدرج الخشبي ، وأسند كف يدها المجعد والخشن على الدرابزون لتمسك به ، ثم سبقها هو بخطوة ليتأكد من أنها لن تسقط من عليه ...

بعد عنــــاء توقف منسي أمام باب منزل مكون من دلفتين خشبيتين ، ومزود بنافذتين صغيرتين خلف قضبان حديدية – أو ما يُطلق عليه ( شُرّاع ) – ثم بحث عن الجرس ليقرعه ، وانتظر أن يأتيه الرد من الداخل ، ويفتح أحد ما له الباب ..

سمع منسي صوت فتاة عذب يأتي من الداخل ، فابتسم في نفسه لأنه سيريح ضميره ويسلم تلك السيدة لقاطني هذا المنزل ..
لحظات مرت كالدهــر عليه حتى سمع صوت صرير الباب وهو يُفتح ليجد تلك الفتاة ذات التسع عشر ربيعاً وهي تقف أمامه بقميصها القطني الواسع الذي لا يظهر سوى جزء من عنقها الأبيض ، ووجهها ذو البشرة البضّة .. فرفع عينيه للأعلى ليحدق ببعض خصلات شعرها المبعثرة على جبينها ، أما الباقي فمختبيء خلف حجاب صغير ..

اتسعت عيني الفتاة في ذهـــــول حينما رأت خالتها تقف خلف هذا الشاب ، وحالتها تدعو للإشفاق ، فلطمت على صدرها ، و...
-تقى بنبرة مذعورة : خالتي تهاني ! يالهوي ؟ انتي .. انتي نزلتي ازاي ؟؟
-منسي بخشونة : لامؤاخذة يا ست البنات ، أنا لاقيتها ماشية مع نفسها كده ، وعمالة تخطرف بالكلام ، وزي ما انتي عارفة العيال ولاد الهرمة اللي في الشارع عمالين آآ...

أمسكت تقى بخالتها ، وأدخلتها إلى داخل المنزل و...
-تقى مقاطعة بذعر : حد عملها حاجة ؟ يا نصيبتي لو أمي عرفت ، كتر خيرك يا سي منسي ، مانجيلكش في حاجة وحشة
-منسى وهو يتنحنح بنبرة رجولية : احم .. أنا معملتش حاجة يا ست تقى ، وأنا تحت أمرك في أيُتها خدمة
-تقى بنبرة ممتنة : تُشكر على ذوقك ، لا مؤاخذة أنا مضطرية أقفل
-منسي بجدية وهو محدق بها : خدي راحتك ، اتفضلي ..!

أغلقت هي الباب بهدوء أمام وجهه ، فظل هو محدقاً بأثر طيفها الذي عَلِق برأسه ، وتنهد بحرارة و...
-منسي بخفوت : آآآخ ، لو مكنش الحال معايا واقف ، كنت جيت وخطبتك يا بت عم عوض

ثم تحسس منسي صدره بكف يده ، وســـار في اتجاه الدرج بالرغم من أن رأسه مازال مستديراً في اتجاه ذلك الباب ...

...............................

بداخل منزل تقى عوض الله ،،،

وضعت تقى يدها على ظهر خالتها ، وربتت عليه في حنو بالغ ، ثم اصطحبتها إلى أريكتها الموضوعة بداخل غرفتها الصغيرة ، ثم أجلستها عليها وجثت على ركبتيها أمامها ، وحدقت فيها بنظرات خائفة و...
-تقى بنبرة مرتعدة : ليه بتقلقيني عليكي يا خالتي ، حرام عليكي والله ، أنا .. أنا قلب وقع في رجليا لما لاقيتك واقفة برا
-تهاني بنظرات ضائعة ، ونبرة حزينة : ضحك عليا ورماني في الشارع .. خد عيالي وسابني ..

ابتلعت تقى غصة في حلقها محاولة أن تقاوم تلك العبرات التي تتسابق للسقوط من مقلتيها ، ثم أسندت رأسها في حجر خالتها و..
-تقى بنبرة راجية وهي مغمضة العينين : عشان خاطري يا خالتي ، انسيه بقى ، ربنا هينتقملك منه ..!

....................

تُقى عوض الله محسن هي فتاة بسيطة للغاية ، وابنة وحيدة لأم وأب مكافحين ؛ فالأم عاملة في مصنع للمنسوجات ، والأب رجل طاعن في السن يقضي معظم وقته في رعاية ونظافة المسجد القريب .. كان لديها أخ صغير ولكنه توفي قبل عدة أعـــوام بمرض القلب ، حيث عجز أبويها عن تدبير مصاريف العملية الجراحية الخاصة به ، ومن وقتها خيّم الحزن على جميع من في المنزل ، وما زاد من بؤس وشقاء تلك العائلة هو قدوم الخالة تهاني للعيش معهم بعد أن طلقها زوجها الطبيب المشهور - والمقيم في السعودية – وسلبها أموالها وأولادها ، وألقى بها في الطريق كحيوان ضال ومشرد ، ومن وقتها وهي تعاني من حالة نفسية سيئة ...
مازالت تقى تدرس في العام الثاني والأخير لها في المعهد الفني الصناعي ( تعليم متوسط ) .. وهي تمتلك عينين زرقاوتين ورثتها عن أبيها ، وبشرة بيضاء ورثتها عن والدتها .. كما ورثت عنهما أيضاً ذلك الفقر المدقع .. جسدها هزيل إلى حــــد ما بسبب قلة الطعام ، ولكنه رغم هذا يعطيها مظهر الرشاقة والنحافة التي تحسدها عليها زميلاتها في المعهد ..
كما ترتدي تقى الحجاب لتغطي شعرها البني الناعم و المائل للسواد ذو الخصلات المموجة والمتمردة في بعض الأحيان .. أهدابها كثيفة ، وجفونها تحوي لمحة حـــزن جلية ..
بحثت تقى عن السعادة في أبسط الأشياء فوجدتها ، ولكنها كانت تخشى أن تظهر فرحتها أمام أبويها حتى لا تثير حفيظتهما ، فهما نوعاً ما متزمتين بشأن ظروف الحياة وقسوتها .. فمبدأهما أن الحياة لا ترحم الفقراء ، ولن يشفق عليهما أي أحد طالما مازالوا قابعين في ذلك البؤس ...

....................
تنهدت تقى في مرارة ، ورفعت عينيها عالياً لتنظر إلى خالتها بآسى ، ثم تشدقت بـ ...
-تقى بنبرة منكسرة : لو كان بإيدي يا خالتي كنت جبتلك حقك منه ، بس أنا ايدي مش طايلة وآآ...
-تهاني مقاطعة ببكاء : اللي راح مابيرجعش ، اللي راح مابيرجعش

ثم نهضت تهاني عن الأريكة القديمة ، وســـارت في اتجاه المرحاض القديم وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة ..
تابعتها تقى بنظرات حزينة ، ثم استندت على الأريكة لكي تنهض عن الأرضية و..
-تقى بنبرة آسفة : ربنا يتولاكي يا خالتي ..!!!!!

...........................................

في مشفى الجندي الخــــاص ،،،،

انتهى الطبيب مهاب من إكمـــال العملية الجراحية ، ثم دفع باب غرفة العمليات بكتفه ، وتوجه ناحية المرحاض الرخامي الملحق بالغرفة ، وقام بفتح الصنبور بعد أن نزع القفاز الطبي عن يديه ليغسلهما ..
لحق به طبيب أخــــر ، ووقف خلفه ، ثم ..
-حسن بنبرة إعجاب : ماشاء الله عليك يا د. مهاب ، كل يوم بتثبتلنا إن مافيش حاجة صعبة عليك

اعتدل الطبيب مهاب في وقفته ، ثم حدج حسن بنظرات قوية قبل أن يردف بـ ......
-مهاب بصرامة وهو يشير بإصبعه المبتل : شكراً يا د. حسن ، بس دي أخــر مرة هاسمح لحد انه يغيب عن عملية أنا فيها
-حسن بتلعثم ، ونظرات مرتبكة : آآ.. بس .. بس د. صبحي عيان وآآ...
-مهاب مقاطعاً بحدة : طالما مابلغنيش شخصياً يبقى يستحمل ، أنا مش بهزر هنا ...!!!!!

ثم تركه مهاب – وعلى وجهه عبوس شديد – وانصــرف خارج المرحاض ..
تسمر الطبيب حسن في مكانه ، ولوى فمه في امتعاض و..
-حسن بضيق : واضح كده ان صبحي مش هايكمل معانا

.......................................

في مصنع الرشيدي للمنسوجات ،،،،

انحنت فردوس بجسدها قليلاً للأمـــام لكي تُعّدل من وضعية القماش المسنود على تلك الماكينة ، ثم اعتدلت في وقفتها ، ورفعت يدها على جبينها لتجفف حبات العرق الساخنة ..
تنهدت هي في ارهــاق ، والتفتت حولها لتتابع تلك الثرثرة الروتينية المعتادة بين عاملات المصنع و...
-سعدية بنبرة فضولية : ها وبعدين ؟
-زينات بنبرة متحمسة : بس ياختي قامت الولية أمه مصممة تعمل الدخلة بلدي عشان تتأكد إن كانت البت زي ماهي ولا آآآ... ما انتي فاهمة بقى
-سعدية وهي تمط شفتيها في استنكار : يا جبروتها ، وابنها وافق
-زينات بإمتعاض وهي ترفع أحد حاجبيها : وهو يقدر يعترض ، دي تاكله ، أصلك مش عارفاها

لمحت العاملة سعدية فردوس وهي تتابعهما ، فمالت برأسها للجانب قليلاً و...
-سعدية بنبرة عالية : سمعتي ياختي اللي زينات قالته
-فردوس بضيق : اه ، ومش عاجبني اللي حصل ، دي أعراض ناس

استدارت زينات هي الأخـــرى لتواجه فردوس ، ثم زمت شفتيها قبل أن تتشدق بـ ...
-زينات بتأفف : وهو أنا قولت حاجة من عندي ، ماهو الكل عارف سيرة بنت الـ *** دي
-فردوس بنبرة منزعجة : مالناش دعوة ، احنا ولايا ، وعندنا ولايا ، ربنا يسترها علينا
-زينات وهي تمط شفتيها في عدم اقتناع : طيب .. أما أروح أعملي كوباية شاي لأحسن دماغي هتتفرتك من أم الصداع

ثم انصرفت زينات مبتعدة وهي تتغنج بجسدها الممتليء ، فحدقتها فردوس بنظرات مشمئزة قبل أن تستدير برأسها لتتابع عمل الماكينة ..
وقفت سعدية إلى جوارها ، ثم وضعت كف يدها على كتفها و..
-سعدية بجدية : مردتيش عليا في موضوع الجمعية ؟
-فردوس بنبرة ممتعضة : صعب يا سعدية أخش في أي جمعية الوقتي ، مصاريف البيت قاطمة وسطي ، والبت تقى طلبات المعهد بتاعها مش بتخلص
-سعدية بإصرار : خشي بس وأنا أخليكي تقبضيها الأول ، أهوم قرشين ينفعوكي في الأيام الغبرة اللي احنا فيها
-فردوس بنفاذ صبر : الله يكرمك ما تزنيش على دماغي ، أنا مش ناقصة
-سعدية بنبرة شبه لئيمة وهي تضيق عينيها : يا دوسا صدقيني انتي الكسبانة وربنا ، خدي القرشين وآآ..
-فردوس مقاطعة بحزم : خلاص يا سعدية قفلي الكلام في الموضوع ده ، أنا عاوزة أخلص اللي في أيدي خليني ألحق أخد اذن وأروح
-سعدية وهي تلوي فمها في تأفف: طيب بالراحة عليا ، ده أنا غرضي أفيدك

ثم وضعت يدها بداخل جيب صدرها ، وأخرجت علكة منه ، ثم وضعتها في جوفها وبدأت تمضغها بطريقة مقززة ..

.........................................

في منزل ما بمنطقة المعــــادي ،،،

تململت فتاة ما بظهرها العاري على فراش وثير ، ثم مدت ساقها الطويلة والناعمة من أسفل الغطاء لتكشف عنها بطريقة مثيرة ، وفتحت عينيها تدريجياً ، وتثاءبت بإرهــاق جلي على ملامح وجهها ..
أزاحت تلك الفتاة خصلات شعرها التي تغطي جبينها بأطراف أصابعها ، ثم اعتدلت في نومتها، ولفت ذراعها بحذر خلف ظهرها لتتحسسه وتفركه ، ثم تأوهت قليلاً و..
-فتاة ما بنبرة شبه متآلمة وبخفوت: آآآه .. مش قادرة ، ده طلع مصيبة ، ومش طبيعي

رمشت الفتاة بعينيها في ذعـــر حينما رأته يدلف إلى داخل الغرفة بجسده نصف العاري المشدود - والذي يبرز عضلات صدره وكتفيه القوية - وبوجهه الصــارم ، ثم حدجها بنظرات مهينة من عينيه البنيتين قبل أن يتشدق بـ ...
-أوس بنبرة فظة : قومي البسي يالا
-فتاة ما بنبرة شبه متلعثمة : آآ.. انت .. انت مش .. مش مبسوط مني ؟

ســــار أوس في اتجاهها ، ثم وضع كف يده على رأسه ليمرره في خصلات شعره و...
-أوس بصلابة ، ونظرات قاسية : مالكيش فيه ، انتي قبضتي فلوسك ، وأنا خدت اللي عاوزه منك !
-فتاة ما بتردد : بس أنا حاسة إنك .. انك مش مبسوط ، أنا والله عملت كل اللي قولتلي عليه ، طب عرفني إن كنت قصرت في حاجة ، أنا مستعدة آآ...

أمسكها أوس من ذراعها بقسوة فتوقفت عن الكلام ، ثم ضغط عليه بشدة ، وجذبها عنوة من على الفراش لتسقط الملاءة عنها وكاشفة عن جسدها ، فارتجفت هي أمامه بشدة ، ونظرت إليه برعب جلي و...

-أوس مقاطعاً بصرامة وهو محدق بها : زيك زي اللي قبلك ، مافيش واحدة ملت دماغي ، كلكم عبيد للفلوس
-فتاة ما بنبرة مختنقة : بس ده كان .. كان طلبك وبرضاك ، وأنا آآ...
-أَوس مقاطعاً بنبرة شبه غاضبة وهو يصر على أسنانه : وأنا مش عاوزه كده ، أنا عاوزه يتعمل بالعافية .. وخدي هدومك وغوري من هنا ....!!!!!!

ثم دفعها بقسوة للخلف فسقطت على ظهرها على الفراش ليحدق هو في جسدها العاري والممتليء بكدمات وأثار يده بنظرات شرسة ، ومن ثم أشـــاح بوجهه بعيداً عنها ، وسار ناحية سترته المعلقة على الأريكة ومد يده داخل جيبها ، وأخرج قداحته ليشعل سيجارة كوبية أخذها من علبة معدنية مزخرفة موضوعة على التسريحة ..
نفث هو دخـــان السيجارة في الهواء ، ثم استدار ليرمق تلك الفتاة بنظرات احتقار و...
-أوس بنبرة باردة وهو يشير بعينيه : في فلوس في الدرج اللي هناك ، خديها واتعالجي

شعرت الفتاة بأن لا قيمة لها ، ثم لملمت حالها ، وغطت جسدها بالملاءة ، ومدت يدها وفتحت الدرج وأخذت المــال الموضوع بداخله ، ثم نهضت عن الفراش ودلفت خــارج الغرفة بعد أن أخذت ملابسها الملاقاة على الأرضية الرخامية اللامعة ..

جلس أوس على الأريكة الوثيرة ، ثم أسند ساقه على مسندها ، وظل يهزها في عصبية وهو يدخن بشراهة ، ثم حدق أمامه بنظرات فارغة لا حياة فيها ...

.................

أوس مهاب الجندي ابن الجراح الشهير مُهاب الجندي صاحب مشفى الجندي الشهير .. هو شاب على مشارف الثلاثينات من عمــره ، يمتلك من المال ما يمكنه من شراء أي شيء ، فهو رئيس مجموعة شركات الجندي للصلب .. تلك الشركات العريقة التي أسسها جده ، وورثها من بعده أبيه وأعمامه ، ولكن تولى هو بحنكته إدارتها بالكامل .. وعمل تحت إمرته أعمامه .. أما والده فاكتفى بعمله في الجراحة وإدارة المشفى ..
بينما والدته هي السيدة ناريمان شوقي ، امرأة من أصـــول راقية ، لم تعرف في حياتها سوى الثراء ..

يمتاز أوس بأنه ذو جسد صلب ، وذراعين قويين ، ووركين ضخمين ، ومنكبين عريضين ، أما ملامح وجهه فهي قوية وحــادة في نفس الوقت ، وتظهر جلياً على شخصيته الصارمة .. حواجبه كثيفة ، وأهدابه طويلة .. عينيه بنيتان وتوحيان بالغموض الممزوج بالشر .. فمه غليظ وقوي .. بشرته قمحية وخشنة .. وعروقه تبرز من عضلاته ..

شخصية أوس سادية إلى حد كبير ، فهو يتلذذ بتعذيب الأخرين ، وخاصة من هم أضعف منه ، وغالبية من يعمل معه يتحاشاه على قدر الإمكان ، فمن يتجرأ ويقف في طريقه يُمحى أثره على الفور ..

وهو متعدد العلاقات النسائية ، وينفق على عشيقاته بسخـــاء من أجل أن يشبعوا رغباته ، ولكنه - إلى الآن - لم يرضْ أبداً عنهن ، فكلهن سواسية رغم تفانيهن في إرضائه ، فهو لم يجد فيهن ضالته المنشودة .. وريثما ينتهي من كل ساقطة يلقي بها كالبهيمة خارج منزله المخصص لهذا .. ومع ذلك تظل تلك الساقطات على صلة به حــال رغبته في تكرار اللقاء معه ..

...........................

أطفىء أوس سيجارته التي لم يكملها في منفضة زجاجية موضوعة على الطاولة الصغيرة المجاورة للأريكة ، ثم أنزل ساقه ، ونهض عن الأريكة ، وقد أمسك بهاتفه المحمول في يده ...
عبث في بعض الأزرار ، ثم وضع الهاتف على أذنه و...
-أوس هاتفياً بنبرة باردة : ألووو ، ايوه
-عدي هاتفياً بنبرة جادة : انت فين يا أوس ؟؟ الدنيا مقلوبة عليك ، في اجتماع مع آآآ..
-أوس مقاطعاً بهدوء مستفز : عـــارف ، وشوية وهتلاقيني جاي
-عدي بضيق : بس كده الناس ممكن تمشي وآآ..
-أوس مقاطعاً بعدم اكتراث : وماله ، يمشوا هيجي ألف غيرهم !

ثم صمت لثانية قبل أن يستأنف بـ ...
-أوس محذراً ، وبنظرات شرسة : بس يستحملوا اللي هيجرالهم ...!!!!!

ابتلع عدي ريقه ، ولوى فمه ، ثم ..
-عدي بترقب : خلاص ، أنا هاتصرف لحد ما تيجي ، بس ماتتأخرش ..!!!!

أنهى أوس المكالمة مع رفيقه ومدير مكتبه عدي الريحاني ، ثم ألقى بجسده على الفراش ، وعقد ساعديه خلف رأسه ، وأخذ يطلق صفيراً خافتاً من بين شفتيه وهو يتذكر كيف يدعس من لا يروقه ببرود قاتل ....

.............................

جلس الحاج عوض الله القرفصاء في زاوية المسجد وهو ممسك بمصحف صغير في يده ، وظل يرتل بصوت خافت بعض آيات الذكر الحكيم .. ثم جلس إلى جواره شيخ المسجد الوقور ، والذي ربت على ظهره و...
-الشيخ أحمد بنبرة امتنان : الله يباركلك يا عم عوض ، المسجد زي الفل ، والحمام نضيف

أنهى الحاج عوض القراءة ، ثم أغلق المصحف ، ورفعه إلى جبينه بعد أن قبله ، وأسنده في الرف المجاور ، ونظر إلى الشيخ أحمد بنظرات إطراء و..
-عوض بصوت ضعيف : كتر خيرك يا سيدنا الشيخ ، انت اللي ناصفني هنا
-الشيخ أحمد بهدوء : الكل بيحبك يا عم عوض ، فمتزعلش من اللي بيقول كلمة كده ولا كده ، رضا الناس غاية لا تدرك
-عوض بنبرة شبه محتجة : بس في ناس اعوذوا بالله منها لا حمد ولا شكرانية ، وهما بيعملوا الحرام عيني عينك ومش عاجبهم واحد غلبان زيي يجوا يتنططوا عليه ، ويتريقوا عليا
-الشيخ أحمد بنبرة عادية : معلش ، دي طبيعة البشر ، المهم انت بتاكل بالحلال ، وبتصرف على أهل بيتك من تعبك ، وربنا بيبارك في القليل ..
-عوض بنبرة راضية : الحمدلله ، فضل ونعمة من ربنا
-الشيخ أحمد بنبرة هادئة : إن شاء الله في ليلة محمدية يوم الجمعة الجاية عاوزين نجهز المسجد قبلها
-عوض بنبرة متحمسة : اللهم صلي عليه ، من عينيا يا سيدنا الشيخ ، أنا هبات من يومها هنا
-الشيخ أحمد مبتسماً في عذوبة : إن شاء الله ، الله يبارلك يا عم عوض ، ومتقلقش أجرك محفوظ
-عوض بلهفة : الله يجازيك خير يا شيخنا

..............................................

في قصر عائلة الجندي ،،،

تعالت قهقهات السيدة ناريمان عالياً في غرفة الصالون وهي تتحدث في هاتفها المحمول مع صديق العائلة المقرب الطبيب ممدوح ، ثم وضعت طرف إصبعها على أنفها لتسيطر على نوبة الضحك ، ومن ثم أخذت نفساً عميقاً قبل أن تتشدق بـ ....
-ناريمان هاتفياً بنبرة رقيقة : شوور .. انت لازم تيجي ، مهاب مش هايقبل بأي أعذار
-ممدوح هاتفياً بنبرة هادئة : عندي شغل وعمليات أد كده يا نريموو
-ناريمان بعذوبة : تؤ .. مش مقبول ، انت هاتحضر البارتي ، ده عيد ميلاد ليان
-ممدوح بنبرة رخيمة : كبرت البنوتة دي بسرعة
-ناريمان بتنهيدة حــارة : ايوه ، وطلبتها كترت معاها ، تخيل عاوزة تسافر أسبانيا وهي عندها امتحانات !
-ممدوح مبتسماً في هدوء : سبيها تدلع شوية
-ناريمان بضيق زائف : لأ برضوه ، أنا عاوزاها تنجح ونخلص بقى ، مش معقول هاتفضل في سنة اولى كده كتير
-ممدوح بنبرة دبلوماسية : عادي ، في بنات زيها كده كتير ، انتي بس ظبطي الدكاترة بتوعها ، وهتلاقيها جابت تقدير
-ناريمان بجدية : هو أنا عارفة ألاقي سكة معاهم ، ده حتى مهاب رافض انه يساعدني ، وأوس شايل ايده خالص منها ، فمش قدامي حد يحللي المشكلة دي
-ممدوح بنبرة لئيمة : وأنا روحت فين ، أنا لما هاجي هاحل كل مشاكلها
-ناريمان بنبرة ناعمة : اوووه بجد يا ممدوح ، I am so grateful ( أنا ممنونة )
-ممدوح بابتسامة عريضة : أنا معملتش لسه حاجة يا نريموو .. !

...................................

في غرفة ليان بالطابق العلوي ،،،،

وقفت ليان ذات الشعر البني الطويل و المجعد – عن عمد – أمام خزانة ملابسها ثم مررت أصابع يدها في خصلات شعرها محاولة التفكير فيما سترتديه اليوم و...
-ليان بضيق واضح : اوووف ، مش عندي حاجة جديدة خالص ، لازم أغير الاستايلات دي فورا ، بجد حاجة خنيقة أوي

ثم أمسكت بهاتفها المحمول واتصلت برفيقتها جايدا و..
-ليان هاتفياً بإنزعاج : جودي أنا كده أوت من العرض
-جايدا هاتفياً بقلق : ليه بس ؟
-ليان هاتفياُ بتشنج وهي تضع يدها في خصرها : مش عندي حاجة استايلش ، ومامي مش هتوافق تجيبلي حاجة الوقتي
-جايدا بضيق : بس كده شلة شيري هاتكسب
-ليان وهي تزفر في عصبية : اوووف ، طب أنا أعمل ايه !
-جايدا بإنفعال : كونتي قوليلي من بدري يا لولو ، أنا هاتصرف ازاي
-ليان بتبرم : معرفش ، و I don't care .. ( لا أهتم )

ثم أنهت المكالمة وهي تسب في تعصب ، ورمت بثقل جسدها على فراشها الوثير والمليء بالوسادات و..
-ليان بعصبية : اووف منك جودي ، أوووف !!

..................

ليان مهاب الجندي ، هي الابنة الصغرى للطبيب مهاب ، تدرس إدارة أعمــال في الجامعة الأمريكية ، ولكنها لا تكترث بالدراسة ، لذا رسبت العام الماضي ، فشاغلها الأكبر هو عالم الموضة بكل ما فيه ..
تمتلك هي عيني والدتها العسلية ، وشعرها الناعم ، ولكنها قررت أن تجعله هذا العام مجعداً لتتشبه بـ ( مريام فارس ) فتثير غيرة زميلاتها .. وتحصد لقب جميلة الجامعة .. أما جسدها فهو متناسق مع طولها ...

..........................................

تجاوزت دقات الساعة الثالثة بقليل حينما مرت فردوس من أمام القهوة الموجودة على ناصية الطريق ..
زفـــرت في إرهاق ، وتوقفت للحظة عن السير لتلتقط أنفاسها ، ثم أخذت نفساً مطولاً قبل أن تبدأ بالتحرك مجدداً وهي ممسكة لحقائب بلاستيكة تحوي على بعض الخضار الغير طازج والذي ستكافح به من اجل إعداد طعام الغذاء لعائلتها البائسة ..

وصلت فردوس إلى بنايتها القديمة ، ودلفت إلى داخل ذلك المدخل الرمادي الكئيب ذو الحوائط المتصدعة ، والطلاء المشقق ، لتصعد على الدرج بخطوات بطيئة وهي مطرقة لرأسها و..
-فردوس بتذمر : لسه موال كل اليوم الغدا ، وبعده الغسيل ، والنهادرة المفروض أحمي تهاني ، ياربي .. مش هارتاح أبداً من الغلب ده

ثم اصطدمت هي بدون قصد بإحدى السيدات ، و..
-حكمت بإنزعاج : مش تاخدي بالك يا آآ..
-فردوس مقاطعة بخفوت : لامؤاخذة

فرفعت رأسها لتجد جارتها حكمت تقف أمامها وعلى وجهها ابتسامة غبية و...
-حكمت بنبرة متشوقة : فردوس ، ازيك يا حبيبتي ، معلش مشوفتكيش
-فردوس بتعب : ولا يهمك يا حكمت ، أنا اللي غلطانة ، واخدة في وشي ومش مركزة
-حكمت وهي تزم شفتيها في فضول : من ايه يا حبيبتي ؟
-فردوس بإرهاق : غلب كل يوم ، الهم اللي انا فيه ، مافيش حاجة بتخلص

تغنجت حكمت بجسدها المترهل عمداً لكي تلفت انتباه فردوس إلى ذلك الفستان الرخيص الذي ترتديه ، وبالفعل نجحت في جذب انتباهها ، و..
-حكمت بنبرة شبه متعالية : شوفتي الفستان ده ، من وكالة البلح ، تقفيل بلاده ، حاجة فخيمة تليق بيا
-فردوس وهي تلوي فمها على مضض : أه باين
-حكمت بنبرة لئيمة ، ونظرات حادة : لو بس تسمعي كلامي هتلبسي زيي وهتفوقي لنفسك بدل وجع القلب ده
-فردوس بنبرة معترضة ، ونظرات محذرة : لأ يا حكمت ، أنا مقابلش إن بنتي تشتغل خدامة ، أومــال كنت بطفح الدم ليه ، مش عشان تخلص تعليمها وتتوظف وتشيل عني الهم ، أقوم أنا أخليها تخدم في البيوت
-حكمت بنبرة مُصرة : والله انتي عبيطة ، بتك لهلوبة وشاطرة ، والقرش هيجري في ايدها ، وهتغننك
-فردوس بنبرة جادة : طب ماتشغلي بنتك رحمة معاكي بدل ما انتي مركزة مع تقى
-حكمت بإنزعاج : بت فقر ، يا ريتني أقدر عليها ، لكن هي قادرة ، و طالع في نافوخها تبقى أبصر ايه ده اللي بيسموه مو.. مو.. يوووه ، مش عارفة أنطقها ، اللي هي بتاعة الكليبات ، أل ايه عاوزة ترقص وتغني ، وهي صوتها وحش
-فردوس وهي تتنهد في إرهــاق : ربنا يهديها ، عن اذنك بقى لأحسن خلاص درعاتي خدلت ، ومش قادرة أقف على رجلي
-حكمت وهي توميء برأسها ، وبنبرة متحمسة : وماله يا حبيبتي ، اطلعي بيتك ، بس فكري في اللي بقولك عليه
-فردوس بإقتضاب وهي تصعد الدرج : ربنا يسهل

راقبت حكمت فردوس وهي تتجه للأعلى بنظرات ثاقبة ، ثم ..
-حكمت بخفوت لنفسها : بكرة تيجي تسترجيني أشغل بتك لما الديانة يجوا أول الاسبوع الجاي يطالبوا بالكمبيلات .. ساعتها بس هاتعرفي مقامك ، و تبطلي الأنعرة الكدابة اللي انتي عايشة فيها ................................................... !!!
كانت أطيــــاف عدة أشخاص تتحرك على مقاعدها في الظلام حينما أُضيئت غرفة الاجتماعات فجــأة ليبدأ أحد الموظفين بإستكمال العرض التقديمي الخاص بتلك المناقصة الجديدة الخاصة بشركة الجندي للصلب ..

تراجع أوس بظهره للخلف على مقعده الجلدي الضخم – ذي اللون البيج ، ثم حل زرار سترته السوداء الداكنة ليجلس بأريحية أكبر ، وظل يحدج الموظف بنظراته الثاقبة وهو يضرب بقلمه الحبر الأسود على سطح الطاولة المستديرة بضربات ثابتة ومتزامنة ، والتي بثت نوعاُ من الرعب في داخله ، فابتلع ريقه لأكثر من مرة ، وظل يتحدث بنبرة شبه متلعثمة محاولاً إقناع مندوبي شركة Serious للتوقيع على اتفاقية الشراكة في الصفقة القادمة ..
وما إن انتهى الموظف من توضيح أهم بنود العقد حتى أخرج منشفة صغيرة قطنية من جيب سترته ليجفف بها عرقه البارد من على جبينه ..

وفجـــأة نهض أوس عن مقعده ، ودفعه بقدمه للخلف قليلاً ، ثم ســـار في اتجاه شاشة العرض ، ووقف إلى جوار الموظف ليحدجه بنظرات مخيفة قبل أن يستدير ليواجه مندوبي الشركة و..
-أوس بغطرسة واضحة : شرف ليكم انكم تكونوا جزء من منظومة الجندي ، دي شروطنا ، وده نظامنا .. معاكم يوم للتفكير والرد في عرض الشركة .. وزي الوقتي لو ملاقتش رد هاعتبر الاتفاق ملغي ...

ثم صمت لثوانٍ ليتفحص ردة فعل المندوبين البادية على وجوههم قبل أن يتابع بـ ....
-أوس بصرامة ، ونظرات حـــادة : تقدروا تمشوا ، Your time is over .. ( وقتكم انتهى )

نظر المندوبين إلى بعضهم البعض بنظرات حائرة ، ثم نهضوا عن مقاعدهم ، وقاموا بجمع بعض الملفات الموضوعة أمامهم ، وكذلك متعلقاتهم الشخصية ، ثم ســــاروا في اتجاه باب الغرفة ، وهما يتهامسون فيما بينهم ...
ابتسم أوس لنفسه في غرور ، ثم حدق في الموظف المرتعدة فرائصه بنظرات مخيفة ، و...
-أوس بلهجة قوية وهو يصر على أسنانه : معنديش موظف يتهته في الكلام ، خد حسابك وبرا الشركة

جحظت عيني الموظف في عدم تصديق ، فصرخ فيه أوس مجدداً ، فانتفض هو فزعاً ، وقام بلملمة أشيائه ، ودلف إلى الخـــارج راكضاَ شاحب الوجه ، وكأنه رأى شبحاً للتو ...

عـــاد أوس للجلوس مجدداً على رأس الطاولة ، في حين دلف إليه رفيقه عُدي ورمقه بنظرات حائرة و...
-عدي بنبرة متذمرة : انت طردت مدير الـ.. آآآ..
-أوس مقاطعاً ببرود مستفز : مكان المعتوه ده مش عندي
-عدي وهو يلوي فمه في ضجر : نعم !! معتوه !! ده افضل مدير جه من آآ...
-أوس مقاطعاً بصلابة وقوة : أنا قولت معنديش مكان للمتخلفين اللي زيه ، وأنا خلاص خدت قراري ، فالموضوع منتهي

زفـــــر عُدي في ضيق ، ووضع أحد يديه في جيب بنطاله ، ثم رفع يده الأخرى على رأسه ليمررها في خصلات شعره و...
-عدي متسائلاً بتوتر ، وبنظرات حادة : طيب هاتعمل ايه في الصفقة ؟ افرض مرضوش يكملوا معانا ؟؟ أو .. أو لاقوا عرض تاني أفضل مننا وآآ...
-أوس مقاطعاً بغرور جلي ، ونظرات متحدية : هايتصلوا كمان ساعة يطلبوا يمضوا العقد
-عدي وهو يلوي فمه في استخفاف : لا والله ، طب وايه اللي مخليك متأكد كده ؟؟؟
-أوس بغطرسة واضحة : عشان أنا أوس مهاب الجندي ، مش مجرد صاحب شركة صلب والسلام ..!

زم عُدي فمه في سخرية ، واستدار بوجهه ناحية شاشة العرض و...
-عدي بعدم اقتناع : ماظنش ..
-أوس بثقة عالية : شوية وهتشوف ..

ثم نهض عن مقعده ، وســــار في اتجاهه ، ووضع يده على كتف عدي و..
-أوس بنبرة أقرب لفحيح الأفعى : المهم مافيش جديد نعمله الليلة ؟

استدار عدي برأسه في اتجاهه ، ثم حدق مباشرة في عينيه قبل أن يردف بـ ...
-عدي مبتسماً في غرور وهو يغمز بعينه : عيب عليك ، ودي تفوتني برضوه !
-أوس وهو يمط شفتيه في ترقب : مممم .. حاجة جديدة ولا ؟
-عدي بنبرة متحمسة : كله جديد في جديد ، اصبر وهاتشوف
-أوس بنظرات شيطانية ، ونبرة جادة : هيبان بالليل ...!

...........................

عُدي عبد الرحمن الشامي ، هو الرفيق المقرب لأوس منذ المرحلة الثانوية ، فوالديهما كانا أصدقاء ، وهما أصبحا رفيقين بحكم الصلة ، ومن وقتها صارت صداقتهما قوية ..
تزوج عدي من قبل مرة واحدة ، ولكنه انفصل عن زوجته بسبب مشكلة عجزه الجنسي ، فهي قد ذاقت معه ألوان العذاب المختلفة ، وحاولت جاهدة أن تتأقلم مع وضعه المرضي ، وتدفعه للعلاج الطبي ، ولكنه رفض ، وأصـــر على أنه بخير ، بينما كافحت لإقناعه بتلقي العلاج ، فكانت ردة فعله أنه ينفث عن شحنة غضبه وعجزه عليها ، حتى وصلت المشاكل بينهما إلى أقسام الشرطة .. وهي لم تكف عن فضحه أمام الغرباء قبل القرباء إلى أن انتهى الأمـــر بينهما بالانفصال النهائي في المحكمة ...

ومن وقتها وقد انغمس عُدي أكثر في الملذات المحرمة من أجـــل تعويض النقص الموجود لديه .. وساعده في هذا سادية أوس ، واعتمد الاثنين على بعضهما البعض في تلبية رغباتهما كما يريدان ....
...........................................

في منزل تقى عوض الله ،،،

طرقت السيدة فردوس بكف يدها على الباب بعد أن قرعت الجرس لعدة مرات لكي تفتح لها ابنتها ، وبعد دقيقة فتحت لها تقى ، ثم رمقت والدتها بنظرات متفحصة قبل أن تمد كلتا يديها وتنحني بجسدها الهزيل للأمــام لتحمل عنها الحقائب البلاستيكية و...
-تقى بنبرة عادية : اتأخرتي ياماما ، أنا قولت هاتيجي بدري عن كده شوية
-فردوس بنبرة متعبة : مش عقبال ماروحت السوق وجبت الأكل ده ، وبعدين بطلي ترغي ، ووسعي شوية لأحسن رجلي مش شيلاني
-تقى بخفوت : حاضر يا ماما

دلفت فردوس إلى داخل منزلها ، وألقت بجسدها المرهق والمثقل بالأعباء على أقرب أريكة ، ثم أزاحت حذائها البالي عن قدمها ، وظلت تفرك أصابع قدميها بتألم ، ثم أسندت ظهرها للخلف ، وأغمضت عينيها في تعب و..
-فردوس وهي تزفر في انزعاج : توب عليا يا رب من الشقى ده

وضعت تقى الحقائب البلاستيكية في مطبخ المنزل القديم ، ثم أفرغت محتوياتها على الطاولة ، وظلت تتفحص الخضار الغير طازج وهي تلوي شفتيها المكتنزتين في تأفف ، و...
-تقى لنفسها بنبرة أقرب للهمس : ده بدل ما البياع يرميهم قال أما أبيعهم لأمــي ، ولو قولتلها انهم بايظين يمكن تزعق ، مافيش داعي أفتح بؤي ، أنا أغسلهم كويس وخلاص !

ثم بدأت تقى في تجهيز الأوعية الفارغة من أجل البدء في تحضير الطعام ..

.......................................

في مشفى الجندي الخـــاص ،،،،

توقف الطبيب مهاب أمام فراش ذلك المريض الهام الذي أجرى له العملية صبيحة اليوم ، وظل يقرأ التقارير النهائية عن تطورات حالته الصحية ، ثم استدار برأسه ليتحدث مع الممرضة و...
-مهاب بلهجة رسمية ، ونظرات حادة : الدوا يتاخد في ميعاده ، ويتعملي تقرير كل 4 ساعات عن نشاط أجهزته الحيوية
-الممرضة وهي توميء برأسها : حاضر
-مهاب بنبرة جادة : الزيارة ممنوعة تماماً لحد ما أدي الأوكيه بنفسي
-الممرضة بخفوت : تمام يا دكتور مهاب

ثم علق التقرير بعد أن وقع عليه على طرف الفراش ، وانصـــرف من الغرفة ، وقام بوضع يده في جيب سترته الطبية البيضاء لـيخرج هاتفه المحمول الذي كان يهتز بداخله ، ومن ثم أجـــاب عليه ، و...
-مهاب هاتفياً بجدية : ألوو ، أيوه يا ناريمان
-ناريمان هاتفياً بنبرة شبه منزعجة : أيوه يا مهاب ، كل ده عشان ترد ، بجد أنا زهقت
-مهاب بضيق : ناريمان أنا مش فاضي للكلام ده ، عندي عمليات وآآ...
-ناريمان بتذمر : خلاص .. خلاص مش لازم الأسطوانة دي ، عاوزاك تشوف حجز القاعة عشان البارتي بتاع ليان
-مهاب بإقتضاب : مش لسه بدري عليها
-ناريمان بنبرة شبه ضجرة : بدري ايه ، ده فاضل أقل من أسبوع ، وأنا في دماغي مليون حاجة عاوزة أعملها قبل الحفلة
-مهاب بنفاذ صبر : طيب ربنا يسهل
-ناريمان بإصرار : مهاب ، أنا مش بطلب منك حاجة صعبة ، عاوزة قاعة 7 ستارز ، وطقم خدم مميز ، وآآ..
-مهاب مقاطعاً بحدة : أنا مش هافتكر كل اللي بتقوليه ده ، هاتي اللي انتي عاوزاه ، وانا هحاسب ، ماشي ، ويالا اقفلي عشان ورايا شغل
-ناريمان وهي تزفر في ضيق : اووف ، مش بعرف أتفاهم معاك
-مهاب بإيجاز : باي

ثم أنهى المكالمة ، وأطلق سبة على الزواج وتبعاته ، ثم ســـار في اتجاه المصعد ليتوجه بعدها إلى مكتبه الفخم ..
............................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

بدلت فردوس ملابس عملها بملابس المنزل المريحة ، ثم توجهت إلى غرفة ابنتها لتطمئن على أختها الكبرى تهاني ، فوجدتها راقدة على الفراش ، في عالم أخـــر خاص بها ، تهذيء كعادتها بكلمات غير مفهومة ، فلوت فمها في تأفف ، ثم تركتها وأغقت الباب خلفها ، وســـارت في اتجاه المطبخ ..
كانت رابطة شعرها غير محكمة ، فعقدتها جيداً على رأسها ، ثم رأت تقى وهي تقطع الخضار ، وتطهو الأرز ، فوقفت إلى جوارها و..
-فردوس متسائلة بجدية : قوليلي عملتي ايه ؟
-تقى بنبرة هادئة : غسلت الرز بعد ما نقعته شوية ، والوقتي بقطع الخضار بعد ما شطفته من الوساخة اللي كانت فيه
-فردوس بإمتعاض : طيب .. روحي شوفي الغسيل
-تقى بنبرة محتجة ، ونظرات ضيقة : يا ماما الغسالة ( البرميل ) بايظة ، وعاوزة تتصلح
-فردوس وهي تزفر في سخط : يادي النيلة ، هو أنا ناقصة مصاريف ، أعمل ايه بس ، أشق هدومي يا ناس

ربتت تقى على ظهر والدتها في حنو ، ثم انحنت برأسها لتقبل كتفها ، و...
-تقى بهدوء : خلاص يا ماما ، أنا هاغسل الهدوم على ايدي في الطبق ، متزعليش نفسك
-فردوس بتشنج : امتى ربنا ياخدني عشان أرتاح من الغلب اللي أنا فيه
-تقى بقلق ، ونظرات مرتبكة : عشان خاطري ، أنا هاعمل كل حاجة ، اقعدي انتي ارتاحي

ثم قامت بدفع والدتها برفق إلى خــــارج المطبخ ، وجعلتها تجلس في ( الصالة ) على الأريكة القديمة – ذات اللون الزيتي – وقبلتها من رأسها ، ثم ركضت في اتجاه المطبخ ، وقامت بإعداد كوب عصير ليمون بارد لها ، ثم أعطتها إياه لترتشف منه القليل ..

توجهت بعدها إلى المرحاض ، وبدأت في تقسيم الملابس المتسخة إلى عدة أنواع حتى يسهل عليها غسلها ..
وما إن تنتهي من جزء حتى تقوم بعصره ، ثم تركه ليجفف قليلاً قبل أن تتوجه به إلى الشرفة لكي تعلقه على الحبال ..
رأت فردوس ابنتها وهي لا تجاهد لإنجاز ماهو مطلوب ، فأشفقت عليها ، فهي لا تريدها أن تضيع وقتها فيما لا يفيد ، لذا دلفت إلى الشرفة و...
-فردوس بنبرة حانية : هاتي يا بنتي الهدوم أنا هنشرها ، وخشي انتي ذاكري
-تقى مبتسمة في رضا : أنا قربت أخلص أهوو .. ارتاحي انتي يا ماما لحد ما أشوف الأكل اتطبخ ولا لأ ..
-فرودس بإصرار : أنا بقيت كويسة ، روحي شوفي مذاكرتك ، ولما هحتاج لمساعدة هناديلك
-تقى معترضة بهدوء : بس يا ماما أنا ..آآ...
-فردوس بحزم وهي ترفع أحد حاجبيها : هي كلمة ، روحي ذاكري
-تقى بخفوت : حاضر يا ماما

ثم تركتها ودلفت إلى خـــــارج الشرفة لتعود إلى غرفتها وتجلس مع خالتها المريضة ، في حين استمرت فردوس في تعليق باقي الثياب المبتلة ، ثم سمعت هي صوتاً أنثوياً تألفه يأتي من الأعلى ينادي عليها ، فرفعت بصرها عالياً لتجد جارتها محدقة بها ، ومستندة بجزء من جسدها على ساعدها ، و...
-فردوس بنبرة مهتمة : ازيك يا أم بطة ؟ عاملة ايه ياختي ؟
-أم بطة بنبرة عالية ، ونظرات متفحصة : أنا زي الفل يا دوسة ، ازي البت تقى عاملة ايه ؟؟
-فردوس بابتسامة زائفة : كويسة
-أم بطة بنبرة متحمسة : اوعي تنسي فرح البت بطة بنتي ، على أخر الأسبوع ، احنا عاملين حاجة على الضيق كده للحبايب وبس
-فردوس بنبرة سعيدة : إنه شاء الله ، ربنا يتملها على خير

ثم صمتت للحظة تفكر في أمــر ما قبل أن تتابع بـ ..
-فردوس بنبرة شبه جادة : بس مش البت بطة صغيرة على الجواز ، دي لسه مكملة 16 سنة من قريب
-أم بطة بنبرة مغترة وهي ترفع حاجبيها في فخــر : وماله بس ادورت واحلوت ، وبقت مطلوبة للجواز ..
-فردوس بإعتراض : طب كنتي تصبري عليها لحد ما تكبر شوية
-أم بطة بنبرة تحمل المرارة :هو أنا ضامنة يجيلها حد تاني ، ما انتي عارفة اللي فيها ، أنا عندي غيرها 3 ، وماصدقت خلصت من واحدة ، والواد شلبي عاوزها بشنطة هدومها ، وهايتكفل بكل مصاريفها ..
-فردوس بنبرة راجية ، ونظرات متفائلة : ربنا يصلح حالها وحــال كل البنات
-أم بطة بنظرات متعشمة ، ونبرة ممتنة : يا رب يا دوسة

ثم صمتت لثوانٍ قبل أن تنحني أكثر بجسدها على مرفقها ، وتحدج فردوس بنظرات لئيمة و...
-أم بطة متسائلة في فضول : أومـــال عملتي ايه مع أختك

قطبت هي جبينها في حيرة ، ثم ضيقت عينيها و...
-فردوس باستغراب : تهاني ! مالها ؟ ماهي كويسة ، هو حصل حاجة ؟!
-أم بطة بنبرة شيطانية خبيثة : هو انتي متعرفيش ، طب خلاص بقى
-فردوس بتوجس ، ونظرات شبه زائغة : في ايه اللي حصل يا أم بطة ؟؟؟ قوليلي الله يكرمك ، ماتحرقيش قلبي !

تنهدت أم بطة في إرهــــاق زائف لتثير ريبة فردوس أكثر ، ثم اعتدلت في وقفتها و...
-أم بطة بنبرة لئيمة ، ونظرات متشفية : اختك الله يشفيها ويردها لعقلها نزلت من البيت ، والظاهر إن البت تقى مكانتش واخدة بالها ، وشباب الحارة الله يباركلهم رجعوها تاني ..

جحظت عيني فردوس في صدمة شديدة ، وفغرت شفتيها في ذهـــول ، وعجزت للحظة عن النطق .. بينما رمقتها أم بطة بنظرات تحمل الشماتة ، و..
-أم بطة وهي تتشدق : أنا كنت عاوزة أنزل ألحقها بس البنات لبخني –داهية تاخدهم ، وربنا يا دوسة ، وما ليكي عليا حلفان أنا كنت جاية أقف مع بنتك بدل ما تدخل راجل غريب البيت وهي لوحدها ، بس معرفتش.. !

احتقنت الدمـــاء في عروق فردوس ، وتلون وجهها سريعاً بحمرة الغضب ، واشتعلت عينيها كجمرتين من النيران ، فألقت ما بيدها من ( مشابك ) وثياب مبتلة ، وهرولت إلى خـــارج الشرفة وهي تصرخ بـ ...
-فردوس بصراخ هادر : تقــــــــــــى ، انتي فين يا بنت الـ ***

انتفضت تقى فزعاً في غرفتها على إثر صراخ والدتها الصادح في المنزل ، و..
-تقى بقلق شديد ، ونظرات مضطربة : يا ساتر يا رب ، في ايه !

ثم استدارت برأسها ناحية خالتها شبه الواعية ، فسمعت صوت والدتها يصرخ بإسمها مجدداً لذا نهضت على الفور من على فراشها بعد أن أسندت كتابها عليه ، ثم ســـارت في اتجاه باب الغرفة ، ولكنها ارتدت سريعاً للخلف ، وكــادت تسقط على ظهرها وذلك بسبب الصفعة القوية التي تلقتها على وجنتها ..

لم تستوعب تقى ما الذي يحدث حيث أمسكت فردوس بها من فروة شعرها ، وقامت بلفه سريعاً على يدها ، ثم جذبتها بقسوة منه فشعرت تقى بأن جذور شعرها على وشك الاقتلاع من رأسها ، وتأوهت بصراخ من الآلم ، و..
-تقى ببكاء صارخ : آآآآه .. ماما ، في ايه ، آآآآه
-فردوس بغضب عــارم : اه يا بنت الـ*** يا واطية يا سافلة ، مفكرة إني مش هاعرف باللي حصل
-تقى بصراخ حـــاد ، ونظرات باكية : أنا عملت ايه بس ، آآآآه !
-فردوس بحنق شديد وهي تصر على أسنانها : ايوه ، ايوه .. استعبطي عليا يا ***** ..!!!!

ثم انهالت بالضرب المبرح عليها ، وكالت لها بقبضة يدها في ظهرها ، وصفعتها لأكثر من مرة على وجهها ، ومــالت بجسدها قليلاً للأسفل لكي تتمكن من التقاط ( شبشبها ) ، ثم رفعته عالياً ، وظلت تضرب به ابنتها بقسوة مبالغة فيها ..
حاولت تقى أن تتخلص من قبضة والدتها ، ولكنها فشلت ، فشعرها أسيراً لأصابع يدها ، وجسدها محاصراً بضربات ( شبشبها ) ، فلم يكن أمامها سوى الصراخ بتوسل لوالدتها لعلها تصغي إليها ، وتكف عما تفعله بها و..
-تقى بصوت مختنق وهي تتأوه من الآلم : آآآه ، حرام ، والله ما عملت حاجة ، آآآه ، طب.. طب قوليلي أنا عملت ايه .. آآآآه

زادت فردوس من ضربها لإبنتها ، ونفثت عن غضبها المشتعل فيها ، و...
-فردوس بصراخ حاد : مش هاسيبك إلا لما أربيكي من أول وجديد ، مش على أخر الزمن بنتي هاتطلع ***** ، ده أنا ادفنك بالحيا
-تقى ببكاء مرير : مظلومة يا ماما ، والله ما عملت حاجة ، آآآآآه .. كفاية ، آآآآآه .. الحقيني يا خالتي ، آآآه

لمحتها تهاني من طرف عينها ، ثم غمغمت بكلمات غير مفهومة ، واستدارت بجسدها لتواجه الحائط تاركة ابنة أختها تصرخ من الآلم ..

انتهت فردوس بعد عدة دقائق من ضرب ابنتها ، فقد خدل ذراعها ، وشعرت بالإرهـــاق بعد ذلك المجهود المضني في تلقين ابنتها ذلك الدرس القاسي ..
ثم ألقت بفردة ( شبشبها ) على الأرض ، وحركت قدمها للأمام لكي ترتديه ، ثم بصقت على ابنتها في اشمئزاز و...
-فردوس بقسوة ، ونظرات محتقنة : قسماً بالله لو اتكرر اللي حصل ده تاني ، وسمعت بس انك فتحتي الباب لأي حد لأوريكي

رمقت تقى والدتها بنظرات حزينة من عينيها المتورمتين من البكاء ، ثم أومــأت برأسها في خوف و..
-تقى بصوت مختنق : حـ... حاضر

ثم تركتها وانصرفت وهي تطلق سباباً حــاداً وتلعن الظروف التي جعلتها تعاني الأمرين ..

في نفس التوقيت كان زوجها عوض الله قد عـــاد لتوه من الخــارج فتفاجيء بفردوس وهي في حالة انفعال شديد ، ووجهها يوحي بأنها قد خرجت من شجار حـــاد للتو ، فإقترب منها و..
-عوض متسائلاً بحيرة : في ايه مالك ؟ قالبة وشك ليه ؟
-فردوس بنبرة متشنجة : روح شوف بنتك وبلاويها
-عوض بإندهاش شديد : تقى ! مالها ؟

ســردت له بإيجاز - وهي مازالت منفعلة – ما قالته جارتهما عن ابنتها وما فعلته هي معها كردة فعل ، فحدجها عوض بنظرات معاتبة و...
-عوض بنبرة شبه حـــادة : وانتي على طول صدقتي على بنتك اللي مربياها الكلام ده ، حرامي عليكي يا فردوس ، البت بنتنا ماتعملش كده أبداً
-فردوس بغضب ، ونظرات محتقنة : يعني عاوزني أسمع الكلام ده وأسكت ، ولا أروح أطبطب عليها عشان يعجب
-عوض بنبرة غليظة : مش لازم تعملي ده كله ، اسأليها وشوفي ردها الأول ، ده بيقولك ( إن بعض الظن إثم )
-فردوس وهي تزفر في عدم اكتراث : يوووه ، أهو اللي حصل بقى
-عوض بنبرة ضائقة : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أمــا أروح اشوف البت جرالها أيه

ثم ســــار في اتجاه الغرفة ، وطرق الباب أولاً قبل أن يفتحه ، فسمع صوت ابنته المنتحب يأتي من الداخل ، فأطل برأسه على استحياء ، و...
-عوض وهو يتنحنح في خشونة ، وهو غاضض للبصر : احم .. تقي يا بنتي ، صاحية ؟

نهضت هي من على الفراش الذي كانت متكورة عليه ، وســارت بخطوات متثاقلة في اتجاه الباب وهي تصدر أنيناً خافتاً بسبب الآلم ..
توقفت تقى أمـــام والدها ، وانتحبت لأكثر من مرة أمامه وهي تحاول أن تدافع عن نفسها ، فربت هو على ظهرها ، ثم وضع يده أسفل ذقنها ليرفع وجهها للأعلى و...
-عوض بنبرة أبوية مليئة بالحنو : حقك عليا يا بنتي ، متزعليش

نظرت هي إلى والدها بعينيها الحمراوتين والمنتفختين ، و...
-تقى بنبرة مختنقة : والله ما عملت حاجة ، ده خالتي خرجت وأنا ماشوفتهاش ، وبعدين منسي جابها وآآ...
-عوض مقاطعاً بهدوء : يا بنتي خالتك - الله يشفيها - عقلها راح منها ، وهي معلهاش حرج من اللي بتعمله
-تقى بصوت مبحوح : انا عارفة والله ، ومقصدتش إني آآ...
-عوض مقاطعاً بنبرة متريثة : يا بنتي أنا فاهم كل اللي هاتقوليه ، بس عشان محدش يجيب سيرتك بكلمة ..
-تقى وهي توميء برأسها : أها
-عوض متابعاً بجدية : انتي شايفة الناس مش بيسيبوا حد في حالهم .. اه انتي بتتصرفي بحسن نية ، بس غيرك مترقدلك على غلطة ، والدنيا مالهاش أمان ، وأمك عندها حق تخاف عليكي ، ماشي هي اتصرفت بعصبية ، بس برضوه عشان خاطرك ، محدش هايحبك زيها ولا هيخاف عليكي من نسمة الهوا الطاير أدها

أومـــأت هي برأسها موافقة أبيها على ما يقول ، ثم مسح هو بكف يده الخشن على وجنتها ليجفف تلك العبرات المتبقية من عليه ، ورمقها بنظرات دافئة و...
-عوض بخفوت : و انتي بعد كده خدي بالك ، واتأكدي إن الباب دايماً مقفول بالمفتاح عشان لو خالتك فكرت تكررها تاني ، ماشي ؟
-تقى بخفوت : حاضر

ثم وضع يده خلف رأسها وربت عليها في عاطفة أبوية و..
-عوض بنبرة شبه آمــرة : وروحي اعتذري لأمك يالا ، ومهما تعمل فيكي تقوليها طيب يامه ، ( وبالوالدين إحسانا ) ماشي !

لوت تقى شفتيها في ضيق ، فهي مازالت حزينة مما فعلته بها والدتها ، ولكن أصر والدها على أن تذهب إليها لتبدي أسفها على ذنب لم تقترفه .. فاضطرت أن تمتثل لأوامــره ، ودلفت خـــارج الغرفة ، وســـارت ناحية ( الصالة ) حيث تجلس والدتها .. ثم وقفت خلف أريكتها ، و...
-تقى بنبرة حزينة ، ونظرات منكسرة : ماما .. آآ.. أنا أسفة

لم تجبها والدتها ، بل استدارت برأسها لتحدجها بنظرات ازدراء ، ثم أشاحت بوجهها بعيداً عنها ، فدارت تقى حول الأريكة ، ووقفت في مواجهتها ، ثم أطرقت رأسها للأسفل و..
-تقى بنبرة شبه مختنقة : أنا أسفة يا ماما ، حقك عليا ، أنا غلطانة
-فردوس بإمتعاض : عارفة لو ده اتكرر تاني ، أنا مش هاقولك هاعمل ايه
-تقى بخفوت : حاضر

ثم جثت على ركبتيها ، وأمسكت بكف والدتها ، وقبلته ، فربتت والدتها فردوس على رأسها ، و..
-فردوس بلهجة شبه آمــرة : قومي اغسلي وشك ، وروحي حطي تلج على جسمك
-تقى مبتسمة بهدوء : ماشي

............................................

قـــــاد أوس سيارته الفارهة – ماركة مرسيدس – خـــارج القصر بسرعة هادئة إلى أن وصــل إلى الطريق الرئيسي ، ثم زاد السرعة تدريجياً ، وقام بإيصـــال هاتفه المحمول في شاحن سيارته ، وضغط على عدة أزرار ، وانتظر أن يأتيه الرد من عُدي و..
-أوس هاتفياً بنبرة عادية رغم جديتها : انت فين ؟

حـــاول عُدي أن ينصت جيداً لأوس ، ودلف إلى خـــارج الملهى الموجود به ، و...
-عدي هاتفياً بنبرة عالية : عند ( الميرميدز )
-أوس متسائلاً بإيجاز : ده فين ؟
-عدي بنبرة متشوقة وعالية : بص عــارف طريق ( ...... )
-أوس بهدوء : ايوه
-عدي متابعاً بحماس : لف شمـال من تاني تقاطع ، هتلاقي المكان هناك
-أوس بجدية : تمام .. خلاص أنا عرفته ، ربع ساعة وهتلاقيني عندك
-عدي بنبرة مرتفعة : ماشي .. مستنيك ، سلام بقى لأحسن الجو والع على الأخـــر
-أوس مبتسماً ابتسامة خفيفة : ومــاله ، الوقتي هاجي وأشوف

ثم ضغط هو على زر إنهاء المكالمة ، وأكمــل قيادة السيارة بمهارة فائقة ..

..........................

في ملهى الـ ( ميرميدز ) ،،،

صــف أوس سيارته خــــارج ذلك الملهى الجديد ذو الواجهات اللامعة بالإضاءة المختلفة ، ثم ترجل منها ، وإذ بأحد عاملي الملهى – من ذوي الحِلات الرسمية – يقترب منه ، ثم مــد يده وهو ينحني قليلاً بجسده للأمــام و..
-العامل بنبرة رسمية : المفايح يا باشا عشان أركن العربية لسيادتك

رمقه أوس بنظرات متفحصة ، ثم مــد أصابع يده ليقرأ ( بطاقة الهوية ) المعلقة على سترة العامل ، ومن ثم قـــام بإعطائه المفاتيح ، وســـار في اتجاه البوابة بخطوات واثقة ..
فتح الحرس المتواجد أمـــام البوابة الزجاجية الباب لأوس ريثما دنى منهم ، وقاموا بتحيته ، فابتسم لهم ابتسامة رضـــا عن تلك المعاملة التي تليق به ..

جـــــاب أوس بنظره المكان من الداخل وهو يمـــر عبر ذلك الرواق الطويل فوجده مزداناً على أعلى مستوى من الديكور الحديث ، فالسجاد الأحمــــر يغطي الأرضيات الرخامية اللامعة ، وصـــور أشهر الراقصات والمطربين الشعبيين معلقة على الجدران ذات اللونين البيج والذهبي ، ولم تخلو الأركــــان من الأعمدة الجرانتية المُشكلة على هيئة منحوتات شهيرة وإلى جوارها بعض المزروعــات الخضراء ..

لمح هو بعينيه بعض رواد هذا المكان وهم إما في حالة سُكــر وعدم وعي ، أو يتغازلون بفحش مع فتيات شبه عاريات ، فرمقهم بإزدراء .. ثم أكمــل سيره في اتجاه مصدر الصوت الصاخب الذي ينبعث من نهاية الرواق

ومـــا إن دلف إلى الداخل حتى سلط بصره على تلك الراقصة التي تتلوى كالأفعى في بدلتها الحمراء الفاضحة ، ونظر إليها بإشمئزاز ، ثم استدار برأسه ليبحث عن رفيقه عُدي ..
لمحه عُدي من على بعد فنهض عن مقعده بعد أن أبعد تلك الساقطة التي كانت غافلة على كتفه ، ثم ســـار بخطوات شبه راكضة في اتجاهه و...
-عدي بنبرة عالية : أوس باشا .. باشا !!

انتبه أوس إليه ، واستدار برأسه في اتجاهه ، ثم حدجه بنظرات حادة و..
-أوس متسائلاً ببرود : ايه المكان ده ؟
-عدي مبتسماً بفخر : هــا ، ايه رأيك ، حاجة اوريجينال ؟
-أوس بنبرة متأففة ، ونظرات احتقار لما حوله : دي مزبلة ، ايه القرف اللي انت جايبني فيه ده
-عدي بعدم اقتناع : قرف ايه بس ، يا عم انت بس عشان مش واخد على الجو بس ، خمساية وهتلاقيك زايط على الأخــر ، والدنيا هتبقى مليطة
-أوس بلهجة آمــرة ، ونظرات إشمئزاز : لأ عندك ، هي خمساية وألاقيك قصادي بره القذارة دي .. ماشي !

ثم تركه ولم ينتظر منه أي رد ، وانصـــرف مبتعداً عنه .. في حين زفــر عدي في انزعاج ، و...
-عدي بنبرة معترضة : انت مافيش حاجة بتعجبك يا أوس أبداً ، ممم.. بس حلو أوي ، أنا هاجيبله اللي تظبط مزاجه

ثم اعتلى وجهه ابتسامة شيطانية ، واتجه إلى الطاولة التي كان جالساً عليها ، ومـــال بجذعه قليلاً على تلك الفتاة الساقطة ، وهمس لها في اذنها بشي ، فابتسمت هي له ، و..
-الفتاة بنبرة مائعة : ومــاله ، طلبك عندي يا باشا .. استناني برا ، وهتلاقيني جاية ومعايا لزوم الليلة كلها
-عدي بنبرة متحمسة ، ونظرات خبيثة : اشطا يا اشطا

ثم ضحكت له الفتاة بضحكات رقيعة ، وتغنجت بجسدها أمامه لتثيره أكثر ، و ســـارت في اتجاه الـ ( بـــار ) القريب لتضع يدها على ظهر فتاة أخــرى شبه عارية ، وهمست لها في أذنها بشيء ، فأومـــأت الأخيرة برأسها موافقة ، ثم استدارت في اتجاه عُدي ولوحت له بيدها ، ونهضت عن مقعدها الطويل ، وســـارت كلتاهما في اتجاهه ..

..............................

أحضــــر العامل السيارة الخاصة بأوس له ، وجلس الأخير في السيارة وهو يطرق بأطراف أصابعه على مقود السيارة ..
وكان بين الحين والأخــــر يستدير برأسه في اتجاه البوابة منتظراً قدوم عدي .. و...
-أوس لنفسه بحنق : بيعمل ايه كل ده !!!
وما هي إلا لحظات حتى خرج عُدي وهو متأبط من الفتاتين اللاتين لم تكفا عن الضحك بطريقة رقيعة ، ولا عن العبث في سترته ، بينما كان على وجهه ابتسامة عريضة و...
-عدي بنبرة عالية وهو يشير بعينيه : أوس باشا ، ايه رأيك في الحتت الشعبي دي ؟

لـــوى أوس فمه في تهكم ، ثم رمق ثلاثتهم في حنق ، و...
-أوس بنبرة صارمة : ارمي الزبالة اللي في ايدك وتعالى
-عدي بنبرة متحمسة وهو يرمق الفتاتين بنظرات شهوانية : وهو في حد يرمي النعمة برضوه من ايده ؟
-أوس بحدة ونظرات محذرة : عــــدي ، لو فضلت معاهم أنا ماشي

تجهم وجه عدي ، وعبست ملامحه إلى حد ما ، ثم أرخى ذراعيه عن الفتاتين ، ورمقهما بنظرات نادمة و...
-عدي بإنزعاج واضح : مالكوش في الطيب نصيب يا مزز ، مقدرش أزعل حبيبي .. !

ثم دفعهما بعدم مبالاة بكفي يده ، وســــار في اتجاه سيارة أوس ، وأسند يده على النافذة ، وانحنى قليلاً برأسه للأسفل ليحدق في أوس بنظرات حـــادة و..
-عدي على مضض : مبسوط ؟
-أوس بنبرة جدية ، ونظرات ثابتة : اركب عربيتك وحصلني على شقة المعادي ، أنا جهزت السهرة هناك ، حاجة مضمونة ، مش شوية وساخة جايبهالنا
-عدي متسائلاً وهو يزم فمه في سخط : البت لوزة برضوه ؟

نظر أوس أمامه في الفراغ ، ثم تنهد في هدوء
-أوس ببرود : اه هي ..
-عدي بتذمر : انا مش عارف عاجبك في البت المصدية دي ايه ، حاجة ماتتبلعش ، لا شكل ولا منظر ، ولا حتى آآآ...
-أوس مقاطعاً بنظرات حــادة ، ونبرة شبه جادة : بس بتشوف مزاجي ، وأنا مهما روحت لغيرها برضوه محدش بيعمل اللي أنا عاوزه إلا هي
-عدي بتبرم ، ونظرات منزعجة : طب هي بتظبطك ، وانت متكيف منها ، لكن أنا بقى هاعمل ايه ؟؟ هاتفرج عليكوا ، ولا آآ..
-أوس مقاطعاً بجدية : هي جايبة معاها اللي يسليك
-عدي بتأفف : مجايبها زي وشها ، نسوان عاوزة الحرق
-أوس بنبرة متشنجة : بقولك ايه ، الليلة وجبت مع لوزة ، عاوز تيجي ماشي ، عاوز تكمل أعدة في المزبلة دي براحتك ، أنا خلاص طالع على المعادي

تنهـــد عُدي في انزعـــاج ، ثم اعتدل في وقفته ، و..
-عدي على مضض : خلاص .. جاي !

ابتسم له أوس في رضـــا ، و..
-أوس بهدوء : تعجبني .. متتأخرش بقى
-عدي بإيجاز : طيب

ثم تراجع هو خطوة للخلف ليتمكن أوس من قيادة سيارته ، وبعدها أشــــار عُدي بعينيه للعامل لكي يحضر له هو الأخـــر سيارته ..

........................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

قضت تقى ليلتها في غرفتها تحاول استذكار محاضراتها ، ولكنها كانت تتأوه من الآلم فلم تستطع التركيز جيداً ، بالإضافة إلى هذيان خالتها المستمر عن ضياع حياتها ، فتنهدت هي في تعب ، و...
-تقى لنفسها بخفوت : كده كتير ، أنا مش قادرة أعمل اي حاجة ، أحسن حاجة أعملها إني أنام ..

ثم تمددت هي على الفراش بعد أن أسندت كتبها على الطاولة ، ونامت على جانبها ، ونظرت إلى خالتها بنظرات اشفاق و...
-تقى بنبرة أقرب للهمس: ربنا يشفيكي يا خالتي ويهون عليكي ..!

...............................

في غرفة نوم عوض وفردوس ،،،

خاصم النوم جفني فردوس ، فهي تفكر فيما أخبرتها به جارتها أم بطة عن زواج ابنتها ، وعن عبء مصاريف الزواج ومتطلباته ، فشعرت هي بالاختناق أكثر ، فابنتها على مشــارف الزواج أيضاً ، وربما يأتي من يتقدم لخطبتها ، فكيف ستتدبر تلك المصاريف الطائلة وهي بالكاد تحاول سداد أقساطها وديونها ..
لاحظ عــوض الله تقلب زوجته على الفراش ، فاعتدل في نومته ، و...
-عوض متسائلاً بهدوء : مالك يا فردوس ؟
-فردوس بتنهيدة إرهــاق : مافيش
-عوض بنبرة متمهلة : لأ في ، هو أنا مش عارفك !
-فردوس بنبرة منزعجة : خايفة البت يجيلها حد يطلبها للجواز واحنا معناش أي حاجة نجهزها بيها
-عوض مبتسماً في رضا : يا ستي ، سيبيها على الله ، لسه بدري على الكلام ده

اعتدلت هي الأخــرى في نومتها ، ورمقت زوجها بنظرات حادة قبل أن تتشدق بـ ....
-فردوس بنبرة شبه متعصبة : بدري ايه يا راجل ، ده البت عدت الـ 19 سنة ، أصغر منها بكتير واتجوزوا ، وانت لسه تقولي بدري ، وماشيلش الهم
-عوض بنبرة هادئة : يا فردوس الجواز ده نصيب ، وهي لسه مجالهاش نصيبها ، وبعدين أنا عاوز بتي تكمل علامها وتشتغل حاجة كويسة ، وآآ...
-فردوس مقاطعة بتشنج : ادعي ربنا انها تكمل ، انت مش عارف علينا أقساط أد ايه ، والمعهد الزفت ده طلباته مش بتخلص ، وأنا وسطي اتقطم من كتر الشقى ، وانت مش بتساعد ، أخرك تروح الجامع تبات فيه ، وشايل ايدك من كل حاجة وسايبني لوحدي في الغلب ده

تنهـــد عوض في ضيق ، ثم أشـــاح بوجهه بعيداً عن زوجته و..
-عوض بنبرة مريرة : استغفر الله العظيم ، وهو أنا كان بإيدي حاجة ومعملتهاش ، ماهو على يدك اشتغلت في المصنع 30 سنة لحد ما طردوني في الأخــر ، وملاقتش حد يشغلني في السن ده ، كنت أعمل ايه بقى أسرق ولا أقتل ، الحمدلله إن ربنا وقفلي الشيخ أحمد وأهو دبرلي شغلانة نضافة الجامع بدل ما كنت أشحت
-فردوس بتبرم ، ونظرات حانقة : يوووه ، مش لازم كل شوية تفكرني بالغلب ده ، هو أنا معرفش أفضفض معاك باللي مضايقني ، ماهو أنا مش هاشق نفسي يعني
-عوض بضيق : بقولك ايه يا فردوس ، أنا قايم أتوضى ونازل الجامع

نهض عــــوض عن الفراش ، وســـار في اتجاه باب الغرفة ، فاستشاطت زوجته من الغيظ و...
-فردوس بتذمر جلي : ده اللي فالح تعمله ، كل ما أطلب منك حاجة تقولي نازل الجامع ، رايح افتحه ، رايح أشوف معرفش ايه ، لكن مش باشوف منك حل

استدار هو برأسه قليلاً للخلف ، ورمقها بنظرات يائسة و...
-عوض بإنزعاج : استغفرك يا رب وأتوب إليك .. ربنا يهديكي يا فردوس

احتقن وجهها بالدمـــاء أكثر ، واشتعلت عينيها حنقاً و...
-فردوس وهي تزفر في غضب : ده أخــرك بس معايا ، لكن حل لأي مصيبة مافيش ، طب اعمل حسابك تشوف صرفة لبتوع الديون ، تكلم بقى الشيخ بتاعك ، تشحت ، تاخد من أبصر مين ، المهم تتصرف ، أنا مش قادرة أسدد كل حاجة لوحدي ، خلاص كفاية عليا أوي كده ، أنا تعبت وقرفت
-عوض بإقتضاب : ربنا يسهل

ثم أمسك بمقبض الباب ، وفتحه ودلف إلى الخــــارج ، بينما استمرت فردوس في الشكوى ورثاء حالها وهي تسب وتلعن كل شيء ...
.....................................

في منزل ما بالمعادي ،،،،

تعالت الموسيقى الصاخبة والراقصة في نفس الوقت بداخل الغرفة الجالس بها أوس ، وتمايلت فتاة ما بجسدها المكتنز - والذي تبرز منه جميع مفاتنها من ملابسها الخليعة - في ميوعة وإنحراف لتثير رغبته فيها أكثر ، ثم ســـارت وهي تتلوى بجسدها في اتجاهه إلى أن توقفت أمام الفراش ، فمالت برأسها للخلف لتجعل شعرها الغجري يلامس وجهه ويداعبه ، فمــد هو كف يده وأمسك بها من شعرها بحدة ، وجذبها ناحيته بقسوة لتسقط هي فوقه ، ثم قــــام هو بتقييد ذراعيها بقبضة يده وجثى فوقها ليمنعها تماماً عن الحركة و..
-أوس وهو يصر على أسنانه في شراسة : عرفتيه امتى عليا ؟

هربت الدمــاء من وجه لوزة ، وجف حلقها فجـــأة و..
-لوزة بنبرة متلعثمة، ونظرات مرتعدة : مــ... مين ده ؟
-أوس بنظرات نارية قاتلة ، ونبرة مخيفة : ابن الـ ***** اللي كنتي نايمة في حضنه امبارح ، مفكراني مش هاعرف يا *****
-لوزة برعب ، ونظرات مذعورة : محصلش يا حبيبي ، ده .. ده كدب
-أوس بنبرة غليظة : بتكدبيني يا بنت الـ ***

ثم قــــام بجذبها بقسوة من فروة رأسها لتصرخ هي بآلم شديد ، وإنهـــال عليها بالصفعات المتتالية على وجنتيها ، وظل يسبها بأبشع الألفاظ ، ثم نهض عنها ، ونزع حزامه الجلدي عن بنطاله ، وقـــــام بلفه عدة مرات حول كف يده ، ورفعه عالياً في الهواء ليصبح كالسياط ، ثم هوى به عليها ليجلدها بعنف .. فصرخت هي بفزع وبكت بحرقة ، وظلت تتوسل له لكي يكف عمــا يفعله بها ويرحمها ...
ظل أوس يرمقها بنظرات شهوانية وعلى وجهه ابتسامة شيطانية وهو مستمر في تعذيبها بسياطه الجلدي إلى أن شعر أنه في ذروته ، وأنها أصبحت غير قادرة على تحمل ساديته ، فتوقف عما يفعل ، وألقى بحزامه الجلدي على الأرضية ، ثم نزع ملابسه عنه و جثى فوقها مجدداً ، وبدأ في الاعتداء الوحشي عليها بعد أن مزق ملابسها الخليعة وكشف جسدها أمام عينيه ..
كانت هي تتأوه من الآلم ، ورغم هذا تجاوبت مع شراسته وعنفه ، وبادلته الحب والرغبة و..
-لوزة بصوت مختنق ومتآلم : آآآه .. بموت فيك يا عمري ، ومهما تعمل فيا ، فأنا خدامتك ، وتحت رجليك

شعر أوس أنه قد نـــال ما أراده منها ، وأفرغ شحنته السادية المكبوتة في تلك الساقطة ، لذا ابتعد عنها بعدما انتهى منها ، وتمدد إلى جوارها وصدره يعلو ويهبط وكأنه قد خرج تواً من سباق للعَدوْ
-أوس بنبرة لاهثة : رغم إنك بتظبطي دماغي إلا انك برضوه مش قادرة توصلي للي أنا عاوزه

تحسست لوزة جسدها المتورم بأطراف أصابعها ، ثم مــالت قليلاً على جانبها ، ونظرت إليه بتفرس و..
-لوزة بخفوت : طب قولي انت عاوز ايه وأنا هاعملهولك
نظر إليها بطرف عينه بحدة ، ثم نهض عن الفراش ، وســـار في اتجاه الأريكة الوثيرة الموضوع عليها سترته ، ثم مد يده ليمسك بها ، وأخرج منها سيجارة ، وبحث عن القداحة ، ثم أشعلها ، ونفث دخانها في الهواء و..
-أوس ببرود : ده مايتقالش يا لوزة ، ده يتعمل وقت ساعته
ركل ذلك الطفل الصغير – ذو السنوات الإحدى عشر - الكرة بقدمـــه لتهرب منه وتختبيء أسفل الفراش الموجود بغرفة والده ، فوثب عالياً في براءة ، ثم استدار برأسه ليبتسم إلى مربيته التي ترعـــاه أثناء غياب والديه ، ومن ثم ركض خلفها وهو يضحك في عفوية ..
دلف الطفل إلى داخل غرفة والده ، بينما بقيت المربية في الخــارج تتغنج بجسدها الرشيق أمام المرآة الموجودة بالرواق ..
انحنى ذلك الصغير بجسده الضئيل بجوار الفراش بعد أن أسند كفه على طرفه ، ثم جثى على ركبتيه و مـــال برأسه أكثر ليبحث عن مكان كرته ، وبالفعل وجدها قابعة أسفل الفراش ، لذا زحف بكامل جسده تحت الفراش ليمسك بها ..

ثم سمع هو صوت همهمات تأتي من الخـــارج ، وصوت صراخ مكتوم، فانتفض فزعاً ، وبلل ملابسه رغماً عنه ، وتملكته ارتجافة قوية .. وحـــاول ألا يتحرك من مكانه ...

بدأ الصوت يقترب تدريجياً منه ، وعينيه الصغيرة تتحركان وترمشان بسرعة رهيبة ...
لمح الصغير بطرف عينيه من أسفل تلك الملاءة التي تتدلى من الفراش أقداماً لرجلين ، وكذلك قدمي إمرأة معهما ولكنها على ما يبدو تحاول الابتعاد عنهما ..
كان صوت ذلك الرجل مألوفاً بالنسبة له ، وصــوت صراخ المرأة يعهده جيداً ..
استطاع هو أن يتعرف على الاثنين من صوتهما .. نعم إنها مربيته ، وأبيه .. ولكنه لم يألف صوت الرجل الأخـــر
لم يفهم هذا الصغير ما الذي يحدث مع المربية، ولكن يبدو أنها في خطــر محدق ، وعاجزة عن الهرب ، ووالده متورط في أذيتها ..
اهتز الفراش بعنف من أعلاه ، وسمع أصوات غريبة تأوهــات من الصراخ المكتوم ممزوجة بهمهمات خافتة للغاية ، ثم إزدادت الاهتزازات بشدة فإعتقد أن الفراش سيسقط فوق رأسه ، لذا صرخ الصغير بصوت مبحوح ، فتوقفت الاهتزازات فجـــأة ، ورأى تلك الأقدام الرجالية تقترب منه بهدوء مخيف ، ثم رأى رأس ذلك الغريب تنكشف من أسفل الملاءة المتدلية على الفراش ، وحدق بعينين متسعتين في رعب حقيقي في عينيه الشرستين التي لم ترمشا لثانية

خفق قلب الصغير بقوة ، وصـــرخ تلك المرة عالياً ، ولكنه لم يجرؤ على التحرك من مكانه ، وفجــــأة وجد أذرعاً تمتد إليه من الناحية الأخـــرى لتجذبه من أسفل الفراش وتحمله عالياً في الهواء من خصره ...

أغمـــض الصغير عينيه كي لا يرى نظرات الغريب المخيفة ، وظل يركل بقدميه في الهواء ، ويتلوى كالدودة الصغيرة ليتحرر من تلك الأذرع القابضة عليه ، ثم سمع صوت والده يهمس له في أذنه بـ ...
-مهاب بصرامة شديدة : بتعمل ايه عندك ؟

عجز أوس عن الرد على والده ، وظل مغمضاً لعينيه ، ولم يكف عن الركل بقدميه ، في حين اقترب منه ذلك الغريب الذي اخترقت رائحه سجائره الكريهة أنفه بقوة و...
-ممدوح مبتسماً ، وبنبرة شيطانية : الواد باينه عاوز يطلع خلبوص زي أبوه ، سيبهولي

فتح أوس عينيه فوجد الطبيب ممدوح محدقاً فيه بعينيه الشريرتين ، فارتعدت فرائصه أكثر ، ثم لمح بطرف عينه مربيته وهي شبه عارية على الفراش ومقيدة من ذراعيها ، وعلى وجهها علامات رضا وسعادة غريبة ، فجحظت عينيه أكثر في رعــــب ...
-مهاب بحدة : ده لازم يتعلم الأدب ، ازاي يدخل أوضتي وأنا مش فيها ، وانتي كنتي فين ؟؟؟؟
-المربية بنعومة : انت مادنتيش فرصة أقولك إنه موجود في السكن
-مهاب بحنق : يا سلام ، بالبساطة دي ، طب أهوو شاف كل حاجة ، إيه العمل بقى !!

أشاحت المربية بوجهها ، وتمطعت بجسدها على الفراش قبل أن تسحب الملاءة لتغطي بها جسدها المتعري ...

بينما ارتسمت ابتسامة لئيمة على وجه ممدوح ، وحدج أوس بنظرات خبيثة ذات مغزى و...
-ممدوح بنبرة تشبه فحيح الأفعى : هاتهولي وأنا هاتصرف معاه
-مهاب بنبرة غاضبة ، ونظرات محتقنة : هاتعمله ايه ؟؟ ده ممكن يفضحنا ويقول لتهاني على اللي بيحصل هنا
-ممدوح بثقة زائدة : اطمن ، مش هاتعرف حاجة ، دي مراتي وأنا هاسيطر عليها
-مهاب بنبرة متصلبة : لأ ، أنا عـــارف ابني ، هايقولها ، وهي مش هاتسكت ، ويمكن تنفذ تهديدها معايا وتقول لناريمان
-ممدوح بنبرة عازمة ، ونظرات أكثر ضيقاً : أنا مش هاخليه يفتح بؤه تاني
-مهاب بنبرة محذرة : اياك تعمل في ابني حاجة
-ممدوح بهدوء مخيف : ماتخفش ، أنا بس هاعرف إزاي اسكته

ثم مد يده في اتجاه مهاب ، وأخــــذ الصغير أوس من ذراعيه ، وقام بحمله وأحكم قبضتيه عليه حتى لا يفلت منه بسبب مقاومته الزائدة ، ودلف به إلى خــــارج الغرفة ...
ظل أوس يصرخ بفزع شديد كي يتركه ممدوح ويبتعد عنه ، ولكنه لم يعبء به ، واتجه به إلى غرفة نومه الصغيرة ..

أغلق ممدوح باب الغرفة عليهما بعد أن ألقى بالصغير – الذي لم يكف عن الصراخ - على الفراش ، ثم حدجه بنظرات بثت الرعب في نفس أوس و..
-ممدوح بنبرة مخيفة : اخرس خالص ، ماسمعش حسك
-أوس بصوت عالي ومرتعد : ماما .. ماما ، أنا عاوز ماما ، أنا هاقولها عليك ، يا ماما تعالي
-ممدوح بنبرة قوية ، ونظرات مرعبة : بــــس ، مافيش ماما هنا ..!!

ثم اقترب منه ، وأمسك به من ياقته ، وحمله عالياً في الهواء ، ونظر مباشرة في عينيه ، و...
-ممدوح بنبرة متصلبة تحمل التهديد ، ونظرات أكثر ضيقاً : لو فتحت بؤك يا أوس بأي حاجة شوفتها في أوضة أبوك أنا هاعمل فيك زي ما أبوك بيعمل في الخدامة فوق
-أوس بصراخ طفولي : ماما .. أنا هاقولها عليك ، عـــااا
-ممدوح بنبرة مرعبة : مش هاتقدر ، وهاقول عليك كداب
-أوس بنبرة طفولية مختنقة : الناني ( الدادة ) هتقول لماما
-ممدوح مبتسماً في استخفاف : الناني مبسوطة ومش هاتقول حاجة
-أوس بنبرة مذعورة : لأ .. ده .. ده كدب
-ممدوح بخبث : واضح كده إنك متعرفش عمك ممدوح كويس ، والظاهر إنك عاوز تشوف أنا هاعمل فيك ايه ..!

بلل الصغير أوس بنطاله مجدداً من الفزع ، وارتعش أكثر وهو يرى تهديدات ممدوح الصريحة له ، في حين ارتسمت ابتسامة شيطانية على فم الأخير وهو يرى تأثيره الجلي والمخيف عليه و...
-ممدوح بهمس مخيف ، ونظرات مفزعة : مممم.. تعرف أنا بفكر في ايه ،
صمت ممدوح للحظة لكي يراقب ردة فعل الصغير عليه ، ثم تابع بـ ...
-ممدوح بنبرة مفزعة ، ونظرات ثابتة : أنا هاقطع منك حتة صغيرة ، ومحدش هايعرف بده

ثم أخفض عينيه للأسفل ليشير بهما إلى ذلك الجزء الذي يهدد بإيذائه فيه ، في حين شحب لون وجـــه أوس على الفور ، وهربت الدمـــاء من وجهه ، فأيقن ممدوح أنه قد نجح في بث الرعب فيه نفسه ، فتملكه الغرور أكثر ، واقترب من أذن أوس ، و...
-ممدوح متابعاً بصوت ثقيل : و انت أصلاً ضعيف ، مش هاتقدر تعمل حاجة ، و حتى معندكش قوة تواجهني بيها ، الخدامة يمكن أقوى منك وهتعرف تتصرف مع أبوك ، لكن انت لأ ..

هــــز أوس رأسه في فزع ، وحـــاول أن يتملص من قبضتي ممدوح الممسكة به من ذراعيه الضئيلين و..
-أوس بتلعثم وخوف : أنا .. أنا ...
-ممدوح بخفوت مخيف يحمل التهديد : انت هاتنسى اللي حصل في الأوضة ، وإلا ....
ثم صمــت لثوانٍ لكي يشير بعينيه إلى جســـد الصغير حتى يتأكد أنه قد فهم رسالته ، و..
-ممدوح بنبرة تشبه الفحيح : انت عارف أنا هاعمل ايه !

ومـــال برأسه عليه ، ثم ..........................

في تلك اللحظة أفـــــاق أوس من نومه وهو يتصبب عرقاً غزيراً ، وصدره يعلو ويهبط وكأنه قد قطع أشواطاً في الركض لمسافات بعيدة ..
ظل لبرهة محدقاً في الفراغ أمامه ، متصلباً في مكانه ، محاولاً تهدئة أنفاسه اللاهثة ..
أغمض عينيه للحظة ، ثم أخـــذ نفساً عميقاً وزفره بقوة ، وفتح عينيه مجدداً ليتأكد أنه متواجد بغرفته في منزله الخاص بالمعادي ..
-أوس لنفسه بتوتر شديد : كان كابوس ، كابوس ، مافيش حاجة من دي موجودة ...!

مـــد أوس يده في اتجاه الكومود ليسحب الهاتف المحمول من عليه ، ثم نظر في شاشته ليرى أن التوقيت قد تجاوز الرابعة صباحاً ..
ألقى هو بالهاتف على الفراش دون اكتراث ، ثم أنــزل ساقيه عن الفراش أولاً ، وانحنى بجذعه للأمـــام قليلاً ، ووضع كلتا يديه على فروة رأسه ، وظل يمرر أصابعه في شعره ، وأخــذ يحك رأسه بشدة حتى ينفض تلك الذكريات الآليمة والمفزعة عن عقله ..
زفــــر هو مجدداً ، ثم نهض كلياً عن الفراش ، وســـار في اتجاه باب الغرفة ، ودلف إلى الخـــارج – وهو عـــاري الصدر – ليطل على رفيقه عُدي ...

كان عُدي شبه فاقد للوعي على الأريكة الموجودة بصالة المنزل من أثر الخمر ، وإلى جواره عدد من الزجاجات الفارغة ، وكذلك بقايا الطعام الجاهز ..
تأمل أوس هيئة عُدي المزرية ، وحدجه بنظرات متأففة ، ثم تركه وســــار في اتجاه المرحاض لكي يغتسل لعله يتمكن من نسيان ذلك الماضي المشين والمخيف الذي مـــازال إلى الآن يطارده في أحلامه ..

أدار أوس صنبور المياه البارد ، وأنزل رأسه أسفله ، وأغمض عينيه مجدداً ليستمتع بتلك البرودة التي أطفأت إلى حد كبير النيران المستعرة في عقله .. لم يدرْ هو كم من الوقت ظل باقياً على تلك الحالة ، ولكنه كان يبحث عن السلام الداخلي ، عمن يخمد ذلك البركان الهائج في صدره

..........................

لم يهنأ أوس يوماً بعد الذي حدث في تلك الليلة المشؤومة – أي منذ ما يزيد عن ثمانِ عشر عاماً ..
فقد تملكه الرعب الشديد حينما أوشك ممدوح – رفيق والده – على الإعتداء بدنياً عليه ، ولكن منعه من الإقتراب منه قـــرع جرس الباب ، حيث نهض ممدوح عن الفراش ، وركض خـــارج الغرفة بعد أن أوصـــد الباب عليه من الخارج ، في حين اختبىء هــو بداخل خزانة الملابس حتى لا تطاله يد ذلك الدنيء ..
ورغم أنه كان محاصراً بالداخل ، والظلام الدامس يغلف الخزانة المختبيء بها ، إلا أن صوتها الذي اخترق أذنيه كان يطمئنه بأنها ستحميه من شره ..
ولكن سرعــــان ما تلاشى هذا الشعور حينما سمع أصوات شجارها مع ذاك البغيض و...
-تهاني بغضب عــــارم : انت إزاي تعمل كده ؟؟ أنا مش هاسكت
-ممدوح بصراخ حــاد : تهاني ، كله كان بموافقتك ، وأنا مضربتكيش على ايدك ..!
-تهاني بنبرة عازمة وقوية ، ونظرات ضيقة ومتوعدة : وأنا مش هاسيبك تفلت باللي عملته ، حقي هاجيبه منك ، وهاخلي ناريمان تعرف ، وأنا آآ...آآآآآآه .. ابعد عني ، آآآآآآآآآه

استمع أوس إلى صراخ السيدة تهاني الهادر وهي تحاول الاستغاثة بمن يساعدها ، ولكن تحول هذا الصراخ بعد ثوانٍ قليلة إلى ضحكات رقيعة ن وشبه مائعة ، وأصوات أقرب للدلال الممزوج بتأوهــات من الآلم ، فاكفهرت ملامح وجهه أكثر ، وشعر بالتخبط في أفكاره و...
-تهاني بنبرة ناعمة : آآآه ، يوووه يا ممدوح ، أنا مش بحب كده ، آآآي ، انت بتوجعني
-ممدوح بنبرة رخيمة : باموت فيكي
-تهاني بنبرة مليئة بالدلال : الله .. مايصحش اللي بتعمله ، احنا عند مهاب مش في بيتنا
-ممدوح بخبث : عندك حق ، ده حتى مهاب نايم فوق مع حبيبته ، وأنا نفسي أخد راحتي معاكي أوي .. تعالي يا قلبي ، تعالي

ثم تعالت ضحكاتهما سوياً وبعدها بلحظات انخفضت تدريجياً حتى ســـاد السكون التام في أرجــــاء الغرفة .. وهنا أدرك أوس مفهوماً جديداً في الحياة ، وأوهم نفسه بأن هناك لذة مــا في تعذيب الغير .. نعم ، هو ذلك الشعور الذي يمنحك القوة حينما تعتدي بالقسوة على من هو أضعف منك ، شعور يجعلك المسيطر والمهيمن على كل شيء ..

........................

أفــــــــــاق أوس من شروده هذا ، وأبعد رأسه عن المـــاء المنهمر ، ثم نظر إلى نفسه في المرآة بنظرات شرسة ومتوحشة ، و...
-أوس وهو يصر على أسنانه في غل : كلهم زي بعض ، كلهم نسوان ***** ..!

ثم ضرب بقبضة يده المتكورة المرآة بقوة فتحطمت على الفور لأجزاء صغيرة ...

فنظر مجدداً إلى انعكاس صورته المشوهة عليها ، وظل متسمراً لثوانٍ في مكانه حتى حضر إليه راكضاً رفيقه عدي الذي كان أثر النعاس بادياً عليه و...
-عدي بفزع : في ايه اللي حصل ؟؟

لم يجبه أوس بل دفعه من كتفه لكي يدلف خـــارج المرحاض ، فحك عدي رأسه في عدم فهم و...
-عدي بنظرات استغراب ، ونبرة متعجبة رغم تحشرجها : ده ماله ده !!!

..........................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

وقفت السيدة ناريمان أمام بوابة القصر تنتظر السائق الخاص بها لكي يحضر لها السيارة ، ثم رفعت أصابع يدها المطلية باللون النبيذي لتتأكد من تناسقه مع لون فستانها الأســـود الغالي حيث الحفل الخيري الذي ستذهب إليه بعد قليل مع رفيقاتها ..

في نفس التوقيت قــــاد أوس سيارته عائداً إلى القصر ، فلمح والدته وهي تقف في كامل زينتها ، فصف السيارة جانباً ، وترجل منها ، وســـار نحوها وهو يرمقها بنظراته القوية والثابتة ..
لوت ناريمان شفتيها في ضيق حينما رأت أوس ، وحدجته بنظرات حادة و...
-ناريمان بنبرة ضائقة : طب كويس انك افتكرت ان ليك أهل وجيت
-أوس بنبرة جافة : اهلا
-ناريمان بحنق : أهلا ..! ده اللي جاي تقوله دلوقتي ؟ يعني انت غايب بقالك كتير ، وفي الأخر تقولي أهلاً ، فعلاً انت الواحد مستحيل يتكلم معاك
-أوس بجفاء : ناريمان هانم ، ماظنش إن وجودي هنا أو غيابي هيفرق معاكي في حاجة ، بالعكس أنا بريح دماغك مني ، والأفضل تخليكي في شغل الخير بتاعك ده ، أو أقولك ركزي مع ليان أحسن مني
-ناريمان بنظرات مشتعلة ، ونبرة متشنجة : انت .. انت ازاي بتتكلم كده ، أنا أمك مش واحدة من الزبالة اللي تعرفهم
-أوس وهو يزم شفتيه ، وببرود مستفز : مممم .. أمي ، طيب كويس انك فكرتيني ، أصل أنا كنت ناسي المعلومة الخطيرة دي
-ناريمان وهي تزفر في غضب : اووووف ، انا فعلاً بعترف إني فشلت في تربيتك !
-أوس بتهكم ، ونظرات ذات مغزى : كفاية أوي إني تربية ممدوح بيه ..!

ابتلعت ناريمان ريقها في توتر واضح ، وبدأت أصابع كف يدها ترتعش قليلاً ، فأخذت نفساً سريعاً لتسيطر على ارتباكها الملحوظ و...
-ناريمــان بتلعثم : آآ.. انت .. انت تقصد ايه ؟
-أوس بنبرة باردة ، ونظرات قاسية : انتي فاهماني كويس ، فبلاش نلف وندور على بعض

حدقت هي بمقلتي عينيها في قلق واضح ، فقد أدركت أن وراء تلميحاته هذه مغزى واضح ، لذا ابتلعت ريقها مجدداً ، وحـــاولت أن تسيطر على ملامح وجهها لتبدو عابسة الوجه ، و...
-ناريمان بنبرة شبه حـــادة ومتوترة : انت التفاهم معاك صعب ، أنا ماشية ..!!!!

ثم ســـــارت بخطوات راكضة في اتجـــاه السيارة – وهي تتمتم بكلمات مبهمة - حيث ينتظرها السائق ، وأشــارت له بطرف إصبعها ليفتح لها الباب ، ثم ركبتها لينطلق بها خــــارج القصر ....

..........................................

صعد أوس إلى غرفته ليستحم ثم قام بتبديل ملابسه بأخـــرى رسمية من أجـــل الذهـــاب إلى مقر شركاته ، وقبل أن يتجه إلى الدرج سمع صوت اخته الصغرى ليان يصدح عالياً وهي تسب وتلعن في الهاتف بعصبية ، فضيق عينيه في حيرة ، ثم قرر الذهاب إليها لمعرفة ما الأمــــر ..
لم تنتبه ليان إلى وجود أخيها خارج غرفتها ، واستمرت في الصياح بـ ...
-ليان هاتفياً بغضب : مش لاقياه يا جودي ، قلبت الدنيا عليه في كل مكان
-جايدا هاتفياً بهدوء : طب انتي شوفتيه في التويلت ، ممكن يكون على المراية
-ليان بحنق : يا بنتي أنا مش طلعته من الـ ( Box ) بتاعه ، يبقى ازاي هاسيبوه كده
-جايدا بنبرة جادة : يبقى أكيد في حد خده
-ليان متسائلة بتزمت : حد مين ده ؟
-جايدا وهي تمط شفتيها في حيرة : يمكن حد من الخدامين اللي عندكم
-ليان وهي تهز رأسها نافية ، وبنبرة متشنجة : لأ معتقدش ، مامي هنا مش بتشغل أي حد
-جايدا بهدوء حذر : مش عارفة أقولك ايه
-ليان بإنفعال : أنا عاوزة حل للمصيبة دي ، مامي لو عرفت إن الخاتم ضاع هـ..آآ... هتزعل ومش بعين تكنسل ( تلغي ) البارتي بتاعتي
-جايدا بقلق : طب وبعدين ، هاتعملي ايه ؟

وضعت ليان أطراف أصابعها في فمها ، وبدأت في قطم أظافرها في ارتباك شديد و...
-ليان بتوتر : أنا .. أنا بفكر أخلي سامو يضربلي واحد أي كلام وآآآ..

أوس مقاطعاً بنبرة متصلبة : ليان ، اقفلي الخط وتعالي ورايا

انتفضت ليان فزعاً على إثر صوت أخيها الكبير ، والتفتت برأسها ناحيته ، وحدقت فيه بنظرات حــادة و...
-ليان بنبرة ضائقة : أوس .. انت هنا من أمتى ؟
-أوس ببرود واضح : انتي سمعتي أنا قولت ايه ! تعالي
-ليان بتذمر : اووف ، أنا مش فاضية لأي كلام ، بليز أوس سيبني في اللي أنا فيه
-أوس بنبرة صارمة ، ونظرات قوية : ليان .. تعالي

ثم ســــــار خارج غرفتها ، ووقف أمام الدرج ووضع كلتا يديه في جيبي بنطاله القماشي الأســــود ، فتبعته هي إلى حيث يقف ، ولوت فمها في تأفف ، ورمقته بنظرات ضيقة و...
-ليان بنفاذ صبر : عاوز ايه ؟
-أوس بنبرة محذرة : اتكلمي معايا عدل أحسنلك ، أنا مش صاحبتك

عضت هي على شفتها في عدم اكتراث ، وأشاحت بوجهها بعيداً عنه ، و..
-ليان بهدوء مصطنع : سوري ، بس أنا مضايقة خالص ، وآآ..
-أوس مقاطعاً بصوت عميق : في ايه ؟
-ليان بتشنج : الخاتم السوليتر بتاعي ضايع ، وانا هاتجنن عليه ، ولو مامي عرفت باللي حصل فأنا مش عارفة هاتعمل ايه وآآ...
-أوس مقاطعاً بتهكم : وطبعاً إنتي الوقتي عاوزة بديل ليه قبل ما ناريمان هانم تكتشف الموضوع ، فهاتروحي للزفت سامو وتخليه يقلدلك واحد زيه
-ليان وهي تتنحنح في توتر : احم .. آآ.. يعني
-أوس بجدية : أنا سامعك وانتي بتظبطي كل حاجة ، لأ برافو .. بنت أمك ، بتعرفي تخططي وتلعبي صح !!

رفعت ليان أحد حاجبيها ، ورمقته بنظرات إستهجان ، و...
-ليان بإنزعاج : ايه الاسلوب البيئة ، يععع ، أنا مش كده على فكرة ، أنا بس مش عاوزة مامي تزعل
-أوس بنبرة تحمل الاستهزاء : لا والله ، ده بجد .. على أساس إن أنا أهبل وممكن اصدق العبط اللي سمعته
-ليان وهي تزفر في غضب : أوووف ، أنا أصلاً بتكلم معاك ليه ، انت كده كده مش بيفرق معاك حاجة ، وهاتسيب القصر ( as usual ) ، وهافضل أنا أحاول أبرر لمامي وأشوف أي حجة عشان تقتنع إني مش السبب

تجمدت تعابير وجه أوس وظل لثوانٍ محدقاً في عيني أخته ، فارتابت هي من نظراته المسلطة عليها ، ثم ...
-أوس بصلابة : لأ بيفرق معايا ، وهاوريكي

ثم تركها أوس وأمسك بالدرابزون ، ونزل على الدرج سريعاً ، واتجه ناحية المطبخ المتواجد به الخدم ، وحدجهم جميعاً بنظرات شرسة بثت الخوف في أنفسهم و....
-أوس متسائلاً بقوة : فين حكمت ؟!
-الخادمة تحية بتردد : آآ... هي .. هي بقالها كام يوم عيانة ، وآآ... ومش .. ومش هاتقدر تيجي
-أوس بنظرات نارية ، ونبرة مخيفة : أهـــا ، يعني هي غابت كده مع نفسها وبلغتك انتي بدل اللي مشغلينها
-الخادمة تحية بتوتر شديد : أبداً والله يا باشا ، ده .. ده آآ..
-أوس مقاطعاً بقسوة ، ونظرات محذرة : أنا هاطلب البوليس لو الخاتم ماظهرش في ظرف ساعتين ، والكل هيروح في داهية
-الخادمة تحية وهي فاغرة شفتيها في ذهول : هــــاه ، بوليس ، طب .. طب ليه ؟؟!!!

نظر الخدم إلى بعضهم البعض في ارتباك شديد ، وبدأوا يتهامسون في فزع .. نعم .. الكل يخشاه بحق ، فلا يمكن لأي أحـــد أن يتوقع ردة فعله حينما يغضب أو يثور ....
........................................

في منزل تقى عـــوض الله ،،،

سمعت تقى صوت طرقـــات خافتة على باب المنزل ، فعدلت من وضعية حجابها الذي يغطي غالبية شعرها ، ثم ســــارت في اتجاه الباب وفتحته لتجد جارتها حكمت واقفة أمامه وترمقها بنظرات متفحصة لها ولقميصها القطني القديم ، و...
-تقى بنبرة سعيدة وهي تشير بيدها : اتفضلي يا خالتي
-حكمت بهدوء مصطنع : اه يا حبيبتي ، هاتفضل ، أومــال امك موجودة

سمعت هي صوت فردوس يأتي من الداخل ، فاستدارت ناحية مصدر الصوت و...
-فردوس بنبرة شبه عالية : تعالي يا حكمت ، أنا موجودة
-حكمت وهي تمط شفتيها في ضيق زائف : كويس إني لاقيتك ، أصل عاوزاكي في حاجة مهمة
-فردوس بلهجة آمــرة : خشي يا بت يا تقى أعملي حاجة ساقعة لخالتك حكمت بسرعة
-حكمت باعتراض زائف : مالوش لازمة ، هو أنا جاية أضايف هنا
-فردوس بإصرار : لا والله ما يحصل ، ده انتي في بيتي ، اجري بسرعة يا بت
-تقى بنبرة متحمسة : هاعملك لمون ساقع بسرعة يا خالتي

ثم ركض تقى سريعاً من أمامها في اتجاه المطبخ ، وتابعتها كلتاهما بنظرات ثابتة إلى أن اختفت عن ناظريهما ، فاعتدلت حكمت في جلستها ، ورفعت أحد حاجبيها في ترفع و...
-حكمت هي تلوي ثغرها : شوفي بقى يا فردوس يا اختي ، أنا مش هالف وأدور في الكلام كتير

اضطربت قسمات وجـــه فردوس ، وقطبت جبينها نوعاً ما ، وأصغت بإهتمام بالغ إلى ما تقوله جارتها و...
-حكمت بنزقٍ : الوقتي ( الديّانة ) عاوزين فلوسهم ، وأنا بحاول أشوفلك حل عشان ماتتفضحوش أكتر
-فردوس وهي تلوي فمها في سخط : ربنا مش هايجيب فضايح إن شاء الله ، ريحي نفسك بس يا حكمت وماتشليش همنا
-حكمت بنظرات ضيقة ، ونبرة هامسة : يا ولية أنا عاوزة أساعدك ، ياباي ...!

حدجت فردوس حكمت بنظرات حانقة ، ثم أشاحت بوجهها بعيداً عنها، و....
-فردوس بنبرة عالية : بت يا تقى اللمون بسرعة عشان خالتك ريقها ناشف

نهضت هي عن الأريكة ، ونظرت إلى حكمت بنظرات منزعجة قبل أن تردف بـ ...
-فردوس على مضض : هـــاروح أشوف ايه اللي أخر البت دي ورجعالك

ثم ســـارت فردوس بخطوات ثابتة في اتجاه المطبخ ، بينما ظلت حكمت تتابعها بعينيها المغتاظتين إلى أن أختفت تماماً ، فأرجعت ظهرها للخلف ، ووضعت ساقاً فوق الأخــــرى و...
-حكمت بنبرة محتقنة وخافتة : أنا مش عارفة بتتنطط على ايه بنت بارم ديله دي ...!!!!!!
في قصر عائلة الجندي ،،،،،

لم يهنأ أي أحــــــد متواجد في القصر بعد تهديدات أوس الصريحة لهم ، وبدأ الجميع في مهمة البحث عن ذلك الخاتم ، وجلست ليان في غرفتها بالطابق العلوي تراقب الخادمات وهن منشغلات في التفتيش عنه ، وإعــادة ترتيب كل شيء في مكانه ..
في حين قام ( الجانيني ) وكذلك بعض الخدم في البحث عنه في حديقة القصر الواسعة ..
لم تجد أي خــــادمة هذا الخاتم في غرفة ليان أو في أي غرفة أخرى علوية ، لذا اتجه الجميع للطابق السفلي للبحث فيه ..
وهنا استغلت الخادمة تحية تلك الفرصة ، وانشغـــال الجميع في البحث عن الخاتم المفقود ، وقررت أن تهاتف حكمت لتبلغها بما حدث ، لذا إنسلت في هـــدوء من بينهم ، والتفتت برأسها للخلف أكثر من مرة لتتأكد من عدم متابعة أي أحـــد لها ، ثم اختبئت خلف أحد الأعمدة الجرانيتية الموجودة على مقربة من ردهة باب القصر ، وأخرجت هاتفها المحمول من جيب تنورتها السوداء ، ثم نظرت بتوجس حولها ، وضغطت على عدة أزرار لكي تهاتف حكمت على عجالة ، وانتظرت أن يأتيها الرد و...
-الخادمة تحية لنفسها بخفوت : ردي بقى ، اوووف

............................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

شعـــرت حكمت بإهتزاز الهاتف في حقيبتها القماشية التي تمسكها في كف يدها ، فقامت بفتحها ، وأخرجت هاتفها المحمول ، ثم نظرت إلى الشاشة و...
-حكمت وهي ترفع أحد حاجبيها في استغراب : تحية ..! دي بتتصل ليه !!!

ضغطت حكمت على زر الإيجاب ، ووضعت الهاتف على أذنها و...
-حكمت هاتفياً بنبرة شبه حادة : في ايه يا تحية
-الخادمة تحية هاتفياً بتوتر ونبرة خافتة : انتي فين يا حكمت ، ده في نصيبة حصلت !!
-حكمت بقلق : نصيبة ايه دي ؟ ما تتكلمي بسرعة
-الخادمة تحية بإرتباك صريح : خاتم الست ليان السوليتير ضــاع ، وأوس باشا قالب الدنيا وناوي يجيب البوليس لو ماظهرش الخاتم ده

انتفضت حكمت من على الأريكة في رعب ، واتسعت مقلتيها في فــــزع رهيب ، وارتعدت أوصالها بشدة ، وشعرت أن دماؤها هربت من عروقها ، وجف حلقها سريعاً ، وشعرت أن ساقيها أصبحتا هلاميتان ولا تقويان على حملها و....
-حكمت بشهقة فزعة : آآ... اييييييييه ...!!!!

أصغت حكمت بإرتباك شديد إلى ما قالته تحية ، وبدأت تتصبب عرقاً من فرط التوتر ، و...
-حكمت بتلعثم جلي : طب ... طب و.. آآ.. والعمل ايه
-تحية بخفوت حذر : اتصرفي ، بس لازم تبعدي أي شبهة عنك
-حكمت وهي تبتلع ريقها في خوف : مـ.. ماشي

ثم أنهت المكالمة ، وظلت تلتفت حولها في ريبة ، و...
-حكمت لنفسها رعب : أنا .. أنا مقداميش إلا إني .. إني أخبيه هنا .. أيوه ، سامحيني يا فردوس ، بس .. بس أنا مش هاضيع نفسي بسبب غلطة ..!!!!!

أخـــذت حكمت نفساً مطولاً ، ثم زفرته بهدوء لتسيطر على حالتها المتوترة و...
-حكمت بنبرة شبه طبيعية : فردوس يا حبيبتي ، أنا طالعة اجيب الموبايل من فوق لأحسن البت رحمة تتصل ومتلاقنيش فتقلق عليا
-فردوس بنبرة عالية : طب استني بس

دلفت فردوس إلى خـــارج المطبخ وســارت في اتجاه حكمت التي وقفت إلى جوار باب المنزل و...
-فردوس وهي تعقد حاجبيها في استغراب : اوعي تكوني زعلانة اني اتأخرت عليكي ، أصل البت آآ...
-حكمت مقاطعة بإرتباك : لألأ .. انا بس هاطلع أجيب الموبايل ورجعالك على طول
-فردوس متسائلة بهدوء : يعني أستناكي ؟
-حكمت وهي تهز رأسها في توتر : آآ... أه ..

ثم أمسكت حكمت بالمقبض ، وفتحت الباب ودلفت إلى الخـــارج ، فأغلقت فردوس الباب من خلفها وهي تتعجب من التغيير المفاجيء الذي أصاب تلك الفضولية ..

...........................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،،،

وصــــلت سيارات الشرطة بالفعل إلى القصر وترجل منها رجــال ذوي هيبة وأشكـــال صارمة ، وبدأت التحقيقات والبحث عن خاتم ليان .. فقد كان كلاً من أوس وأبيه من ذوي الصلات والعلاقات القوية ، وبالتالي لم يتأخـــر عن الحضور إليهم بعض الرفاق الساعيين لنيل رضاهم ...

تحــــول مكتب الطبيب مهاب إلى غرفة خاصة بالتحقيقات ، وتم استدعاء خادماً تلو الأخـــر من أجل تقصي المعلومات منه ..
كان الرعب مسيطراً على الجميع ، ولم يسلم أي أحـــد من محاصرة الضباط لهم بالأسئلة إلى أن جـــاء الدور على الخادمة تحية ، والتي كانت قسمات وجهها وتعبيرات جسدها توحي بأنها تخفي شيئاً ما ..
وبفطنة الضباط المعهودة أيقنوا أن وراء تلك الخادمة أمــر ما ، لذا تم صرف الجميع من غرفة المكتب التي تم إجراء التحقيق بها ، وأبقوا عليها ..

حضر أوس إلى المكتب بعد أن تأكد من شكوك الضباط ، وجلس على المقعد المقابل لتلك الخادمة البائسة التي أوقعها غباؤها في شـــر أعمالها ..

كان كل جزء في كيان الخادمة تحية ينتفض فزعاً ورعباً ، بل كادت أن تموت واقفة في مكانها وهي ترى نظرات أوس المسلطة عليها ..
وبكل برود وهيبة نهض أوس من على المقعد ، وســـار في اتجاهها ولم تطرف له عين مما زاد من حدة الرعب لديها ...

توقف أوس أمامها ، وحدجها بنظرات مميتة جعلت أنفاسها تضطرب ، وقلبها يتوقف للحظة عن النبض ، وشعرت أنها عاجزة عن التنفس وجسدها خائر القوى ، فهي باتت كمن يترقب تنفيذ حكم الموت عليه في أي لحظة ...
وفجــــأة رفع أوس كف يده عالياً في الهواء ، وهوى به على وجنتها ، وصفعها بقسوة شديدة مما جعل الدمـــاء تنزف من أنفها ، وأوشكت هي على السقوط على ظهرها ، ولكنه أمسكها من ذراعها بعنف ، وغرس أظافره في عضدها ، وآلمها بقسوة أشد و...
-أوس بصراخ عنيف ، ونظرات شرسة : سرقتي الخاتم ليه يا بنت الـ ..... !!!!!
-الخادمة تحية بصوت مختنق : مـ... مش .. مش أنا يا باشا ، مـ..مش أنا
-أوس بنظرات نارية ، ونبرة منفعلة : أومــــال مين ؟؟ ها مين ؟؟

ثم قـــــام بهزها بعنف ، فتدخـــل أحــد الضباط ليحول بينهما و..
-الضابط بهدوء : اهدى يا أوس باشا ، مافيش داعي للانفعال ، احنا هنتصرف مع الأشكال الـ ***** دي
-أوس وهو يصر على أسنانه في غضب : أنا باخد حقي بنفسي ، مش مستني حد آآ...
-الضابط مقاطعاً برجاء : معلش يا باشا ، احنا مش عاوزين نتعبك ، ارتاح انت واحنا هنتعامل

أرخــــى أوس قبضة يده عن ذراعها ، فأمسك بها الضابط وبدأ في التعامل بقسوة معها ليدفعها إلى الكلام ..
لم تتحمل الخادمة تحية ذلك الضغط النفسي ، والإيذاء البدني لذا تشدقت بـ ...
-تحية بصوت متحشرج ، ونظرات باكية : حــ.. حكمت هي السبب ، هي .. هي اللي خدت الخاتم

حدق الضابط في أوس ليتبين ردة فعله ، فوجد وجهه جامد التعبيرات ، ولكن نظراته توحي بشرر مستطر ..
استمر الضابط في التحقيق مع الخادمة تحية لكي يعرف منها معلومات أكثر عن حكمت ، وما إن دون ما يريده حتى أمـــر الضباط المرافقين له بالتحرك إلى العنوان المذكور ، في حين أصــــر أوس على .....
-أوس بصرامة ، ونظرات حادة : أنا جاي معاكو
-الضابط بنبرة دبلوماسية : باشا احنا هنجيبها لحد عندك ، ما..آآآ...
-أوس مقاطعاً بنبرة متصلبة : أنا جاي يعني جاي

ثم تركه وانصـــرف - بخطوات أقرب للركض - إلى خــــارج غرفة المكتب ، في حين أمـــر الضابط أحد العساكر المتواجدين بالتحفظ على الخادمة تحية لحين عودتهم ...

........................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

انتهت تقى من إعداد كوب الليمون الطازج لجارتهم حكمت ، وقامت بتقطيع ثمرة التفاح إلى شرائح صغيرة لكي تقدمها معه ..
وماهي إلا لحظات معدودة حتى سمعت قرع جرس الباب ، فاتجهت نحوه ، وفتحته لتجد جارتهم حكمت قد عـــادت بالفعل ..
تمعنت تقى في تعابير وجهها ، وتصرفاتها الغير مفهومة ، فشكت أن هناك أمر ما مريباً بها ، ولكنها لم تدخل ..
رحبت بها فردوس مجددداً ، وأشارت لها لكي تجلس على الأريكة في الصالة ، وقدمت لها المشروب البارد ومعه شرائح التفاحة ..
ظلت حكمت صامتة لبرهة شاردة الذهن .. فتعجبت كلاً من فردوس وتقى من حالتها الغريبة تلك ، وظلت تنظران إلى بعضهما البعض في استغراب ممزوج بالحيرة ..
-فردوس بنبرة عادية : مالك يا حكمت ، وشك مقلوب كده ليه ؟
-حكمت بتوجس : هـــه .. آآ.. أنا .. لا مافيش
-فردوس بعدم اقتناع وهي ترفع أحد حاجبيها : البت رحمة عملت حاجة ضايقتك ؟ في حد مزعلك
-حكمت بتوتر ، ونظرات زائغة : لـ.. ليه بتقولي كده ؟
-فردوس بنبرة طبيعية ، ونظرات متفحصة : أصل حالك اتبدل من ساعة ما طلعتي شقتك
-حكمت بهدوء مصطنع : آآ.. مـ.. مافيش ، تلاقي بس ...آآ.. اه الضغط مش مظبوط ولا حاجة

مطت فردوس شفتيها في عدم تصديق ، ثم أشـــارت بعينيها إلى ابنتها لكي تدلف إلى الداخل وتتركهما بمفردهما ..
وقبل أن تنصرف تقى تماماً سمعت صوت طرقات عنيفة على باب المنزل كادت أن تقتلعه من مكانه ، فارتعدت في نفسها ، وتسمرت في مكانها ، واستدارت برأسها في اتجاه والدتها التي نهضت على الفور من الأريكة و...
-فردوس بقلق بالغ : يا ساتر يا رب في ايه ؟ بالراحة ياللي بتخبط

في نفس الوقت شحب لون وجه حكمت على الفور ، وحبست أنفاسها ، وجحظت عينيها في خوف ، وخمنت من الزائرين ، فأسرعت بإخراج الخاتم من جيبها ، وقامت بدسه في وسط حشوة الأريكة المتدلية ، وبدلت مكانها ، وحاولت أن تحافظ على هدوئها ..

فتحت فردوس الباب فتفاجئت بكم الرجـــال ذوي الملابس الرسمية والعسكرية يقتحمون عليها منزلها القديم ، فتراجعت للخلف في فزع ، وحدقت فيهم برعب شديد و...
-فردوس بإرتباك ممزوج بالخوف : فـ... في ايه ؟؟؟
-ضابط ما بنبرة قوية وأمـــرة وهو يشير بيده : اوعي يا ولية من وشي ، اتفضل يا باشا

أطـــــل أوس من باب المنزل بهيبته المفزعة ، فأفسح الجميع له المجال ، ثم جـــاب المكان ببصره ، ونظر إلى فردوس بنظرات متفرسة قبل أن يتحول بصره إلى حكمت التي صرخت عالياً لينتبه الجميع إليها و...
-حكمت بصراخ هادر : أنا ماليش دعوة .. هي .. هي اللي قالتلي أعمل كده

ثم أشــــــارت بيدها المرتعشة إلى فردوس التي رمقتها بنظرات حائرة ، فهي لا تدري عما تتكلم جارتها ..
-الضابط بصرامة : فتشوا البيت ده كويس
-فردوس بنظرات مذعورة ، ونبرة منزعجة للغاية : في ايه يا باشا ؟؟ تفتشوا عن ايه بالظبط ؟؟ هو .. هو احنا عملنا حاجة

ركضت تقى في اتجاه والدتها ، واختبأت في أحضانها ، في حين انتشر العساكر في أرجــــاء بيتهم المتواضع ليبدأوا مهمة البحث عن الخاتم ..

اقتحم بعض العساكر غرفة تقى ، وقاموا بإلقاء تهاني على الأرضية ليفتشوا عن ذاك الخاتم في أريكتها العريضة والقديمة ، و..

اقتربت تهاني من أحد العساكر وهي تنظر إليه بنظرات متوسلة و..
-تهاني بذعـــر : بـ.. باعني ، ر.. رماني ، خـ... خد كل حاجتي ، انتو .. انتو هترجعوني تاني ، طب هاتوا عيالي ، طب .. آآآ

قام العسكري بدفعها من كتفها لتسقط مجدداً على الأرضية ، فأخذت تهاني تأن وتندب حظها ، ثم أمسكت بساق العسكري وبدأت تكرر على مسامعه ما قالته ، فركلها و..
-عسكري ما بنبرة رسمية : اوعي يا ولية يا خرافانة من قدامي ، فتش في الكتب دي

....................

قلب العساكر البيت المتهالك رأساً على عقب ، وبالفعل وجد أحدهم الخاتم المخفي ، وقـــام بإعطائه للضابط المسئول الذي قدمه إلى أوس ..

خبأت تقى رأسها في صدر والدتها لتحتمي بها ، وقامت الأخيرة بالربت على ظهر ابنتها في حنو لتهديء من روعتها ...
أمسك أوس بالخاتم بإصبعيه وتفحصه جيداً ، ثم أشـــار للضابط بأنه يخصه ، فابتسم الضابط في فخر لأنه قد نجح في مهمته و...
-الضابط بلهجة آمـــرة : هاتوهم

وفجـــأة وجدت فردوس من يطبق على ذراعيها بشدة ، ويجذبها ناحية الباب بعد أن أبعد ابنتها عن حضنها و...
-فردوس بعدم فهم ، ونظرات مضطربة : في ايه ؟؟ انتو ماسكني ليه ؟؟ أنا .. أنا معملتش حاجة

خفق قلب تقى بشدة حينما رأت والدتها تجر جراً إلى خـــارج المنزل ، فركضت بأقصى سرعة ناحيتها وحاولت أن تحررها من قبضة هؤلاء الغرباء ، وجاهدت لكي تبعد أذرعهم عن والدتها و...
-تقى بنبرة خائفة ، ونظرات شبه دامعة : ماما ، انتو .. انتو اخدينها فين ؟ سيبوها ، ماما
-فردوس بتشنج : أنا معملتش حاجة ، في ايه ؟
-تقى بنبرة مختنقة : ماما ، سيبوها

أمسك أحد العساكر بذراع تقى ودفعها إلى الخلف لتبتعد عن والدتها ، ورغم هذا لم تكف عن اللحاق والتمسك بها..

في نفس الوقت لم تحيد حكمت ببصرها عن أوس الذي كانت عيناه تتوعدان لها بالرد العنيف رغم صمته وهدوئه القاسي ، و..
-حكمت بنبرة مرتعدة وهي تبتلع ريقها : هي اللي زنت عليا يا باشا وسرقت الخاتم ، أنا بريئة ، أنا آآ..
-فردوس مقاطعة بزمجرة عالية : أنا مسرقتش حاجة ، انتي بتقولي ايه ، هتوديني في داهية يا حكمت
-الضابط بلهجة قوية وصارمة : اخرسي يا ولية يا ***** منك ليها ..!

ثم التفت إلى العساكر المرافقين له ، و...
-الضابط بحدة : هاتوهم على البوكس
-تقى بصراخ عالي وهي متمسكة بوالدتها : لأ .. ماما معملتش حاجة ، هي مظلومة

جاهدت تقى لتمنع العساكر من أخــذ والدتها ، وظلت تتوسل إليهم وهي تبكي بحرقة كي يصغوا إليها ، ولكنهم لم يعيروها الانتباه ..

بدأ أوس في التحرك إلى خـــارج ذلك المنزل البالي والمتهالك بعد أن طمأنه الضابط بأنه سيتولى إنهاء كافة الإجراءات ..

في نفس الوقت أبعد العسكري تقى مرة أخـــرى عن والدتها ، وتلك المرة دفعها بعنف في اتجاه أوس حيث ارتطم ظهرها بصدره بشدة ، كما خبطت مؤخرة رأسها طرف ذقنه بعنف فآلمته ، ورغم هذا بدى قوياً ولم ينطق بحرف ، وأمسك بها من ذراعيها وأسندها بالرغم من أنه لم يرى وجهها ، ولكنها قاومته بكل ما أوتيت من قوة ، وحاولت أن تتحرر منه وتنفض ذراعيه القاسيتين عنها لكي تتمكن من اللحاق بوالدتها التي أصبحت خــارج المنزل .. ولكنه ظن أن هذا تحدياً منها لقوته المعهودة ، فأطبق أكثر على ذراعيها ، ومنعها من الخروج ..

أخـــرج بقية العساكر حكمت من المنزل ، وقبل أن تدلف تماماً للخارج ، مرت بجوار تقى التي هدرت عالياً فيها بــ...
-تقى بصراخ عنيف : انتي عملتي فيها ايه ؟؟ هي مظلومة ، حرام عليكي ، حرام
-حكمت برعب : أنا .. أنا .. آآآ

لم تكمل حكمت جملتها حيث التقت عينيها بعيني أوس المخيفتين ، فأطرقت رأسها في خزي ، وســـارت مدفوعة للخـــارج .. بينما لم تكف تقى عن الصراخ الحاد بها ..
استغرب أوس مما تفعله تلك الهزيلة ، والقوة التي تدفعه بها لكي تتخلص منه ، ورغم هذا فهو لم يبذل أي طاقة في السيطرة عليها ، حيث أمسك بمعصمي يديها ، وضمهما أمـــام صدرها ليتمكن من تقييد حركتها تماماً ، ولكنها كانت تجاهد للتحرك للأمـــام والخروج من باب المنزل و..
-تقى بنبرة متشنجة وأعين باكية : ابعد عني ، ماما ، سيبوها ، هي مظلومة ، ماما ..!

رأت فردوس ما يحدث مع ابنتها من طرف عينها ، فصرخت بـ ...

-فردوس بنبرة عالية : سيبها يا سعات البيه ، هي مالهاش دعوة بحاجة ،

ثم حدقت في اتجاه ابنتها و....
-فردوس بلهجة آمرة رغم اختناقها :انتي يا بت خشي جوا ، وكلمي أبوكي يجيلي ..
-تقى بإصرار شديد : أنا مش هاسيبك ، مش هاسيبك

شعر أوس بالضجر من صراخ تلك الفتاة البائسة ، فإستدار بجسده بعيداً عن باب المنزل ، وقام بدفعها بحدة لتسقط هي على الأرضية ويتخلص هو منها ..

..................

وقعت تقى على أرضية المنزل الصلبة ، فارتطمت رأسها بها ، فصرخت متألمة ، وتعالت شهقاتها الباكية ، في حين استدار أوس بجسده بعد أن عدل من هيئته في اتجاه الباب ليدلف إلى الخارج ... ولكنها التفتت برأسها في اتجاهه لترمقه بنظرات نارية محتقنة ، ونهضت سريعاً من على الأرضية لتحاول اللحاق به والانتقام منه لما فعله معها ..

وبالفعل ركضت هي في أثره ، ثم بكل غضب قامت بضربه بكفي يدها في ظهره ، فتسمر هو في مكانه من هـــول المفاجأة وتبدلت ملامح وجهه للغضب الشديد ، وغلت الدمـــاء فوراً في عروقه ، واحتقنت في كل ذرة في كيانه لتعلن عن انفجـــار وشيك ...
استدار أوس بجسده كلياً في اتجاهها ، ثم حدجها بنظرات مخيفة شعرت بها تخترقها ، ولكنها ظلت ثابتة في مكانها ، وبادلته بنظرات نارية رغم احمرار عينيها من البكاء ..
بالرغم من البرودة التي تسربت إليها ، إلا أن تقى استجمعت شجاعتها ، واستعدت لدفع ذلك المخيف من صدره بكفي يدها ، ولكنه كان الأسرع في الإمســـاك بها من معصمها ، وضغط عليه بقسوة آلمتها ، و...
-أوس بنظرات مخيفة ومحذرة ، ونبرة قاسية : إياكي

تلوت تقى بمعصمها محاولة تخليصه من قبضة ذلك البغيض ، وأبعدت عينيها عن عينيه المرعبتين و..
-تقى بنبرة مذعورة : و.. وســع من سكتي ..

كان أوس على وشـــك التحدث ولكن أوقفه صـــوت عويل تلك السيدة الجدباء الذي أتى من الداخل فجذب انتباهه على الفور ، ونظر في اتجاهها و..
-تهاني بنبرة عالية : خد كل حاجة ، رماني في الشارع ، خد فلوسي .. رماني

ضيق أوس عينيه لينظر إلى تلك السيدة بنظرات متفرسة ، فملامحها ليست غريبة عليه ، وحاول أن يتذكر أين رأها من قبل ، ولكنه وجــــد من يضع كف يده على كتفه ، فاستدار برأسه ناحيته ليجد شخص ما ذو ملامح شعبية يرمقه بنظرات حادة و...
-منسي بغضب : في ايه يا ست تقى ، البيه ماسكك ليه
-تقى برجاء : سي منسي خليه يسيبني أروح لأمي ، أنا معملتش حاجة وهو .. وهو مانعني أروحلها

ضرب منسي بكف يده على كتف أوس عدة مرات و...
-منسي بنبرة شبه متشنجة : سيبها يا بيه

حدجه أوس بنظرات أكثر قسوة ، ثم أرخى قبضة يده عن معصم تقى التي تراجعت للخلف ، ولم هو ينطق بكلمة مما شجع منسي لكي يردف بـ ...
-منسي بنظرات استهزاء ، ونبرة تحمل السخرية : واضح ان البيه جديد على المنطقة ومش عارف مين رجالتها وآآ... آآآآآآآآآآه

وجــــد منسي لكمة قوية تسدد في وجهه مما أسقطته سريعاً على الفور على الأرضية ، ثم وجد ذلك القوي يجثو فوقه ، ويطبق على عنقه و...
-أوس بنبرة مخيفة وهو يصر على أسنانه : ادعي اني أرحمك بعد اللي عملته يا ***** !!!

ابتلع منسي ريقه في خـــوف ، وهز رأسه في رعب ، بينما وضعت تقى كلتا يديها على فمها لتكتم شهقاتها المذعورة و...
-أوس متابعاً بشراسة ، وبنظرات متوعدة : كل كلب اتجرأ عليا ، أو على حاجة تخصني ، هيدفع تمن ده ..................................................... !!
انهــــال أوس باللكمات مجدداً على منسي الذي كان عاجزاً أمامه حتى عن الدفاع عن نفسه ، وبدى للحظة أنه قد فقد وعيه من شدة الضربات ، بينما تابعت تقى ما يحدث بنظرات مرعوبة ، وظنت أن ذلك الغريب الشرس سيقتل – لا محـــالة – ابن حارتها ، لذا فكرت سريعاً في أن تتدخل وتلهيه عمــا يفعل للحظات حتى يتمكن منسي من الفرار من براثنه ، و....

-تقى بصوت مختنق : حرام عليك هايموت في ايدك ، سيبوه بقى ! انت ايه !!

لم يعبأ بها أوس ، وظل ينفس عن غضبه في منسي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الهلاك حتماً ...
لذا استجمعت تقى قدراً من شجاعتها الغائبة ، وركضت في اتجاه أوس الجاثي فوق منسي ثم قامت بضربه بكفي يدها بقوة كبيرة على ظهره ، مما جعله يستدير برأسه ناحيتها ورمقها بنظراته المحتقنة ، فتراجعت هي للخلف ، ونهض هو سريعاً عنه ، ثم اعتدل في وقفته ، وســـار في اتجاهها ..
أستندت تقى بظهرها على الحائط الملاصق لباب منزلها ، وحدقت في ذلك البغيض بنظرات مرتعدة ..
وقف أوس قبالتها ، ولم يرمش بطرف عينيه ، بل حدجها بنظرات قاسية متوعدة من عينيه التي تحولتا إلى جمرتين متقدتين ، ثم مـــد يده ناحية عنقها ليخنقها منه ، ولكنها أمسكت بكف يده بقبضتيها لتمنعه من الاقتراب منها أو حتى لمسها ، ثم قربت شفتيها من كفه ، وقامت بغرس أسنانها فيه وعضته بقسوة ..
ورغم تآلمه الذي ظهر على ملامح وجهه ، والدمـــاء التي بدأت تنزف منه ، إلا أنه لم يهتز للحظة ، وتركها تفعل ما تريد ، ثم وضع يده الأخــرى على رأسها ، وقام بجذبها بعنف من فروة شعرها ، لتصرخ هي متأوهة من الآلم و..
-تقى بصراخ عنيف : آآآآآه .. سيبني
-أوس وهو يصر على أسنانه في غيظ : ازاي تتجرأي عليا يا بنت الـ .....

في نفس التوقيت بدأ الجيران في التجمع على أثر صوت الصراخ والشجار العنيف ، وتدخل البعض منهم للحول بين أوس وتقى ، و...
-جار ما بنبرة قوية : سيب البت يا جدع انت
-جارة أخرى بعويل مرتفع : يا لهوي ، الحقونا يا ناس ، الراجل هيموتها
-جار أخـــر بضيق : كلموا رجالة الشارع يجوا يمسكوا الواد ده اللي طايح في الكل
-أوس بنبرة متصلبة ، ونظرات نارية : واد !!! انتو مفكرين إني هخاف ، يبقوا انتو مش عارفين أنا مين

ثم بدأ بالتشاجر معهم بعد أن أبعدت الجارة أم بطة تقى وادخلتها إلى داخل منزلها المتواضع ، وقام أحد الجيران بسحب منسي الملقى على الأرضية ، وحاول إفاقته ..
احتدم الصراع على أشده ، وتم التراشق بالألفاظ والعبارات الحادة بين الجميع ، ولم يخلوْ أيضاً من التطاول بالأيدي .. ثم انضم إلى المشاجرة ضباط الشرطة ، وبعض المرافقين لأوس ، وقاموا بفض الاشتباك الدائر ، ثم أحاطوا بأوس وأخرجوه من تلك البناية المتهالكة ..

تسائل الجيران عمــا يحدث ، وخاصة حينما عرفوا بمسألة اقتياد كلاً من حكمت وفردوس إلى قسم الشرطة بسبب السرقة ..
ظلت تقى تدافع عن والدتها وهي تبكي بحرقة و...
-تقى بنبرة متشنجة للغاية : ماما معملتش حاجة ، هي بريئة ، والله ماخدت حاجة
-أم بطة بنبرة شامتة وهي تمط شفتيها في استنكار : الحوجة وحشة يا بنتي ، تلاقي أمك معرفتش تدبرها منين ، فقالت أما أسرق
-تقى بنبرة منفعلة ، ونظرات محتقنة : أمي مش كده ، عمرها ما تسرق ، عمرها ....!!!

وصــــل إلى المنزل عم عوض الله وهو يلهث من صعود الدرج القديم ، ثم دفع الباب بكف يده ، ودلف إلى داخل منزله الذي وجده في حالة فوضى عارمة ، فاستدار ببصره للجانب فرأى ابنته تجلس باكية على الأريكة وإلى جوارها الجارة أم بطة ، فتنحنح في خشونة و...
-عوض بصوت آجش ، وهو مجفل العينين : تقى ، في ايه اللي حصل يا بنتي ؟

تنحنحت الجارة أم بطة في حرج زائف ، ثم نهض عن الأريكة ، وانحنت بجسدها قليلاً ناحية تقى لكي تربت على كتفها ، و...
-أم بطة بنبرة عادية : طيب يا تقى ، لو عوزتي حاجة يا ضنايا نادي عليا ، أنا جمبك يا حبيبتي ، دي أمك غالية عندي
-عوض بصوت خشن : شكراً يا ست أم بطة على أخلاقك ، ومانجلكيش في حاجة وحشة
-أم بطة وهي تلوي فمها في استهجان: ربنا يلطف بينا جميعاً ، عن اذنكم لأحسن سايبة الأكل على النار

ثم ســـارت بخطوات متعجلة إلى خــارج المنزل ، وأغلقت الباب من خلفها ..
ارتمت تقى في أحضــــان والدها ، وأسندت رأسها على صدره ، وظلت تبكي بحرقة ، فحاول هو أن يفهم منها ما الذي جرى في غيابه ، فأردفت هي بـ ....
-تقى بصوت مختنق ، وأعين حمراء : البوليس جه وقبض على أمي وخالتي حكمت ، بيقولوا سرقوا خاتم حد مهم ، لكن أمي والله ما عملت حاجة ، صدقني يا بابا ماما بريئة معملتش حاجة
-عوض بخفوت حزين : تفتكري ماتكونش عملتها

أطــــرق عوض رأسه في خــزي ، ولم يعقب على ما قالته ابنته ، فشعرت تقى بوخزة ما في صدرها ، وظنت أن والدها غير مؤمن ببراءة أمها ، وأنه يعتقد أنها لصة بالفعل وسرقت الخاتم كما تتهمها الشرطة ، لذا تشدقت بـ ...
-تقى بتلهف ، وأعين جاحظة : أوعى تصدق أي حاجة تتقال عنها يا بابا ، ماما بريئة ، والله مظلومة
-عوض بنبرة منكسرة : الله أعلم
-تقى متسائلة بحيرة : طب .. طب هاتعمل ايه الوقتي يا بابا ؟؟ مش لازم نسيبها لوحدها
-عوض وهو يتنهد في إرهـــاق : لله الأمـــر من قبل ومن بعد
-تقى متسائلة بجدية : تقصد ايه يا بابا ؟
-عوض بخفوت حزين : اللهم إني لا أسألك رد القضاء ، ولكني أسألك اللطف فيه ، لله الأمـــر من قبل ومن بعد ..!!!!

ثم تركها على حالتها وانصـــرف في اتجاه غرفة نومه وهو يستغفر الله ..
تسمرت تقى في مكانها غير مستوعبة لردة فعل والدها المنكسرة ، كيف ستتصرف هي حيال تلك المسألة الخطيرة ، إنها والدتها ولن تستطيع أن تتركها بمفردها ..
-تقى بإصرار ، ونظرات قوية : مش هاسيبها ، استحالة !

ركضت تقى في اتجاه غرفتها ، ووجدت خالتها منطوية على نفسها في أحد الأركــان شاردة في ذكريات ماضيها ، فتنهدت في آسى ، ثم جثت على ركبتيها أمامها ، وامسكت بها من ذراعيها ، ثم قامت بهزها بهدوء و...
-تقى بخفوت : خالتي تهاني ، اسمعيني الله يكرمك ، ركزي معايا بس
-تهاني بنظرات زائغة ، ونبرة غير مبالية : ضحكوا عليا ، سرقوني ..
-تقى مقاطعة بجدية : خالتي ركزي معايا ، مش وقت اللي بتقوليه ده ، ماما في مصيبة ولازم نتصرف ، أنا عاوزاكي معايا ، مش هاعرف أروح أسأل في القسم لوحدي ، وبابا الظاهر إنه مش عاوز يجي معايا
-تهاني بعد اكتراث : ضيعوا حالي ومالي ، خدوا مني عيالي ..!
-تقي بنبرة حـــادة : خالتي ، عشان خاطري فوقي

....................................

بداخل سيارة أوس – ماركة المرسيدس – الفارهة ،،،،

أمســــك أوس بالمقود ، وضغط على دواسة البنزين بكل عصبية ، وظل يسب ويلعن بضيق واضح بسبب ما فعله الجيران معه ومع من معه ..
انتبه وهو يدور بعجلة القيادة إلى تلك العلامات التي تركتها تلك الهزيلة على كف يده ، ولاحظ تجلط الدمــاء عليها ..
فرفع هو كف يده لينظر إليه بتفحص شديد ، وظل يقلبه على الجانبين ، وتذكر كيف هجمت عليه تلك الفتاة بضراوة غير معهودة بالنسبة لحجمها الضئيل وضعفها ، لن ينكر أنها أثارت فضوله بحق ، وشغلت تفكيره لبرهة من الزمـــن ، ولكنه عـــاد سريعاً إلى أرض الواقع حينما رن هاتفه برقم ذاك الضابط ، فوضع أوس الهاتف على وضعية الميكروفون ، وأردف بـ ...
-أوس هاتفياً بنبرة متصلبة : أيوه
-الضابط هاتفياً بنبرة جادة : أوس باشا ، احنا طالعين على القسم ، تحب نكمل هناك إجراءاتنا ولا آآ...
-أوس مقاطعاً بقوة وبرود: اتعامل معاهم ، واعمل المحضر اللازم
-الضابط بصوت رسمي : حاضر يا باشا ، أنا هاخلص كل حاجة ، وهانتظر بس تشرفنا عشان نكمل الباقي

زفــــر أوس في ضيق وهو ينظر إلى الطريق أمامه ، ثم تشدق بـ ...
-أوس بإيجاز : طيب

ثم ضغط على زر إنهاء المكالمة ، وأكمل قيادة السيارة ..

....................................

انتشـــــر خبر اتهام السيدة فردوس وجارتها حكمت بالسرقة كانتشار النيران في الهشيم ، وبدأت الاشعاعات والأقاويل الكاذبة في الظهور ، ولم كتف الجارة أم بطة عن إضافة المزيد من الأحداث من أجل ضمان تصديق الجيران لما تقول ..

كمـــا شعر منسي بالضيق الشديد بعد ما تناثرت الأخبار عن تعرضه للضرب المبرح مما قلل من هيبته أمام الجميع ، وحــاول أن ينذوي بعيداً عن نظرات الشامتين به ...
................

نزلت تقى إلى الحـــارة بعد أن بدلت ملابسها وارتدت عباءة سوداء - تحمل نقوشات لامعة عند ياقتها ، وعند الأكمـــام – وقامت بلف حجابها حول رأسها ، وعقدته بدبوس واحد ، وأمسكت بحافظة نقودها الصغيرة في كف يدها ، وســــارت بخطوات راكضة في اتجاه المقهى ..
كانت ملامح وجهها حزينة ومنكسرة ، وعينيها شبه منتفختين من كثرة البكاء ، أعصابها إلى حد ما مرهقة بسبب كل ما دار و...
-تقى لنفسها بتوتر شديد : ربنا يستر وخالتي متنزلش لوحدها ، يا رب وقفلي ولاد الحلال

توقفت تقى أمـــام المقهى ، وبحثت بعينيها الحمراوتين عن منسي ، فهي تعلم أنه سيكون أكثر الأشخاص حرصاً على مساعدتها ، وهي واثقة من شهامته حينما يلجأ إليه أي أحـــد ..
لمحته يجلس على أحد المقاعد المتواجدة في زاوية المقهى الداخلية ، فترددت في الدخول إليه ، وسؤاله أمام الجميع ، لذا خطر ببالها أن تنادي على ذلك العامل الذي يقدم الطلبات و...
-تقى بخفوت وهي تشير بيدها : واد يا بندق ، تعالى هنا
-بندق بنبرة عالية ومتحمسة : أيوه جــــــــــاي !

انتبه لها ذلك الصبي الصغير ، وترك ما في يده ، واتجه ناحيتها و...
-بندق بنبرة عادية : أيوه يا ست البنات
-تقى بتلعثم : آآ.. بندق ، شـ.. شايف سي منسي

استدار بندق برأسه ناحيته ثم أومىء بها إيماءة خفيفة ، ومن ثم عاود النظر مجدداً إليها و...
-بندق بنبرة طبيعية : اه شايفه ، أؤمريني
-تقى بنبرة أقرب للهمس : عاوزاك يا بندق تخشله ، وتخليه يطلع يكلمني على أول الحارة إلهي يسترك

وضـــع العامل بندق إصبع يده على عينه ، وأشار به على الأخرى و...
-بندق بابتسامة خفيفة : حاضر يا ست الكل ، من عينيا !

ثم تركته وانصرفت بخطوات متعجلة ، بينما عـــاد هو إلى داخل المقهى ، ومــال بجذعه على منسي ، وهمس في أذنه بما أخبرته تقى ، فلكزه منسي في كتفه ، ودفعه بعيداً عنه و..
-منسي بنبرة شبه غاضبة : طب غــــور انت يالا
-بندق بتذمر : طب ما تزوءش
-منسي بحنق : انت هتقفلي على الواحدة يا واد انت ، لأحسن تكون فاكر نفسك زيي ولا حاجة
-بندق بإنزعاج : يوووه ، انت بتقول شكل للبيع ، أنا ماشي

ثم سمع صـــوت صاحب المقهى وهو يصدح بـ ...
-مسعد بنبرة عالية : واد يا بندق اجري شوف طلبات الزباين
-بندق بنبرة ضجرة : ما أنا باشوف ، هو أنا يعني بلعب
-مسعد بلهجة آمــرة : خش ياض شوف اللي وراك

ألقى منسي بثمن الشاي الساخن على الطاولة الصغيرة ، ثم دلف إلى خــــارج المقهى ، وســـار إلى مدخل الحـــارة حيث تنتظره تقى ..

...................
وقفت تقى محرجة في مكانها ، ولكن ليس أمامها أي بديل ..
تنحنح منسي من خلفها ، فاستدارت بجسدها كلياً ناحيته ، و...
-تقى بخفوت وهي تضع طرف حجابها على شفتيها : سي منسي
-منسي بجدية : ايوه يا ست البنات

أجفلت هي عينيها للأسفل في خــزي ، ثم ابتلعت ريقها في تردد ، و..
-تقى بنبرة شبه متلعثمة : انت .. انت كويس ؟
-منسي وهو يتحسس قفاه ، وبنبرة عادية : اه

عضت تقى على شفتها السفلى ، ثم رفعت عينيها قليلاً للأعلى ، و..
-تقى بتردد : مـ... معلش هاتقل عليك شوية يا سي منسي
-منسي ببرود : خير
-تقى بخفوت : يعني .. آآ.. ينفع تيجي معايا .. آآ.. القسم بدل ما أروح لوحدي ، أصل .. أصل أنا عاوزة أطمن على أمي
-منسي وهو يتنهد في انزعــاج : اووف .. بصي يا ست تقى أنا آآ...

حدقت تقى مباشرة في عيني منسي ، ورمقته بنظرات راجية قبل أن تردف بـ ...
-تقى مقاطعة بتوسل : الله يخليك يا سي منسي ، أنا معنديش حد غيرك يساعدني ، أبوس ايدك تيجي معايا ، أنا مش هاقدر أسيب أمي لوحدها ، عشان خاطري

لــوى هو فمه في تأفف ، ثم تنهد بحرارة و...
-منسي على مضض : بس انتي ميرضكيش اللي حصل عندك يا ست تقى ، ده أنا شكلي بقى وحش وآآ..

مـــد تقى يدها ، وأمسكت بكف يده ، وضغطت عليه قليلاً بأصابعها الرقيقة و...
-تقى مقاطعة برجاء : والنبي يا سي منسي ، الله ما يوقعك في ضيقة

نظر هو إلى كف يدها الممسك به ، فسحبته هي على الفور بعد أن شعرت بالحرج الشديد مما فعلت و..
-منسي بنبرة مرهقة : ماشي يا ست تقى ، عشان خاطرك بس

نظرت هي إليه بنظرات ممتنة ، ثم أشــار لها بكف يده لكي تتحرك أمامه ، فامتثلت هي له ، و ســار هو خلفها وظل محدقاً بتقاسيم جسدها ، و...
-منسي لنفسه بنظرات شهوانية : عشانك يا غالية هساعد الـ .......!!!!!

................................

في المقـــــر الرئيسي لشركة الجندي للصلب ،،،،،

تجنب معظم الموظفين الإلتقاء بأوس الذي كان غاضباً للغاية ، فهو لم يترك أي أحد إلا وعنفه بطريقة مهينة ، أو وبخه بصورة لاذعة، حتى سكرتيرة مكتبه الخاصة قامت بإلغاء كافة المواعيد طوال اليوم لتجنب عصبيته مع العملاء ..
تعجب عُدي مما أصاب رفيقه بعد أن وصل إلى مسامعه حالة الغضب العارمة التي تسيطر عليه ، لذا سريعاً دلف إلى مكتب أوس وعلى وجهه علامات الحيرة ، وحدق فيه باستغراب ، ووجده واقفاً مشدود الجسد أمام الحائط الزجاجي ، نازعاً لسترته الرمادية ، وواضعاً لقبضتي يديه في جيبي بنطاله ، وفاتحاً لأزرار قميصه الكحلي الداكن حتى منتصف صدره و...
-عدي متسائلاً بفضول : في ايه اللي حصل لكل ده ؟

لم يستدرْ أوس ناحيته ، بل ظل محدقاً أمامه بنظرات فارغة ومميتة في نفس الوقت ..
اقترب عدي منه ، ووضع يده على كتفه ، و...
-عدي متسائلاً بجدية : مالك يا أوس ؟

نظـــر إليه أوس من زاوية عينه ، ورفع أحد حاجبيه ، و..
-أوس بإقتضاب : مافيش

لوى عدي فمه في عدم اقتناع ، وأمعن النظر في ملامح وجـــه أوس المتجهمة ، و..
-عدي بحيرة أكبر : ازاي مافيش ، انت مش شايف شكل وشك ، ما تطمني يا أوس على اللي حصل ، مش احنا أصحاب وآآ..
-أوس مقاطعاً بصلابة : عدي .. قولتلك مافيش حاجة يبقى مافيش ، خلاص خلصنا

أشــــار عدي بكلتا يديه في الهواء ، و....
-عدي بهدوء حذر : طب اهدى خلاص ، مالوش لازمة الانفعال ده كله

ثم صمت لبرهة يفكر في شيء ما لكي يخرج به رفيقه من حالة الضيق تلك ، و...
-عدي مبتسماً ابتسامة زائفة : طب ايه رأيك أظبطلك سهرة على كيفك
-أوس بحدة : مش عاوز حاجة

قطب عدي جبينه في اندهاش أكبر ، ثم ضيق عينيه أكثر ، ورمق أوس بنظرات أكثر فضولية و..
-عدي بإستغراب : نعم ! مش عاوز !! وده من امتى ؟

أخـــرج أوس يديه من جيبي بنطاله ، ثم أشـــار بإصبعه محذراً وهو يحدج رفيقه بنظراته الصارمة و..
-أوس بنبرة متشنجة : عُدي !! أنا على أخــري ، ومش ناقص حد يكلمني ربع كلمة ، فيا ريت تحل عن نافوخي ، وتروح تشوف اللي كنت بتعمله بعيد عني ، ماشي !

لمح عـــدى تلك الإصابة البادية على كف أوس ، فتلقائياً مــد يده ناحيته ، وأمسك بكفه ثم ظل يتفحصه بحيرة و...
-عدي متسائلاً بإندهاش : ايه اللي عمل في ايدك كده
-أوس بإرتباك : هـــه

ثم سحب كف يده سريعاً ، وســــار مبتعداً عن عدي وأولاه ظهره لكي يخفي اضطرابه المفاجيء ..

استغرب عدي من التغيير المفاجيء الذي ظهر على أوس ، فرفع أحد حاجبيه ، ووضع يده على رأسه ومررها في شعره ، ثم ..
-عدي متسائلاً بتعجب : انت اتعورت ولا ايه ؟
-أوس بحنق : يوووه ، انت مش هاتخلصني بقى ، فوكك مني السعادي ، ولا أقولك أنا ماشي ....!!!

ثم قـــام أوس بجذب سترته من على الأريكة ، وســــار في اتجاه باب الغرفة ، ولكن أسرع عدي في أثره ، وأوقفه من ذراعه و...
-عدي بنبرة هادئة : طيب .. طيب ... مش هسألك عن حاجة ، اقعد بس الأول
-أوس بنفاذ صبر : عدي أنا مش في المود النهاردة ، ومش عاوز أي حد يرغي معايا في أي حاجة
-عدي بنبرة متريثة : ماشي ، اللي انت عاوزه ، أقعد على مكتبك ، وأنا هاطلبلك مشروب فريش يهديك ، اشطا ؟

لــوى أوس فمه في تهكم ، ثم أشـــاح بوجهه الناحية الأخرى بعد أن أبعد يده عدي عن ذراعه ، و..
-عدي بإصرار : ها .. كده تمام ؟
-أوس وهو يتمتم يإيجاز : طيب

ثم ســـار عُدي في اتجاه المكتب ، وأمسك بسماعة الهاتف ، ووضعها على أذنه ، و...
-عدي بلهجة آمــرة : ليمون فريش للباشا بسرعة

ثم وضعها مجدداً في مكانها ، ونظر إلى أوس الذي ألقى بجسده على الأريكة وحدق في السقف ..
لم يرغب عدي في إثارة حفيظة رفيقه ، لذا اكتفى بمراقبته في هــــدوء ..

.........................................

بداخل قسم الشرطة ،،،،،

أوصــــل منسي تقى إلى مدخل القسم ، و...
-منسي بجدية : أنا هستناكي هنا يا ست البنات
-تقى متسائلة بإستغراب : مش هاتدخل معايا ؟
-منسي بإقتضاب : لأ ..
-تقى متسالة بحيرة : ليه ؟

رفع منسي يده عالياً أمامها ، ورمقها بنظرات قوية ، ثم أشــار بها ، و....
-منسي وهو يلوي فمه في امتعاض : أصلي بتشائم من أقسام الشرطة ، خشي انتي اطمني على أمك ، وأنا أعد على القهوة اللي هناك دي

هزت تقى رأسها في حـــزن ، ثم ســـار إلى داخل القسم وهي تتلفت حولها ...
.............
رفض الصــول المتواجد بالقسم السماح لتقى برؤية والدتها ، و...
-الصول بنبرة رسمية : ماينفعش

وقفت هي أمامه ، وأمسكت بطرف حجابها المتدلي بأصابع يديها ، وظلت تفرك فيه بتوتر ، و...
-تقى برجاء : الله يكرمك يا شاويش ، خليني أشوف أمي وأطمن عليها

طــرق هو بحدة على السطح الرخامي ، و...
-الصول بحدة ، ونظرات صارمة : قولتلك يا ست ماينفعش

انحنى الصــول بجذعه للأسفل ليضع بعض الأوراق بداخل أحد الأدراج ، بينما تابعته تقى بعينيها المنتفختين ، و...
-تقى بنبرة مختنقة ، ونظرات باكية : طب .. طب هي هايحصلها ايه ؟
-الصول ببرود ، ونظرات غير مكترثة : بعد ما هايتحقق معها هاتتحول للنيابة وتتسجن وآآ..

لطمت تقى على صدرها ، واتسعت عينيها في هلع و..
-تقى مقاطعة بفزع : يا لهوي ، طب والحل ايه يا شاويش ؟؟ ده أمي بريئة ، وماعملتش حاجة

تحرك الصول بعيداً عنها ، وأمسك بملف ما في يده وظل يطالع ما دون فيه و...
-الصول بنبرة غير مهتمة : مالناش فيه

لحقت هي به ، ووقفت أمامه ، ورمقته بنظراته الدامعة والمتوسلة و...

-تقي بإصرار : الله يكرمك يا شاويش قولي على الحل ، ساعدني ، أنا ماليش إلا هي ، ربنا يخليلك عيالك ، ربنا يرزقك

حدجها الصـــول بنظرات مشمئزة وهو يرفع أحد حاجبيه ، ثم جلس على مقعده ، و...
-الصول ببرود : بصي يا ست ، حل المصيبة اللي أمك فيها هو إنك تطلبي السماح من الباشا اللي عامل المحضر فيها عشان يتنازل ، ساعتها هي هتخرج ، ومش هايبقى فيه لا قضية ، ولا دياوله

فغرت تقى شفتيها في ذهــــول ، بينما تابع الصول بـ ...
-الصول بجدية شديدة : أنا اللي أقدر أعمله اديكي عنوانه ، وانتي تروحيله وتتصرفي معاه ، غير كده ماليش فيه

أومـــأت تقى برأسها عدة مرات لتعلن موافقتها على ما قاله ، في حين أكمل هو بـ ....
-الصول بنبرة محذرة : بس لو هاتعملي ده يا ريت يكون بسرعة قبل ما المحضر يروح النيابة

انقبض قلبها للحظة وهي تتخيل صورة والدتها وهي محتجزة بداخل القسم تعاني الويلات هناك ، وما قد يحدث لها ولأبيها ولخالتها من بعدها ، خاصة وأنها العائل الأساسي للأسرة ، فقبضت على ياقة عباءتها السوداء بأصابعها في خـــوف ، وأغمضت عينيها في قلق ، ثم أخذت نفساً عميقاً وزفرته سريعاً ، وفتحت عينيها لتنظر إلى الصول ، ومن ثم مدت يدها أمام الصول و...
-تقى وهي تبتلع ريقها في توجس ، وبنظرات زائغة : مـ.. ماشي ، هاتلي العنوان
دون الصـــول الموجود بالمخفر ( قسم الشرطة ) العنوان الخاص بمقدم البلاغ في ورقة صغيرة ، ثم طواها على عجالة ، و..
-الصول بخفوت ، ونظرات قوية : الشاي بتاعي

تنحنحت تقى في عدم فهم ، ورمقته بنظرات حائرة ، وهزت رأسها في بلاهة ، و..
-تقى بنبرة متحشرجة : هــاه ..
-الصول وهو يصر على أسنانه ، وبنظرات ذات مغزى : الشاي ، السجاير .. ها يا ست !!

هنا فهمت تقى ما الذي يرمي إليه ، هو يريد مقابلاً مادياً نظير خدماته ، لذا فتحت هي حافظتها الصغيرة ، وأخرجت مقداراً قليلاً من المــال الذي بحوذتها ، وطوته في كف يدها ، ثم مدت يدها لتأخذ الورقة الصغيرة ، وأسندت المــال في كف يد الصــول الذي حدجها بنظرات ساخطة حينما رأى المبلغ ، و...
-الصول بتأفف : استغفر الله العظيم ، لولا إن الواحد قلبه طيب ، كان زمانته عامل الأشكال بنت الـ ....... اللي زيكم بإسلوب تاني

رمقته هي بنظرات نارية من عينيها المنتفختين ، ثم خبأت الورقة في حافظتها ، و....
-تقى وهي تبتلع غصة مريرة في حلقها : كتر خيرك ، وربنا موجود وهيجازيك أكيد عن اللي بتعمله

استمر هو في التحديق لها بنظراته الساخطة ، في حين استدارت هي بجسدها وســـارت مبتعدة – وبخطوات متثاقلة - في اتجاه باب المخفر ...

شردت تقى في حالها ، فهي مازالت صغيرة ساذجة –إلى حد ما - لا تعرف متاعب الحياة ، ولا كيف سيكون الوضع معها ، بالها مشغول بكيفية إقناع صاحب البلاغ بالعدول عن المحضر قبل أن يتطور الأمـــر ، والأهم من هذا هو كيف ستطلب منه أن يغفر لوالدتها ذنباً لم تقترفه ، وتثبت له برائتها ..
تنهدت هي في إرهـــاق ، ووضعت يدها على رأسها لتضغط عليها قليلاً لتخفف عنها ذلك الغضب المشحون بداخلها ..
لم تهتم بالعساكر الذي دفعوها من كتفها ليمروا ، أو بذاك المجرم الذي نظر لها بطريقة مشمئزة ، فكل ما يدور في خلدها هو والدتها فقط .. ( عماد البيت وأساسه ) ....
...............................

خرجت تقى من المخفر ، وبحثت بعينيها عن منسي ، ولكنها لم تجده كما أخبرها في ذلك المقهى القريب ..
عضت على شفتيها مجدداً ، وتنهدت في حزن ، ثم ...
-تقى لنفسها بتعب : مش محتاجة مفهومية ، هو أكيد مشى ، يعني مش قدامي غير إني أروح للراجل بتاع الخاتم اللي أتسرق لوحدي واسترجاه ، يمكن .. يمكن قلبه يحن عليا ويسامح أمي ..

فتحت تقى حافظتها الصغيرة ، وأخرجت الورقة المطوية منها ، ثم فردتها لتقرأ العنوان المدون بالداخل ..
-تقى بنظرات ثابتة ، ونبرة خافتة : شركة الجندي للصلب

طوت هي الورقة مرة أخـــرى ، ونظرت أمامها في الفراغ ، و...
-تقى لنفسها بحيرة : طب ودي أروحلها إزاي !!!

....................................

في منزل تقى عوض الله ،،،

جلس عم عوض الله على سجادة الصلاة في غرفة نومه ، وتضرع إلى الله وهو راكع بـ ...
-عوض بنبرة مختنقة من الضيق : يا رب انت اللي عالم باللي فيا ، يا رب أنا طول عمري راضي بقضاءك ، وراضي بحكمك ، انا مش معترض على نصيبي ، بس هونها عليا يا رب ، هونها لأني مش قادر ، الحمل فوق طاقتي ، وأنا حاسس إن نهايتي قربت ، وخايف أسيب البت لوحدها ، أمها من زمان وهي مش راضية بحالها ، وده اللي تاعبها ، اهديها يا رب .. اهديها واكشف عنا البلاء يا رب

وبينما كان هو مندمجاً في ابتهالاته للمولى ، سمع صوت غلق لباب المنزل ، فانتفض فزعاً من على السجادة ، وســــار بخطوات أقرب للعدوْ في اتجاه الصالة وهو ممسك بمسبحته ..
انقبض قلبه حينما وجد باب غرفة ابنته تقى مفتوحاً على مصراعيه ، فظن أن الأمـــر متعلق بأخت زوجته ، فاتجه سريعاً إلى هناك ، ووقف على مدخل الغرفة و...
-عوض وهو يتنحنح في خشونة : ست تهاني .. انتي .. انتي جوا ؟

لم يستمع هو إلى أي رد يخصها ، وكان يخشى أن يدخل فجأة إلى الغرفة فتكن هي على راحتها ، وربما يكون جسدها مكشوفاً – خاصة وأنها فاقدة للأهلية - فعليه أن يكون أكثر حرصاً ، و ينبهها أو ينبه من معها في الغرفة لكي يطمئن أنها مستورة ، ولكن ليس هناك وقت للتأكد من هذا ، لذا قرر أن يدلف إلى الداخل و...
-عوض وهو غاضض لبصره ، وبنبرة جادة : ست تهاني ..!

رفع هو بصره تدريجياً وجاب الغرفة سريعاً بحثاً عنها فلم يجدها ، فانزعج أكثر ، واستدار عائدًا للخـــارج ، ثم وضع خفه في قدميه ، واتجه إلى خــارج المنزل ....

.........................

وقف العم عوض الله على أول الحـــارة يبحث بعينيه عن تهاني ، ولكنه لم يجدها في الجوار ، فاقترب من محل البقالة المجاور لبنايتهم ، وأشـــار لصاحبها – ذاك الشاب المكفهر الوجه – بيده و...
-عوض بنبرة متوجسة : رياض يا بني ، ماشوفتش الست تهاني ؟
-رياض بوجه عابس ، ونبرة متأففة : لأ مشوفتهاش
-عوض بقلق : طب .. طب ماتعرفش ممكن تكون راحت فين ؟
-رياض بتهكم : بقولك مشوفتهاش يا عم عوض، يبقى هاعرف هي راحت فين ، ده ايه المفهومية دي
-عوض بنبرة منكسرة : كتر خيرك يا بني

ابتلع العم عوض الله غصة مريرة في حلقه ، ثم أمسك بالمسبحة بين أصابع يديه ، وظل يفركها سريعاً وهو ينظر أمامه في حيرة و..
-عوض بضيق : طب أسأل مين عنها ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ، عيني يا رب

ثم بدأ يجوب زوايا الحـــارة بحثاً عنها ، ولم يكف عن سؤال كل من يعرفهم .. وكان الجواب واحداً ( مشوفنهاش ، لأ .. معدتش من هنا )

قرر عوض الله أن يتجه إلى الطريق الرئيسي الذي تتفرع من عدة طرق جانبية تؤدي إلى الحـــارة ، فقد خـــاف أن تكون تهاني قد ساقتها قدميها إلى هناك .. لذا أسرع في خطاه وهو يدعو الله بـ ...
-عوض بقلق شديد ، ونظرات راجية : استر يا اللي بتستر ، عديها على خير يا رب ...!

لم ينتبه عوض الله إلى الإشارة المرورية التي قد أضاءت ، ولا إلى السيارات التي قد بدأت في التحرك سريعاً .. وفجــــأة شعر هو بأن جسده أصبح كالريشة الخفيفة التي تقذفها الرياح حيثما شاءت ، ولم يشعر إلا بآلم مبرح يجتاح كل ذرة في كيانه ، وأن عظامه المرهقة قد تهشمت بكل قوة على الأرضية الإسفلتية ، فأطلق صرخة مدوية قبل أن يستكين بعدها تماماً ...
تجمع المـــــارة من حوله ، وتوقفت حركة المرور ، وحدثت حالة من الهرج والمرج في الطريق ، و...
-شخص ما بنبرة عالية : يا جدعان ، حد يطلع الإسعاف بسرعة ، الراجل بيموت
-شخص أخــر بنبرة قوية : امسكوا اللي عمل كده بسرعة
-شخص ثالث بنبرة صادحة للغاية : ابعد يا عم انت وهو ، وسعوا الطريق

جثى أحد الأشخاص على مقربة من العم عوض ، وأخذ يتحسس نبضه ، وكذلك تنفسه ، ثم رفع رأسه عالياُ ونظر للمحيطين به ، و...
-شخص رابع وهو يلوح بيده : ده الراجل باينه قطع النفس
-سيدة ما وهي تلطم على صدرها : يا ساتر يا رب

مالت فتاة ما على رفيقتها التي تتأبط بها ، ثم همست لها في أذنها وهي تغطي فمها كي لا يراها أحد وهي تتحدث بـ ...
-فتاة ما بخفوت : تعالي يا بنتي ، مالناش دعوة باللي بيحصل ده
-فتاة أخرى بنبرة معترضة : يا بنتي استني أما نشوف هايحصل إيه
-فتاة ما بإصرار : يالا بقى ، احنا كده هنتأخر على الدرس
-فتاة أخرى بتذمر : طيب ، خلاص ، اوووف ...!

انصرفت الفتاتين من مكان الحادث ، واستمرت حالة التخبط المروري ، والجميع في حيرة مما حدث لذاك الرجل العجوز ...
.............................

أمــــام مقر شركة الجندي ،،،

ترجلت تقى من الحافلة بعد أن بذلت جهداً مضنياً في الوصول إلى العنوان المذكور ، ظلت تزفر وتتنهد في ضيق ، ثم وضعت ظهر كف يدها على جبينها لتجفف عرقها المتصبب على عينيها ، وألقت بطرف حجابها المتدلي للخلف ، و...
-تقى بنبرة متعبة : يا مهون يا رب ، يــــاني ، مكان البتاعة دي في أخــر بلاد المسلمين ، ساعتين في الاتوبيسات عشان أعرف أوصل هنا .. يالهوي

جابت تقى المكان من حولها ، وظلت تتأمل هيئة المواطنين المتواجدين في تلك المنطقة الراقية ، وشعرت بداخل نفسها أنها أقل من ان تتواجد هنا ، ولكنها لم تعرْ الأمـــر أهمية اكبر ، فهي أمامها مهمة خطيرة ، ولن يمنعها عن الاستمرار فيها شعورها بالنقص والاختلاف ..

أخذت هي نفساً عميقاً ، ثم زفرته مرة واحدة قبل أن تسير بخطوات ثابتة في اتجاه الطريق المؤدي إلى مدخل الشركة الكبير ..
توقفت تقى في مكانها لتتأمل هيئة تلك التحفة المعمارية الضخمة ، مبنى عظيم ذو واجهات زجاجية براقة ، وأرضيات رخامية لامعة تجعل الأقدام تنزلق عليها سريعاً ..
شعرت هي بأنها ضئيلة للغاية وهي تقف أمام ذلك الصرح العظيم ، دعت الله في نفسها بـ ...
-تقى بخفوت ممزوج بالرعب وهي محدقة أمامها : يا رب يسر واجعل قلب الراجل ده يحن ويتنازل عن البلاغ ، يا رب .. يا رب

ثم قبضت على حافظة نقودها ، وســـارت في اتجاه المدخل ، ثم صعدت على درجاته الرخامية ، ولكنها لم تستطعْ أن تمر عبر البوابة ، وذلك بسبب ذلك الكائن الضخم الذي ســد عليها الطريق بجسده المتضخم ذو الملابس الرسمية و..
-حارس الأمن بنبرة رسمية : انتي رايحة فين ؟

ابتلعت تقى ريقها بصعوبة ، وحدقت فيه بنظرات شبه خائفة و..
-تقى بتلعثم : آآ.. أنا .. انا داخلة جوا

رمقها حارس الأمن بنظرات مشمئزة قبل أن يردف بـ ..
-حارس الأمن بصرامة وهو يشير بيده : امشي من هنا يا بت
-تقى بإندهاش شديد : هاه
-حارس الأمن بحدة : يالا من هنا ، انتي مش شايفة منظرك

عضت تقى على شفتيها من الغيظ ، وقبضت على حافظتها النقودية أكثر ، و....
-تقى بحنق : هو أنا جاية أشحت منك ، أنا جاية أقابل صاحب الهالومة دي كلها
-حارس الأمن بإمتعاض يحمل التهكم : لا والله ، وهو الباشا بيقابل الأشكال اللي زيك كده عادي ، انجري من هنا أحسنلك بدل ما أحدفك برا
-تقى بنبرة مغتاظة وبإصرار : أنا مش هامشي من هنا مهما قولت ومهما عملت ، ان شاء الله هبات قدام باب المخروبة دي

انتبه أحــد الموظفين المارقين إلى داخل المبنى إلى ذلك الشجـــار شبه المحتدم بين تلك الفتاة الشعبية المظهر وبين حــارس الأمن ، فتوجه ناحيتهما ، ثم ...
-وائل بنبرة هادئة : في ايه اللي بيحصل هنا ؟
-حارس الأمن بجدية : مافيش يا بيه أي حاجة
-تقى بنبرة محتجة ونظرات مشتعلة : لأ فيه يا بيه ، أنا عاوزة أقابل صاحب الشركة دي
-حارس الأمن بنبرة متذمرة : وأنا قولت مش هاينفع يا ست انتي !
-وائل بصرامة : اسكت انت الوقتي ، أنا هاتفاهم معاها
-حارس الأمن على مضض : حاضر

ثم اتجه وائل برأسه ناحيتها ، وانتصب أكثر في وقفته الرسمية ، ورمقها بنظرات متمهلة ومتفحصة لهيئتها ، و...
-وائل بنظرات متفحصة ، ونبرة رزينة : ليه ؟

أطرقت تقى رأسها في خزي ، ثم أخذت تفرك أصابع يدها في توتر ، و...
-تقى بخفوت ، ونظرات قلقة : آآ.. مـ.. مسألة شخصية
-وائل متسائلاً بهدوء : في ميعاد سابق ؟
-تقى وهي تهز رأسها بالنفي : لأ
-وائل بجدية : يبقى مش هاينفع تقابليه هنا طالما مافيش ميعاد سابق

انقبض قلبها بشدة ، وشعرت بوخزة في صدرها ، ثم أمسكت بطرف حجابها ، ومسحت مجدداً عرقها البارد و...
-تقى بذعــر : بس الموضوع مهم ، وأنا محتاجة أتكلم معاه ضروري

كانت تقى على وشك الانحناء وإمســاك كف الموظف لتستعطفه ، ولكنه أشــــار لها بكف يده لكي تكف عما تفعل ، و...
-وائل بحدة : من فضلك ، مش بحب كده

تراجعت هي بجسدها للخلف ، واعتدلت في وقفتها ، وبدأت الدموع تتجمع في مقلتيها ، فرمقها هو بنظراته الجافة قبل أن يتابع بـ ...
-وائل ببرود : بص يا آآ... لو حاجة شخصية زي ما بتقولي ، يبقى تروحي تقابليه في قصره ، لكن هنا ممنوع
-تقى بنبرة راجية ومختنقة : يا بيه الله يسترك ، أنا مش جاية والله أشحت منه ، أنا جاية أقابله عشان أمي ، هي هاتروح مني لو أنا ملحقتهاش ، اللي يسترها عليك خليني أقابله ، اللي يبعد عنك أي شر

تنهد وائل في ضيق ، وأشاح بوجهه للناحية الأخرى ، ثم ..
-وائل على مضض : بصي عشان أبقى عملت اللي عليا ، أنا هابلغ الاستقبال بإنك عاوزة تقابلي الباشا ، وهما هايبلغوه ، ولو هو وافق هاخليهم يدخلوكي ، لو لأ ، روحي عند القصر بتاعه ، تمام

شعرت تقى أن هناك بارقة أمـــل تلوح في الأفق ، فتنفست الصعداء من جديد و...
-تقى بنبرة ممتنة : الله يخليك يا رب ، أنا .. أنا مش عارفة أقولك ايه
-وائل بإيجاز : ماتقوليش ، خليكي واقفة هنا

ثم أشـــار لها بإصبعه لكي تنتظر بالقرب من بوابة مدخل الشركة الرئيسي ، ثم اتجه هو إلى داخل بهو الشركة الواسع ...

..........................

في مصنع الرشيدي ،،،،

بلغ خبر اتهام العاملة فردوس بالسرقة لرئيس العمال – حسين - في مصنع الرشيدي للمنسوجات ، لذا أمر بـ ...
- حسين بنبرة حادة : ماتخشش هنا تاني الولية دي
-زينات بفزع : ليه بس يا سي حسين ، دي فردوس غلبانة وبتجري على يتامى
-حسين بتأفف يحمل التهكم : يتامى أرامل ، مايفرقش معايا الكلام ده ، صاحب الشركة مش هايشغل عنده حرامية ولا نشالين
-سعدية بنبرة حزينة : والله ده حرام
-حسين ببرود: والله اللي مش عاجبه ، يورينا عرض قفاه ، أهوو الباب يفوت جمل
-زينات بنبرة متشنجة : حسبي الله ونعم الوكيل ، معدتش في رحمة في قلوب الناس خلاص
-حسين بعدم إكتراث : قولي الكلام ده للحرامية اللي كانت وسطنا

ثم تركهما وانصرف في اتجاه مكتبه الموجود في أخـــر الرواق ..
نظرت سعدية إلى زينات بنظرات غاضبة ، و..
-سعدية بتذمر : عالم مفترية وربنا
-زينات بضيق شديد : ربنا ينتقم من الظلمة ، الولية هتعمل ايه ولا ايه
-سعدية بنبرة منزعجة : بصي احنا بنلغ بقية النسوان اللي هنا باللي حصلها ، ونحاول نلملها قرشين ولا حاجة ، اهوم يساعدوها على اللي جاي
-زينات بحنق : هي هتلاحق على ايه ولا ايه ..
-سعدية بنبرة قانطة : نصيبها بقى تشوف الويل ، كويس إن بنتها معاها ، وهي تتصرف
-زينات بنبرة راجية : ايوه ، ربنا يتولاهم .................................... !!!!
بداخل مكتب أوس بمقر الشركة الرئيسي ،،،

كان أوس مازال مستلقياً على ظهره على تلك الأريكة الجلدية السوداء الموجودة في ركن الغرفة ومغمضاً لعينيه ، وواضعاً لساعده على جبينه .. في حين جلس رفيقه عدي على مسند الأريكة المقابلة وهو ممسك بهاتفه المحمول يتفقد بعض الرسائل على الصفحات الإجتماعية ..
رن هاتف المكتب الداخلي ، فالتفت عدي إليه برأسه ، ثم اعتدل في وقفته ، وســــار في اتجاه المكتب ..
أمسك هو بالهاتف ليجيب عليه ، و..
-عدي هاتفياً بنبرة عادية : ألو .. خير

ظل عـــدي صامتاً للحظات ليستمع إلى ما يُقال عبر الهاتف ، و...
-عدي هاتفياً بعدم اكتراث : ودي عاوزة ايه دي ؟! أصلاً الباشا أوس ميعرفش حد من الأشكــال دي ، ماشيها على طول !!

انتبه أوس إلى اسمه الذي ذُكر في المكالمة ، فاعتدل في نومته ، ورمــق رفيقه بنظرات قوية قبل أن ...
-أوس متسائلاً بجدية : في ايه ؟

أبعد عـــدي الهاتف عن أذنه ، ووضعه على صدره ليكتم الصوت ، و...
-عدي بنبرة جافة : مافيش يا أوس ، حاجة كده مالهاش لازمة !
-أوس بنبرة جادة للغاية : حاجة ايه دي ؟ ما تقول على طول
-عدي بنبرة شبه منزعجة : موظف الاستقبال تحت بيقول إن في بت شكلها بيئة عاوزة تقابلك ضروري عشان أمها
-أوس باستغراب : بت بيئة !
-عدي وهو يعيد رأسه للخلف : أها ، الموظف بيقول إنها لابسة عباية بترتر ، وشكلها لوكــال على الأخــر
-أوس متسائلاً بحيرة : بس أنا معرفش حد بالشكل اللي انت بتقول عليه ده
-عدي بإهتمام : ماهو عشان كده أنا قولتله يمشيها
-أوس بعدم مبالاة : أحسن برضوه
-عدي مبتسماً ابتسامة سخيفة : تمام

وضـــع عدي السماعة مجدداً على أذنه ، وبدأ يتحدث بخفوت ، في حين أرجع أوس ظهره للخلف على الأريكة ، ووضع كف يده على رأسه ليحك شعره ، وفجـــأة انتفض من مكانه وكأن عقرب ما قد لدغه ، فقد شك أن تكون الفتاة هي تلك الهزيلة التي تحدته من قبل ، لذا ..
-أوس بحدة وهو يشير بيده : استنى يا عدي

عقد عدي حاجبيه في إندهاش ، وحدق في رفيقه بنظرات متعجبة قبل أن يردف بـ ...
-عدي متسائلاً بفضول : حصل حاجة يا أوس ؟

نهض أوس عن الأريكة ، وانتصب في وقفته ، وحدق مباشرة في رفيقه عدي و...
-أوس بنبرة جافة للغاية : خلي البت دي تطلع

إزداد إنعقاد حاجبيه ، وقطب جبينه في إندهاش ، و...
-عدي بنبرة مشدوهة : تطلع !
-أوس بصرامة : أه ، ويا ريت بسرعة
-عدي وهو يزم شفتيه في حيرة : ماشي ، اللي يريحك

استدار أوس بجسده كلياً ، وســــار في اتجاه الحائط الزجاجي ، وقام بلف كف يده الذي مازالت أثــار عضتها عليه بارزة ، ونظر إليه بنظرات نارية ، و..
-أوس لنفسه بتوعد : حظ أمها أســـود ، لو طلعت هي ..!

.............................

في المسجد القريب من منزل تقى ،،،،

وقف الشيخ أحمـــد على باب المسجد المصنوع من خشب الأرابيسك ينتظر قدوم العم عوض الذي لم يتأخـــر يوماً منذ أن عمل فيه عن العمل ..
-الشيخ أحمد بقلق : ربنا يسلم طريقك يا عم عوض ، ماعمركش اتأخرت كده عن بيت ربنا ..!

ثم استدار في اتجـــاه المنبر ليستعد للحلقة الدينية التي ستنعقد بعد قليل

..................................

حضرت سيارة الإسعـــاف إلى موقع الحادث ، وتعاون المـــارة في حمل العم عوض على الناقلة ، ثم وضعوه بداخلها .. ولم يركب معه أي أحد في السيارة ، وتم نقله إلى أقرب مشفى حكومي ..
-أحد الأشخاص بنبرة آسفة : محدش عارف أي حاجة عن الراجل ده
-شخص ما بعدم اكتراث : لأ .. مكنش معاه لا موبايل ولا بطاقة
-شخص ثالث بنبرة عادية : ده شكله أصلاً راجل غلبان ماحلتوش حاجة
-شخص ما بجدية مصطنعة : احنا نحاول نشوف إن كان ليه قرايب ولا أهل ونبلغهم
-شخص ثالث بعدم إهتمام : يا عم كبر دماغك ، إحنا مش ناقصين وجع دماغ وقرف ، أهله هما اللي يبقوا يدوروا عليه ، مش احنا يعني اللي هنســأل ونهتم بواحد زي ده
-أحد الأشخاص بنبرة طبيعية : طب يالا نشوف مصالحنا يا رجالة ..

....................................

دلفت تقى وأطرافها ترتعد إلى داخـــل بهو الشركة الواسع بعد أن استدعاها حارس الأمن وأبلغها بموافقة صاحب المجموعة على رؤيتها ..
ظلت تجوب بعينيها المكان وهي تنتفض فزعاً بداخلها ، لقد شعرت بمدى ضائلتها بداخل هذا الصرح العظيم ، ودت لو تراجعت عما انتوت فعله ، وهربت من هنا فوراً ، ولكن ليس بيدها أي حيلة ، فحرية والدتها على المحك .. لذا استجمعت قدراً من شجاعتها الهاربة ، وحاولت أن تبدو هادئة .. لكن قلبها وصدرها يكادان يقفزان من مكانهما ...

صاحب أحد حراس الأمن تقى إلى الطابق المتواجد به غرفة مكتب صاحب الشركة ، وأشـــار لها بيده لكي تقف ، ثم توجه هو إلى مديرة المكتب السيدة راندا ، و..
-حارس الأمن بنبرة رسمية تحمل التهكم : الـ .. آآ.. أستاذة المفروض هتقابل أوس باشا

حدجتها راندا بنظرات متأففة قبل أن تتحدث بـ ..
-راندا بنبرة منزعجة : طيب .. لحظة أبلغ الباشا

مـــرت راندا من جوارها ، ونظرت إليها شزراً ، ثم أشــارت لها بإصبعيها و...
-راندا وهي تلوي فمها في امتعاض : استني هنا يا .. يا آنسة

ثم وضعت كلتا يديها على طرفي تنورتها الكلاسيكية القصيرة السوداء لتجذبها إلى الأسفل حتى لا تكشف ما فوق ركبتيها ، وعدلت من ياقة قميصها الأبيض ، ثم عضت على شفتيها لتتأكد من تناسق أحمر الشفاه عليهما ، ومن ثم اتجهت ناحية باب الغرفة ، وطرقت عليه بيدها طرقات خفيفة قبل أن تفتحه وتختفي داخل الغرفة ..

مرت الثواني على تقى كأنها أشهر .. ومع كل لحظة تمر ، يزداد اضطرابها وخفقان قلبها .. هي تخشى أن تفشل في المهمة الموكلة بها ، و..
-تقى لنفسها بتوتر شديد: يا رب حنن قلبه على أمي ، يا رب يوافق على إنه يتنازل عن المحضر ، يا رب ..

عـــادت راندا إلى حيث تقف تقى ، ثم حدجتها بنظراتها الإحتقارية قبل أن تتحدث بـ ....
-راندا بنبرة آمــرة وهي تشير بعينيها : خشي ، الباشا منتظرك جوا
-تقى بتلعثم وهي تبتلع ريقها : مـ... ماشي
-حارس الأمن متسائلاً : أمشي أنا يا أستاذة راندا
-راندا بجدية وهي ترمق تقى بنظراتها المتعالية : لأ .. خليك هنا ، يمكن الباشا يحتاجك ولا حاجة

استدار حارس الأمن برأسه في اتجاه تقى ، ورمقها بنظرات متشفية ، و..
-حارس الأمن وهو يتجشأ بتوعد : ماشي يا أستاذة

أجفلت تقى عينيها في خزي ، وقبضت على حافظة نقودها بأصابعها المتعرقة ، وعضت على شفتها السفلى في خوف ، وسارت في اتجاه باب الغرفة
...............................

بداخل مكتب أوس بمقر الشركة الرئيسي ،،،،

ترقب أوس دخـــول تلك الفتاة بفضول كبير حيث إستند بظهره على سطح مكتبه الفخم وعقد ساعديه أمام صدره الضخم ، وسلط بصره الحــاد على الباب .. بينما جلس عُدي على مقعد أوس وأخذ يطرق بأصابع يده على سطح المكتب ..

فتحت تقى باب المكتب بعد أن أخذت نفساً مطولاً .. ثم سارت بخطوات مرتبكة إلى الداخل ..
كانت هي مخفضة لرأسها ، وممسكة بطرف حجابها بأصبعين وكأنها تستجمع منها عزيمتها الغائبة ..

ارتسمت ابتسامة سخرية على ثغر أوس حينما تأكد من صحة شكوكه ، وحدج تلك البائسة التي أوقعها حظها العثر في طريقه بنظرات متفحصة لها ، ثم أخــذ نفساً مطولاً ليمليء به صدره المشحون ، لقد آن الآوان لكي يشعر بنشوة الإنتصـــار .. فها قد جاءت إليه طوعاً من تجرأت عليه من قبل ، وها قد حــان الوقت للتشفى منها ..
-أوس بنبرة خشنة وواثقة ، ونظرات قوية : كان عندي إحساس أنه إنتي

انتبه عُدي إلى كلمات أوس الغامضة ، وتابع ردة فعل الفتاة - محلية المظهر - بفضول شديد ..

رفعت تقى رأسها فجــــأة ، وحدقت في أوس بنظرات مصدومة بعد أن جذبها صوته القوي .. فعقدت المفاجأة لسانها ، وفغرت شفتيها في ذهـــول ..
هي لم تتوقع أن يكون ذلك الوقح المتوحش صاحب المحضر ..
أرخـــى أوس ساعديه ، ووضع كفي يده في داخل بنطاله ، وأمعن النظر فيها ، ثم ...
-أوس بنبرة مغترة : مفاجأة صح ..!
تسمرت هي في مكانها ، وخشيت أن تتقدم خطوة أخــرى في اتجاهه ، وحاولت أن تبعد عينيها عن عينيه ، ولكنها عجزت عن هذا ، فقد كان يسيطر عليها بهيبته وقوته ..

اقترب هو منها ، فتراجعت عفويا للخلف ، وبدى خوفها أمامه واضحاً .. فإزداد ثقة ، و...
-أوس بنبرة متغطرسة : مكونتيش متوقعة إنك هاتشوفيني تاني ..
-تقى بفزع : آآ.. أنا .. آآ..

ابتلعت هي ريقها في خـــوف شديد ، ودت لو تنشق بها الأرض وتبتلعها على الفور حتى لا تقف أمام ذلك البغيض مجدداً وتتوسل إليه من أجل والدتها ..

توقف أوس عن الحركة ، وأخرج كف يده من جيبه لتتابع هي بنظراتها المفزوعة أثار عضتها عليه ، فيزداد اتساع حدقتي عينيها ، بينما حدجها هو بنظراته القاسية و..
-أوس متسائلاً بنبرة جافة : جاية ليه ؟

حاولت هي أن تتحدث ، وتجبر الكلمات على أن تخـــرج من جوفها ، ولكنها كانت كمن فقد النطق تواً .. فارتجفت شفتيها أمامه ، واستمرت في التراجع للخلف ..
ضيق أوس عينيه أكثر ، وعبست ملامح وجهه وهو يصدح بـ ...
-أوس بصوت خشن وآمـــر : متتحركيش وأنا بتكلم

انتفضت تقى فزعاً في مكانها ، ولم تتحرك قيد أنملة خوفاً منه ، فتحرك هو في اتجاهها إلى أن وقف قبالتها ، ولم يعد يفصلهما سوى خطوة واحدة على أقصى تقدير ، ولم يحيد أي منهما بأعينهما عن الأخـــر و...........
بداخل مكتب أوس بمقر الشركة الرئيسي ،،،

حدق أوس في عيني تقى بنظرات تنتوي شراً لها ، في حين بادلته هي نظراته المذعورة ، وظلت ترمش لعدة مرات ..
كما كان صدرها يعلو ويهبط من الخوف ، وساقيها ترتجفان كالهلام ، ولكنها رغم هذا حاولت أن تبدو جامدة أمامه ..

وضع هو يده على طرف ذقنه ، وظل يحرك أصبعه عليها بحركة ثابتة أثارت إنزعاجها ، ثم تشدق بـ ...
-أوس متسائلاً بنبرة متصلبة : انتي هنا ليه بقى ؟
-تقى بتلعثم : آآ.. أنا .. أنا
-أوس بنبرة تحمل العنجهية : ايه ؟ القطة كلت لسانك ؟؟ هاتهتي كده كتير ؟

أخفضت هي عينيها في توتر ، وظلت تفرك أصابع كف يدها المتعرقة في ارتباك واضح ، و...
-تقى وهي تبتلع ريقها : أنا كنت .. عاوزة منك تتـ.. تـ...

ثم توقفت عن الحديث ، فحلقها قد جف تماماً ، وباتت الكلمات تخرج بصعوبة بالغة منه وكأنها تخشى هي الأخــرى مواجهته ..

تعجب عُدي مما يدور بين كليهما ، و..
-عدي متسائلاً بحيرة : دي مين دي يا أوس ؟

انتبهت هي لذاك الصوت الرجولي الأخــــر الذي يأتي من الخلف ، وسلطت عليه عينيها لتكتشف أن ذلك الفظ ليس بمفرده في المكتب ، فشعرت بنوع من الإطمئنان .. فهو لن يتجرأ على التعرض لها أمام هذا الشخص ..
لم يجبْ أوس على سؤال عدي ، بل أدار رأسه لليسار تارة ولليمين تارة أخــرى ليتفحص تقى بنظراته الدقيقة ، بينما هربت هي من تأثير عينيه المخيفتين بالتحديق للأسفل .. لمح هو تلك الخصلة المتمردة من شعرها المختبيء خلف حجابها القاتم فأثــارت رغبته في أن يُعيدها لمكانها ، لذا فاجئها بتحريك يده في اتجاه وجهها ، فقفزت هي متراجعة للخلف في رعــب ، فابتسم هو بشراسة لها ، و..
-أوس ببرود هاديء : خوفتي ليه ؟ أنا كنت هـ...
-تقى مقاطعة بنبرة محذرة رغم تلعثمها : لو ..لو سمحت .. أنا .. مش واحدة من إياهم
-أوس وهو يبتسم ابتسامة متهكمة : واحدة من إياهم !! ممم.. هو انتي تطولي أصلاً ..

نهض عُدي من على المقعد ، وســـار في اتجاه أوس ، و...
-عدي بنبرة جادة : واضح إن وجودي هنا مالوش لازمة .. أنا طالع برا شوية وراجع
-أوس بهدوء زائد : خير ما عملت

مـــر عدي من جوار تقى ، ونظر إليها شزراً ثم سار مبتعداً للخــارج ..

هنا حل الخوف مجدداً على تقى ، فقد ظنت أن ذلك الشخص سيظل متواجداً إلى أن تنتهي هي من الحديث ، لكنها باتت بمفردها معه ، فمن الذي سيصده عنها إن تجرأ عليها ..
...............................................

في البناية المجاورة لمنزل تقى عوض الله ،،،

كان الحوار ساخناً للغاية بين الجارات اللاتي فرحن في مصيبة فردوس ، وعلى رأسهن الجارة أم بطة ...
-أم بطة بنبرة شامتة : وأل ايه كانت عاملة شريفة بنت الـ ***
-جارة ما بنبرة غير عابئة : لا ياختي ، أنا من الأول عارفة إنها واطية وبتاعة مصلحتها
-جارة ثانية بنبرة مغلولة : أهوو ربنا فضحها ، وبقت سيرتها على كل لسان ، أخت المجنونة
-أم بطة بنبرة ضيق زائفة : اللهم لا شماتة ، بس البت بنتها هاتعمل ايه ؟
-جارة ما بنبرة ساخطة : أكيد هاتعمل زيها ، ماهو إكفي القدرة على فومها ، تطلع البت تقى لأمها

وهنا تعالت ضحكات الجارات الثلاثة ، وحاولت أم بطة السيطرة على نفسها ، و...
-أم بطة بنبرة عالية : كفاية بقى يا نسوان ، مش قادرة ههههههههههه
-جارة ثانية بنبرة إهتمام : المهم قوليلي ناوية تعملي ليلة حنة لبطة بنتك ولا آآ...
-أم بطة مقاطعة بجدية : أه يا حبيبتي الحلو كله هايتعملها ، هو أنا هافرح كل يوم ..
-جارة ما متسائلة بفضول : طب انتي هاتعملي حنتها أمتى ؟
-أم بطة بنبرة مغترة : بكرة إن شـــاء الله ، البنات هايجوا يوضبوها ويمرشوها ، ويجلوا جسمها ، واحنا بقى نهيصلها ونظيط
-جارة ثانية بنبرة متحمسة : لوووووللووولي ، يا ألف نهار مبرووك ، أيوه بقى ، خلي الفرحة ترجع تنور الشارع ، بدل الهم اللي كاتم علينا
-أم بطة بنبرة واثقة : طبعاً .. الفرح هيخش على إيد بطة بنتي ..!!!

..............................................

بداخل مكتب أوس بمقر الشركة الرئيسي ،،،

أبقت تقى على مسافة مناسبة تمكنها من الفرار في حـــال تفكير ذلك الفظ في التعرض لها .. وحاول أنت تحدد أقرب منفذ يمكن أن تهرب منه ، فشردت بعينيها ، وجابت ما حولها بنظرات زائغة ..
راقب أوس ردة فعلها بنظراته القوية ، وعقد أحد ذراعيه أمام صدره ، ووضع اليد الأخرى على طرف ذقنه ، و...
-أوس بنبرة متغطرسة : عاجبك المكان ، ولا .. ولا إنتي خايفة مني .. أحسنلك لازم تخافي مني ، لأني مش بأرحم أي حد

ظلت هي صامتة محاولة إيجاد الكلمات التي تساعدها على عرض طلبها عليه ، ولكن بسبب ارتباكها الممزوج بفزعها منه ، لم تجد ما يُعينها ..

اغتــاظ هو من هدوئها المستفز له ، لذا أرخى كلا ذراعيه ، وحدجها بنظرات مليئة بالحدة ، و...
-أوس بنبرة عنيفة : جاية هنا ليه ؟؟؟ انطقي ..!
-تقى بنبرة مبحوحة : عـ.. عشان خاطر أمي
-أوس بنبرة متهكمة : أمك الحرامية ..! قولتلي بقى
-تقى بنبرة محتجة : ماما مش حرامية ، هي مسرقتش حاجة والله ، دي مظلومة
-أوس ببرود مستفز : المفروض أنا أصدق كلامك ده
-تقى بنبرة واثقة : أيوه ، لأنها الحقيقة

لم يستطع أوس كتم ضحكاته المستهزأة بها ، فقهقه عالياً مما جعلها تنظر إليه بحنق ، في حين استمر هو في إغضابها بـ ...
-أوس بنبرة متصلبة : الحقيقة إن أمك اتجرأت وفكرت انها تاخد حاجة ماتخصهاش ، و جــه في تفكيرها إن محدش هايعرف باللي عملته ، وهتنفد ولا في حد هايدور عليها ولا يمسكها باعتبار إنها نكرة ، بس حظها الزفت أو نقول النحس إنها وقعت في طريقي ..
-تقى بنبرة مختنقة ، ونظرات باكية : والله ما عملت حاجة ، هي مظلومة ، خالتي حكمت هي اللس سرقت مش احنا
-أوس بتهكم : لا والله ، هي تسرق ، وانتو تصرفوا البضاعة ، شيء عظيم أوي
-تقى بنبرة متشنجة وهي تشير بيدها : أبداً ، احنا مش كده أبداً ، شوف مين اللي ضحك عليك وقالك كده

تبدل لون وجـــه أوس على الفور ، واحتقن بالدمــاء ، وقطب جبينه في ضيق جلي ، ثم تحرك في اتجاهها ، و...
-أوس بنبرة هادرة : اخرسي يا بنت الـ **** ، أنا مش عبيط قدامك ولا فاقد الأهلية عشان أي حد يقولي أي حاجة أصدقها

ابتلعت هي الإهانة المستفزة على مضض ، فهي أمامها مهمة محددة ، ولن تحيد عنها مهما تطاول هو باللفظ عليها ...

تنهدت هي في مرارة ، ثم أجفلت عينيها للأسفل ، و...
-تقى بخفوت يحمل الإنكسار : أنا .. أنا مقصدش كده ، بس .. بس أمي بريئة وماسرقتش أي حاجة
-أوس متسائلاً بهدوء حـــذر : والمطلوب مني ايه الوقتي ؟ ها ؟!!

رفعت هي عينيها قليلاً للأعلى لتنظر إلى ردة فعله و...
-تقى وهي تبتلع ريقها في تلعثم : آآ.. ان .. آآ.. حـ.. حضرتك .. آآ.. تتنازل عن المحضر وآآ...
-أوس بنبرة قاسية ، ونظرات حادة : نعم ؟؟ أتنازل ؟ بالبساطة دي ؟؟!َ!!

ابتلعت ريقها مجدداً .. وفركت أصابع يدها في توتر قوي ، و...
-تقى بإرتباك واضح : أنا .. أنا واثقة إن .. حضرتك مش .. مش هايفرق معاك اللي يحصل ليا ولأمي ولا حتى لعيلتي .. بس .. آآ...
صمتت هي للحظة تستعيد فيها رباطة جأشها ، ثم تابعت بـ ...
-تقى بنبرة خافتة : بس لو هي اتحبست احنا كلنا هنضيع ، هنترمي في الشــارع ، أمي هي اللي مسئولة عننا ، وآآ...

لـــوى هو فمه في استهجان ، ورمقها بنظراته الإحتقارية ، و..
-أوس مقاطعاً بنبرة جافة تحمل التهكم : وحد قالك إني مسئول في الشئون الإجتماعية !! روحي حلي مشاكلك بعيد عني
-تقى بنبرة متحشرجة : ماهو انت ..قصدي .. آآ.. حضرتك اللي في ايدك الحل
-أوس بنبرة غليظة : برا
-تقى وهي فاغرة شفتيها : هــاه
-أوس بنبرة أشد غلظة : اطلعي برا ، أنا مش فاتح شركتي جمعية خيرية عشان خاطر الزبالة اللي زيك
-تقى بنبرة مريرة تحمل التوســل : اشتم حضرتك زي ما انت عاوز ، بس أرجوك ، أبوس ايدك اتنازل عن المحضر ، نجيها من اللي هي فيه ، ربنا مايوقعك في ضيقة
-أوس بتهكم صريح : بطلي اسلوب الشحاته ده معايا ، مش بيجيب نتيجة
-تقى بإنفعال : أنا مش باشحت منك ، أنا بترجاك تتنازل لأن أمي مظلومة ، ولو كانت هي اللي سرقت مكونتش فكرت أجي هنا أصلاً ، بس هي أمي الغالية ، وأنا مش هاسيبها تتبهدل على كبر ، ومستعدة أعمل أي حاجة عشانها

رمقها هو بنظرات جريئة تحمل الطمع والرغبة ، واستطاعت هي أن تقرأها بوضوح ، فإنتابتها رعشة خفية ، وحاولت جاهدة أن تبدو أمامه على قدر من الشجاعة حتى وإن كانت غائبة ..

ســــار هو في اتجاهها ، ولم يرمش بعينيه لوهلة ، و...
-أوس بنبرة ماكرة : لأ واضح إنك مستعدة تعملي أي حاجة عشانها

ثم سلط بصره عليها ، وتفحص قسمات جسدها الغير بارزة بنظرات متفرسة زادتها إرتباكاً وخجلاً وجعلت وجنتيها تتوردان سريعاً ..
تراجعت تقى بظهرها للخلف بخطوات مرتبكة ، و..
-تقى بنبرة متوترة : قـ.. قصدك ايه ؟
-أوس بنبرة لئيمة وهو يرمقها بنظراته الجريئة : انتي فاهمة أنا عاوز ايه

لم تنتبه تقى أنه لم تعد هناك أي مسافة أخــرى لكي تستغلها وتتراجع ، حيث اصطدم ظهرها بباب الغرفة ، فإنتفضت فزعاً ، واستدارت برأسها للخلف لترى أين أوصلتها قدميها .. بينما لم يتوقف أوس عن السير في اتجاهها إلى أن وقف قبالتها ، وتقلصت المسافة مجدداً بينهما إلى خطوة واحدة

أرادت هي أن تهرب منه ، ولكنه مــد ذراعيه أمامها ، وأسندهما على زاويتي الباب ليحاصرها ، ثم مـــال برأسه ناحية رأسها ، وأجفل عينيه على شفتيها ورمقهما بنظرات ترغب في إلتهامهما و...
-أوس بخفوت مخيف : ايه ؟ مش انتي برضوه آآآ...

كورت هي قبضة يدها بشدة ، وضيقت عينيها ، ورمقته بنظرات حانقة .. بينما شعر هو بإرتجافة جسدها ، وذعرها البادي في عينيها الناعستين ، مما جعله يشعر بنشوة قوته وانتصاره عليها ، وأوشك على تقبيلها ، ولكنه لم يتوقع منها أن ..................

.........................................

في مشفى ما حكومي ،،،،

أوصلت سيارة الإسعاف العم عوض الله إلى ذلك المشفى المجاني الخاص بالفقراء ، وتم إيداعه في غرفة الطواريء المكتظة بالمرضى ، ثم قام أحد أطباء الإمتياز بالكشف عليه وتشخيص حالته ، ثم تقطيب جراح رأسه ، وتجبير ساقه ، وكتفه ، ورغم هذا لم يهتم أي طبيب متخصص غيره بمتابعة حالته الحرجة ، وما إن انتهى الطبيب منه ، تركه وانصرف بعد أن أوصى أحد الممرضين بإيداعه الرعاية المركزة ، ولكنه لم يهتم بما قاله الطبيب ، ودلف خــارج الغرفة ليدخن سيجارة ما ، ثم دنت من العم عوض الله ممرضة ما على وجهها عبوس دائم و...
-الممرضة إسعاد بنبرة غليظة وهي تشير بإصبعها : مين اللي حط الراجل ده هنا
-ممرض ما بنبرة غير مبالية : أهوو اتحدف علينا من بتوع الاسعاف ، والمفروض يطلع على العناية
-الممرضة إسعاد ببرود : مافيش مكان في العناية ، دي كومبليت ( مليانة )
-ممرض ما بحيرة : طب والعمل يا باشحكيمة ؟
-الممرضة إسعاد بلهجة آمــرة : ده يتشال من هنا فوراً ، حطوه على أي سرير فاضي
-ممرض ما بنبرة عادية : مافيش سراير أصلاً ، العنابر كلها مليانة
-الممرضة إسعاد بضيق : وهنا مافيش أي مكان له ، اتصرف وارميه في أي حتة
-ممرض ما على مضض : حاضر ..

أمسك الممرض بالسرير المتحرك المسجي عليه العم عوض الله ، ثم دفعه بما أوتي من قوة إلى خـــارج غرفة الطواريء ، واستعان بمساعده زميليه في العمل لكي يتم إسناده على إحدى الملاءات المتهالكة الموجودة على الأرضية الباردة في الرواق المؤدي لعنابر المرضى ..

....................................

بداخل مكتب أوس بمقر الشركة الرئيسي ،،،

لم يتوقع أوس أن تنفجر تقى فيه غضباً وتتحول تلك الهزيلة الذليلة إلى وحــش كاسر ، حيث لكمته بقسوة في فكه لتختفي ابتسامته سريعاً من على ثغره ، ثم تراجع للخلف ، ووضع كف يده على فمه ليتحسس موضع الآلم ..
بينما انجرح إصبعي تقى بأسنانه الحادة ، وسقط دون وعي منها حافظة نقودها ، و..
-تقى بنبرة هادرة وهي تشيح بكلتا يديها : انت مفكرني إيه ، واحدة قذرة تبيع نفسها عشان خاطر أي حاجة ، لأ فوق لنفسك .. أنا فقيرة أه ، بس عندي شرفي اللي ممكن أموت أي حد يفكر بس يقرب منه ، ايه فاكرني ضعيفة وهخاف .. حتى لو كنت كده فده مش يديك الحق إنك تعتدي عليا ...

ثم صمتت للحظة لتلتقط أنفاسها ، بينما تسمر هو في مكانه وتابعها بهذا النوع من الهدوء الذي يسبق العاصفة ، و....
-تقى بزمجرة غاضبة ، ونظرات مشتعلة : أنا كنت مفكراك بني آدم وهتحس بالغلابة اللي زينا ، لكن اتضح انك بس حيوان ولا تسوى ، وورا كل الهيلمان ده ، إنت واحد واطي .. بس خليك فاكر انت ربنا مش هاسيبك لأنك ظالم ومفتري وفوق ده كمــان ( وسخ ) ، انت هايجي عليك يوم هتتحط فيه في موقف زي ده ، وهتلاقي الأقوى منك اللي هايديك على دماغك ويفرمك ، وافتكر كلامي كويس ..!

ثم أولته ظهرها لتمسك بمقبض الباب ، وقبل أن تديره تفاجئت به يجذبها منه ناحيته ، ثم لـــوى ذراعها خلف ظهرها ، وقربها إليه بشدة ، وأمسك بمعصمها الأخر بقبضة يده ، وحـــدق مباشرة في عينيها المذعورتين بنظراته المخيفة ، وابتسم لها ابتسامة شيطانية ، حاولت هي أن تتخلص من قبضتيه ، ولكنه لم يترك لها المجــال لكي تتحرك قيد أنملة من بين براثنه و...
-أوس بنبرة أقرب لفحيح الأفعى : لأ عاجبتيني الصراحة ، حقيقي مش قادر أنكر إني بتكيف من القطط اللي بتخربش زيك
-تقى بنبرة مرتجفة ، ونظرات خائفة : سـ.. سيبني ، ابعد عني يا كلب يا .. يا و***
-أوس بصوت رجولي خشن : أبعد .. ده أنا هاقرب أكتر وأكتر و.................................................. !!
في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،،،

بداخل مكتب السكرتارية ،،،،،

جلس عُدي على طرف مكتب السكرتيرة راندا ، ووضع يده بداخل جيب بنطاله ، وأمسك باليد الأخــرى ملفاً ما في يده ، ثم ..
-عدي متسائلاً بنبرة عادية : يعني هما معادهم معانا على الأسبوع الجاي
-راندا بنبرة هادئة وهي توميء برأسها : أيوه يا فندم ، واحنا مجهزين كل حاجة
-عدي وهو يمط شفتيه في هدوء : طيب كويس ، نكون كمان رجعنا من سفرية أسبانيا ...
-راندا بنبرة جادة ، ونظرات دقيقة : التذاكر والتأشيرات هتكون جاهزة على مكتب حضرتك بكرة إن شاء الله ، أنا كلمت مكتب السفريات وخلصت كل حاجة
-عدي بنبرة إعجاب : برافو عليكي يا راندا ، طول عمرك متمكنة من شغلك
-راندا بنبرة ممتنة : العفو يا فندم ، ده واجبي يا فندم ..!
-عدي لنفسه بفضول : أما أشوف الباشا أوس خلص حواراته مع البت البيئة دي ولا ايه النظام ..!

.....................................

بداخل مكتب أوس ،،،،،

حاولت تقى أن تتحرر من قبضتي أوس المحكمتين حولها ، وظلت تقاومه بحدة رغم ضعفها أمامه ، فإزداد رغباً بها ، و..
-أوس بنبرة ماكرة : متحاوليش ، مش هاتعرفي تهربي مني !
-تقى وهي تصر على أسنانها في قوة مصطنعة : ابعد وإلا قسماً بالله هصوت وأفضحك وألم عليك الناس

ضحك هو بضحكات عالية مستهينة بما قالته مما زاد من حنقها أكثر ، ثم شــد قبضته عليها أكثر ، ونظر مباشرة في عينيها بعينية القويتين ، و...
-أوس بنبرة متحدية : صوتي ، اضربي ، اعملي كل اللي انتي عاوزاه ، محدش هايقدر يعملك حاجة ، ولا هاينجيكي مني
-تقى بصراخ حــــاد : ابعــــــــد عني ، الحقووووني .. !
................................

في نفس اللحظة قام عــدي بفتح باب الغرفة ، وتسمر مكانه حينما رأى كلاهما على تلك الوضعية ..
حاولت تقى أن تستغيث مجدداً ، ولكن كان أوس الأسرع في تكميم فمها بكف يده بعد أن أرخاه عن معصمها ، و...
-أوس بصوت آمـــر وهو يشير بعينيه : اقفل الباب
-عدي متسائلاً بتوجس : في ايه اللي بيحصل هنا ؟؟!!
-أوس بحدة ، ونظرات نارية : اقفل الباب ، مش هاعيد كلامي كتير يا عُدي
-عدي على مضض : طيب

أوصـــد عدي الباب بالمفتاح ، بينما ظلت تقى تتلوى بجسدها مقاومة ذراعي أوس ، ومحاولة تخليص نفسها ، ولكن دون جدوى

اقترب عدي من أوس الذي لم يكف عن إلصاق تقى به ، ثم رمقه بنظرات حادة قبل أن يردف بـ ...
-عدي بنبرة منزعجة : انت اتجننت يا أوس ، ايه اللي بتعمله ده
-أوس بعدم اكتراث : محدش ليه حاجة عندي ، أنا أعمل اللي أنا عاوزه في أي وقت ، وفي أي مكان
-عدي بقلق واضح : بس كده غلط
-أوس بنفاذ صبر : يووووه .. وإهدي انتي كمان

كانت كل ذرة في كيان تقى ترتجف بذعـــر جلي ، خاصة وأنها تجهل ما قد يحدث لها ، هي لم تتوقع أن تكون في أحضان هذا المتوحش ، وعلى مرآى ومسمع من رفيقه الذي ربما يعاونه في الإعتداء عليها ..
مجرد توهم ما قد يصير لها جعلها تنتفض أكثر ، وتقاومه بكل ما أوتيت من قوة حتى لا تنهار في لحظة ، وتخسر الشيء الوحيد الذي تملكه .. الشيء الذي لا يمكن أن يعوض أبداً ..

إنزعج عــدي من تهور أوس والذي قد يؤدي إلى كارثة ما إن لم يتدخل فوراً ، لذا بدون تفكير قـــام بإمساك قبضتي أوس وأبعدهما عن تقى مما جعله يثور غاضباً ، و...
-أوس بنبرة هادرة : انت اتجننت ، إزاي تمسك إيدي كده !!

استغل عــدي جسده في الحــول بينه وبين تقى ، وقــام بدفعه نوعاً ما إلى الخلف بعيداً عنها ، و..
-عدي بنبرة قوية : فوق يا أوس ، اللي بتعمله ده مايصحش هنا ، انت عارف كويس احنا فين

تلاحقت أنفاس تقى ، وشحب لون وجهها بعد الذي عانته للحظات ، ووضعت يدها على صدرها تتحسس نبضات قلبها المتسارعة ..
كادت أن تسقط بعد أن شعرت بأن ساقيها لا تقويان على حملها ، ولكنها قاومت هذا الشعور بالإنهيار .. وأجبرت نفسها على التماسك حتى تهرب من هذا المكان ..
استغلت هي الفرصة ، وركضت في اتجاه الباب ، ثم أدارت المفتاح ، وفتحه ، وهرولت للخـــارج ووجهها يكاد يوحي بأنها رأت شبحاً للتو
...............................

تعجبت السكرتيرة من هيئة تلك الفتاة شعبية المظهر ، ونادت عليها بعد أن نهضت من على مقعدها بـ ...
-راندا بنبرة عالية وهي تشير بيدها : انتي يا .. يا آآ.. استني هنا

لم تستمع إليها تقى ، بل ركضت بأقصى سرعتها إلى الخــارج ، فأشارت راندا إلى حارس الأمن بإصبعها ، و...
-راندا بلهجة آمرة : روح وراها ، واتأكد إنها طلعت برا الشركة
-حارس الأمن بنبرة متشفية : أوامرك يا استاذة

كانت تقى ترتطم بكتفها بكل من تقابله في طريقها ، ورغم نظرات الاشمئزاز والاحتقار لها ، وكذلك بعض التوبيخات الحادة لتصرفها ، إلا أنها لم تهتم ، فشاغلها الأكبر هو الهروب من ذلك المكان ، والإبتعاد عن ذلك المتوحش الهمجي ..

نجحت تقى في الوصـــــول إلى بوابة الشركة ، وهناك تنفست الصعداء ، وشعرت إلى حد ما بأن روحها قد ردت إليها .. نظرت إلى هيئتها ، وتفحصت جسدها ، وتأكدت أن ملابسها لاتزال كما هي غير ممزقة و تغطي جسدها ، وأن حجابها – رغم ما حدث – مازال يخفي شعرها .. نظرت إلى معصميها فوجدت أصابع ذلك البغيض تاركة أثارها عليهما ، فظلت تفركهما بتشنج لكي تمحي تلك الآثار ....

.................................
بداخل مكتب أوس ،،،،

استشاط أوس غضباً بسبب ما فعله عدي ، وكاد يلكمه في وجهه ، ولكن نجح الأخير في تفاديه ، والسيطرة على غضبه ، و...
-عدي بحدة : أنا عاوز مصلحتك
-أوس بزمجرة غاضبة : وانت مالك باللي بأعمله ، انت بعمايلك خليت الزفتة دي تفلت مني ، وأنا كنت عاوز أكسرها
-عدي بضيق : الكلام ده احنا بنعمله برا ، مش هنا في الشركة
-أوس بصوت هــادر : يوووه ، أنا حـــر ، محدش يقدر يراجعني في اللي بأعمله

تنهد عــدي في إرهـــاق ، ثم أحنى رأسه للأسفل و...
-عدي بهدوء حذر : خلاص .. اهدى ، ماحصلش حاجة لكل ده
-أوس بضيق جلي : غبي ..

ظل أوس يزفر في غضب ، وجاب غرفته ذهاباً وإياباً وهو يحك رأسه المشتعل ، ثم توقف عن الحركة حينما لمح حافظة نقود بجوار الباب ، فســـار في اتجاهها ، ثم انحنى بجذعه للأسفل ، وأمسك بها ، وظل يتفحصها بنظرات دقيقة ، و...
-أوس بخفوت لنفسه : أكيد دي بتاعتها

سلط عدي بصره على أوس ، وأخذ يراقب أفعاله ، و...
-عدي متسائلاً بفضول : في حاجة ؟

استدار أوس بجسده ، ورمق عدي بنظرات نارية ، و..
-أوس بإقتضاب : مافيش .. أنا ماشي

ثم اتجه ناحية الأريكة ، وجذب سترته من عليها ، و مشى بخطوات أقرب للركض خارج غرفة مكتبه ....

.............................

لم تعرف تقى كيف ستعود إلى حارتها مجدداً ، فقد تخبطت في الطرقات ، وضلت الطريق ، فجلست على أحد الأرصفة ، ودفنت وجهها بين راحتي يدها ، وأخذت تجهش بالبكاء المرير ..
رأتها إحدى السيدات الوقورات ، فاقتربت منها ، و...
-سيدة ما بنبرة رقيقة : مالك يا بنتي

رفعت هي رأسها ، ونظرت إلى تلك السيدة بعينيها المنتفختين ، و...
-تقى ببكاء حـــار : ماليش .. ماليش

ثم دفنت رأسها مجدداً ، واستمرت في البكاء .. فربتت السيدة على كتفها ، و...
-سيدة ما بهدوء : اهدي يا بنتي ، كل مشكلة وليها حل
-تقى بتشنج : إلا مشكلتي ، مالهاش حل ، خلاص ، كل حاجة راحت ، كل حاجة ضاعت .. أمي والبيت ، وحتى أنا
-سيدة ما بنبرة إشفاق : لا حول ولا قوة إلا بالله ، يا بنتي خلي إيمانك بربنا كبير ، ربنا دايماً بيحب يختبر عبده ، عشان يشوف إن كان هيرضى ويحمده ، ولا هيغضب ويسخط ..
-تقى بنبرة منتحبة : بس .. بس احنا معملناش حاجة لحد ، إحنا غلابة أوي وراضين بحالنا ، بس آآ...
-سيدة ما مقاطعة بنبرة صافية : معلش يا بنتي ، اصبري واحتسبي عند الله ، وإن شاء الله كل حاجة هتتحل

حاولت تلك السيدة أن تخرج تقى من تلك الحالة البائسة ، ثم عرضت عليها مبلغاً من المال ، ولكنها آبت أن تأخذه ، و...
-سيدة ما بإصرار : يا بنتي ده مال الله طالع لله
-تقى بنبرة عنيدة : أنا مش عاوزة فلوس ، أنا عاوزة أمي تطلع من الضيقة اللي هي فيها
-سيدة ما بنبرة متفائلة : إن شــاء الله هاتطلع ، ادعي انتي ربنا ، واكيد هايستجيب ، ماهو سبحانه وتعالى بيقول أنا عند حسن ظن عبدي بي
-تقى بخفوت : ونعم بالله ...

قدمت تلك السيدة الطيبة هذا المبلغ الزهيد إلى تقى والتي أخذته على إستحياء حتى تتمكن من العودة إلى منزلها ، فقد تأخر الوقت ، وأوشك النهار على المغيب ، وهي حتماً لابد أن تعود من أجل أبيها وخالتها المريضة ...

......................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،
في غرفة نوم ناريمان ،،،،

تحركت السيدة ناريمان بعصبية في غرفتها وهي ممسكة بهاتفها المحمول ، و...
-ناريمان هاتفياً بنبرة غاضبة : بقولك هو شاكك إن كان في حاجة بينا
-ممدوح هاتفياً بنبرة واثقة : تخاريف يا نيرموو
-ناريمان بحنق وهي تشيح بيدها : دي مش تخاريف ، دي حقيقة ، ده كان ناقص بس يقولي اني نمت معاك
-ممدوح ببرود مستفز : ومـــاله .. يقول ، والشاطر اللي يصدقه
-ناريمات بحدة : انت مجنون ، عارف لو الكلام ده وصل لمهاب ممكن يعمل فيا إيه ؟
-ممدوح بعدم اكتراث : ولا يقدر يقول لمهاب ، ولا لغيره ، ولا في حاجة هاتحصل ، إهدي انتي بس
-ناريمان بتوتر واضح : مقدرش أهدى يا ممدوح ، دي حياتي ، وأنا مش هاستنى أما تتخرب ، لازم أتصرف
-ممدوح متسائلاً بهدوء وهو عاقد حاجبيه : ناوية تعملي ايه يعني ؟
-ناريمان وهي تبتلع ريقها في ارتباك : ناوية أنهي أي حاجة بينا ، أنا مش ناقصة !
-ممدوح بنبرة محذرة : إياكي يا ناريمان ، احنا اللي بينا مش من امبارح وبس ، لأ ده من سنين من أيام تهاني ، وأظنك فاهمة قصدي كويس
-ناريمان بقلق بالغ : أنا خايفة يا ممدوح ، هاموت من الرعب ، انت مش بتشوف نظراته ليا
-ممدوح بنبرة غليظة : بطلي عبط ، وركزي مع بنتك أحسن ، ماشي
-ناريمان بعدم اقتناع : طيب .. طيب
-ممدوح بهدوء : كلها كام يوم وهارجع مصر ، وساعتها هاحط أوس عند حده
-ناريمان بنبرة متعشمة : اووكي .. أما أشوف
-ممدوح بنبرة مغترة : متقلقيش ، ده أنا ممدوح الصاوي ..!!!
........................................

عــــادت تقى إلى الحارة ، وأطرقت رأسها في خزي وهي تسير بين المــارة ، وبالطبع لم تسلم من التلميحات المسيئة لها ولوالدتها ، وابتلعت - على مضض - كل هذا ، وخبأت وجهها بطرف حجابها ، وركضت مسرعة ناحية بنايتها لتختبيء في منزلها ..

طرقت تقى على باب المنزل عدة طرقات بعد أن قرعت الجرس لكي يفتح لها والدها الباب أو حتى خالتها ، ولكن دون جدوى ، فإنتفض قلبها ذعراً .. وأخذت تطرق على الباب بحدة ، و...
-تقى بنبرة عالية : بابا .. خالتي ، افتحوا الباب ، أنا .. أنا تقى

صمتت للحظة ، واسندت رأسها على الباب لكي تستمع إلى أي صوت ينبئها بوجود أحد بالمنزل ، ولكن كان الصمت هو المسيطر على الأجواء .. فتملكها الشعور بالتوجس الممزوج بالخوف ..
زادت تقى من حدة الطرقات ، و..
-تقى بنبرة مرتفعة : خالتي ... افتحي ( طق .. طق .. طق ) أنا تقى ، يا خالتي لو سمعاني افتحي ( طق .. طق .. طق )

وعلى إثر تلك الطرقات العنيفة ، فتحت الباب المقابل لهما إحدى الجارات ، والتي تدعى الحاجة إجلال ، ونظرت إلى تقى بنظرات متفحصة ، ثم ..
-إجلال بصوت ضعيف : مين اللي بيخبط

استدارت لها تقى بجسدها ، ورمقتها بعينين مرهقتين ، و...
-تقى بنبرة متلهفة : طنط إجلال ماشوفتيش خالتي تهاني ؟
-إجلال وهي تمط شفتيها في آسى : عيني عليها ، الظاهر إنها طفشت

جحظت مقلتي عين تقى الحمراوتين ، وفغرت شفتيها في صدمة ، و...
-تقى بصدمة : ايييه ؟؟ يعني ايه ؟
-إجلال بتنهيدة متعبة : أصل هي خرجت من غير ما حد ياخد باله منها ، وأبوكي طلع بعدها يدور عليها في الحارة كلها ، بس الظاهر إنه لسه ملاقهاش
-تقى بذعر وهي تلطم على وجنتيها : خالتي ضاعت ، يادي النصيبة اللي احنا فيها ، يادي الغلب ، طب أعمل ايه الوقتي ؟

زمت إجلال شفتيها في إشفاق ، ثم ..
-إجلال بصوت خافت : لا حول ولا قوة إلا بالله ، معلش يا تقى ، نصيبكم كده
-تقى بنبرة منتحبة : أقول لأمي ايه بس ، طب أتصرف أنا ازاي الوقتي
-إجلال بنبرة خافتة : خشي يا بتي شقتك وسبيها على الله ، شوية وتلاقي أبوكي جايبها وجاي
-تقى بنبرة راجية ، ونظرات متعشمة : يا رب أمين

تذكرت تقى أنها فقدت حافظة نقودها ، وليس معاها المفتاح الخاص بمنزلها ، لذا ..
-تقى بتردد : معلش يا طنط إجلال ممكن تشوفيلي شاكوش وأجنة أفتح بيها الباب لأحسن مفتاح نسيته
-إجلال بهدوء : طيب يا بنتي ... ثواني بس أشوف في عدة الحاج اللي جوا
-تقى بتنهيدة إرهاق : خدي راحتك يا طنط

غابت الحاجة إجلال داخل منزلها ، بينما جلست تقى على الدرج ، وأسندت مرفقيها على ركبتيها ، وظلت تطرق بكلتا يديها على رأسها ، وهي تلعن الظروف التي عصفت بحياتها ...

سمعت تقى صوت سيدتان تتحدثان على الدرج وهما تصعدان عليه ، فنهضت من مكانها ، ونفضت عباءتها ، ووقفت إلى جوار باب منزلها ..

وصلت السيدتين إلى الطابق المتواجد به منزل تقى ، وحدقت كلتاهما بها ، و...
-زينات متسائلة بجدية : مش ده بيت الست فردوس
-تقى بإندفاع : أيوه ، دي أمي ، أنتو تعرفوها ؟ هي .. هي كويسة ؟؟ طب هي اللي بعتاكوا ؟؟
-سعدية بنبرة حزينة : لأ يا بنتي ، ده احنا زمايلها في المصنع ، وكنا جايين نسأل عليها

تنهدت تقى في حـــزن ، ثم أطرقت رأسها للأسفل ، و...
-تقى بنبرة مريرة : هي لسه زي ماهي ، محجوزة في القسم
-زينات وهي تزم شفتيها في آسى : ربنا يفك ضيقتها ..

تبادلت كلاً من زينات وسعدية النظرات الغامضة ، ثم فتحت الأخيرة حافظة نقودها ، وأخرجت ورقة بيضاء مطوية ، ومدت يدها في اتجاه تقى و...
-سعدية بجدية : المهم عشان مانضيعش وقتك يا حبيبتي ، ده مبلغ صغير إحنا لمناه من بعض عشان خاطر أمك ، أهوو يساعدكم لحد ما تدبروا حالكم

أبعدت تقى كف يد سعدية ، وهزت رأسها في إعتراض ، و...
-تقى بخفوت : كتر خيركم ، مستورة والحمد لله
-سعدية بإصرار : يا بنتي أمك خيرها على الكل ، نيجي احنا وقت ضيقتها ومانقفش جمبها ، ده حتى عيبة في حقنا

اضطرت تقى آسفة أن تأخذ ذلك المبلغ المالي البسيط من زميلة والدتها ، فهي لا تملك أي شيء لكي توكل حتى محامٍ للدفاع عن والدتها ، وربما يعينها هذا المبلغ في فعل هذا ..

وقبل أن تنصرف كلتاهما ، استدارت زينات برأسها ناحية تقى ، و..
-زينات بنبرة حزينة ومتلعثمة : ومعلش قولي لأمك لما تخرج بالسلامة إن .. إنها تدور على شغل في مصنع تاني ، أصل .. أصلها اتـ.. آآ... اترفدت

أحنت تقى رأسها في خزي أكثر ، وأدمعت عينيها حزناً على مُصاب والدتها .. بينما تابعت زينات بـ ....
-زينات بنبرة راجية : معلش يا بنتي ، ربنا قادر على كل شيء .. سلامو عليكم

ثم أشـــارت لسعدية بعينيها لكي تنصرف كلتاهما ..
ظلت تقى متسمرة في مكانها ، غير مستوعبة كم المصائب الطائلة التي سقطت فوق رأسها ورأس عائلتها ....

خرجت الحاجة إجلال من منزلها بعدما أحضرت الأدوات المطلوبة لفتح باب المنزل ، وتعاونت مع تقى في فتحه ..
...............................

قـــــاد أوس سيارته بسرعة جنونية ، وظل يدور في حلقات مفرغة لكي يفرغ تلك الشحنة الغاضبة التي تسيطر عليه .. فتلك هي المرة الأولى التي تتحداه فتاة أقل ما يُقال عنها أنها لا تليق به .. ولكنها أثارت حنقه ، وأوصلته للجنون ..
ضرب المقود بقبضة يده ، ونظر إلى آثار عضتها المحفورة على كفه ، و...
-أوس بتوعد : مش هاسيبك من غير ما أكسرك ، مش هاسيبك ..!!!

سلط أوس بصره على حافظة نقودها الملاقاة على المقعد المجاور له ، ثم أمسك بها ، وظل يلفها في كل الاتجاهات ، و...
-أوس بنبرة ماكرة : استحالة تهربي مني

صف سيارته بجوار أحد الأرصفة ، وقام بفتح حافظة نقودها ، وتفقد محتوياتها ، فلم يجد إلا مبلغاً زهيداً من المال ، وكذلك بطاقة هويتها الشخصية ، وأيضاً مفتاح صغير ..
أمسك أوس بالمفتاح بإصبعيه ، وظل يقلبه في الهواء ، ثم ظهر شبح ابتسامة شيطانية على زاوية فمه ، و...
-أوس بنبرة لئيمة ، ونظرات متربصة : والفرصة جاتلي لحد عندي ...!

أدار هو محرك السيارة مجدداً ، ثم انطلق بها في اتجاه منزل تقى ...
.................................

في منزل تقى عوض الله ،،،

شكرت تقى الحاجة إجلال على مساعدتها لها ، ودلفت إلى داخل منزلها الذي أصبح موحشاً وكئيباً بعد رحيل جميع من فيه ..
ثم أغلقت باب المنزل بالمزلاج ، واستدارت بجسدها للخلف ، وجابت بعينيها كل ركن من أركان منزلها وهي تتذكر كيف كان ينبض بالحياة حتى الأمس القريب رغم صعوبة الظروف المعيشية الخاصة بهم ..
شعرت أنها غير قادرة على التحمل أكثر من هذا ، فإنهارت باكية بمرارة وآسى على ركبتيها ، وأحنت جسدها أكثر للأسفل ، وأخذت تضرب الأرضية بكفي يدها ...
ثم استسلمت لضعفها ، وتمددت بجسدها كلياً على السجادة القديمة الموضوعة على الأرضية ، وثنيت ركبتيها إلى صدرها ، و...
-تقى ببكاء مختنق : ليه كل ده يحصلنا ، ليه ؟؟ يا رب افرجها علينا ، يا رب ساعدنا ...!

أغمضت تقى عينيها في تعب ، وظلت دموعها تنهمر وتبلل وجنتيها ، ولفت ذراعيها حول نفسها ، وبدأت تغفو في مكانها بعد هذا اليوم المرهق .. ولكن تنبهت حواسها فجـــأة لذلك الصوت الذي يحاول فتح الباب .. ففتحت عينيها على عجالة ، واعتدلت في جلستها ، ثم فركت عينيها بكفي يدها ، ونظرت في اتجاه الباب ..
تأكدت هي بأن هناك من يحاول فتحه ، فعاد الأمــل إليها من جديد حيث ظنت أن والدها قد عــاد ومعه خالتها ، لذا نهضت عن الأرضية ، ونفضت خصرها ، وركضت مسرعة في اتجاه الباب ، ثم وضعت يدها على المزلاج وسحبته للخلف لينفتح الباب ، ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها حينما وجدته أمامها ، و.............................................. !!!
في منزل تقى عوض الله ،،،

اتسعت عيني تقى في صدمة ممزوجة بالرعب حينما وجدت ذلك المتوحش واقفاً أمام باب منزلها .. ، و...
-تقى بنبرة مذهولة : آآ.. انـ... انت !
-أوس بنبرة ماكرة تحمل في طياتها الوعيد : المرادي مش هاتعرفي تهربي مني

ابتلعت هي ريقها في خوف شديد ، وشعرت أنها قد أصيبت بالشلل التام ، حاولت أن تفتح فمها و تصرخ عالياً ، ولكنها لم تستطعْ بسبب تكميم أوس لفمها بكف يده ، وإحاطته لخصرها بذراعه الأخــر ..
قاومته تقى وحاولت أن تتحرر منه ، ولكنه قام بدفعها بجسده إلى الداخل ، وصفق الباب بقدمه ، ثم تراجع بها للخلف ولم يفلتها من قبضته ..
لاحظ أوس أن الباب لم ينغلق بسبب قفله المكسور ، لذا اضطر أن يترك تقى بعد أن دفعها بعنف على أقرب أريكة ، ثم ركض مسرعاً في اتجاهه لكي يغلقه ، ولكن تلك المرة بالمزلاج ..
سقطت تقى على الأريكة وتأوهت من الآلم ، وحاولت أن تنهض وتلحق به كي تفر من منزلها ، ولكنها كانت متأخرة الخطى .. فلم يكن أمامها سوى الاختباء منه حتى لا تتعرض لأذيته ..
-تقى بنبرة مذعورة : لالالالا .. انت .. آآآ..

استدار أوس بظهره ناحيتها ، ورمقها بنظرات جريئة أرعبتها ، و...
-أوس بنبرة مخيفة : أنا مش هاسيبك النهاردة

ركضت تقى في اتجاه غرفتها ، وحاولت أن تغلق الباب ، ولكن وضع أوس قدمه ليمنعها من غلقه ، فشهقت هي في فزع حينما لمحت طرف قدمه يبرز من الجانب ، و...
-تقى برعب جلي : عـــاااااا ... لألألأ .. ابعد عني ، الحقووني
-أوس بثقة : مش هتقدري تستخبي حتى مني ، وصوتي للصبح

ألقت تقى بثقل جسدها على الباب لكي تدعم في غلقه .. و...
-تقى بنبرة خائفة تحمل القليل من التهديد : امشي من هنا بدل ما ألم عليك رجالة الحارة

ضحك أوس بطريقة مستفزة ، ثم قرب رأسه من الباب ، و...
-أوس بخفوت مخيف : ولا مليون راجل هايقدر يحوشني عنك يا .. يا تقى

لم يحتاج أوس إلى أي مجهود مرهق لكي يتمكن من دفع الباب ومن خلفه تقى ..
فسقطت هي مجدداً على الأرضية ، وانفتح الباب على مصراعيه ، ووقف هو كالجبل الشامخ أمامها ، ثم حدجها بنظراته المتوعدة ..
-أوس بنبرة متحدية : مش قولتلك ، أنا مش هاسيبك النهاردة

نظرت تقى إليه بنظرات زائغة ، وظلت تهز رأسها في فزع ، واستعانت بمرفقيها لكي تزحف إلى الخلف ، في حين قام هو بالتقدم نحوها ، و...
-أوس بصوت أقرب للفحيح : ماتخلقتش لسه اللي تتحدى أوس

حاولت تقى أن تصرخ ، ولكن كان صوتها ضعيفاً مبحوحاً بسبب ما مرت به ، فإزدادت إرتجافتها ، وفكرت في أن تنهض من على الأرضية ، وتتجه ناحية أريكة خالتها ، وتقفز عبرها إلى النافذة المجاورة ..
وعلى ما يبدو أن أوس قد قرأ أفكارها ، فنظر إلى حيث نظرت بعينيها المذعورتين ، لذا أسرع في خطاه ، ثم جثى فوقها ، ومنعها من النهوض ، وأمسك بمعصميها ، ثم أرجعهما خلف رأسها ، وثبتهما على الأرضية ، وأخفض رأسه ناحية رأسها ، وحدق مباشرة في عينيها بنظراته القوية والجريئة ، بينما استمرت هي في تحريك جسدها لكي تتخلص منه ، فزاد هو من إحكام قبضته عليها ، و...
-أوس بخفوت : ماتقاوميش احسنلك ، لأنك مش هاتعرفي تفلتي مني

فشلت هي حتى في تحريك جسدها ، وعجزت عن تحرير معصميها ، بينما استمر هو في الضغط عليها بقوة آلمتها ، كما جعل عينيها تذرفان الدمع من شدة الآلم ..
-تقى وهي تشهق باكية : إهيء ..حرام عليك .. آآ.. ابعد عني .. إهيء ..

استمتع أوس برؤيتها خاضعة مرعوبة منه ، وشعر بنشوة الانتصـــار تسيطر عليه .. فأخذ نفساً عميقاً ، وزفره بتمهل شديد لتلفح تلك الأنفاس الحارة وجنتيها .. وكأنه يتعمد أن يقتلها بأنفاسه الكريهة ...
أشاحت بوجهها للجانب ، وحاولت أن تبعده قـــدر الإمكان عن أنفاسه ، بينما اقترب هو اكثر منها حتى أصبح فمه على بعد سنتيمترات من أذنها ، فهمس لها بـ ...
-أوس بخفوت : مافيش واحدة استعصت على أوس الجندي

أغمضت تقى عينيها وهي تستمع لفحيح كلماته ، كما دبت القشعريرة في أوصالها ، وارتجفت أكثر ، وحاولت أن تفلت منه ، ولكنه استمر في الضغط عليها ، وإبراز قوته الجسمانية ليشعرها بعجزها وضعفها وأنها مهما فعلت فهي تحت سيطرته ...
-تقى بنبرة مختنقة وضعيفة : حرام عليك ، أنا عملتلك ايه ، ابعد عني ، أنا .. انا آآ...
-أوس مقاطعاً بنبرة ثابتة : انتي هاتدفعي تمن غلطتك معايا ، وأنا مش بسيب حقي
-تقى بنبرة شبه منفعلة : أنا مغلطتش أصلاً

تعمد أوس أن يضغط أكثر على معصميها ليتلذذ برؤيتها تعاني ، و...
-أوس بحنق : لأ غلطتي ، يوم ما فكرتي تقفي قصادي ، فاستحملي بقى

بدأت الدمـــوع تنهمر من مقلتيها ، فالآلم أكبر من قدرتها على التحمل ، لذا نظرت إليه بعينيها المتورمتين ، و..
-تقى بنبرة مختنقة : أنا موقفتش قصادك ، أنا بس عاوزة أساعد أمي ، عاوزة أطلعها من المصيبة اللي مالهاش يد فيها ، صدقني والله ، وإن .. وإن كنت غلطت فأنا أسفة بس أرجوك سيبني ..!

لوى هو فمه في عدم اقتناع ، واستمر في التحديق في عينيها ، و...
-أوس باستخفاف : لا والله ، المفروض أصدقك
-تقى برجاء : والله ما بكدب ، أمي مظلومة ، أنا غرضي أساعدها ، وأنا قولتلك كده أنا مستعدة أعمل أي حاجة عشان اطلعها من اللي هي فيه
-أوس بنظرات وضيعة ، ونبرة ماكرة : وأنا مستعد إني أسامحك بس بشرط آآآ...
-تقى مقاطعة بخوف : لألألألأ .. أنا .. أنا آآآ...
-أوس مقاطعاً ببرود : مالك خايفة ليه ، مش ده اللي عاوزاه ، تلاقيكي بس مكسوفة تطلبي ، بس أنا آآآ....

لم يكمـــل أوس عبارته الأخيرة حيث سمع صوت قرع لجرس الباب ، فالتفت برأسه للخلف لينظر إليه ..
أرادت تقى أن تصـــرخ عالياً لتستغيث بالطارق ، ولكن أسرع أوس بضم معصميها بقبضة يد واحدة ، وكمم باليد الأخرى فمها ، ونظر إليها بنظرات محذرة ، و...
-أوس بنبرة صارمة : لو سمعت حسك مش هايحصل طيب

هزت تقى رأسها موافقة وهي تكاد تموت رعباً من أسفله ..
استمع كلاهما إلى صوت الجارة إجلال وهي تصدح بـ ....
-إجلال بنبرة عالية وهي تطرق باب المنزل : تقى يا بنتي ، افتحي يا حبيبتي ، أنا جيبالك العشا ، افتحي يا حبيبتي تلاقيكي على لحم بطنك من الصبح

ارتسمت ابتسامة متهكمة على زاوية فم أوس ، و...
-أوس بنبرة ساخرة : الظاهر إن خدمة الـ room service وصلت

حـــاولت تقى أن تتحدث ، ولكن كانت كف يده يضغط على شفتيها بقوة آلمتها ، فلم تستطعْ حتى أن تتنفس منه ، بينما استمرت الجارة إجلال في التحدث بــ....
-إجلال بإصرار : يا بت افتحي ، أنا عارفة إنك جوا ، خدي مني الأكل ، ده انتي أمك صاحبة واجب ، وأنا مش هامشي إلا لما أطمن عليكي

انزعج أوس بسبب إلحاح تلك الجارة على عدم الرحيل ، وفكر للحظة في طريقة للتخلص منها ، و...
-أوس بنبرة محذرة : شوفي يا قطة ، إنتي هاتفتحي الباب للولية الخرفانة اللي برا دي ، تزحلقيها بالراحة كده ، ولو بس فكرتي لثانية واحدة إنك تفتحي بؤك بكلمة ، أنا هانسفك إنتي وعيلتك وكل الحارة دي ،واظنك مجرباني

هزت هي رأسها مجدداً ، فتابع هو بـ ...
-أوس بنبرة أكثر صرامة : أنا هاشيل ايدي من على بؤك، وإنتي تقومي تفتحيلها ، وتطيريها ، فاهمة !
-تقى وهي توميء برأسها عدة مرات : ممممم...ممم..
-أوس بنبرة متوعدة : ولو عملتي حاجة غير كده ، أو أنا حسيت إنك ناوية على حاجة ، هتلاقيني طالع قدامك وهاقول إنك كنتي نايمة معايا جوا ، شوفي بقى الست جارتك هاتقول عنك إيه.. أقل حاجة إنك بت شمــال ، يعني هاتتفضحي

اتسعت عينيها في رعب وشحب لون وجهها في فزع وهي تتخيل وقع ما قد يقوله على سمعتها وسمعة عائلتها ..
أيقن أوس من نظراته المرتعدة أن مغزى رسالته قد وصلها ، لذا اعتلى ثغره ابتسامة انتصار ، و...
-أوس بنبرة إعجاب : كده انتي بتفهمي ..

ثم أزاح يده بعيداً عن شفتيها اللاتين ازدادتا إحمراراً بسبب ضغطه المستمر عليهما ، وارخى قبضته عن معصميها .. ثم ابتعد بجسده عنها ، ونهض عن الأرضية .. في حين لملمت هي شتات نفسها ، وإعتدلت في جلستها ، وفركت معصميها لتخفف من حدة الآلم ...
انحنى أوس بجذعه ناحيتها وهو ممدد لذراعه لكي يساعدها على النهوض ، فحدجته تقى بنظرات مشمئزة ، ورفضت أن تمسك بكفه ، ونهضت بنفسها ..

ســـارت تقى بخطوات مرتبكة وكادت أن تتعثر في مشيتها بسبب حالة الرعب المسيطرة عليها ..
تابعها هو بأعينه الثاقبة ، وتفحص جسدها بنظرات شهوانية طامعة ..
التفتت برأسها في فزع للخلف ، فوجدته محدقاً بها ، فإزدادت رعشتها المذعورة منه ، وأسرعت أكثر في مشيتها ..
وقفت تقى أمام باب المنزل ، وقامت بفتح المزلاج ، ونظرت إلى الجارة إجلال بنظرات خائفة ..
-إجلال بنبرة معاتبة : كل ده يا بنتي عشان تفتحي ، ده أنا إيدي وجعتني من كتر الخبط
-تقى بنبرة مرتعشة : آآ.. أصل .. آآ.. انا.. آآ.. يعني كنت آآ...
-إجلال مقاطعة بنبرة دافئة : خلاص يا بنتي مايهمكيش ، أنا عارفة الظروف والحالة اللي انتي فيها ..

ثم مدت يدها بالصينية الصغيرة المغطاة بـ ( مفرش ) صغير من اللون الأبيض و...
-إجلال بنبرة هادئة : خدي يا بنتي الأكل ده ، قوتي بيه نفسك بدل ما تقعي من طولك
-تقى بنبرة ضعيفة : أنا .. أنا .. مش عاوزة
-إجلال بإصرار : مش عاوزة إيه بس ، لازم تاكلي عشان صحتك ، وعشان خاطر أمك الغلبانة دي ربنا يفك سجنها
-تقى بإرهاق : بس . بس أنا
-إجلال مقاطعة بحزم : تقى هي كلمة ، خدي الأكل ، واتعشي ونامي كويس ، والصباح رباح إن شــاء الله ، وأكيد هتسمعي أخبار حلوة ، وأنا مش هاسيبك ، هافضل متبعاكي ، وكل شوية هتلاقيني عندك

خافت تقى إن أطالت أكثر في الحديث مع الجارة إجلال أن ينفذ أوس تهديده ، لذا أخذت الصينية منها وأمسكتها بيديها المرتجفتين ، و..
-تقى بنبرة متلعثمة : آآ.. مـ.. متشكرة أوي

انتظرت تقى للحظة حتى تبتعد الجارة عن الباب ، فأمسك بالصينية بيد واحدة ، ثم باليد الأخــرى أغلقت الباب ..
ولكنها شهقت في فزع وكادت تسقط الصينية من يدها ، حينما وجدت يد أوس تمتد عالياً لتغلق المزلاج ، و..
-أوس بخفوت : برافو عليكي ، كده تعجبيني

ثم مـــد يده الأخرى ليتناول الصينية منها ، وكشف الغطاء عنها ، و...
-أوس وهو يزم شفتيه في استغراب : ممممم... لأ واضح إن جارتك متوصية بيكي

بدأ يختطف أوس عدة لقيمات متنوعة من محتوى الصينية ، وهو يسير في اتجاه الأريكة التي تتوسط الصالة ، ثم جلس عليها بعد أن أسند الصينية على طاولة الطعام ..
وضع ساقه فوق الأخرى ، وأسند مرفقيه على مسندي الأريكة ، وسلط بصره على تقى .. و...
-تقى بنبرة راجية : لو سمحت ممكن تمشي بقى ، كفاية لحد كده ، أنا معنتش قادرة
-أوس بنبرة لئيمة ، ونظرات خبيثة : تعبانة ؟ طب ما أنا موجود وممكن أريحك !!

احتقن وجهها سريعاً بدماء الغضب الممزوجة بالحرج الشديد ، كما قطبت جبينها في إنفعال ، وأوشكت على أن تنهال عليه بوابل من السباب القوي والحاد ، وتتطاول عليه بالألفاظ النابية ، ولكنها منعت نفسها في أخـــر لحظة من الإندفـــاع حيث خشيت أن يتهور معها ، فأخذت نفساً مطولاً ، وزفرته على مهل ، و...
-تقى وهيتصر على أسنانها في حنق : من فضلك امشي
-أوس ببرود : مش قبل ما نتفق
-تقى بضيق : على ايه ؟
-أوس بلؤم وهو يغمز لها : على اللي انتي عاوزاه مني
-تقى بإندفاع : وأنا مش عاوزة حاجة خلاص ، أمي يتولاها ربنا ، وأنا هاتصرف وأشوفلها محامي يثبت برائتها
-أوس بسخرية : وانتي تقدري تأكلي نفسك لما هاتدفعي مصاريف محامي

ابتلعت تقى مرارة الإهانة ، ونظرت إليه بنظرات ثابتة و...
-تقى بتحدي : أنا هاتصرف ، دي حاجة تخصني ، وربنا مع المظلوم وهاينصره في الأخــر حتى لو بعد سنين
-أوس بنبرة رخيمة : طب وليه تستني سنين لما ممكن نحل الموضوع ده في كلمة ونص

إزداد حاجبيها إنعقاداً ، وارتسمت علامات الحيرة أكثر على ملامح وجهها ، و....
-تقى بعدم فهم : قصدك ايه ؟

نهض أوس عن الأريكة ، وتحرك في اتجاه تقى إلى أن وقف قبالتها ، و...
-أوس بنبرة جادة : مش انتي عاوزاني أطلع أمك من القضية دي فوراً
-تقى وهي تبتلع ريقها في توجس : ايوه
-أوس بنبرة هادئة ، ونظرات دقيقة : يبقى تدفعي تمن الخاتم اللي هي سرقته
-تقى وهي فاغرة شفتيها في صدمة : نعم ؟؟ أدفع تمنه منين ؟؟؟ هو إحنا حيلتنا حاجة
-أوس بنبرة متغطرسة : كويس إنك عارفة ده كويس ، عشان تشوفي أد إيه أنا كريم معاكي
-تقى بحيرة : أنا مش فاهمة حاجة
-أوس بنبرة جادة : انتي هاتشتغلي عندي وتسددي دين أمك في مقابل إني أطلعها من السجن
-تقى متسائلة بذهول : هـــاه .. آآ.. أشتغل عندك ؟!!
-أوس بنبرة مغترة : أيوه ..

ثم صمت للحظة ، واستدار بظهره ، وســـار مبتعداً عنها وهو واضع كلا يديه في جيبي بنطاله ، و...
-أوس مكملاً بجدية : من حقك ترفضي عرضي ده ، بس متلوميش إلا نفسك بعد اللي هاعمله في أمك

تخبطت تقى في أفكارها ، وشعرت أن رأسها يدور وهي تتخيل التطور السيء بل الأسوأ في حياتها وحياة عائلتها البائسة التي تحاول جمع شملها ..

ظل أوس مولياً إياها ظهره ، ولكن إزدادت ابتسامته الواثقة إتساعاً ، فهو متأكد من أنها ستقبل بعرضه المغري دون أدنى تفكير ، وهو لن يتهاون للحظة في إذلالها ، وكســـر كبرياؤها الذي تجرأ عليه ..

تنهدت تقى في حـــزن ، وأطرقت رأسها للأسفل ، ثم ...
-تقى متسائلة بنبرة متلعثمة تحمل المرارة : وانت .. آآ.. عــ.. عاوزني أشتغل ايه في شركتك ؟

استدار بجسده كلياً ليواجهها ، ونظر في عينيها مباشرة قبل أن يتشدق بـ ...
-أوس بنبرة استغراب : شركتي ؟!
-تقى بخفوت : أه ، مش انت هاتشغلني فيها ؟ بس أنا .. أنا مش عندي شهادات زي موظفينك ، وآآآ...
-أوس مقاطعاً بجدية : ومين قالك إنك هاتشتغلي في شركتي ؟!
-تقى متسائلة في حيرة ممزوجة بالقلق : أومــال .. انت .. انت عاوزني أشتغل في آآ...

صمتت تقى للحظة لتحاول جمع شجاعتها الغائبة ، وكذلك لدفع الكلمات للخروج من جوفها ، و..
-تقى متابعة بنبرة خائفة تحمل التحذير : أنا .. أنا واحدة شريفة وماليش في أي أفكار زبالة في دماغك
أرجع هو رأسه للخلف وهو يقهقه عالياً من الضحك ، و...
-تقى متسائلة في فزع : أنا واحدة شريفة و.. واستحالة أعمل حاجة تغضب ربنا ، أو .. أو أذل عيلتي وأحط راسهم في الطين
-أوس بنبرة ساخرة : حلو جو الشرف ده ، بجد كل شوية بتبهريني

أخـــذ هو نفساً عميقاً ، ثم زفره على عجالة ، و...
-أوس بنبرة متصلبة : أنا لو عاوزك هاخدك غصب عنك ، ومحدش هايمنعني منك ، بس أنا عاوز أكسرك ، عاوز أسففك التراب زي ما بيقولوا
-تقى بصوت مبحوح : ليه كل ده
-أوس بحدة ، ونظرات مشتعلة : مزاجي كده ، أشوفك مدمرة قدامي

أدركت تقى أنها لا تتحدث مع شخص طبيعي ، وإنما مع شيطان متجسد في هيئة بشري .. وهي قد وقعت في شباكه اللئيمة دون قصد ..

أرهقها كثرة التفكير ، فحسمت أمرها بـ...
-تقى متسائلة بحيرة : طب أنا .. أنا هاشتغل فين ؟
-أوس بهدوء قاسي : في القصر عندي
-تقي بنظرات متسعة من الذهول ، ونبرة متعجبة : قصرك !!
-أوس وهو يهز رأسه في هدوء : أيوه .. انتي هاتكوني زي ما تقولي كده .. الـ ... آآ.. الخدامة بتاعتي
-تقى بنبرة مصدومة : نعم ؟!!
-أوس ببرود : زي ما سمعتي ، انتي خدامتي في القصر وبس
-تقى بتردد : بس آآ..
-أوس بجدية : ده العرض بتاعي ، وده اللي يليق عليكي ، أنا هستناكي بكرة في عنواني ده ، لو جيتي يبقى أمك هاتخرج ، لو ماجتيش يبقى قولي على نفسك وعلى عيلتك يا رحمن يا رحيم

لم تنبس تقى بكلمة واحدة ، وظلت تتابع إنفعالات أوس المستفزة لها ، ونظراته الشامتة فيها في صمت مرير ..
اقترب هو مجدداً منها ، ووقف قبالتها ، وحدق في عينيها بنظرات ثابتة و..
-أوس بنبرة هادئة تحمل الوعيد : استعدي بقى للي جـــاي معايا ، سواء وافقتي أو رفضتي

أخفض هو عينيه ليتفحص جسدها بنظراته الجريئة ، فارتجفت هي منه ، وتراجعت خطوة للخلف ، ولفت ذراعيها حول صدرها ، فابتسم في تشفي ، و...
-أوس بغرور وهو يكور قبضة يده : حياتك بقت ملكي غصب عنك

ثم ســــار ناحيتها ، بينما استمرت هي في التراجع إلى أن استندت بظهرها على باب المنزل ، فإزدادت ابتسامته الشيطانية اتساعاً ، ومـــد إصبعه ليلمس طرف ذقنها ، فمالت هي برأسها للجانب لتتفاداه ، وبدأ جسدها يرتجف بشدة مجدداً ، فرمقها بنظرات متحدية ، و...
-أوس بخفوت مستفز : حظك الاسود وقعك في سكتي .. وأنا زي ما قولتلك مش هارحمك

أغمضتت عينيها لتتجنب النظر إليه ، وظلت تبعد وجهها عنه ، فنفخ هو في وجنتها بأنفاسه الحارة ليزيد من رجفتها التي تثيره ..
ضغطت تقى على عينيها بجفونها ، وأوشكت مقلتيها على ذرف الدموع ، ولكنها تحاملت على نفسها حتى لا تنهار باكية أمامه ، فيزداد تشفياً فيها ..
تابع هو التغيرات البادية على ملامح وجهها بفضول شديد ، ورغب في إذلالها أكثر ، فتشدق بــ...
-أوس بنبرة متوعدة تحمل الإهانة : استعدي للي جاي معايا يا .. يا بنت الـ ***

سقطت عبرة من عينيها عقب إهانته الأخيرة لها ، فلمحها ومد إصبعه ليمسحها عن وجنتها ، ففتحت عينيها في رعب ، وشهقت في فزع ، في حين رفع إصبعه المبتل بتلك العبرة أمام عينيه ، و...
-أوس بنبرة شامتة : بكرة تبكي بدل الدموع دي دم .... سلام يا .. يا قطة

ثم تراجع خطوة للخلف ، ورمقها بنظرات متأففة ، ومد كف يده ليقبض على ذراعها ، ثم تعمد غرس أظافره بقسوة فيه ليؤلمها ، فتأوهت من الآلم ، ونظرت إليه بنظرات راجية ممزوجة بالهلع حتى تركها ، ثم قام بدفعها بعيداً عن الباب ، و نظر لها شزراً ، و...
-أوس بنبرة واثقة : مستنيكي بكرة

ثم سحب المزلاج ، وفتح الباب ، ودلف للخـــارج وصفقه بقوة خلفه ، ولكنه ارتد مفتوحاً ، فارتمت هي بجسدها على الباب ، وقامت بغلقه سريعاً من المزلاج ، ثم انهارت تشهق وتبكي على الأرضية الصلبة لبرهة من الزمن ، و...
-تقى بنبرة مختنقة وهي تدفن وجهها بين راحتي يدها : أعمل ايه الوقتي ، معدتش قدامي حاجة اعملها غير .. غير إني أوافق أكون ... آآ.. خدامة عند الحيوان ده ........................................!!
غفت تقى في مكانها على الأرضية حيث إنهارت باكية بالأمس عليها ، ولم تستيقظ إلا على صوت الضوضاء اليومية لأهالي الحارة التي تقطن بها ..
شعرت تقى بأن عظامها تؤلمها ، تمنت لو كان كل ما تمر به مجرد كابوس ، ولكن للأسف الواقع كان أسوأ بكثير مما تعتقد ..
وضعت هي يدها خلف ظهرها لتتحسسه وتضغط على فقراته التي تصدر أنيناً داخلياً بسبب نومتها الغير صحيحة عليه .. ثم استندت بكف يدها على الأرضية لكي تتمكن من النهوض ..
تمطعت تقى بجسدها ، وفردت ذراعيها في الهواء ، ثم نظرت حولها وتذكرت ذلك الحوار الجريء والوقح مع هذا البغيض الذي بات لزاماً عليها أن تكون خادمته ..
تنهدت في آســى ، ثم سارت في اتجاه المرحاض لتغسل وجهها ، وتستعد ليومها المثقل بالهموم ...

..........................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

لم تصدق ليان عينيها حينما فتح أوس كف يده لترى خاتمها ذو الثمن الباهظ موضوعاً بداخل راحته ..
وضعت هي يديها على فمها المكتنز ، وارتسمت علامات الاندهاش الممزوجة بالسعادة على ثنايا وجهها ، ثم قفزت عدة مرات وهي تصرخ بـ ...
-ليان بنبرة عالية ، ونظرات متسعة : واو .. مش ممكن ، انت بجد رهيب يا أوس

ثم مدت يدها لتمسك بالخاتم ، ومن ثم ارتمت في أحضان أخيها ، وقبلته من وجنته بعد أن لفت ذراعيها حول عنقه ، و...
-ليان بنبرة ممتنة : ثانكس أوي يا أوس ، أنا مش مصدقة إنك عرفت ترجعه تاني ، بجد أنا فرحانة أوي أوي أوي

وضع أوس قبضتي يده على ذراعي أخته ، ثم أبعدها عنه ، ونظر مباشرة في عينيها بنظرات ثابتة ، و....
-أوس بنبرة مغترة : أنا أوس مهاب الجندي ، مش مجرد حد عادي والسلام
-ليان وهي تمط شفتيها في إعجاب : مممم .. بصراحة حقك تتغر بنفسك ، أنا لو زيك هاعمل أكتر من كده
-أوس بغطرسة جلسة : محدش عمره هايبقى زيي

أمسكت ليان بالخاتم بين إصبعيها ، وقربته من عينيها ، وظلت ترمقه بنظرات الاشتياق ، و...
-ليان بنبرة فرحة : واو .. زي ماهو الخاتم ، مافيش حاجة حصلته ..

ثم صمتت للحظة ، وتنهدت في ارتياح ، وتحركت بضعة خطوات للأمـــام و...
-ليان بنبرة هادئة : اووف ، أنا كنت خايفة مامي تعرف وتعملي حكاية

وضع أوس يديه في جيبي بنطاله ، وانتصب في وقفته ، و....
-أوس بنبرة جادة : خدي بالك بعد كده ، لأن لو اتكرر الموضوع أنا مش هادخل تاني
-ليان بعدم اكتراث : أوكي ... اوكي

لم تستدرْ ليان لأوس ، بل ركضت مسرعة في اتجاه غرفتها وهي تتمتم بكلمات خافتة ، ولكن قبل أن تختفي تماماً عن ناظريه ، التفتت إليه برأسها ، و...
-ليان بنبرة عالية : على فكرة احنا رايحين الساحل يومين قبل عيد ميلادي ، هاتيجي معانا ؟
-أوس باستغراب : الساحل ؟!
-ليان وهي توميء برأسها إيجابياً : أها ..
-أوس متسائلاً بنبرة جافة : وأنتو مين اللي رايحين بقى ؟
-ليان بنبرة متحمسة : أنا ومامي وجايدا صاحبتي ومامتها ، واحتمال كبير أونكل ممدوح لو جــه من السعودية

إزداد إنعقاد حاجبي أوس ، وضاقت عينيه ، ثم كور قبضة يده بعد أن أخرجها من جيبه و...
-أوس بنبرة شبه محتقنة : ممدوح ..!!!
-ليان مبتسمة ابتسامة صافية : اها .. مامي قالتلي انه راجع بالكتير على بكرة ، فـ sure هايحصلنا
-أوس بنبرة ساخطة : وطبعاً الدكتور مهاب مالوش في الليلة دي كلها

تلاشت ابتسامة ليان سريعاً ، وحــل محلها الجمود ، و..
-ليان بنبرة غير مبالية : بابي مش فاضي كعادته
-أوس بتهكم صريح : ايوه ، هو مش فاضي ، لكن سي ممدوح فاضي !
-ليان بنبرة متشنجة : على الأقل بيعوضني عن غياب بابي المستمر ، وبيعتبرني زي بنته

لــــوى أوس فمه في تأفف ، وأشاح بوجهه للجانب ، ثم ...
-أوس بنبرة خافتة تحمل السخط : مش انتي بس اللي بيعوضك ، ده أمك كمان
-ليان متسائلة بفضول : بتقول حاجة يا أوس ؟
-أوس ببرود : لأ .. روحي شوفي اللي وراكي

ثم حــــدق مباشرة في الفراغ أمامه ، و...
-أوس لنفسه بخفوت يحمل التوعد : وخليني أشوف أنا كمان اللي ورايا ..!

انصــــرف أوس مبتعداً عن الرواق ، بينما اختفت ليان داخل غرفتها وهي ترقص طرباً من السعادة ...

.....................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

خرجت تقى من المرحاض وهي تلف شعرها المبتل بالمنشفة ، ثم عدلت من وضعيتها على رأسها كي لا تسقط ، وقامت بغلق الأزرار الخاصة بقميصها القطني – ذو اللون الوردي – وشدته عن خصرها للأسفل قليلاً ..
ثم قامت بالإنحناء للأسفل لتفرد السجادة المثنية ، وتعيد ترتيب أثاث المنزل المبعثر ..
بعد برهـــة كانت هي قد انتهى من ترتيب كل شيء ، ونزعت عن شعرها تلك المنشفة ، وسارت في اتجاه غرفتها لتبدأ في تمشيط شعرها الطويل ، ثم عقصته كحكة ، وربطت حول شعرها ( إيشارباً ) قصيراً من اللون الأصفر ...
أمسكت هي بالمكنسة العادية وبدأت في ( كنس ) الأتربة وبعض الأشياء العالقة عن غرف المنزل ، وبعدها قامت بمسح الأرضيات كلها ..
حاولت تقى أن تلهي عقلها عن التفكير في كل ما مرت به ، ولكنها عجزت عن هذا ، فكيف تنسى والدتها وخالتها وأبيها .. الكل اختفى فجـــأة من حياتها .. وعليها أن تعيد لم شمل أسرتها من جديد ..

ثم قطع تفكيرها صوت قرع جرس الباب، فانتفضت فزعاً في مكانها ، وظنت أن ذلك البربري المتوحش قد عــاد إليها مجدداً .
أمسكت هي بالمكنسة جيداً ، وقبضت عليها بقوة ، وعقدت العزم على استخدامها كوسيلة للدفاع عن نفسها إن حاول الاقتراب منها ..

قـــرع الجرس مجدداً ، فتملكها الرعب ، وارتجفت أوصالها ، ثم هدأت تدريجياً حينما سمعت صوت ...
-الشيخ أحمد بنبرة قوية وهادئة : افتح يا عم عوض ، أنا الشيخ أحمد

تنفست تقى الصعداء ، وأغمضت عينيها في ارتياح ، ثم عاودت فتحهما ، وســارت بخطوات سريعة ناحية الباب ، وجذبت المزلاج لينفتح الباب على مصرعيه ، و...
-تقى بنبرة شبه متلعثمة : شـ.. شيخ أحمد

أجفل الشيخ أحمد بصره للأسفل ، وظل يحرك مسبحته بأصابعه في هدوء ، و...
-الشيخ أحمد بنبرة خافتة : السلام عليكم يا بنتي

حدقت تقى في الشيخ أحمد ، وشعرت نوعاً ما بالإطمئنان لوجوده ، و...
-تقى بتلهف : وعليكم السلام يا شيخ أحمد ، بابا اللي باعت حضرتك تطمن عليا صح ؟
-الشيخ أحمد بهدوء : للأسف لأ يا بنتي ، ده أنا جاي أسألك عنه ، هو مجاش الجامع من امبارح ، فأنا قلقت عليه ، و..آآ...
-تقى مقاطعة بخوف : يعني.. يعني حضرتك مش عارف عنه أي حاجة
-الشيخ أحمد بنبرة عادية : لأ يا بنتي ، هو عامل ايه ؟
-تقى بتوجس : بابا مش موجود من امبارح في البيت
-الشيخ أحمد متسائلاً بحيرة : ليه يا بنتي ؟
-تقى بنبرة مريرة : حضرتك عارف إن .. آآ.. إن ماما اتقبض عليها في قضية ظلم ، وآآ.. وخالتي بعدها تاهت مننا ، وبابا نزل يدور عليها ، وآآ.. وهو لسه مرجعش .. أنا .. انا افتكرت انه راح الجامع وبات فيه
-الشيخ أحمد بنبرة رخيمة : لأ يا تقى يا بنتي ، هو مجاش خالص الجامع ، وانا فضلت منتظره حتى في صلاة الفجر ، وقولت لما النهار يطلع أعدي أطمن عليه
-تقى بنبرة ممتنة : كتر خيرك يا سيدنا الشيخ
-الشيخ أحمد بنبرة جدية : طب انتي يا بنتي مش عاوزة حاجة ؟ مايلزمش اي خدمة أعملهالك
-تقى بنبرة حزينة : ادعيلنا يا شيخنا ربنا يفرجها علينا ، وينصر امي ويظهر الحق ، وينجينا من اللي احنا فيه
-الشيخ أحمد بنبرة راجية : ربنا يكرمك يا بنتي بالخير كله ويصلح حالك ، ويريح بالك ، ويفرج عنك كربك
-تقى بنظرات متوسلة ، ونبرة متعشمة : أميييين يا رب العالمين
-الشيخ أحمد بصوت رزين : طيب يا بنتي ، هاستأذن أنا ، ولو في جديد عرفيني
-تقى وهي تتمتم بخفوت : حاضر
-الشيخ أحمد بجدية : اقفلي الباب ، وأنا هاتوكل على الله ، سلامو عليكم

ثم أشــــار لها بيده وهي مطرق الرأس ، فأومــأت هي برأسها ، ودلفت إلى داخل منزلها ، وأغلقت الباب بالمزلاج ...

نزل الشيخ أحمد على درجات السلم وهو يعبث بمسبحته ، و...
-الشيخ أحمد بخفوت : اللهم يسر ولا تعسر ..!!

توقف هو عن النزول فجـــأة حينما لمح بزاوية عينه فتاة مــا صاعدة عليه وهي تتغنج في مشيتها وتتبختر بخيلاء ، ترتدي ملابس شبه فاضحة تظهر مفاتنها كأنثى و...
-رحمة بصوت أنثوي دافيء : عم الشيخ أحمد ، منور عمارتنا الكحيانة دي

حدجها الشيخ بنظرات مشمئزة قبل أن يخفض بصره للأسفل ، و...
-الشيخ أحمد بجدية : استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم

وضعت هي يدها في منتصف خصرها ، ومالت للجانب قليلاً ، ثم رمقت الشيخ بنظرات متفحصة قبل أن تتشدق بـ ...
-رحمة بتهكم : ايه يا عم الشيخ ، هو انت شوفت عفريت لا سمح الله ..

ثم صمتت لثانية قبل أن تهز كتفيها في غرور ، و...
-رحمة بنبرة مغرية تحمل الدلال : ده أنا رحمة ست البنات ، ونجمة الكليبات ، وموديل جامد في الإعلانات
-الشيخ أحمد بنبرة قوية وجافة : لا عفريت ، ولا غيره ، الله يهديكي يا بنتي

ثم تنحى للجانب قليلاً ، ونزل الدرج وهو يستغفر الله كثيراً ، فرمقته هيبنظرات متعالية قبل أن تتابع بـ ...
-رحمة بتهكم : ربنا يهديك ويهدينا يا سيدنا الشيخ ، كفاية انت تدعيلنا .....!!
...........................................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،،،

ظل عُدي يطرق بأصابع يده على سطح المكتب ، وباليد الأخرى وضع هاتفه المحمول على أذنه، و...
-عدي لنفسه بضيق : اوووف ، انا مش عارف انت مجتش ليه !!

انتظر عدي أن يُجيب أوس على اتصاله ، ولكن دون جدوى ، فعاود المحاولة مجدداً ، فأجاب عليه الأخير بـ...
-أوس هاتفياً ببرود : خير
-عدي بنبرة منفعلة قليلاً : ايه يا أوس ، انت فين كل ده ؟ عندنا النهاردة آآ....
-أوس مقاطعاً بغير اكتراث : ششش .. اهدى يا عُدي ، أنا مش جاي النهاردة

نهض عُدي عن المقعد ، وحدق أمــــامه بصدمة ، و...
-عدي بنبرة مذهولة : نعم ؟
-أوس ببرود مستفز : زي ما سمعت ، أنا مش جاي

إزداد انعقاد ما بين حاجبيه ، وجلس على المقعد الجلدي ، و...
-عدي متسائلاً بفضول : طب ليه ؟
-أوس بهدوء : عندي شغل
-عدي متسائلاً بحيرة أكبر : شغل ايه ده ؟؟ حاجة أنا معرفهاش !!
-أوس مبتسماً بثقة : يعني
-عدي بفضول شديد : حاجة ايه دي ، ما تقول يا سيدي
-أوس بإقتضاب : بعدين هاقولك
-عدي وهو يزم شفتيه في انزعاج زائف : ماشي ، براحتك ، بس كله مع الوقت بيبان
-أوس بنبرة جافة : أنا مش فاضي ، سلام

تعجب عُدي كثيراً من حالة أوس الغريبة ، وألقى بهاتفه على سطح المكتب ، و...
-عدي بحيرة : غيابك ده يا أوس وراه حاجة خطيرة ، وأنا لازم أعرفها ..!!
............................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،،

وقفت السيدة ناريمان أعلى الدرج ، وأمسكت بالدرابزون ، و...
-ناريمان بنبرة عالية وآمرة : حد يجي ينزل الشنط بسرعة
-خادمة ما بنبرة مرتبكة : حــ.. حاضر يا هانم

ثم ركضت مسرعة على الدرج لكي تنفذ أوامر ربة عملها ...

دلف أوس خــــارج غرفته وهو مرتدي لبنطاله القماشي الرمادي اللامع ، ومن الأعلى قميصه الأبيض الذي يبرز عضلات صدره القوية ، وترك أزراره مفتوحة ، ووقف يرمق والدته بنظرات استنكار ، و...
-أوس بنبرة قانطة : واضح انك مستعجلة أوي

انتفضت ناريمان في مكانها ، واستدارت ببخلف لتجد ابنها الأكبر أوس يرمقها بتلك النظرات المهينة ، فابتعلت ريقها في توتر ، و...
-ناريمان بنبرة متلعثمة : آآ.. قصدك ايه ؟
-أوس بنبرة متصلبة : انتي فهماني كويس أوي ، مافيش داعي نضحك على بعض
-ناريمان بنفاذ صبر : يوووه ، انت كل شوية هاتتكلم بالأسلوب اللي بينرفز ده معايا
-أوس ببرود مستفز ، ونظرات قاسية : بكرة يجي اللي يروق بالك ، ويعدل مزاجك ..
-ناريمان وهي تبتلع ريقها في توتر : آآآ.. أنا .. محتاجة أغير جو ، مخنوقة أوي ، باباك مش سائل فيا ، ايه مش من حقي أفك عن نفسي شوية
-أوس بنبرة فجة ، ونظرات ساخطة : من جهة انك هاتفكي ، فأنا متأكد أوي انك هتعملي ده
-ناريمان بحدة : اخرس ، انت ولد مش متربي ، وسافل وآآ...
-أوس مقاطعاً بصرامة : تربيتك انتي وصديق العيلة ، تحبي أقول تربيتكم كانت عاملة إزاي؟
-ناريمان بإنفعال : بطل كلامك ده ، مش هاتعيده كل شوية عليا ، أنا أصلاً غلطانة اني بأقولك أي حاجة عني ، أنا ماشية

ثم اتجهت ناحية الدرج ، ونزلت عليه وهي تحاول إخفاء علامات الارتباك التي بدت واضحة للعيان على كل ذرة في كيانها ...
تبعها أوس بنظراته القوية والمشتعلة من الغضب ، و...
-أوس لنفسه بنبرة محتقنة : مش هانسى أبداً اللي عملتوه انتو الاتنين فيا وفي أبويا ، ولا في ..آآآ.... ...!!!
-ليان مقاطعة بفضول : ايه ده هو انت بتكلم نفسك يا أوس ؟

إزدادت ملامح وجهه عبوساً ، وضاقت عينيه أكثر ، و...
-أوس بنظرات حادة ، ونبرة جامدة : نعم ؟

استغربت ليان من حالة أخيها المنزعجة ، و...
-ليان بنبرة عادية : في ايه ؟ مال وشك قلب كده ؟
-أوس ببرود : عادي ، مافيش
-ليان بعدم اهتمام : اوكي براحتك ، أنا مسافرة مع مامي خلاص ، عاوز حاجة يا أوس
-أوس بإيجاز : لأ..
-ليان بنبرة متحمسة : واو .. أنا متوقعة ان السنادي هاتكون special ( مميزة ) على الأخـــر ، فسح وبارتي ، وسفر .. واو
-أوس وهو يلوي فمه في استهزاء : ده مع سقوطك
-ليان بضيق جلي : نعم ؟ سقوطي ؟؟
-أوس بتهكم : ماتنسيش ده كمان ، حطيه في الليستا ( القائمة )
-ليان بإنزعاج : خلاص يا أوس ، كفاية أوي ، انت قفلتني على الأخـــر

ظلت ليان تغمغم بخفوت وهي تسير مبتعدة عنه ، بينما استدار هو عائداً إلى غرفته ، و...
-أوس لنفسه بنبرة جادة ، ونظرات مترقبة : لسه الدور جاي على القطة ، أما أشوف هاتعمل ايه معايا !

.........................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

بدلت تقى ثيابها ، وارتدت عباءتها السوداء ، ثم مشطت شعرها بيدها ، وعقصته برباط مطاطي ، وارتدت الحجاب على رأسها ، وتنهدت في توتر ، و...
-تقى لنفسها بقلق : يا رب عديها على خير ، أنا مضطرية أروح للحيوان ده عشان خاطر أمي وبس ..

تأملت هي البيت من حولها ، وشعرت بغصة في حلقها ، ووضعت يدها بعد أن كورتها على صدرها و...
-تقى بتوجس : قلبي مش مطمن للي ممكن يحصل ، بس مافيش قدامي إلا كده

أحضرت تقى حقيبة بلاستيكية سوداء ، ووضعت بها حافظة نقودها الصغيرة ، ثم منشفة قماشية صغيرة ، وعباءة منزلية فضفاضة قديمة تخص والدتها ، ثم أغلقت الحقيبة ، وانحنت بجسدها للأسفل في اتجاه فراشها لتبحث عن حذائها ، فلم تجده ، ثم جثت على ركبتيها لتبحث أسفل أريكة خالتها ، وبالفعل وجدته ، فمدت يدها وسحبته للخارج ، ثم نهضت عن الأرضية ، واعتدلت في وقفتها ، وارتدته ، ثم أخذت نفساً عميقاً ، و...
-تقى بتوتر : يا رب نجيني من أي شر ، يــــا رب

طوت هي الحقيبة البلاستيكة ، وأغلقت الإضاءة الخاصة بالغرفة ، ودلفت إلى خـــارج منزلها ، واستعانت بقفل خارجي لتتمكن من غلق الباب المكسور ..
ثم توجهت ناحية منزل الجارة إجلال ، وقرعت الجرس ، وانتظرت بجواره ..
بعد لحظات فتحت لها الجارة إجلال الباب ، و...
-إجلال باستغراب : تقى ! خير يا بنتي

مـــدت تقى يدها بنسخة من مفتاح القفل ، و...
-تقى بنبرة حزينة : اتفضلي يا طنط المفتاح ده بتاع القفل اللي أنا حطاه على الباب ، لو بابا جه من برا اديهوله

أخـــذت الجارة إجلال المفتاح ، وقبضت عليه بكف يدها ، ونظرت إلى قى بحنو و...
-إجلال بنبرة دافئة : حاضر يا بنتي ..
أخفضت الجارة إجلال عينيها للأسفل لتجد حقيبة بلاستيكة في يدها ، فعقدت حاجبيها في استغراب ، و...
-إجلال وهي تزم شفتيها في خفوت : ايه الشنطة دي ؟

قبضت تقى على الحقيبة أكثر بأصابعها ، ونظرت إلى جارتها بإرتباك ، و...
-تقى بنبرة متلعثمة : آآآ... أنا .. أنا رايحة شغلانة جديدة
-إجلال باستغراب : شغلانة ؟؟!! هو انتي سبتي معهدك ؟
-تقى وهي تبتلع غصة ما في حلقها : حاجة زي كده
-إجلال بنبرة آسفة : معلش يا بنتي ، الله يعوض عليكي
-تقى بنبرة مخزية : يا رب ، المهم ماتنسيش يا طنط المفتاح معاكي أهوو
-إجلال بنبرة واثقة : اطمني يا تقى ، أنا واخدة بالي كويس
-تقى بنبرة ممتنة : كتر خيرك يا طنط

أمسكت تقى بالدرابزون ، ونزلت إلى الأسفل وهي تكاد تموت رعباً مما هي مقبلة عليه .....
....................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

أعطى أوس أوامر مشددة لحراسة القصر بالسماح لخادمة جديدة تدعى تقى عوض الله بالمرور إلى الداخل فور وصولها ، وظل هو في غرفة المكتب السفلية ينتظر قدومها بفارغ الصبر ..
لم يكف هو عن التحديق في ساعة الحائط تارة ، وفي ساعة هاتفه المحمول تارة أخرى ..
-أوس لنفسه بتوعـــد : يا ويلك لو فكرتي ماتجيش ، هاتكون حياتك جهنم

دلفت إحدى الخادمات إلى داخل غرفة المكتب بعد أن سمح لها بالدخول ، ثم أسندت صينية صغيرة بها فنجان من القهوة الساخنة على سطح المكتب ، وانصرفت مسرعة دون أن تنطق بكلمة ..

راقب أوس النافذة بأعين ثاقبة كالصقر ، ثم زفر في انزعـــاج ، و...
-أوس لنفسه بضيق : هو أنا هافضل أفكر فيها كتير ، بس مافيش واحدة استعصت عليا ، أنا هاكسرها ، وهاتشوف ...!

.............................

ترجلت تقى من الحافلة وهي تسب وتلعن هؤلاء المتحرشين الأوغـــاد الذين يتعمدون تلمس أجساد النساء وسط الزحـــام ، ثم عدلت من وضعية حجابها المتدلي ، وســـارت بخطوات أقرب للعدوْ في اتجاه القصر ..
مع كل خطوة كانت تخطوها ، كان قلبها يزداد خفاقاً وإرتباكاً .. حاولت أن تستعيد رباطة جأشها ، وتبقى صامدة حتى لا تظهر ضعيفة منكسرة أمامه فيشمت بها ، ويذلها أكثر ..

توقفت تقى أمام بوابة حديدية عملاقة مغطاة بالزجاج الغير شفاف ..
حدقت هي في تلك البوابة الشاهقة بأعين متسعة ، وشعرت فجــأة أن حلقها قد جف تماماً ، لذا وضعت يدها على عنقها ، وظلت تفركه في توتر .. و...
-تقى لنفسها بنبرة مرتعدة : استرها عليا يا رب ، أنا مش عارفة مستخبيلي ايه جوا القصر ده .. كن يا رب السند ليا جواه ، عيني على الناس اللي عايشة فيه

ثم تنهدت في قلق ، وســـارت بخطوات متثاقلة في اتجاه البوابة ..
لمحت تقى بعض الحرس الخاص من ذوي الأجســـاد الضخمة والعريضة فنظرت إليهم بتوجس شديد ، ثم اقتربت من أحدهم على استحياء ، و...
-تقى بنبرة خافتة ، ونظرات مرتبكة : آآ.. لـ... لو سمحت

انتبه لها الحارس – جمال - ذو الحلة الرسمية ، ورمقها بنظرات متفحصة لهيئتها الشعبية الغير مناسبة بالمرة لطبيعة قاطني تلك المنطقة المعروفة للجميع ، و...
-جمال بنبرة متصلبة : عاوزة ايه ؟
-تقى بتوتر وارتباك : أنا .. آآ.. قصدي .. يعني ، مش ده بيت أوس بيه
-جمال وهو يلوي فمه في امتعاض يحمل السخرية : نعم ، بيت !! قصدك قصر أوس باشا
-تقى وهي تبتلع ريقها في توجس : آآ.. لا مؤاخذة .. هو .. هو المفروض عارف إني جاية
- جمال بإستهزاء : ليه إن شاء الله ؟؟؟

انتبه حــــارس الأمن الأخـــر – ويدعى أحمد - لتلك الفتاة ذات المظهر الغير لائق ، وتذكر تعليمات أوس الصارمة بشأن مجيء فتاة ما تحمل صفات مقاربة لها ، فاضطربت ملامحه ، و...
-أحمد : لأحسن تكون هي ، أووبا لو الباشا عرف إنها جت وإحنا طنشناها

ركض الحارس أحمد في اتجاه زميله ، ووضع يده على ظهره ، فانتبه الأخير له ، ثم مــال أحمد على أذنه ، وهمس له بــ...
-أحمد بقلق : سيبها يا جمال ، أنا هاتعامل معاها

حدجه جمال بنظرات حادة قبل أن يتابع بـ ....
-جمال متسائلاً بنبرة رسمية : انت تعرفها ؟
-أحمد بجدية : لأ طبعاً ، بس واضح من شكلها إنها اللي الباشا أوس قايل عليها

اضطربت ملامح وجه الحارس جمـــال ، وانتصب في وقفته ، ثم رمق زميله بنظرات منزعجة ، و...
-جمال بنبرة شبه هلعة : طب أنا هاتصل بالأمن الداخلي وأبلغه بإن آآآ..

لم يكمل هو جملته الأخيرة حيث التفت برأسه ناحية تقى ، و...
-جمال متسائلاً بنبرة جادة : انتي اسمك ايه ؟
-تقى بتردد : آآ.. أنا .. انا تقى عوض الله

أمسك جمـــال باللاسلكي الذي يحمله في يده ، وقربه من فمه ، ثم بدأ يتحدث فيه بكلمات مقتضبة حول هوية تقى ومواصفاتها ، ثم ...
-حارس أمن ما بصوت جاد : دخلها أوام ، الباشا منتظرها
-جمال بهدوء : ماشي

أشـــــار جمال برأسه لزميله أحمد ، فأومىء الأخير برأسه موافقاً ، ثم اتجه ناحية مبنة صغير ملحق بجوار البوابة ، وقام بالضغط على عدة أزرار لتنفتح البوابة قليلاً ، ثم أشــــار جمال بعينيه الجادتين لها ، و...
-جمال بصوت آمـــر : خشي جوا ، هتلاقي اللي هيوديكي عند الباشا
-تقى بنبرة مرتجفة : مـ... ماشي

ثم ســــارت نحو البوابة ، ومرت عبرها ، وبالفعل وجدت حارسي آمن ضخام البنية في انتظارها ، ثم قاموا بإصطحابها عبر ممر طويل مصنوع من الطوب الرخامي إلى البوابة الرئيسية للقصر ..
اختلست تقى النظرات طوال سيرها لتتأمل ذلك المكان الضخم الذي ستعمل به ..
لم يأتْ ببالها أبداً أنها ستعمل في مكان أقرب إلى الجنة في هيئته ، ولكن شاءت الأقدار أن تكون فيه ..
ورغم الجمال الآخـــاذ لهذا المكان إلا أن قلبها كان ينبض بالخوف الشديد مما ستواجهه .. فهي قد أصبحت فريسة سهلة في عرين ذلك الوحش ، وعليها أن تواجهه بكل ما أوتيت من قوة ....

بعد دقائق قليلة ، توقف الحارسان أمام بوابة خشبية عريضة ذات ألوان ذهبية براقة ، واستدار أحدهما برأسه ناحية تقى ، و...
-الحارس بنبرة رسمية : هنا هايستقبلك الباشا
-تقى بإرتباك واضح : مـ.. ماشي

قرع الحارس الأخـــر جرس الباب ، ثم أشـــــار لزميله بعينيه لكي ينصرف معه ، و...
-الحارس الأخر بنبرة جادة : دورنا انتهى لحد كده
-الحارس الأول بهدوء : يالا بينا على البوابة ، أوامر الباشا إننا نوصلها لحد هنا ، وبس
-الحارس الأخر بجدية : طب يالا

ثم تركاها الاثنين بمفردها ، وســـارا مبتعدين عنها ، فتابعتهما بقلق شديد ..
كانت تقى ترتعد بشدة في داخلها ، وظلت تنظر حولها في قلق بالغ ..
تريد أن تهرب ، أن تفر قبل أن يُفتح الباب ، ولكن سرعان ما زاد توترها الممزوج بالفزع حينما سمعت صوت صرير الباب و...................................................... !!!!!!
في منزل الجـــــارة أم بطة ،،،،

بدأت الفتيات صغيرات السن – واللاتي تتراوح أعمارهن ما بين الخامسة عشر والسابعة عشر – في التوافد على منزل الجارة أم بطة من أجل المشاركة في حفل الحنــــاء الخاص بالعروسة فاطمة ، والتي يناديها الجميع باسم شهرتها ( بطة ) ..
كانت معظمهن ترتدين عباءات فضفاضة أو إسدال للصلاة ، وريثما صعدن إلى هناك ، قامت الغالبية منهن بنزع ملابسهن ، وارتدين بدلاً منها ملابس تكشف أنوثتهن المبكرة ..

جلست بطة في المنتصف بعد أن ارتدت قميص حمالات قصير يظهر أنوثة طاغية مبكرة ، والتفت حولها الفتيات ، وبدأت امرأة ما كبيرة في السن بـ ...
-سيدة بنبرة عالية : يالا يا بت انتي وهي سمعونا الزغاريد لأحلى عروسة في الحتة كلها

وضع الجارة أم بطة كف يدها أمام فمها ، ثم بدأت في إطلاق الزغاريد ، و...
-أم بطة بصوت مسموع للجميع : لووووولووووولي ، عقبال عندكم جميعاً ، لوووولووولي ، ابدأي يا سيدة يالا ، خلي البت تنور قدام عريسها
-سيدة بنبرة مرحة : اه طبعاً ، وهو في زي عروستنا في جمالها ، ولا حلاوتها ، ده كله طبيعي ورباني ، مدي ايدك يا عروسة خليني أشوف شغلي
-بطة بنبرة خجلة : ماشي
-سيدة بصوت صادح : هيصوا يا بنات ، وزأططوا ، لوووولووولي ، سمعوني الزغاريد

تسابقت الفتيات في إطلاق الزغاريد المصحوبة بالضحكات الرقيعة ، ثم اتجهت إحداهن ناحية المسجل ، وبدأت في تشغيل بعض الأغاني الصاخبة ، وهنا تعالت التهليلات ، والتصفيقات ، وبدأت جميعهن في التباري في إظهار موهبة الرقص لديهن ..

جزت بطة على أسنانها بسبب الآلم المصاحب لتجميلها ، وأدمعت عينيها قليلاً ، فاقتربت منها والدتها ، وهمست لها بـ ...
-أم بطة بنبرة خافتة : معلش يا عروسة ، علقة تفوت ولا حــد يموت
-بطة بنبرة متآوهة : آآآآآه .. مش قادرة يا ماما
-أم بطة بإصرار : يا بت انشفي كده ، أومـــال هاتعملي ايه مع عريس الهنا . ههههههههههه !!
-سيدة بنبرة سعيدة : وربنا هايشوف الهنا والسعد على ايد عروستنا
-أم بطة بنبرة راجية : يا رب ياختي
-سيدة بنبرة عادية : شوفيلنا كده الحاجة جهزت يا ست أم بطة عشان أكمل شغلي
-أم بطة بنبرة متلهفة : على طول أهوو ... !!

ثم ســـــارت بضع خطوات للأمــــام ، واستدارت برأسها لتتابع الفتيات اللاتي يميل بأجسادهن في دلال ، و...
-أم بطة بنبرة عالية : سكتوا ليه يا بنات ، يالا زغرطوا ، وهيصوا كده ، دي بطة مش أي حـــد

تعالت الزغاريد مرة أخــرى ، واستمرت الفتيات في إظهار مواهبهن في الغناء والرقص ...

....................

توجهت الجارة أم بطة إلى المطبخ ، ولحقت بها إحدى الجارات ، ثم نادت عليها ، و...
-سكينة بنبرة مرتفعة : يا أم بطة ، يا أم بطة

انتبهت لها أم بطة ، ووقفت قبالتها ، و..
-أم بطة وهي ترفع أحد حاجبيها في حيرة : خير يا سكينة

أسندت هي كف يدها على كتف أم بطة ، و...
-سكينة بنبرة أقرب للهمس : عاوزاكي في كلمتين

إزداد انعقاد حاجبيها ، وتبدلت ملامح وجهها للقلق السريع ، و...
-أم بطة متسائلة بتوجس : هو في حاجة ؟ ماتنطقي يا ولية قلقتيني
-سكينة بنبرة أقرب للهدوء : لأ يا ختي اطمني ، والله مافي حاجة تخوف
-أم بطة بنبرة آمرة : طب اتكلمي على طول ، انتي هاتنقطيني بالكلام
-سكينة بنبرة هامسة : انتي قولتي لبتك على اللي بيحصل في ليلة الدخلة ؟

ارتفع حاجبي الجارة أم بطة في صدمة ، و...
-أم بطة فاغرة شفتيها : هــــاه
-سكينة بصوت أقرب للفحيح : بنات اليومين دول خبرة وعارفين كل حاجة من الدش والنت ، وآآآ...
-أم بطة مقاطعة بحدة : أنا بنتي مش بتاعة الكلام ده ، أنا مربياها كويس
-سكينة وهي تلوي فمها في امتعاض : وهو أنا قولت حاجة عيب لا سمح الله ، ده أنا بس بوعيكي ، لازم البت تبقى داخلة على نور وفاهمة كل حاجة
-أم بطة بإقتضاب : جوزها يبقى يفهمها .. فضينا من الكلام الفاضي ده !

ثم وضعت يدها على ظهر الجارة سكينة ، ولكزتها برفق ، و...
-أم بطة بإنزعاج : ويالا لأحسن اتأخرنا على الجماعة اللي برا

زمت هي شفتيها في عدم اقتناع ، ورفعت أحد حاجبيها ، و....
-سكينة على مضض : طيب..!!

.......................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

فُتح باب القصر على مصراعيه ، فارتجف جسد تقى بشدة ، وتراجعت خطوة للخلف وهي تبتلع ريقها في هلع ، ثم حدقت بعينيها المذعورتين في تلك السيدة ذات الملامح الصارمة والجادة و التي فتحت لها ، في حين رمقتها الأخيرة بنظرات متفحصة أرعبتها أكثر ، و.....
-عفاف متسائلة بجدية وهي تشير بعينيها : انتي تقي ؟

لم تجبها تقى بل اكتفت بإيماءة خفيفة برأسها ، بينما تابعت مدبرة القصر عفاف حديثها - وهي ترمقها بنظرات احتقار - بـ ....
-عفاف بلهجة آمــرة وهي تشير بإصبعها : طيب تعالي ورايا ، بس امسحي الشوز بتاعك الأول هنا
-تقى بخفوت : حـ.. حاضر

خطت تقى فوق السجادة الصغيرة المخصصة لمسح الأحذية ، ثم ســـارت بخطوات مرتبكة في اتجاه ردهــــة القصر الواسعة ..
تأملت بعينيها ذلك الصـــرح الضخم ، فالبهو حقاً متسع ومثلما تراه في الأفلام ، كما تتخلله بعض الأعمدة الجرانيتية البراقة والمتراصة بطريقة هندسية بحتة ، والأرضية لامعة للغاية فهي تكاد ترى انعكاسة جسدها عليه ، أما الحوائط فألوانها زاهية ، ومزدانة بلوحات شهيرة رسمها فنانون عظمــاء ..
حبست تقى أنفاسها ، وتبعت تلك المدبرة ذات الملابس الرسمية إلى حيث ســـارت ، ثم استدارت فجــأة برأسها للخلف ، و....
-عفاف بلهجة آمرة رغم هدوئها : استني هنا لحد ما أبلغ الباشا بوجودك
-تقى بصوت مبحوح : طـ... طيب

طرقت المدبرة عفاف الباب بطرقات خفيفة ، ثم فتحته ، ودلفت إلى الداخل وأغلقت الباب من خلفها .. في حين وقفت تقى في مكانها محاولة استيعاب ما يحدث ..
لوهلة شعرت هي بإرتجافة باردة تتسرب إلى جسدها ، فجعلتها تنكمش أكثر على نفسها ، وتقبض أكثر على حقيبتها البلاستيكية ...
التفتت حولها لتمعن النظر أكثر في هذا القصر المهيب ، وأعجبت بتصميمه الفريد ، وأثاثه الباهظ ، ولكن اتسعت عينيها بدرجة كبيرة حينما رأت صورة مكبرة لهذا البغيض تتوسط أحـــد الجدران ، وإلى جواره أشخاص يشبهونه في هيبته إلى حد كبير ، ولكنها لا تعرفهم .. فابتلعت ريقها في خوف ، ولم تحيد ببصرها عن الصورة و...
-تقى لنفسها بإرتعاد : ايه اللي أنا بأعمله ده ، أنا.. جيت هنا ليه ؟ أيوه .. عشان خاطر أمي ، بس .. بس أنا مش مطمنة خالص ، أنا .. انا خايفة منه .. شكله يخوف بصراحة ،

سيطر الرعب على تقى ، ولم تتمالك أعصابها أكثر من هذا ، و...
-تقى لنفسها بقلق بالغ : أنا مش لازم أفضل هنا .. أنا هاشتغل في أي حتة تانية ، لكن وجودي هنا لوحدي غلطة كبيرة أوي لازم أصلحها بسرعة .. كان فين مخي وقت ما وافقت على ده

لملمت تقى نفسها ، واستدارت بجسدها كلياً للخلف ، وســـارت مهرولة في اتجاه الباب الذهبي الضخم .. ولكنها كادت أن تتعثر في خطواتها حينما سمعت صوته الرجولي يصدح من خلفها بــ....
-أوس بلهجة صارمة : استني هنا ، أنا أذنتلك تمشي ..!!!!

.......................................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،،

طرقت السكرتيرة باب مكتب عُدي ، فسمح لها بالدخـــــول ، فتحركت ناحيته بخطوات ثابتة ، وهي تحمل في يدها بعض الملفات ، ثم وقفت إلى جوار مقعده ، و..
-السكرتيرة بنبرة ناعمة : اتفضل يا مستر عدي ، دول أوراق الصفقة الجديدة
-عدي بهدوء : تمام
-السكرتيرة بنبرة رقيقة : هنحتاج لتوقيع أوس باشا كمان
-عدي وهو قاطب جبينه : مممم... طيب
-السكرتيرة متابعة بنبرة عادية : وقت ما الباشا يوصل هاخد منه التوقيع ، وبعد كده هابعت العقود وملفات الصفقة لمحامي المجموعة عشان يطلع عليهم ، ويتأكد من آآآ...
-عدي مقاطعاً بجدية : إزاي هاتبعتي العقد للمحامي بعد التوقيع ، مش المفروض قابله يا أستاذة !
-السكرتيرة بتوتر : آ.. أوس باشا ، مـ.. متوعد بعد ما بيوقع على العقود بيبعتها تتراجع عشان لو في جزئية فاتته

لم يقتنع عدي بما قالته السكرتيرة ، لذا حدجها بنظرات جامدة قبل أن يردف بـ .....
-عدي بنبرة رسمية : سيبيلي الورق ده كله هنا ، وأنا هاشوف هاعمل ايه فيه
-السكرتيرة بنبرة معترضة : بس كده الورق هيتأخر و..آآ...
-عدي بصرامة : يتأخر ولا يولع ، ده مايخصكيش ، أظن إن أنا فاهم شغلي كويس
-السكرتيرة بإرتباك : أكيد يا فندم ، عــ.. عن اذنك

تنحنحت السكرتيرة في حـــرج ، ثم استدارت بجسدها واتجهت ناحية باب الغرفة .. بينما تابعها عدي بنظرات حادة قبل أن يعاود النظر إلى تلك الأوراق ..
-عدي لنفسه بسخط : ورق ايه اللي يتبعت للمحامي بعد ما يتوقع ! افرض كان فيه مصيبة !!!
.........................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

تسمرت تقى في مكانها ، وأغمضت عينيها في خوف ، وصرت على أسنانها في فزع ، وانحنت قليلاً للأمـــام ..
-تقى لنفسها برعب : انا كده ضعت

أقبل أوس عليها ، ووقف على بعد عدة خطوات منها ، و...
-أوس بلهجة صارمة للغاية وهو يحدجها بنظراته القوية : انتي مش حرة نفسك عشان تمشي وقت ما تحبي

لم تجبه تقى ، بل ظلت مطرقة لرأسها ، وعضت على شفتها السفلي أكثر بسبب توترها الشديد منه ..
أشــــار أوس للمدبرة بإصبعيه للخلف لكي تنصرف ، وبالفعل تركتهما بمفردهما وعادت إلى المطبخ ، ثم عقد ساعديه أمام صدره ، و...
-أوس بنبرة جافة : لو كنتي اتأخرتي شوية كمان ، كنت هاخليكي تيجي زحف ليا

زفرت تقى في ضيق ، وظلت مولية إياه ظهرها .. بينما أمعن هو النظر إلى تفاصيل جسدها ، وأخفض بصره حتى وصل إلى خصرها الغير بارز بسبب تلك العباءة الواسعة ، وجــابه بعينيه ، ثم نــزل ببصره إلى ساقيها ، وحاول أن يتخيلهما من أسفل تلك العباءة المستفزة إلى أن وصــل إلى ( شبشبها ) البالي ، فلوي فمه في تهكم ، ثم تشدق بـ ...
-أوس بهدوء ذو مغزى : هاتفضلي مدياني ظهرك كده كتير ، ده حتى جسمك من ورا شكله آآآ....

رفعت هي رأسها للأعلى وحدقت أمامها بأعين متسعة ، فقد فهمت أن وراء كلماته الجريئة تلك نوايا شيطانية ، فانتفضت فزعة ، وارتعدت في مكانها .. و..
-تقى لنفسها برعب : ده .. ده قصده إنه آآ.. يعني هو آآ.. بيبص على آآ..

انكمشت تقى على نفسها ، وقبضت أكثر بأصابعها على حقيبتها البلاستيكية ، وضمت كتفيها للأمــام ، ولم تلتفت إليه .. بينما اعتلى ثغر أوس ابتسامة وضيعة حيث أدرك أن الغرض من كلماته المقتضبة قد وصـــل إليها ..

ثم ســــار بخطوات ثابتة – غير مسموعة – ناحيتها حتى لم يعد يفصلهما سوى خطوة واحدة فقط ..
فأخذ نفساً عميقاً ، وزفره على مهل ، وتعمد أن يصل إلى وجنتها لتشعر هي بقربه الشديد والمخيف منها ، و...
-أوس بنبرة أقرب للخفوت وتحمل الإهانة: اللي بيدخل عندي مش بيطلع إلا لما دوره يخلص عندي ، وأرميه في الشارع ، زيك بالظبط .. للمكان اللي جيتي منه

أبعدت هي وجهها وتحركت خطوتين للأمام لتتجنب هواء فمه الذي يزيد من اضطرابها ، ثم استجمعت شجاعتها بعد تلك الإهانة المريرة التي تلقتها منه ، و...
-تقى بنبرة تحمل القليل من الكبرياء : وأنا مش هاستنى أما اللي زيك يرميني ، أنا ماشية من هنا ، واللي عندك اعمله ، أنا آآآآ...

ولم تكمل جملتها الأخيرة حيث تفاجئت به يقبض على ذراعها ، ويعصره بقبضة يده بقوة و....
-أوس وهو يصر على أسنانه بحدة : أنا مخلصتش كلامي عشان تمشي بدون إذني
-تقى وهي تتأوه من الآلم : آآآه .. سيب دراعي

قبض هو أكثر على ذراعها ، ولواه خلف ظهرها ، ثم اقترب أكثر منها حتى كاد أن يلتصق بها ، فدبت قشعريرة رهيبة في كل ذرة في كيانها ، وحاولت جاهدة أن تحرر نفسها منه ، ولكنه لم يترك لها الفرصة لتفلت من قبضته القاسية ، ثم صـــر هو على أسنانه ، و...
-أوس بنبرة جامدة ، ونظرات ضيقة : متخلقتش لسه اللي تقول لأوس لأ ...!

حاولت هي أن تحرك ذراعها ، فتسبب هذا في إيلامها أكثر ، وبدأت عينيها تدمعان قليلاً ، و...
-تقى بنبرة شبه متحشرجة : انت ايه ؟؟ بتفتري على الأضعف منك كده ليه ؟ سيبني أروح لحالي حرام عليك !!

قست ملامح وجهه أكثر ، وضيق عينيه ، ثم ...
-أوس بنبرة قاسية : عشان ماينفعش مع أمثالكم إلا كده ، الرحمة للي زيكم نعمة ، لكن أنا مش هاخليكي لا انتي ولا غيرك يحسوا بيها حتى ، هاحول حياتكم لجحيم ، جهنم بالنسبالكم تبقى جنة ..!

إزدادت حدة الآلم في ذراعها ، وباتت على وشـــك الإنهيار ، فهي تحاول أن تبدو قوية ، ولكنها فقدت هذا الشعور ، فتملكها الإنفعال الشديد ، و...
-تقى بصراخ هـــادر : بس بقى ، كفاية ، عارفة انك جايبني هنا عشان تذلني ، وأنا وافقت على ده ، بس مش عشانك ، عشان خاطر أمي ، انت مش هتعرف قيمة الأم لأن اللي زيك معندوش قلب ، مش هايحس بـ..آآآ...
-أوس مقاطعاً بحدة : أيوه أنا معنديش احساس ولا عمري هاحس بأي مشاعر تجاه أي حد حتى الأم ، انا بكره اللي زيكم ، بستنى أي فرصة عشان أفعصكم تحت جزمتي ، وآآآ....
-تقى مقاطعة بزمجرة عالية : عمرك ما هاتقدر ، حتى لو عملت ايه ، انت بتفتري بس على الضعيف بجشمك، وفي يوم هايجي الأقوى منك وهيدوس عليك في لحظة ، ووقتها محدش هايقف جمبك
-أوس بتذمر شديد : اخـــرسي ، الكلام ده أوهـــام ، مش هايحصل ، وهاتشوفي

ثم لـــــوى ذراعها أكثر حتى كاد أن يكسره ، فصرخت هي عالياً بطريقة هيسيترية مفزعة من الآلم مما دفع مدبرة القصر للتدخل فوراً ، حيث اقترب من أوس ، وحاولت إزاحة يده عن قبضتها ، و...
-عفاف بنبرة قلقة : أوس باشا ، اهدى من فضلك ، البنت كده ممكن يحصلها حاجة ، وتعمل مشكلة .. من فضلك يا باشا

واستمرت هي في التوســل إليه ولكنه لم يهتم برجائها ، فقد كان شاغله الأكبر هو أن يتلذذ بتعذيب تلك البائسة ..
رن هاتفه المحمول فاضطر أخيراً أن يترك تقى بعد أن نظر إلى اسم المتصل على الشاشة ، لذا أرخى قبضته عنها ، وحدجها بنظرات متوعدة و...
-أوس بنبرة غليظة : راجعلك تاني
لم تكف هي عن البكاء المصحوب بالأنين .. وظلت تشهق بصوت مكتوم ..

ثم ترك كلتاهما وانصـــرف غاضباً في اتجاه غرفة مكتبه .. بينما ظلت تقى تنتحب وهي تفرك معصمها من الآلم .. لقد رأت أثـــار أظافره مغروسة فيه مما أصابعها بخدوش بارزة عليه ..
أشفقت المدبرة عفاف على حـــال تقى ، و...
-عفاف بنبرة متوجسة ، ونظرات آسفة : تعالي معايا

لفت المدبرة عفاف ذراعها حول كتف تقى ، واصطحبتها معها إلى المطبخ ...

.......................................

في السيارة الخاصة بعائلة الجندي ،،،،

كانت علامات التوتر الممزوجة بالإنزعـــاج مرسومة جلية على وجه السيدة ناريمان ، و...
-ناريمان لنفسها بقلق : لازم ممدوح يتصرف ، أنا مش هافضل لوحدي في القلق ده ، تلميحات أوس وكلامه ممكن يقلب بمصيبة ، أنا مش هاقدر أستحمل حرقة الأعصاب دي

جلست ليان إلى جوار والدتها وعلى ثغرها ابتسامة رقيقة .. كانت هي ممسكة بهاتفها المحمول ، وتبادل أحد ما رسائل نصية من نوع خاص ..
حاولت ليان أن تبدو حذرة في تصرفاتها أمام والدتها حتى لا تشك في امرها ..
وضعت هي هاتفها على الوضعية الصامتة ، وبدأت تقرأ الرسالة التالية الخاصة و...
(( عــاوز أشوفك على الطبيعة ، أنا خلاص هاتجنن عليكي ، نفسي فيكي أوي ))

ازدادت ابتسامتها اتساعاً ، و..
-ليان لنفسها بخفوت : مجنون يا فارس ، طب أرد عليك بإيه

ظلت هي حائرة للحظات تفكر في رد ما لكي ترسله إليه ، ثم توصلت إلى كتابة الرد التالي ....
(( ما أنا حاطة صوري على الفيس ، وكلها على طبيعتي ))

ثم ضغطت على زر الارســـال ، واستدارت برأسها للجانب لتتابع الطريق ، ولكن بالها مشغول بما سيكتبه حبيبها الخفي فارس في رسالته التالية إليها ..
وبالفعل لم تمر سوى بضعة ثوان حتى اهتز هاتفها معلناً عن وصــول رسالة أخرى ، فضغط عليها ، وقرأت ما أرسله ....
(( لأ أنا عاوز أقابلك بجد ... ليوو أنا مش هاقدر أكتم مشاعري أكتر من كده ، أنا بحبك ))

تنهدت هي في سعادة خفية حينما قرأت اعترافه بحبه لها .. لم تتوقع أن يحبها أي أحـــد بجنون مثلما فعل هو معها ..
هي لم تقابله من قبل ، ولم تعرف عنه أي شيء سوى ما يكتبه في الحياة الإفتراضية على مواقع التواصل الإجتماعية ... ورغم هذا سيطر عليها كلياً ، وشغل تفكيرها بدرجة لم تتخيلها ...

...............................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،،،

إطلع عُدي على الملف الموضوع أمامه ، ثم أرجع رأسه للخلف بعد أن أمالها للجانبين يميناً ويساراً ، و...
-عدي بنبرة مرهقة : أوس لازم ياخد باله من الشرط الجزائي ده ويقراه كويس ، لأنه أوفـــر عن المعتاد ..!

نهض بعدها عن مقعده ، ثم جمع أوراق الملف ووضعها في الحقيبة الجلدية ذات الماركة الشهيرة ، ووضع هاتفه في جيب سترته بعد أن ارتدائها ، ثم التقط مفاتيح سيارته بإصبعيه ، و...
-عدي لنفسه بجدية : يدوب ألحق أديه الملف ، وأرجع الفيلا أغير عشان سهراية بالليل ..!

ثم اتجــــه إلى خـــارج مكتبه ، ومـــر عبر مكتب السكرتارية ، ورمق المتواجدين به بنظرات حادة قبل أن ينصرف تماماً ....

..........................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

جلست تقى تبكي على المقعد المجاور للطاولة التي تنتصف المطبخ بعد أن وضعت حقيبتها البلاستيكية عليها ، وظلت تنتحب في آسى مرير .. راقبتها المدبرة عفاف بنظرات تحمل الإشفاق ، ثم تنهدت بعمق ، واتجهت ناحية البراد لتعد لها شراباً بارداً ..

اقتربت عفاف منها بعد أن انتهت من تجهيزه ، وأسندت الكوب الزجاجي أمامها ، و...
-عفاف بنبرة دافئة : خدي يا بنتي اشربي الليمون ده

رفعت تقى رأسها للأعلى قليلاً لترمق المدبرة عفاف بأعينها الدامعة ، و..
-تقى بنبرة مبحوحة : مش عاوزة حاجة ، كتر خيرك
-عفاف بإصرار : لأ اشربيه ، ده كويس عشانك ، وهيهديكي

ثم أمسكت بالكوب ، ومدت يدها في اتجاهها ، وأجبرتها على إرتشاف بضع قطرات منه ..
نظرت لها تقى بإمتنان ، ثم ارتشفت منه مرة أخرى ، و...
-تقى بصوت ضعيف : أنا .. أنا عاوزة أمشي من هنا
-عفاف بنبرة شبه جادة : للأسف مش هاينفع ، أوس باشا لازم هو اللي يقرر ده بنفسه ، وإلا آآآ...

ثم صمتت عفاف لتتابع ردة فعل تقى التي لم ترمش للحظة رغم امتلاء مقلتيها بالدموع ، و...
-عفاف متابعة بنفس النبرة الجدية : أنا مش عاوزة أقلقك ، بس صدقيني أحسنلك تنفذي أوامر أوس باشا عشان تتقي شره
-تقى بنبرة حزينة : هو بيعمل كده ليه ؟ أنا معملتش فيه حاجة ؟ أنا عمري أصلاً مافكرت أذيه أو حتى آآ...
-أوس مقاطعاً بنبرة غليظة : ولا هاتقدري في لحظة إنك تفكري في ده ..!

انتفضت تقى فزعاً من مكانها وسقط الكوب الزجاجي من يدها التي ارتجفت بشدة حينما رأته أمامها فتهشم إلى أجزاء صغيرة بعد أن أحدث دوياً عالياً ...

أشـــــار أوس بإصبعيه للمدبرة عفاف لكي تنصرف من المطبخ ، فأومـــأت الأخيرة برأسها ، وسارت مسرعة نحو الخـــارج ..

تملك الخوف كل جزئية من كيان تقى ، وجحظت بعينيها وهي تنظر إلى عينيه الجامدتين ..
لوى أوس فمه قليلاً ، وارتسم على ملامح وجهه علامات الوعيد ، فانقبض قلبها أكثر ، وإزدادت رجفته .. و...
-أوس بنبرة باردة : الوقتي نقدر نتفاهم

ابتلعت تقى ريقها ، وحاولت أن تتراجع للخلف لتترك مسافة كبيرة بينها وبينه تمكنها من الفرار إن قرر مباغتتها أو التعرض لها .. ولكنها تعثرت في مشيتها وهي تتراجع للخلف ، وعلق رغماً عنها إحدى فردتي ( شبشبها ) في المقعد ، فأصبحت قدمها اليمنى حافية ، وخطت فوق القطع الزجاجية المتناثرة دون وجود أي حائل يمنع تعرضها للجرح ..

رمقها أوس بنظراته المخيفة ، وتفحصها جيداً ، و...
-أوس بنبرة شبه جامدة : أنا قولتلك قبل كده إنك مش هاتمشي من هنا إلا لما أخد حسابي منك ومن عيلتك ، وإنتي لسه مادفعتيش اللي عليكي
-تقى بتلعثم ، ونظرات خائفة : بـ... بس آآ..

أشـــــار لها أوس بكف يده لكي تصمت ، وحدجها بنظرات قوية ، و..
-أوس بنبرة متصلبة : ماتكلميش قبل ما أديكي الأمر بده ، غير كده تخرسي خالص ..! فاهمة !!!

أومـــأت برأسها إيجابياً في خوف ، وتراجعت ببطء للخلف ..

شعرت تقى بآلام حادة في باطن قدمها ، وعضت على شفتها السفلى وهي تتألم ، وتحاملت على نفسها حتى لا تجعل ذلك البغيض يشعر بما تعانيه فيزداد تشفياً فيها ...

كان أوس على وشـــك الحديث مجدداً ، ولكن رن هاتفه المحمول الموجود في جيب بنطاله ، فوضع يده بداخله ، وأخـــرجه ، ثم نظر إلى شاشته ، وضغط على زر الإيجاب ، ومن ثم وضعه على أذنه ، ونظر إلى تقى بنظرات جامدة وهو يجيب بـ ...
-أوس هاتفياً بنبرة قاتمة : ألوو .. في ايه ؟
-عدي هاتفياً بنبرة جادة : أيوه يا أوس ، انت موجود في القصر ؟

ظل أوس محدقاً في تقى بنفس النظرات المخيفة ، فابتلعت هي ريقها في توجس أشــد ، وحاولت أن تسحب قدمها بعيداً عن الزجاج المحطم وهي تجاهد لعدم التأوه من الآلم ..
-عدي هاتفياً بإهتمام : انت معايا ؟ أنا بسأل انت لسه موجود في القصر ؟
-أوس بإقتضاب وهو ينظر شزراً لتقى : اه .. ليه بتسأل ؟
-عدي بجدية : في حاجة مهمة تخص الشغل ، وأنا محتاج أتكلم معاك فيها قبل ما توقع على الورق زي تملي
-أوس بإنزعاج : طب ما تقولهالي في التليفون
-عدي بنبرة رسمية : لأ مش هاينفع ، أنا عشر دقايق وهاكون عندك
-أوس على مضض : بقولك ايه ؟ استنى ، أنا آآآ...
-عدي مقاطعاً بجدية شديدة : لأ مش هاتستنى ، باي

زفـــــر أوس في ضيق ، ثم أخفض رأسه قليلاً ، ووضع يده على رأسه ، ومررها في خصلات شعره ، و...
-أوس لنفسه بنبرة ضائقة : مش وقتك خالص ، وأنا أصلاً مش عاوزك تشوف الزفتة دي هنا ، مش ناقص أسئلة مالهاش لازمة ..!

تابعت هي عن كثب التغيرات المتوترة البادية عليه ، ونظرت إليه بنظرات زائغة .. وفجـــأة وجدته يرفع عينيه في اتجاهها ، فاضطربت على الفور ، وارتجفت أكثر و....
-أوس بنبرة منزعجة : حظك إنك فلتي النهاردة مني..
ثم رمقها بنظرات مشمئزة قبل أن يتابع بــ..
-أوس بحدة وهو يشير بيده لحقيبتها البلاستيكية : لمي الزبالة بتاعتك من هنا ، و بكرة تكوني عندي من الساعة 1 الضهر ، فاهمة ...!!!!!

هزت هي رأسها عدة مرات لتعلن موافقتها على ما قاله للتو ، فاليوم قد نجت ببدنها من براثنه ..
ســارت هي بخطوات بطيئة على مقدمة أصابع قدمها اليمنى في اتجاه الطاولة لتلملم أشيائها ، ولكنها تسمرت في مكانها حينما وجدته يجذب حقيبتها من على الطاولة ، وجحظت عينيها في ذهول حينما وجدته يفتحها لينظر إلى محتوياتها وعلى ثغره ابتسامة سخيفة بعد أن أسند هاتفه المحمول على الطاولة ، و...
-أوس بنبرة تحمل الإهانة : أمثالك إنتي وأمك لازم يتفتشوا تفنيش ذاتي ، محدش عارف ممكن في ثانية تسرقوا ايه

ابتلعت هي مرارة الإهانة ، واحتقنت عينيها من الغضب ، وكورت قبضة يدها في إنفعال ..
لقد كان آلم الإهانة أشــــد وطـــأة عليها من هذا الآلم الموجود بباطن قدمها ..

أخــــرج أوس العباءة المنزلية ، وأمسكها بطرف إصبعيه ، ورفعها عالياً في الهواء وهو يرمقها بنظرات متأففة ، و...
-أوس بنظرات احتقار ، وبنبرة استهزاء : ايه القرف ده ؟!
-تقى بصوت مبحوح : لـ... لو سـ.. سمحت سيب الجلابية بتاعة ماما

قهقه أوس عالياً بطريقة مستفزة ، و...
-أوس بنبرة تحمل التهكم : جلابية أمك !! قولي خرقة ، حتة قذارة ، أي حاجة تانية

ثم قـــام أوس بالإمساك بتلك العباءة بكلتا يديه ، ومزقها بكل برود وقسوة ، وشطرها إلى نصفين ، ثم ألقاها في وجه تقى التي كانت تنظر إليه بذهـــــول تام ، و....
-أوس ببرود يحمل الصرامة : لمي زبالتك ، وغوري من هنا ... يـــالا من باب الخدامين ، بــــــــــرا...!!

انتفضت بجسدها فزعة ، ومدت يديها المرتجفة في اتجاه عباءة والدتها الممزقة وأمسكت بها ، ووضعتها بداخل حقيبتها البلاستيكية سريعاً ، بينما تركها هو وانصرف إلى الخـــارج ..
بصقت تقى خلفه ، و..
-تقى بنبرة محتقنة ، ونظرات غاضبة : ربنا ياخدك ، منك لله !!

تركت تقى الحقيبة ، وانحنت قليلاً للأسفل لتتفقد حالة قدمها ، فوجدت بقايا زجاج صغير مغروسة في باطنها ، فشهقت في خوف ، و...
-تقى بنبرة مرتعدة : يالهوي ، أنا .. أنا كنت ناقصة

حاولت هي أن تنتزع تلك البقايا بإصبعيها ، وأغمضت عينيها في خوف وهي تجذب كل جزء ، و...
-تقى وهي تتأوه من الآلم : آآآه .. آآآه

فتحت تقى عينيها لتجد الدمــاء تقطر من قدمها ، فعضت على شفتها مجدداً ، و..
-تقى بصوت ضعيف : حسبي الله ونعم الوكيل فيك وفي اللي زيك ، يا رب ارحمني منه ، ونجيني من شره .. يـا .. آآ...

لم تكمل تقى عبارتها الأخيرة حيث سمعت صوته في الخـــارج ، فارتجفت أكثر ، وجذبت سريعاً حقيبتها ، وضمتها إلى صدرها ، وركضت بقدمها المصابة في اتجاه ذلك الباب الجانبي الخاص بالخدم ...

لم تعر تقى الانتباه لقدمها المصابة ، ولا إلى الآلام الشديدة التي تشتعل فيها ، فقد كان شاغلها الأكبر هو الهروب والابتعاد عن ذلك الرجل المتوحش ..

.................

دلف أوس إلى داخل المطبخ ليستعيد هاتفه المحمول الذي قد نساه موضوعاً على الطاولة ..
جاب ببصره المكان فلم يجد أي أثر لتلك البائسة ، فابتسم في تهكم ، ثم أمسك بهاتفه ، ولكنه لمح شيء ما أثار انتباهه بدرجة كبيرة و..............
في منزل أم بطة ،،،

إزدادت الأجواء حماسة في ليلة الحنة الخاصة ببطة ، وظلت الفتيات يتمايلن بأجسادهن في خفة ومهارة ، وشاركتهن بطة الرقص في بعض الأحيان ..

ثم انتبهت أم بطة لحضور بعض السيدات ذوي الملامح الشعبية الواضحة ، فأسرعت بالذهاب إليهن ، و...
-أم بطة بنبرة حماسية وهي تفتح ذراعيها : يا أهلا وسهلاً بعيلة العريس ، نورتم البيت الله ، لووولوووولي
-إحسان بنبرة فاترة : منور بأصحابه
-شادية بهدوء : ازيك يا أم العروسة
-أم بطة بتلهف : الحمدلله في نعمة ، اتفضلوا
-هنية بجدية : يزيد فضلك
-أم بطة بنبرة فرحة لإحسان : تعالي يا أم العريس شوفي جمال عروستنا الرباني ، ده احنا لسه بادئين من شوية
-إحسان بنبرة جافة : وماله ، أدينا هانشوف

ثم أشـــارت أم بطة بيدها لهن لكي يدلف إلى الداخل ، وبالفعل سرن بخطوات متمهلة إلى صالة المنزل ، وظللن يتأملن المكان من حولهن بنظرات متأففة ، وتجاذبن أحاديث جانبية ، فتعجبت أم بطة من حالهن و...
-أم بطة لنفسها بإستغراب وهي تزم شفتيها : مالهم دول ، عجايب !

أفسحت بعض الفتيات المجـــال لتلك السيدات الثلاث لكي يجلسن على الأريكة الواسعة ، فجلست ثلاثتهن متجاورات ، ثم مالت إحسان على هنية برأسها ، و...
-إحسان بنبرة خافتة : معرفش الواد عبده كان مصمم على البت دي ليه ، كان فيه أحسن منها بكتير
-هنية وهي تمط شفتيها في امتعاض : ماهو عبد الحق ابنك دماغه ناشفة ولما بيحط حاجة في دماغه بيعملها
-إحسان بخفوت : برضوه ، كان لزمتها ايه الشبكة السودة دي ، بت لسه مكملتش 16 سنة ، وجوازة عرفي عشان المأذون ، وهم ، وقرف ، يكونش واخد ست الحسن والدلال
-هنية بلؤم وهي تغمز لها : لأ ، أنأح

استدارت إحسان برأسها لتجد بطة وهي تقترب منها على استحياء ، فرمقتها بأعينها الفاحصة من رأسها لأخمص قدميها ، و...
-إحسان بنبرة عادية : ازيك يا عروسة ابني
-بطة بنبرة خجلة : الحمدلله بخير يا خالتي ، انتي عاملة ايه ؟
-إحسان بنبرة غير مهتمة : زي ما انتي شايفة
-بطة بهدوء : نورتي الحنة ، بس انتو اتأخرتوا ، أنا قولت هاتيجوا من بدري وآآ...
-إحسان بتهكم : يعني اتأخرت على الديوان ، ما يدوب عقبال ما جهزت لقمة للواد عبده وأبوه ، ولبست وجيت
-بطة وهي تتنحنح في حرج : احم .. ولا يهمك .. آآ.. انتي منورانا

ثم اقتربت منها لكي تحتضنها ، فقامت إحسان بتلمس ظهرها لتتحسسه وتتأكد من أن جسدها ممتليء ويصلح لابنها ..
شعرت بطة بالحرج الشديد من تلك الحركة المفاجأة ، وتوردت وجنتيها سريعاً ، وتراجعت بجسدها للخلف ، ولكن أصرت إحسان على عدم تركها ، ثم جذبتها من معصمها لتجلس إلى جوارها ، و...
-إحسان بصرامة : اتاخري يا ولية يا اللي اسمك هنية خلي المحروسة تقعد جمبي
-هنية بتذمر : يا باي ، اديني هتاخر أهوو

وضعت إحسان يدها على فخذ بطة ، وظلت تربت عليه عدة مرات وهي تضغط بأصابع يدها عليه بقوة نوعاً ما ، ورفعت عينيها في اتجاه صدرها وظلت تتأمل انحناءاته بنظراتها المستفزة و...
-إحسان وهي تغمغم بخفوت لنفسها وهي تلوي فمها : على الله يطلع طبيعي مش سيلكون

لم تفهم بطة ما الذي تقوله حماتها ، فالتفتت ببصرها في اتجاهها ، و...
-بطة بعدم فهم وهي تضيق عينيها : بتقولي حاجة يا خالتي
-إحسان بإقتضاب : لأ

انحنت شادية بجسدها للأمــام قليلاً لكي ترى بطة بوضوح حيث كانت تحول إحسان بينها وبين العروسة وذلك لأنها كانت تجلس في المنتصف ، ثم نظرت إليها بنظرات دقيقة ، و..
-شادية بنبرة عادية : وريني كده ضوافرك يا بطة ، أصل الرسمة عجباني وشكلها حلو كده
-بطة بنبرة سعيدة : آه ، اتفضلي

ثم مـــدت بطة يدها في اتجاه شادية ، فأمسكت الأخيرة بكف يدها ، وظلت تتفحصه بدقة ، في حين استغلت إحسان الفرصة ، ووضعت يدها على خصر بطة لتتأكد من إمتلائه بالشحم واللحم .. فانتفضت بطة بذعر في مكانها حينما شعرت بلمستها ، وسحبت يدها للخلف من كف شادية، ورمقت إحسان بنظرات نارية ، و...
-بطة بحدة : في ايه يا خالتي ؟
-إحسان ببرود مستفز : في ايه يا بت ؟ بتبصلي كده ليه ؟ فوقي لنفسك !

صرت بطة على أسنانها في غيظ ، وكانت على وشك الاشتباك معها ، ولكن تدخلت أم بطة سريعاً ، و...
-أم بطة بنبرة عالية : قومي يا بت يا بطة هاتي الشربات أوام لحماتك ، يالا يا بت انجري ، هاتفضلي أعدة كده كتير

ثم جذبتها والدتها من ذراعها ، ودفعتها للأمـــام ، فحدجت بطة إحسان بنظرات نارية قاتلة ، وهي تسير مبتعدة عنها ، وظلت تتمتم بكلمات غير مفهومة ..

...........................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

تحاملت تقى على نفسها وهي تركض مبتعدة نحو الخـــارج .. توقفت لأكثر من مرة محاولة التغلب على ذلك الآلم الرهيب الذي ينبعث من باطن قدمها اليمنى .. ولكن لا وقت للشكوى
قبضت هي على حقيبتها ، وصرت على أسنانها ، و...
-تقى لنفسها برعب : أمشي بس من هنا ، وبعد كده اتصرف ، آآآآه ، مش قادرة .. آآآه

ضغطت تقى بدون قصد منها على باطن قدمها فغرست تلك القطعة الزجاجية الصغيرة الملتصقة أكثر بداخلها ، فصرخت متآلمة و..
-تقى بصراخ شبه مكتوم : آآآآآه .. آآآه

بكت هي من شدة الآلم ، وظلت تكمل سيرها كالعرجاء .. ولكنها لم تدرك أنها تلوث الأرضيات اللامعة بقدمها التي تقطر الدمـــاء
وصلت تقى إلى الدرجات الرخامية الخارجية ، فانحنت بجسدها للأمـــام لتستند على ذلك الدرابزون المعدني ، و..
-تقى لنفسها بنبرة مختنقة : استحملي يا تقى ، استحملي .. لحد ما تخرجي من هنا ، آآآآه .. رجلي ، مش قادرة منها ، آآه ..

جاهدت لتنزل على الدرجات ، وعضت على شفتيها أكثر وأكثر لتكتم آلامها إلى أن وصلت لأخـــر درجة ، فثنت قدمها قليلاً ، وتنفست بصعوبة وهي تنظر أمامها ..
-تقى بتوجس : لسه قدامي كتير عشان أوصل للبوابة ، يا رب عيني على اللي أنا فيه

ثم بدأت تجر قدمها جراً للأمـــام ولم تفلت حقيبتها من يدها ..

...........................

لمح أوس شيئاً ما قد أثار انتباهه بدرجة كبيرة ..
ضيق هو عينيه ودار حول الطاولة ليتحقق مما رأه ..
لقد لمح هو قطرات دماء متجلطة مختلطة ببقايا قطع زجاج متناثرة على الأرضية ، فانقبض قلبه نوعاً ما ، وشعر بوخزة في صدره ، و...
-أوس متسائلاً بقلق : ايه الدم ده ؟ جه منين ؟

انحنى أوس بجذعه للأسفل ، وفحص أسفل الطاولة ، فوجد إحدى فردتي ( شبشب ) تقى عالقة بالمقعد الذي كانت تجلس عليه ، ودماء من حوله ، فتتبع مصدر تلك القطرات فوجدها تتجه ناحية باب الخدم الجانبي ، فاعتدل سريعاً في وقفته ، وقبض على هاتفه بيده ، و...
-أوس بنبرة مذهولة ، ونظرات مصدومة : مش معقول ، هي .. هي كانت دايسة على الإزاز ده ..!!!!!!!!

ظل أوس محدقاً للحظات بالباب ، ثم حسم أمره بـ ...
-أوس بتوتر ملحوظ : لازم أشوف جرالها ايه ، وأعرف منها هي استحملت الآلم ده كله عشان ايه يعني !!!

ثم ســـار بخطوات ثابتة في اتجاه باب الخدم بعد أن وضع هاتفه المحمول في جيبه ...

............................

اقتربت تقى من البوابة الرئيسية للقصر ، وظلت تلهث وهي تعرج بقدمها المصابة ، و...
-تقى بنبرة متآلمة، ونظرات متعشمة : آآآه .. الحمدلله ، آآ.. قربت أوصل ، آآ.. لازم استحمل أكتر ، معنتش فاضل إلا حاجة بسيطة

كانت تقى تلتفت حولها كالمذعورة لتتأكد من عدم متابعة أي أحد لها ..
وبعد لحظات كانت هي واقفة على بعد خطوتين من البوابة ..
نظرت حولها مجدداً لتبحث عن حارس ما يفتح لها تلك البوابة الإلكترونية ، فلم تجد أي أحد ، فزفرت في ضيق ممزوج بالآلم ، و...
-تقى بضجر : اووف ، طب وأنا هافتحها إزاي دي ؟ فين الحراسة اللي كانوا أعدين هنا ، يا رب دبرها من عندك ..!!!

........................

في نفس التوقيت وصــــل عُدي بسيارته إلى البوابة الخارجية للقصر ، فضغط على بوق السيارة ، و...
-عدي بلهجة حادة وآمـــرة : افتح يا بني آدم منك ليه !!

ركض الحارس جمـــال في اتجاه سيارة عدي ، وانحنى برأسه ناحية زجاج السيارة الأمامي ليتحقق من هوية قائد السيارة ، و...
-جمال بنبرة رسمية : عدي باشا ، اتفضل يا فندم
-عدي بصوت آمـــر ، ونظرات متعالية : انجز ، مش هارغي كتير ، افتح الباب يالا
-جمال بهدوء : حاضر يا باشا

اعتدل جمال في وقفته، وأمسك بجهازه اللاسلكي وقربه من فمه ، و....
-جمال بنبرة رسمية : البوابة بسرعة يا أحمد

أجــــاب عليه الحارس الأخــر أحمد الذي كان يجلس في الحجرة الصغيرة المجاورة للبوابة ، و..
-أحمد بنبرة عادية : تمام

ضغط هو على زر جانبي يقوم بفتح تلك البوابة الكترونياً حتى تتمكن السيارات من المرور عبرها للداخل ..

.......................

في نفس اللحظة كانت تقى قد انحنت برأسها للأمام قليلاً ، وأسندت قبضة يدها الممسكة بالحقيبة على البوابة ، ثم باليد الأخرى أمسكت بساقها ، وقامت بمد قدمها المصابة للأمام بعد أن ألصقت جسدها بالبوابة ..
اعتدلت تقى في وقفتها ، وتنفست بهدوء ، ونظرت إلى البوابة بنظرات متفرسة ، ولكنها تفاجئت بها تتحرك فضربتها في رأسها بقوة جعلتها ترتد للخلف ، ومن ثم فقدت توازنها بسبب عدم قدرتها على الوقوف على كلتا قدميها ..
سقطت هي على ظهرها ، وتمددت بساقيها أمامها بعد أن كشفتهما عباءتها ، بينما استمرت البوابة في التحرك مما جعلها ترتطم بقدمها المصابة ، فصرخت هي عالياً متأوهة من الآلم الشديد ، و...
-تقى بصراخ حـــاد : لألألأ... آآآآآه ... رجلي !!!

انتبه الجميع إلى صوت ذلك الصراخ الأنثوي المفزع الذي ينبعث من خلف البوابة ، فوضع الحارس أحمد يده على زر الإيقاف ، وضغط عليه بعجالة ليوقف تلك البوابة الالكترونية عن الحركة ، بينما ركض الحارس جمــال للداخل بعد أن أمـــر الحارس أحمد بغلق البوابة بعد أن يدلف للداخل ..
ترجل عُدي هو الأخـــر من السيارة ، وصفق بابها بقوة ، ثم ســـار في اتجاه الداخل ..
أغلق الحارس أحمد البوابة بعد أن تأكد من دخول الاثنين لكي يمنع أي أحد من الخروج ...
........................

رأى الحارس جمال تقى وهي مسجاة على الأرضية الصلبة ، وساقيها شبه مكشوفة ، فرمقها بنظرات متأففة قبل أن يردف بـ ...
-جمال بنبرة غاضبة : هو انتي ؟ عملتي ايه الدور ده !!

أغمضت تقى عينيها من شدة الآلم ، وحاولت أن تنهض عن الأرضية فإستندت على مرفقها ، ثم فتحت عينيها ، ونظرت إلى جمال بنظرات منكسرة ، و...
-تقى بصوت ضعيف : أنا .. أنا معملتش حاجة والله ، بس رجلي آآآه ، رجلي بتوجعني أوي

وجهت تقى عينيها ناحية قدمها المصابة ، فوجدت ساقيها مكشوفتين ، فجذبت عباءتها للأسفل قليلاً ، وشعرت بالحرج الشديد من وضعيتها تلك

أشـــاح جمال بوجهه للجانب ، ثم تنحنح في خشونة ، و...
-جمال بنبر شبه جادة : طب استري نفسك الأول ، وبعدين نشوف رجلك اللي بتوجعك دي

دلف عُدي إلى الداخل ، فوجد جمــــال يسد عليه الطريق ، فوضع يده على كتفه ، ودفعه للجانب قليلاً ليرى ما الذي يحجبه عنه بجسده ، فرأى فتاة ما ملاقاة على الأرضية ، فدقق النظر إليها ، ثم تبدلت ملامح وجهه للإنزعاج ، و...
-عدي بنبرة شبه حادة : انتي ؟!

رفعت تقى عينيها في اتجاه عدي ، ورمقته بنظراتها الضيقة ، وتعرفت عليه على الفور .. فهو صاحب ذلك البغيض الذي رأته من قبل في شركته ..
-عدي متسائلاً بحيرة : مش انتي بنت الولية الحرامية اللي شوفتها في مكتب الباشا

ابتلعت تقى تلك الغصة ، ولم تعقب .. فاكفهر وجـــه عدي ، وإزداد عبوساً ، ثم اقترب منها ، و...
-عدي متسائلاً بصرامة : انتي بتعملي ايه هنا ؟

تملكت القشعريرة من جسد تقى ، وتراجعت زاحفة للخلف بجسدها المرهق ، و...
-تقى بنظرات مذعورة ، ونبرة شبه خائفة : أنا آآ.. أنا

لم يمهلها عدي الفرصة لكي تجيب عليه ، حيث انحنى بجذعه عليها ، وأمسك بها من ذراعها ، وقبض عليه بقسوة ، ثم جذبها منه للأعلى لكي يجعلها تقف على قدميها عنوة و...
-عدي بلهجة حــــادة : لما أكلم بنات الـ *** اللي زيك يردوا عليا

شحب لون وجهها سريعاً ، وبدت علامات التآلم ظاهرة على قسمات وجهها ، و...
-تقى وهي تتأوه من الآلم : آآآه .. أنا .. أنا والله العظيم ما عملت حاجة
-عدي بنبرة غليظة : جاية هنا تسرقي ايه تاني ؟ مكافكيش اللي أمك الو*** عملته ، جاية هنا تكملي شغلك
-تقى بنظرات هلعة ، ونبرة مرتجفة : كدب والله ، أمي بريئة ، وأنا جيت هنا عشان آآآ...
-عدي بصرامة : اخررررسي يا بنت الـ *****

ثم رفع يده عالياً في الهواء ، وهوى بها على وجنة تقى ليصفعها بقسوة شديدة جعلتها تصرخ اكثر ، و..
-تقى بصوت مختنق : آآآآآه ، حرام عليك

انتفض الحارس جمـــال في ذعـــر ، واقترب من عدي ، و...
-جمال بنبرة منزعجة : باشا ، ماينفعش اللي حضرتك بتعمله ده
-عدي بحنق شديد : هو انت كنت من بقية أهلها ، روح شوف شغلك

قبض عدي أكثر على ذراع تقى ، وكاد أن يهوي بكف يده على وجنتها مجدداً ، ولكن أسرع الحارس جمال بالتدخل ، وأمسك به من معصمه ، فرمقه عدى بنظرات نارية حانقة ، فمط جمال شفتيه في توتر ، و..
-عدي بنبرة غليظة للغاية ، ونظرات متوعدة : انت اتجننت ، ازاي تمسك ايدي كده

أرخى الحارس جمــال يده ، وسحبها إلى الجانب ، و..
-جمال بضيق واضح وهو مطرق الرأس : يا باشا مقصدش ، بس البت دي أصلاً آآ..
-عدي مقاطعاً بنبرة هادرة : انت هتعرفني شغلي ، غور من هنا ، وأنا ليالي كلام مع اللي مشغلك
-جمال بتوجس : أسف يا باشا

رمقه عدي بنظرات مشتعلة ، ثم استدار بوجهه المتجهم ناحية تقى ، ونظر إليها بإشمئزاز وهو يلوي فمه في تأفف ، بينما بادلته هي النظرات الهلعة ، و..
-عدي بتوعد : قسماً بالله لو شوفت خلقتك هنا ولا في أي حتة فيها أوس باشا لأوريكي ، والله مش هاخلي الدبان الأزرق يعرفلك طريق جرة ، سمعاني ؟؟!! ردي يا بنت الـ **** ، سمعاني

هزت هي رأسها بطريقة عنيفة لتعلن موافقتها على ما قال .. فحدجها هو بنظراته الاحتقارية ، ثم قام بدفعها بكل حدة للخلف ، فكادت تسقط مجدداً ، ولكنها تمالكت نفسها ، بل الأحرى تسمرت في مكانها حينما سمعت ذلك الصوت المخيف يأتي من خلفها ، فاستدارت بجسدها ناحيته ، وجحظت بعينيها حينما رأته ، و...
-أوس بنبرة صادحة : عــــــدي !!!

ثم حدق هو في تقى بنظراته القوية ، فإزداد قلبها خفقانا ، وبدأ صدرها يعلو ويهبط من فرط التوتر ، وشعرت أن ساقيها باتتا هلاميتان ، لم تعودا تقويان على حملها ، ولم يعد جسدها الضعيف قادراً على تحمل المزيد من الضغوطات ، فقررت أن تكف عن المقاومة ، وتستسلم لمصيرها المحتوم مع ذلك البغيض ..
أغمض هي عينيها ، وأرتخى جسدها كلياً ، فترنحت للخلف ، وكادت أن تسقط على ظهرها ، ولكن أســــرع أوس بالإمساك بها من ظهرها ، وأسندها بذراعه القوية ، ونظر إليها بنظرات غريبة متأملاً تلك الحالة المزرية التي وصلت إليها بعد أن فقدت الوعي ..
أخفض أوس بصره للأسفل ليتأكد من شكوكه حول قدمها المصابة ، فجز على أسنانه ، واستدار برأسه للجانب ، و...
-أوس لنفسه بضيق واضح : طلعت هي ..!

أنزل أوس ذراعه المحاوط بتقى قليلاً للأسفل فجذب معه حجابها الذي ترتديه ، فكشف عن شعرها الطويل المموج والمتمرد ، فنظر إليها بنظرات متفرسة ، ومد يده ليتلمس خصلاته التي انسدلت على جبينها ، ثم تدارك نفسه ، وأبعد يده ، وانحنى بجذعه للأمــام ، ووضع ذراعه الأخر أسفل ركبتيها ، ومن ثم قام بحملها بين ذراعيه ، وضمها إلى صدره .. وســــار بها عائداً في اتجاه قصره ....
تعجب كلاً من عدي والحارس جمـــال مما فعله أوس ، ونظر كلاهما إلى الأخر بنظرات غريبة ، ولكن سرعان ما تحرك عدي في أثره تاركاً الحارس جمال وهو ..
-جمال لنفسه بحيرة : اللي يعيش ياما يشوف ، الباشا محدش يقدر يتنبأ بتصرفاته

.......................................

ظل أوس حاملاً تقى بين ذراعيه إلى أن وصـــل إلى باب القصر الكبير ، ثم ركل الباب بغلظة لعدة مرات ، و...
-أوس بنبرة صادحة وآمرة : افتحوا الباب

أسرعت إحدى الخادمات المتواجدات بالداخل بفتح الباب ، وشهقت في خوف حينما رأت رب عملها يحمل فتاة ما بائسة المظهر ، و...
-أوس بصرامة ، ونظرات حادة : هتفضلي متنحة كده كتير ، وسعي ..!
-الخادمة بنبرة متلعثمة : آآ.. أسفة يا باشا

تنحت الخادمة جانباً لتفسح له المجال لكي يمر ، وبالفعل اتجه أوس بتقى إلى الدرابزون ، ثم صعد على الدرج إلى أن وصـــل للطابق العلوي ، ثم استدار بها في اتجاه غرفته ، ومن ثم ركل الباب بقدمه لكي يفتح ، وتوجه ناحية فراشه ، ثم أسند تقى عليه برفق ، ومسح على وجهها ، ثم مـــال برأسه على أذنها ليهمس لها بــ ...
-أوس بخفوت : ماتفكريش إني هاسيبك تهربي مني بالساهل ، أو إني هاسمح للموت ياخدك مني قبل ما أخد حقي ...!

اعتدل أوس في وقفته ، ثم التفت ببصره ناحية قدمها ، وســـار في اتجاهها ، ثم مــد يده وأمسك بها بعد أن جلس على طرف الفراش ، وتأمل الجروح البارزة في باطن ساقها ، فشعر بتلك الوخزة في صدره ..
فزفر في إنزعاج ، وأسند قدمها برفق على الفراش ، و...
-أوس بنبرة ضائقة : أنا هاتصرف ، بس هنتحاسب على ده لما تفوقي ..!

أخــــرج أوس هاتفه المحمول من جيبه ، ثم ضغط على عدة أزرار ، ومن ثم وضع الهاتف على أذنه ، و...
-أوس هاتفياً بنبرة جادة : أيوه يا دكتور ، عاوزك تجي القصر الوقتي

ثم صمت ليستمع إلى رد الطبيب عليه ، ومن ثم أردف بـ ..
-أوس بجدية : لأ مش من العيلة ، حد معرفة ، وبعدين أنا مش هافضل أضيع وقتي في المكالمات ، 10 دقايق بالكتير ، وتكون هنا .. سلام ..!

تنهد هو بعمق ووضع هاتفه في جيبه ، ثم نظر إلى تقى الغائبة عن الوعي بنظرات مطولة ، و...
-أوس بتوعد : لسه في بينا حساب كبير مخلصش

لـــوى أوس فمه في استهزاء ، ثم استدار في اتجاه باب غرفته ليخرج منها حيث ينتظره عدي في الأسفل ....

................................

وقف أوس في قبالة عدي ، وحدجه بنظراته الشرسة قبل أن يتشدق بـ ...
-أوس بصرامة : كنت بتعمل ايه يا عدي مع البت دي ؟
-عدي باستغراب : افندم ؟ باعمل ايه معاها ؟
-أوس بجدية شديدة : ايوه
-عدي بحنق : مافيش ، أنا شوفتها بتحاول تهرب من هنا ، فـ آآآ...
-أوس مقاطعاً بغلظة : ومين قالك إنها كانت بتهرب ؟
-عدي متسائلاً بتهكم : أومـــال كانت جاية زيارة للعيلة مثلاً ، ولا تكونش صاحبة اختك وأنا معرفش
-أوس بنبرة قوية : عدي ، لم نفسك
-عدي بضيق : انت مش شايف انك بتدي فرصة للأشكال الـ **** دي تدخل القصر عندك ، وآآ..
-أوس مقاطعاً بغلظة : ملكش فيه ، أنا حر في اللي باعمله
-عدي بنبرة محتقنة : انت بتزعقلي عشان واحدة زي دي ماتسواش
-أوس وهو يصر على أسنانه في ضيق : لا بزعق ولا غيره ، بس انت عارف كويس إني مش باحب حد يدخل في اللي مالوش فيه
-عدي متسائلاً بجدية : وايه بقى اللي ماليش فيه ؟؟؟ مش دي البت بنت الولية الحرامية اللي جت عندك الشركة ولا أنا غلطان

ســــار أوس مبتعداً عن عدي لبضعة خطوات ، ثم أولاه ظهره ، و...
-أوس بإقتضاب وهو يضع يده في جيبي بنطاله : أيوه هي

تحرك عدي في اتجاهه ، ووقف خلفه ، و...
-عدي متسائلاً بنبرة حائرة : طب بتعمل ايه هنا ؟
-أوس بتردد : هي آآ......
في قصر عائلة الجندي ،،،،

احتدم الجدال بين كلاً من أوس وعدي حول وجود تقى في قصره بدون سبب وجيه ، و...
-عدي بنبرة غاضبة : بتعمل ايه البت دي هنا ؟ رد عليا !

أخـــذ أوس نفساً مطولاً ، ثم زفره بتمهل ، ونظر مباشرة في عيني عدي ، و...
-أوس بهدوء : دي .. دي الخدامة بتاعتي
-عدي بنبرة مصدومة : ايييه ؟
-أوس بنفس الهدوء الانفعالي : زي ما سمعت ، الخدامة بتاعتي
-عدي باستنكار يحمل التهكم : من قلة خدامين عندك عشان تجيب البت دي تشغلها
-أوس ببرود : مزاجي كده
-عدي بعدم اقتناع : يعني ايه مزاجك كده ؟ انت ناسي إن أمها حرامية وسرقت أختك ، مش بعيد بنت الـ*** تعمل زي أمها وتسرقك
-أوس مبتسماً بثقة : مش هاتقدر
-عدي بنبرة استهجان : انت متعرفش الأشكال دي بتفكر إزاي ، ولا بيدبروا لايه ، يا أوس دول عالم ولاد تيت ، تربية حواري ومن زبالة الناس ، يعني أي حاجة متوقعة منهم
-أوس بنبرة هادئة : إلا البت دي
-عدي بسخرية : ليه بنت بارم ديله ؟
-أوس ضاحكاً : لأ مش للدرجادي

زفــــر عدي في انهاك ، ثم مرر يده في خصلات شعره ، ومن ثم رفع رأسه في مواجهة أوس ، ونظر إليه بنظرات جادة قبل أن يردف بـ ...
-عدي محذراً وهو يشير بيده : انت بتلعب بالنار يا أوس ، وجود البت دي هنا هيعملك مشاكل انت في غنى عنها
-أوس بنبرة واثقة للغاية : اطمن مش هاتقدر تتنفس حتي إلا بأمر مني
-عدي بتوجس : أنا مش مستريح للموضوع ده ، وحاسس إن نهايتك هاتكون على ايد البت دي
-أوس بنبرة تحمل الغرور : لأ عندك ، نهايتها هي هاتكون على إيدي أنا ..!

..................................................

في منزل أم بطة ،،،،

دلفت بطة إلى داخل غرفتها ، وجلست على طرف فراشها وهي تغمغم بكلمات مبهمة ووجهها محتقن للغاية من الغيظ ..
لحقت بها والدتها بعد أن لاحظت تبدل حالها طوال حفل الحناء ، و...
-أم بطة بنبرة معاتبة : انتي يا مزغودة في قلبك ، كنتي قالبة وشك ليه طول الأعدة
-بطة بنبرة حانقة وهي تشير بكلتا يديها : يا أمه الولية مفكراني بضاعة عمالة تفعص في كل حتة من جسمي عشان تتأكد إن كنت أنفع لابنها ولا لأ
-أم بطة بعدم اكتراث : وماله ، ما تتأكد وتشوف
-بطة بنبرة مغتاظة وهي ترفع كلا حاجبيها للأعلى : نعم ؟ يعني انتي عاجبك اللي هي عملته ده
-أم بطة بعدم مبالاة : أه عاجبني ، عشان تعرف إن بنتي جمالها طبيعي ورباني مش مضروب
-بطة بنبرة شبه متشنجة : يا أمه .. دي .. دي كان ناقص إنها تقلعني ملط وآآ...
-أم بطة مقاطعة بنبرة حادة : بت انتي بقولك ايه ، أنا مش ناقصة خاوته ولا وجع راس ، الولية تعمل اللي هي عاوزاه طالما احنا واثقين في نفسنا
-بطة وهي تلوي شفتيها في استنكار : يا سلام !! بالبساطة دي !
-أم بطة بجدية : اه هو كده ، وقومي يالا خلينا نروق البيت بدل ما الدنيا سايبنها برا تضرب تقلب ، انجري يالا قدامي ، بلاش دلع البنات المِريء ده ..!!!!!

ثم تحركت أم بطة في اتجاه باب الغرفة ، بينما تابعتها بطة بنظراتها المشتعلة من الغيظ ، و...
-بطة بنبرة غاضبة لنفسها بخفوت : الله يحرقك يا أم عبده ..!!
-أم بطة بنبرة عالية : يالا يا بتي ، بطلي تبرطمي كده كتير ، وقومي حصليني
-بطة بضيق جلي : جاية أهووو ..!!!!

...............................

في قصر عائلة الجندي ،،،،،

خـــــرج الطبيب ناجي من غرفة النوم الخاصة بأوس بعد أن انتهى من الكشف على تقى وتضميد جراح قدمها اليمنى ، ثم توجه ناحية الدرج ، ومنه إلى الطابق السفلي حيث ينتظره أوس وبصحبته عدي الذي رفض المغادرة حتى يعرف ما الذي ستؤول إليه الأمور ..

وقف الطبيب ناجي أمام أوس وبيده ( روشتة ) ما مدون عليه بعض أسماء الأدوية ، و...
-أوس متسائلاً بجدية : ايه الأخبار يا د. ناجي ؟
-ناجي بنبرة هادئة : من الشكل العام للحالة اللي فوق دي واضح انه ضعف عام ، وأنا باشتبه في وجود أنيميا كمان ، وآآ...
-أوس مقاطعاً بنبرة باردة : لأ أنا بسأل عن رجلها مش عن مرضها
-ناجي وهو يتنحنح في حرج : احم .. آآه... هو الجرح مش عميق ، بس مش هاتقدر تمشي عليها على الأقل لـ 4 أيام لحد ما يلم وآآ.. ودي روشتة بالأدوية اللي المفروض تاخدها ، وآآ..

جـــذب أوس الروشتة من يد الطبيب ناجي ، ثم نظر إلى محتواها بنظرات غير مكترثة ، وقام بطي الورقة بين أصابعه ، فإندهش ناجي من تصرفه هذا ، وارتسمت علامات الحيرة على وجهه ، و...
-أوس بنبرة فظة وهو يحدج الطبيب بنظرات قوية : شرفت يا دكتور !

ثم استدار برأسه للخلف ، وأشــــار لمدبرة القصر بعينيه ، و...
-أوس بلهجة آمــرة : عفــــاف وصليه للباب ..!!!

ابتلع الطبيب ناجي ريقه ، وشعر بالحرج من تصرفات أوس الوقحة ، ولكنه أثر الرحيل على أي حال ، فلا داعي للبقاء مع أمثاله ..

اقترب عدي من أوس ، ووقف إلى جواره ، و...
-عدي متسائلاً بعدم فهم : انت ناوي على ايه مع البت دي ؟ سيبها تمشي بدل ما يجرالها حاجة وتروح في داهية
-أوس بلهجة صارمة : عدي !!! البت دي تخصني ، وأنا بس اللي هاقرر هاعمل ايه معاها ، وهاتصرف إزاي
-عدي بجدية : أنا عاوز مصلحتك يا أوس
-أوس بنبرة أكثر قوة : وأنا عارف فين مصلحتي !

تحرك عدي خطوة واحدة ليقف في مواجهة أوس ، ثم نظر مباشرة في عينيه ، و...
-عدي بنبرة جادة : طب بالمناسبة في مشكلة خاصة بأخر عقد إحنا كنا آآ...
-أوس مقاطعاً بعدم اهتمام : خلي الكلام في الشغل لبكرة ، الوقتي أنا ورايا حاجات أهم

ثم تطلع ببصره إلى الأعلى ، فتابعه عدي بنظراته ، وشعر أن وجوده لا طائل منه ، لذا بادر بـ ..
-عدي على مضض : واضح كده إنك مش هاتكون فايقلي ولا مركز مع أي حاجة هاقولها ، فبراحتك ، أنا ماشي
-أوس ببرود : مع السلامة ، ونتكلم بعدين
-عدي بعدم اكتراث : أها .. سلام !

ثم ســــار في اتجاه باب القصر وهو متوجس مما قد يحدث لاحقاً ..
ارتسمت ابتسامة لئيمة على شفتي أوس وهو ينظر إلى الأعلى .. كما قبض على الروشتة بشدة بقبضة يده ، و...
-أوس بتوعد : خروجك من هنا مش هايكون بالساهل أبداً

راقبته المدبرة عفاف وعلى وجهها علامات القلق ، و..
-عفاف لنفسها بقلق : ربنا يسترها عليكي يا بنتي ، انتي وقعتي في ايد اللي ما بيرحمش حتى أهله !!!!

.............................................

في منزل الجارة إجلال ،،،،،

وقفت الحاجة إجلال في شرفة منزلها تترقب المارة محاولة جاهدة أن تلمح تقى حتى تعيد إليها مفتاح القفل الخاص بمنزلها ، ولكن بات الوقت متأخراً وهي لم تعدْ بعد ، فإنتابها القلق ، و..
-إجلال لنفسها بحيرة : اتأخرتي بس ليه يا تقى ؟ ده أنتي قايلة كلها كام ساعة وترجعي ، وأنا تعبت من الأعدة كده ، خايفة أروح أنام وانتي تيجي ومتعرفيش تاخدي المفتاح ، ما أنا عارفة نفسي ، نومي تقيل .. طب أعمل ايه الوقتي ؟ يوووه ، مابدهاش ، هاضطر أستنى شوية كمان وبعدها أقوم أنام .. !!

..................................

في زقـــاق ما جانبي ، كانت رحمة عائدة من عملها المعتاد كموديل للكليبات الغنائية ..
لم تهتم كثيراً بما حدث لوالدتها ، وإلقاء القبض عليها ، واكتفت فقط بإرســال محامٍ ما مغمور لمتابعة التطورات ، فوجودها في حياتها من عدمه لا يشكل فارقاً كبيراً بالنسبة إليها ، فوالدتها عادةً لا تكترث سوى لما تجنيه من أمــوال تلقيها في حجرها لتغترف منها كيفما تشاء ، ولا يهم بالنسبة إليها الطريقة أو الوسيلة طالما النقود متوفرة ..

أمسكت رحمة بهاتفها المحمول لترى ذاك المتصل ، فابتسمت في تهكم ، ثم ضغطت على زر رفض المكالمة ، و...
-رحمة لنفسها بغطرسة : انت خلاص بخ بالنسبالي ، معدتش تهمني

تغنجت بجسدها وتمايلت وهي تسير على مقربة من بعض المحـــال المغلقة ، وكادت أن تشهق فزعاً ، ولكن سرعان ما كتم شخص ما - لم تتبين ملامحه - فمها ، وأحاط بذراعه الأخـــر خصرها ، ثم جذبها بقوة إلى داخل مكان ما شبه مظلم
ركلت رحمة بقدميها في الهواء ، وحاولت أن تحرر نفسها ، ولكنها عجزت عن هذا ، فقبضة ذلك الشخص محكمة عليها ، و..
-منسي بهمس : شششش .. اهدي يا بت، ده أنا
-رحمة بصوت مكتوم : مممممم... ممممم...

أنـــزل منسي رحمة على قدميها ، وظل محاوطاً إياها من الخلف بذراعه ، ومكمماً لفمها ، واقترب برأسه من أذنها ، وهمس لها بـ ...
-منسي بخفوت : أنا منسي حبيب القلب يا رحمة

شعرت هي بأنفاسه الحــــارة تلفح أذنها ووجنتها ، فدبت رجفة خفيفة في جسدها ، وبدأت ملامح وجهها في الانفراج تدريجياً ، و...
-منسي بنبرة هامسة : هاشيل إيدي من على بؤك ، أوعي تصوتي ، ماشي !

هزت هي برأسها موافقة ، فأرخى قبضته عن فمها بهدوء ، وكذلك عن خصرها ، وتراجع خطوة للخلف ، فتحسست بيدها فمها ، واستدارت نحوه لترمقه بنظرات متفحصة ، فبادلها النظرات الراغبة ، ثم اتجه ناحية باب الورشة التي يعمل بها ، وتأكد من إغلاقه ، ثم التفت إليها ، و...
-منسي بنبرة تحمل القليل من العتاب الممزوج بالشوق : ايه يا بت ، نسيتيني كده أوام ؟
-رحمة بنبرة رقيقة : وأنا أقدر برضوه يا منسي

اقترب منسي منها وظل يرمقها بنظراته المتفحصة لكل ذرة في جسدها ، و...
-منسي بتنهيدة حـــارة : وحشتيني أوي
-رحمة بنبرة تحمل الدلال : وانت كمـــان

أقبل هو عليها ، وضمها بذراعيه نحو صدره ، ومـــال برأسه ناحية شفتيها ، و...
-منسي بخفوت : بالسرعة دي نسيتي أيام زمان ، ولا خلاص اللي عيلي عيلي
-رحمة بصوت أنثوي يحمل الإغراء : ده أنا أعلى على أي حد إلا انت يا منسي
-منسي بنبرة معاتبة : أومال تقلانة عليا ليه ؟
-رحمة بصوت هامس : انت عارف الظروف وآآ..
-منسي مقاطعاً بنبرة شبه ماجنة : ظروف ايه يا بت ، ده انتي اكتر حد في الدنيا مكبر دماغه على الأخر ، وممشية اللي في دماغك زي ما انتي عاوزة ، والورشة دي تشهد على لياليكي الحمرا والخضرا وكل الألوان ، ولا الوقتي هاتعملي شريفة
-رحمة بضيق زائف : لا شريفة ولا منيرة ، خلاص بقى يا منسي ، هو انت لازم تفكرني يعني
-منسي بنبرة لئيمة ، ونظرات عابثة : من جهة التفكير فأنا عاوز أفكرك بالذي مضى كله
-رحمة بخبث : ازاي ؟
-منسى بنبرة ماكرة : الوقتي هاتعرفي ازاي !

ثم قام برفع رحمة من خصرها ، وقامت هي بتطويق عنقه بذراعيها ، ونظرت إليه بنظرات ذات مغزى ، ثم توجه بها إلى الداخل حيث الغرفة الجانبية التي يوجد بها ذلك المكتب القديم ، وتلك الأريكة التي خط عليها الزمن أثاره ، ومن ثَم أنزلها لتقف على قدميها ، فجذبته هي من ياقته نحوها ، و...
-رحمة بخفوت : اطفي النور عشان آآآ...
-منسي بنبرة أقرب للفحيح : اعتبريه اتقفل

دفع منسي رحمة من كتفها للخلف لتسقط على الأريكة الجلدية ، ثم ارتمى هو فوقها ، وبدأت هي في نزع ملابسه ، في حين تلذذ هو بتقبيلها بشراهة في عنقها ، وكتفيها ، وماهي إلا ثوانٍ معدودة حتى انغمس كلاهما في الملذات المحرمة .....
.....................................................

في شاليه عائلة الجندي بالساحل ،،،،

تمددت ليان على بطنها في غرفتها بالطابق العلوي ، وظلت تحرك ساقيها في الهواء وهي ممسكة بهاتفها المحمول تبادل فــارس ذلك الحبيب الافتراضي رسائل الحب ، و...
-ليان لنفسها بسعادة : مجنون ! والله مجنون !

قرأت هي مجدداً أخــــر رسالة قام بإرسالها ، وعلى ثغرها ابتسامة شقية ، و...
-ليان وهي تمط شفتيها في مرح : ممممم.. طيب هو جاي بكرة الساحل عشاني ، يبقى لازم أستعد !

اعتدلت هي على الفراش ، وجلست القرفصاء ، ثم وضعت يدها أسفل ذقنها ، و....
-ليان بنبرة حائرة : ممم.. اقول لجايدا عليه ، لالالا .. مافيش داعي بدل ما تهددني انها تقول لمامي ، ممم.. طب أقابله ازاي ؟ اووف ، لازم أفكر في حجة مناسبة عشان أعرف أزوغ من مامي ..

ثم نهضت عن الفراش ووضعت طرف هاتفها بين أسنانها ، وعضت عليه ، ثم أخرجته ، و..
-ليان بنبرة واثقة : اكيد هوصل لحاجة ، هو أنا هاغلب ...!!!

رن هاتفها معلناً عن وصــــول رسالة جديدة ، فأسرعت بفتحه لتقرأ محتواها ، و...
-ليان لنفسها : ((( مافيش حاجة كده تصبيرة لحد ما نتقابل بكرة )))

عقدت هي ما بين حاجبيها ، وقطبت جبينها في حيرة ، و...
-ليان بنبرة جادة : تصبيرة ايه دي ؟! أنا مش فاهمة حاجة

أرسلت هي له رســــالة نصية كتبت فيها
((( أنا مش فاهمة ايه تصبيرة دي ؟ بليز وضحلي )))

ثم انتظرت لعدة دقائق وهي تقف في الشرفة المعدنية الملحقة بغرفتها ، واستندت على حافة السور بذراعيها ، وأغمضت عينيها لتستمتع بهواء البحر المنعش قبل أن يقطع صوت هاتفها تلك الخلوة ، ففتحت عينيها ، ونظرت إلى الهاتف وهي تعاود الدخول إلى الغرفة ، و...
-ليان لنفسها باستغراب يحمل الصدمة : صورة ليا وأنا .. آآ.. وأنا naked ( عارية ) .. !!

ابتلعت ليان ريقها في خــــوف ، وألقت بالهاتف من يدها وهي شبه مصدومة مما قرأته
-ليان بنبرة مذهولة : ده .. ده اتهبل ولا ايه !! هو مفكر إن .. إني آآ... !!!

في نفس التوقيت دلفت والدتها ناريمان إلى داخـــل الغرفة ، وهي تتحدث بـ ...
-ناريمان بصوت آمـــر : يالا يا ليوو ، احنا معزومين مع جايدا ومامتها على العشا

تعجبت ناريمان من حـــالة الذهـــول البادية على وجه ابنتها ، فاقتربت منها بحذر ، و...
-ناريمان متسائلة بحيرة : ليوو ، انتي سمعاني ؟؟

انتبهت ليان إلى صوت والدتها ، ونظرت إليها بنظرات شبه زائغة ، و..
-ليان بصوت مضطرب : بـ.. بتقولي حاجة يا مامي؟
-ناريمان بعدم فهم : انتي مش معايا خالص ، يالا اجهزي عشان هنقابل جايدا ومامتها
-ليان بإرتباك ملحوظ : آآ.. طــ.. طيب
-ناريمان وهي تشير بيدها : خمس دقايق وتكوني تحت ، أنا مش عاوزة أضيع وقت
-ليان بتوتر : أوكي .. أوكي

تركتها والدتها ، وانصرفت من الغرفة ، فبقيت ليان على حالتها المضطربة تلك لثوانٍ قبل أن تبادر بـ ...
-ليان بنبرة شبه مرتبكة : أنا هاقفل الفون خالص لحد ما أشوف هاعمل ايه في الموضوع ده

وبالفعل أغلقت هي هاتفها المحمول ، وتركته على الفراش ، وركضت في اتجاه خزانة الملابس لتنتقي لنفسها ( شورتاً قصيراً ) من الجينز ذي اللون الثلجي ، ومعه كنزة خضراء ذات حمالات رفيعة لترتديها من الأعلى .......
.......................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،،،

وقف أوس أمـــــام فراشه يراقب تقى الغافلة عليه بنظرات شيطانية تحمل الوعيد لها ..
بينما كانت هي تتنفس بطريقة منتظمة ثم حركت جسدها قليلاً ونامت على جانبها فأصبح وجهها في مقابلته ، فنظر إليها بتفرس شديد ، و...
-أوس بنبرة خافتة : براءتك دي مش هتخدعني ، الوش ده أنا شوفت منه كتير ، وقريب أوي هـآآآ...

لم يكمل أوس جملته الأخيرة حيث سمع صوت والده يأتي من الخـــارج ، فأسرع في خطواته ناحية باب غرفته ، وأغلق الباب من خلفه ، ثم تحرك ناحية مصدر الصوت ، فوجد والده مهاب يصعد على الدرج ، و...
-مهاب بصوت آجش يحمل التهكم : المفروض اتجوز الشغالة عشان أضمن انها موجودة في البيت بدل أمك اللي مش عارف أتلم عليها
-أوس ساخراً : ماهي بتزيط في الساحل
-مهاب بضيق : مش راحمة نفسها ، كل أسبوع في حتة ، وأجي أكلمها تقولي مخنوقة ، مضايقة تعبانة ، انت مش فاضيلي

ابتسم أوس في سخرية ، و...
-أوس متسائلاً بلؤم : على كده انت عارف الدكتور ممدوح جاي امتى ؟
-مهاب بعدم اكتراث : باين على الاسبوع الجاي ، مش فاكر والله
-أوس لنفسه بتهكم مرير : وهو انت فاضي تفتكر
-مهاب بجدية : على العموم أنا مسافر يومين مؤتمر طبي في شرم واحتمال لو ناريمان هانم اعدة في الساحل أروح على هناك ، انت جاي ولا لأ ؟
-أوس بعدم اهتمام : لأ مش جاي
-مهاب متسائلاً بفضول : ليه ؟
-أوس بجدية : يعني .. أنا ورايا حاجات أهم هنا
-مهاب وهو يعيد رأسه للخلف : اهــا ، لو غيرت رأيك ابقى عرفني أو عرف الست والدتك على الأقل ، أه ، وابعتلي عفاف ولا حد من الخدامين يجهزلي الشنطة عقبال ما أخد دش وأغير البدلة
-أوس باقتضاب : طيب

تابع أوس والده وهو يتجه ناحية غرفته ، فوضع كلتا يديه في جيبي بنطاله ، وحدق أمامه بنظرات مطولة ، و...
-أوس بنبرة ماكرة : أهي دي أحسن فرصة أعمل كل اللي أنا عاوزه معاها من غير ما أشيل هم اللي عايشين هنا .............................................................................. !!
في قصر عائلة الجندي ،،،،،

ودع أوس والده الذي استقل سيارته الخاصة وقادها إلى خـــارج القصر ، ثم اتجه هو إلى الطابق العلوي بخطوات واثقة ..
كانت المدبرة عفاف تتابعه بقلق ، فهي تخشى على تلك الفتاة البسيطة من بطشه ، و...
-عفاف لنفسه بإنزعاج : لأحسن يكون ناوي للبت على نصيبة ولا حاجة ، أنا هحاول أشغله كده وابعده عنها !!

أسرعت عفاف خلفه ، وأمسكت بالدرابزون ، و...
-عفاف بنبرة شبه مرتبكة : أوس باشا .. آآ.. أحضر لحضرتك العشا

التفت هو لها برأسه ، وحدجها بنظراته القوية الصارمة ، و...
-أوس بإقتضاب : لأ مش عاوز
-عفاف بنبرة متوترة : طب .. طب تحب أعمل لحضرتك حاجة سخنة ، مشروب .. آآ.. أي حاجة
-أوس على مضض: لأ
-عفاف متسائلة بإرتباك : آآ.. حضرتك خارج ، أقول للأمن يجهزلك العربية ؟
-أوس بإنفعال جلي : في ايه ، قولتلك أنا مش عاوز أي حاجة ، ايه مش بتفهمي !
-عفاف بخوف : آآ.. سوري يا باشا

تنحنحت عفاف في قلق بالغ ، فلم يعد أمامها أي مفر لتمنعه من الصعود إلى تلك البائسة ، فتراجعت للخلف ، ورفعت بصرها للسماء ، و...
-عفاف بنبرة راجية : ربنا يسترها عليكي يا بنتي
.......................

ســـــار أوس في الرواق متجهاً ناحية غرفته ، وقف أمام باب الغرفة يتأمل تلك التي ترقد على فراشه بدون حــراك ، و..
-أوس بتوعد : المتعة الحقيقية هتبدأ من بكرة

ثم دلف بخطوات حـــذرة إلى داخل الغرفة ، وتوقف أمام ( التسريحة ) وفتح تلك العلبة التي تحتوي على سجائره الفاخرة ، وأخرج منها واحدة ، ثم أخرج ولاعته ، وقام بإشعالها ، وبدأ يدخنها بتريث شديد .. ثم استدار بجسده للخلف لينظر إلى تقى المسجاة على الفراش بنظراته الفاحصة ، و...
-أوس بخفوت : مممم.. مش متعود عليكي هادية كده ، أما نشوف بكرة هاتعملي ايه

ثم جلس إلى جوارها على طرف الفراش ، وظل يرمقها بنظرات متفحصة لجسدها بالكامل ، و...
-أوس بنبرة خافتة : من الواضح كده إنك مش هاتستحملي غلوة في ايدي ، أخرك يوم ، اتنين ، تلاتة بالكتير وهاتكوني مسلمة نفسك ليا برغبتك أعمل وقتها فيكي اللي أنا عاوزه

ثم اعتلى ثغره ابتسامة شيطانية ، وقام بإطلاق دخـــان سيجارته الكوبية الفاخرة من فمه وهو يتباهى بإنتصاره المؤقت ...
...................................................

في شاليه عائلة الجندي بالساحل ،،،،،

جابت ناريمان الغرفة ذهاباً وإياباً وهي تتحدث في الهاتف بطريقة شبه منفعلة ، و...
-ناريمان هاتفياً بغضب : ماشي ، بس لازم تاخد موقف معاه ، أنا خلاص جبت أخري
-ممدوح هاتفياً بهدوء : هو بيلعب على أعصابك يا حبيبتي ، وانتي مش عاوزة تفهمي ده
-ناريمان بتوجس : يا ممدوح أنا خايفة يقول لمهاب على اللي بينا ، وعلى اللي عملناه في مراتك ، انت ناسي ولا ايه ؟
-ممدوح ببرود مستفز : لأ مش ناسي ، وعــارف كويس إني خدت من تهاني كل حاجة ، ورميتها في الشارع بعد ما لبستها مصيبة .. والموضوع عدى وانتهى ، فكبري دماغك
-ناريمان بحنق : أكبر دماغي ، ده اللي ربنا قدرك عليه
-ممدوح بجدية : ناريمان ، أنا جاي بكرة وهاتصرف ، فماتشليش هم أي حاجة ، حاولي بس تسترخي وتستمتعي بجو الساحل
-ناريمان وهي تزفر في ضيق : اوووف
-ممدوح بصوت عذب : حبيبي ، أنا عارف إزاي هريحك ، بس اهدي انتي بس الأول ..
-ناريمان بعدم اقتناع : أما أشوف
-ممدوح بنبرة ماكرة : حبيبتي ، ده انتي اللي في القلب ...!!!!

................................................

في صباح اليوم التالي ،،،،

خاصم النوم جفني ليان التي ظلت مستيقظة تفكر في طلب فارس الجريء ، كيف يمكنه أن يفكر في هذا ، أخذت تعاتب نفسها على تسرعها معه ، و...
-ليان لنفسها بنبرة منزعجة : أنا كلامي كله كان عادي معاه ، إيه بس اللي خلاه يفكر يطلب مني ده ، بجد أنا مش فاهمة ، يبقى .. يبقى أكيد ده كان غرضه من البداية ، إنه .. إنه آآ... لالالا .. مش معقول

قضمت ليان أظافرها وهي تحاول إيجاد مبرر لما فعله فـــارس ، و..
-ليان بضيق واضح : أنا لازم أقطع علاقتي بيه ، مش هاعرفه تاني ، بس .. بس أنا بحبه فعلاً ، أنا .. انا اتعودت على وجوده في حياتي ، لالالا .. اللي يطلب مني حاجة زي دي يبقى أكيد مش بيحبني ، أوووف بقى ، بجد أنا محتارة ، ومش عارفة أعمل ايه

ثم نظرت إلى وسادتها ، فرأت جزء من هاتفها المحمول موضعاً أسفلها ، فأشاحت بوجهها للناحية الأخرى ، و...
-ليان بضجر : مش عاوزة أبص على الماسدج ( الرسائل ) ، أووف

نهضت ليان من على الفراش ، وحاولت أن تشغل تفكيرها بأي شيء كي لا تفكر في فـــارس ، ولكن غلبها قلبها ، و...
-ليان بإرهاق : لأ مش قادرة ، أنا بس هاشوف إن كان بعت حاجة ولا لأ ..

ركضت في اتجاه الفراش ، ومدت يدها لتجذب الهاتف من أسفل الوســـادة ، ثم قامت بتشغيله ، وانتظرت بضع لحظات حتى يتم تفعيل خدمة الانترنت به ..
انتفض الهاتف في يدها من كم الإشعارات والرسائل التي وردت إليها بمجرد تشغيل الهاتف ، ولكن كان شغالها الأكبر هو رسائل فــارس فقط ، وبالفعل وجدت له عدة رسائل متتالية ، ففتحتها واحدة تلو الأخــرى لتقرأ محتواها و...
(( هو إنتي مفكراني بأطلب منك ده بجد ، لأ أنا بهزر على فكرة ))
(( ليوو ردي عليا ، ده كان اختبار مني ليكي ، عشان أعرف إن كنتي بنت من إياهم ولا حد محترم ))
(( ليوو ، إنتي حبيبتي ، أنا بأعشق كل حاجة منك ))
(( ليان لو مردتيش عليا هايكون أخــر مرة هابعتلك فيها ))
(( أوكي يا ليان ، دي أخــر رسالة مني ليكي ، سلام ))

انقبض قلبها سريعاً ، وشعرت أن أنفاسها قد اضطربت ، فأسرعت بالضغط على زر الرسائل ، وأرسلت له ..
(( فارس ، حبيبي ، أنا هنا ))
(( فارس رد عليا يا قلبي ، وأنا والله بحبك أوي ، بس مكونتش متخيلة إنك هاتطلب مني حاجة زي كده ))

ثم انتظرت لبضع دقائق آملة أن يأتيها الرد على رسائلها ، ولكن دون جدوى .. فضربت الأرضية الرخامية بقدمها بعصبية ، و...
-ليان بضيق واضح : أوووف ، ياباي على غبائي ، كان لازم أقفل الفون وأتسرع !!

.......................................

على الجانب الأخــــر ، تمدد شــاب ما - ذو بشرة برونزية وشعر حليق ، وعضلات بارزة من ذراعيه ، وكتفين عريضين - على أحد المقاعد المخصصة للشاطيء ، ونظر إلى شاشة هاتفه من خلف نظارته الشمسية ، وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة لئيمة ، و...
-فارس لنفسه بثقة : كده أقدر أقول إنك وقعتي ولا حد سمى عليكي

مـــدت فتاة ما ذراعها على صــدر فارس وظلت تعبث بشعره البارز منه ، فالتفت هو لها ، و...
-فارس بنبرة هادئة : ايه رأيك يا لوزة

تمطت لوزة بجسدها – شبه العاري - على المقعد المجاور ، ثم ثنيت ركبتها للأمام ، و...
-لوزة بنبرة ماكرة ، ونظرات شيطانية : الله ينور يا أبو الفرس ، كده انت مية مية
-فارس غامزاً : بس كله بتمنه يا حلو
-لوزة بثقة : طبعاً ، طالما هانجيب راس الباشا الأرض يبقى خلاص
-فارس متسائلاً بفضول : بس انتي متأكدة إن البت أخته هاتكسره وتذله ؟
-لوزة بنبرة شبه حانقة وهي تصر على أسنانها : ده أنا عاوزة أوريه السواد كله من اللي عمله وبيعمله فيا ، ومافيش حاجة بتفرق معاه ، قولت يمكن لما نجرب في اخته اللي بيعمله فيا يتهد ويعرف إن الله حق
-فارس بعدم مبالاة : مافتكرش إن الصنف بتاع الجدع ده هيفرق معاه
-لوزة بنبرة محتقنة : حتى لو مفرقش ، كفاية إني أشوفه مذلول حتى لو في عينين أخته
-فارس وهو يزم شفتيه في استخفاف : وماله عينيها جسمها أي حاجة بقى

أنزلت لوزة ساقيها عن المقعد واعتدلت في جلستها ، وحدجت فارس بنظرات قوية ، ثم ..
-لوزة بنبرة جادة : أل يعني كان بيفرق معاك ؟ ده انت لا مؤاخذة يعني آآ...
-فارس مقاطعاً بعدم اكتراث : لا مايفرقش ، هو أنا خسران حاجة ، ما أنا طول عمري عايش على قفا النسوان من غير ما تقوليها
-لوزة على مضض : طب كويس إنك عارف ده
-فارس بنبرة شبه منزعجة : طب قفلي على السيرة دي وخلينا نقوم نطفح أي حاجة ، أنا ماكلتش حاجة من الصبح
-لوزة باستهجان : وماله ياخويا ، تعالى أما نشوف القرية الزفت دي بيأكلوا فيها ايه

ثم نهض كلاهما عن المقعدين ، وســـارا على الرمـــال في اتجاه بوابة القرية السياحية ...

........................................

في المشفى الحكومي ،،،،

أفاق العم عوض من تلك الغيبوبة ليجد نفسه مسجى على فراش بالي في عنبر ما ومن حوله عشرات المرضى وذويهم ..
شعر عوض الله بجفاف في حلقه ، فمد كف يده المجعد يتحسس عنقه ، و...
-عوض بصوت خافت وضعيف : أنا .. أنا فين ؟ آآآآه

شعر عوض بآلام حـــادة في أجزاء متفرقة من جسده ، فحاول أن يستكشف مصدر الآلم ولكنه كان عاجز عن الرؤية بوضوح ..
اقتربت منه ممرضة ما ، حدجته بنظرات متأففة قبل أن تنطق بـ ...
-الممرضة بصوت بارد : انت فوقت يا حاج ؟
-عوض متسائلاً بنبرة ضعيفة : هو .. هو ايه اللي حصل ؟

لوت الممرضة شفتيها في قرف ، ثم وضعت علكة ما في فمها ، وبدأت تمضغها بطريقة مستفزة قبل أن تعاود النظر إلى الأوراق التي في يدها ، و..
-الممرضة بعدم اكتراث : هو انت مش فاكر انت جيت هنا ليه ؟
-عوض بنبرة خافتة : أنا .. أنا مش فاكر أي .. أي حاجة
-الممرضة بفظاظة : طب لما تفتكر إبقى ناديني ، أنا مش فاضية ، ورايا بلاوي تانية غيرك

ثم رمقته بنظرات مشمئزة قبل أن تسير مبتعدة عنه ، فتابعها هو ببصره المرهق ، و..
-عوض وهو يتنهد في إنهاك : وبيقولوا عليكم ملايكة رحمة ، ده .. ده انتو .. آآ.. حسبي الله ونعم الوكيل
...............................................

في قصـــر عائلة الجندي ،،،،

غفا أوس على الفراش بجوار تقى بعد أن قضى معظم ليلته وهو يدخن السجائر بشراهة ويراقب كل إيماءة وحركة تصدر عنها وهي نائمة ..
بدأت تقى تتململ في الفراش وهي تئن بخفوت ، فجسدها الضئيل مرهق ، وقدمها مازالت كما هي تؤلمها بشدة
فتحت عينيها ببطء محاولة استيعاب وتذكر ما حدث ، فوجدت الصورة في البداية ضبابية غير واضحة المعالم ، ثم تدريجياً بدأت الصورة تتضح أكثر أمامها ..
نعم هي في غرفة ما يبدو من هيئة أثاثها الباهظ أنها فاخرة للغاية ، هي ليست في مكان عادي ، ولا في غرفتها في مسكنها المتواضع ، وليست في مشفى ، فالفراش مريح ووثير ، وهناك على الجانب خزانة ملابس عريضة للغاية ربما تحوي العديد والعديد من الملابس ، وأمامها أريكة مريحة جلدية ، وكذلك على مقربة منها طاولة صغيرة من اللون البني الماهوجني ، وحينما دارت بعينيها قليلاً للجانب لمحت تسريحة ما ضخمة ذات شكل مميز ، وعلى الجدار المقابل لها صورة ما كبيرة لأحد الأشخاص ..
دققت تقى نظرها لتتبين ملامح صاحب الصورة ، فاتسعت عينيها فجـــأة في خوف ، وأمسكت بأصابع يدها المرتجفة بطرفي الملاءة التي تغطيها ، و...
-تقى برعب لنفسها : ده .. ده هو !!

ابتلعت ريقها في خوف أشــــد ، و...
-تقى لنفسها بذعر : أنا .. أنا ايه اللي جابني هنا ؟!!!!

ما زاد من فزعها حقاً هو حينما استدارت برأسها للجانب وجدت أوس ممدداً إلى جوارها ، ومغمضاً لجفنيه ، فجحطت بعينيها ، وارتسمت علامات الرعب الممزوجة بالفزع على كل ذرة في كيانها ، وازدادت إرتجافتها ، وانقبض قلبها أكثر ، و...
-تقى بنبرة مذعورة : ده .. آآ.. لألألأ .. أنا

ما طمأنها قليلاً هو أنها رأته مرتدياً كامل ملابسه فيما عدا سترته التي كان قد خلعها مسبقاً ، ورفعت هي الملاءة قليلاً لتتأكد من أن ملابسها مازالت عليها ، وبالفعل وجدت نفسها كما هي ، فتنهدت في إرتياح ، و...
-تقى لنفسها بخفوت : الحمد لله يا رب ، الحمدلله ، أنا تمام ، مافيش حاجة إن شاء الله تكون حصلت ..

ولكن سرعان ما تلاشى هذا الارتياح ، وحل مكانه الذعـــر ، حيث تحسست شعرها فوجدته مكشوفاً بدون أي حجاب ، فصرت على أسنانها في ضيق ، و...
-تقى لنفسها بخوف : أنا لازم أمشي من هنا قبل ما المتوحش ده يصحى ، ويفكر يعمل فيا حاجة ..!

تحاملت تقى على نفسها ، وعضت على شفتيها وهي تحاول تحريك قدمها المصابة دون أن تصدر أي صوت كي ينبه أوس فيستيقظ
أزاحت هي الملاءة أولاً بحذر ، ثم أنزلت ساقيها ، وبدأت في تحريك جسدها الذي كان شبه متيبساً من النوم عليه ، وما هي إلا لحظات حتى وقفت على قدميها ..
بحثت تقى عن أي شيء لتغطي به شعرها المكشوف فلم تجد ، فعقصته كحكة ، و...
-تقى لنفسها بإنزعاج : مش مهم شعري الوقتي ، أهرب من هنا ، وبعد كده أشتري أي ايشارب أغطيه بيه وأنا ماشية .. بس .. بس فين المحفظة بتاعتي ، وآآ.. والكيسة اللي جيت بيها

انحنت تقى بجسدها للأمام قليلاً ، ورفعت ملاءة الفراش من الجانب لتبحث أسفله عن حقيبتها البلاستيكية ، فلم تجد شيء ، فزفرت في ضيق واضح ، ثم مطت شفتيها في تذمر ، و...
-تقى بقلق وهي تضع يدها على جبينها : طب هاعمل ايه ؟ ده حتى الشبشب بتاعي مش موجود ، يعني هامشي حافية وشعري مكشوف ..!

ثم التفتت برأسها للخلف قليلاً ، وحاولت أن تنظر إلى أوس من زاوية عينها ، و...
-تقى وهي تصر على أسنانها في حنق : منك لله يا بعيد ، ربنا ينتقم منك ...!!!!

زفــــرت هي مجدداً في غضب ، ثم قررت أن تترك الغرفة ، فلا داعي لوجدها بها أكثر من هذا ..
عرجت تقى في مشيتها البطيئة وتآلمت بشدة وهي تخطو على قدمها اليمنى ، ورغم هذا كتمت أنينها حتى لا يصحو أوس ...

اقتربت تقى من باب الغرفة ، فشعرت أنها على وشك النجاة من عرين ذاك الهمجي ، ولكنها تفاجئت بصوته المرعب يأتيها من الخلف ، ويتحدث بـ ...
-أوس بنبرة متصلبة : رايحة فين السعادي

أغمضت هي عينيها ، وكورت قبضتي يدها في خوف ، وحاولت أن تقنع نفسها أنها تتوهم سماع صوته ، واستمرت في الحركة ..

ثم تسمرت في مكانها حينما وجدت قبضة يده قد امتدت لترى ذراعه القوي يسد عليها الطريق ، فنظرت إليه في ذعر وهي ترتجف بجسدها ، و...
-أوس بنبرة جادة : هو أنا أذتلك تمشي ..............................؟؟؟؟
في قصر عائلة الجندي ،،،،،

شحب لون وجه تقى حينما نظرت في عيني أوس الصارمتين وهو يحدجها بهما ، فتراجعت خطوة للخلف وهي تضع كلتا يديها على فمها محاولة كتم شهقاتها المذعورة ، بينما عقد هو ساعديه أمام صدره ، وتحرك في اتجاهها ، و...
-أوس بنبرة متغطرسة : إنتي هنا في مملكتي ، يعني متقدريش تعملي أي حاجة من غير ما أديكي الإذن بده
-تقى بتلعثم جلي : أنا .. انا
-أوس بصوت بــارد ومخيف : إنتي مسجونة هنا

جحظت هي بعينيها أكثر ، وإزدادت رجفتها ، وجف حلقها وهي تحاول أن تتحدث بـ ...
-تقى فاغرة شفتيها في رعب : هــــاه ، مـ.. مـ.. مسجونة !

أومــأ هو برأسه إيجابياً في ثقة بالغة ، ثم استمر في التحرك نحوها حتى إلتصق جسدها الضئيل بذلك الجدار الذي لا تعرف من أين جــاء ، فتمكن هو من حصارها بكلا ذراعيه .. ثم مـــال برأسه نحو رأسها التي حاولت جاهدة إبعادها عن أنفاس فمه الكريهة ، فابتسم هو أكثر في تشفي لأنه نجح في إثارة إشمئزازها ، و...
-أوس بنبرة أقرب لفحيح الأفعى : عاوزك تحسي بكل اللي هاعمله فيكي ، عاوز أفضل شايف نظرة القرف دي في عينك وفي آآ..

ثم توقف عن الحديث ليتأمل شفتيها التي كانت ترتجف عفوياً ، ومـــال نحوهما و..
-أوس بنبرة خافتة : بس منكرش إن فيكي حاجة مخلياني أحس بإني عاوزك وإنتي بحالتك دي ..!
-تقى بذعر : آآ.. لا .. آآ.. لألألأ

ظنت تقى أنه يحاول التلميح إلى تقبيلها ، فتملكها الذعـــر ، لذا رفعت كفي يدها ، وحاولت إبعاد وجهه عنها ، فأمسك هو بهما ، وأبعدهما بسهولة عنه ، ثم أرجعهما للخلف ، ورفعهما قليلاً للأعلى ، وثبتها كلياً من معصميها ، واقترب برأسه أكثر منها ، و..
-أوس وهو يصر على أسنانه في حنق : بس انا عاوزك تكوني مذلولة اكتر ..!

ثم ضغط بقبضتي على معصميها ، فجعلها تتأوه من الآلم ، و...
-أوس بنبرة محتقنة : ومش بس كده لأ مكسورة قدامي ، مجروحة ، مدمرة ..!

لم تتحمل تقى الآلم أكثر من هذا ، فذرفت الدموع ، و..
-تقى بنبرة باكية : آآآه .. حـ.. حرام عليك
-أوس بتوعد : خروجك من القصر ده مش هايكون إلا بالدم يا .. يا تقى !

ثم أرخى قبضتيه عن معصميها ، وتراجع خطوة للخلف ، واستدار بجسده ، ثم نظر أمامه ، و..
-أوس بجمود : ومن الوقتي هايبدأ عذابك !

أمسكت هي بمعصميها وهي تبكي بمرارة ، وظلت تفرك فيهما لتخفف من حدة الآلم ، حيث تركت أصابعه بصمة عليها ، فالتفت هو برأسه قليلاً للخلف ، و..
-أوس بلهجة صارمة : جهزي نفسك يالا
-تقى بصوت مختنق : إنت.. إنت عاوزني أعمل ايه ؟
-أوس ببرود : هانبدأ باللي وسختيه
-تقى بعدم فهم : قـ.. قصدك ايه ؟

اقترب هو منها ، فإنكمشت هي على نفسها ، وحاولت أن تخفي وجهها بكلتا يديها ، فابتسم في استهزاء ، ثم أسند قبضة يده على الجدار ، و...
-أوس بنبرة قاسية : الدم اللي سيادتك وسختي بيه البورسلين اللي عمر أهلك ما مشيوا عليه ..!!!!
-تقى بتلعثم : د.. دم ايه ؟

أمسك هو بكفي يدها بقبضته الأخرى ليرى وجهها بوضوح، وجذبها منهما نحوه ، فارتجفت في فزع حقيقي ، ثم نظر مباشرة في عينيها ، و...
-أوس بنبرة جافة : عاوزة تعرفي دم ايه ؟
-تقى بصوت مكتوم : آآ... أأ..

أشــــار هو بعينيه للأسفل نحو قدمها المصابة ، و...
-أوس بتهكم: دم رجل جانباك
-تقى وهي تبتلع ريقها في رعب : هــاه ..
-أوس بنبرة فجة تحمل السخرية : ماهو اللي بيوسخ حاجة هنا لازم ينضفها ، وأنا مستني سيادتك تعملي ده ، ها رأي الهانم ايه ؟!!

ثم مـــد يده ليزيح تلك الخصلات التي سقطت على جبينها ، وامتزجت بعرقها البارد ، و..
-أوس بهدوء مستفز : في عند سيادتك اعتراض ولا حاجة ؟
-تقى بصوت مرتجف ومذعور : لأ.. آآ.. ابعد عني !!

حاولت هي أن تبعد رأسها للخلف ، وتتجنب لمساته المقززة لها ، ولكنها كان مستمتعاً بتعذيبه النفسي لها ، و..
-أوس بنبرة شبه آمــرة ومتهكمة : ما تهدي كده وتركزي ، هو أنا هاعضك مثلاً ، ده أنا بس بأشيل الشعر الملزق ده عن وشك عشان أتملى بطلعتلك البهية ..!

تلوت هي بجسدها لتتحرر منه ، وجاهدت لتبعد رأسها للخلف بعيداً عنه ، فخرج صوتها مبحوحاً مختنقاً ، و..
-تقى بنبرة مرتعدة : آآ.. متلمسنيش ، أنا .. بأقرف منك

أدهشته تلك الكلمة التي نزلت على مسامعه كصاعقة كهربائية ، حيث لوى فمه في تهكم واضح ، وعبس وجهه ، وقطب جبينه ، و...
-أوس باستغراب وهو عاقد لكلا حاجبيه : انتي ايه ياختي ؟

حـــاولت تقى أن تستجمع شجاعتها الهاربة ، وتبدو أمامه صلبة ، ليست بالضحية السهلة ، فابتلعت ريقها ، ونظرت إليه شزراً من عينيها المجهدتين ، و..
-تقى بتلعثم : أنا .. آآ.. أنا بأقرف منك

ترك أوس كفي يدها ليحررها ، ثم وضع يده على رأسه ، وعبث في شعره ، وأولاها ظهره واتجه ناحية التسريحة ، فتوجست هي خيفة منه ، ولكنها تفاجئت به يطلق ضحكة عالية ، و...
-أوس ضاحكاً بطريقة مستفزة : هههههههههههههه ، لأ بجد ، بتقرفي ، هههههههههههههههههه انا مش مصدق وداني ..!

ثم صمت فجـــــأة عن الكلام ، وتجمدت ملامحه بالكامل ، و...
-أوس بنبرة متجهمة وهو يشير بإصبعه : بقى إنتي ، واحدة جربوعة زيك بتقرف مني أنا أوس الجندي !

ثم ضرب بقبضته على التسريحة ، و...
-أوس وهو يصر على أسنانه في غضب : ده .. ده إنتي عمرك ما كنتي تحلمي إنك تشوفي الجنة دي ولا في منامك ..!

انتفضت هي فزعة في مكانها على إثر الصوت ، ولكنها لم تعدْ تخشاه أو تهابه ، فليس هناك ما تخسره ، و...
-تقى بصوت شبه عالي : أيوه بأقرف منك ومن اللي زيك ، أنا لو موافقة إني أكون هنا فبأفكرك إنه ده بس عشان خاطر أمي الغلبانة ، لكن أنت جنتك هنا جهنم بالنسبالي ..!

توقف هو عن الكلام ليتابع ردة فعلها الغاضبة ، فتملكتها شجاعة لا تعرف من أين جائتها ، وســارت وهي تعرج في اتجاهه ، ثم أشاحت بيدها في وجهه ، و..
-تقى بصوت متشنج : أنا مش أعدة هنا بمزاجي ، ولو جتلي أي فرصة إني أمشي هامشي ، لكن عشان خاطر أمي اللي هاتروح في داهية بسبب جبروت واحد مفتري زيك ، فأنا غصب عني أعدة ، لكن متفكرش إني هاكون راضية إني أكون مع واحد مقرف زيك في مكان واحد ، ده مقلب الزبالة انضف منك ، و آآآ...

رفـــع أوس كف يده عالياً في الهواء مهدداً بصفعها ، و..
-أوس مقاطعاً بحدة : أخررررســــي ، مش عاوز أسمع نفس منك

وبالرغم من أنها تصلبت في مكانها ، ورمشت بعينيها لأكثر من مرة في خوف ، إلا أنها لم تتحرك قيد أنملة ، بل على العكس حدقت في عينيه بنظراتها الحادة ، ولم تكف عن حديثها الجريء ، و..
-تقى بصوت شبه مرتجف : لو عاوز تضرب اضرب ، أنا مش خايفة منك ، إنت واحد جبان ، مش بتقدر تفتري غير على النسوان وبس و.. آآآآآه ..!

هــــوى أوس بكف يده على وجنة تقى صافعاً إياها بقسوة جعلتها تنزف دماً من شفتيها ، و...
-أوس بصراخ عنيف : بس بقى اخرسي ، مش عاوز اسمع صوتك ده ..!

وضعت تقى يدها مكان الصفعة التي آلمتها بشدة ، وإنهمرت دموعها رغماً عنها ...
أمسكها أوس من ذراعيها ، وهزها بعنف منهما ، و...
-أوس محذراً بغلظة : أنا لو عاوز أعرفك أنا مفتري إزاي على النسوان اللي زيك ، فالوقتي أقدر أوريكي ، وآآ..

في تلك اللحظة دلفت المدبرة عفاف إلى داخل الغرفة وعلى وجهها علامات الذعـــر ، و...
-عفاف بنبرة شبه عالية ومترددة : أوس باشا ، بــ..بعد إذنك آآ..

لم يلتفت لها أوس ، بل ظل قابضاً على ذراعي تقي عاصراً إياهما بقبضتيه القوية ، ومحدجاً إياها بنظرات نارية قاتلة ، و..
-أوس بصرامة : عاوزة ايه انتي كمان ، انتي مش شايفاني مشغول مع الهانم الجديدة

سلطت عفاف بصرها على تقى ورأت تلك الحالة البائسة التي وصلت إليها ، و...
-عفاف بقلق بالغ : أنا .. انا عاوزة أقول لحضرتك إن .. إن عدي باشا منتظرك تحت ، وآآ.. وبيقول إن .. إن لو .. لو سيادتك منزلتش هو .. هو هيطلعلك

صــــر أوس على أسنانه في غضب واضح ، وغرس أظافره في ذراعي تقى ، ونظر إليها بقساوة بالغة و...
-تقى وهي تتأوه من الآلم : آآآآآآه .. دراعي .. آآآآه
-أوس بنبرة متوعدة تحمل التهديد : عاوزك بقى تستحملي واحد مش بيفتري غير على النسوان
-عفاف مقاطعة بتوتر : أوس باشا .. آآ... أبلغ عدي باشا بإيه ؟؟
-أوس بقسوة شديدة : خليه يطلعلي هنا

اتسعت عيني عفاف في ذهــــــول جم ، وارتسمت علامات الخوف على تعابير وجهها ، و...
-عفاف بصدمة : اييييه .................................... ؟؟!!!
بداخـــل مخفر الشرطة ،،،

فتح صــول ما يعمل بالمخفر باب الحجز المظلم والمخصص للنســـاء ، ثم صدح عالياً بـ ....
-الصول بلهجة آمــرة : فردوس اسماعيل شحاته ، حكمت عطا الله
-فردوس بصوت شبه عالي ومبحوح : أيوه أنا
-حكمت بتلهف : إيوه أني اهوو
-الصول بنبرة قوية : تعالوا انتو الاتنين أوام ، الباشا وكيل النيابة عاوزكم
-فردوس بقلق : ليه ؟
-حكمت بتوجس : يا ساتر ..!!!
-الصول بحدة : وأنا هاعرف منين ياختي منك ليها ، انجروا في يومكم مش هافضل أستنى جنابكم كتير
-فردوس بتوجس : حاضر يا شويش ، أنا جاية أهو
-حكمت بنبرة عالية : ماشي يا شويش

إتكأت فردوس على مرفقها لكي تنهض عن الأرضية الصلبة التي ظلت ماكثة عليها لليالٍ طوال ..
شعرت هي بتيبس في عضلات جسدها المنهك ، ورغم هذا تحاملت على نفسها وســارت في اتجاه الصــول الذي دفعها من كتفها لخـــارج الحجز ، لحقت بها حكمت ، فدفعها هي الأخرى للخــارج ، ثم أوصـــد الباب الحديدي بالمفتاح على بقية المسجونات المحتجزات ..

ســــارت كلاً من فردوس وحكمت بصحبة الصول في رواق ما طويل – والقيود الحديدية موضوعة في معصميهما - حتى توقف بهما أمام باب غرفة وكيل النيابة .. فحدج العسكري الجالس على المقعد الملاصق للباب بنظرات حادة قبل أن يردف بـ ....
-الصول بصوت آمـــر : خش يا عسكري بلغ الباشا إن المسجونة فردوس شحاته والمسجونة حكمت عطا الله معايا

نهض العسكري فزعاً من مكانه ، وانتصب في وقفته ، ثم ...
-العسكري وهو يؤدي التحية العسكرية : حاضر

ثم أولاه ظهره ، وطرق الباب طرقتين خفيفتين ، ثم دلف للداخل ، وأغلق الباب من خلفه ، وغـــاب لثوانٍ معدودة قبل أن يفتح الباب مجدداً ، و..
-العسكري بصوت آجش : خشي يا فردوس إنتي الأول الباشا وكيل النيابة مستنيكي
-فردوس بصوت ضعيف : حاضر

حـــل الصول القيود من معصمي فردوس التي فركتهما وهي تدلف إلى الداخل .. بينما وقفت حكمت وهي تزم شفتيها للأمـــام و..
-حكمت بصوت خافت يحمل التهكم : حتى في دي فيها كوسة !
-الصول بلهجة صارمة : اخرسي يا مسجونة
-حكمت بتذمر : وهو أنا قولت حاجة يا شويش

......................

توقفت فردوس أمـــام مكتب ذلك الرجل المهيب ذو الحلة البنية الداكنة ، و..
-وكيل النيابة بنبرة هادئة : تعالي يا ست فردوس اقعدي
-فردوس بصوت مرتبك : كـ.. كتر خيرك يا بيه

تحركت فردوس في اتجاه المقعد المقابل للمكتب ، وجلست عليه وهي تحاول كتم صوتها المتآلم الذي يصدر عن أنين عضلاتها المرهقة ..

عبث وكيل النيابة بالقلم الخاص به بأصابعه ، ثم سلط بصره على فردوس ، و...
-وكيل النيابة بهدوء : شوفي يا ست فردوس حصل تنازل عن المحضر
-فردوس بعدم تصديق وهي فاغرة شفتيها : هــــاه !!
-وكيل النيابة متابعاً بنفس الهدوء : أيوه ، وصاحب الشكوى سحب البلاغ وده جه في مصلحتك بدل ما كنتي هاتتبهدلي وإنتي في السن ده
-فردوس بعدم استيعاب : طب .. طب إزاي ؟
-وكيل النيابة بنبرة عادية : زي أي حاجة ما بتحصل في الزمن ده ، المهم خدي بالك بعد كده ، ومافيش داعي إنك تحطي نفسك في موضع شبهات ، إنتي ست كبيرة والبهدلة في السن دي مش حلوة عشانك
-فردوس بتلعثم : حـ.. حاضر يا بيه
-وكيل النيابة وهو يشير بيده : وقعي هنا عشان نكمل إجراءات خروجك من القسم
-فردوس بصوت خافت : حاضر

لم تستوعب فردوس كيف حدث هذا ، ولكنها حمدت الله في نفسها أنها خرجت من هذا المــأزق ..
انتهت هي من التوقيع فآمرها وكيل النيابة بالإنتظار في الخــارج ، وطلب حضور حكمت للداخل لكي ينتهي من اكمــال المحضر معها ..

.......................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

تسمرت عفاف في مكانها ، وجحظت بعينيها في اتجاه أوس القابض على تقى من ذراعيها ، و...
-أوس بصوت عالي يحمل الصرامة : هاتفضلي واقفة هنا كتير ، انزلي نادي لعدي
-عفاف بنبرة مرتبكة : حـ... حاضر

ابتلعت هي ريقها في خـــوف وهي تسير في اتجاه الدرج ، و...
-عفاف بتوجس شديد : استرها يا رب ، قلبي حاسس إن في كارثة هاتحصل ..!!!!

نزلت عفاف على الدرج سريعاً ، واتجهت إلى ردهة القصر حيث يقف عدي ، و...
-عفاف بنبرة شبه عالية رغم إرتجافها : عُدي باشا

انتبه لها عدي ، ونظر إليها بجمود ، و..
-عدي بتأفف : ايه الباشا مش عاوز يصحى ؟
-عفاف وهي تهز رأسها بالنفي : لأ ..

ثم استدارت برأسها للجانب ، ورفعت إصبعها للأعلى ، و...
-عفاف بتوتر : هو .. هو منتظر حضرتك فوق !
-عدي باستغراب : في ايه ؟ مالك مش على بعضك كده ليه يا عفاف ؟
-عفاف بقلق : هــه .. آآ.. لالا ... مافيش .. اتفضل حضرتك

رمقها عــدي بنظرات استغراب ، ثم ســـار في اتجاه الدرج ، وصعد عليه بتمهل ، واتجه للأعلى ...

........................................

أمـــــام مخفر الشرطة ،،،،

دلفت فردوس إلى خــــارج المخفر وهي تضع كف يدها على جبينها لتحجب أشعة الشمس القوية التي تؤلم عينيها ، و..
-فردوس بنبرة راضية : ألف حمد وشكر ليك يا رب .. الحمدلله اللي نجاني من النصيبة دي

خرجت حكمت هي الأخـــرى خلفها ، ووقفت على الدرج الرخامي ، و...
-حكمت بسخط : الله يحرقها أيام بنت كلب
-فردوس بنظرات إشمئزاز ، ونبرة جادة : بقولك ايه يا حكمت ، احنا لحد كده وقطعنا مع بعض ، لا سلام ولا كلام ، ولا أعرفك ولا تعرفيني
-حكمت بتذمر : جرى ايه يا فردوس ، ما احنا طلعنا منها أهو
-فردوس بحنق : بقى يا ولية يا اللي معندكيش دم ولا أخلاق تلبسيني في نصيبة تودي في داهية ، وعاوزاني أكلمك عادي
-حكمت بتلعثم : يـ.. يعني كنت أعمل ايه ، ما .. ما أنا خوفت وآآ..
-فردوس بنبرة مغلولة : حسبي الله ونعم الوكيل فيكي ، اوعي بقى خليني أشوف بيتي وجوزي والبت عاملين ايه
-حكمت وهي تمط شفتيها في تهكم : إن ياختي ماحد فيهم سأل عليكي ولا جابلك حتى عيش وحلاوة ، عيلة تشرف بصحيح
-فردوس بنبرة غليظة : مالكيش دعوة ، وابعدي عني بقى ، أعوذو بالله منك ولية ..!!!

ثم أسرعت فردوس في خطواتها المتثاقلة لتبتعد عن حكمت ، في حين رمقتها الأخيرة بنظرات متعالية ، ثم وضعت يدها في منتصف خصرها ، و...
-حكمت بإمتعاض : ياختي بتتنططي على ايه ، وعلى رأي المثل أبوكي البصل وأمك التوم ، هاتجيلك الريحة الطيبة منين يا مشؤوم .. !!!
................................

في قصـــر عائلة الجندي ،،،،

توجـــه عــدي إلى غرفة أوس فتفاجيء به ممسكاً لتقى ويهزا بعنف من ذراعيها ، وهو يصدح بــ ....
-أوس بنبرة مغلولة : هاتتمني الموت ألف مرة ، ومش هاتطوليه أبداً
-تقى بصوت مختنق : انت شيطان والله ، شيطان ، استحالة تكون طبيعي ..!!!
-عدي بصدمة : أوس ..!!!!

ركض عدي سريعاً في اتجاههما ، ثم وضع قبضتي يده على ذراعي أوس وحـــاول إبعادهما عن تقى ، ولكن ظل أوس متشبثاً بها ، و...
-عدي بضيق : سيبها يا أوس ، البت هاتموت في ايدك
-أوس بنظرات شيطانية وهو يصر على أسنانه في شراسة : مش هاسمحلها تموت حتى إلا بأوامري
-عدي بحدة : يا بني فوق ، اللي انت بتعمله ده غلط

نجح عـــدي بالفعل في استخدام قوته الجسمانية في ابعاد قبضتي أوس عن تقى التي شهقت في خوف ، و...
-أوس بغلظة ونظرات بها شرر متطاير : ابعد عني يا عدي ..!
-عدي بإصرار : لأ مش هابعد

أحكم عدي قبضتيه على أوس ، وتحرك به في اتجاه الجانب ليفسح المجــال أمام تقى لكي تمر دون أن يعترضها أوس أو أن تطالها يديه .. ثم رمقها بنظرات جادة قبل أن يتشدق بـ ...
-عدي بصرامة : وانتي يا بت ، غوري من هنا يالا ، اطلعي برا القصر ده ، وإياكي تفكري تيجي هنا تاني ، سامعة .. !!!

هزت تقى رأسها موافقة عدة مرات في خوف ، وضمت ذراعيها حول صدرها ، حيث وضعت كفي يدها على موضع الآلم الذي أحدثه أوس في ذراعيها ، وسارت وهي تعرج نحو الخـــارج ...

حــــاول أوس أن يتحرر من عدي الذي ظل ممسكاً له ، و....

-أوس بنبرة متهورة وهـــــادرة : حتى لو مشيتي الوقتي غصب عني ، بكرة هاترجعي هنا بمزاجك ، سمعاني ، هترجعي بمزاجك عندي ......!!!!

انتفضت كل ذرة من كيان تقى فزعاً على إثر صوته ، ولم تحاول حتى أن تلتفت للخلف بل على العكس خطت على قدمها اليمنى – رغم تآلمها – حتى تسرع في خطواتها أكثر ، واتجهت ناحية الدرج حيث وجدت عفاف تقف منتظرة إياها عليه وهي تشير لها بيدها ، و...
-عفاف بنبرة خافتة ، ونظرات متوجسة : تعالي يا بنتي معايا ، تعالي !

ثم مــدت يدها نحو تقى لتساعدها في النزول على الدرج ، و..
-تقى بنبرة مرتعدة : الله يخليكي طلعيني من هنا
-عفاف بنبرة جادة : حاضر ، حاضر !

اصطحبت المدبرة عفاف تقى واتجهت بها ناحية المطبخ .....
...............

كانت حالة تقى مزرية للغاية ، فأشفقت عليها عفاف ، وخافت أن يكون الأسوأ قد صـــار لها ، و...
-عفاف متسائلة بتوجس : إنتي .. إنتي كويسة يا بنتي ؟ حـ.. حد عـ.. آآ.. عملك حاجة
-تقى بذعر ، ونظرات راجية : أنا عاوزة أمشي من هنا ، خليني أسيب المكان المقرف ده الله يكرمك
-عفاف بهدوء : ماشي ، بس مش هاينفع تخرجي كده

ثم أشــــارت بعينيها نحو عباءة تقى شبه الممزقة ، والمكسوة بالتراب ..
كما وضعت تقى هي الأخــرى يدها على شعرها ، و...
-تقى بصوت مختنق وعلى وشك البكاء : أنا محجبة .. وآآ.. وشعري اتكشف وآآ..
-عفاف مقاطعة بنبرة هادئة : خلاص اهدي يا بنتي ، محصلش حاجة إن شاء الله

ثم وضعت ذراعها حول كتفي تقى وضمتها إلى صدرها ، و..
-عفاف بنبرة بها حنو : ربنا يسترها عليكي وعلى اللي زيك ، تعالي معايا يا بنتي على المطبخ ، وأنا هحاول أتصرف

................................

أرخــــى عُدي قبضته عن أوس ، واتجه ناحية باب الغرفة ، ثم أغلقه على كلاهما ، واستدار ناحية أوس ، ولكنه ظل ملاصقاً بظهره للباب و...
-عدي بحنق : إنت اتجننت ، عاوز تودي نفسك في داهية عشان خاطر واحدة بيئة زي دي

لوح أوس بكلا يديه في الهواء في غضب ، و...
-أوس بنبرة مغلولة : كنت تسيبني أوريها هي مين وأنا مين
-عدي بجدية : اهدى بس الأول ، هي خلاص غارت من هنا

اقترب أوس من عدي ، ثم وجه إصبعه نحوه ، و...
-أوس بغضب هادر يحمل التوعد : هترجع تاني ، قسماً بالله لهترجع ، ماهو أنا مش هاسيبها تفلت مني بالبساطة دي

ثم قـــام بالطرق بقوة بقبضة يده على باب الغرفة ، فانحنى عدي بجذعه للجانب قليلاً ، و...
-عدي بهدوء حذر : ماشي هترجع ، بس مش الوقتي خالص
-أوس وهو يصر على أسنانه في توعد : مش هاسيبها تتهنى يوم ، مش هاخليها تنام مرتاحة أبداً
-عدي لنفسه باستغراب : هي البت دي عملاله وسواس ولا ايه !! هو ماله حاططها أوي في دماغه !!

ظل أوس يتوعد لتقى بالانتقــــام الشرس ، ثم ســـار في اتجاه الشرفة الملحقة بغرفته ، وقام بفتح ضلفتي النافذة ، و...
-أوس بضيق : عملت اللي قولتلك عليه ؟
-عدي بصوت هاديء : ايوه
-أوس متسائلاً بنبرة شبه منزعجة : يعني أمها خرجت ؟
-عدي وهو يوميء برأسه : اها .. تلاقيها في بيتها الوقتي

دلف أوس إلى داخل الشرفة ، ونظر امامه بنظرات يتطاير منها الغضب ، و...
-أوس بنبرة تحمل الوعيد : كويس أوي ، كده أنا متأكد إنها هاتيجي بمزاجها لحد عندي تسترجاني ............................. !!!
في قصر عائلة الجندي ،،،،،
في المطبخ ،،،،

أجلست المدبرة عفاف تقى على المقعد الخشبي في المطبخ ، وقدمت لها مشروباً بارداً ، و...
-عفاف بصوت دافيء : اشربي ده يا بنتي
-تقى بنظرات مذعورة ، وصوت ضعيف : أنا مش عاوزة أكل ولا أشرب ، أنا عاوزة أسيب المكان ده وأمشي

ثم مــدت كلتا يديها لتمسك بكفي عفاف ، وحاولت أن تقبله في توسل ، و...
-تقى بنبرة راجية : أبوس ايديكي مشيني من هنا ، وحياة أغلى حاجة عندك مشيني

سحبت عفاف يدها سريعاً للخلف ، ونظرت إلى تقى بإشفاق ، و...
-عفاف بقلق : استغفر الله يا بنتي ، حاضر ، أنا هاتصرف وهاخرجك من هنا
-تقى بصوت ضعيف : الله يكرمك شوفيلي أي حاجة أغطي بيها شعري ، أنا ماينفعش أطلع كده ، كفاية أوي اللي حصلي وآآآ..
-عفاف مقاطعة بهدوء : حاضر .. حاضر ، ولو إن ده صعب في القصر هنا ألاقي حجاب ..!!
-تقى بنبرة متلعثمة : أنا .. أنا كنت جاية ومعايا محفظتي ، وآآ.. وشنطة بلاستيك فيها عباية بتاعة أمي وآآ..
-عفاف مقاطعة بنبرة مهتمة : استني اسأل كده عند الـ security ( الحراسة ) إن كانت حاجتك لسه موجودة عندهم ، ولا لأ ...!

تحركت عفاف في اتجاه الهاتف الأرضي المعلق على أحد الجدران ، فتابعتها تقى بعينين راجيتين ، و...
-تقى بنبرة متعشمة : يا رب تكون عندهم

أمسكت عفاف بسماعة الهاتف ، وضغطت على أحد الأزرار ثم وضعت السماعة على أذنها ، و...
-عفاف هاتفياً بجدية : ايوه يا أحمد ، بقولك كان البنت الجديدة اللي اسمها تقى جاية ومعاها شنطة كده فيها حاجتها وآآ..

صمتت عفاف عن الحديث لتستمع إلى ما يقوله الحارس أحمد على الجانب الأخــر ، و..
-عفاف متابعة بهدوء وهي تمط شفتيها : مممم... أها .. تمام ، خلاص هات الحاجة عند الباب بتاع المطبخ ، منتظراك

أنهت هي المكالمة معه ، ثم أعادت سماعة الهاتف لمكانها ، والتفتت للخلف ، و...
-عفاف بإبتسامة هادئة : الحمدلله ، حاجاتك ليه موجودة ومع الأمن برا ، وهايجبوهالك لحد هنا
-تقى بتنهيدة إرتياح : الحمدلله .. يا ما انت كريم يا رب

..........................................

ترجلت فردوس من الحافلة على الطريق الرئيسي ، ثم مسحت بمقدمة حجابها جبينها الذي كان يتصبب عرقاً ، وسارت بخطوات متثاقلة في اتجاه طريق جانبي ، ومنه عرجت إلى زقـــاق ضيق حتى وصلت إلى أول الحارة التي تقطن بها ..
راقبت هي نظرات المـــارة – من تعرفهم ، ومن لا تعرفهم – وهي تسير ، و...
-سيدة ما بنبرة عالية : ست فردوس ، حمدلله على السلامة ، طلعتي امتى يا حبيبتي
-فردوس بإمتعاض : من شوية
-سيدة ما متسائلة بفضول : وهما سابوكي كده من غير ما آآ..
-فردوس مقاطعة بحدة : أه سابوني على طول ، لا تكوني مفكرة إني حرامية ولا حاجة ، ده أنا أشرف من الشرف ، وآآ..
-سيدة ما مقاطعة بتوجس : لالالا مقصدش يا فردوس يا أختي ، ده أنا بس بأطمن عليكي يا غالية
-فردوس وهي تلوي شفتيها في تأفف : لأ اطمني ، أنا زي الجينة الدهب ، نضيفة وشريفة ، ومعمريش مديت إيدي للحرام
-سيدة ما بعدم اقتناع : اه طبعاً .. انتي هاتقوليلي !!!

لم تعبأ بها فردوس وأكملت سيرها في اتجاه البناية القديمة المتواجد بها منزلها المتواضع ..
-فردوس لنفسها بضيق : محدش بيسيب حد في حاله ، الكل هايموت ويشمت في غيره ، أعوذو بالله على الناس !!

تنهدت فردوس في إرهـــاق ، ورفعت عينيها للأعلى لتنظر إلى شرفة منزلها ، و...
-فردوس بنبرة متعشمة : يا رب تكونوا كلكم كويسين ، أنا مش عارفة قلبي مقبوض كده بقاله كام يوم ، استر يا رب ....!!!!!!!
...........................................

في شاليه عائلة الجندي بالساحل ،،،،

لم تكف ليان عن إرســـال الرسائل النصية لفارس ولا عن الاتصال به ، ولكن دون جدوى ، فقد تعمد تجاهلها ، وكادت هي أن تجن من تصرفه الغامض هذا ، و...
-ليان بتوتر شديد : يا ربي ، طب أعمل ايه الوقتي ؟؟ أكلمه ازاي وهو مش عاوز يرد عليا ، أووووف ، أنا بجد هاتخنق

ثم وضعت كلتا يديها على رأسها ، وعبثت بخصلات شعرها المجعد و..
-ليان لنفسها بنبرة عازمة : ممم.. أنا أخرج دلوقتي من الشاليه قبل ما مامي تصحى ، وأحــاول أكلمه وأقوله إني مستنياه عند الكافيه اللي جمب الـ beach ، يمكن يجي !

ثم قفزت في مكانها عدة مرات ودارت حول نفسها وهي ترقص طرباً ، و...
-ليان بنبرة فرحة : واو .. يا دماغك يا ليووو !!

ثم اتجهت ناحية خزانة الملابس ، وقامت بفتح ضلفته ، ووضعت طرف إصبعها على شفتيها ، و...
-ليان وهي تمط شفتيها في حيرة : ممممم.. طب ألبس ايه بقى

مدت هي يدها لتنتقي شيئاً مختلفاً لترتديه ، وبالفعل أخرجت بادي حمالات ذي لون أزرق سماوي زاهي ، ومن الأسفل شورتاً قصيراً من اللون الأصفر الليموني ، ووضعت في كاحل قدمها ( خلخالاً فضياً ) لامعاً ، ولفت حول عنقها إيشارباً ذي ألوان متعددة ، كما قامت بربط شريطة من اللون الـ ( فوشيا ) حول مقدمة شعرها المجعد الذي تركته ينسدل خلف ظهرها ، ثم وقفت أمـــام المرآة ، و...
-ليان بنبرة مغترة : واو ، برينسيس ( أميرة ) طبعاً ...!

سارت هي ناحية الشرفة لتفتحها بعد أن إطمأنت على هيئتها ، ولكنها لمحت سيارة أجرة تقف أمـــام مدخل الشاليه ، ويترجل منها أحد ما يرتدي حلة رمادية داكنة ، ومعه حقيبة سفر ، فدققت النظر جيداً ، و...
-ليان مبتسمة بفرح : الله ! ده أنكل ممدوح رجع أهوو ، واو .. فرصة يكون مع مامي ويشغلها شوية عني عقبال ما أظبط أموري مع فارس ..!

ثم أخذت هاتفها المحمول ، ودست بعض النقود في جيب شورتها ، ثم قفزت فرحاً ناحية باب الغرفة ، ومن ثم اتجهت ناحية الدرج ، ولكنها تسمرت في مكانها حينما رأت والدتها متواجدة أمـــام باب الشاليه ، وعلى وشك فتحه
-ليان بنبرة مصدومة للغاية : مامي .. هي صاحية !!!

تابعت ليان بنظرات متربصة ما يحدث من أعلى الدرج بعد أن إنحنت بجسدها للأمــام قليلاً ، و..
-ليان وهي تمط شفتيها بإستغراب : بس هي عرفت منين إن أنكل ممدوح جاي الوقتي !!

...................................

بداخـــل البناية المتواجد بها منزل تقى ،،،،

صعدت فردوس على الدرج ووصلت إلى الطابق المتواجد به منزلها ، أمسكت هي بحافظة نقودها لتخرج المفتاح ، ولكنها تفاجئت بأن قفل المنزل مسكور ، و..
-فردوس بإندهاش : ايه ده ! مين اللي كسر الطبلة بتاعة الباب ، وده ايه ده كمان !!
دققت هي النظر أمامها فوجدت قفلاً كبيراً موضوعاً على الباب ، فإنتابها القلق ، و..
-فردوس بتوجس : يا ساتر يا رب ، هما .. هما مشيوا ولا ايه ؟ أنا كده اتوغوشت عليهم

طرقت هي على الباب عدة مرات بكف يدها ، وأخذت تصيح بـ ...
-فردوس بنبرة عالية : بت يا تقى ( طق ... طق ) ، افتحي يا بت ، أنا أمك ، ( طق ... طق ) !

زفـــرت هي في ضيق ، ونظرت حولها ، ثم ...
-فردوس بنبرة أعلى : يا بت مش سمعاني ، أنا خرجت من السجن ، بت يا تقى افتحي !!

فتحت الجـــارة إجلال باب منزلها على إثر صوت الطرقات العالي ، وحاولت أن ترى من الطارق وهي تفرك عينيها ، و.....
-إجلال بنبرة شبه ناعسة : انت مين يا اللي بتخبط ؟!

استدارت فردوس بجسدها لتواجهها ، و...
-فردوس بنبرة عادية : دي أنا يا ست إجلال
-إجلال متسائلة بحيرة : إنتي مين ؟
-فرودس بجدية : انا فردوس ، أم تقى !
-إجلال بنبرة شبه سعيدة : فردوس ، ازيك يا حبيبتي ، حمدلله على السلامة ، رجعتي امتى ؟
-فردوس بخفوت : أنا لسه خارجة من شوية ، الحمدلله ملاقوش حاجة عليا ، فطلعوني
-إجلال بنبرة فرحة : ربنا كريم
-فردوس متسائلة بقلق : بقولك إيه يا ست إجلال ، أومــال ماشوفتيش البت تقى وأبوها ولا حتى اختي تهاني ؟
-إجلال بنبرة متأسفة : سي عوض الله يمسيه بالخير خرج يدور على تهاني أختك بعد ما خدت في وشها وطفشت

لطمت فردوس على صدرها في ذعــــر ، و...
-فردوس بخوف : تهاني طفشت
-إجلال بنبرة تحمل الحزن : اه يا حبة عيني ، بس الشهادة لله سي عوض طلع يدور عليها ، وحلف ماهو راجع إلا لما يجيبها تاني
-فردوس وهي تهز رأسها في حزن : كتر خيره ، طول عمره شهم

أطرقت فردوس رأسها للأسفل ، وحاولت أن تجاهد عبرة تكافح للسقوط على وجنتها حزناً على أختها الوحيدة ، ثم تذكرت إبنتها ، فرفعت رأسها عالياً ، وحدقت مباشرة في عيني إجلال ، و...
-فردوس متسائلة بتوتر : طب والبت تقى ؟ فينها ؟ وايه اللي كسر طبلة الباب بالشكل ده ؟؟ وآآ..
-إجلال مقاطعة بنبرة هادئة وهي تشير بيدها : تقى بنتك خرجت من إمبارح تدور على شغل ، وكانت سايبة معايا مفتاح القفل ده لأحسن الطبلة اتكسر لما نسيت مفتاحها ، وكانت قايلة إنها هتعدي عليا أما تخلص عشان أديها المفتاح ده لو مكانش أبوها سي عوض رجع ومعاه خالتها

ثم أخرجت الجارة إجلال المفتاح من جيبها الصدري ، وأعطته إلى فردوس ، و..
-فردوس بنبرة ممتنة : كتر خيرك يا ست إجلال
-إجلال بنبرة عادية : خير ايه بس ، ده الجيران لبعضيها يا فردوس ياختي
-فردوس بإيجاز : تعيشي
-إجلال متسائلة بهدوء : مش عاوزة حاجة أعملهالك ؟
-فردوس مبتسمة ابتسامة مجاملة : لا تشكري يا ست إجلال ، كلك ذوق والله
-إجلال بنبرة عادية : طب يا فردوس ، عن إذنك ، هاخش أنا أشوف ورايا إيه جوا
-فردوس بتلهف : أه طبعاً ، براحتك !

وبالفعل أغلقت إجلال الباب ، بينما أمسكت فردوس بالقفل بيدها ، وأدخلت المفتاح في المكان المخصص له باليد الأخــرى ، ثم قامت بنزع القفل ، وفتحت باب منزلها ، ودلفت إلى الداخل ..
كان بالها مشغولاً على عائلتها بالكامل ، و...
-فردوس بتوجس استر يا اللي بتستر ، يا رب ماتورنيش حاجة وحشة في عيلتي

ثم تنهدت في إرهــــاق ، وجلست على أقرب أريكة ، ثم انحنت للأمــام قليلاً ، وأمسكت بساقيها ، وظلت تفرك فيهما ، و...
-فردوس وهي تتأوه من الآلم : آآآه .. جسمي كله واجعني من نومة الأرض ، منك لله يا حكمت ، ربنا يوريني فيكي يوم يا ظالمة يا مفترية ..!!

أرجعت هي ظهرها للخلف ، وأغمضت عينيها ، وحاولت أن تسترخي قليلاً ، ولكن مازال عقلها مشغولاً على ابنتها ، ففتحت عينيها ، وانتصبت في جلستها ، وحدقت في الفراغ أمامها ، و..
-فردوس لنفسها بتوجس : طب البت المزغودة دي راحت فين من امبارح ، وشغل ايه ده اللي اشتغلته بالسرعة دي ، أنا مش مرتاحة للموضوع ده ، وبعدين هي ليه مجتش لحد الوقتي ، عديها على خير يا رب ؟؟!!

............................................

في شاليه عائلة الجندي ،،،،

فتحت ناريمان باب الشاليه بحذر شديد كي لا يُصدر صريراً عالياً فتوقظ ابنتها ليان – أو هكذا ظنت – ثم نظرت حولها بتوجس ، و...
-ناريمان بخفوت : ممدوح ، حمدلله على سلامتك

دلف ممدوح إلى الداخل وهو يحمل حقيبة سفره ، ثم أسندها على الأرضية بجوار الباب ، وفتح ذراعيه ، فارتمت ناريمان في أحضانه سريعاً ، فضمها إلى صدره ، و...
-ناريمان بنبرة خافتة : حبيبي ، وحشتني أوي
-ممدوح بصوت آجش : وانتي اكتر

اتسعت عيني ليان في ذهـــــول ، وفغرت شفتيها في صدمة شديدة وهي ترى وتسمع بأذنيها ما يحدث بين والدتها ، وصديق العائلة الطبيب ممدوح ..
-ناريمان بنبرة رقيقة : ياه يا ممدوح ، لو تعرف أنا أد ايه كنت مشتاقة لحضنك ده ، كنت جيت من بدري
-ممدوح بصوت رجولي هاديء : ما أنا جيت من أخــر الدنيا عشانك
-ناريمان بهدوء حذر : طب وطي صوتك شوية ، ليان لسه نايمة وماصحتش
-ممدوح بعدم اكتراث : طب وفيها ايه ؟ ما هي عارفة إن أنا جاي
-ناريمان بنبرة شبه متوجسة : أه هي عارفة إنك جاي هنا ، بس مش بالشكل ده
-ممدوح وهو يهز رأسه : مم.. أها ..
-ناريمان بنظرات تحتوي على الإغراء ، وصوت أنثوي عذب : مش ناوي تيجي نرجع أشواق زمان
-ممدوح مبتسماً في لؤم : طبعاً ، ده أنا عاوز أعيش كل لحظة فاتتني وأنا بعيد عن حضنك

ثم وضع كف يده على طرف ذقنها ، ومـــد إصبعه على شفتيها ، وظل يمسح به عليهما و...
-ممدوح بصوت خافت : وحشتيني يا عمري كله ، بحــ...

ثم مـــال برأسه على رأسها ، فأغمضت ناريمان عينيها ، فابتسم في خبث ، واقترب من شفتيها ، وأوشك على تقبيلها منهما ، فشهقت ليان – وهي في مكانها - في فزع وهي ترى بعينيها ذلك المنظر المشين ، وكتمت شهقاتها بكفي يدها ، وتراجعت للخلف بجسدها وهي غير مصدقة ما رأته عيناها للتو ..
ثم ركضت سريعاً إلى داخل غرفتها ، وأغلقت الباب خلفها ، وإستندت عليه بظهرها ، وهي تذرف الدموع عفوياً ، وظل صدرها يعلو ويهبط في خوف شديد ، و...
-ليان بصدمة رهيبة : مش ممكن ، لالالا .. مـ..مامي وآآ.. وآآ.. وأنكل ممدوح .. لألألألأ ....!
..................................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،
في المطبخ ،،،،

طرق حــــارس الأمن – أحمد – الباب الخلفي حيث يقع المطبخ ، ففتحت له المدبرة عفاف الباب ، وتناولت من يده الحقيبة البلاستيكية التي يمسكها ، و..
-عفاف بنبرة ممتنة : شكراً يا أحمد
-أحمد متسائلاً بنبرة هادئة : في اي حاجة تانية عاوزاها مني ؟
-عفاف بنبرة شبه قلقة : بص أنا عاوزاك تكون قريب من هنا ، شوية وتقى ، البنت اللي جت تشتغل هنا عارفها ؟
-أحمد وهو يوميء برأسه موافقاً : ايوه
-عفاف متابعة بنبرة سريعة : المهم يعني هي هاتخرج كمان شوية ، عاوزاك تفضل معاها لحد ما تتأكد إنها طلعت برا القصر خالص ، وتركبها تاكسي تروح بيه
-أحمد متسائلاً بفضول : هي بقت كويسة ؟
-عفاف وهي تزم شفتيها في حيرة : والله ما أنا عارفة أقولك إيه ، بس اللي يهمني الوقتي انك تخليك معاها لحد ما تبعد عن القصر ، فاهمني
-أحمد بجدية : حاضر
-عفاف وهي تشير بعينيها ، وبنبرة خافتة : خليك قريب من هنا
-أحمد بصوت عادي وهو يشير بيده : أنا واقف هنا ، أما تخرج هتلاقيني
-عفاف بتنهيدة إرتياح : تمام ..

ابتعد الحـــارس أحمد عن الباب ، فأغلقته عفاف بهدوء ، ثم عادت إلى تقى وهي تحمل الحقيبة البلاستيكية في يدها ، و...
-عفاف بنبرة داقئة : دول حاجتك يا بنتي

دققت تقى النظر في تلك الحقيبة البلاستيكية ، ونهضت عن مقعدها الخشبي ، و....
-تقى بتلهف : اه هما ..!

جذبت هي الحقيبة البلاستيكية من يدها ، وفتحتها لترى محتوياتها .. ثم تنفست الصعداء حينما وجدت حجابها بالداخل ، فأخرجته على الفور ، و..
-تقى بنبرة راضية : الحمدلله يا رب ، الحمدلله

عاونتها عفاف في وضع الحجاب على رأسها وتغطيته ، ثم ربتت على ظهرها في حنو ، و...
-عفاف بصوت رقيق : متقلقيش يا بنتي ، في حد من الحراسة برا هيوصلك لحد الباب بدون ما حد يجي جمبك ، وأنا وصيته يركبك تاكسي عشان توصلي بيتك في أمان
-تقى بنبرة ممتنة : كتر خيرك
-عفاف بجدية وهي تشير بعينيها : تعالي معايا يالا ..!

استندت تقى على كف يد عفاف وسارت معها بخطوات بطيئة نحو الخـــارج ، وبالفعل وجدت كلتاهما الحارس أحمد في انتظارهما ، وحينما لمح هو تقى أسرع ناحيتها ، ثم مـــد يده ناحيتها ليمسك بها ، و...
-أحمد بنبرة متحمسة : تعالي يا آنسة تقى

انكمشت تقى على نفسها حينما رأت ذراعه الممدودة نحوها ، ونظرت إلى عفاف بنظرات زائغة ، فربتت الأخيرة على كف يدها ، و..
-عفاف بهدوء : متخافيش يا بنتي ، هو عاوز يساعدك
-أحمد بنبرة شبه متعجبة : انا مش هاعملك حاجة على فكرة ، أنا هاسندك بس لحد ما توصلي للبوابة
-تقى بحزم : لألأ .. أنا .. أنا أقدر أمشي لوحدي ، مش محتاجة مساعدة من حد
-عفاف بنبرة هادئة : اللي يريحك يا بنتي ، خد بالك منها
-أحمد بنبرة مهتمة : اطمني ، أنا هافضل معاها لحد ما أوصلها للبيت بتاعها بنفسي
-عفاف متسائلة بإستغراب : انت هاتسيب شغلك بدون إذن ؟
-أحمد بجدية : لألألأ .. أنا ظبطت الدنيا مع جمال ، وهو هيغطي الساعة دي مكاني لحد ما أطمن على الآنسة تقى
-عفاف مبتسمة في ارتياح : طب كويس أوي ، لأحسن هي حالتها مش مريحاني
-أحمد بنبرة واثقة : متخافيش عليها ، أنا معاها

ودعت عفاف تقى ، وعــادت هي إلى القصر من باب المطبخ الخلفي ، في حين ســــارت تقى إلى جوار حارس الأمن أحمد بخطوات بطيئة للغاية .. ورفضت رفضاً قاطعاً أن تستند عليه ..
أراد أحمد أن يخفف من حدة التوتر السائدة ، لذا بادر بـ ..
-أحمد بصوت رخيم : فكراني يا آنسة تقى ؟ أنا الـ security ( حارس الأمن ) أحمد
-تقى بعدم اهتمام : اها ..
-أحمد بنبرة مهتمة : على فكرة أنا اللي لاقيت حاجتك بعد ما أغمى عليكي و.. آآآ..

صمت أحمد لثوانٍ قليلة قبل أن يتابع بــ ..
-أحمد مكملاً وهو يتنحنح في صوت خشن : احم .. آآ.. يعني الباشا أوس خدك لجوا .. أنا خوفت على الحاجة لأحسن تضيع ، فعنتهم معايا ، المهم انتي كويسة

لم تجبه تقى ، بل ظلت مطرقة لرأسها في الأسفل ، وســـارت بقدمها التي تعرج نحو البوابة ، ومع كل خطوة كانت تخطوها ، كانت تشعر بالارتياح و..
-تقى لنفسها بنبرة راجية : الحمدلله يا رب ، أخيراً هاخرج من الجحيم اللي كنت فيه ، أنا مش مصدقة نفسي ، الحمدلله ..!!!!

تابع الحـــارس أحمد الإيماءات والحركات التي تصدر عنها بترقب شديد ، وظل بين الحين والأخــــر يختلس النظرات إليها ، و...
-أحمد لنفسه بإهتمام : يا سبحان الله ، هو في براءة بالشكل ده ، أنا مشوفتش بنت بالأخلاق دي أبداً في الزمن الإسود اللي احنا فيه ده
................................... !!!!!
في شاليه عائلة الجندي ،،،

دلف ممدوح إلى داخل غرفة نوم ناريمان ، وأسند حقيبته بجوار الباب ، ثم مــد ذراعيه ليحاوطها بهما ، و...
-ممدوح بصوت رخيم وهو يضمها إلى صدره : وحشتني يا حبي

استندت هي برأسها على كتفه ، وأغمضت عينيها ، واستنشقت عبير عطره ، ثم أطلقت تنهيدة مطولة ، و..
-ناريمان بدلال : وإنت أكتر

أبعد هو رأسها عن كتفه ، ثم أمسك بها بكفي يده ، ونظر إليها مطولاً ، و..
-ممدوح بنظرات عابثة ، ونبرة أقرب للؤم : طب مش هـ..آآ..

وضعت هي طرف إصبعها على فمه لتمنعه عن الكلام ، و..
-ناريمان بخفوت : هانعمل كل حاجة بس أطمن الأول إن ليان نايمة ، مش عاوزة البنت تحس بحاجة
-ممدوح بعدم اكتراث : يا حبيبتي تلاقيها الوقتي في سابع نومة ، أنا عارف إنها بتسهر لحد الصبح ، فأكيد هاتكون نايمة
-ناريمان بتوجس : مش عارفة .. هاروح أطمن عليها ، وبعد كده أرجعلك نعمل كل اللي عاوزينه

أرخى هو ذراعيه ، ووضع يده في جيبي بنطاله ، ثم أولاها ظهره ، و...
-ممدوح بنبرة غير مهتمة : خلاص براحتك
-ناريمان بهدوء : إرتاح انت يا حبيبي ، واقفل الباب بالمفتاح لحد ما أرجعلك

لـــوى ممدوح فمه في ضيق ، ثم زفـــر في إرهـــاق ، و...
-ممدوح على مضض : طيب

ثم نزع سترته ، وألقاها على الأريكة ، وجلس على طرف الفراش ، وبدأ في حل رباط حذائه اللامع ، في حين خرجت ناريمان من الغرفة ، وأغلقت الباب بحذر ، ثم اتجهت ناحية الدرج لتتفقد إبنتها ...

..............................

لم تكف ليان عن البكاء بمرارة ، فقد صدمت من بشاعة المنظر المشين الذي رأت والدتها فيه ..
نهضت هي عن الأرضية ، ثم إرتمت على فراشها ، وبدأت تنتحب ، و..
-ليان بصوت مختنق : ليه يا مامي تخوني بابي وتبقي في آآ؟؟ إهيء .. مش قادرة أنطقها .. لييييييه !!!

بحثت ليان عن هاتفها المحمول لتهاتف فـــارس حتى تفضفض معه قليلاً فيهون عليها المسألة ، ولكنه كالعادة لم يجبْ على إتصالاتها المتكررة ، ولا رسائلها التي تتوسل فيها إليه أن يُجيبها ..

سمعت ليان صوت طرقات خافتة على باب غرفتها ، و..
-ناريمان متسائلة من الخـــارج : ليووو .. sweetie ( حبيبتي ) صاحية ؟
انتفضت هي فزعاً في مكانها ، وبسرعة رهيبة كفكفت عبراتها ، وألقت بالوسادة على رأسها ، وتمددت على الفراش ، ثم تدثرت بالملاءة وإدعت أنها نائمة

أعادت والدتها الطرق مجدداً على الباب ، ولكن هذه المرة قامت بفتحه ، و...
-ناريمان متسائلة بخفوت : حبيبتي ، لسه نايمة ؟!

كتمت ليان شهقاتها ، وأغمضت عينيها رغماً عنها ، وحاولت أن تبدو كما لو كانت تغط في نوم عميق ..
سارت ناريمان على أطراف أصابعها ، واقتربت من الفراش ، وحاولت أن ترى ابنتها عن كثب دون أن توقظها ، وارتمست علامات الارتياح على وجهها ، وإنفرجت أساريرها حينما ظنت أنها نائمة .. و..
-ناريمان لنفسها بنبرة سعيدة : واو .. كده أقدر أقضي وقت لطيف مع حبيبي

ثم خطت نحو باب الغرفة بحذر ، وهي تُمني بنفسها بوقت ممتع مع عشيقها ، ولم تدرْ أن ابنتها تتابعها بقهر وهي تخرج من الغرفة ..
-ليان لنفسها بنبرة مكسورة : ليه كده بس يا مامي ، ليه ؟؟!!!!!

...........................................

بالقرب من بوابة قصر عائلة الجندي ،،،،

تنفست تقى الصعداء وهي ترى نفسها على وشـــك النجاة من ذلك القصر الملعون ، و..
-تقى لنفسها بنبرة راجية : يا رب هون وخرجني من هنا على خير ، ابعد عني ولاد الحرام يا رب

لاحظ الحــــارس أحمد أن تقى تسير حافية على قدميها ، ولم تخبر أي أحد بهذا أو حتى تشتكي ، كما لم تنتبه لذلك المدبرة عفاف ، لذا تشدق بـ ...
-أحمد بقلق وهو يشير بعينيه : إنتي مش لابسة حاجة في رجلك يا آنسة تقى ؟

نظرت تقى إلى قدميها ، ثم عاودت النظر إليه ، و..
-تقى بنبرة تحمل القليل من الكبرياء : مش مهم ، أخرج حافية من هنا ، أحسن من إني ماخرجش خالص
-أحمد بجدية : طب لحظة واحدة أجيبلك حاجة تلبسيها
-تقى بإقتضاب وصرامة : شكراً مش عاوزة حاجة ، كتر خيرك

توقف الحارس أحمد قبالتها ، وحدق في عينيها ، ثم أشــــار لها بيديه ، و..
-أحمد بإصرار : لأ مش هاينفع ، كده رجلك السليمة هتتعور ، والمتعورة هتتبهدل ، وأنا مش عاوز أشيل ذنبك ، طالما في إيدي إني أساعدك .. ثواني بس

ثم تركها وركض سريعاً في اتجاه غرفة الحرس المتواجدة على مقربة من البوابة الرئيسية للقصر ، فتلفتت تقى حولها ، و...
-تقى لنفسها بإمتعاض : والله ما عاوزة أي حاجة من هنا ، كفاية أوي اللي جرالي
...............................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

بدلت فردوس ثيابها ، وارتدت عباءة منزلية ، ثم دلفت ناحية الشرفة ووقفت تتابع المـــارة ولكن عقلها كان مشغولاً بإبنتها وزوجها وأختها الضائعة ، و...
-فردوس لنفسها بنبرة حائرة : يعني محدش ظهر خالص ، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي يا حكمت ، كدبة قوليتها بوظت الدنيا عندي وخربت البيت ، مابقتش عارفة أي حاجة عن البت ولا الراجل ولا حتى عن اختي الغلبانة ، أعمل ايه الوقتي ، خايفة أنزل الشغل البت تيجي ومتعرفش إني خرجت ، طب اتصرف إزاي

ثم رفعت بصرها إلى السمــــاء ، و...
-فردوس بنبرة راجية : دبرها من عندك يا رب

ثم انتبهت إلى صوت جارتها المألوف ، واستدارت برأسها ناحيتها حينما تحدثت بـ ...
-أم بطة بنبرة عالية وهي تستند بمرفقيها على حافة الشرفة : ايه ده ، فردوس !! انتي خرجتي يا حبيبتي من الحجز ، كفارة يا دوسة ، ده أنا لازم أزغرط ، لوووولووولي

ابتسمت فردوس ابتسامة زائفة ، ثم ..
-فردوس بنبرة تحمل العزة : كتر خيرك ، بس هو أنا كنت عملت حاجة غلط ولا حرام لا سمح الله عشان أفضل محبوسة ، الحمدلله ربنا ظهر الحقيقة ، وطلعت منه ..

تغنجت أم بطة بجسدها ، ثم لوحت في الهواء بأحد ذراعيها ، و...
-أم بطة بعدم اقتناع : اه وماله .. ياما في الحجز مظاليم
-فردوس بإقتضاب : ايوه
-أم بطة بنبرة متحمسة : يبقى كده مالكيش حجة بقى تحضري فرح البت بطة بنتي ، إحنا خلاص عملنا الحنة ، وبكرة الدخلة إن شــاء الله ، تنورينا بقى
-فردوس بجدية : ربنا يهنيها ويسعدها ، بس معلش اعذريني أنا مش هاحضر
-أم بطة باستغراب : ليه بس ؟
-فردوس بنفس النبرة الجادة : أحضر إزاي وأنا معرفش حاجة عن أختي ولا جوزي ، ده حتى عيبة في حقهم
-أم بطة وهي تمط شفتيها : اه يا حبيبتي .. ربنا يردهوملك بالسلامة

ثم صمتت للحظة قبل أن تبادر بـ ...
-أم بطة متسائلة بفضول وهي ترفع أحد حاجبيها : أومـــال البت تقى فين ؟ أنا مش شيفاها بقالي كام يوم !!!
-فردوس بضيق : معلش ما انتي عارفها متعلقة بيا وزعلانة عشاني

ثم تنهدت في إنزعــــاج ، و...
-فردوس بجدية شديدة : هستأذنك يا أم بطة أدخل أشوف اللي ورايا ، وربنا يتمم لبنتك على خير ، وباركيلها بالنيابة عني
-أم بطة بإندهاش : هو احنا لحقنا نرغي يا دوسة ، استني بس
-فردوس بإيجاز : وقت تاني ، أما تكون الدنيا رايقة وبالي مش مشغول ، عن اذنك ...!

ثم أولتها ظهرها ، وعادت إلى الغرفة ، وأغلقت الشرفة وهي تتمتم بـ ...
-فردوس بضيق جلي : روحتي فين بس يا بت ، ومخلية اللي يسوى ومايسواش يتكلم عنك ...!!!!!!!

................................

عند البوابة الرئيسية لقصر عائلة الجندي ،،،،،

عــــاد الحارس أحمد سريعاً وهو يحمل في يده ( شبشبه ) الخاص ، ثم انحنى بجذعه للأسفل ، وأسنده بجوار قدمي تقى ، و..
-أحمد بصوت هاديء : متأخرتش عليكي ، البسيه ، هو كبير شوية بس كده أحسن لرجليك

انتظرت تقى في مكانها للحظة حتى اعتدل الحارس أحمد في وقفته ، ثم مدت قدميها للأمـــام ، وارتدته على استحياء ، وأطرقت رأسها للأسفل ، و...
-تقى بنبرة خافتة : شكراً

اعتلى ثغره ابتسامة راضية ، ونظر إليها بسعادة ، ثم ...
-أحمد بنبرة متحمسة : بتشكريني على ايه بس ، هي دي حاجة تستاهل ، يا ريت لو بإيدي كنت آآ......

لم تردْ هي أن يطيل الحارس أحمد في حديثه هذا ، لذا ...
-تقى مقاطعة بجدية : ممكن أمشي بقى من هنا
-أحمد وهو يتنحنح في حرج : احم .. ماشي ..!

تابع أوس ما يحدث بينهما من شرفة غرفته ، فكور قبضته في غضب ، ثم طرق بها بعنف على الحافة ، و...
-أوس بنظرات قاتمة ، ونبرة منزعجة : ده انتي طلعتي بنت *** أهوو وبتظبطي حالك مع اللي زيك ! كده اللعب هايبقى بقلب أوي معاكي .. ورحمة الغاليين بتوعك ، ماهتتهني أبداً ..!

دلف عدي هو الأخـــر إلى داخل الشرفة ، و...
-عدي بنبرة مندهشة : في ايه تاني ؟!

ثم نظر إلى أوس فرأه مسلطاً عينيه في مكان ما ، فوجه بصره إلى حيثما ينظر ، فوجد تلك البائسة ومعها حارس الأمن وهما يسيران رويداً رويداً في اتجاه البوابة ، و...
-عدي وهو يلوي فمه في تأفف : مش كنا خلصنا
-أوس بنبرة متصلبة : لأ مش هانخلص ، أنا بس اللي أحدد إمتى أخلص أي حاجة
-عدي وهو يتنهد في إرهاق : طب تعالى نشوف ورانا ايه ، الشغل مش هايستنى حد
-أوس بنبرة غليظة : يولع الشغل ، أنا لسه ورايا حاجة هاعملها ، وبعد كده هافوق للشغل التقيل براحتي
-عدي بتوجس : والله أنا خايف عليك تطب مع البت دي

ضحك أوس عالياً بطريقة هيسترية غريبة ، ونظر إلى عدي بنظرات مستهزأة ، و..
-أوس بتهكم : اطب .!! يبقى أنت مش عارفني كويس يا صاحبي
-عدي بجدية : أصل اللي بتعمله ده مع البت الزبالة دي مالوش أي معنى
-أوس بنظرات حادة ، ونبرة تحمل القوة : لأ ليه عندي ، وانت مش هاتفهم ده
-عدي بعدم اكتراث : أنا عارف من الأول إن كلامي زي قلته معاك ، ومهما قولت وعدت ، فبرضوه انت هاتعمل اللي في دماغك وبس
-أوس بهدوء مستفز : بقولك ايه تعالى نفطر قبل ما أروح أخربها
-عدي بعدم فهم : تخرب ايه ؟
-أوس مبتسماً ابتسامة عابثة : هاتعرف بعدين ، يالا بس ...!!!

............................................

أوقف الحارس أحمد سيارة أجرة ، ثم استقلها مع تقى التي أخبرت السائق بالمكان الذي تريد التوجه إليه ..
وفي منتصف الطريق ، مــال أحمد على السائق ، و..
-أحمد بخفوت : بقولك يا اسطى اطلع على أي محل بيبيع عبايات حريمي

رمق السائق أحمد بنظرات ضيقة ، ثم هز كتفيه في عدم اهتمام ، و...
-السائق باستغراب : ماشي يا باشا

كانت تقى شـــاردة في معالم الطريق ولم تنتبه للحوار الدائر بين كلاهما ، و..
-تقى لنفسها بآسى : يا ربي أنا راضية بقضائك ، بس اللي بيحصلنا ده كتير ، أنا معنتش قادرة استحمل كل ده لوحدي ، أنا خايفة من الراجل المجنون ده ، يا رب ابعده عني وخده

وبالفعل قــــاد السائق السيارة في اتجاه أقرب محل لبيع عباءات السيدات ، ثم صف السيارة بجوار الرصيف ، فاستدار أحمد برأسه للخلف ، و...
-أحمد بنبرة هادئة : آنسة تقى أنا هانزل اجيب حاجة من هنا ، فمعلش ممكن تيجي معايا
-تقى وهي فاغرة شفتيها في بلاهة : هـــاه
-أحمد بجدية : مش هاينفع تستني في التاكسي لوحدك ، فتعالي لحظة معايا
-تقى متسائلة بتوتر : هو احنا رايحين فين ؟
-أحمد وهو يشير بعينيه : رايحين المحل ده
-تقى بإندهاش : ده ! طب ليه ؟
-أحمد بتلعثم : آآ.. يعني حاجة بالمرة كنت عاوزها ، فـ.. آآ...
-السائق مقاطعاً بتذمر : الله يكرمك يا باشا حاول تنجز أوام لأحسن أنا واقف في المخالف ، وانت عارف المرور مابيرحمش

التفت هو له ، ورمقه بنظرات ضيقة ومنزعجة ، ثم ....
-أحمد بضيق : طيب يا أسطى ، هو انت يعني واقف ببلاش ، ما أنا هحاسبك على كل ده
-السائق بنبرة شبه منزعجة : وماله يا باشا ، أنا مقولتش حاجة ، بس انت عارف المخالفة بالشيء الفلاني وآآ..
-أحمد مقاطعاً بجدية : طيب خلاص

ترجل أحمد من سيارة الأجرة ، ثم وقف إلى جوار الباب الخلفي و..
-أحمد بهدوء : يالا يا آنسة تقى

زمت تقى شفتيها في حيرة ، ثم نظرت إلى السائق ، وشعرت بعدم الارتياح من نظراته الحادة لها ، فاضطرت أن تلبي طلب الحارس ، وترجلت هي الأخرى من السيارة ، فإنفرجت أسارير أحمد ، و...
-أحمد مبتسماً بسعادة : أوعدك مش هنتأخر
-تقى بهدوء خافت : طيب

دلف كلاهما إلى داخل محل العباءات ، فجلست تقى على أقرب مقعد شاغر ، في حين توجه أحمد ناحية البائعة المتواجدة بالمحل ، و...
-أحمد بصوت خافت: بعد اذنك يا آنسة
-البائعة بإبتسامة مجاملة : أؤمر يا حضرت
-أحمد بصوت خافت وهو يشير بعينيه : شايفة الآنسة اللي أعدة على الكرسي ده

نظرت البائعة إلى حيث أشـــار هو ، وعاودت النظر إليه ، و...
-البائعة بنبرة عادية : ايوه
-أحمد بجدية : عاوزك تجيبلها عباية على مقاسها يكون سعرها كده مناسب
-البائعة بابتسامة مجاملة : حاضر

ثم ســــارت في اتجاه تقى ، ووقفت قبالتها ، و...
-البائعة بنبرة عادية : ممكن تيجي معايا

رفعت تقى رأسها ، ونظرت للبائعة في استغراب ، و..
-تقى بعدم فهم : أجي معاكي فين ؟
-البائعة بهدوء : عشان تشوفي اللون والمقاس
-تقى متسائلة بحيرة : لون ايه ومقاس ايه ؟؟ أنا مش فاهمة حاجة ، وبعدين أنا مش آآ...
-أحمد مقاطعاً بهدوء وهو يشير بيديه : استني بس يا آنسة تقى ، أنا كنت عاوز أشتري عباية لأختي عشان آآ.. عشان آآ.. عيد ميلادها ، وهي حجمها قريب منك ، فآ..آآ.. فقولت يعني لو مكانش يضايقك إنك تقسيها وآآ.. ، وأنا أجيبهالها

تبدلت ملامح وجه تقى إلى الانزعاج ، وزفرت في ضيق ، ولم تجبْ عليه ، فشعر هو بالحرج ، و..
-أحمد بإصرار : أنا عارف إنه طلب سخيف ومش وقته ، بس والله أنا محرج منك وآآ.. ويعني مش عارف أقول ايه ، بس ممكن تعملي ده ؟
-تقى بإنزعاج : أنا .. آآ.. يعني انت مش شايف اللي أنا فيه
-أحمد بهدوء حذر : والله عارف ومقدر ، بس أنا بأستسمحك إنك توافقي
-تقى بضيق : أنا لو أعرف أنك آآ..
-أحمد مقاطعاً بنبرة راجية : عشان خاطري ده طلب بسيط ، والله ماهيحصل حاجة ومش هياخد وقت
-البائعة بنبرة جادة :يا آنسة متقلقيش أنا موجودة معاكي ، هانشوف بس المقاس ، وبعد كده أنا هاتصرف في اللون والحاجة
-تقى على مضض : بس آآ..
-أحمد برجاء : اعتبريها حاجة لله ، بثوابه يعني

هزت تقى رأسها موافقة بعد إلحاح ، ثم ســارت بخطوات بطيئة مع البائعة ، وانتقت معها عباءة مناسبة ، وعاونتها البائعة في اختيار المقاس المناسب ، ثم أشــارت لها بيدها نحو غرفة تبديل الملابس لكي تقيسها ، وبالفعل ارتدت تقى العباءة ، وخرجت من الغرفة لتريها إلى البائعة ، و..
-البائعة مبتسمة ابتسامة راضية : تمام .. المقاس مظبوط ، مبروكة عليكي
-تقى بعدم فهم : نعم ؟
-البائعة بجدية وهي تشير بيدها نحو أحمد : الاستاذ جايبها لحضرتك !
-تقى بذهول : ايييه ............................................ ؟؟؟!!!!!
في قصر عائلة الجندي ،،،،،،

خرج أوس من غرفته وعلى وجهه علامات الانزعاج جلية ، ولحق به عدي .. ثم نزل كلاهما عاى الدرج و....
-أوس بصوت مرتفع و غاضب : عفاف .. يا عفاف !!

ركضت عفاف على إثر صوته الهادر في اتجاه الدرج و....
-عفاف بنبرة شبه متوترة : ايوه يا أوس باشا
-أوس بصوت محتقن يحمل التهكم : عاوز اسم الحيوان اللي شغال حارس آمن عند البوابة وكان ماشي مع الهانم اللي كانت في أوضتي
-عفاف بصوت مرتجف : آآ.... ت...تقصد أحمد ؟
-أوس بضيق : اه هو !

ابتلعت المدبرة عفاف ريقها في قلق واضح ، ونظرت إلى أوس بخوف و...
-عفاف متسائلة في ارتباك : هو.. هو كان عمل آآ... عمل حاجة ؟؟
-أوس بنبرة غليظة ، ونظرات حادة وقوية : إنتي هاتعملي تحقيق معايا ؟ روحي ناديه
-عفاف بتلعثم ، ونظرات زائغة : بس .. بس هو آآ...
-أوس مقاطعا بصرامة : أنا قولت كلمة ، وإنتي عارفة أنا مش بأحب أكرر كلامي .. دلوقتي يكون قدامي .. سامعة !!
-عفاف بنبرة مضطربة : حاضر .. اللي تؤمر بيه
-أوس بنبرة متصلبة وهو يشير بإصبعه : اتفضلي
-عفاف بارتباك : حاضر يا باشا

تابع عدي ما يحدث بعدم فهم ، وكان على وشك سؤال رفيقه ، ولكنه كان قد سار في اتجاه المكتب الخاص به ..فتبعه و....
-عدي متسائلا بجدية : إنت عاوز الواد ده ليه ؟
-أوس بنبرة جامدة : هاتعرف بعدين
-عدي بصوت حائر : والله أنا مابقتش فاهمك خالص يا أوس !!!!

.....................

إنتاب القلق المدبرة عفاف التي أسرعت بإحضار هاتفها المحمول و...
-عفاف لنفسها بنبرة خائفة : استر يا رب ، طب هو عاوزه ليه الوقتي ، لأحسن يكون شافه مع الغلبانة تقى ، وناوي على نية سودة معاه .. دي تبقى مصيبة لو ده اللي في دماغه .....!!!!

ثم ضغطت هيعلى عدة أزرار ، ووضعت الهاتف على أذنها و...
-عفاف بتوجس : ربنا يعديها على خير

..................................

بداخل إحدى محال بيع العباءات النسائية ،،،
تسمرت تقى في مكانها حينما سمعت العبارة الأخيرة ، و ارتسمت علامات الذهول الممزوجة بالإندهاش على قسمات وجهها ، ولكن سريعا تبدلت ملامحها للعبوس والتجهم و ...
-تقى بنبرة جادة : أنا اسفة مش هاخد حاجة
-أحمد بنبرة شبه حزينة : ليه بس ؟ والله دي حاجة بسيطة
-تقى بنبرة غاضبة : لا بسيطة ولا غالية .. انا مش باخد حاجة من حد !!!!
-أحمد بإصرار : والله أنا ما أقصد حاجة .. ده بس عشان آآ ....
-تقى مقاطعة بجدية شديدة : من غير ما تبرر حضرتك .. انا مش عاوزة حاجة من اي حد ..

ثم أولت ظهرها له ، ونظرت إلى البائعة بطرف عينها و...
-تقى بخفوت : أنا هاخش أغير هدومي وهاجيبلك العباية بتاعتك

ومن ثم سارت في اتجاه غرفة تبديل الملابس لترتدي ثيابها مجددا ، في حين نظر الحارس أحمد إلى البائعة و ...
-أحمد وهو يتنحنح في حرج : احم.. آآ.. أنا أسف .. أنا كان بودي توافق وتاخد العباية .. بس .. بس آآ.. حضرتك شايفة و ....
-البائعة مقاطعة بنبرة عادية وهي ترسم على وجهها ابتسامة مجاملة : ولا يهمك .. حضرتك شرفتنا ...!!!

في نفس التوقيت رن هاتف أحمد المحمول ، فنظر إلى اسم المتصل ، ثم ضغط على زر رفض المكالمة و....
-أحمد لنفسه بضيق : مش وقتك يا مدام عفاف ..!

تنحنح هو مجددا .. وأشاح بوجهه للناحية الأخرى وهو يتمتم بخفوت .. وما هي إلا لحظات حتى خرجت تقى من الغرفة ، ثم مدت يدها بالعباءة ناحية البائعة و...
-تقى بهدوء يحمل الجدية : اتفضلي .. دي العباية

أمسكت البائعة بالعباءة و ابتسمت ابتسامة سخيفة لها و...
-البائعة بنبرة عادية : نورتينا

...........................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

لم تستطع فردوس أن تتناول الطعام بمفردها أو حتى تضع لقمة واحدة في جوفها .. فبالها مازال مشغولا على أفراد عائلتها و....
-فردوس لنفسها بحزن : طب راحوا فين بس ؟؟ يكونش عوض عمل زي عوايده وراح يبات في الجامع !! ماهو لما بيضايق بيعمل كده ويفضل أعد في الجامع يصلي ويدعي وينضف وآآ..

لم تكمل فردوس عبارتها الأخيرة حيث نهضت سريعا من على المقعد و...
-فردوس بنبرة حازمة : أنا هالبس بسرعة وأنزل أروح عند الجامع .. أكيد هو هناك ، ويمكن الشيخ أحمد يكون عارف هو فين ..!!

وبالفعل توجهت هي إلى غرفتها وفتحت ضلفة الدولاب وارتدت عباءتها السوداء الفضفاضة ، ومن ثم سارت بخطوات راكضة ناحية باب المنزل ...

..........................................

خرجت تقى من المحل وهي عابسة الوجه ومكفهرة الملامح ، ولم تنطق بكلمة واحدة ، وسارت في اتجاه سيارة اﻷجرة ... في حين لم يحاول الحارس أحمد أن يتحدث معها مرة أخرى .. فهو يعلم أن الحديث اﻵن لن يجدي معها .. ورغم هذا فقد أثارت إعجابه حقا ..
ركبت هي في المقعد الخلفي للسيارة ، وتأكد هو من غلق باب السيارة الذي طالما يعلق من الركاب ، ثم ركب بجوار السائق بعد أن أشار له بيده لكي يتحرك في اتجاه عنوان منزلها ...

لم تلتفت تقى للأمام بل ظلت تنظر من النافذة المجاورة لها ، و.....
-تقى لنفسها بنبرة معاتبة : هو أنا بأعمل ايه غلط عشان كل راجل يشوفني يطمع فيا ويبقى عاوز يستغفلني ويضحك عليا .. ده أنا مش بأدي أي حد فيهم ريق حلو .. يبقى في ايه بالظبط .. كلهم عاوزين يستغلوني لييييه ؟؟!!!!

........................................

في المسجد القريب من الحارة الشعبية ،،،،،،

وقفت فردوس أمام بوابة المسجد الرئيسية وحاولت أن تلتقي بإمامه الشيخ أحمد بعد عن عجزت عن رؤية زوجها به .. فحدقت بعينيها للداخل ، ولكنها لم تستطع أن تراه بوضوح و.....
-فردوس لنفسها بحيرة : طب .. طب أسأل مين عليهم هما الاتنين ؟؟
ثم رأت شابا ما ينحني بجذعه للأسفل ليخلع حذائه ، فنادت عليه و...
-فردوس بنبرة متلهفة : معلش يا بني .. لحظة لو سمحت

انتبه لها هذا الشاب ، وإعتدل في وقفته و....
-شاب ما بنبرة متعجبة : أيوه
-فردوس بنبرة راجية : والنبي يابني تشوفلي الشيخ أحمد إمام الجامع ده إن كان موجود جوا ، ولا عم عوض الراجل اللي بينضفه حتى.. الله يخليك شوفلي اي حد فيهم وقوله كلم الست فردوس
-شاب ما بنبرة عادية : ماشي يا حاجة !!

وبالفعل غاب الشاب للحظات داخل المسجد .. بينما وقفت فردوس وهي في حالة من القلق والتوتر ..
بعد عدة دقائق رأت هي الشيخ أحمد وهو يقترب من مدخل المسجد و....
-الشيخ أحمد بصوت رخيم : السلام عليكم يا ست فردوس
-فردوس بتلهف : وعليكم السلام يا شيخنا ..
-الشيخ أحمد متسائلا بهدوء : إزي أحوالك وإزي عم عوض ؟؟ يا رب يكون بخير
-فردوس وهي ترفع حاجبيها في استغراب : بخير !!!! هو مش عندك يا شيخنا ؟!
-الشيخ أحمد بنبرة عادية : لا والله يا ست فردوس .. ده أنا مفكر إنك جاية تطمنيني عليه
-فردوس وهي تزم شفتيها في قلق : يا ريت .. ده أنا دايخة عليه ومش عارفة أسأل بس مين عنه
-الشيخ أحمد بنبرة متعشمة : ربنا يرجعه لبيته بالسلامة آجلا وليس عاجلا
-فردوس برجاء : ربنا يسمع منك يا شيخ أحمد
-الشيخ أحمد بهدوء : أمانة يا ست فردوس لو عرفتي عنه حاجة تعرفني .. أنا عاوز اطمن عليه
-فردوس وهي تتنهد في يأس : ربنا يسهل
-الشيخ أحمد بنبرة متفائلة : ادعي ربنا بس وصلي وإن شاء الله خير
-فردوس بحزن : يا رب .. انت اللي عالم بالحال ... اجبر بخاطرنا يا رب !!!

ثم تركته وانصرفت في اتجاه منزلها وهي محملة بالهموم واﻷحزان ....
.......................................

في نفس التوقيت وصل سائق اﻷجرة إلى الطريق الرئيسي الذي يؤدي إلى مدخل الحارة .. كانت تقى على وشك الترجل من السيارة ولكن ....
-أحمد بجدية : استني بس .. انتي بيتك هنا
-تقى بنبرة عادية وهي تشير بيدها : ﻷ جوا شوية .. بس أنا هانزل هنا
-أحمد بنبرة واضحة : يبقى مش هاتنزلي هنا ، مش هاينفع تمشي كل الحتة دي على رجلك !!
-تقى بإعتراض : معلش أنا آآ....

نظر الحارس أحمد إلى السائق بنظرات جادة ، ثم أشار له بكف يده و.....
-أحمد مقاطعا بإصرار : خش يا اسطى جوا الحارة دي ، وما توقفش إلا لما أقولك ...!!

زمت تقى شفتيها ولم تعلق ، في حين توجه سائق سيارة اﻷجرة ناحية بداية الحارة ، ثم انحرف بها في اتجاه زقاق جانبي ، وقادها بتمهل إلى أن أشارت له تقى بيدها و....
-تقى بنبرة جادة : ايوه هنا يا أسطى

نظر الحارس أحمد حول الأبنية المحيطة بعينيه ، وحاول أن يخمن البناية التي تقطن بها و....
-أحمد متسائلا بفضول : انتي ساكنة هنا ؟
-تقى بخفوت : أها

في تلك الأثناء أخفضت تقى رأسها للأسفل لتخرج بضعة نقود من حافظتها ، ثم مدت يدها للسائق و....
-تقى بصوت فاتر : خد يا اسطى

حدجها أحمد بنظرات حادة وقوية وهو متجهم في ملامح وجهه و....
-أحمد متسائلا بإنزعاج واضح : انتي بتعملي ايه ؟
-تقى بنبرة غير مهتمة : بحاسب الاسطى على المواصلة
-أحمد بضيق : محصلتش يا آنسة تقى .. مش للدرجادي يعني ، ولا انتي مش معتبراني راجل معاكي
-تقى بهدوء : مقصدش بس آآ...
-أحمد مقاطعا بصرامة : خلاص يا آنسة تقى

ثم أخرج هو النقود من جيبه ، و أعطاها للسائق الذي بدأ يعدها ليتأكد أنها تكفي تكلفة ذلك المشوار الطويل ..
ترجلت تقى من السيارة ، ونظرت للمارة حولها بعدم اهتمام ..ثم سلطت عينيها على مكان ما حيث ظنت في البداية أنها تتوهم رؤية طيف والدتها ، ولكن حينما أمعنت النظر جيدا لها أيقنت أنها هي بالفعل ، فتهللت أساريرها وانفرجت ملامح وجهها و....
-تقى لنفسها لعدم تصديق : مش معقول .. دي آآ... دي آآ... ماما .. اه .. هي ..!!!!

تعجب الحارس أحمد من التغيير المفاجيء في ملامحها و...
-أحمد لنفسه بحيرة : هو في ايه ؟!

ارتسمت ابتسامة سعادة على وجهها ، ثم سارت - بقدمها المصابة - في اتجاهها وهي تلوح بيدها ، و....
- تقى بنبرة عالية : ماما .... ماما .................................. !!!!
حاولت تقى أن تركض في اتجاه والدتها ولكن لم تسعفها قدمها المصابة .. فصدحت عاليا و...
-تقى بنبرة مرتفعة : يا ماما .. يا ماما !!!
انتبهت لها فردوس ، ونظرت حيث مصدر الصوت ، فرأت ابنتها و...
-فردوس وهي تضيق عينيها في استغراب : تقى ...!

إرتمت تقى في أحضان والدتها ولفت ذراعيها حولها وأسندت رأسها على كتفها و....
-تقى بصوت شبه مختنق : ياااه يا ماما ، لو تعرفي أد ايه أنا كنت مفتقداكي .. آآآه يا ماما .. ده الدنيا من غيرك وحشة أوي ، والبيت من غير وجودك فيه كان زي القبر

لم تستوعب فردوس في البداية ما الذي أصاب ابنتها ، وماذا حدث لساقها ، وكيف صارت هكذا ، ولكنها حقا كانت تشتاق إليها هي الأخرى ، لذا ضمتها إلى صدرها وربتت على ظهرها في حنو شديد و....
-فردوس بصوت دافيء : وإنتي كمان يا بنتي

تنهدت تقى في ارتياح واضح ، ثم أغمضت عينيها المنهكتين ، وتسللت عبرات -رغما عنها - من مقلتيها و....
-تقى بخفوت : ربنا ما يحرمني منك أبدا يا أمي

-أحمد بصوت هاديء من خلفهما : حمدلله على سلامة الحاجة يا آنسة تقى ...!

فتحت تقى عينيها في صدمة ، ثم أبعدت رأسها عن كتف والدتها ، واستدارت برأسها نصف استدارة ناحيته لتجده على مقربة من كلتاهما ، وعلى وجهه تلك الابتسامة السخيفة ، و....
-تقى بضيق : انت لسه هنا ؟؟!!

حدجته فردوس هي اﻷخرى بنظرات غريبة ، ثم مطت شفتيها قليلا للأمام ، ومن ثم نظىت لابنتها بنظرات قوية و....
-فردوس بنبرة جامدة : مين ده يا بت ؟!
-تقى بتلعثم : ده ... آآ.. ده
-أحمد بحماس : أنا السيكورتي بتاع الباشا اللي شغالة عنده اﻵنسة

رفعت فردوس أحد حاجبيها في ذهول ، واكتسى وجهها بعلامات التساؤل والحيرة و....
-فردوس بإندهاش : شغالة ..!!!!

مد الحارس أحمد يده ناحية فردوس ليصافحها ، ولكنها نظرت إلى يده الممدودة إليه شزرا ، ولم تبادله التحية .. فشعر هو بالحرج منها ، وسحب يده سريعا للخلف و....
-أحمد وهو بتنحنح بخشونة : احم .. طيب الحمدلله إن حضرتك بخير ، أنا كده اقدر أطمن على تقى ... آآ... قصدي الآنسة تقى .. فهستأذنكم بقى أشوف اللي ورايا
:

نظرت كلتاهما إليه بنظرات ما بين قوية وحادة ، فابتسم نصف ابتسامة لهما ، و...
-أحمد بصوت هاديء : عن اذنكم .. سلامو عليكم

ثم تنحنح مجددا وهو يسير في الاتجاه المعاكس ، وإرتسم على وجهه ابتسامة عذبة مليئة بالتفاؤل ..
بينما قطبت فردوس جبينها ، وظلت متجهمة الوجه .. لوت تقى شفتيها وأدركت أن والدتها لن تجعل الأمر يمر مرور الكرام ، فعبوس وجهها هو خير دليل على صحة ظنونها ، ولكن ما باليد حيلة .. فهي لم تخطيء ، ولم ترتكب من اﻷفعال ما يجعلها تشعر بالخجل ، ولكنها تعلم أن والدتها من النوع الذي لا يمرر أي شيء دون محاسبة .. لذلك بادرت هي و..
-تقى بصوت خافت ويحمل القليل من اﻹرتباك : ماما .. آآ.. أنا كنت عاوزة أقولك .. آآ..
-فردوس مقاطعة بصرامة : ششششش ... مش عاوزة أسمع حاجة الوقتي ، لينا بيت نتكلم فيه يا .. يا بنت بطني ....!!

هنا إزدادت حدة التوتر لدى تقى ، فهي لا تعلم ما الذي تفكر فيه والدتها والتي ظلت صامتة طوال طريق العودة إلى المنزل .. ورغم هذا لم يتوقف عقلها عن التفكير لثانية واحدة ، فهي تريد أن تعرف ما الذي فعلته ابنتها في غيابها ؟ وكيف استطاعت أن تجد وظيفة بتلك السرعة في ظل تلك الظروف الغير هينة ؟ وكيف يوصلها شخص غريب عنها إلى منزلها ؟ وما الذي أصاب قدمها ؟ وكيف أصبحت هيئتها شبه مزرية ؟ عشرات الأسئلة كانت تدور في رأسها ..

أما تقى فقد كانت تنظر إلى والدتها بين الحين واﻷخر بقلق محاولة سبر أغوار عقلها ، ومعرفة ما الذي تفكر فيه .. هي متيقنة أن رأسها مشحون بالكثير والكثير من اﻷسئلة عنها ،ومع ذلك ظلت تذكر نفسها أنها لم تخطيء ، و أنها فعلت الصواب من أجل أمها فقط .....

.....................................................

وصل الحارس أحمد إلى أول الطريق ، ثم أخرج هاتفه المحمول من جيبه ، وعاود الاتصال بالمدبرة عفاف و.....
-أحمد هاتفيا بنبرة عادية غير مبالية : أيوه يا استاذة عفاف
-عفاف هاتفيا بحدة : إنت فين يا أحمد ؟؟؟ ده أنا بقالي فترة باتصل بيك
-أحمد بهدوء : كنت بوصل تقى ، ما حضرتك عارفة !
-عفاف بنبرة شبه آمرة : طب تعالى بسرعة ، الباشا أوس بيسأل عنك

اكتسى وجهه سريعا بعلامات التوجس والقلق ، ورفع حاجبيه في إندهاش ، ورفع يده عاليا ووضعها على رأسه ليحكها في حيرة و.....
-أحمد متسائلا بنبرة متوترة : اييييه !! الباشا بيسأل عني !! طب ليه؟!
-عفاف بصوت قلق : معرفش ، بس حاول تيجي بسرعة ، ده قالب الدنيا عليك

إزدادت نسبة القلق لديه ، زفر في توتر ، ثم ......
-أحمد بنبرة مضطربة : ربنا يستر ، أنا في الطريق
-عفاف بإيجاز : طب يالا
-أحمد بتلهف : على طول اهووو ...

ثم أشار بيده ﻹحدى سيارات اﻷجرة ، ثم ركبها سريعا وطلب من السائق إيصاله إلى وجهته المنشودة ....

...........................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

فتحت فردوس قفل المنزل ، وأمسكته في يدها ، ثم ولجت إلى الداخل ، ولحقت بها تقى بخطوات متهاودة ثم .....
-تقى بنبرة حذرة : آآ... ماما !

لم تلتفت إليها فردوس بل ظلت مولبة إياها ظهرها وهي مكفهرة الملامح و....
-فردوس بضيق : عاوزة ايه ؟
-تقى بصوت خافت ومتلعثم : احم .. آآ.. أنا .. كنت عاوزة أقولك إني آآ...

استدارت فردوس بجسدها في اتجاه ابنتها ، وحدجتها بنظرات قوية بعد أن ضيقت عينيها و...
-فردوس بصوت حاد : قولي اللي عاوزاه

إرتبكت تقى أكثر وبدأت تتصبب عرقا باردا .. لم تعرف من أين تبدأ حديثها .. في حين عقدت والدتها ساعديها أمام صدرها ، و.....
-فردوس بصوت قوي : ما تنطقي يا بت ! ولا بتدوري على كدبة جديدة
-تقى بتلهف : أبدا والله يا ماما
-فردوس بنبرة غليظة : اومال ساكتة ليه ؟ اتنيلي قوليلي كنتي فين وشكلك متبهدل كده ليه ؟؟

ثم أشارت بيدها لقدم ابنتها المصاب و...
-فردوس متابعة بإنفعال : ورجلك دي اتعورت من ايه وآآ...
-تقى مقاطعة بخفوت : يا ماما أنا روحت اشتغل عشان خاطرك والله ، عشان اعرف اطلعك من الحبس

وعلى ما يبدو فوالدتها لم تقتنع بما تقول ، ولم تكف عن رمقها بالنظرات المنزعجة ، و....
-فردوس بجدية وهي ترفع أحد حاجبيها : مقولتيش برضوه رجلك حصلها كده من ايه ؟
-تقى بنبرة شبه خائفة : اصل انا دوست على ازاز ورجلي اتجرحت
-فردوس متسائلة بجمود : ودوستي عليه كده من الباب للطاء ؟
-تقى بتلعثم : آآ.. لا .. ما .. ماهو انا وقعت الحاجة من ايدي وأنا شغالة في المطبخ
-فردوس بجدية : مطبخ !! انتي كنتي بتشتغلي ايه ؟!
-تقى بخفوت وهي مطرقة الرأس : خدامة
-فردوس بصدمة : اييييييه ؟؟؟؟؟؟!!!!

اكتسى وجه فردوس بحمرة الغضب ، وإزداد إنعقاد ما بين حاجبيها ، و...
-فردوس بإنفعال جلي : ما تنطقي يا بت انتي ، هو أنا هاخد الكلام بالعافية منك
-تقى بنبرة مرتعدة : والله مش زي ما انتي فاهمة ، ده أنا كنت بساعد ست كبيرة في شغل المطبخ وآآ...
-فردوس مقاطعة بصرامة : معدتش في شغل خلاص ، انا جيت وبصحتي ، ومن بكرة هارجع المصنع تاني
-تقى بنبرة آسفة : مش هاينفع يا ماما
-فردوس بتهكم : ليه إن شاء الله ، كنت ناقصة إيد ولا رجل
-تقى بنبرة حزينة : مش كده خالص ، بس خالتي زينات وسعدية جوم من يومين هنا وبلغوني إن رئيس العمال آآ... آآ...

صمتت هي لثانيتين لتستجمع شجاعتها ، وأخفضت عينيها للأسفل و....
-تقى بصوت حزين : هو .. هو .. استغنى عنك ...!!

فغرت فردوس شفتيها في صدمة ، واتسعت عينيها في ذهول ، و .....
-فردوس بنبرة مشدوهة : هاه ... ليه ؟

اقترب تقى من والدتها ، ووضعت يدها على كتفها و....
-تقى بصوت رقيق : ان شاء الله هتلاقي احسن من الشغل ده

أبعدت فردوس كف يد ابنتها عن كتفها ، وسريعا تبدل وجهها للصرامة مرة أخرى ، وحدجتها بالنظرات الجامدة ، و....
-فردوس بنبرة ضائقة تحمل التحذير : مالكيش دعوة بيا ، ومن هنا ورايح مافيش شغل تاني ، وكلامي يتنفذ باﻷمر ، انتي فاهمة ؟!
-تقى وهي توميء برأسها : حاضر

أرادت تقى أن تسأل والدتها ذاك السؤال الذي يحيرها ويشغل بالها منذ أن رأتها اليوم .. فابتلعت ريقها و...
-تقى بصوت هاديء ورقيق : ماما هو انا ممكن أعرف انتي خرجتي إزاي ؟
-فردوس بنبرة فظة : جرى ايه يا بت هو انتي مفكرة إن أمك حرامية وسرقت زي الولية اللي ما تتسمى ، أديني خرجت زي ما الناس بتخرج ، ولا تكونيش كنتي عاوزاني أفضل محبوسة عسان تدوري على حل شعرك
-تقى بنبرة شبه مرتجفة : ماقصدش والله يا ماما ، بالعكس ده انا فرحانة اوي إنك خرجتي ، وعقبال بابا وخالتي لما يرجعوا هما كمان ، أنا بس مستغربة من إن ..آآ...
-فردوس مقاطعة بضيق : يوووه بطلي رغي وهري على الفاضي ، وروحي غيري هدومك دي

ثم نظرت فردوس إلى عباءة ابنتها بتفحص أكبر ، وأيضا إلى ( الشبشب ) الرجالي الذي ترتديه و...
-فردوس متسائلة بصوت شبه محتقن وهي تشير بأصابعها : ألا صحيح ايه اللي بهدل هدومك كده ؟
ابتلعت تقى ريقها مجددا ، نظرت إلى حيث أشارت والدتها ، و...
-تقى بتلعثم : ده ... ده من الشغل و....

في تلك اﻷثناء قرع جرس باب المنزل ، فنظرت كلتاهما إليه ، و.....
-فردوس بصوت آمر : خشي إنتي جوا ، وأنا هاروح أشوف مين ده كمان اللي جاي الوقتي
-تقى بنبرة اقرب للهمس : حاضر

تنفست تقى الصعداء ، حيث أراحها قرع الجرس من عناء محاصرة والدتها لها باﻷسئلة ، فهي لم تعد قادرة على الرد بسبب الإنهاك النفسي والارهاق البدني الذي مرت بهما خلال اليومين المنصرمين .....

توجهت فردوس ناحية باب المنزل لترى من الطارق ، فوجدت جارتها الطيبة السيدة إجلال وهي تحمل في يديها صينية كبيرة مغطاة بمفرش صغير و....
-إجلال بصوت دافيء وعلى وجهها ابتسامة صافية : أنا قولت انتو اكيد هاتكونوا تعبانين ومش هتقدروا تطبخوا ، فأنا جهزتلكم حاجة كده بسيطة على ما أوسم
-فردوس بنبرة ممتنة : كتر خيرك يا إجلال ياختي ، ماكنش ليه لزوم والله تتعبي نفسك
-إجلال بنبرة حماسية : تعب ايه بس ، هو أنا عملت حاجة .. افتحي بس الباب

فتحت فردوس الباب على مصرعيه لكي تسمح لجارتها بالمرور بالصينية ، ثم تناولتها من يديها و...
-فردوس بصوت هاديء وممتن : والله الواحد ما عارف يودي جمايلك دي فين
-إجلال بضيق زائف : برضوه هتقولي جمايلي .. يا ولية ده احنا عشرة عمر ، والجيران لبعضيها

وضعت فردوس الصينية على الطاولة التي تتوسط الصالة ، و...
-فردوس وهي توميء برأسها : عندك حق فعلا ، ربنا يديم المحبة بينا
-إجلال بصوت رقيق : أمين

ثم ربتت هي على ظهر فردوس ، و....
-إجلال بنبرة عادية : هاسيبك بقى تاخدي راحتك وأروح اشوف الحاجات اللي ورايا
-فردوس بإصرار : تمشي بس ، اقعدي كلي معانا
-إجلال وهي تبتسم : سبقتك من بدري يا حبيبتي ، خليكي انتي بس في نفسك ومع بنتك ، وعقبال يا رب ما نبارك رجوع عم عوض وتهاني
-فردوس بصوت راجي : ياااااا رب أمين

تبادلت كلتاهما قبلات الوداع على وجنتيهما ، ثم رافقتها هي إلى باب المنزل ، وتوجهت بعدها إلى غرفتها وهي تنادي ابنتها و...
-فردوس بصوت عالي : أما تخلصي اطلعي كلي ، خالتك إجلال عملت اﻻكل وجبتهولنا
-تقى بصوت مبحوح من داخل غرفتها : حاضر !
..............................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

توقف سائق اﻷجرة أمام البوابة الخارجية لقصر الجندي ، وترجل منها الحارس أحمد وهو يتلفت حوله بريبة محاولا تخمين ما يحدث و....
-أحمد لنفسه بتوجس : في حاجة غلط

أسرع أحمد في اتجاه زميله الحارس جمال الذي كان مشغولا بالحديث في اللاسلكي ، و....
-أحمد بنظرات مترقبة ، وصوت جاد : هو في ايه يا جمال ؟

رمقه اﻷخير بنظرات معاتبة قبل أن يتشدق ب.....
-جمال بصوت آمر : تعالى معايا
-أحمد متسائلا بتوجس : أجي معاك فين ؟؟

لم يمهله الحارس جمال الفرصة حيث قبض عليه من ذراعه بقوة ، فتعجب أحمد مما يفعله زميله ، وضيق عينيه في حيرة ، و.....
-أحمد بصوت منزعج للغاية : الله انت ماسكني كده ليه ؟ ما تكلم يا جدع

أشار الحارس جمال بيده لاثنين أخرين من الحرس ، فركضوا في اتجاهه وأمسك ثلاثتهم به وقيدوا حركته ، فحاول هو أن يقاومهم ويتحرر منهم ، ولكنه للأسف كان عاجزا أمام قوتهم الجسمانية ، و....
-أحمد متسائلا بخوف : يا جدعان في ايه ؟؟ انتو بتعملوا كده ليه فيا ، ده انا أحمد زميلكم ،ده احنا أكلين عيش وملح سوا
-جمال بصوت فاتر : ماهو عشان العيش والملح ده ، فإحمد ربنا إنك لسه ماشي عفى رجلك

ثم قام الثلاثة بدفع أحمد دفعا إلى داخل القصر ، ومن ثم قادوه إلى أقصى الحديقة الخلفية حيث يوجد الجراج الخاص بالسيارات ..
كان أوس ينتظرهم هناك وهو واضع كلا يديه في جيبي بنطاله الأسود الداكن ، أما أزرار قميصه الكحلي فكانت مفتوحة لمنتصف صدره ..
تسرب الرعب إلى أوصال أحمد حينما لمح طيف رب عمله من بعيد ، وبدى الفزع جليا في مقلتيه ... فهو يعلم علم اليقين بصفاته الفجة والقاسية في التعامل مع الغير ، ولذا كان يتجنب - هو وزملائه - إغضابه بأي حال من اﻷحوال ..
كان يدور في رأسه الكثير من الأسئلة أهمها هو ما الذي أخطأ في فعله لكي يستدعيه إلى هنا بتلك الصورة المرعبة ..
أرخى الثلاثة أيدهم عنه ودفعه بقوة للأمام ، فسقط على ركبتيه و إستند بمرفقيه على اﻷرض ، ونظر بأعين زائغة نحو أوس و...
-أحمد بصوت مرتجف : خير.. خير يا باشا !!

تنهد أوس بقوة ، ثم ضرب اﻷرض بقدمه بقوة وهو يسير نحوه ، ولم يطرف للحظة بعينيه القاسيتين إلى أن وقف قبالة الحارس ...
ابتلع أحمد ريقه الذي جف لأكثر من مرة ، بلل شفتيه المتشققتين بطرف لسانه ، و ...
-أحمد بذعر : أنا.. أنا .... آآ..

انحنى أوس بجذعه للأمام فجأة ، ثم أمسك بقبضتيه بتلابيب أحمد وجذبه للأعلى ، وحدجه نظرات قاتلة ونارية ، و...
-أوس بنبرة جامدة : شغلك هنا عندي انتهى خلاص
-أحمد بتلعثم ونظرات مرتعدة : بس أنا .. أنا معملتش حاجة
-أوس بنبرة قاسية وهو يصر على أسنانه : كون إنك تيجي جمب اللي يخصني يبقى ملكش لازمة عندي

ثم أرخى أوس قبضتيه عن ياقته ،وضرب بهما بقوة على كتفيه ، فشعر أحمد بأصابعه القوية تؤلمه ، و...
-أحمد بنبرة خافتة وهو يحاول كتم آلامه : اللي ...آآ.. اللي تشوفه يا باشا .. محدش بيموت من الجوع ، ده اﻷرزاق على الله

أبعد أوس قبضتيه عن كتفي أحمد ، ثم وضع يده على طرف ذقنه وضربه بخفة كأنه يمزح معه و...
-أوس بهدوء قاسي : صح .. محدش بيموت من الجوع ..!!!!

ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة شيطانية ، ولمعت عينيه بقسوة ، و....
- أوس متابعا بصوت قاتم يحمل الوعيد : بس بيموت من حاجات تانية ...................................................... !!!!
(البديل)
حينما وصلت إليه أنباء علتها الصحية، لم يتردد "عوض" للحظة في الذهاب إليها على وجه السرعة، لرؤيتها، والمكوث معها لعدة أيام، ريثما يطمئن عليها، ويعوض ما فاته بفراقها لسنواتٍ عنه؛ لكنها كانت كعادتها ساخطة، ناقمة، مشحونة بكراهيةٍ غير مبررة تجاه زوجته المغلوبة على أمرها. اشتد بصدره الوجيب، وامتلأ وجهه بعلامات الاستهجان، ووالدته لا تزال تُلح عليه في تصميم مغاير لما يريده:
-يا ابني اسمع الكلام وبطل مناهدة...
حول أنظاره عنها فأكملت بما يشبه الإهانة:
-دي أرض بور، ومافيش منها رجا، قعدتك معاها هتخسرك اللي فاضل من عمرك.
احتج على ظلمها المجحف، وصاح مستنكرًا بضيقٍ:
-أنا راضي بحالي معها، فمالوش لازمة الكلام ده؟
أمسكت بذراعه، وتوسلته بمكرٍ:
-وتزعل أمك؟
كان محاصرًا بين نارين، الظفر بمحبتها، وبمراعاة غيبة زوجته. زفر مليًا، وقال بتعابيرٍ ممتعضة وهو يحتضن كفها بيده:
-زعلك غالي عندي، بس أنا بتقي الله في مراتي.
كادت تنطق بشيء لتسخر منها فاستوقفها باسترساله وهو يستل يده من كفها بعدما أراحه على الفراش:
-"فردوس" اللي مش عجباكي دي وعمالة تجيبي من الأرض وتحطي عليها من غير ذنب وقفت معايا لما الكل إداني ضهره، وأولهم إنتي.
تجهمت على الأخير، فاستمر مضيفًا، وكأنه يبدي عرفانه بصنيع جمائل حماته الراحلة معه:
-أمها فتحت باب بيتها ليا، واعتبرتني ابنها، وعمرها ما قالت كلمة تزعلني.
تطلعت إليه والدته بغير اقتناعٍ، وظلت على هجومها القاسي:
-سيبك من الهري ده كله، كفاية إنك ماجبتش منها عيال، يعني مافيش حاجة تربطك بيها، سيبها وأنا عندي ليك ألف واحدة تانية غيرها.
وقتئذ اتخذ موقفًا مُعاندًا، وأصر على تمسكه بزوجته:
-"فردوس" مراتي وهتفضل على ذمتي لحد ما أموت.
احتقنت نظراتها للغاية، وسألته في نبرة موحية، لم تكن مريحة له:
-وأخوك؟
بدا متحيرًا في مقصدها، فأوضحت بأسلوبٍ فج:
-ترضى تخلي واحدة زي دي أخوك كان عينه منها؟
انخلع قلبه من حديثها المسموم، الذي يعلن في طياته عن حرب ضروس، وهتف في غضبٍ متصاعد:
-إيه الكلام ده يامه؟ مايصحش كده!
ابتسمت لأنها نجحت في وغر صدره ضده، وأكملت بخبثٍ:
-أومال مفكر إيه؟
احمر وجهه غضبًا، وحقدًا، فزادت من إشعال دواخله بكلامها:
-إنت نسيت اللي كان بينهم، ده لو كان طلب منها تسلمه نفسها كانت عملت.
وكأنها هوت على رأسه بمطرقة غليظة، أظلمت نظراته، واسودت ملامحه، حتى نبرته اخشوشنت وقد رفع سبابته محذرًا إياها بصرامةٍ:
-لأ يامه، كله إلا الشرف والعرض، مراتي سيرتها أنضف من البفتة البيضا.
ثم أولاها ظهره استعدادًا للمغادرة، فنادت من ورائه:
-اسمع بس يا "عوض"!!
توقف في منتصف المسافة، لم ينظر إليها، بالكاد حاول ضبط أعصابه بعدما استثيرت بهذه الاتهامات المجحفة، كز على أسنانه وهو يخاطبها بوجومٍ شديد:
-بركة إنك بخير يامه، ربنا يطمنا عليكي، وأنا كل شوية هفوت أشوف أحوالك.
صاحت به في غيظٍ:
-هتركب دماغك يا "عوض"؟
اكتفى بتوديعها المقتضب:
-سلام عليكم.
ارتفع صوتها ليبدو كالصراخ الحاد وهي تسأله:
-فيها إيه عِدل مخليك ماسك فيها بإيدك وسنانك؟!!!
لم يرد بشيء، وغادر المنزل، والبلدة بأسرها وهو مهموم الصدر، ومفطور القلب، فكيف تفعل به أمه ذلك وهو لم يسعَ طوال حياته إلا لإسعادها؟!
............................................
لو كانت الظروف مختلفة ومهيأة عن الوضع الحالي، لأصبح صغيرها الغالي هو ابن الأحلام والأمنيات التي رجت حدوثها منذ نعومة أظافرها! لكن مع ما اختبرته، وما عاشته من آلام ممزوجة بالمهانة والإذلال فهمت أخيرًا أنها أخطأت الاختيار، وما تمر به الآن هو نتيجة اختيارها غير الموفق. بعينين غارقتين في الدموع أمعنت "تهاني" النظر في طفلها النائم، نهضت من جواره لتسحب الغطاء على جسده، انحنت على جبينه تقبله، ثم منحته ابتسامة مشرقة رغم العبرات المنسابة التي تبلل وجنتيها.
اعتدلت في وقفتها، وتجولت في غرفته بخطى بطيئة حذرة، لئلا توقظه، حتى بلغت النافذة الزجاجية الموصدة، أزاحت الستارة البيضاء بخفةٍ، وأكملت حديث نفسها المكلومة:
-أنا اللي عملت كده في نفسي.
شردت بعقلها، واستعادت اللحظات الحمقاء التي غفلت فيها عن رؤية وجهه الحقيقي، وانساقت كالبلهاء وراء أكذوبة الحب الأعمى، فما كان منها إلا أن هوت على أرض الواقع فانقسم ظهرها وتكسرت.
ابتلعت غصة مريرة جرحت حلقها، وجالت ببصرها على السماء الظلماء الممتدة أمامها وهي تهمس:
-لو كنت صبرت ورضيت بحالي، كان زماني متجوزة واحد محترم، بدل الـ...
بترت إهانتها في خوفٍ غريزي، كأنما تخشى أن يسمع ما فاهت به رغم غيابه عن البيت. سحبت شهيقًا عميقًا، لفظته على مهلٍ، وأردفت في أسى:
-مالوش لازمة تقهري نفسك كل شوية يا "تهاني"، مابقاش منه فايدة.
التفتت برأسها للجانب، لتنظر مرة ثانية إلى صغيرها، ضحكة حياتها، عفويًا شقت ابتسامة صافية شفتيها العابستين، وخاطبته في صوتٍ خافت غير مسموعٍ حتى له:
-إنت الحاجة الوحيدة اللي طلعت بيها من الجوازة دي.
مسحت بظهر كفها شلال الدموع المتدفقة لتدعو في تضرعٍ:
-ربنا ما يحرمني منك أبدًا.
ثم عاودت أدراجها، واستلقت على الفراش، محتضنة صغيرها، ومتنعمة بدفء القرب منه.
....................................................
ليلته كانت مختلفة، مطعمة بكل ما تشتهيه النفس وتطمع فيه من مسرات الدنيا وترفها، لم يدخر "مهاب" وسعه في الظفر بمتعها الشهية، وملذاتها السخية. عاد إلى منزله متأخرًا، مترنحًا، وآثار الخمر تلعب برأسه. بالكاد نجح في فتح الباب، صفقه بعنفٍ فتسبب الصوت في إفزاعه، ورغم ذلك ضحك بقهقهة مجلجلة كأن تصرفه الأخرق كان مُسليًا له.
تعرقل حينما سار في البهو، فانكفأ على الأريكة، استراح عليها، وكركر ضاحكًا وهو يتساءل بغير وعيٍ:
-هو إيه اللي جاب الكنبة دي هنا؟
فرك جبينه، وتوقف عن الضحك بصعوبة ليخاطب نفسه في انتشاءٍ:
-لأ، المرادي أنا تقلت في الشرب شوية، بس حقيقي كانت تستاهل.
الجلبة التي تسبب بها جعلت حواسها تتيقظ، وتنهض من جوار صغيرها بعدما غفت بجواره لتخرج من غرفته وهي تسير على أطراف أصابعها متسائلة في توترٍ مرتاع:
-مين برا؟
-هيكون مين غيري!
جاء الرد سخيفًا، وسمجًا من زوجها الذي لمحته مسترخيًا على الأريكة، يرفع ساقه فوق مسندها، ويرخي الأخرى على الأرضية، اقتربت أكثر منه وهي تردد بنبرة شبه هازئة:
-حمدلله على السلامة.
نظرة احتقارية سددها لها قبل أن يصيح بها وهو يتجشأ:
-امشي دلوقتي، مش ناقص نكد.
فاحت منه رائحة الخمر الكريهة، والنساء اللاهية، وما يبعث الاشمئزاز العارم على النفس. تغاضت عما تراه، وسألته في هدوءٍ مناقض لما يجيش في أعماقها:
-"مهاب" إنت هتنام هنا في الصالة؟
رد عليها بوقاحةٍ وهو يطوح بقدمه في الهواء، كأنما يطردها:
-بيتي وأنا حر فيه، أنام في الحتة اللي تعجبني.
مجددًا، تجاوزت عن إهانته المتوارية، وحاولت حثه على النهوض معها، تجنبًا لرؤية الخدم له وهو على هذه الحالة الفوضوية المنفرة. انحنت عليه لترفعه من ذراعيه وهي ترجوه:
-طيب، معلش تعالى معايا نروح الأوضة.
وكزها بكوعه في صدرها بقوةٍ فتأوهت من الألم المباغت، وتراجعت عنه لتحمي نفسها من بطشه الأهوج، جرفتها موجة عنيفة من الخوف عندما هدرت منه صيحة مهددة:
-إنتي مين عشان تديني أوامر؟
كظمت ضيقها بصعوبةٍ، وأبدت اعتذارها الفوري:
-أنا أسفة، بس آ...
قاطعها قبل أن تتم جملتها مواصلًا وصلة لعنها المهينة:
-نسيتي نفسك ولا إيه؟ صحيح تربية حواري!
كان يتكلم بعصبيةٍ، بانفعالٍ، بهجومٍ غير مبرر، ومع هذا طلبت منه بتريثٍ حذر:
-اهدى يا "مهاب"، الموضوع مش مستاهل كل ده!
شهقة غادرة انفلتت منها عندما اندفع تجاهها لينقض عليها، أمسك بها من منبت ذراعها، جرها بعنف للأمام وهو يصرخ فيها:
-يالا غوري!
قوة الدفعة جعلتها تنكب على وجهها، وتفترش الأرضية بجسدها، تمكنت من حماية رأسها من الإيذاء في اللحظة الأخيرة، ونظرت إليه في جزعٍ لتردد بذهول مرعوب:
-"مـــــهاب"، فوق إنت شارب ومش في وعيك!
وكأن طاقة من الغضب المستعر قد اندلعت بداخله، فحررها على هيئة ركلات قاسية من قدمه، سددها نحو جسد هذه المسكينة التي بكت في قهرٍ وعجز وهي تتلقى دفعة جديدة من التأنيب العنـــيف المصحوبة بصياحه المجلجل:
-مايخصكيش، إنتي مش هتتحكمي في اللي بعمله، سامعة؟ أنا حر في حياتي.
كان في غير وعيه، انهال عليه بكل ما يعتريه من وحشــــية وقساوة، غير مبالٍ بأين تصيب ضربته، وأين يترك آثار عنـــــفه. توقف عما يفعل ليدس أصابعه في شعرها المسترسل، جذب خصلاته بشراسةٍ فأجبرها على رفع رأسها إليه، هوى بيده الطليقة على خدها ليصفعها وهو يأمرها:
-ردي عليا؟
أجهشت بالبكاء وهي تتوسل إنسانيته الغائبة:
-خلاص، حقك عليا، أنا غلطانة.
ظل ممسكًا بخصلاتها، وأطبق بيده على عنقها بغتةً ليخنقها، فانحبست أنفاسها وانحشرت، أحست بروحها تستل من جسدها، وصوته يخترق أذنها:
-أقولك على حاجة هتريحني منك؟
انقطعت أنفاسها تمامًا، بل تكاد تجزم أن قلبها توقف عن النبض عندما هسهس كفحيح الأفعى:
-إنتي طــــــــالق!
نظرت له بعينين جاحظتين، وهذا التعبير المصدوم يجتاح كامل وجهها، فجــأة تركها وهو يجلس ضاحكًا أمامها، كأن ما نطق به أسعده، في حين استوعبت "تهاني" الكارثة المفجعة التي حلت عليها، لتهتف بصوتها المتحشرج:
-"مـــــــــــهاب"!
تزحف الأخير على يديه وقدميه حتى بلغ الأريكة، لم يكن قادرًا على الوقوف باستقامة، فجلس عليها مريحًا ظهره للخلف، سلط عينيه الخاليتين من الحياة عليها، ظل يرمقها بنظرات مستمتعة وهو يراها تتخبط بعجزٍ جم، قبل أن يخبرها مؤكدًا ومشددًا على ما سبق وردده:
-أيوه، زي ما سمعتي، إنتي ... طــــالق يا "تهاني"، طــــــــــــــــــــالق!
لطمت على صدغيها في رعبٍ جلي، وانتفضت واقفة لتسأله بغير تصديقٍ:
-إنت واعي للي بتقوله؟ دي المرة التالتة يا "مهاب"! المرة التالتة!
لم يبدُ مباليًا على الإطلاق بما فعل، بل عاد لاسترخائه الأول كما كان، وعلق:
-ولو حتى العاشرة أو المليون، إنتي طالق.
ازداد صوت نحيبها، فأمرها في غلظةٍ:
-ويالا بقى من هنا، وسبيني أنـــــام...
سرعان ما تحولت نبرته للتهديد غير المتساهل عندما أكمل:
-ولا تحبي أرميكي برا خالص؟
ظنت أنه مقبل على تنفيذ ما قاله، فقد سبق وفعل، لهذا أثرت ألا تختبر صبره، وفضلت التراجع عن مواجهته غير المجدية حاليًا، هرولت ركضًا بعيدًا عنه وهي تخاطب نفسها في إنكارٍ متعاظم:
-لأ، استحالة ده يكون حصل، مش معقول يطلقني بالشكل ده؟!!
سيطر عليها الخوف بطريقة طاغية، وتضاعفت الرجفات بها، اختفت بداخل غرفة ابنها، وأوصدت الباب بالمفتاح، كأنما تخاف من احتمالية اقتحامه للغرفة وجرها للخارج، استندت بظهرها المرتعش على إطار الباب الخشبي وهي تتساءل:
-طب هتصرف إزاي؟
تحولت عيناها الفزعتان إلى الفراش، لترتكز على وجه طفلها النائم في سلام قبل أن ترتعش شفتاها هامسة باسمه:
-ابني، "أوس"!!!
..............................................
كانت قد بدأت تستغرق في نومها عندما تنبهت حواسها مع سماعها لصوت صرير باب الغرفة وهو يُفتح، اعتدلت في رقدتها لتنظر إلى زوجها الذي عاد لتوه من الخارج، ألقى عليها التحية، فردت عليه، وسحبت منديل رأسها من على الكومود المجاور لها، لتضعه حول شعرها المهوش، عقدت طرفيه معًا، وهمهمت في استغرابٍ:
-أنا قولت إنك هتبات هناك!
زوى ما بين حاجبيه سائلًا في نبرة معاتبة:
-وأسيبك لوحدك؟
تعجبت من موقفه الغريب، وردت عليه بتحيرٍ:
-ما إنت بتروح للموالد بتاعتك اللي في آخر الدنيا، وبتفضل هناك بالكام يوم، إيه الجديد يعني؟
أجابها متبسمًا:
-ده عشان خاطر أكل العيش، بس إن كان عليا ماسبكيش لوحدك.
اعتبرت ما قاله نوعًا من التقدير المعنوي لصبرها، فابتسمت له ابتسامة مجاملة، وكأن لكلماته التأثير عليها؛ لكن ما لبث أن اختفت هذه الابتسامة الصافية لتتحول إلى العبوس وهو يخبرها:
-بالحق، أمي بعتالك السلام.
نظرت له مليًا وبغير اقتناع، كما لو كانت كذبته المكشوفة لا تنطلي عليها، بينما تكلم "عوض" من غير أن ينظر نحوها:
-وبالأمارة سألت عليكي، دي كانت عاوزة تشوفك!
لوت ثغرها مغمغمة في امتعاضٍ:
-كمان؟
مد يده ليربت على ذراعها مؤكدًا لها بما يخالف ما تضمره والدته حقًا في قلبها ناحيتها:
-أومال، مش مرات ابنها الغالية؟
لم تستسغ سماع المزيد من هذا اللغو الفارغ، فسألته في استهجانٍ، وبلهجة مالت للتحقيق:
-ومن إمتى المحبة دي، وهي مكانتش طايقني نهائي؟
قبل أن يفكر في التبرير الكاذب، حذرته بلهجةٍ جادة، وبتعبير أكثر جدية عن صوتها:
- مالوش لازمة تقول حاجة محصلتش يا "عوض"، أنا لسه فاكرة طريقتها كانت معايا إزاي!!
حاول التغطية على ادعائه غير الحقيقي بترديده:
-ربنا لما بيريد بيغير القلوب.
نظرت له مطولًا، فتنحنح مرة أخرى، واستأذنها في حبورٍ:
-مش هتقومي تحضري أكلة حلوة لينا من إيديكي؟ خلينا ناكل ونتبسط سوا.
هزت رأسها بالإيجاب وهي تنهض من جواره استعدادًا لذهابها:
-حاضر.
.....................................
نفضة غريبة ضربت أطرافه جعلته يفيق من سباته بصعوبة، بالكاد استطاع تحريك ذراعه بعد هذا التنميل المزعج الذي أصابه، ليقوم بعدئذ بحك مؤخرة عنقه، محاولًا تخفيف وطأة ذلك التيبس الذي حل كذلك بفقراته بعدما غرق في نومٍ عميق على هذه الأريكة غير المريحة. استفاق "مهاب" تمامًا، وطاف ببصره على ما يحيط به. اعتدل جالسًا، وتساءل وهو يتثاءب:
-هو أنا نمت هنا ولا إيه؟
نزع عنه رابطة عنقه، وراح يحل أزرار قميصه المتعرق، والذي جعل أنفه ينفر من رائحة جسده غير اللطيفة، ليبدأ في المشي برويةٍ تجاه غرفته، وجد زوجته ترتدي ثياب العمل، وجالسة على طرف الفراش وكأنها في انتظاره، ألقى نظرة سريعة على تعبير وجهها الغائم قبل أن يسألها:
-في إيه مالك ضاربة بوز على الصبح كده ليه؟
لم تنبس بكلمةٍ، فأولاها ظهره، وخلع عنه قميصه متابعًا كلامه إليها:
-الناس لما بيشوفوا بعض بيقولوا صباح الخير، مش يدوا وش النكد ده؟
حينئذ نهضت واقفة، وسألته في تحفزٍ:
-"مهاب" إنت مش فاكر عملت إيه إمبارح لما رجعت؟!!
حانت منه نظرة جانبية غير مهتمة وهو يكمل نزع ثيابه غير النظيفة بالتدريج، سحب من الرف ثيابًا مرتبة، تركها على طرف الفراش، واستعد للذهاب إلى الحمام للاغتســـال، لحقت به "تهاني" عندما طال تجاهله لها مرددة في صوتٍ شبه مرتفع وغاضب:
-إنت طلقتني!
التف كليًا تجاهها، وهتف في صدمة غريبة:
-نعم؟
أخبرته في حرقةٍ، ووجهها قد أصبح أكثر حمرة:
-أيوه، طلقتني، ودي المرة التالتة!
سكت قليلًا، كأنما يحاول استحضار ما دار بالأمس، على عكسها كليًا، كان باردًا في رده:
-أكيد إنتي استفزتيني، ما أنا عارفك.
لم تصدق اتهامه المغيظ، ودافعت عن نفسها بشدةٍ، فاستطردت قائلة:
-والله ما حصل، إنت اللي كنت متقل في الشرب، ومصدقت تطلقني.
اكتفى بهز رأسه، فاشتاطت غضبًا لاستهانته بهذه المسألة الحرجة، وسألته في إلحاحٍ:
-إيه العمل دلوقتي؟
استل منشفة نظيفة من أحد الأدراج، وعقب:
-سبيني أفكر.
ظلت تستجديه في توتر خائف:
-أنا عملت كل اللي طلبته مني، وراضية بأي حاجة، بس أرجوك اتصرف، أنا مقدرش أبعد عن ابني، أو أسيبه!
ضجر من إلحاحها المزعج، فنهرها في جفاءٍ:
-يوووه، اخرسي بقى وكفاية دوشة، قولتلك هشوف حل...
كادت تتوسله مجددًا؛ لكنه طردها من الحمام بأمره الذي لا يرد:
-اطلعي برا خليني أخد دش!
انسحبت في الحال مستجيبة لأمره صاغرة، لعلها بذلك تسترضيه، ولسان حالها يدمدم بقهرٍ بين جنبات نفسها:
-منك لله يا "مهاب"، ضيعت كل حاجة حلوة حلمت بيها في حياتي معاك!!
......................................
مثلما اعتاد أن يفعل في كل مرة، هاتفه ليلتقي به على انفرادٍ، وبعيدًا عن الأعين المتطفلة، في مكتبه بالمشفى الخاص حتى يُعلمه بما طرأ من مستجداتٍ تخص علاقته بزوجته. افترت شفتا "ممدوح" عن دهشة مصدومة، لينطق بعدها مذهولًا:
-التالتة!
وكأن في ذلك طُرفة لطيفة، نوع من الانتصار الزهيد، ضحك "مهاب" في تسليةٍ، ثم قال بهدوءٍ مستمتع وهو يملأ حقيبته الجلدية ببعض الأوراق والملفات:
-تخيل، ومكونتش دريان.
سأله "ممدوح" مستفهمًا في قدرٍ من الفضول، ونظراته تتابع ما يفعله باهتمامٍ:
-طب هتعمل إيه دلوقتي؟
نظر ناحيته، وعقب:
-مش عارف، بس هحاول أشوف حل لما أرجع من السفرية دي.
لم يكن على علم مسبق بسفره المفاجئ، فسأله ليستعلم أكثر عنه:
-رايح فين؟
أعطاه جوابًا مباشرًا:
-"فؤاد" باشا بيرتب لحاجة جديدة، وعاوزني أكون موجود جمبه.
مط فمه معلقًا:
-بيزنس جديد، كويس.
اتجه "مهاب" نحو باب غرفة مكتبه، واستطرد متهيئًا للمغادرة:
-يدوب ألحق أروح المطار.
قبل أن يدير بيده مقبض الباب، استوقفه "ممدوح" بسؤاله المريب:
-والمدام عندها خبر؟
التف برأسه قليلًا للجانب لينظر إليه، وقال في شيء من العجرفة:
-لأ طبعًا، أنا مش مستني إذنها.
تابع أسئلته إليه باستفهامه التالي:
-بس لو سألت عليك؟!
حلت ابتسامة ساخرة على زاوية فمه قبل أن يرد:
-ابقى قولها إني سافرت.. سلام.
شيعه بنظرة ناقمة قبل أن يقول:
-مع السلامة!
.....................................
استغل الفرصة التي واتته على طبق من ذهب الاستغلال الأمثل، وشرع في ملء نفسها بالأحقاد والعداء تجاه من غدا طليقها عندما أتى لزيارتها في منزلها بحجة إطلاعها على سفر رفيقه المُعد مسبقًا، فاستعرت كليًا، وأصبحت على شفير الانفجار من هول ما تحملته معه. تشنجت تعبيرات وجه "تهاني"، وصارت عيناها أكثر احتقانًا وهي تخاطب "ممدوح" بزفيرٍ محمومٍ:
-الجبان! ولا كأنه عمل مصيبة!!
راقب ردات فعلها بهدوء الصياد الماكر، كان يعرف جيدًا كيف يجعلها تتلوى من الألم والوجع دون أن يمسها، ووقعت الأخيرة في الفخ فاسترسلت في البوح بما يتأجج به صدرها، وقد انخرطت في نوبة من البكاء المرير:
-سابني أنا لواحدي تتحــــرق أعصابي وهو مش في دماغه، وأنا هفرق معاه في إيه؟!!
لم يبذل أي مجهودٍ في زيادة جرعات غضبها، وعلق برأس شبه منكس:
-إنتي عارفة طبع "مهاب".
بدت غير متحرجة من البكاء أمامه، بل واعترفت له بندمٍ حقيقي:
-كانت أكبر وأسوأ غلطة في حياتي، يا ريت ما وافقت على ارتباطي بيه!
من على بعد لمح "ممدوح" طفلها مقبلًا عليهما، فحذرها بصوتٍ خفيض:
-خدي بالك، ابنك جاي، مافيش داعي يشوفك بالشكل ده.
في عجالةٍ مسحت دموعها المنهمرة بظهري كفيها، وأخفت حزنها العميق خلف بسمة متسعة، ألصقتها بوجهها، ثم هبت واقفة لتستقبله في أحضانها وهي تناديه بحنان أمومي فياض:
-"أوس"، حبيبي.
كان الصغير متكدر الملامح، قليل الكلام، استخبرت منه عن أحواله، فسألته باهتمامٍ واضح:
-عملت إيه في المدرسة؟
جاوبها الصغير باقتضابٍ، ونظراته النارية اتجهت ناحية "ممدوح":
-كويس.
لاحظ الصغير ذلك الاحمرار الغريب الذي يكسو حدقتيها، فسألها:
-مالك؟
رفرفت بأهداب جفنيها متمتمة في ارتباكٍ محسوس بصوتها:
-أنا بخير يا حبيبي، متقلقش عليا.
تعذر عليها التورية ببراءة عما يعتريها، خاصة مع ذلك الخاطر السريع الذي راود عقلها بشأن احتمالية حرمانها من رؤية فلذة كبدها، لم تكن لتتحمل مطلقًا خسارته، اختنق صوتها فجأة، وغص صدرها بالبكاء، فاستأذنت بتوترٍ:
-هروح أغسل عيني لأحسن اتطرفت، وراجعة تاني...
ثم منحت صغيرها قبلة رقيقة على وجنته قبل أن تطلب منه بلطافةٍ:
-خليك إنت مع عمو "ممدوح" شوية.
جمد "أوس" عينيه الحادتين على وجهه، وضاقتا بشكلٍ محلوظ متحفز والأخير يخاطبه:
-أهلًا يا ابن الـ .. باشا.
ضغط على كملته الأخيرة ونطقها بشكلٍ يوحي بالإهانة، قبل أن يتابع بغير صوتٍ؛ لكن نظراته إليه أكدت تبادل نفس الشعور التلقائي بينهما بالنفور:
-تعرف أنا لله في لله مش بطيقك.
كان صوته الداخلي يتكلم بما يكنه له حقًا:
-إنت الدليل الحي على إن أبوك دايمًا أحسن مني، حتى في الوســــاخة!
كز على أسنانه، وبدا صوت همهمته غير واضحة حين أنهى حديث نفسه العابر:
-مسيره في يوم هيقع، وهيكون مكانه تحت رجلي.
تنبه لقدوم "تهاني" حينما خاطبت ابنها:
-يالا يا "أوس" عشان تغير هدومك.
ظل "ممدوح" مكللًا بصمته المستريب، مما استحث "تهاني" على سؤاله بتحرجٍ مع ملاحظتها لتبدل تعابيره لشيء غير مفهومٍ لها:
-هو ضايقك ولا إيه؟
في سلاسة وخبرة، استطاع أن يبدد ما يجوس في نفسها من شكوكٍ، وابتسم في وداعةٍ نافيًا ما استشعرته:
-لأ، إنتي بتقولي إيه بس!!
ابتسامته كانت متمرسة، مُخادعة، وهو ما زال يخبرها كذبًا:
-ده أنا بحبه جدًا، فوق ما تتخيلي، كأنه ابني بالظبط!
....................................................
مضى وقت طويل على آخر مرة اجتمعا فيها معًا، لذا كان لقائهما ممتدًا، ومشحونًا بالحديث عن العديد من المشروعات الهامة. كان الأمر الأخير المطروح على طاولة نقاشهما ذلك التعاون الجديد مع واحدٍ من الشركاء الأقوياء، ممن برز اسمه على ساحة رجال الأعمال مؤخرًا، رغم التحفظات التي تحيط بتضخم مصادر ثروته. بدا "مهاب" معترضًا على محاولة الدمج بين الشركتين، وأخبر والده بتخوفه من الخوض فيه:
-احنا مش محتاجين ده يا باشا! ومش ضامنين الشريك الجديد يعمل معانا إيه، وخصوصًا إنه مش سهل.
تفاهم معه "فؤاد" موضحًا أسبابه بقدرٍ من المنطقية:
-بس للأسف الوضع اليومين دول مش مبشر، ده كفاية المشاكل اللي عملها "سامي" وورطنا فيها، وخلانا نخسر جزء مش قليل من راس المال.
رغم تحفظه على اختياره لتولي أعمال العائلة منذ البداية إلا أنه لم يظهر اعتراضه عليه آنئذ؛ لكن صمته هذه المرة سيكبد أسرته المزيد من الخسائر الفادحة، لهذا تحدث بصراحةٍ مطلقة:
-إنت عارف إنه مش أد الشغل التقيل يا باشا، ودايمًا متسرع، فأنا مش هقبل إنه يفضل مكمل بطريقته الفاشلة.
رد عليه والده في أسفٍ:
-كنت عاوز أبعده عن طريقك، بس الظاهر حسبتي كانت غلط.
تفهم موقف أبيه، وتداركه في الحال:
-ماتقولش كده يا باشا، هو اللي استهتر بالمسئولية اللي عليه، ومقدرش قيمة اللي معاه.
ثم انتصب بكتفيه وأكد له بحماسٍ متزايد:
-عمومًا أنا جاهز للي تؤمرني بيه.
استحسن ما أظهره من جدية، وقال:
-طول عمرك مريحني يا "مهاب".
أكمل بعدها الاثنان مناقشة بنود الاتفاق، كل بندٍ على حدا، حتى تساءل "فؤاد" في اهتمامٍ كبير:
-صحيح ماجبتش حفيدي معاك ليه؟
أجابه متحججًا:
-المرة الجاية يا باشا، يكون خد الأجازة من المدرسة.
رد عليه بإيجازٍ:
-عظيم.
ثم تداول كلاهما ما تبقى من بنود على رويةٍ، ليضمن "مهاب" بذلك عدم توريط عائلته في أي شيء قد ينذر بالخسارة.
..............................................
رغم انفصـــالها الأكيد عنه، إلا أنها ظلت ماكثة في البيت مضطرة، متقبلة الوضع الحرج، فلا مكان غيره متاح لها لتذهب إليه، أقامت "تهاني" في غرفة ابنها، تنهش الأفكار المحيرات في رأسها، وتلتهم الخواطر المؤرقات ما تبقى من صمودها. تربصت، وانتظرت على أحر من الجمر عندما جاء "ممدوح" للقاء زوجها الذي عاد لتوه من سفره، تعلقت بأمل محاولته المستميتة للمساهمة في إيجاد الحل المناسب لها لضمان عدم حرمانها من صغيرها أبدًا، خاصة مع التقلبات المزاجية لطليقها، والتي تبدو في غالبيتها غير مضمونة العواقب. لم تتحمل التنصت عليهما، فأعصابها مرهقة، وقواها مستنزفة، لذا انسحبت، وبقيت تنتظر الخبر اليقين من أحدهما.
بداخل غرفة المكتب، استقر "ممدوح" جالسًا على الأريكة، وتابع حركة رفيقه وهو يملأ كأسيهما بالفاخر من المشروب المُسكر. ما لبث أن تدلى فكه للأسفل، وراح يهتف في اندهاشٍ ذاهل عندما اقترح عليه حله الجهنمي للأزمة الراهنة:
-نعم، أنا أتجوز "تهاني"؟
كان يتحدث إليه كأنما يأمره، لا يطلب منه رأيًا، خاصة مع تأكيده:
-أيوه، معنديش حل إلا كده...
بقي "ممدوح" على حاله المستغرب، بينما رفيقه لا يزال يخاطبه بعبارات موحية:
-وماتقلقش، أنا هظبطك وأراضيك بقرشين حلوين.
حاجته إلى المال الذي يضعه في مقدمة صفوف الأثرياء، وصفوة المجتمع، كانت تفوق أي رغبة أخرى، ومع ذلك تعلل بامتناعه عن القبول قائلًا:
-بس الموضوع محرج، دي مراتك...
ثم ثبت نظراته القاتمة عليه وهو يتم جملته بعبارة وصل مدلولها الصريح إليه في التو:
-إزاي تقبل إنها تنام مع غيرك، حتى لو كنت أنا؟
رد عليه "مهاب" ببساطةٍ شديدة وهو يتحرك صوبه:
-أنا مضطر لكده، عشان أقدر أصلح الوضع.
ناوله كأسًا من المشروب قبل أن يتابع بمزاحٍ:
-وبعدين إنت مش حد غريب!
كالحرباء المتلونة تمسك "ممدوح" بحجته، وأصر عليها:
-إنت فاهم إن ظروفي ماتسمحش أتجوز، حتى لو لليلة.
ضحك في استمتاعٍ، وغمز له بطرف عينه هاتفًا:
-اطمن، كله بحسابه.
ثم أخرج من جيب سترته رزمة من النقود ليعطيها إليه وهو يأمره:
-خد دول مؤقتًا.
تحايل عليه بمكرٍ، وأظهر له تردد في القبول مهمهمًا بتذمرٍ طفيف:
-بس آ...
أصر عليه في تصميمٍ:
-خلاص يا "ممدوح"، ماتعقدش الحكاية!
وكأنه أعطاه مفتاح الخلاص ووسيلة أخرى للتربح منه، ليس ماديًا فقط، بل بطرق أخرى مغرية. مد الأخير يده، والتقط الرزمة الورقية، ناظرًا إليها باشتهاءٍ قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة ماجنة، أتبع ذلك قوله الهادئ والمشابه لمكر الثعالب:
-عشان خاطرك بس .........
في الساحل الشمالي ،،،،

أسندت ليان رأسها على صدر فارس الذي إتكأ بمرفقيه على الرمال الذهبية ، ثم تنهدت هي في حزن ، وأغمضت عينيها ، و...
-ليان بخفوت : ماتسبنيش تاني يا فارس ، اوعى تبعد عني
-فارس بنبرة رومانسية : حاضر

مدت هي أصابع يدها لتلامس صدره بعد أن فتحت عينيها ، و....
-ليان بصوت شبه حزين : أنا معنتش بأثق في اي حد خلاص

أمسك فارس بكف يدها ورفعه إلى فمه وقبله في حنو زائد ، و نظر إليه بعينين ناعستين ، و....
-فارس بصوت رخيم : مش عاوزك تقلقي يا حبيبتي طول ما أنا جمبك .. انا مش هاسيبك .. انتي عمري كله !

ثم قبلها مجددا من يدها ، فنظرت إليه بنظرات رومانسية ، فتابع هو حديثه ب...
-فارس بنبرة خافتة : وقريب اوي هانكون سوا وللأبد ، بحبك يا ليوو ....!!

ثم أحاطها بذراعيه وضمها إليه .. فشعرت بالدفء يسري في روحها الهائمة ، وفجأة فتحت ليان عينيها لتجد نفسها غافلة على أحد المقاعد الخاصة بالشاطيء ، فتنهدت في حسرة فقد كان ما رأته مجرد حلم عابر تمنت لو تحقق فعلا ووجدت الحضن الذي يحتويها فتشعر معه بالآمان ....

.........................................

في منزل الجارة أم بطة ،،،،،،

توالت الاتصالات الهاتفية منذ مطلع هذا اليوم لتهنئة بطة بزيجتها وخاصة من رفيقاتها المقربات منها ومن زميلاتها في المدرسة الثانوية الصناعية .. فهي أصغر عروسة ستزف إلى عريسها الليلة ..
ورغم الفرحة البادية على كل صديقاتها إلا أنها كانت تشعر بعدم اكتمال فرحتها .. هي لا تعرف السبب ، ولكن يخالجها شعور غريب بأن اﻷمور تمت على عجالة ..
قطع تفكيرها رنين الهاتف مجددا ، فأجابت على المتصل وهي تدعي السعادة ...
ومن بين تلك المكالمات الهاتفية ، مكالمة من زميلتها الخلوقة هاجر ..
كانت هاجر قد أخبرت والدها عن زيجة صديقتها - والتي كانت تماثلها في العمر - فانزعج الأخير من اﻷمر ، وأخبرها بأن هذا غير قانوني وبه مخالفات .. فأرادت هاجر أن تبلغ صديقتها بما قاله والدها .. وبالفعل هاتفتها و..
-بطة هاتفيا بنبرة جادة : انتي واثقة من اللي بتقوليه ده ؟
-هاجر هاتفيا بنبرة هادئة : ايوه .. بابا موصيني أقولك عشان تخدي بالك

فركت بطة جبينها بكف يدها ، ثم ابتلعت ريقها في قلق ، و.....
-بطة بتوجس : طب .. طب المفروض أنا اعمل ايه ؟؟
-هاجر بصوت رقيق : حاولي تتكلمي مع مامتك .. يمكن هي مش واخدة بالها
-بطة بنبرة حائرة : ما انتي عارفة امي مش من السهل يتقالها حاجة زي كده وتقتنع على طول
-هاجر بهدوء : الصراحة مامتك صعب اوي
-بطة وهي تلوي شفتيها في امتعاض : يعني انا كده لازم اتصرف واشوف حل مش بس مع امي لا مع عبده كمان
-هاجر بإيجاز : بصراحة ايوه
-بطة بضيق : يبقى مش هاوصل لحاجة
-هاجر متسائلة بجدية : ليه بس ؟ انتي بس اقنعي مامتك وهي يمكن تلاقي الحل وتأجل الجوازة شوية
-بطة بتهكم : تأجل الجوازة .. يبقى انتي متعرفيش امي ..
-هاجر بصوت هاديء : ربنا معاكي يا بطة ويحلها من عنده
-بطة متسائلة برجاء : طب انتي ماينفعش تجيلي يا هاجر وتكلميها معايا ، يمكن ده يفرق
-هاجر بنبرة آسفة : والله لو كانت ظروفي تسمح كنت جيتلك .. بس انتي عارفة الوضع ازاي عندي !!
-بطة بضيق : اه عارفة .. يا ريتك كنتي موجودة .. كان زمانك ساعدتني في الهم اللي أنا فيه ده
-هاجر بنبرة حزينة : معلش يا بطة ، غصب عني والله
-بطة بنبرة يائسة : مايهمكيش .. انا هاتصرف
-هاجر برجاء : ربنا يكرمك

انهت بطة المكالمة مع هاجر وهي في حيرة واضحة من أمرها ، زفرت في انزعاج ﻷكثر من مرة ، و..
-بطة بصوت جاد للغاية : اعمل انا ايه الوقتي ؟؟؟

.........................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،،

تنهدت تقى في إرهاق وهي تحاول النهوض من على فراشها ، ثم رفعت قدمها اليمنى للأعلى قليلا لتتفحصها .. و...
-تقى بخفوت لنفسها : أما اشوف الجرح إن كان لم ولا لسه

نزعت هي بحذر الرباط الطبي الذي يلف قدمها وهي تصر على أسنانها خشية أن تصدر أي صوت ، ثم تلمست بأطراف أصابعها مكان الجرح و ..
-تقى بصوت متآلم : آآه .. ده لسه زي ماهو .. انا محتاجة اغير الشاش ده وأحط حاجة تانية مكانه

أنزلت قدمها بهدوء ..وسارت على طرف كعبها وهي تحاول ألا تلقي بثقل جسدها عليه ..
-تقى بنبرة راجية : يا رب هون واشفيني

توقفت تقى أمام خزانة الملابس ، وفتحت ضلفته ، وعبثت في محتوياته بحثا عن قطعة قماش نظيفة لتضمد بها قدمها .. ثم أخرجت مرهما طبيا من أحد اﻷدراج الداخلية ، و إستندت بظهرها على الخزانة وقامت بلف قطعة القماش بعد أن وضعت المرهم و...
-تقى بهدوء : يا رب تيجي بفايدة

-فردوس بنبرة مرتفعة : أنا نازلة شوية تحت ومش هتأخر، ماتفتحيش لحد ، ماشي يا بت ؟
انتبهت هي إلى صوت والدتها العالي الذي يأتي من خارج غرفتها و...
-تقى بنبرة عالية : حاضر
-فردوس بصوت آمر : وماتنسيش تنقعي الفول في المياه بعد ما تنقيه
-تقى بصوت مرتفع : طيب

ثم سمعت صوت غلق باب المنزل ، فتنهدت في تعب و...
-تقى بإرهاق : يا معين يا رب ، ده أنا لسه عاوزة اعمل الغسيل وأروق الصالة وآآ....!!

......................................................

في منزل الجارة أم بطة ،،،،،،

ظلت بطة تجوب الغرفة ذهابا وإيابا وهي في حالة عصبية وفي حيرة من أمرها ... فوالدتها تريد تزويجها فقط لتتخلص من عبئها ، وبالتالي لا يشكل أي فارق معها إن كانت ستصبح سعيدة في حياتها القادمة أم لا ...
وقفت هي أمام التسريحة ذات المرآة المكسورة وتأملت نفسها ، و...
-بطة بغرور : وربنا أنا خسارة في الفقري ده

ثم مطت شفتيها وتغنجت بجسدها و...
-بطة بثقة : ده أنا أعجب الباشا .. بس لولا الظروف

تنهدت في انزعاج وصدى كلمات رفيقتها يتردد في عقلها ، وحاولت ان تجد لها مبررات مقنعة و...
-بطة بصوت حائر : ماهي أمي برضوه معذورة هاتصرف على مين ولا مين ..

ولكنها تذكرت تصرفات إحسان الوقحة معها فتملكها الانزعاج ، و....
-بطة بضيق : كله كوم والولية دي كوم تاني .. اوووف .. يا ساتر يا رب عليها ..!!!

مطت شفتيها في استهجان وغمغمت بخفوت ثم توجهت للشرفة لتلمح تقى وهي تعلق الملابس المغسولة على الحبال ، فحدقت بها بنظرات مطولة و....
-بطة لنفسها بجدية : طب ما البت تقى ظروفها اسوأ مني وأمها مجوزتهاش اشمعنى أنا يعني ؟؟!! ﻷ وهي كمان أكبر مني !!!

إستندت هي بكف يدها على زجاج الشرفة ، و حدقت في الفراغ بعد أن اشتدت ملامح وجهها صرامة و...
-بطة بنبرة عازمة : انا لازم اتصرف واشوف آآ....

في تلك اﻷثناء ولجت أم بطة لداخل الغرفة وهي تحمل كومة من الملابس المطوية ، ونظرت إلى ابنتها بإستغراب ، و...
-أم بطة بنبرة متعجبة : انتي بتكلمي نفسك يا بت ؟

انتبهت لها بطة ، فأنزلت ذراعها ، واستدرات بجسدها للخلف ، وارتبكت ملامحها وترددت في إخبار والدتها بما يجيش في صدرها ...
وضعت أم بطة الملابس بداخل الخزانة ، و...
-أم بطة بنبرة حماسية : يالا يا عروسة جهزي نفسك بقى عشان يدوب نلحق نروح الكوافيرة ، ده النهاردة يومك .. انا خلاص خلصت كل اللي ورايا

مطت بطة شفتيها في تأفف ، و...
-بطة وهي تتمتم بخفوت : يوم اسود ومهبب..!

نظرت لها والدتها باستغراب ، ورفعت أحد حاجبيها ، و...
-أم بطة بتعجب : يا بت هو انتي هاتفضلي كده كتير تكلمي نفسك زي الهبلة

أخذت هي نفسا مطولا ، وزفرته بتعصب ، و....
-بطة بتذمر : هو أنا يعني لاقيت حد أكلمه وقولت ﻷ
-أم بطة بعدم اكتراث : بلاش حكي فاضي ، يالا لاحسن الوقت يسرقنا ومنلحقش ، شوفي هتاخدي ايه وانتي نازلة ، و آآ.....

لم تستمع بطة إلى كلمة أخرى مما تقولها والدتها ، فقد كان شاغلها اﻷكبر هو مصيرها الغامض مع زوج لم تعرفه جيدا ..
في النهاية قررت هي أن تخبر والدتها لذا تشدقت ب......
-بطة متسائلة بجدية : يامه ..هو اللي احنا بنعمله ده صح ؟!

عبست ملامح وجهها أكثر ، قطبت جبينها و...
-أم بطة بعدم فهم : قصدك ايه ؟
-بطة بتردد : يعني .. آآ.. انا ازاي هاتجوز وأنا عندي 16 سنة .. ده صح ؟
-أم بطة بصوت شبه حاد :انتي جبتي الكلام ده منين ؟؟!!
-بطة بتلعثم : أنا... أنا سمعت الكلام ده في .. آآ.. في التلافزيون
-أم بطة وهي تمط شفتيها في سخرية : هو في حد بيصدق كلام التلافزيون ده ، وبعدين الواد عبده مظبط كل حاجة مع المأذون ، فمتشليش هم يا بت .. ده انتي واخدة راجل ابن سوق

اكتسى وجهها بعلامات الحيرة ، وإزداد إنعقاد حاجبيها ، و ...
-بطة متسائلة بتوجس : ازاي يعني ؟؟ تقصدي ايه يامه ؟؟!!!

ارتسمت ابتسامة مغترة وواثقة على وجه أم بطة ، ولوحت بيدها في تفاخر ، و...
-أم بطة بصوت واثق : هو هايكتب ورقة جواز كده بس مش هاتتسجل في الدفتر إلا لما تتمي 18 سنة
-بطة وهي تفرغ شفتيها بإندهاش : ايييه ؟!
-أم بطة متابعة بتفاخر : والمأذون مننا وعلينا ، وبعدين هو الجواز ايه غير اشهار والكل يعرف ، وأدينا عازمين الحبايب كلهم
-بطة بنظرات مصدومة ، ونبرة مدهوشة : بس .. بس ده غلط
-أم بطة بعدم مبالاة : غلط ايه يا بت .. ده الكل ماشي كده هنا ، هو احنا هنعمل حاجة غريبة
-بطة بنبرة محتجة : طب ليه مانستناش أما اكمل 18 سنة وأبقى اتنيل اتجوز .. ولا حتى لما أخلص الدبلون
-أم بطة بصوت ضائق : هو أنا لسه هاستنى كل ده ، بلاش قرف !! أنا عاوزة اخلص من كوم اللحم اللي ورايا
-بطة بإحتجاج أشد وهي تشير بيدها : بس يامه كده حقي هايضيع !
-أم بطة باستغراب : ايه ؟ حقك يضيع !!!
-بطة وهي تصر على أسنانها : أيوه ..
-أم بطة بصوت جاد يحمل التهكم : حق ايه اللي هايضيع ؟! هو كان هيتجوزك في الدرى ، ماهو عامل ومكلف فرح أد كده وعازم القريب والغريب عشان يعرفوا
-بطة بإعتراض واضح : يامه ده مش قانوني ، كده مش هيبقالي أي حقوق شرعية
-أم بطة بإندهاش أشد : قانوني وشرعي ! بت انتي ده مش كلامك
-بطة وهي تزفر في ضيق : يوووه .. مهما قولت برضوه انتي مش هاتسمعيني

ثم تحركت مبتعدة عن والدتها ، ولكن أمسكتها اﻷخيرة من ذراعها ، وقبضت عليها بشدة ، ثم هزتها بعنف ، وهدرت هي ب.....
-أم بطة بزمجرة عالية : انطقي يا بت مين ملى دماغك بالكلام الفاضي ده ؟!
-بطة بحنق : محدش
-أم بطة بصوت يحمل التهديد : ﻷ بقى ، قسما بالله لو ما نطقتي وقولتي مين لعب في دماغك ﻷجيبك تحت رجلي وأنسل الشبشب ده نسايل على دماغك

ثم قبضت أكثر على ذراعها ، وانحنت بجسدها لﻷمام لتأتي بفردة ( شبشبها ) ، فنظرت لها بطة بخوف ، وأدركت أنها أخطأت حينما ظنت أن والدتها من النوع الذي يقبل المحاورة ...
-أم بطة بتوعد : هو انا ناقصة فضايح ؟!
-بطة بصوت متلعثم : دي .. دي هاجر يامه اللي قالتلي كده

ألقت أم بطة بشبشبها على اﻷرض ، ورمقت ابنتها بنظرات غريبة و...
-أم بطة وهي تلوي فمها في استنكار : هاجر !!
-بطة بضيق : ايوه هاجر

مطت أم بطة شفتيها في سخرية ، و أرخت قبضة يدها عن ذراع ابنتها ، ورمقتها بنظرات حنو زائف و....
-أم بطة بصوت خافت ولئيم : يا عبيطة ، وهو في واحدة عاقلة ومخها يوزن بلد زيك تصدق كلام الفقرية دي .. يا بت دي معنسة وغيرانة منك
-بطة بصوت جاد : لا يامه ده أبوها اللي قالها كده
-أم بطة بمكر : وهو اللي يقولك اي حاجة تصدقيها .. انتي كنتي معاها ؟!
-بطة بإيجاز : ﻷ
-أم بطة بنبرة مهينة : دي واحدة مصدية محدش عمره هايبص في وشها اللي يقطع الخميرة من البيت ..هي بتقول كده عشان تخرب عليكي

ثم وضعت يدها على كتف ابنتها ، ومالت برأسها نحوها ، و...
-أم بطة بخبث : خليكي ناصحة يا بت ، وبصي لمصلحتك ، وسيبك من البنات النحس اللي مابيجيش من وراهم غير الهم والغلب ..

أخفضت بطة عينيها للأسفل ، بينما ربتت والدتها على ظهرها ، و ....
-أم بطة بصوت خافت : يالا يا بنتي ربنا يهديكي .. البسي يالا وشيلي كلام البت بنت ال*** دي من دماغك

هزت بطة رأسها موافقة بالرغم من عدم اقتناعها بالمبررات التي تقولها والدتها .. ورسمت على وجهها ابتسامة زائفة و..
-بطة باستسلام : حاضر يامه ... انا هالبس
-أم بطة بفرحة جلية : ياختي اسم الله والحارس الله ..تسلميلي يا بنت بطني

ثم احتضنت ابنتها وقبلتها من وجنتيها ، وسارت في اتجاه باب الغرفة .. بينما تسمرت بطة في مكانها ووضعت يدها في وسط خصرها ، و ....
-بطة بنبرة مليئة بالتحدي : مافيش قدامي غير إني أفركش الجوازة دي بمعرفتي ................................... !!!
في سرادق ما كبير على مدخل الحارة ،،،،،

أنتهى معظم الرجال المتواجدين بداخل وحول السرادق المقام لحفل زفاف الليلة من العمل فيه ، وتبقى فقط تعليق بعض الزينات واﻷضواء الكهربائية على مداخله ، وأيضا على واجهات البنايات الملاصقة ...
في حين وضع رجلين أخرين ( الكوشة ) الخاصة بالعروسين ، وقام شابين صغيرين برص المقاعد والطاولات الخشبية على الجانبين ..
في حين انحنى رجل ضخم البنية بجذعه للأسفل لكي يضع السجاد الخاص بالعرس على الإسفلت ..
كذلك تم نصب مسرح خشبي واسع وتجهيزه بمعدات الفرقة الموسيقية التي ستتولى إحياء تلك الليلة ....

وقف شاب ما في منتصف السرادق واضعا قبضتي يده في جيبي بنطاله الجينز ، وموليا ظهره لمعظم المتواجدين ، ثم أخرج إحدى قبضتيه ، ومررها على فروة رأسه المجعدة ، ومن ثم التفت بجسده للجانب ، فظهرت ملامح وجهه السمراء وحاجبه المعقوف ورموشه الكثيفة وذقنه شبه الحليقة ، ثم أشار بيده ﻷحد اﻷشخاص ، وغمز له وهو يبتسم و...
-الله ينور يا باشا
التفت له أحد العاملين وهز رأسه موافقا ، ثم هدر عاليا ب...
-مبروك يا عريس .. وعقبال البكاري

ابتسم له عبد الحق ابتسامة سخيفة ، ثم أومىء برأسه ، وتحدث بهدوء ب....
-في حياتك إن شاء الله وتبقى تعملهم الصوان ده
-نعملك أبوه يا باشا .. انت أؤمر بس

رفع عبد الحق يده عاليا ليحيه ، ثم أخفض رأسه قليلا و...
-تسلم ياخويا

ثم سار في اتجاه مخرج السرادق وهو هاديء الملامح ، ومن ثم أخرج هاتفه المحمول ونظر في شاشته فتبدلت قسمات وجهه للضيق ، و...
-يا دين النبي ، الوقت جري بسرعة ، ده أنا يدوب ألحق استحمى وأطلع ع الواد سمير الحلاق يسنجفني

.............................

بداخل صالون التجميل الشعبي الخاص بالسيدات ،،،

أخرجت بطة فستانها من الحقيبة البلاستيكية التي تغلفه ، ورفضت أن تعاونها أي من الفتيات المتواجدات بداخل الصالون في ارتدائه .. ورغم الحيرة التي كانت بها ، إلا أنها تمكنت في النهاية من إرتدائه وتبقى فقط إغلاق السحاب
خرجت بطة من المرحاض وهي تحمل أطراف فستانها ، ولم تعبأ بنظرات الدهشة الممزوجة بالصدمة على أوجه الحاضرات ..
سارت هي بخطوات واثقة في اتجاه المقعد المخصص لتزيين العرائس ، ونظرت إلى مصففة الشعر - نسرين - بنظرات جادة ، وتشدقت ب...
-أنا جاهزة

أشارت لها نسرين بيدها لكي تنحني قليلا للأمام ، و...
-هاتي أما اقفلك السوستة يا عروسة

أومأت بطة برأسها موافقة ، ثم مالت للأمام و..
-ماشي

ارتدت العروس بطة فستانا ذو صدر مكشوف ، وبدون حمالات ، عاري الكتفين والذراعين .. يكشف عن معظم مفاتن جسدها بطريقة مثيرة للغاية ..
رفضت هي أن ترتدي ( بادي ) من قماش الساتان أو الدانتيل كي تغطي جسدها .. نعم ، لقد تعمدت أن تستفز خطيبها بهيئتها تلك حتى تأخذه حمية الرجل الشرقي فيتركها على الفور وينهي تلك الخطبة دون أي عناء يذكر ..
كانت تلك هي خطتها البسيطة التي هداها عقلها إليها ..

أمسكت نسرين بخصلات شعر بطة وبدأت في تمشيطه استعدادا لتزينها ، فتأوهت الأخيرة من اﻵلم ، ووضعت يدها على رأسها وصرخت بإستنكار ب...
-ايييه ما بالراحة يا نسرين ، ده شعري مش سلك ألمونيا ..! ماتشديش جامد !!

أرخت نسرين أصابعها قليلا عن فروة رأسها ، و ابتسمت لها ابتسامة مجاملة وهي تمضغ العلكة و...
-حاضر يا عروسة

ثم أمسكت بجهاز الاستشوار ومكواة الشعر الكهربائية وبدأت في تصفيف شعر بطة وفرده .. فشعرت اﻷخيرة مجددا بالحرارة الساخنة تلسع أذنيها وتحرق فروتها ، فاستدارت بوجهها للخلف ، ولوت شفتيها في تذمر ، و...
-جرى ايه يا نسرين ، ما تحاسبي شوية عليا
-وربنا ما عملت حاجة يا عروسة ، ده الششوار هو اللي سخن

أشارت لها بطة بإصبعها محذرة ، و..
-طب وطي الحرارة شوية ، محدش قالك إني عاوزة أتشوي

مطت نسرين شفتيها للأمام في امتعاض وهي وتهز رأسها موافقة ، ونفخت بالونة بالعلكة ثم قامت بطرقعتها ، و..
-طيب .. من عينيا

.................................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،،

طرق شخص ما تبرز علامات الشيب على رأسه بقوة على سطح مكتب السكرتيرة ، قم لوح بيده في الهواء بعصبية ، وهو يهدر ب...
-يعني ايه سافر؟
تنحنحت السكرتيرة في حرج ، ثم أجفلت عينيها قليلا و..
-يعني مش موجود يا فندم
تملك الانفعال من سامي ، وقطب جبينه بشدة ، وصدح بضيق ب....
-هو لعب عيال ، ده أنا عمه ، مش موظف شغال عنده عشان يلغي كل حاجة كده من غير ما يقولي ...!!!

رمقته السكرتيرة بنظرات قلقة بعد أن ابتعدت خطوة للخلف ، وبنبرة رقيقة تحدثت ب....
-اهدى يا سامي بيه .. حضرتك عارف إن أوس باشا بإيده كل حاجة ، وهو اللي بيقرر هايعمل ايه ..
-مش هاهدى وبلغي البيه اللي مشغلك إن سامي الجندي هايدفعه تمن اللي عمله معايا غالي أوي....!!!

ثم حدجها بنظرات محتقنة من عينيه الحمراوتين ، والتفت بجسده للخلف ورحل وهو يغمغم بغيظ ..
...............................................

بداخل صالون التجميل الشعبي ،،،،،

ولجت إحسان ومعها هنية إلى داخل الصالون وهما ترتديان عباءتين مزدانتين باللآليء اللامعة في منطقة الصدر وعند اﻷكمام من اللون اﻷسود ..
مطت إحسان شفتيها في تأفف ، ورفعت حاجبيها في ترفع و..
-سلامو عليكم

استدارت نسرين في اتجاه مصدر الصوت ، وابتسمت ابتسامة زائفة وهي تتحدث بهدوء ب...
-وعليكم السلام .. اتفضلوا

إشرأبت هنية بعنقها للأعلى في محاولة منها للتطلع إلى ملامح العروس بعد أن أوشكت على الإنتهاء ، ورمقتها بفضول وهي تتحدث بحماسة زائدة ب....
-أومال عروستنا الحلوة خلصت يا عسل ؟

أولتها نسرين ظهرها ، وقامت بتثبيت بعض الدبابيس في خصلات شعر بطة ، و...
-قربت أهوو

اقتربت إحسان من بطة ونظرت إليها مطولا وهي تتفحصها بتمعن ، وجابت ببصرها تفاصيل بشرتها المزدانة بمساحيق التجميل الرخيصة ، ثم نزلت بعينيها إلى أسفل عنقها ومنه إلى مفاتنها البارزة فإكفهر وجهها سريعا ، وتبدلت تعابيرها للضيق والإنزعاج ، ومطت فمها في استهجان جلي ، و....
-ايه اللي عملاه في نفسك ده يا بت ؟!!!!!

نظرت لها بطة من طرف عينها بعد أن أمالت وجهها للجانب قليلا ، ومن ثم أشاحت به بعيدا ، لتعاود النظر للأعلى بعدم مبالاة ، وببرود مستفز أجابتها ب....
-في ايه يا حماتي؟ ما نسرين شغالة زي الفل اهوو

جذبت إحسان ذراع نسرين لتجبرها على التوقف عن إكمال عملها ، ثم دفعتها للخلف ووقفت قبالة بطة التي كانت لا تزال جالسة على مقعدها في هدوء يدفع للغيظ ، وحدجتها بنظرات نارية وهي تعنفها ب....
-ما تتعدلي كده يا بت وأنا بأكلمك بدل ما أقطمك نصين ..

رفعت بطة رأسها بتأني ، ولوت شفتيها في سخرية ، ثم رمقت إحسان بتعالي ، و...
-وليه الغلط بس يا حماتي !!

لوحت إحسان بيدها في وجه بطة ، وسلطت عينيها المشتعلتين عليها ، و...
-ايه المسخرة اللي إنتي لابساها دي ؟!!

وقفت هنية على مقربة من كلتاهما ، واتسعت عينيها في صدمة ، و فرجت فمها في سخرية وهي تتحدق ب....
-يا حلاوة يا ولاد.. ايه اللحمة دي كلها ؟!!

زفرت بطة في إنزعاج ، وأشاحت بوجهها للجانب لتتجنب نظرات إحسان المحتقنة ، ثم رفعت أصابع كف يدها اﻷيسر أمام فمها لتدعي أنها تنفخ في طلاء أظافرها ، و...
-ماله يعني ؟ ما الفستان حلو اهوو وعلى الموضة
-موضة تاخدك يا بعيدة ، بلاش قلة أدب

اعتدلت بطة في جلستها ، وصرت على أسنانها في غيظ ، و..
-والله ده اللي عندي ...

ثم صمتت لثوان قليلة قبل أن تتابع ببرود مصطنع ب....
-واللي مش عاجبه يشرب من البحر .....!!!

جحظت إحسان بعينيها ، وقبضت على ذراع بطة وهزتها بعنف منه ، و...
-نعم يا روح أمك ، ده انتي متعرفنيش يا حيلتها ، ده أنا أفضحك قبل ما تفكري تفضحيني أنا ولا ابني

أزاحت بطة قبضة إحسان عن ذراعها بعد مجهود ، ثم نظرت لها شزرا ، و...
-هو انتي مفكراني ماليش اهل ، ده أنا آآ...

قاطعتها إحسان بعد أن أمسكت بها من طرف ذقنها لتتوقف هي مجبرة عن الكلام ، وضغطتبب عليه بقوة لتؤلمها ولم تهتم بإفساد أحمر الشفاة ولا بالبودرة البيضاء ، ثم رمقتها لنظرات متوعدة و...
-آه مالكيش يا حلوة ، وانتي لسه ماشوفتيش وشي التاني ، والظاهر عليكي هاتجربيه قريب

أبعدت بطة قبضتها عن فكها ، ونظرت إليها بإحتقان ، ورغم التشنج البادي في صوتها إلا أنها هدرت ب....
-أنا لا عاوزة أشوف وش تاني ولا أولاني ولا حتى عاوزة أجربه ، أقولك على حاجة ، بلاها الجوازة الغم دي

نظرت هي إليها بإحتقار ، وجذبتها من شعرها ، و...
-غم أما يشيلك إنتي وأهلك

تأوهت بطة من اﻵلم وحاولت أن تحرر خصلات شعرها ، و...
-آآي .. سيبي شعري

تدخلت هنية عند تلك المرحلة منعا لتطور اﻷمر أكثر من هذا حتى لا يصل إلى اشتباك باﻷيدي و...
-اهدي يا إحسان مش كده

وقفت نسرين هي الأخرى على الجانب الأخر ، و...
-ماتصلوا على النبي يا جماعة ، ده شيطان وربنا اللي داخل بينكم

نجحت هنية في تخليص بطة ، وتراجعت بإحسان إلى الخلف التي لم تكف عن سب بطة وإزدرائها، و..
-سبيني يا هنية أربي البت دي ، اهوو ده اللي ناقص

-يووووه ... كفاية بقى ، أنا اتخنقت وجبت أخري منك ..!
قالتها بطة قبل أن تنفعل بطريقة هيسترية ، فحاولت نسرين تهدئتها

في حين مالت هنية على أذن إحسان وهمست لها ب....
-تعالي معايا يا إحسان برا الوقتي
-والله ما هأطلع من هنا غير لما أجيب أجل البت دي ، ماهو يانا ياهي !!
-وتجيبي الفضايح لنفسك

حدجتها هي بنظرات نارية قبل أن تعبس أكثر بوجهها المجعد وتتحدث بتهكم ب.....
-فضايح مين يا ولية ، ده ابني اللي هايسيب ***** بنت ال***** دي

ضيقت هنية عينيها في لؤم ، وأخفضت نبرة صوتها ليبدو كفحيح اﻷفعى
-و ليه تجيبي أجلها لما ممكن آآ...

ثم نظرت حولها بحذر قبل أن تتابع حديثها الخافت ، و..
-الكلام مش هاينفع هنا .. تعالي برا بس

وبالفعل خرجت كلتاهما من الصالون الشعبي ، ووقفتا على رصيفه ، فبادرت هنية ب....
-هنا هنعرف نتكلم

كورت إحسان قبضة يدها في غيظ ، ونظرت أمامها بعينين كالجمرتين المتقدتين ، و...
-قسما بالله ﻷقول للواد عبده ينهي الجوازة دي حالا
-وتخلي حتت بت زي دي تنفذ كلامها

وكأنها أرادت أن تزيد من حدة اشتعال النيران المستعرة ، ولكن إحسان هدرت ب...
-تغور في 60 داهية ، المركب اللي تودي

مطت هنية شفتيها في لؤم ، ونظرت إلى إحسان بنظرات تحمل الخبث ، و...
-وماله تغور .. بس بعد ما تكسريها

ضيقت إحسان عينيها في اهتمام ، ثم هدأت نبرة صوتها إلى حد ما ، و...
-تقصدي ايه ؟

ابتسمت هنية ابتسامة شيطانية و....
-أقصد إنك آآ................................

ثم أخفضت صوتها كثيرا وهمست بخطتها الماكرة في أذن إحسان التي ابتسمت في تشفي، وحدقت أمامها في قوة متوعدة ، و...
-وماله ...خليني ( أفسخها ) ... وبعد كده هاتشوف المر كله معايا ............................. !!!!
في الساحل الشمالي ،،،،،

رفضت ليان أن تذهب بصحبة رفيقتها جايدا إلى الملهى الجديد ، وفضلت أن تكمل يومها وهي تتجول على الشاطيء .. كانت هي معظم الوقت شاردة وحزينة .. هي تعلم أن والدتها ترتكب خطيئة شنيعة في حق نفسها أولا قبل عائلتها ..
تنهدت في آسى ، وأطرقت رأسها في ضيق ، و...
-ليه عملتي كده ؟ ليه كسرتي نظرتي ليكي ، أنا مش عارفة ازاي هتعامل معاكي عادي وكأن مافيش حاجة حصلت ، أوووف

أكملت ليان تسكعها الذي كان بلا وجهة محددة إلى أن تسمرت فجأة في مكانها بعد أن اتسعت حدقتي عينيها من الصدمة ...
-مش... مش معقول ...!!!

رمشت ليان بعينيها عدة مرات لتتأكد أنها لا تتوهم ما تراه ، خفق قلبها بشدة من فرط السعادة التي باغتتها ..
-ده فارس .. انا مش مصدقة نفسي .. أوووه

ثم سارت بخطوات راكضة للأمام في اتجاه فارس الذي كان يتناول أحد المشروبات الباردة على ( بار ) ما ..
لم تنتبه هي إلى المرأة الجالسة بجواره والمستندة بذراعها على كتفه ، فرؤيته نصب عينيها كانت كافية بالنسبة لها ..
لوحت ليان بيدها في الهواء وهي تصيح عاليا بـ....
-فارس ... فارس

انتبه كلا من فارس ولوزة إلى ذلك الصوت اﻷنثوي المألوف الذي يأتي من الخلف ، فسحبت لوزة ذراعها سريعا ، واستدارت في إتجاه عامل البار ، وأشارت له بعينيها وتحدثت بنبرة شبه مرتعشة وهي تبتلع ريقها بـ.....
-آآ.. كوكتيل تاني بليز ....!

تعمد فارس أن يعبس بوجهه وهو ينظر إلى ليان ، ثم زفر في انزعاج زائف ، والتفت بوجهه للجانب ، ولوى فمه في إزدراء ..
وقفت ليان قبالته وظلت تلهث أمامه وهي تحاول أن تتحدث بـ...
-فارس .. miss you ... انت انت مش بترد عليا ليه ؟؟

لم ينظر هو في اتجاهها وإكتفى بمط شفتيه في تأفف مصطنع ، و..
-عاوزة ايه تاني ؟ مش احنا خلاص finish .. فينيتوو يعني !!!

وضعت هي يدها على ذراعه البارز ، وقبضت عليه بأصابعها كأنها تستنجده ، ونظرت إليه بتوسل ، و...
-ﻻ يا فارس .. انا لسه عاوزاك .. !

رمقها هو بنظرات باردة ، ثم أزاح يدها بعيدا عن ذراعه ، و..
-وأنا مش عاوز..

ثم أخرج حفنة نقود من جيبه وألقاها على البار ، وسار مبتعدا عن الجميع ..
تبعته ليان بنظرات مصدومة ، وحاولت أن تلحق به

راقبتهما لوزة بنظرات شيطانية ، وارتسم على وجهها علامات الرضا ، ورفعت حاجبها اﻷيسر في إعجاب ، و..
-براوة يا وله .. عرفت توقعها صح ..!

ثم رفعت كأس المشروب إلى فمها ، وإرتشفت منه القليل قبل أن تحدق في الفراغ أمامها بنظرات محتقنة ، و..
-قريب أوي هايتكسر ضهرك وهايضيع شرفك يا ... يا ابن الجندي ...!!!

...................

ركضت ليان خلف فارس ، وحاولت إيقافه أكثر من مرة ، وأمسكت به من ذراعه ، وتحدثت بأنفاس متلاحقة بـ.....
-استنى بس ! أنا تعبت من الجري

دفع بيدها للخلف ووجهه جامد من التعبيرات ، ثم أكمل سيره دون أي اكتراث بها .. في حين انحنت هي لﻷمام وإستندت بكفي يدها على ركبتيها ، وبدأت تنتحب ، ثم على صوتها تدريجيا ليتحول إلى شهقات وبكاء حاد ...

توقف فارس عن الحركة ، وإستدار برأسه نصف إستدارة للخلف ليراها ، فوجدها تبكي بحرقة ، فزم فمه في امتعاض ، ورفع يده ليمررها في رأسه ، ثم زفر في ضيق مصطنع قبل أن ينطق بـ...
-اوووف .. خلاص يا ليان ، بلاش تعيطي ! انتي عارفة إني مش بأستحمل أشوفك كده ..!!

لم تستمع هي إليه ، واستمرت في البكاء .. فلوى هو فمه ، وسار في اتجاهها ، ثم أسند يده على ظهرها وربت عليه في حنية و..
-كفاية يا ليووو

مد هو ذراعه الأخر وحاول أن يعدلها في وقفتها ، فإستجابت هي له ، و إستندت برأسها على صدره بعد أن أغمضت عينيها المغرورقتين بالدموع ، ولم تكف عن البكاء ..
مسد هو بيده على شعرها ، وضمها من خصرها بذراعه اﻷخر إليه في حنو زائف ..
-ليووو.. دموعك دي بتقطعني من جوا ، كفاية بقى

فتحت هي عينيها المنتفختين قليلا ، ونظرت إليه بنظرات حزينة ، ثم بصوت خافت ومختنق تحدثت بـ.....
-أنا محتاجاك جمبي يا فارس ، ماتسبنيش !

أرخى فارس ذراعه عن خصرها ، وأحاط بوجهها الحزين بكفي يده ، ومسح بأصابعه عبراتها من على وجنتيها ، ونظر في عينيها بنظرات مطولة دافئة ، و...
-في ايه يا حبيبتي ؟ مالك .. طمنيني عليكي ؟
-أنا تعبانة من غيرك ، كل حاجة في حياتي بقت كدبة

وضع هو إصبعه على شفتيها ليمنعها عن الحديث ، واقترب برأسه منها ، وبنبرة رخيمة خافتة تشدق بـ.....
-شششششش... اهدي ، ماتكلميش خالص

ارتفع صدرها وهبط من كثرة البكاء ، فضمها إلى صدره مجددا ، وإحتضنها بشدة ، و....
-ليوووو.. بليز !

هدأت هي قليلا في أحضانه ، فابتسم في لؤم و...
-أنا بأحبك يا ليووو .. ومش عاوز أبعد عنك لحظة
-ولا أنا

أبعد هو رأسها عن صدره ، ونظر لها بعينيه الناعستين ولم يرمش للحظة و...
-ليان .. تتجوزيني ؟! .. بس عرفي !

فغرت هي شفتيها من الصدمة ، وتوقفت عن النحيب والبكاء ونظرت إليه بعدم تصديق .. فعاود تكرار جملته اﻷخيرة على مسامعها ولكن بنبرة أكثر جدية ..
-ليان أنا عاوز أفضل جمبك على طول ، وظروفي حاليا ماتسمحش إني أتجوزك رسمي .. بس أنا مش قادر أشوفك كده ومعملش حاجة ، أنا عاوز أكون سندك .. صدرك الحنين اللي ترتاحي عليه ..

ثم صمت لثوان معدودة قبل أن يتابع بـ.....
-حبيبتي ، إنتي مش عارفة حبك عامل فيا ايه ، بعدك عني مخليني مش على بعضي .. انتي عارفة جوازنا ده هيقرب أوي ما بينا لحد ما الظروف تظبط ونعلنه رسمي .. ها قولتي ايه ؟ موافقة تتجوزيني ؟!

لم تعرف هي بماذا تجيبه ، فقد باغتها بسؤاله هذا .. فظلت صامتة ، عاجزة عن الرد ، ووجهها جامد ، خالي من التعبيرات ..
هزها هو من كتفيها بهدوء حينما لاحظ صمتها المخيف ، و...
-ايه ؟ مش موافقة ؟!

مط فمه في يأس ، وأرخى قبضتي يده تماما عنها ، وأجفل عينيه في إنكسار ، و....
-خلاص يا ليان ، أنا مش محتاج أعرف ردك .. هو بابن على وشك ، وأنا أسف إني آآآ.....

وضعت هي كف يدها على فمه ، ونظرت له بنظرات فارغة ، ثم قالت بنزق....
-أنا موافقة نتجوز عرفي .....!!!

.........................................

داخل الصالون الشعبي ،،،،

احتقن وجه بطة بالدماء المشتعلة من الغيظ ، وظلت تهز ساقيها بعصبية مفرطة ، و...
-ولية استغفر الله العظيم ، تفور الدم

عبثت نسرين بخصلات شعر بطة لتعيد ترتيبه من جديد بعدما أفسدته إحسان .. في حين ولجت أم بطة لداخل الصالون وعلى وجهها ابتسامة مشرقة ولكن سرعان ما تلاشت ليحل محلها علامات اﻹنزعاج الممزوجة بالصدمة ..

تسمرت لوهلة في مكانها ، ولم تطرف بعينيها ، ثم إذ بها تلطم فجأة على صدرها في فزع وهي محدقة في ابنتها ، وتشدقت بـ...
-يخربيتك يا بعيدة ! ايه المنظر المفضوح ده يا مفضوحة ...!!

نفخت بطة في ضيق ، ونظرت إلى والدتها بنظرات غير عابئة ، و...
-في ايه يامه !!
-دك موو ..

ثم رفعت إصبعها لتشير إلى مفاتن ابنتها البارزة من اﻷعلى وهي مقطبة الجبين ، و..
-إنتي حماتك شافتك بالبتاع ده كده ؟!

زمت بطة شفتيها في برود ، و...
-آه

وضعت أم بطة إصبعيها على طرف ذقنها ، ولوت شفتيها في سخرية ، و..
-ليها حق الولية تقلب وشها ومتردش عليا السلام ولا حتى تبوسني بنفس ، ما هو بنتي جيبالي الكافية وفضحاني ..!

لوحت بطة بيدها في الهواء وهي تشيح بوجهها بعيدا عن والدتها ، و....
-بناقص من أم دي جوازة !!
-بقولك ايه يا بت ، أمور الهبل والاستعباط دي مش هتطلع دلوقتي ، مش اللي بنيته في سنين تجي انتي و تهديه في لحظة ...!!

لوت بطة شفتيها أكثر في استهجان ، و....
-يعني جوازة الأمل ، يامه دول عالم زبالة ، لولا الحظ بس كان زمانتهم آآ....

قاطعتها والدتها بحزم وهي تشير بإصبعها محذرة بـ....
-بلا حظ بلا نيلة ، قفلي على الكلام ده خالص ، مش ناقصة إنك تتوكسي جمبي
-يامه انا مش عاوزاه
-غصب عنك هاتتجوزيه ، انتي عاوزة تجرسيني قدام أهل الحارة كلهم

ثم سمعت كلتاهما أصوات أبواق سيارات تأتي من خارج الصالون ، فإنقبض قلب أم بطة ، وظهرت تعابير الرعب على وجهها واضحة ، و...
-يادي النصيبة ، عريسك جه برا ، ربنا يستر وماتقلبش بغم

ابتسمت بطة إبتسامة سخرية من زاوية فمها ، و...
-ولا تقلب .. مش فارقة !!

جذبتها والدتها من على المقعد الحديدي لتنهض رغما عنها ، ثم حاولت أن تخفي كتفي ابنتها بالطرحة المعلقة في التاج المثبت على رأسها ، ومطت شفتيها في توتر ،..
-عدي الليلة دي على خير يا رب ....!!

ثم استدارت برأسها في اتجاه نسرين ، وأشارت لها بعينيها و..
-هاتي ياختي الشال اللي عندك ده أما أشبكه باﻹبرة
-ايه اللي بتعمليه ده يامه ؟!
-اسكتي يا بت خليني اصلح اللي هببتيه
-شكل الفستان هايبوظ
-يبوظ ولا يولع مش احسن ما تفضحينا يا مفضوحة

هزت بطة جسدها في اعتراض ، وزفرت عاليا بــ...
-اووف

نهرتها والدتها بشدة ، وحدجتها لنظرات حادة و...
-اثبتي يا بت .. داهية تاخدك
- يا ريت ربنا ياخدني عشان ترتاحوا كلكم مني

لم تنظر لها والدتها ، بل ظلت منحنية الرأس مسلطة بصرها على مافي يدها حتى تكمل حياكة الشال بالفستان ، و...
- وماله ! بس ياخدك وإنتي في بيته ، وإنتي على ذمته ، مش وإنتي متعلقة لسه في رقبتي ، كفاية كوم اللحم اللي ورايا غيرك ...!!
-حسبي الله ونعم الوكيل

تأكدت أم بطة من إتمام عملها ، فتنهدت في إرتياح ، ثم لكزت ابنتها في ذراعها لتتحرك إلى اﻷمام وظلت تغمغم في خفوت بكلمات غير مفهومة .....

.....................................

في الخارج ،،،،

اصطفت سيارة كحلية اللون - من ماركة هوندا - مزدانة بالبلالين والشرائط الورقية بجوار الرصيف الملاصق للصالون الشعبي ، وترجل منها عبد الحق وهو متأنق على غير عادته ، بالطبع فهو عريس اليوم .. وإلتف حوله بعض من أصدقائه الذين أصروا على مصاحبته خلال يومه هذا ...

كان عبد الحق ممسكا بباقة ورد بيضاء صناعية كي يقدمها للعروس - كتقليد متبع في تلك المناسبة - وباليد اﻷخرى أخذ يعدل من وضعية ال( بابيون ) اﻷسود الذي يرتديه ..
لف أحد اﻷشخاص يده حول عنقه ، وتحدث معه بحماس زائد وهو يغمز له بـ.....
-منور يا عريس

أزاح عبد الحق يد صديقه من حول عنقه ، و...
-خف إيدك شوية يا جدع

وثب هذا الشخص في مكانه بطريقة منفعلة ، ثم لوح بيده و...
-وربنا لنخلي فرحك الحارة واللي حواليها يحلفوا بيه
-طيب.. وروني بقى
-هاتشوف يا برنجي

مالت هنية على أذن إحسان وأسندت يدها على كتفها ، ثم أشارت بعينيها و...
-أهوو الدلعدي ابنك جه ، الحقي بقى قوليله على اللي بسلامتها عملته ، اكسبي وقت قبل ما تخرج من جوا
-طيب

وبالفعل سارت إحسان في اتجاه السيارة ، وحاولت أن تجد السبيل إلى ابنها المحاصر وسط أصدقائه ، فلم تستطع ، لذا صاحت عاليا بــ.....
-عبده .. واد يا عبده .. إنت يا وله ...!!!!

انتبه عبد الحق إلى صوت والدته ، فإشرأب برأسه عاليا كي يراها ، و...
-أيوه يا حاجة
-تعالى هنا ، عاوزاك في كلمتين
-بعدين يامه

عبست هي بوجهها ، وتحدثت بصرامة و....
-يا واد بسرعة بدل ما آآ....
-طيب .. طيب !

دفع عبد الحق أصدقائه برفق وهو يضحك و...
-وسعوا شوية يا رجالة أما أشوف الحاجة عاوزة ايه

أفسح له البعض المجال ليمر ، و...
-ماشي يا عريس
-سكة يا جدعان للعريس
-منورة يا حاجة

وقف عبد الحق قبالة والدته ، وأخذ يعدل بيده سترة الحلة السوداء التي يرتديها ، ولم ينظر في اتجاه والدته ، و...
-عاوزة ايه يا أم عبده ؟

لكزته والدته في كتفه وهي تنظر له غيظ و...
-بصلي يا واد وأنا بأكلمك

تحسس هو موضع اﻵلم ، وفركه بأصابعه ، ونظر في اتجاهها و..
-في ايه يامه ، بتضربيني ليه بس ؟ ده أنا عريس النهاردة
-اسمعني كويس يا واد يا عبده ﻷحسن مافيش وقت
-ها .. قولي !
-المزغودة على قلبها ست الحسن والدلال

نظر هو لها بإهتمام ، و...
-بطة ...! مالها ؟
-عاوزاك تشد معاها الوقتي

مط عبد الحق ثغره في عدم اقتناع ، ثم نظر لوالدته بحيرة و....
-ليه كده بس ، ده حتى فال وحش والله !!
-يا واد افهم ، ادبحلها القطة من أول يوم عشان تكون تحت طوعك وتسمع كلامك بدل ما تركبك يا منيل وتتوكس أكتر ما أنت

حك هو طرف ذقنه في عدم فهم ، فمالت هي برأسها عليه وهمست له بكلمات غير واضحة .. في حين أصغى هو إليها بإهتمام وظلت تعابير وجهه غير مفهومة ، ثم ...
-ماشي يا حاجة

..........................

فتحت نسرين باب الصالون الخاص بها ، وأطلت منه أم بطة أولا وهي ترفع كف يدها بالقرب من فمها لتطلق الزغاريد ..
-تعالى يا عريس خد عروستك ، لووولوووولي .. ربنا يجعلها جوازة السعد والهنا عليكم

كان عبد الحق على وشك اﻹبتسام ولكنه رأى نظرات والدته الصارمة له ، فبدل ملامح وجهه للضيق الزائف ، ثم سار في اتجاه البوابة ..
فتحت أم بطة ذراعيها في الهواء ، ثم جذبت العريس إليها وإحتضنته ، و..
-مبروك يا عريس بنتي ، لولوووولي

ابتسم لها عبد الحق ابتسامة مجاملة بعد أن تحرر من ذراعيها ، ولكن لم تتبدل ملامح وجهه كثيرا ، ثم تحدث بــ....
-الله يبارك فيكي يا حماتي

ثم أفسحت له المجال لكي يمر إلى الداخل حيث تنتظره عروسه ..

تنحنح بصوت خشن ومتحشرج وهو يلج إلى الداخل ولم ينتبه للهمهمات النسائية حوله ، فقد كان شاغله اﻷكبر هو رؤية عروسه بطة .. وبالفعل رأها أمامه ولكنها كانت تحيد ببصرها بعيدا عنه ..

تمعن عبد الحق في ملامح تلك العروس التي بدت بمساحيق التجميل أكبر من عمرها الحقيقي وأكثر جمالا ، وكاد أن ينطق بإعجابه الشديد بها ورغبته في إلتهامها ، ولكنه تذكر كلام والدته بألا يدع الفرصة لها ، وعليه أن يفرض هيمنته الذكورية وأمور أخرى حاول أن يلهي عقله قليلاً عنها حتى يتمكن من التركيز ...

تعجبت بطة من حالة الصمت السائدة منه ، وظنت أنه ربما يريد التراجع عن اﻹرتباط بها ، فتهللت أساريرها قليلا ، ولكن أصيبت بالإحباط حينما أردف بـ....
-يالا .. يا .. يا عروسة .. ده لسه ليلتلك طويلة

لم تفهم بطة ما الذي يعنيه بكلامه هذا ، ولكن نظراته اللئيمة توحي بأنه يضمر لها شيئاً سيئاً ..
تأبطت هي في ذراعه وانطلقا خارج الصالون والزغاريد والتهليلات من المتواجدين تحاوطهما .....
.............................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

وقفت تقى في شرفة منزلها لتتابع من اﻷعلى مراسم حفل الزفاف بعد أن غطت شعرها بخمار طويل .. كم كانت تود أن تشارك الجيران فرحتهم ، ولكنها باتت محرومة من اﻹبتسام حتى لا تثير حنق والدتها ..
مر ببالها ذكرى عابرة مما حدث بينها وبين ذلك البغيض ذو القلب المتحجر ، فزفرت في إستياء ، و...
-ربنا ينتقم منه ويحرقه .. معندوش رحمة ولا شفقة بحد ..!!!

ثم لمحت طيف والدتها وهي تأتي من بعيد ، فاضطربت ملامحها ، و...
-احسن حاجة اعملها إني أخش جوا بدل ما تسمعني كلمتين في جنابي

وبالفعل استدارت للخلف ، وخرجت من الشرفة وأغلقت النافذة خلفها ..
رأتها والدتها من اﻷسفل فإكفهر وجهها وإنعقد ما بين حاجبيها ، وضيقت عينيها في توعد ، و...
-ماشي يا تقى .. ماشي !!

...................................

في مسجد الحارة القريب ،،،

كان الشيخ أحمد قد انتهى لتوه من درسه اليومي حينما حضر إليه أحد اﻷشخاص ذوي اﻷجسام الهزيلة والبشرة السمراء المجهدة ، واقترب منه وركع بجواره ، ثم نظر له بنظرات جادة و...
-سلامو عليكم يا شيخنا

التفت إليه الشيخ أحمد وابتسم له ابتسامة هادئة وهو يدير مسبحته بأطراف أصابعه و..
-وعليكم السلام ورحمة الله يا رشيد
-عرفت اللي حصل يا شيخنا

ظل الشيخ أحمد يحرك مسبحته في هدوء ، ونظر له بحيرة و...
-خير يا بني

التقط رشيد أنفاسه ، ونظر إلى الشيخ بنظرات ضيقة من عينيه المرهقتين ، و...
-الواد سيد اللي شغال في فرن العيش النار هبت في وشه وولع ..!

إنتفض الشيخ أحمد ذعرا في مكانه ، وتحولت نبرة صوته الهادئة للحزن الممزوج بالأسف ، و...
-لا إله إلا الله .. يا ساتر يا رب .. !!
-اه والله يا شيخنا ، ولولا ستر ربنا كان زمانته راح فيها

رفع الشيخ أحمد بصره للسماء وكذلك كفيه ، وبنبرة متضرعة أردف بـ....
-اللهم أجرنا من عذابك يا الله .. ألطف بعبيدك يا كريم

ضيق الشيخ أحمد عينيه في تساؤل ، و..
-طب هو عامل ايه الوقتي ؟

لوى رشيد زاوية فمه في إستنكار ، و...
-والله حالته تصعب على الكافر .. !!
-لا حول ولا قوة إلا بالله ! وهو فين دلوقتي ؟
-موجود في المستوصف

ربت الشيخ أحمد على فخذ رشيد حاثا إياه على النهوض ، و...
-بينا نروحله يا رشيد يا بني ، ده عيادة المريض واجب
-ماشي يا شيخنا ، بس آآ...
-في ايه؟
-احنا .. آآ.. قصدي يعني أنا واللي معايا كنا بنلمله قرشين كده عشان آآ.. يعني .. آآ

هز الشيخ أحمد رأسه عدة مرات ليشير إلى فهمه للمقصد من كلامه ، و...
-مفهوم . مفهوم .. متحملش هم يا رشيد .. أنا هاخد مبلغ من صندوق الخير بتاع الجامع لسيد .. أهي حاجة تساعده على العلاج وإن شاء الله أهل الخير يتعاطفوا مع حالته ويساعدوه يقف على رجله من أول وجديد !

ارتسمت علامات اﻹرتياح على وجهه ، وانفرج فمه في سعادة وأشار بكفي يده وهو يتحدث بحماس بــ.....
-ربنا يباركلك يا شيخنا ، والله ما في زيك في الحارة دي ..!
-احنا كلنا في خدمة بعض يا بني

ثم نهض من مكانه ، وتبعه رشيد إلى خارج المسجد ..................................!!!!
في أحد الفنادق الشهيرة بالعاصمة الإيطالية رومــا ،،،
في الجناح الملكي ،،،
تمدد عُدي على بطنه بعد أن وضع منشفة بيضاء على خصره ، وثنى مرفقيه أسفل رأسه بعد أن أغمض عينيه ، وإسترخى تماماً ، ثم بصوت شبه ناعس أردف بـ ...
-Go ahead babe ( إبدأي يا حلوة )

بدأت فتاة ما أجنبية الملامح ذو شعر أشقر ، وبشرة بيضاء .. ترتدي ملابس تشبه الممرضات - ولكنها أقل حشمة وشبه عارية - في تدليك ظهره بكلتا يديها ، تارة بنعومة ، وتارة أخرى بقسوة جعلته يصدر أنيناً خافتاً ..
كان على وشك الإسترخـــاء أكثر ، والتمادي في أمور محظورة مع الفتاة ، ولكن قطع نيته صوت طرقات ثابتة على الباب ، فزفر في انزعاج ، ورفع حاجبه في ضيق ، و..
-إيه الفقر ده ! ده أنا لسه كنت هاسخن

أشـــار عدي للفتاة بطرف يده لكي تبتعد عنه ، ثم نهض عن الفراش ، وســار في اتجاه الصالة الخارجية بعد أن أغلق باب غرفة النوم .. ثم فتحه ليجد أوس أمامه ، فإتسعت عيناه من الإندهاش ، و..
-أوس ! إنت مش كنت هاتظبط نفسك مع آآ...

تأمله أوس بنظرات متفحصة ، ولم ينبس بكلمة ، فابتسم عدي في بلاهة وهو ينظر إلى خصره وإلى المنشفة التي كادت أن تسقط عنه ، وغمز له بلؤم و..
-معلش كنت في جلسة مساج إنما هتعجبك

ظلت تعابير وجه أوس جامدة وغير مقروءة ، ثم دلف إلى داخل الجناح ، ومن ثم أشــار بحاجبه لعدي وكأنه يصدر أمراً صارماً له بـ ..
-وزع البت دي الوقتي !

انزعج عدي على الفور ، وظهر العبوس على قسمات وجهه ، وتذمر قائلاً ..
-ليه بس ؟ حد يقول للنعمة لأ ... وبعدين إنت مش كنت مظبط مع مزة من إياهم وآآ..

أولاه أوس ظهره ، ووضع يديه في جيبي بنطاله ، ونظر في اتجاه المنظر الطبيعي الذي يظهر جلياً من خلف الحائط الزجاجي ، وزفر في انزعاج ، و..
-مخنوق مش عاوز أي حد ..!

اقترب عدي منه ، ووقف خلفه ، و..
-مخنوق !! من إيه ؟ ده حتى المزز هنا رهن إشارتك ، في تكة تبقى عبدة عندك ، تعمل فيها اللي انت عاوزه ، وتقولك كمان يا باشا ، ده أنا كلي ملك على رأي البت المطربة اللي اسمها شيرين

استدار أوس بجسده كلياً ليواجه عدي ، ونظر إليه بنظرات غامضة ، و..
-أنا مش فايق للهزار ، ولا لغيره ، أنا عاوز أرجع مصر بسرعة

انعقد حاجبي عدي في اندهاش ، ووضع يده على طرف ذقنه في حيرة ، و...
-ترجع مصر بسرعة ! يا أوس ده احنا لسه واصلين ، وملحقناش حتى نقابل مندوبين التوكيل ، ومحتاجين وقت عشان نظبط كل حاجة ، ونتأكد من العقود والإتفاقيات ، وآآ...

أسند أوس كف يده على كتف رفيقه ، وضغط عليه قليلاً كي يكف عن الكلام ، وحدق أمامه و..
-كل ده مايفرقش معايا ، أنا عاوزها هي !!!
-مين دي ؟

تنهد أوس في ضيق ، ثم أبعد يده ، وإستدار للخلف مجدداً في اتجاه الحائط الزجاجي ، سلط بصره على نقطة ما فيه ، ثم بكل هدوء تحدث بــ...
-تقى ..!

وضع عدي يده على رأسه ودعكها عدة مرات في يأس ، ثم وقف إلى جواره رفيقه ، ونظر إلى حيثما ينظر ، و...
-برضوه البت دي لسه في دماغك ، انساها يا بني ، والله ما هيجي من وراها غير وجع الدماغ

تنهد أوس في ضيق ، ثم نظر لعدي بعينيه الصارمتين ، وبنبرة تحمل الوعيد تشدق بـ...
-مش هنساها يا عدي غير لما أخد اللي أنا عاوزه منها

لمح عدي الإصرار واضحاً في عينيه ، فحاول أن يستشف منه السبب ، فبادر بسؤاله بـ...
-وإنت في ايه بينك وبينها بس لكل ده ؟؟ إيه اللي مخليك حاطتها في دماغك ومركز أوي معاها ؟؟؟!!!!
-في إنها أول واحدة إتجرأت عليا
-هو إنت يعني سبتها ، ما انت قرفتها ، وآآ..

صر أوس على أسنانه في توعد وهو يضيق عينيه الغاضبتين أكثر و...
-أنا ماعملتش حاجة فيها لسه !!

أشـــار له عدي بطرف إصبعه محذراً بـ...
-بص ! طول ما إنت بتفكر في البت دي مش هترتاح ، أنا لو مكانك أكبر منها ، دي واحدة وقيع ، كسر ، متسواش أصلاً إنك آآ..

رفع أوس كف يده في وجه عدي ليمنع الأخير عن الإستمرار في الحديث ، ثم بكل صلابة تحدث بــ.....
-عدي ، مات الكلام في الموضوع ده ، أنا راجع بكرة مصر ، وإنت مكاني هنا تخلص كل حاجة ، ماشي

ارتسمت علامات الإندهاش على جميع قسمات وجهه ، وفغر ثغره من الصدمة ، و...
-ايييه ؟؟ انت بتقول ايه ؟

ابتسم له أوس من زاوية فمه نصف إبتسامة ، وبكل برود تحدث قائلاً ...
-اللي سمعته ، أنا خلاص حجزت التذكرة ، ومسافر الفجر
-نعم !!

أسند أوس كف يده على كتف عدي ، ثم ربت عليه بقوة ، ولم يطرف بعينيه وهو يتحدث بهدوئه المستفز بـ...
-Good Luck يا صاحبي ، ورينا شطارتك في مهمتك دي ..!!!!

ثم ســــار في اتجاه باب الجناح ، ولم يلتفت للخلف تاركاً رفيقه في حالة صدمة ..
وضع عدي كلتا يديه على فروة رأسه ومررهما بعصبية عليها ليحكها في نرفزة ، و..
-أوس ده مجنون ، والله مجنون ، ومش هيرتاح إلا لما يجيب لنفسه مشاكل مالهاش حل مع الزفتة دي ...!!
....................................

في منزل حكمت ،،،،،

عـــــادت رحمة من الخـــارج ، وألقت بحقيبة يدها الحمراء الكبيرة على الأريكة ، ثم خلعت حذائها ذو الكعب العالي ، وســـارت في اتجاه غرفتها ، ولكنها توقفت عن الحركة حينما وجدت خيال شخص ما قابع في الظلام ..
-الله ! إنتي

نهضت حكمت عن المقعد ، وأضاءت مصباح غرفة الصالة وهي تسير في اتجاه ابنتها ، و..
-ايوه ياختي ، أنا !

أمعنت رحمة النظر في والدتها ، وبكل جفاء تسائلت بـ...
-انتي خرجتي من القسم امتى يامه؟

لوت حكمت زاوية فمها في تهكم جلي ، و...
-طب كويس إنك فاكرة إني لسه أمك ، و أني كنت متنيلة محبوسة في القسم

أشاحت رحمة بيدها في الهواء بكل إنفعال ، ثم أولت ظهرها لها ، و...
-يوووه يامه ، مش كل يوم هانعيد ونزيد في الاسطوانة الفارغة دي

لكزتها والدتها في كتفها بعد أن وقفت خلفها ، ثم بإنزعاج زائف نطقت بـ...
-يا بت خلي عندك دم ، ده أنا بأهبب اللي بأهببه ده عشان تاكلي كويس وتلبسي نضيف وأعملك قيمة وسط الناس

نظرت لها رحمة بإزدراء قبل أن تردف متبرمة بـ ...
-هأو .. ناس ؟ هما فين دول ، يامه خليني حاطة زفت في بؤي وساكتة ..!
-هو أنا يعني قصرت معاكي ؟ ماهو على يدك

زفرت رحمة في يأس ، ثم أشاحت بوجهها بعيداً عن والدتها ، وأولتها ظهرها وسارت في اتجاه المرحاض ، و..
-بقولك إيه يامه ، قفلي على السيرة دي وخليني أروح أنضف جتتي قبل ما أنزل ..!

ضيقت حكمت عينيها في حيرة ، و..
-هو إنتي نازلة تاني ؟

وضعت رحمة يدها في منتصف خصرها ، ومدت ساقها للأمـــام وهي ترمق والدتها بنظرات متحدية ، و..
-أه .. عندك مانع ؟!

فغرت حكمت شفتيها قليلاً من الإندهاش ، ثم سريعاً ما لملمت شتات نفسها ، وتحدثت بنبرة شبه متلعثمة بـ...
- هــه ، آآ.. لأ .. بس آآ.. على فين العزم ؟
-شغل يامه ، شغل

اقتربت حكمت من إبنتها ، ونظرت لها بعاطفة مصطنعة وهي خافضة لنبرة صوتها ، و...
-طيب .. بس مش ناوية كده آآ... آآآ.. تشوفي أمك بحاجة ؟

تنهدت رحمة في إنهاك ، ثم أشـــارت بعينيها نحو حقيبتها الملاقاة ، و..
-عندك الشنطة أهي يامه ، خدي منها اللي انتي عاوزاه ، بس سيبلي فلوس للمواصلات

تهللت أسارير حكمت على الفور ، وإرتسمت الابتسامة العريضة على ثغرها ، وظهرت الفرحة جلية في كلتا عينيها ، و...
-حبيبتي يا رحووم ، تسلميلي يا غالية !

ثم ركضت في اتجاه الحقيبة ، وانحنت لتلتقطها ، وبدأت تعبث في محتوياتها بحثاً عن النقود ... بينما اتجهت رحمة للمرحاض ، وصفقت الباب خلفها بقوة .......

....................................

في الساحل الشمالي ،،،،،

وضعت ناريمان الهاتف على أذنها بعد أن ضغطت على زر الإتصال بإبنتها ، ثم ظلت تهز ساقها البارزة من أسفل تنورتها التي تصل إلى ما بعد ركبتيها في عصبية ، و..
-أووف عليكي يا ليوو ، بجد إنتي غريبة ! مش معقول مش شايفة كل الـ missed calls دي ..!!!!

-ناريمان حبيبتي ، تعالي يالا

استدارت ناريمان بظهرها للخلف ، ورمقت ممدوح بنظرات حادة وشبه غاضبة ، و...
-ثواني يا ممدوح ، هاطمن بس على ليان ، وبعد كده آآ..

وضع ممدوح قبضتي يده على ذراعي ناريمان ، وظل يتحسسهما بأصابعه وهو يبادلها نظرات دافئة ، و..
-مالك يا حبي ؟

تنهدت هي في إرهـــاق ، وحدقت فيه بأعين شبه مضطربة ، و..
-ليان مدوخاني معاها من الصبح

وضع ممدوح إصبعه على طرف ذقنها ، وظل يمرره عليه في نعومة، و..
-عادي يا ناريمان ، كل البنات اللي في سنها كده

أزاحت هي إصبعه ، ثم تحركت للأمــام خطوتين ، و..
-لألأ .. هي مكانتش كده ، بالعكس إحنا كنا جايين الساحل وهي طبيعية جدا ، لكن فجأة حالها اتشقلب ، وبقيت مش عارفة أوصلها

عقد ممدوح ساعديه أمام صدره ، ونظر في اتجاهها ، و...
-تلاقيها بس مشغولة مع صاحبتها ولا حاجة

التفت له برأسها كلية ً ، ولم ترمش بعينيها ، و..
-جايدا !

ابتسم هو لها بهدوء زائف ، وهز رأسه موافقاً ..
-أكيد

تملكها الحماس ، وأجفلت عينيها قليلاً لتنظر لهاتفها المحمول ، ومن ثم بدأت بالضغط على أزراره في تلهف ، و...
-طب أنا هاكلم جايدا وأسألها عنها ، at least ( على الأقل ) هاطمني عليها ..!
-أوكي ، بس بسرعة عشان نلحق نرجع الشاليه

هزت هي رأسها موافقة عدة مرات ، و..
-اوكي

وضعت الهاتف مجدداً على أذنها ، وانتظرت أن يأتيها الرد من الجانب الأخـــر ، و..
-هاي جودي ، how are you ( كيف حالك ؟ ) .. أنا كنت آآ.. .. ممممم.. تمام

ظلت تتحرك بحركات عشوائية وتغمغم بخفوت ، في حين راقبها ممدوح بنظراته الثاقبة ، ثم نظر في ساعة يده ، و..
-الوقت بيضيع الفاضي ، وهي مش مركزة بس غير في عيالها ، وأنا عاوز أتبسط معاها ، يالا بقى يا نريموو

أنهت ناريمان المكالمة الهاتفية مع جايدا ، وعاودت أدراجها في اتجاه ممدوح ووجهها مازال إلى حد ما متشنج الملامح ..
-برضوه متعرفش عنها حاجة
-طب اهدي ، شوية أكيد وهتلاقيها جاية عندك

ضيقت ناريمان عينيها ، ووضعت يدها في منتصف خصرها ، وصرت على أسنانها في حنق ، ..
-البنت دي لازم تتعاقب ، بس أشوفها

مـــد ممدوح يده ليمسك بكف يدها ، ثم وضعه على صدره ، وبصوته الرخيم بدأ الحديث بــ...
-اعملي اللي انتي عاوزاه معاها ، بس الوقت من دهب وآآ..

أخفض نبرة صوته أكثر لتصبح أقرب للهمس ، ونظر إليها بنظرات ذات مغزى ، ..
-واحنا جايين هنا عشان نتبسط ، صح ولا أنا غلطان ؟

ابتسمت هي له ابتسامة مجاملة ، ثم تنهدت في إرهـــاق ، و..
-اوكي

أسند هو ذراعه على كتفها بعد أن جذبها نحوه ، ثم ســـار كلاهما في اتجاه الشاليه الخاص بعائلة الجندي ...

.......................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،،

رصت تقى صحون الطعام على الطاولة ، ولم تنطق بكلمة خشية أن تثير حنق والدتها التي لم تكف عن رمقها بنظراتها الحادة ، وجلست على مقعدها في صمت ، وبدأت في تناول الطعام ..
لم تتحدث فردوس هي الأخرى بل ظل عقلها مشغولاً بأحداث اليوم من البحث عن وظيفة تناسبها ، والسؤال عن زوجها وكذلك أختها ، وبالتالي لم تكن لديها الطاقة الكافية للمجادلة مع ابنتها على فعلتها الغبية ..

حاولت تقى أن تختلس النظرات إلى والدتها ، فتيقنت من شرودها ، ومن عدم تناولها للطعام بصورة جيدة ، فإنتابها القلق على حالها ، وترددت في الحديث معها ، ولكن في النهاية قررت أن تفتح معها حواراً عادياً لعلها تسبر أغوار عقلها ، لذا أردفت بـ ..
-ماما

انتبهت لها فردوس ، وسلطت عينيها عليها ، وبكل جفاء تحدثت بـ ..
-في ايه؟

ابتلعت تقى ريقها في توتر ، ثم نظرت إلى صحن طعامها شبه الفارغ ، وسألتها بخفوت ملحوظ بـ...
-هو .. هو انتي كويسة ؟
-أه

ابتسمت تقى ابتسامة صغيرة ، ثم نظرت في اتجاه والدتها بحيرة ، و..
-طيب .. حضرتك ساكتة ليه ؟ هو .. أو أنا زعلتلك في حاجة ؟

حدجتها والدتها بنظراتها الصارمة قبل أن تنفجر بغضب فيها بـ....
-يعني مش عارفة انتي عملتي ايه ؟
-والله يا ماما أنا كنت بس عاوزة أشوف الدنيا تحت عاملة إزاي ، لكن آآ..

تركت فردوس معلقتها على الصحن ، ثم ...
-خلاص قفلي على الموضوع ده ، مش ناقصة رغي على الفاضي

أخفضت تقى رأسها في إستياء ، و..
-حاضر

ثم صمتت للحظات قبل أن تنطق بنبرة شبه مرتبكة بـ ..
-أومــال مافيش جديد ؟

رفعت فردوس حاجبها في إنزعاج ، ثم تنهدت في إنهاك قبل أن تنهض عن الطاولة ، وتجيبها بـ...
-لأ .. لمي الأطباق واغسليها ، مش عاوزة حاجة تبات في الحوض ، أنا مش ناقصة قرف
-طيب

ثم تركتها وانصرفت في اتجاه غرفتها وهي مقطبة الجبين ....

.................................

في سرادق حفل الزفـــاف ،،،،

انطلقت الألعاب النارية المصحوبة بالموسيقى الصاخبة لتعلن عن بدء حفل الزفاف الشعبي ..
إكتسى وجه بطة بعلامات الرعب والقلق ، ولم تكف عن النظر إلى عبد الحق الذي كان يرسم تلك الإبتسامة السخيفة على وجهه
جلست هي على ( الكوشة ) المخصصة للعروسين ، وظلت تراقب الجميع بأعين متوجسة ..
وقفت إلى جوارها والدتها وأخواتها الصغيرات ، وكذلك عددٍ من رفيقاتها في المدرسة ..
انحنت إحداهن على ركبة بطة ، ثم ( قرصتها ) بخفة فيها وهي تبتسم لها بحماس ، و...
-أديني قرصتك في ركبتك عشان أحصلك في جمعتك

إبتسمت بطة إبتسامة مصطنعة ، ولم تعقب ..
توالت القبلات والتهنئات عليها ، ولكنها لم تكن متواجدة بروحها معهن ، بل ظلت تترقب ما الذي يمكن أن يحدث لها لاحقاً ...

بينما إنشغل عبد الحق بالرقص والغناء مع أصدقائه الذين لم يجعلوه يجلس لثانية واحدة بجوار عروسه ..
كذلك أعطاه البعض منهم لفافات غريبة الشكل ، وكذلك بعض الأقراص ، فدسها في جيبة ، وابتسم لهم في خبث ..

لم تكف إحسان هي الأخرى في رمق بطة بنظرات نارية متوعدة ، وظلت مكفهرة الوجه ، وعابسة الملامح ، و..
-ربنا يجعلها ليلة سودة عليكي وعلى اللي زيك

مالت هنية برأسها عليها ، ولكزتها في ذراعها و..
-شوية وكلنا هنتفرج على العجب كله

صرت إحسان على أسنانها في قوة ، وكورت قبضة يدها في حنق ، و..
-ده أنا هاكسر نفسها بنت الـ *** دي

ابتسمت هنية في تشفي ، ونظرت إلى العروس بنظرات حاقدة ، و...
-وماله ، المهم إنتي تعرفيها إنك ست البيت ، والأمر والنهي ليكي وبس !

...................................

في شاليه عائلة الجندي ،،،،،

وضعت ناريمان المفتاح في المكان المخصص له لكي تفتح الباب ، وكان يقف ورائها ممدوح وهو يحمل في يده حقائب بلاستيكية مليئة بالطعام الجاهز والشراب ..
كان كلاهما يتبادلان كلاماً غير مفهوم إلى أن ولجا إلى الداخل فتسمرا في مكانهما غير مصدقين وجوده أمامهما ..

ارتبكت ناريمان على الفور ، وتوترت ملامحها ، وحاولت أن تسيطر على إنفعالاتها المضطربة ، ولكن خرج صوتها ضعيفاً مرتبكاً حينما نطقت بـ...
-مــ... مهاب !

ضيق مهاب عينيه أكثر ، وحدق فيها بنظرات شبه حادة ، و..
-أيوه ، كنتي مفكراني حد تاني

تنحنح ممدوح في خشونة ، وتصنع السعـــال ، ثم ..
-احم ... ازيك يا مهاب ، حمدلله على سلامتك

نهض مهاب عن المقعد وهو متجهم الوجه ، وســـار في اتجاههما ، ورمق كليهما بنظرات مشمئزة قبل أن يوجه حديثه لممدوح بــ....
-إنت بتعمل هنا ايه يا ممدوح ؟

ابتسم ممدوح في برود مستفز ، ثم أسند الحقائب البلاستيكية على الأرض ، ونظر إلى رفيقه بنظرات غير عابئة بعد أن وضعي يديه في جيبي شورته القصير ، ثم بكل برود تحدث قائلاً بـ...
-ولا حاجة
-ولا حاجة إزاي ؟ انت مش كنت لسه أعد في السعودية ، واجازتك لسه بدري عليها !!

ابتسم هو في برود أكثر ، ثم أخرج يده اليمنى من جيبه ، ومررها على رأسها ليرتب شعره بروية ، ثم أردف بـ...
-عادي ، زهقت ، فقولت أخد الأجازة بدري

مط مهاب شفتيه في عدم إقتناع ، ووقف قبالة ممدوح ورمقه بنظراته النارية والاستهجانية قبل أن ينطق متهكماً بـ...
-تنزل بدري .. ممممممم.. بس اللي أعرفه إن اللي بيرجع من السفر ، بيروح بيته ، مش بيجي الساحل مع مرات صاحبه

ابتسم له في خبث ، ورمقه بنظرات تحمل مغزى و..
-ما إحنا كلنا عيلة واحدة ، ولا .. آآ.. ولا نسيت ...!

شعرت ناريمان بإضطراب الأجواء بين الاثنين ، وخشيت أن يتمادى الأمـــر أكثر من هذا ، فتدخلت على الفور بـ...
-مهاب ، انت .. انت مش كان عندك مؤتمر باين ؟

لم ينظر مهاب في اتجاهها ، بل ظل محدقاً بممدوح ، و..
-أه كان في ، بس اتلغى !!!

ثم نظر لها من زاوية عينه بقسوة قبل أن يتابع بـنبرة تحمل إيحاءاً ما بــ ...
-وأظن يعني إنه من حقي كجوزك إني أقضي وقت معاكي ومع عيلتي ، ولا أنا غلطان يا .. يا ناريمان هانم

تنحنحت هي في حرج ، ونظرت إلى ممدوح نظرة خاطفة وكأنها تحاول تبرير ما ستفعله لاحقاً ، و..
-أه طبعاً .. آآ.. حــ.. حمدلله على سلامتك يا مهاب

ثم اقتربت منه وعانقته عناقاً عادياً لا يحمل من الود أو القرب أي شيء .. ثم ابتعدت عنه ، وتحاشت النظر إليه ، و..
-هاروح أنا أجهز حاجة بسيطة للعشا

ابتسم لها زوجها إبتسامة مجاملة ، ثم وضع يده على وجنتها ليمسح عليها برقة قبل أن يتحدث بـ....
-تمام ..

ثم استدار قليلاً برأسه ليتابع النظر إلى ممدوح بنظراته الساخطة ، و..
-وأهي فرصة أكون أنا اتكلمت مع صاحبي شوية

ابتلعت ريقها في توتر جلي ، ووزعت نظراتها بين الاثنين ، وحاولت أن تبدو أكثر هدوءاً ، و..
-أوكي .. بس .. بلاش خناق ، احنا عاوزين نقضي سهرة لطيفة

أجابها مهاب ببرود دون أن ينظر إليها بـ ..
-أكيد .. بسرعة جهزي الحاجة يا حبيبتي
-طيب

ثم تركتهما وانصرفت وهي تضع يدها على قلبها ، و..
-أووف ، مكنش متوقع إنك تجي خالص يا مهاب ، إيه بس اللي جابك الوقتي ، OMG ..!!!!

أمسك مهاب ممدوح من ذراعه ، ودفعه عنوة في اتجاه الشرفة الواسعة ، ولم يتركه إلا حينما تأكد من ابتعادهما تماماً عن ناظري زوجته ، فحدجه بنظراته الغاضبة أولاً ثم انفجر ثائراً فيه بــ....
-انت اتجننت يا ممدوح ، بتعمل ايه هنا مع مراتي ؟!!!

ابتسم له في تهكم واضح ، ثم ....
-ولا حاجة ، عادي يعني ، زيارة عائلية

إغتاظ مهاب كثيراً من ردة فعله الفجة ، وإنتابته العصبية حتى في نبرة صوته ، و...
-يا سلام ؟!! هو انت شايفني أهبل ولا مغفل عشان أصدق كلامك ده

تنهد ممدوح في عدم إكتراث ، ثم اتجه إلى أقرب مقعد بلاستيكي ، وجلس عليه ، ووضع ساقه فوق الأخرى ، ثم أسند مرفقيه على المسندين ، وبدأ يحرك المقعد بطريقة هادئة ..
-براحتك

إشتعل مهاب غضباً ، وثارت ثائرته كثيراً ، فإقترب منه ، وأمسك به من ياقته ، وجذبه عنوة من عليه لينهض الأخير واقفاً ، ثم بنبرة محتقنة تحدث بـ...
-فوق يا ممدوح ، ماضيك الوسخ أنا لسه محافظ عليه ، فمتخلنيش أتجن وأطلعه عليك

وضع ممدوح قبضتي يده على يدي مهاب ، ثم نزعهما بقوة ، وهو يرمقه بنظراته المحذرة ، و..
-قبل ما تتجن وتطلعه ، إفتكر إني كنت ستر وغطا عليك في بلاويك ، ولا ناسي الممرضات والخدامات وأخرهم كان تهاني ..!

أطبق مهاب على فم ممدوح ليمنعه عن الكلام ، و..
-بس اسكت خالص ، دول كلهم مايجوش حاجة جمب اللي إنت عملته فيها

أزاح يده بعيداً عن ثغره ، ثم قبض على كفه ، وضغط عليه بأصابعه في حنق ، ومن زاوية فمه تحدث وهو يضغط على الحروف بـ ..
-هع .. تهاني ! أنا معملتش ده لوحدي ، إنت مش كنت معايا ، وبموافقتك عشان تغطي على جريمتك في المستشفى

اتسعت عينيه الحمراوتين في غضب واضح ، وصر على أسنانه أكثر ، و....
-اسكت خالص ، ماتنطقش

دفعه ممدوح للخلف ، ونظر له بجفاء قبل أن يتحدث بنبرة قاسية بـ...
-لأ هاتكلم ، لأني مش لوحدي اللي عملت ده ، كان بمباركة منك ، وكفاية إني سبتلك مراتي تعمل فيها اللي انت عاوزه
-بس انت آآآ.....

(( طـــــرااااااااااااااخ ))

توقف كلاهما عن الجدال الحاد حينما سمعا صوت تحطم لأكواب زجاجية وتهشمها إلى أجزاء صغيرة ، فنظرا حيث مصدر الصراخ العالي ، و..
-بس بقى انتو الاتنين ، كفـــــــــــــاية حرام عليكم ..!!!!

نظر مهاب إلى زوجته فوجدها تضع كلتا يديها على أذنيها لتسدهما ، وملامح وجهها متشنجة للغاية ، و..
-إرحموني بقى ، أنا تعبت ، سنين وأنا كاتمة في نفسي اللي حصل ، وخلاص زهقت ، وبرضوه لسه بتتخانقوا

أراد ممدوح أن يتحرك صوب ناريمان ، ولكنه تحامل على نفسه ليظل واقفاً في مكانه ، في حين زفــــر مهاب في ضيق ، ومر يده على رأسه ودعكها في توتر مشحون ، و..
-ناريمان ، خلاص اهدي

بدأت ناريمان تنتحب ،وصوتها صارأكثر إختناقاً بسبب بكائها ، و..

-أهدى ازاي ، وانتو الاتنين مصممين تفتحوا الماضي ده ؟!

رمق ممدوح رفيقه بنظرات استنكار ، ثم أشـــار لها بعينيه ، وبنبرة متعجرفة تابع حديثه بــ...
-والله مش أنا اللي حابب أفتحه ، شوفي جوزك وآآ...

استدار مهاب بظهره ليواجهه ، ثم بنبرة محتقنة وشبه آمـــرة صاح بـ ....
-إنت لسه هنا ، اتفضل امشي ، إرجع لعيالك

قهقه ممدوح بطريقة غريبة وهيسترية ، وأرجع رأسه للخلف ، ثم تبدلت ملامحه للسواد ، وتلاشت ابتسامته المستفزة ، وحدق في مهاب بنظرات فارغة ، و...
-دي نكتة دي ولا حاجة ، إنت عارف كويس إن ولادي ماتوا يوم حريق المعمل !!

ثم صمت لثوانٍ قليلة قبل أن يتابع بنبرة منفعلة وهو يشير بإصبعه بــ..
-فاكر اليوم ده يا مهاب ، يا ريت تكون فاكره زيي ، أنا مانستش اللي حصل فيه للحظة بس !

زاغت عيني مهاب وظهر الرعب الممتزج بالذعــر فيهما ، وقد مر بباله ذكرى ما حدث قبل سنوات ............

.........................

في شاليه أخـــر مترامي الأطراف ،،،

ضغط فـــــارس على زر إنارة الغرفة ، ثم وضع يده على ظهر ليان ودفعها بخفة إلى الداخل وهو يبتسم لها ابتسامة عذبة ، و..
-خشي يا حبيبتي ، متخافيش !

أومـــأت هي برأسها موافقة ، ثم بخطوات مرتبكة ولجت للداخل ، وتأملت الغرفة من حولها ببطء .. كان يتوسطها فراشاً عريضاً يكفي لشخصين ، وأريكة صغيرة مريحة على الجانب من اللون البيج ، وأمامها طاولة صغيرة ، وكذلك مرآة معلقة على الحائط ، بالإضافة إلى شاشة تلفاز عريضة مثبتة على الجدار المواجه للفراش ..

شعرت ليان بقشعريرة تدب في أوصالها ، وحاولت اخفائها وظلت تبتسم لتبدو هادئة أمام فارس ، ثم ســارت في اتجاه الفراش ، ومسحت عليه بأطراف أصابعه ، ومن ثم جلست عليه .. وظلت تدور برأسها في الغرفة ..

أخـــرج فارس من جيب بنطاله الخلفي ورقة بيضاء ، ثم جلس على الأريكة ، وسحب الطاولة في اتجاهه ، وبدأ في كتابة بعض العبارات .. ثم رفع عينيه في اتجاه ليان ،و..
-تعالي يا حبيبتي جمبي ، أنا خلاص كتبت الورقة ، وناقص بس توقيعك عليها

تنهدت ليان في توتر ، وبصوت خافت أردفت بـ ..
-اوكي

نهضت هي عن الفراش ، وسارت في اتجاه الأريكة ، فأفسح لها فارس المجال قليلاً لتجلس إلى جواره ، ثم نظر إليها بنظرات عميقة ، ومــد يده بالقلم الحبر في اتجاهها ، و..
-امضي يا عروسة

أمسكت ليان بالقلم بأصابع مرتجفة ، وظلت يدها تهتز في خوف وهي توقع على تلك الورقة ..
وما إن انتهت هي من التوقيع عليها حتى جذب هو الورقة منها ، وقام بطيها ووضعها في جيبه ، ثم سحب القلم من يدها ، وألقاه خلف ظهره ، وبكلتا يديه أمسك بكفي يد ليان ، وجلس إلى جوارها ملتصقاً بها و..
-بحبك يا مراتي ، مبروك يا أجمل عروسة

نظرت له ليان بحيرة ، ثم بنبرة منخفضة همست بـ...
-هو .. هو إحنا كده اتجوزنا ؟

ابتسم لها ابتسامة صفراء من خلف أسنانه وهو ينظر لها في لؤم ، ثم حرك رأسه ناحيتها بعد أن أجلسها على حجره ، ودقق النظر في شفتيها التي كانتا ترتجف بشدة ، وتحدث بنبرة ماكرة بــ....
-طبعاً بس على الورق ، لكن .. آآ.. لكن دلوقتي هيبقى عملي ............................................... !!!!
بداخل سيارة الهوندا ،،،،

تأكدت أم بطة من جلوس إبنتها في المقعد الخلفي ، ثم قامت بلملمة ذيل فستان زفافها المبعثر ، ونظرت لها بعاطفة أمومية ، وبصوت دافيء تحدثت بـ.. :
-ربنا يسعدك يا بنتي ، ويكرمك يا رب مع عريسك ، حطيه في عينيكي ومتزعليهوش يا بت

تنفست بطة بهدوء ، ونظرت إلى والدتها بنظرات شبه معاتبة ، ثم بكل جدية ردت عليها بـ ..:
-ربنا يسهل
-مش هوصيكي ، وأي مشاكل تحصل بيني وبين جوزك محدش يعرف عنها حاجة ، كده أريح ليكي

زمت بطة شفتيها في إحتجاج :
-طيب خلاص يامه فهمت .. حاجة تانية ؟
-لأ

صافح عبد الحق رفاقه بحرارة ، ولم يدخر أي أحد منهم وسعه في إسداء النصح له وإعطائه إرشادات ليلة العمر ..
وما إن انتهى حتى ألقى بثقل جسده إلى جوار زوجته ، ثم رمقها بنظرات أكثر تفحصاً لمفاتن جسدها ، ثم مــال برأسه عليها وهمس لها بـ ..
-الليلة ليلتك يا .. آآ... يا بطة

إبتلعت بطة ريقها في توجس ، وتحاشت النظر إليه ، واستدارت برأسها في اتجاه النافذة ، ولكنها إنتفضت فجــأة فزعة في مكانها حينما وجدت عبد الحق قابضاً على كف يدها ، ومقرباً إياه من فمه ، فنظرت لها بنظرات مرتعدة ، في حين أردف هو بـ..
-مش هاتعرفي تهربي مني ، ولا من اللي جاي ..!

تجمدت عيني بطة في مقلتيهما ، ولم تعرف ما الذي يشير إليه بعبارته تلك .. ولكنها دعت الله في سرها بـ ..:
-يا رب عديها على خير ، يا رب كملها بالستر من عندك

-يالا يا اسطى ، اطلع على البيت ، لأحسن ورانا شغل إنما إيييييه للصبح
قالها عبد الحق وهو ينظر بخبث إلى بطة ..
.........................................

في شاليه آخـــر بالساحل الشمالي ،،،،

إختبأت ليان أسفل الملاءة وحاولت أن تسيطر على نوبة الخوف التي إنتابتها بعدما حصل فـــارس على مبتغاه الدنيء منها ..
كانت تنظر حولها بنظرات مرتبكة ، فلمحت ثيابها ملاقاة على الأرضية الرخامية ، وكذلك ملابسه .. بالإضافة إلى هاتفها المحمول الذي أغلقته ..
عضت هي على شفتيها في قلق بالغ وهي تلوم نفسها بـ ..:
-أنا إيه اللي عملته في نفسي ده؟ أنا .. أنا ايه اللي خلاني بس آآ.. أوافق على اللي طلبه مني ..!

لمحت ليان بطرف عينها بقعة دمـــاء وردية في منتصف الفراش ، فلوت شفتيها في توتر، ثم حركت الملاءة قليلاً بقدمها لتداريها ، وتنهدت في قلق وهي تبتلع ريقها بصعوبة ..
تململت في الفراش بعد أن تمددت عليه ، فتناثر شعرها الهائج على وجهها ، فمدت هي يدها لتعيد خصلات الشعر المنسدلة على جبينها خلف أذنها ، ثم تنفست ببطء لتهديء من روعها ..
انتبهت هي إلى صوت صرير فتح باب الغرفة ، فإنزلقت أكثر بجسدها العاري أسفل الملاءة ..
ارتسم على وجهها علامات الارتياح حينما رأته بجسده القوي يدلف للداخل .. وابتسمت له برقة ..
أحضر فارس كأساً من الخمر بعد أن وضع به مكعبات من الثلج ، ثم اقترب من ليان وجلس إلى جوارها بعد أن ثنى ركبته أسفل منه ، ثم مد يده بالكأس نحوها ، وهو يرمقها بنظراته الهادئة ، وبصوته الرخيم تحدث بـ .. :
-حبيبتي ، اشربي ده وهاتبقي كويسة

ارتجفت شفتيها وهي تحاول الرد عليه ، فخرج صوتها متلعثماً :
-اوكي

أخذت ليان الكأس وتجرعته على فمها دفعة واحدة ، فسعلت على الفور وبشدة ، وإنحنت للأمــام محاولة لفظ ما علق في جوفها ، فنهض فارس من مكانه ، ووقف خلفها ، ثم ضرب على ظهرها العاري عدة مرات وهو يعاتبها بـ .. :
-يا ليوو بالراحة مش كده يا قلبي ، ده يتشرب على مراحل ، مش زي ما إنتي عملتي

إلتقطت هي أنفاسها ، وتوقفت عن السعال الشديد ، ونظرت له بنظرات ممتنة ، و..
-آها .. كح .. آآ..

تنهد فــــارس في إرتياح ، ثم نظر إليها بنظرات متفحصة ، ومد أنامله الخشنة نحوها ليزيح الملاءة قليلاً عنها ، ثم تأمل كتفيها وجزءاً من مفاتنها ، فتلونت وجنتيها باللون الأحمــر حينما رأت نظراته الجريئة لها .. تحسس فارس بأطراف أصابعه بشرتها الناعمة فأصيبت هي بالقشعريرة ، ثم رفع عينيه قليلاً لينظر إليها بنظرات مطولة ، وبنبرة ماكرة تشدق بـ ... :
-الحق يتقال أنا ماتبسطش في حياتي إلا معاكي بس يا مزة

لم تجبه ليان بل إكتفت بإبتسامة صغيرة رسمتها على شفتيها ..
اتسعت ابتسامة فـــارس الصفراء لتتحول إلى إبتسامة مخيفة برزت جميع أنيابه ، وهنا شعر ليان بأن هناك خطب ما في المسألة .. فنظراته لم تكن مريحة على الإطلاق ، وكذلك تصرفاته معها .. وجاهدت لتقنع نفسها بالعكس ...
ولكن فجـــأة جذب هو الملاءة عنوة من عليها لينكشف جسدها بالكامل أمامه ، فشهقت هي من الذعر ، وتبدلت تعابير وجهها للخوف الشديد ، وحاولت أن تغطي مفاتنها بكفي يدها وهي تنظر إليه بصدمة قبل أن تسأله بإرتباك بـ ..:
-إنت .. إنت بتعمل ايه ؟

كور فارس الملاءة ، ثم ألقاها خلف ظهره ، وأخـــرج من جيبه هاتفه المحمول ، وقام بفتح الكاميرا الخاصة به ليدوي الفلاش بعدها لأكثر من مرة معلناً عن تسجيل بعض الصور ..

-متخافيش ، أنا بس هاخد صورة للذكرى
قالها فارس وهو يحدجها بنظراته المهينة لها ، ثم اعتلى ثغره إبتسامة أكثر وضاعة حينما رأى بقعة الدماء الوردية بارزة في الصورة ..

لم تستوعب ليان ما الذي يحدث معها ، ولكنها سريعاً ثنيت ساقيها لتغطي أي شيء من جسدها المكشوف أمامه ، ولكن للأسف لم تجد ما يسترها ، فنظرت إليه بذعر ، وبنبرة مشدوهة صرخت بـ ..:
-آآ.. ايه ؟ انت .. انت بتصور إيه ؟ انت اتجننت
-لأ يا حلوة ، ده مش جنان

وضعت ليان يدها أمام عدسة الكاميرا لتمنعه من التصوير ، وصرخت فيه عالياً بـ ..:
-ده.. ده أنا مراتك

قهقه فارس بطريقة مستفزة ، ثم ببرود مستفز أجابها بـ ...:
-هـــأو .. مراتي ! طب سلامات يا مدام !

احتقن وجهها بالدمـــاء الغاضبة ، وإختنق صوتها في حلقها ، فخرج متشنجاً حينما صاحت بـ ..:
-حرام عليك ؟ ده أنا وثقت فيك وصدقتك

ابتسم متهكماً وهو يتابع حديثه بنبرة غير مكترثة بـ ..:
-وايه يعني ، ولا يفرق معايا كلام الأفلام ده كله ، ده أنا واد مرقع يا بت

لم تجد ليان ما يدفعها للرد على وقاحته سوى البصق عليه :
-اتفوو عليك

ضحك فـــارس بطريقة أكثر استفزازية ، ونظر إليها بنظرات جامدة ، ثم بنبرة فجة أردف بـ ..:
-مقبولة منك .. أنا عذرك برضوه .. كده 100 فل وعشرة ، بس أدوس بقى حفظ ويبقى كده عملنا أحلى شغل

استدار فارس برأسه للخلف بحثاً عن ملابس ليان ، ثم انحنى بجذعه للأسفل ، وإلتقطها ، ومن ثم ألقاها في إتجاهها ، وبصوت بــارد آمرها بـ ..:
-استري نفسك يا حلوة ، أنا خلاص خدت اللي عاوزه منك ، ولو إنه على عيني الجمال ده يدارى ، بس كده بح

رمقته ليان بنظراتها المشتعلة من عينيها المغرورقتين من البكاء ، ثم هدرت صارخة فيه بـ ..:
-ليييييه ؟؟؟ ليييه عملت فيا كده ؟؟؟ لييييييه ؟؟؟
-عشان آآ...

في نفس التوقيت فتحت لوزة باب الغرفة لتلج إلى الداخل وهي تنظر إلى ليان بنظرات إحتقارية ، ثم بكل قسوة صاحت بـ..:
-أقولك أنا يا حلوة ليه ؟ دي حاجة بس بسيطة من اللي الباشا اخوكي عمله

نظرت ليان إلى لوزة بنظرات حائرة ، وبنبة مختنقة تحدثت بـ ..:
-آآ.. أخويا ؟ أوس !
-أيوه .. أوس باشا .. ابقي سلميلي عليه يا .. يا مدام
قالتها لوزة وهي تضحك ساخرة منها ، ولم تكف عن رمقها بتلك النظرات المهينة التي زادتها ذلاً وإنكساراً ...

اقترب فـــارس من لوزة ، وأحاطها من خصرها بذراعه ، ثم قربها إلى صدره ، ونظر إليها بنظرات مطولة قبل أن يلتهم شفتيها بشفتيه ، فنظرت إليه ليان بإشمئزاز غير مصدقة أنها وقعت ضحية لفخ محكم لم تستطع أن تراه بوضوح .. فصرت على أسنانها في غضب ، وإرتدت ملابسها على عجالة ..
عاود فـــارس النظر إلى ليان ، وبحاجبٍ مرفوع ، ونبرة فظة تحدث بـ ..:
-ولعلمك بقى إحنا جوازنا عدم اللامؤاخذة كده بخ ..!

فغرت هي شفتيها في عدم تصديق ، واتسعت عينيها في ذهول ، وحاولت أن تنطق فخرج صوتها مكتوماً :
-هـــاه .. آآ.. جـ..آآآ

رفع فارس كف يده أمــام وجهها ليجبرها على الصمت ، ثم بكل وقاحة نطق بــ.. :
-اسكتي شوية ، بصي من غير إحم كده ولا دستور ، احنا لا اتجوزنا ولا اتهببنا ، أنا يدوب بس دوقت العسل معاكي يا .. يا مهلبية !

لكزته لوزة في جانبه ، فتأوه هو من الآلم ، ثم حدجته بنظرات محذرة وهي تتوعد بـ :
-ما تتلم ياض ، ده أنا واقفة جمبك ، ولا عاوزني أوريك وشي التاني

أخفض فارس رأسه قليلاً ، ثم داعب أرنبة أنفها بطرف إصبعه ، ثم تحدث بهمس قائلاً :
-إنت الأصل يا باشا ، بس أنا بأجبر بخاطر البُنية بكلمتين كده
-لا تجبر ولا تطيب ، إحنا خلاص مهمتنا خلصت لحد كده ، وبح ، ماشي ؟
-أوامرك ..

أشــارت له بطرف عينها ليتبعها قبل أن تنطق بـ ..:
-طب يالا يا فارس

أوشك الاثنين على الخروج من الغرفة ، ولكن تراجع فارس للخلف خطوة ليخرج من جيب شورته الورقة المطوية ، ثم نظر إلى ليان بنظرات فارغة وقال لها .. :
-بيتهيألي دي مالهاش أي لازمة
وبكل قسوة قام فـــارس بتمزيق الورقة إلى أجزاء صغيرة ، ثم وضعها في كف يده ، و نفخها فيها بهواء فمه في اتجاه ليان لتتناثر حولها ، ثم لوح لها بإصابعه ، وبنبرة استخفاف نطق بـ.. :
-باي يا ليووو ، ولا زي ما بيقولوا تِشــــاو عليكي

تجمدت ليان في مكانها من الصدمة ، وشحب لون وجهها سريعاً وهي غير مصدقة أنها قد صارت ضحية لأكذوبة كبيرة ، خسرت فيها شرفها وعرضها بسبب أشياءٍ لا تعرفها عن أخيها ..
إنهارت ليان على الأرضية ، فساقيها لم تعد تقويان على حملها ، وبكت بحرقة وهي ممسكة ببقايا ورقة الزواج العرفي ، وبصوت مختنق صرخت بـ ..:
-لأ.. لأ ، حــــرام اللي بيحصل ده فيا ، حرام ...!!!!

..........................................

في منزل عبد الحق بالزقــــاق ،،،،،

لم تتوقف أبواق السيارات عن إزعاج جميع سكان تلك المنطقة الشعبية بصوتها الجهوري معلنة عن وصــول أحدث عرسان الليلة ..
ترجل عبد الحق من السيارة أولاً ، ولوح لأقاربه وأصدقائه بيده ، ثم دار حول السيارة ، واتجه إلى الباب الخلفي وفتحه ، وانحنى بجذعه للأسفل ونظر إلى عروسه بنظرات جادة قبل أن ينطق بنبرة شبه فولاذية :
-انزلي

لم تجبه بطة ، بل نظرت له بخوف ، وامتثلت لأوامره في صمت ، وكادت أن تتعثر في ذيل فستانها وهي تترجل من السيارة ، ولكن أسندها من ذراعها زوجها ، وهمس لها بـ ..:
-جاهزة للي جاي
-هاه
قالتها بطة وهي غير مستوعبة للغرض من تلميحاته المريبة تلك ..

اعتدلت بطة في وقفتها ، وســـارت بخطوات متمهلة في اتجاه بوابة البناية القديمة التي ستسكن بها مع والدة زوجها وعائلته ، فأمها قد وافقت على أن تمكث إبنتها معهم بشرط إحضار غرفة نوم جديدة لها ، في مقابل تجهيزها بالمفروشات المناسبة من حيث السعر ..

ولجت بطة إلى داخل مدخل البناية ، ورفعت بصرها للأعلى قليلاً لتتأمل المكان ، وفجـــأة أصبحت ساقيها معلقتين في الهواء وشخص ما يطوقها من خصرها ، فنظرت إلى الجانب بعينيها ، فوجدت عبد الحق يحملها بين ذراعيه ، ويبتسم لها إبتسامة لئيمة و..:
-المرادي بس هاشيلك لبيتك يا بطتي

اكتست وجنتيها سريعاً بحمرة الخجل ، ولفت ذراعيها حول عنقه ، وأخفضت رأسها وعينيها للأسفل .. في حين تعالت الزغاريد والتهليلات من حولهما ..
صعد عبد الحق بزوجته إلى الطابق الثاني حيث يوجد منزل العائلة المتواضع والمكون من ثلاث غرف بسيطة في أثاثها القديم ، فيما عدا غرفته التي تم طلائها وتجهيزها قبل عدة أيام لتناسب تلك المناسبة السارة ..

دفع هو باب الغرفة بساقه ، ثم أنزل زوجته على ساقيه ، فسارت هي بخطوات خجلة نحو الفراش وجلست على طرفه ، وأطرقت رأسها في إستحياء ..
ابتسم عبد الحق مجدداً لها ، وبصوت رخيم قال :
-هاسيبك خمساية وراجع تكوني خدتي على المكان

هزت بطة رأسها موافقة ، وظلت تفرك في أصابع يدها في توتر واضح ، في حين نزع عبد الحق رابطة عنقه ، وألقاها على المقعد الخشبي الصغير المجاور لخزانة الملابس ، وهو يسب بـ ..:
-بتاعة بنت *** خنقاني من الصبح ، أعوذو بالله منها ..!

نظرت له بطة بإستغراب ، ومطت شفتيها في تعجب وهي تحدث نفسها بـ ..:
-يعني حبكت تشتم الوقتي ، مش تصبر شوية لما ناخد على بعض وأكتشف طابعك المهبب

خرج عبد الحق من الغرفة ، وأغلق الباب خلفه ، فتنفست بطة الصعداء ، وأزاحت الطرحة قليلاً عنها ، وبدأت تجوب ببصرها الغرفة وهي تهمس بـ.. :
-مش بطالة ، مع إني والله أستاهل الأحسن ، بس هأعمل ايه في أمي اللي كانت مستعجلة عشان تجوزني أي حد والسلام ..!

ثم استدارت برأسها فجـــــأة ناحية باب الغرفة حينما سمعت صوت مقبضه يفتح بقوة ..
اتسعت عيني بطة في ذهــــول حينما رأت إحسان أمامها وعلى وجهها تعابير غامضة ، وشعرت بالرعب يتسرب إلى بدنها ، ولكنها جاهدت لتحافظ على رباطة جأشها أمامها ..

لوت إحسان زاوية فمها في تشفي ، ثم بنبرة غليظة قالت :
-جاهزة يا بنت الـ *** لدخلتلك البلدي

إزداد جحوظ عيني بطة ، ونهضت فزعة من مكانها ، وفغر ثغرها للأسفل ..

حدجها إحسان بنظرات قاتلة ، ثم بخطوات واثقة اقتربت منها وهي تتحدث بثبات بـ ..:
-هو النبي حارسه وصاينه مقالكيش إن الدخلة بلدي

لم تصدق بطة أذنيها حينما أعادت والدة زوجها على مسامعها تلك الكلمة مجدداً ، وظنت أنها تتوهم ما تسمعه ، ولم يخلو وجهها من تعابير الصدمة ..
حاولت هي أن تجيب عليها ، ولكن خرج صوتها متحشرجاً ومبحوحاً حينما ردت عليها بـ ..:
-آآ.. ايه ؟ بـ.. بلدي ؟

لم تفق بطة من صدمتها سريعاً حيث لمحت من زاوية عينها هنية ومعها شادية تقفان على ( عتبة ) الغرفة .. فإنتابها الفزع ، وزاغت نظراتها بينهن ، بينما خرج صوتها من حلقها مرتعشاً حينما سألتها :
-مــ... مـ.. آآ... مين دول ؟ وجايين هنا ليه ؟؟

التفتت إحسان برأسها للخلف ، وبنبرة آمرة وهي ترفع كلا حاجبيها للأعلى صاحت بـ ..
-يالا يا نسوان ، عاوزين نجهز المحروسة لليلتها

-مــ.. محدش يقرب مني ، محدش يجي جمبي ، والله لأصوت وألم عليكم الناس
قالتها بطة محذرة بصوت مرتعد وهي تتراجع بظهرها للخلف

لم يتغير تعبير وجه إحسان كثيراً ، بل على العكس إزدادت نبرتها حدة وإصرار حينما أشارت لمن معها بيدها وقالت :
-وإحنا مش عاوزين منك غير الصويت يا بت ، يالا يا ولية منك ليها ، إحنا مش هانقضي الليل كله هنا

اعتلى ثغر هنية ابتسامة واسعة متشفية ، وشعرت بالإنتشاء لأن خطتها أوشكت على النجاح ، ثم ســــارت في اتجاه بطة وهي ترمقها بتلك النظرات المترقبة ..

دب الذعــــر في جميع أنحاء خلايا جسد بطة ، وبنبرة أكثر فزعاً صرخت فيهن عالياً بـ ..:
-محدش يجي جمبي ، محدش يلمسني ، يـــامه ، الحقوني يا ناس ، يامه حوشيهم عني

أحاطت النسوة الثلاث ببطة ، ثم قمن بجذبها بعنف نحو الفراش ..
دفعتها إحسان أولاً بكل ما أوتيت من قوة على ظهرها ، ثم بنظرة قاسية آمرت هنية بـ ..:
-امسكيها يا ولية كويس
-من عينيا ...
قالتها هنية وهي توميء برأسها عدة مرات ، ثم مدت يدها لتقبض على ذراع بطة ، ولكنها عجزت عن الإمساك به ، فنبشت أظافرها في مرفقها لتؤلمها ، فصرخت بطة بحدة من الآلم .. في حين قفزت شادية على بطة وأمسكت بذراعها الأخــر ، وألقت بثقل جسدها على عنقها وكتفيها لــ ( تقيد ) حركتها ، فأصبحت بطة مشلولة عاجزة عن الحركة ، وتحت رحمتهن ..

توقفت إحسان في مكانها لتتفحص بطة لثوانٍ قبل أن تسأل :
-ها يا نسوان ماسكينها كويس ؟
-أيوه
أجابت هنية بكل ثقة وهي ممسكة بذراع بطة تحت إبطها

حاولت بطة أن تفلت ذراعها وتحرره ، وظلت تتلوى بجسدها بحركات عنيفة لتتخلص من قبضتي هنية وشادية ، ولكن لفارق الحجم والجسد كانت محاولتها تبوء بالفشل ..
وبنبرة يائسة توسلت بطة لإحسان بــ ..:
-أبوس ايدك خليهم يسبوني ، حرام عليكي اللي بتعمليه فيا ده !

بصقت عليها إحســـان قبل أن تجيبها بـ ..:
-هو أنا عملت حاجة لسه يا ****** ، ده أنا هوريكي شغل الحموات اللي على أصوله

-أيوه ربيها بنت الـ *** دي ، مش ناقصين تنطيط من مفعوصة زيها ..!
قالتها هنية بشماتة واضحة وهي تحاول تثبيت جسد بطة ..

استدارت بطة برأسها للجانب ناحية هنية ، ثم بكل شراسة قامت بعض ذراع هنية ، فصرخت الأخيرة عالياً :
-آآآآآي ... يا بنت العضاضة ، البت المفكوكة عضتني

أرخت هنية قبضتيها عن بطة لتتحسس موضع الآلم ، في حين استغلت بطة الفرصة لتخلص ذراعها منها ، فتنبهت إحسان لما تفعله ، فصاحت محذرة بـ :
-يا ولية يا اللي اسمك هنية إمسكيها كويس ، متخليهاش تفلت من إيدك
-لألألأ ... ابعدوا عني .. الحقوووني ، آآآآآآه .. آآآآه

-اخررررسي يا بت
قالتها إحسان وهي تصفع بطة بقسوة على وجنتها لتجبرها على الصمت ..

بعد لحظات دلف عبد الحق إلى داخل الغرفة ، وإشرأب برأسه للأعلى قليلاً ليتابع ما يحدث وهو يتسأل بنبرة مهتمة بـ ..:
-ها يامه ، كله تمام ؟

نظرت إليه والدته بنظرات متأففة قبل أن تجيبه بتهكم بـ ..:
-تعالى يا سيد الرجالة ، تعالى عشان تكمل شغلك

حرك عبد الحق يديه بعصبية ، وبنبرة شبه منفعلة أجابها بـ ..:
-الله يامه ! بلاش تريقة الله يكرمك ، الأمور دي ماتتخدش قفش كده

صرخت بطة عالياً وهي تتلوى بجسدها في كل الإتجاهات ، ثم نظرت في اتجاه زوجها وبنبرة راجية إستنجدته بـ ..:
-لألألألأ.. ابعدوا عني ، تعالى يا عبده حوش أمك عني

هزت إحسان كفي يدها عدة مرات إشارة منها لسوء إختيار بطة ، ثم بنبرة متهكمة تشدقت بـ ...
-اتسندتي على حيطة مايلة يا خايبة ، ده هو اللي هايـ .... آآ.. هايكشف المستور ، بس على عينك يا تاجر ...!

اتجهت إحسان صوب إبنها ، وضربت على كتفه بقوة ، ونظرت إليه بحدة وهي تحدثه بصرامة بـ ..
-وريني يا فالح هاتعمل ايه في المعدولة اللي اتجوزتها !
-ماتستقليش بيا يامه ، ده أنا سبع رجالة في بعض
-طب خد .. ورينا شطارتك يا فالح
ثم أعطته قطعة قماش بيضاء صغيرة كانت مكورة في قبضة يدها ، فأخذها منها عبد الحق ، ولفها حول إصبعه ، ونظر إلى والدته بنظرات متحدية :
-هاتشوفي

حدقت بطة في زوجها ووالدته بنظرات مصدومة ، وإزداد صراخها بـ :
-يا ولاد الـ *** هاتعملوا ايه ، ابعدوا عني ، لألألألأ

لم يهتم عبد الحق بصرخاتها ، ولا بسبابها ، بل اقترب من الفراش بخطواته الثقيلة ، ثم بكل برود تحدث بـ :
-وحياتك يا ست هنية اكتمي بؤها شوية لأحسن كده أنا مش هاعرف أركز
-حاضر يا بني ، انت تؤمر بس

كممت هنية فم بطة بكف يدها ، وتشبثت شادية أكثر بها ، في حين إنضمت إحسان إليهما ، وتعاون الجميع في إزاحة الجزء السفلي من فستان عرسها ليكشف عن ساقيها .. ثم نزعت إحسان ذلك السروال الضيق الذي يغطيهما ، وألقته على الأرض دون إكتراث ، وصرت على أسنانها وهي تتفحص عوراتها و..
-جاهز ياض

-أهـــا
أومــيء برأسه موافقاً ، ثم اعتلى ثغره ابتسامة واسعة ، ونظر إلى بطة بنظرات شهوانية قبل أن ينطق بـ ..
-باين عليها هاتكون ليلة مفترجة ..

ثم شمـــر عن ساعديه ، وجلس على طرف الفراش ، وأفسح ما بين ساقي زوجته ونظر لها بنظراته الوضيعة قبل أن ينطق بـ ..
-مش قولتلك إنها هاتبقى ليلة ماتتنسيش .............................................................. !!!
في شاليه عائلة الجندي ،،،،

ســــاد صمت مشحون بين مهاب وممدوح ، وتبادلا النظرات النارية والغاضبة فيما بينهما .. في حين إرتمت ناريمان على أقرب مقعد وهي تنتحب بصوت مرتفع ، ودفنت وجهها بين راحتي يدها ..
لم يجرؤ ثلاثتهم على التحدث عن أســـرار الماضي ، وإكتفوا بالنظرات الغامضة ..
في النهاية زفــــر مهاب في ضيق وهو ينظر في اتجاه زوجته وصاح بها متسائلاً :
-فين ليان ؟

لم تجبه ناريمان في البداية ، فأعاد مهاب تكرار السؤال ولكن بحدة أكبر وهو ينظر نحو ممدوح وكأنه يتعمد إشعال غيرته :
-فين بنتي ليان ؟

ابتسم ممدوح لنفسه في سخرية مريرة ، ونظر ناحية الشاطيء من جانب الشرفة ليتجنب نظرات مهاب الشامتة ، وغمغم بخفوت لنفسه بـ :
-إحرق دمي أكتر لما تنادي بنتك بإسم آآ.... آآ.. ملاكي

أبعدت ناريمان كفي يدها قليلاً عن وجهها ، ورفعت عينيها المنتفختين للأعلى ، وأجابت عليه بصوت مبحوح ومتلعثم :
-مـ.. مـ.. آآ... معرفش

رمقها مهاب بنظراتٍ شرسة قبل أن يتابع الحديث معها بعصبية بـ ..:
-يعني ايه متعرفيش ؟؟ مش المفروض البنت معاكي ، وإنتي مسئولة عنها ؟

ابتلعت هي ريقها في توتر ، ووزعت نظرها بينه وبين ممدوح ، وحاولت أن تبدو متماسكة حينما أجابت عليه بـ ..:
-ماهو .. آآ.. ما أنا بأطلبها على الفون من بدري وهي يا قفلاه يا مش بترد

لوح بيده في وجهها بإنفعال ، وهو يصـــرخ عالياً بـ .. :
-إنتي معندكيش دم ، وفالحة بس تخرجي مع البيه

-بلاش أنا يا مهاب ..!
قالها ممدوح محذراً وهو يشير له بطرف عينه

اقترب مهاب مجدداً من ممدوح ووقف قبالته ، ونظر له بتحدي ، ثم صر على أسنانه وهو ينطق بـ ..:
-اخرج من بيتي ، ومن حياتي ، أنا جبت أخري معاك

ابتسم له ممدوح إبتسامة صفراء مستفزة قبل أن يجيبه بـ ..:
-إحنا قدرنا واحد يا .. يا صاحبي .. الماضي جمعنا ، وهانفضل كده لحد ما واحد فينا يموت فيرتاح التاني منه ...!

كـــان مهاب على وشـــك الرد عليه ، ولكن انتبه لصوت فتح باب الشاليه الخارجي ، فكور قبضته في غضب ، ونظر بتوعد له وهو يقول :
-الماضي إدفن من زمــان يا ممدوح ، هـــا إدفن ، وأحسنلك تسيبه مكانه !

ثم ســـار بخطوات أقرب للركض خـــارج الشرفة ليرى من القادم ..
تابعه ممدوح بنظراته الساخطة إلى أن اختفى عن ناظريه تماماً ، فتوجه ناحية ناريمان ، وجثى على ركبتيه أمامها ، ثم وضع كفي يده على فخذيها ، ونظر لها بحنو ، وبنبرة خافتة أردف بـ ..
-نيرموو .. مش عاوزك تقلقي ، أنا هافضل معاكي دايما

أزاحت ناريمان يديه بعيداً عنها ، ونظرت له بنظرات متوسلة قبل أن تجيبه بـ ..:
-امشي الوقتي يا ممدوح ، بليز ..
أطالت هي في نظراتها الآسفة ، و..
- بليز

تنهد ممدوح في ضيق وهو خافض لرأسه ، ثم رفع عينيه لتلتقي بعينيها ، وبنبرة رخيمة قال لها :
-حاضر ، أنا هامشي الوقتي ..!
-ميرسي بجد ليك

إحتضن كف يدها بكفيه ، ونظر لها بعمق وبنبرة هادئة أوصاها بـ :
-خلي بالك من نفسك ، وطمنيني على الوضع ، وإبقي قوليلي وصلتي لإيه مع مهاب

أومـــأت ناريمان برأسها بخفة وهي تجيبه بـ ..:
-اوكي ..
............................

ســـار مهاب بخطواته الراكضة نحو باب الشاليه ليجد ابنته ليان تجر ساقيها وتسير كالهائمة على وجهها في اتجاه الدرج ، توقف للحظة في مكانه مشدوهاً بحالتها المزرية ، وتأمل لثوانٍ معدودة حالة الجمود الغريبة السائدة على تعابير وجهها ، ولاحظ نظراتها الحزينة ، فإنقبض قلبه ، ومن ثم صاح فيها عالياً بـ..:
-ليان .. !

لم تلتفت ليان إليه ، بل تابعت صعودها على الدرج وإكتفت بإلقاء نظرة غامضة نحوه .. فإنزعج مهاب كثيراً من ردة فعلها الجافة عليه ، فهدر بها بـ ..
-بنت ! اقفي مكانك ، أنا مش بأكلمك ؟ ولا دي التربية اللي ناريمان هانم علمتهالك ؟!

اتجه مهاب بأنظاره المحتقنة نحو الدرج ، وظل مسلطاً بصره على ابنته التي لم تعبأ بصراخه فيها ..

في حين خرجت ناريمان على إثر صوته من الشرفة ، ثم ركضت نحوه ، ووضعت كفي يدها على كتفيه ، وتوسلت له بـ ..
-بليز مهاب ، مافيش داعي تتعصب دلوقتي

أبعد هو يديها عنه بقوة ، ثم حدجها بنظرات مهينة قبل أن ينطق بتبرم بـ ..:
-في ايه يا هانم ؟ هو مش من حقي أعرف بنتي كانت فين ولا بتعمل ايه لوحدها ؟

أخذت ناريمان نفساً مطولاً ، وزفرته على عجالة لتهديء من نفسها ، ثم بهدوء مصطنع أجابته بـ ..:
-اوكي ، من حقك ، بس مش وإنت منفعل كده

رد عليها مهاب بعصبية وهو يلوح بيده بـ ..:
-والله أنا حر في طريقتي مع بنتي ، مش هاتيجي الوقتي وتقوليلي أعمل ايه !!

-حلو دور الأب ده .. مع إنه مش لايق عليك
قالها ممدوح بتهكم وهو يضع يديه في جيبي الشورت الذي يرتديه ..

اندفع مهاب في اتجاهه كالثور الهائج ، ثم أمسك به من تلابيبه ، وحدجه بنظرات نارية قبل أن ينفجر فيه قائلاً:
-إنت ليه مصمم تخليني أرتكب جناية الوقتي ؟!!!!

أمسك ممدوح بقبضتيه ، وأبعدهما عنه ، ونظر له نظرات ساخطة ، ثم بنبرة جامدة أردف بـ ..:
-ماتعملش حاجة ، أنا ماشي .. كفاية كده عليك النهاردة

هدر فيه مهاب بصوته الجهوري بـ ..:
-في داهية ..!!

نظرت ناريمان بتوسل شديد إلى ممدوح حتى لا ينفعل هو الأخــر على مهاب ، فإكتفى الأخير بكظم غيظه ، ثم ســـار مسرعاً نحو الباب ، وصفقه بعنف خلفه ..

لم تردْ ناريمان هي الأخرى أن تتجادل مع زوجها ، لذا أسرعت نحو الدرج وغمغمت بـ ..:
-أما أشوف ليوو كانت فين

.....................................

في منزل عبد الحق بالزقـــــاق الشعبي ،،،

جلست بطة على طرف الفراش منكمشة على نفسها في رعب جلي ، وثنيت ركبتيها أمام صدرها ، وضمت لساقيها معاً بذراعيها ، ونظرت حولها بريبة وظلت تبكي بحرقة ومرارة إلى أن تورمت عينيها وصارتا حمراوتين ، وكذلك إنتفخ أنفها ..
لم تبدل هي فستان زفافها الذي تلطخ بدمـــاء برائتها ، بل ظلت على تلك الوضعية ترتجف وترتعش وهي تتآلم في داخلها من هـــول ما مرت به ..
أغمضت عينيها لتنسى ذلك المشهد القاسي الذي مرت به ..
هي لم تتخيل أن ليلتها ستكون دامية بحق ، لم يطرأ ببالها أن يفعل ( شبيه ) الرجـــال بها هذا ، ولم تتصور أن تشاركه والدته في تلك الجريمة ..
حقاً لقد صدقت حينما حطمتها ، وآلمتها .. وأفقدتها أبسط حقوقها ..

شهقت بطة بصوت مرتفع وهي تتذكر كيف رأت لذة التشفي ونشوة الشماتة جلية في أعين من شهدوا على ذبحها بقسوة ..
إنتفضت في مكانها لأكثر من مرة ، وإختنق صدرها من كثرة البكاء .. ووجدت صعوبة في التنفس بصورة طبيعية .. ورغم هذا لم تطلب المساعدة من أحد ، ولم تحاول حتى النهوض من مكانها ، فالآلم البدني يقتلها ، والآلم النفسي كسرها بحق ..

استدارت برأسها فزعة ناحية باب الغرفة حينما فتحه عبد الحق مجدداً وولج للداخل فنظرت له بإشمئزاز وهو يرتدي ذلك السروال الداخلي المتهدل على جسده ، وشعرت بالتقزز من وجودها معه في نفس المكان ..
لذا أشاحت ببصرها بعيداً عنه ، وكتمت نحيبها .. ومسحت عبراتها في فستانها ، في حين اقترب هو من الفراش ، وألقى بجسده المنهك عليه ، ثم مـــد كف يده ليلمس ذراعها فإنتفضت كمن لامسه تيار كهربي ، وإنكمشت هي على نفسها أكثر ، فنظر لها بإستغراب ، ثم بصوت متحشرج نطق بـ ..
-في ايه يا عروسة ؟

أغمضت بطة عينيها جبراً ، وعضت على شفتيها بقوة ، وحاولت ألا تركز حواسها معه ، فكل صوت يصدره ، وكل حركة يقوم بها تصيبها بالغثيان ، وتزيد رغبتها في النفور منه ..
اعتدل هو في جلسته على الفراش ، ونظر لها بتعجب ، ثم تنحنح بطريقة مزعجة ، وبصوته الآجش قال :
-مالك قالبة سحنتك ليه ؟ ما هي الليلة عدت وخلاص

لم تنظر هي ناحيته ، وظلت على وضعيتها تلك .. فلوى فمه في عدم إكتراث ، ثم نظر إلى الكومود المجاور له ، ولمح شرائط الأدوية المنشطة التي أهداها له رفاق السوء ، فظهرت إبتسامة ماكرة من بين أسنانه ، وسحب شريط منهم ، ثم أفرغ القرص الموجود بداخله ، ودسه في كف يده ، ونظر إلى بطة بجرأة وتفرس ملامح جسدها ببطء ، ثم بنبرة خافتة قال لها ..:
-مش هاتيجي بقى آآ...

ومـــد يده ليحرر أصابعها المتشابكة معاً ، فشهقت في ذعـــر ، ونهضت على الفور من مكانها ، ونظرت له بنظرات محتقنة قبل أن تنطق محذرة بـ ..:
-إياك تلمسني !
-نعم ياختي ؟

هدرت فيه بطة صارخة بـ ...:
-بقولك إياك تقرب مني ، إنت لو كنت راجل ، ولا حتى فيك ذرة رجولة مكونتش تقبل إن ده يحصل فيا

-أوووف ، أعوذو بالله ، هو أنا ناقص غم .. !
قالها عبد الحق وهو ينفخ في ضيق زائف ، .. ثم وضع يده على رأسه وحكها عدة مرات ، ومن ثم نظر إليها وتابع ببرود مستفز بـ ..:
-هو إيه اللي حصل يعني ، ماهي كانت دخلة زي أي دخلة

اتسعت عينيها في ذهــــول ، ثم بكل غضب هدرت بـ ..:
-دخلة !!! إنت بتسمي اللي عملتوه فيا دخلة ، يا شيخ حرام عليك ، ده أنا اتفضحت قصاد الناس ، غير ما إنت كسرتني ووجعتني وآآ... آآه
ثم صمتت مجبرة ، وعضت على شفتيها ، وكورت قبضتي يدها في ضيق ، وبدى وجهها منزعجاً ، فقد كافحت لتخفي الوخزات والآلام الحادة في الجزء السفلي من جسدها ..

تمطع بجسده في الفراش ، ومد كف يده تحت الوسادة ليخبيء القرص ، ثم أرخى ذراعيه إلى جوار جسده ، ونظر إلى السقف ، وبتنهيدة إرهاق أكمل بـ ..:
-فضيحة ليه ؟ ما إنتي طلعتي زي الفل وبختم ربك

ثم أدار رأسه في اتجاهها ، ونظر لها بنظرات ذات مغزى قبل أن يتابع بـ ..:
- وبصراحة كده أنا مقدرش أكسر كلمة أمي

فغرت شفتيها في تهكم وهي تنطق بـ ..:
-أمك ..!!!!

أومــيء برأسه ببرود :
-أيوه
ثم سألها بخبث بـ ..:
-المهم هاتيجي جمبي ولا آآ.. ؟!

أجابته هي بصرامة قاسية وهي تنظر له بعينيها الحمراوتين :
-لأ ..
-يعني الليلة فكست ؟!
-آه ، وإنسى إنك تاخد مني حاجة تاني

-مش عاوز ، أنا أصلاً فصلت شحن من زمان وكنت بتأكد بس .. هـــــاه
تثاءب عبد الحق أولاً بطريقة مزعجة ، ثم أولاها ظهره ونام على جانبه الأيسر ، وأغمض عينيه ، ثم رفع ذراعه في الهواء وأشــار لها وبصوت شبه ناعس ومتثاقل آمرها بـ ..:
-طب إطفي النور خليني أتخمد لأحسن الدخــان والبرشام عموني ، ومش قادر أعمل حاجة .. آآآخــخــ..

صرت على أسنانها من الحنق ، وحدجته بنظرات شرسة وحاقدة ، ثم همست لنفسها بـ ...:
-منك لله يا شيخ إنت وأمك ، منكم لله ، أشوفكم مفضوحين عن قريب يا رب
..............................................

في طائرة مصر للطيران ،،،،

جلس أوس على المقعد الذي حجزه في درجة رجـــال الأعمال بالطائرة العائدة إلى القاهرة ، ثم بمهارة ربط حزام الآمـــان ، وأرجع ظهره للخلف ، وحدق أمامه ..
اقتربت منه المضيفة ، ومالت عليها بجسدها قليلاً بعد أن إستندت بكف يدها على مقدمة مقعده ، ثم همست له بـ ..:
-تحب حضرتك تشرب حاجة الوقتي ؟
-أهــا .. مياه ساقعة
-بس ؟
-أيوه
-حاضر يا فندم

استدارت المضيفة بظهرها ، وقامت بفتح زجاجة مياة معدنية مثلجة ، وأفرغت بعضها في كــأس شفاف ، ثم قدمته لأوس وهي ترسم على شفتيها إبتسامة رقيقة ..
ولكن إهتزت الطائرة فجـــأة فإضطربت المضيفة ، وإرتعشت يدها الممسكة بالكأس ، وتساقطت المياه على بنطـــال أوس الرمادي الداكن ، فحدجها بنظرات قوية ومخيفة ، فإرتكبت المضيفة أكثر وتوترت وسقط الكأس من يدها ، وبنبرة آسفة تشدقت بـ ..
-سوري يا فندم ، لحظة وهاجيب مناديل لحضرتك

أشــــار هو لها بكف يده ، وبصرامة رد عليها بـ...
-خلاص .. إمشي
-أنا أسفة يا فندم ، حضرتك ده .. آآ.. ده مطب هوائي وآآ..

نظر لها أوس مجدداً بنظرات أكثر حدة وهو يرفع أحد حاجبيه ، ثم بصوته الآمــر صدح بـ ..:
-قولتلك خلاص ، اتفضلي

تنحنحت المضيفة في حرج ، وحاولت أن تسيطر على إرتباكها ، والسخونة التي أعتلت وجهها من طريقته الفجة معها ، ثم بتلعثم واضح ردت عليه بـ ..:
-إحم .. آآ.. حاضر ..

ثم بخطوات متعثرة التفتت نحو الطاولة المعدنية التي تجرها ، ودفعتها للأمـــام وإنصرفت مبتعدة عنه وهي تتمتم بخفوت شديد ..

نفخ أوس من الحنق ، وبطرف كفه مسح بقايا قطرات المــاء المتجمدة على بنطاله ، ثم ضيق عينيه قليلاً وهو ينظر ناحية الكأس الملقى أسفل المقعد المتواجد أمـــامه ، ثم رفع عينيه لينظر من النافذة الصغيرة الجانبية وهو يلوي فمه في إمتعاض ، فرأى جناح الطائرة يخترق تلك السحب الضبابية ، فسلط بصره عليهم وضيق عينيه بتركيز شديد ، وشـــرد لوهلة في ذكريات بعيدة ، ولمحــات من ماضيه ....

...................................................

◘◘◘◘ نظر ذلك الصغير الجالس على الأريكة الجلدية – ذات الحجم المتوسط - بعينيه الدقيقتين إلى تلك المعدات الغريبة الموضوعة أمامه ولم ينبس بكلمة ، ثم رفع إلى فمه الكوب الزجاجي ليرتشف منه بعض المــاء ..
ولكن حينما سمع صوت فتح باب الغرفة إرتجفت يديه الممسكة به وسقط رغماً عنه على الأرض وتناثرت المياه على ركبتيه وأطراف السروال الصبياني – ذي اللون الزيتوني – الذي يرتديه وبللته ..
إندفعت تهاني مسرعة ناحيته ، وأشـــارت له بالجلوس ، ثم جلست على إحدى ركبتيها ، ومدت يدها لتمسح بنعومة على وجنته ، وبصوتها الأمومي قالت له :
-حبيبي ، متخافش ، مافيش حاجة حصلت

هز الصغير رأسه موافقاً إياها ، وبصوت طفولي أجاب بـ ..:
-أهــا

أمسكت تهاني بكف يده ، وقبلته بشفتيها ، ثم أخذت تداعب أصابعه ، فضحك أوس لها ، ومن ثم نهضت عن الأرضية الرخامية ، و..
-هاجيب شورت تاني يا حبيبي من الـ Lucker ( الدولاب ) ورجعالك ، أوعى تلعب في حاجة ، وخليك أعد في مكانك ، أوكي ؟
-حاضر

في نفس اللحظة دلف ذلك الشخص الذي يبغضه الصغير أوس إلى داخل غرفة المكتب ، فزم شفتيه بشدة للأمـــام ، وضيق عينيه ، وحدجه بنظرات حـــادة ولم ينطق بكلمة ..
رمقه ممدوح بنظرات لئيمة ، ثم غمز له بطرف عينه وهو يبتسم له بإبتسامة سخيفة من بين أسنانه ، ومن ثم نظر لزوجته تهاني بنظرات مهتمة قبل أن يردف بـ ..:
-حبيبتي

إلتفتت تهاني بجسدها كليةً للخلف ، ونظرت له بإستغراب وهي عاقدة لحاجبيها :
-ممدوح ! إنت بتعمل ايه ؟

ثم أمعنت النظر في تلك العربة الصغيرة التي يجرها أمامه ، وفغرت شفتيها في تعجب حينما رأت رضيعتيها الصغيرتين ، ثم سألته بتلهف :
- الله ، إنت جايب البنات معاك كمان ؟ طب ليه ؟
-المربية اعتذرت ومجاتش النهاردة
-اعتذرت !!
-أهــا .. بتقول عندها برد ، وخايفة تعدي البنات
-ممممم..
-وبصراحة أنا مش هأعرف أركز معاهم ، ما انتي عارفة أنا بأتلبخ في تكة
-اوكي يا حبيبي ، أنا هاجي أشوفهم ، بس أجيب شورت أوس
-تمام

ثم إلتفت برأسه ناحية الصغير أوس ، ورمقه بنظرات متمهلة ومطولة قبل أن يسـألها :
-هو هايقضي اليوم معانا ؟

أتـــاه صوت تهاني من الغرفة الجانبية عالياً بـ ..:
-أيوه ، مهاب هيخليه معايا الفترة دي ، أنا مش مصدقة إنه وافق بالساهل على الموضوع ده ، إنت عارف أنا أد إيه استرجيته عشان يخليه يعقد معانا بعد ما اتجوزنا

هــز ممدوح رأسه في انزعاج ، ثم بنبرة شبه عادية رد عليها بـ :
-أها .. طب كويس

لم يكف أوس عن التحديق هو الأخـــر في ممدوح ، ولم يتوقف عن صر أسنانه بقوة ..

ولجت تهاني إلى الغرفة مجدداً وهي تحمل في يدها بنطالاً أخـــراً ، ثم اتجهت نحو إبنها ، ونظرت إليه في حنو ، وبنبرتها الهادئة قالت :
-تعالى يا حبيبي عشان أغيرلك هدومك بدل ما تبرد

جذب الصغير أوس البنطال بعنف من يد والدته قبل أن ينطق بصرامة بـ :
-أنا بأعرف لوحدي يا مامي

إبتسمت له إبتسامة رقيقة ، ثم بنفس النبرة العذبة تابعت بـ :
-ما أنا عارفة يا قلبي ، بس عشان أقفلك السوستة وآآ..
-أنا كبير دلوقتي
قاطعها أوس بنبرة حـــادة قبل أن ينهض عن مقعده ويسير في اتجاه الغرفة الصغيرة الجانبية

نظرت لها تهاني بإندهاش ، ثم بنبرة عذبة قالت :
-حبيبي ..

إلتفت برأسه نصف إستدارة ليراها ، ولم يجبْ عليها ، في حين لوحت هي له بأطراف أصابعها ، وبإبتسامتها الحانية نطقت بـ ..:
-ربنا يخليك ليا يا قلبي ، وتفضل معايا على طول

ظل الصغير أوس عابس الملامح ، مقطب الجبين ، وســار في اتجاه الغرفة الجانبية وإختفى بداخلها ، ولكنه أصغى بإنتباه لكل كلمة تقال في الخـــارج بين والدته وزوجها الجديد ..

...................

راقب شخص ما بالخــــارج ما يحدث داخل غرفة المكتب الموجودة بالمعمل الخاص من تلك النافذة الزجاجية ، وإعتلى ثغره إبتسامة شيطانية وهو يحدث نفسه بـ :
-حلو أوي ، زي ما الباشا قالي ، وقت ما يكونوا كلهم مع بعض ، أعمل الماس الكهربي ، وأنا لو نفذت اللي قال الباشا عليه ، هيرضى عني ويديني اللي وعدني بيه ...

..................

اقترب ممدوح من زوجته تهاني التي إستندت بمرفقيها على صدرها ، وأحاطها هو من خصرها بكلا ذراعيه ، ثم نظر في عينيها بنظرات عاشقة ، فبادلته هي تلك النظرات الحالمة ، وبتنهيدة رومانسية قالت له :
-أنا حاسة إني في حلم ، مش مصدقة إن كل اللي بأحبهم معايا ، إنت وأوس .. آآ..
ثم نظرت في إتجاه الرضيعتين الصغيرتين ، وتابعت كلامها بـ ..:
-وبيسان وليان ..

ابتسم ممدوح لها ، وهز رأسه وهو يجيبها بـ :
-أهــا

ثم تبدلت ملامح وجهها للقلق والتوتر ، ونظرت ناحية الغرفة الجانبية ، وبخفوت قالت :
-أنا خايفة أفوق من الحلم ده على كابوس

لوى ممدوح فمه في عدم اقتناع ، ثم مسد على شعرها ، و..
-متقوليش كده ، أنا معاكي

مطت شفتيها للأمــام أكثر ، ثم قالت بإهتمام :
-بس إنت عارف صاحبك ، مش بالساهل إنه يتخلى عن اللي يخصه ، وخصوصاً إننا عارفين عنه كل حاجة

وضع ممدوح يده على طرف ذقنها ، وضغط عليها قليلاً ، ثم بكل ثقة أجاب بـ :
-مهاب مش بيعمل غير اللي بأقوله عليه

ضيقت هي عينيها ، ثم بنبرة جادة سألته بـ :
-طب وجوازنا من بعض ؟ كان برضوه إقتراح منك ؟

ابتسك بثقة لها وهو يجيبها بـ :
-لأ طبعا ده كان مقدر يا حبيبتي ، وبعدين هو مايستهلش إلا اللي زيه

أرخت هي ساعديها عن صدره ، وســـارت بضعة خطوات للأمــام وهي تتنهد بإنهاك ، ثم جلست على الأريكة ، وتنهدت مجدداً بآسى ، وبنبرة حزينة تابعت بـ ..:
-آآآه ، عندك حق .. كفاية أوي إني استحملت لسنين شذوذه وطريقته المقرفة معايا عشان خاطر ابني

تحرك ممدوح ناحيتها ، وبهدوء طلب منها :
-متحكيش في اللي فات يا تهاني

حركت تهاني رأسها على الجانبين ، وبصوت آسف أردفت باقي كلامها بـ :
-أنا مش مصدقة بجد إني اتطلقت منه للمرة التالتة ، كل مرة كان بيرمي عليا اليمين وهو مش في وعيه كنت بأحس إني هاضيع ، وأضطر أركع تحت رجله وأسترجاه عشان يردني تاني وميرمنيش في الشارع بعيد عن إبني

جلس هو إلى جوارها ، ونظر لها بنظرات جادة قبل أن يآمرها بـ :
-ششششش .. إنسي يا حبيبتي ، ده كان ماضي

نظرت له بتوتر ، وأمسكت بكف يده ، وقالت له:
-بس مهاب مش هايسكت
-بصي مهاب مركز مع ناريمان دلوقتي ، وإنتي عارفة هو أد ايه بيدور على مصلحته
-زيك برضوه !

ابتسم ممدوح لها إبتسامة مغترة ، ثم بنبرة متعجرفة نطق بـ :
-لأ أنا غيره طبعاً ، ما إنتي عارفة يا قلبي
-أه يا روحي

ثم تأبط ممدوح في ذراع زوجته ، وغمز لها من زاوية عينه ، وبنبرة شبه ماكرة طلب منها :
-طب تعالي معايا نشوف نتائج التحاليل طلعوا ولا لأ
-وأوس ، والبنات ؟
-مش هايحصلهم حاجة ، دول عشراية بس وهانرجع تاني
-اوكي ..

خرج الاثنين من الغرفة تاركين الصغيرتين في عربة الأطفال وهما غافلتين ، وكذلك أوس الذي طرق الباب بعنف بقبضته الصغيرة حينما رأهما يخرجان سويا ، فصر على أسنانه في حنق :
-أنا بأكرهكم .. بأكرهكم ..!

تملكت العصبية من أوس وكان على وشك إحداث الفوضى بها ، ولكنه سمع صوت فتح باب الغرفة ، فتسمر في مكانه لوهلة ، وتوقف عن إصدار أي صوت ، وركز سمعه على الهمهات التي تصدر بالخـــارج ..
فتنبه إلى صوت والدته وهي تهمس بـ :
-الله ! بلاش الحركات دي يا ممدوح ، ششششش.. أوس هنا
-طب يالا بقى ، مش عاوز أضيع وقت
-أوكي ، اسبقني وأنا جاية

ثم سمع صوت فتح الباب وغلقه مجدداً ، فإستشاط غضباً في مكانه ، ومن ثم سمع صوت والدته وهو يأتي من الخــارج بـ :
-حبيبي ، أنا هاروح أخلص شغل في المعمل وجاية على طول ، خد بالك من إخواتك ، ماشي

لم يجبْ عليها أوس ، بل ركل الأرض بعصبية .. وضيق عينيه أكثر ، وزم شفتيه بحدة ..

ظل أوس قابعاً في مكانه لعدة دقائق وهو يحاول التنفيس عن غضبه .. ثم سمع صراخ لإحدى الرضيعتين ، فنفخ في ضيق :
-أوووف ، إنتي صحيتي !

ثم تحرك بخطوات متثاقلة في اتجاه عربة الأطفال ، ولكنه تباطيء في حركاته حينما اشتم بأنفه تلك الرائحة الغريبة ، فإستدار برأسه للجانب ، ورأى تلك النيران المندلعة في الستائر المعلقة فحدق بعينيه بشدة بها ، وتراقص إنعكاس ألسنتها بطريقة غريبة في مقلتيه وكأنها تغيظه ، وتدريجياً تراجع بجسده للخلف في خوف ، ورغم هذا لم يطرف بعينيه ، ولم يهتز ، بل مكث على الأرضية في ثبات وتابع حركتها بهدوء مخيف ، ثم ثنى ساقيه وضمهما معاً بذراعيه ، وإستند برأسه على ركبتيه ، وأخذ يستنشق الدخـــان بغزارة إلى أن أصبحت الرؤية ضبابية .......................................................... !!! ◘◘◘◘
" تعلن طائرة شركة مصر للطيران عن وصـــول رحلتها القادمة من العاصمة الإيطالية روما إلى مطــار القاهرة الدولي ، برجاء ربط الأحزمة ، وإلتزام المقاعد .. شكراً "

أفـــاق أوس من شروده على صوت الميكروفون الداخلي بالطائرة ، فزفـــر في ضيق ، ونظر حوله بوجهه المكفهر ، ثم فك أزرار قميصه حتى منتصف صدره ، ومسح بكف يده قطرات العرق البــارد التي تكونت على جبينه ، و صر على أسنانه في غضب وهو يحدث نفسه بـ ..:
-بأكرهكم كلكم .. بأكرهكم ....!!!!!

سيطر هو على أنفاسه المتلاحقة حتى عـــاد للتنفس بإنتظام من جديد ، وراقب حركة توقف الطائرة بأعين كالصقر ، ثم حـــل وثاق حزام الآمان الخاص بمقعده ، ونهض على الفور من عليه - كمن لدغه عقرب للتو ، وجذب حقيبة صغيرة كانت موضوعة بالخزانة الخاصة به ، ثم ســـار في اتجاه باب الطائرة بوجه صـــارم للغاية ..

........................

في شاليه عائلة الجندي ،،،،،

طرقت ناريمان باب غرفة ليان مرة واحدة قبل أن تدلف إلى الداخل وهي عابسة الوجه ، ثم ألقت نظرة على ابنتها التي جلست على طرف الفراش ، ومولية ظهرها إياها ، وشــــاردة بدرجة كبيرة

طرقت ناريمان بقدمها الأرض عدة مرات ، ولوت فمها وهي تنطق بـ ..:
-إنتي كنتي فين ؟ عاجبك اللي باباكي عمله ده ؟ المفروض تردي على مكالماتي ، مش سيباني طول اليوم ومش سألة فيا ولا حتى بتاخدي إذني في حاجة !! هــا ! كنتي فين ؟

لم تجبها ليان بل ظلت صامتة كالصنم مما جعل ناريمان تنفعل أكثر ، وتندفع في اتجاهها بغضب ، ثم أمسكتها من ذراعها وجذبتها عنوة من على طرف الفراش ، ونظرت لها بغيظ وهي تصرخ فيها بـ ..:
-انتي مش بتحسي ؟ أنا بأكلمك من الصبح وانتي باردة مش عندك دم ولا إحساس باللي عملتيه

أشـــاحت ليان بذراعها بقوة لتتحرر من قبضتها ، ثم رمقتها بنظرات مهينة تحمل الإنكســـار قبل أن تجيبها بصوت مختنق :
-هو يعني وجودي كان هايفرق معاكي في حاجة ؟
-بنت !
-روحي يا مامي عاتبي حد تاني غيري أنا

إنزعجت ناريمان أكثر ، وقطبت جبينها ، ثم بنبرة عصبية صاحت فيها بـ ..:
-ليـــان !!! إنتي ازاي بتتكلمي بالأسلوب الوقح ده معايا ؟؟ أكيد أخوكي هو السبب ، طبعاً ما بيصدق يلاقي فرصة وآآ...

قاطعتها ليان بحدة وهي تهدر بـصوتها المتشنج بـ ..:
-بس بقى ، روحي شوفي نفسك الأول

صدحت ناريمان بغضب جم وهي تعتبها بـ ..:
-آآ.. قصدك ايه ؟؟ انتي اتجننتي ؟ إزاي تتجرأي عليا كده ، ده أنا مامتك
-لأ ما اتجننتش ، روحي شوفي كنتي في حضن مين الأول قبل ما تيجي وتلوميني على اللي بأعمله
قالتها ليان بقسوة تامة وهي تنظر في عيني ناريمان مباشرة دون أن تطرف للحظة ..

في حين جحظت الأخيرة بعينيها في صدمة ، وتملكها الإرتباك ، واكتسى وجهها سريعاً بعلامات الذهول ، وابتلعت ريقها الذي جف بخوف ، ثم تابعت ليان حديثها الجاد بـ ..:
-روحي قولي لأخويا كنت بتعمل ايه مع غيري وخلتني ضحية لغيره يلعب بيا
-هـــاه

أشـــارت ليان بإصبعها في وجهها وهي تصرخ بـ :
-قبل ما تلوموني على أي حاجة بأعملها وتحاسبوني ، حاسبوا نفسكم الأول ، شوفوا عملتوا ايه .. يالا .. مستنية إيه ؟!!

صمتت لثوانٍ معدودة قبل أن تكمل بنبرة أكثر سخطاً :
-فكراني مخدتش بالي من الغراميات مع آنكل ممدوح ..

ثم نظرت إلى والدتها بإشمئزاز ، ولوت شفتيها في إستنكار صريح وهي تكمل عبارتها بـ :
-كلكم مقرفين ، كلكم كدابين وغشاشين .. أنا بأكرهكم ، وبأكره نفسي ، وبأكره كل حاجة في العيلة دي

اقتربت منها ناريمان ، وأحاطتها بذراعيها لتضمها إلى صدرها وهي تآمرها بهدوء بـ :
-اسكتي يا ليان ، اسكتي يا بنتي

دفعتها ليان بعنف وهي تتراجع خطوة للخلف ، ثم نهرتها بـ :
-ابعدي ايدك عني ، ماتلمسنيش

أشــارت ناريمان بكلتا يديها ، وحاولت أن تبدو هادئة وهي تبرر لها موقفها بـ :
-إهدي طيب ، وأنا هاقولك الحقيقة ، أكيد إنتي فهمتي حاجة غلط ، أنا وآنكل ممدوح مجرد Friends ، وآآ ..

صرت ليان على أسنانها في غضب واضح وهي تقاطعها بـ :
-أنا شوفتك بعيني ، عاوزة إيه تاني ، إنتي استحالة تكوني أم ، مافيش أم تعمل كده وبنتها معاها .. سبيني بقى .. سبيني واطلعي برا

تراجعت ناريمان للخلف في خـوف وهي غير قادرة على إستيعاب ما قالته هي للتو .. ونظرت لها بنظرات زائغة ، كما إرتجفت شفتيها بشدة فوضعت كفي يدها عليهما ، وبدأت تعض أناملها من الرعب ، وهزت رأسها بطريقة لا إرادية وقد مـــر ببالها مقتطفات من ماضيها .......

........................................

◘◘◘◘ هزت ناريمان رأسها بعصبية وهي تبكي بطريقة هيسترية على أحد الأَسِـــرةِ البيضاء في ذلك المشفى الخاص بإحدى الدول العربية والذي يعتبر والدها – الطبيب شوقى علام – شريك أساسي فيه ، ، وتعالت شهقاتها عالياً ، فحاول والدها تهدئتها بـ :
-اهدي يا ناريمان ، إنتي أقوى من كده ، دي إرادة ربنا
-لأ .. مش ممكن ، إشمعنا أنا ؟؟
-شششش .. محدش يقدر يعترض على قضاء الله ، ودلوقتي في بدائل وآآ..

قاطعته بصوتها المختنق من كثرة البكاء :
-إزاي هتوافق يا دادي إنك تعمل كده ؟ ده أنا بنتك !

نظر لها بحزن ، وبصوت آسف أجابها بـ:
-الموضوع فيه حياتك ، ودي اللي تهمني يا بنتي

ثم إلتفت إلى الجراح الشاب الواقف بجواره ، ونظر إليه برجاء قبل أن ينطق بـ :
-ما تقولها يا د. مهاب ؟

تنحنح مهاب وهو مكور قبضة يده بالقرب من فمه ، ثم نظر بحذر ناحية ناريمان وبصوت هاديء ورخيم قال:
-يا آنسة ناريمان ، لازم نستأصل الرحم ، وكل تأخير في ميعاد العملية بيعرضك أكتر للخطر

-استحالة أوافق على كده ، انتو مش عارفين إن ده معناه ، إني آآ.. مش هاقدر .. آآآ..
ثم إختنقت الكلمات في حلقها ، وبكت بحرقة أكبر .. فزم مهاب فمه ، ونظر إلى الطبيب شوقي وهز كتفيه في حيرة ، فأطرق الأخير رأسه في آسى على ابنته ، ثم انصرف من الغرفة وهو يغمغم بكلمات غير مسموعة ...
في حين عـــاود مهاب النظر إلى ناريمان ، واقترب من فراشها ، ثم جلس إلى جوارها ، وأمسك بكف يدها ، وإحتضنه بين راحتي يده ، وبنبرة خافتة أردف بـ..:
-متخافيش ، أنا هافضل معاكي ، إنتي في أمان بين ايديا
-إنت آآ...

تحدث مهاب بطريقة مراوغة وهو يضغط على كل كلمة وهو ينطق بـ :
-أنا مش عاوزك تفكري في حاجة ، وصدقيني اللي جاي هايكون أفضل بكتير .. طول ما إنتي معايا ...!

ضيقت هي عينيها الدامعتين في عدم فهم ، ونظرت له بإستغراب ، فابتسم هو لها إبتسامة عادية ، وربت على كفها ورفعه إلى فمه وقبله بحنو و..:
-إنتي هاتكوني بخير .. هاتكوني بخير ...!

ثم مسح بكف يده الأخـــر وجنتها المبللة بالعبرات ، وهز رأسه بحركات بسيطة ليبث في نفسها الطمأنينة ..

راقبهما من الخـــارج الطبيب شوقي ، فتنهد في إرتياح ، وإعتلى ثغرة ابتسامة أمـــــل ..................... ◘◘◘

.........................................

عودة للوقت الحاضر ،،،،،،
ســـــار ممدوح على الشاطيء وهو ينفخ نيران غضب من صدره ، فكلمات مهاب كانت لها أكبر الأثر في إشعال ذلك البركان الخامد في صدره ..
لم يتوقف عن صــر أسنانه ، ولا عن إطلاق السباب اللاذع طوال سيره ..
ثم لمح صَدَفة ملاقاة على الشاطيء ، فإنحنى بجذعه للأسفل ليلتقطها بيده ، ثم ألقاها بكل ما أوتي من قوة إلى داخل مياه البحر الداكنة ، وتحدث مع نفسه بصوت حانق بـ :
-آه يا بن الـ *** ، عملت كل اللي طلبته مني زمان ، ونفذتلك كل حاجة ، والوقتي بتعاملني كأني حيوان ومتطفل عليك ، وناسي إنتو خدتوا مني إيه ، وحرقتوا قلبي على بناتي ..

ضيق عينيه بقساوة ، ثم بنبرة متوعدة أردف بـ :
-ماشي يا مهاب الـ *** ، مش بالساهل إني أسيبك تتهنى في حياتك ...!!!

.............................................

في شاليه ما بالساحل الشمالي ،،،

تغنجت لوزة بجسدها البارز من أسفل قميص نومها العاري ذي اللون الروز وهي تقف أمـــام المرآة ، ثم لمحت بضع آثار لإعتداء أوس عليها ، فتحسست تلك المواضع بأطراف أصابعها ، ثم عضت على شفتيها في ضيق ، وأشاحت بوجهها بعيداً عن المرآة ونظرت في اتجاه فارس الممدد على الفراش والممسك بالهاتف المحمول في يده ، ونظرت له بفضول وسألته :
-بتعمل ايه ؟
-بأظبط الفولدر بتاع صور المحروسة عشان أما أطبعهم وأبعتهم هدية للباشا في مكتبه
-أها .. طب سيبه وتعالى عندي
-طيب، أنا قربت أخلص أهوو

ثم عض على شفتيه بطريقة شهوانية وهو يتأمل صور ليان بتمعن شديد و..
-آآآآخ .. كانت بت جامدة فحت من فوق لتحت !!

-ماتتعدل يا فارس ..!!!!!
قالتها لوزة محذرة وهي تطلق شرارة حـــادة من عينيها

-مقصدش يا لوزة ، إنتي مالكيش زي ، بس برضوه ، الواحد بيموت في الحرام ، وحرام الجمــال ده كان يتساي على طول من غير ما آآ...

هدرت هي به عالياً بـ:
-أووف ، فـــــــــــارس

إنتفض فزعاً في مكانه ، وألقى بالهاتف إلى جواره ، ونهض عن الفراش وهو يجيبها بنبرة شبه خائفة بـ:
-ماشي ، ماشي ..!

.............................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

أفاقت تقى من نومها على صوت والدتها الذي يأتي من خـــارج الغرفة بـ :
-يا تقى ، إنتي يا بت ، اصحي إحنا بقينا الضهر

تثاءبت هي بهدوء ، ثم فتحت عينيها بتثاقل وهي تتمطع بجسدها المرهق في الفراش ، ثم اعتدلت في نومتها ، وأجابتها بصوت ناعس :
-حاضر يا ماما ، هاغسل وشي واجيلك
-انجزي طيب

خرجت تقى من الغرفة وهي ممسكة بمنشفة قديمة في يدها ، ونظرت في إتجاه والدتها ، ورسمت على شفتيها إبتسامة عذبة ..
لم تنظر لها فردوس ، بل إنحنت بجسدها على تلك الخزانة القديمة لتخرج حذائها منها ، وبصوت جاف أردفت بـ:
-عاوزة ألحق أنزل السوق أجيب خضار منه ، وبعدها هاطلع على المصنع ، البت زينات قالتلي إنها كلمت الأسطى حسين عني ، ووافق إني أرجع تاني بس هايخصم مني اسبوع

اتسعت حدقتي عين تقى في فرحة وهي تنطق بـ :
-بجد يا ماما ؟ ده خبر حلو أوي

زمت فردوس ثغرها للأمـــام ، ووضعت إحدى قدميها بداخل ( فردةٍ ) من حذائها القديم ، و بنبرة يائسة قالت :
-يا رب تكون صادقة بس في كلامها ، وماتكونش بتسرح بيا ، أنا مش ناقصة غلب أكتر من كده

وقفت تقى إلى جوار والدتها ، وجثت على ركبتيها لتلمع حذائها بطرف كم قميصها ، وبصوت متفائل تحدثت بـ:
-إن شاء الله هايطلع كلامها جد وربنا هيكرمنا
-إن شاءالله

في نفس التوقيت سمعت كلتاهما صوت قرع جرس باب المنزل ، فأشارت فردوس لإبنتها بعينيها لتذهب ناحيته وهي تآمرها بـ :
-افتحي الباب ، تلاقيها خالتك إجلال جاية تشار علينا ، صبحي عليها عقبال ما أربط الطرحة دي بدبوس
-طيب
أومــــأت هي برأسها موافقة ، ثم سارت حيثما أشارت ...

تهادت تقى في خطواتها وهي تتجه نحو الباب ، ثم ألقت بالمنشفة القديمة على كتفها ، ورسمت على شفتيها إبتسامة رقيقة وهي تفتح مقبضه ..
ولكن .. سرعـــــان ما تلاشت تعابير وجهها المشرقة ، وتحول للذبول ، وإختفت الدمـــاء الدافئة من عروقها ليحل محلها الشحوب ، وإسودت عينيها فجـــأة بعدما إتسعتا من الصدمة ، وإرتجفت شفتيها الصغيرتين في رعب واضح .. ودب الفزع في خلايا جسدها المنهك ، وبدأت ترتعش بشدة ، وتتنفس بصعوبة ....

-إيييه يا تقى !! كنتي مفكراني هاسيبك بالساهل كده
قالها أوس بثقة وهو ينظر لها بقسوة ، وإبتسامة تحدي تظهر من بين أسنانه ...

أولته تقى ظهرها ، وكانت على وشك الركض بخطوات متعثرة تجاه غرفة أمها وهي تحاول الصراخ مستغيثة بها ، ولكنها تسمرت في مكانها حينما رأتها تقف خلفها ومسلطة أنظارها عليه ، فتنفست الصعداء ، وشعرت إلى حد ما بالإرتياح .. ثم أسرعت ناحيتها ، وإختبئت خلفها ، ونظرت إليه بتوجس ..

ولج أوس إلى صالة المنزل بخطوات متمهلة ، وجاب ببصره المكان ، ونجح في إيصال مشاعر التأفف من حالتهما البائسة لهما ...

حدجته فردوس بنظرات قوية ، وبنبرة حادة صرخت فيه بـ :
-جاي هنا ليه يا بيه ؟ عندك سرقة جديدة ومش لاقي حد تتهمه بيها ؟

ابتسم لها أوس من زاوية فمه في تهكم ، ولم يعقبْ ..
في حين ابتلعت تقى ريقها في خوف ، ونظرت إليه بذعر من أعلى كتف والدتها ..

تحركت فردوس خطوة ناحيته ، وظل وجهها مكفهراً ، وبصلابة قالت له :
-لو معندكش حاجة تقولها يبقى تتفضل من غير مطرود

لم ينظر أوس إلى فردوس ، بل سلط أنظاره على تقى المذعورة ورمقها بنظراته الغامضة .. ثم ببروده المعتاد أولاهــا ظهره ، ونظر إلى الأريكة المتواجدة بالقرب من باب المنزل ، وســـار في اتجاهها ..

وقف أوس أمام الأريكة ، ثم إنحنى قليلاً بجذعه ليمسح عليها بأطراف أنامله ، ثم نفخ في الغبار العالق بإصبعيه بطريقة مستفزة .. ومن ثم جلس على الأريكة وأراح ظهره للخلف، وإستند بمرفقيه على مسنديها ، ومن ثَم وضع ساقه فوق الأخرى بطرقة واثقة للغاية ...

زفرت فردوس في ضيق ، ونظرت إليه شزراً وهي تنطق بـ :
-يا بيه عاوز إيه مننا تاني ؟

إبتسم أوس إبتسامة شيطانية ، وهـــز ساقه بحركة ثابتة ، ثم نظر لفردوس نظرات مطولة ذات مغزى ، و بنبرة ماكرة بادر بـ :
-مسألتيش نفسك إنتي خرجتي إزاي من المصيبة اللي كنتي فيها ؟

فغرت فردوس شفتيها في حيرة واضحة ، وإستدارت برأسها نصف إستدارة ناحية تقى ، ثم عاودت النظر إليه ، وسألته بجدية :
-قصدك ايه ؟ مش .. مش إنت اتنازلت عن المحضر !

-أهـــا
هز أوس رأسه موافقاً ، ثم أنزل ساقه ، وشبّك كفي يده معاً ، وآمــال جذعه للأمـــام ونظر إلى فردوس بحدة وهو يتابع بغموض بـ:
-بس مسألتيش برضوه نفسك إيه اللي خلاني أعمل كده ؟!

صمت هو للحظات قبل أن يكمل بنفس الثقة بـ :
-يعني مش معقول أنا من النوع اللي بأسيب حقي ببساطة ، أكيد هايكون في مقابل !

ثم سلط عينيه على تقى ، وغمــــز لها بطرف عينه بطريقة مريبة قبل أن يوجه حديثه لها بـ :
- ولا إيه رأيك يا تقى ............................... ؟؟؟؟
في المشفى الحكومي العام ،،،،،

وصـــل الشيخ أحمد ومعه رشيد إلى استقبال ذلك المشفى المجاني ليطمئنا على حالة العامل سيد الذي إحترق وجهه ..
تنحنح رشيد بصوت متحشرج قبل أن ينطق بـ :
-هاروح أدفع التذاكر يا شيخنا
-استنى يا بني
قالها الشيخ أحمد وهو يضع يده في جيب ( قفطانه ) ليخرج مبلغاً من المــال منه ، ثم مــد يده المتكورة نحوه ، ودس في كفه المــال ، وهو يتابع بـ :
-روح إدفع تمنهم بدول

ابتسم له رشيد قائلاً :
-كتر خيرك يا شيخنا
ثم إنصـــرف مسرعاً في اتجاه نافذة دفع تذاكر الدخــول للمشفى ، ولكن كان هناك صفاً طويلاً أمام النافذة ، فزفر في غضب ، وغمغم بـ :
-حتى دي كمان فيها طوابير ..!

.........

تعهد الشيخ أحمد بتحمل نفقات علاج العامل سيد من جيبه الخاص ، ولم يدخر وسعه في إبلاغ أهل الخير بمساعدة عائلته وفي الإنفاق عليهم ريثما يتعافى ..
أمسك هو بمسبحته بأطراف أصابعه ، وأخذ يحركها بثبات وهو يتمتم بخفوت ، ثم قرر أن يتجول في أروقة المشفى حتى يعود إليه سيد ، ولكنه توقف في مكانه حينما مرت عيناه على لافتة صغيرة أعلى جهة اليمين مدون عليها عبارة صغيرة فقرأها بصوت مسموع بـ :
-عنبر الكسور للرجــال .. ربنا يشفي ويعافي كل مريض ..

قرر الشيخ أحمد أن يدلف إلى داخل العنبر ليلقى نظرة سريعة على من فيه لعله يمد يد العون لمن يحتاج إلى ذلك .. شعر هو بغصة في حلقه ، وإنقباضة في قلبه بسبب حال معظم المرضى البائسين والمتواجدين على الآسرة الغير آدمية ..
تأسف هو كثيراً لرؤيتهم على تلك الوضعية ، ورجى الله أن يجعله سبباً في مساعدتهم
ثم رفع كفي يده بالدعاء لهم جميعاً ، وما إن إنتهى حتى مسح على وجهه براحتيه ، وتنهد في آسى ، وأطرق رأسه للأسفل وهو يحدث نفسه بـ :
-تولاهم يا رب برحمتك
ثم إستدار ليتجه للخـــارج ، ولكنه تسمر في مكانه حينما رأه أمامه مسجى على الفراش الجانبي وفي حالة يرثى لها .. ظن في البداية أنه شخص آخـــر ، فنظر له بتفحص شديد وبتمعن أكبر - وتعابير وجهه شبه مصدومة لرؤيته – ليتأكد من هويته .. ثم قال بنزق :
-عم عوض .... !
..............................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

إنتفضت تقى في مكانها مذعورة حينما سمعته يوجه حديثه الخبيث لها ، وهو يرمقها بنظراته اللئيمة ، فإبتلعت ريقها بصعوبة ، وحادت ببصرها عنه ، ونظرت في اتجاه والدتها التي كانت تحدق بها هي الأخــرى .. لقد جف حلقها حقاً من هول إفتراءاته ....

وبصوت قاتم وهي متجهمة الوجه تسائلت فردوس بـ :
-قصدك ايه يا بيه بكلامك ده ؟؟

-هو سؤالي فيه حاجة مش واضحة ؟
سألها أوس ببرود تـــام وهو يوزع نظراته الحادة ما بين فردوس وتقى ..

اقتربت منه فردوس ، ونظرت له بصرامة قبل أن تسأله مجدداً بـ :
-وضحلي يا بيه معنى كلامك ده ، معلش ماهو أنا فهمي على أدي !

اتسعت إبتسامة أوس الماجنة قبل أن يجبيها بمكر بـ :
-تفتكري إيه المقابل اللي بنتك عملته و خلاني أتنازل بسهولة عن محضر سرقة كان ممكن يوديكي في مليون داهية

جحظت مقلتي عين فردوس وقد فهمت ما الذي يرمي إليه أوس الجندي بكلامه المنتقى بعناية .. في حين إنقبض قلب تقى بشدة ، فهي متيقنة أن عباراته تلك تتضمن مغزى سيء النية نحوها ..

أخـــذ هو نفساً مطولاً ، وزفــــره على مهل ، ثم فك تشابك أصابعه ، ونهض عن الأريكة ، ووضع كفي يده في جيبي بنطاله ، ومن ثم وقف قبالة فردوس ، ونظر من أعلى كتفها إلى تقى المرابطة في الخلف ، وحدها بنظراته المخيفة ، وبكل ثقة سألها بـ :
-مش ناوية تيجي تروقي مكانك يا تقى في قصري ؟
-هــــاه
قالتها فردوس بصوت مدهوش للغاية وهي محدقة بعيني أوس الجامدة والمسلطة في آن واحد على إبنتها ..

في حين تابع هو بـ :
-ده سريري زي ما هو ، مطرح ما كنتي نايمة عليه جمبي طول الليل .. ده أنا حتى مخلتش عفاف تقرب من الأوضة عشان تيجي انتي تكملي شغلك فيها ، ما إنتي عرفاني بقى مش بأحب حد يقصر في شغله معايا ، ولا حد يكمل شغل حد ..!!!!!!

لم تصدق فردوس إذنيها وهي تستمع إلى تلك الكلمات التي تمس عرض إبنتها ، فصرخت فيه عالياً بـ :
-إنت .. إنت بتقول ايه ؟؟؟!!!

ثم أمسكت به من ياقة قميصه وأخذت تهزه بعنف وهي تهدر بـ :
-بنتي متعملش كده
-لأ عملت
أجابها أوس وهو يزيح يديها بكل برود عن ياقته

ثم تحرك في اتجاه تقى ونظر لها مباشرة ، وسألها بنبرة غليظة بـ :
-تقدري تنكري إنك جيتي تشتغلى عندي عشان خاطر أمك ؟ لأ ونمتي في أوضتي ، وجمبي على السرير ، وآآ..

قاطعته تقى وهي تلوح بعصبية بيدها في الهواء ، وصرخت هــــادرة بـ :
-بسسسسس .. حرام عليك ، أنا معملتش ده ، أنا وافقت أشتغل غصب عني خدامة عندك ، ليه بتفتري عليا ؟!

-هو أنا عملت حاجة لسه فيكي
ثم مط فمه للأمـــام في استنكار زائف قبل أن يكمل وهو يغمز لها بـ :
-مممممم .. الظاهر إنك خايفة تقولي لأمك عن اللي عملتيه معايا ، بلاش طيب كده .. مش هاتقدري تنكري إنك قضيتي الليل كله لوحدك وإنتي آآآ... إحم ..!

اتسعت حدقتي عينها أكثر في صدمة وهي غير مصدقة لتلميحاته الكارثية ، فقالت بعنف :
-إنت ايه شيطان ؟ والله العظيم إنت أسوأ من الشيطان نفسه ..!!!!
-مممم.. ماشي أنا شيطان ، بس تنكري إني بعت معاكي الـ security أحمد عشان يوصلك البيت

فغرت تقى شفتيها في صدمة، ونظرت إلى والدتها بنظرات مرتجفة وحاولت أن تتحدث ولكن ألجمت المفاجأة لسانها ، فخرج صوتها متلعثماً بـ :
-هــــاه .. آآ.. أحمد !

وقفت فردوس هي الأخـــرى في حالة إندهاش تام ، وراقبت الجدال الدائر بينهما لبرهة قبل أن تندفع كالمغيبة في اتجاه ابنتها التي تفاجئت بملامح وجهها المحتقنة والحمرة البارزة من عروقها ، فأيقنت أن أمها على وشك الإنفجــــار ...
مدت فردوس يدها لتقبض على رأس إبنتها ، ولوتها بعصبية للأسفل ، فتأوهت تقى من الآلم وأغمضت عينيها ، وتوسلت لها راجية بـ :
-يا ماما استني اسمعيني الأول

لم تمهلها فردوس الفرصة لكي تبرر موقفها ، بل صفعتها على وجنتها بيدها الأخرى عدة مرات متتالية وهي تعنفها بـ :
-ازاي تعملي كده يا **** يا بنت الـ *** ..!!!!!

توسلت تقى لها بصوت مختنق من البكاء بـ:
-آآآه .. قسماً بالله أنا مظلومة ، اسمعيني بس ، آآآآآه ، آآآي .
-يا شيخة كنتي سيبني أموت ولا أولع ، ولا إنك تفرطي في نفسك يا رخيصة

حاولت تقى أن تخلص فروة رأسها من براثن أمها وهي تصرخ بـ :
-محصلش ، أنا زي ما أنا والله ، صدقيني يامه

تشنجت فردوس أكثر وإنفعلت على ابنتها ، وصرخت غاضبة فيها بـ :
-ده أنا بأقطع من لحمي وأديكي ، وبأطفح الكوتة عشان أحافظ عليكي لحد ما يجي اللي ياخدك ويريحني من همك ، وإنتي يا بنت الـ*** تعملي كده

إنتحبت تقى وتعالت شهقاتها الممزوجة بأنينها وهي تترجى والدتها بـ :
-كدب والله العظيم كدب!

-كدب يا زبالة يا **** ، ده أنا شيفاكي يومها وإنتي نازلة من التاكسي ومكونتيش على بعضك
قالتها فردوس وهي تصفع وتضرب إبنتها على مواضع مختلفة من جسدها بإنفعال زائد ..

ضحك أوس بطريقة مستفزة وشعر بالتسلية الرهيبة هو يتابع الاشتباك الدائر بينهما ، ثم تدخل في الحوار ، و بنبرة تحمل اللوم الزائف تحدث قائلاً :
-شوفتي يا تقى ، يعني أمك بنفسها شافتك في التاكسي ، ومش بعيد الحارة كلها كمان .. ده كلام !!

تعالت صراخات تقى أكثر وهي تحاول الدفاع عن نفسها أمام والدتها من إتهامات أوس الباطلة ، ولم تكف فردوس هي الأخرى عن صب جــــام غضبها عليها .....
.................

وعلى إثر ذلك الصوت الرهيب ، فتحت الجارة إجلال باب منزلها ، وإشرأبت برقبتها محاولة معرفة ما الذي يدور في الجوار ، وحدثت نفسها عالياً بـ :
-يا ساتر يا رب ، إيه الصريخ والصويت ده كله ، في ايه بالظبط ؟

وحينما لم تتمكن من الرؤية بوضوح عقدت العزم على :
-أنا رايحة أشوف في ايه ! لأحسن تكون حصلت نصيبة جديدة عن دوسة ! لطفك يا رب
..............

واربت إجلال باب منزلها ، وعدلت من وضعية حجابها المنزلي ، وركضت بخطواتها البطيئة ناحية منزل تقى ..
وقفت هي على عتبة المنزل تنظر بذهول لما يحدث ، ثم شهقت في خوف حينما رأت فردوس تعتدي على إبنتها بالضرب ، فلطمت على صدرها و..:
-يا لهوي بالي ! في ايه يا فردوس ؟

ثم ولجت مسرعة في اتجاههما ، وحاولت أن تحول بين الاثنتين ، وتفض الإشتباك وهي تقول :
-سيبي البت يا فردوس ، دي هاتموت في ايدك
-يا ريتها تموت الواطية الـ ***** ..!

نظرت تقى بتوسل للجارة إجلال وهي تحاول تجنب ضربات والدتها المتلاحقة ، وبصوت منتحب رجتها بـ :
-آآآآه .. إلحقيني يا خالتي إجلال ، والله ما عملت حاجة !

أمسكت إجلال بذراعي فردوس ، وحاولت تخليصها تقى منها وهي تنطق بـ :
- لا حول ولا قوة إلا بالله ، ده شيطان والله اللي دخل بينكم ، استهدوا بالله كده ، الجيران والحارة هيتفرجوا عليكم

صرخت فيها فردوس مستنكرة بـ :
-سبيني عليها يا إجلال ، سبيني أموتها وارتاح

-صلي على النبي كده وإهدي
قالتها إجلال وقد تمكنت من إبعادها نوعًا ما عن تقى .. في حين حاولت الأخيرة أن تلتقط أنفاسها المتلاحقة من أثر بكائها المرير بسبب آلام تلك الضربات عليها ..

ابتسم أوس بشماتة وهو يرى كيف إستطاع ببضعة كلمات بسيطة أن يرى تعذيب تلك البائسة وتحطيمها ، وإفساد ما بينها وبين أمها في أقل من دقائق ..
رأت تقى تلك النظرات الحقودة والمدمرة في عينيه ، فتملكها الغضب الشديد وقررت أن تنتقم لشرفها ولسمعتها التي تلطخت منه ، فوجهت أنظارها نحو المطبخ ......

.........................

في نفس التوقيت سمعت الجارة أم بطة صوت الصراخ وهي تعد طعام الإفطار لإبنتها فنظرت من الشرفة وحاولت أن تستشف ما الذي يحدث وهي تسأل نفسها بـ :
-في ايه ياخواتي ؟ مين اللي بيصوت كده على الصبح

وقفت جــارة أخرى في الشرفة المقابلة في البناية المجاورة ، وأجابتها بـ:
-الظاهر إن فردوس بتتخانق مع بنتها

مط أم بطة شفتيها للأمام ، وبنبرة مهتمة تابعت بـ :
-والنبي غلبانة البت دي ، مش بتخلص من أمها

أجابتها جارتها بفتور واضح بـ :
-تلاقيها بس قلت أدبها عليها ففردوس مخلصهاش وبتربيها

هزت أم بطة رأسها بخفة وهي تجيبها بعدم إكتراث بـ :
-أها

إستندت تلك الجارة على مرفقيها على حافة سور الشرفة ، ثم تسائلت بإهتمام ممزوج بالفضول وهي ترفع حاجبها بـ :
-المهم عروستنا القمر عاملة ايه مع عريسها ؟

أجابتها أم بطة بهدوء وهي تعقد رباط حجابها بـ :
- والله ما اعرف لسه ، أنا يدوب كنت بأحضرلها فطار العرايس ورايحة أشأر عليها

إعتدلت الجارة في وقفتها بالشرفة ، وبإبتسامة مصطنعة على وجهها الممتليء قالت :
-طب سلميلي عليها أوي لحد ما أجي بنفسي أباركلها وأنقطها

بادلتها أم بطة إبتسامة مجاملة قبل أن تتشدق بـ :
-يوصل يا حبيبتي ، نجاملك في الفرح إن شاء الله ..!

ثم خرجت من الشرفة لتكمل تجهيز صينية الطعام الشهي لإبنتها بطة ...
..............................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

توقفت تقى عن البكاء ، وإشتعلت عينيها كجمرتين من الجحيم ، فهي لم تقابل في حياتها من كان بمثل تلك الخسة والدناءة ...
ركضت هي في اتجاه المطبخ وقد إنتوت أن ترد له الصاع صاعين فوراً ..
جابت تقى ببصرها المكان بحثاً عن سكين ما ، وبالفعل وجدت واحد منهم موضوعاً بالحوض وسط الصحون ، فجذبته بيدها ، وقبضت عليه بأصابعها بشدة ، وصرت على أسنانها بقسوة ، ثم بتوعد عنيف هدرت بـ..:
-والله لأقتلك ، هاقتلك يا حيوان ...!

ثم إندفعت خـــارج المطبخ ووجهها متصلب للغاية ، وعينيها تنطقان بالشرر المتطاير ، واتجهت صوبه حينما وجدته يقف في منتصف صالة منزلها عاقد لساعديه أمام صدره ، وما زاد من إستفزازها هي تلك الأبتسامة الوضيعة على ثغره ..
إهتاجت هي بإنفعال شديد ، ولم تعد قادرة على السيطرة على نفسها ،فرفعت يدها القابضة على السكين عالياً في الهواء ، وصرخت عالياً وهي تركض نحوه بـ :
-هاقتلك ، إنت اللي زيك مش لازم يعيش أبداً

تنبهت كلاً من فردوس وإجلال لصوت تقى ، وتسمرت كلتاهما في مكانهما من هــــول الصدمة ..
في حين إزداد أوس ثقة بنفسه وهو يرى كيف تحاول تلك الذليلة الكَسِيرة الوقوف أمام جبروته ..

أرخى أوس ساعديه عن صدره ، ومـــال بجذعه للجانب ليتفادى ضربتها الموجهة إلى صدره حينما حاولت هي طعنة بكل ما أوتيت من قوة ..
كررت تقى المحاولة وهي تصر بقسوة بالغة على أسنانها ، ولكن تلك المرة لم تستطع ، حيث باغتها أوس ،و قبض على معصمها ، وضغط عليه بأصابعه فآلمها بشدة .. ورغم هذا لم تتخلْ عن السكين ...
نظرت مباشرة في عينيه ولم تطرف للحظة ، فرأى أوس تلك النظرات القاتلة فيهما ، فابتسم بعنجهية ، وقال بإستخاف :
-برافو .. أنا كده هاتغر في نفسي .. إيه يا تقى ؟ هاتقتليني مرة واحدة ؟؟؟ طب اتعلمي الأول إزاي تمسكي السكينة كويس

تلوت تقى بمعصمها محاولة جعل نصل السكين يلامسه ، ولكنها فشلت .. وبكل ثقة ومهارة جذب أوس السكين من أصابعها ، وأمسك به بيده الأخرى ، وقربه من وجهها ، وبنبرة ساخرة أردف بـ :
-هي دي اللي عاوزة تموتيني بيها ؟

ثم زم شفتيه في استنكار ، وهز رأسه متعجباً ، وغمز لها قبل أن يتابع بنفس الصوت الساخر ..:
-مش حلوة خالص !

ألقى أوس السكين على الأرض ، وأمسك بمعصم تقى الأخــر ، وضمهما معاً .. وقربها نحوه ..
في حين نظرت هي إليه بذعر جلي ، وإرتجفت بشدة وقد باءت خطتها بالفشل الذريع ..
رمقها هو مجدداً بنظراته المتعالية ، ولم يحيد بعينيه عنها ، ثم بغطرسة واضحة قال لها :
-قولتهالك قبل كده ، مش بالساهل تخلصي مني يا تقى

نظرت هي له بيأس جلي وهي تحاول التملص منه ، بينما إزداد هو غرور وثقة في نفسه ، ولكن تشنجت تعابير وجهها فجــــأة ، وعضت على شفتيها بطريقة غريبة ، ثم أغمضت عينيها وضغطت عليهما بطريقة مريبة وكأن شيئاً ما أصابها ، ومن ثم أصدرت أنيناً مكتوماً بـ :
-آآآآه .. آآ..

ضيق أوس عينيه في حيرة ، ونظر لها بتفرس محاولاً فهم ما الذي بدل حالها فجــأة ، ولكنه إنتبه إلى صوت صراخ الجارة المتواجدة معهم من الخلف بـ :
-ليه يا فردوس قتلتيها ، لييييييييييه ...................................... ؟؟؟!!!!!
في منزل تقى عوض الله ،،،،

تجمــــد أوس في مكانه لثوانٍ وهو يحاول إستيعاب ما قالته تلك العجوز للتو ، وحدق بها بطريقة غريبة وكأنها قد قالت لغزاً غامضاً ..
في حين تراخى جســـد تقى بين يديه ، وكـــادت أن تفلت منه وتسقط على أرضية منزلها ، ولكنه أســرع بالإمســـاك بها من خصرها ، وأسند رأسها على صدره ، وبالذراع الأخــــر أحاطها ..
تسمرت فردوس في مكانها وهي ممسكة بالسكين في يدها – والتي تقطر منه بقع الدمــاء الصغيرة من نصله على رسغها والأرضية – ولم تتبدل ملامح وجهها .. لقد ظنت أنها ستشعر بالإرتياح إن لقنتها درساً قاسياً وإقتصت لتدنيسها شرف العائلة ، ولكن ما حدث كان العكس ، فقد أفاقت على بشاعة ما فعلت .. وأيقنت أنها أجرمت في حق إبنتها الوحيدة حينما طعنتها ببرود أم قاتلة دون أي شفقة أو رحمة ....

أخفض أوس بصره للأسفل ليرى بقعة الدمـــاء تخترق قميصها المنزلي من ظهرها وتتسع بالتدريج ، فشهق بصوت مكتوم ، ولم ينطقْ .. وشعر لوهلة أنه قد إنفصل تماماً عن الواقع الذي يعيش فيه ليعود بذاكرته إلى ذكريات ماضيه المريرة التي تطارده ......

.................................

◘◘◘◘ كان الصغير أوس يسمع همهمات بجانب أذنه وهو مغمض العينين ولا يستطيع تمييزها بوضوح .. وحاول جاهداً أن يفتح عينيه فلم يتمكن إلا من فتح واحدة فقط ولكن قليلاً .. آمــال رأسه للجانب فلمح تلك البقع الحمراء التي تلطخ ملابسه من زاوية عينه ، ورأى أشباح أشخاص يرتدون ملابساً ناصعة البياض يحاوطونه ، وحاول أن يتحدث لكن كان هناك قناعاً بلاستيكياً موضوعاً على فمه وأنفه يعوقه عن الحديث ، ولم تكن لديه القدرة الكافية لكي ينطق ، فحلقه كان يؤلمه بشدة ، لذا قرر أن يركز في الأصوات المبهمة من حوله ، فلم يستمع إلا لصوت تنفسه هو فقط ..
تمكن الصغير أوس من فتح عينيه الاثنين معاً ، فرأى مقدمة رأسوجه شخص ما يألفه تقترب منه ، ثم شعر بمسحه كفه على جبينه ، وركز في صوته فعرف أنه والده حينما نطق بـ :
-كان ممكن يضيع فيها ، إنت اتجننت يا بنى آدم

اقترب ذلك العامل منه ، ومــال عليه فبدى صوته قريباً من أذن أوس وهو يبرر موقفه بـ :
-يا باشا أنا كنت مفكر إنها بس اللي في المكتب !
-وطلعت مش فيه ، وكان إبني هايروح مني
قالها مهاب بحنق وهو يرمق العامل بنظراته النارية الحادة

ابتلع العامل ريقه ، وبنبرة شبه فاترة قال له :
-ربنا ستر ، المهم إن ابن سعادتك بخير

حدجه مهاب بنظرات مميتة قبل أن يجيبه بتهكم بـ ..:
-بخير ..!! الله أعلم إن كان الولد هايكون بخير ولا لأ !

أمسك مهاب بمعصم ابنه ، وبدأ يتفحص نبضه ، ثم أسنده إلى جوار جسده الصغير ، وبدأ يتفحص عينيه وحاول التحقق من بؤبؤهما من خلال تسليط ضوء ذلك القلم الضوئي عليهما ..

تأمل العامل ما يفعله مهاب بإكتراث ، ثم بنبرة عادية بادر بـ :
-إن شاء الله يا باشا هايقوم ويبقى كويس ، أنا لحقته لما لمحته من الإزاز ، أنا مكنش قصدي إني أجرحه وأنا بأنط بيه برا الأوضة ، بس خوفت يتحرق وآآ.....!

رمقه مهاب بنظرات حادة قبل أن يقاطعه بصوت غاضب بـ :
-إياكش إنت اللي كنت اتحرقت بداله
-مقبولة منك يا باشا

أخذ مهاب نفساً عميقاً ، وزفره على عجالة ، ثم حاول أن يسيطر على إنفعاله ، وسأل العامل بهدوء مصطنع بـ :
-طب وتهاني ؟ حصلها حاجة ؟

-لا يا باشا ، فلتت منها ، بس آآ.. آآ..
لم يكمل العامل عبارته الأخيرة والتي نطقها بصوت متردد ، ثم أطرق رأسه للأسفل في حزن زائف فأثار حفيظة مهاب الذي سأله بإهتمام بـ :
-بس ايه ؟

أجابه هو بصوت متلعثم بـ :
-بس بناتها آآ...

نظر إليه مهاب مطولاً ، وسأله بجدية بـ:
-مالهم ؟!

أخفض العامل نبرة صوته وهو يفسر له :
-في واحدة فيهم ماتت مخنوقة من الدخان ، لكن التانية مش عارف حالتها الصراحة

اتسعت عيني مهاب في صدمة رهيبة بعدما سمع عبارته الأخيرة ، وتسأل بصوت مرتجف بـ :
-ايييه ؟ انت بتقول ايه ؟ هما كانوا في الأوضة ؟
-ايوه ، بس والله مكونتش أعرف

أمسك مهاب بتلابيب العامل ، وهزه بعنف وهو ينهره بصوت حانق بـ:
-يخربيتك ، أنا قايلك تخلص على تهاني وممدوح وبس
-ماهو يا باشا إنت كنت قايلي أما ألاقيهم سوا أنفذ اللي آآ... آآ...

قاطعه مهاب بعد أن أرخى قبضتيه عنه قائلاً بإنزعاج :
-باشا إيه وزفت ايه الوقتي ، الله يحرقك ، إنت .. إنت عملتلى مصيبة كبيرة ...!
-متقلقش يا باشا محدش عرف حاجة
-ياخي اسكت خالص السعادي
نهره مهاب بحدة قبل أن يوليه ظهره ، ويضع يده على رأسه ليحكها في حيرة لعدة مرات ..

أجاب عليه العامل ببرود بـ:
-حاضر ، أوامرك يا باشا

شـــــرد مهاب للوهلة وهو يفكر في حل فوري لتلك الفاجعة التي تسبب بها ، ثم تحرك في اتجاه النافذة الجانبية المتواجدة على يســـار الغرفة وحدق في الفراغ ، وفكر بصوت مسموع نسبياً بـ :
-ده ممدوح مش هايسكت ولا تهاني عن اللي حصل لبناتهم ، ده .. ده اللي حصل أصلاً كارثة بكل المقاييس ، أنا مش ضامن ردة فعلهم ، لازم أظبط كل حاجة عشان آآ...

نظر العامل بإستغراب إلى مهاب ، وحك ذقنه بإصبعيه ، ثم سأله بفضول بـ :
-بتقول حاجة يا باشا ؟

إستدار مهاب بجسده ناحيته ، ورمقه بنظرات قاسية قبل أن يصدح فيه بـصوت قوي بـ :
-إنت لسه واقف عندك ، غور دلوقتي أما أشوف أنا هاتصرف في المصيبة دي إزاي ...!!!!

مط العامل شفتيه في استهجان وهو يجيبه بـ :
-طيب

ثم ســــار في اتجاه باب الغرفة وهو يغمغم بخفوت بـ :
-أعوذو بالله ، دي أخرت المعروف مع البشوات ...! ◘◘◘

..............................

أفـــــاق أوس من شروده على صوت صراخ إجلال الهــادر بـ :
-ليه عملتي كده يا فردوس ؟ قتلتيها ليه ؟
-أنا .. آآ.. انا بأربيها ، و آآ..
لم تستطع فردوس أن تجيبها بكلمات واضحة ، بل وزعت أنظارها ما بين نصل السكين ، وإبنتها الغارقة في دماؤها ..

نظرت لها إجلال بنظرات مصدومة ، ثم عنفتها بـ :
-حرام عليكي ، ده بنتك أغلب من الغلب ، ازاي تـ.. آآ..

لم تكمل إجلال عبارتها بسبب ما فعله أوس حيث أمسك بتقى من خصرها ، وثنى جذعه للأسف ليتمكن من وضع ذراعه الأخـــر أسفل ركبتيها ليحملها بين ذراعيه ، ثم انطلق بها مسرعاً خـــارج المنزل ، ونزل على الدرجــات دون أن ينبس بكلمة ..

......................

وصـــل أوس إلى خــــارج البناية القديمة ، ونظر حوله بريبة محاولاً تذكر أين صف سيارته ، في حين نظر إليه بعض المـــارة بإستغراب شديد ، وإزداد فضولهم لمعرفة سبب حمله لتقى في تلك الساعة المبكرة ..
ولكنه لم يمهل أي أحــد الفرصة لسؤاله أو حتى لإستجاوبه ، حيث ركض بها في اتجاه سيارته المركونة على مدخل الحـــارة ..

في نفس التوقيت كانت الجــارة أم بطة تتجه خــارج البناية التي تقطن بها وهي تحمل في يدها حقائب بلاستيكية بها طعام الإفطار للعروسين ..
كانت هي مطرقة الرأس وهي تتأكد مما في يدها ، ولكن اصطدم أوس وهو يركض في طريقه بـها ، فصاحت هي عالياً فيه وهي تشيح بيدها في الهواء بـ :
-مش تحاسب يا جدع انت ، ماشي طايح في الناس ولا همك .. ايه ده ؟

دققت هي النظر جيداً فيه فرأته يحمل تقى بين ذراعيه ، فجحظت بعينيها ، وقالت بنزق :
-الله ..آآ.. دي .. دي تقى
-وسعي من قدامي
آمــرها أوس بصوت قاتم وهو ينظر لها بحدة ..

لم تفسح له المجـــال أم بطة ، بل سدت عليه الطريق ، وإعترضته وهي تحتج بـ :
-لأ مش هاوسع إلا لما تقولي إنت واخدها ورايح فين ؟
-إبعدي عن خلقتي السعادي يا ست إنتي

لوحت أم بطة بيديها في الهواء بعد أن أسندت الحقائب البلاستيكية على الأرضية الإسفلتية ، ثم هدرت عالياً بــ :
-يا ناس يا هوو ، تعالوا شوفوا آآ..

-حسبي
قالها أوس وهو يدفعها بكتفه بقوة ، ثم مـــر من جوارها بخطواته الراكضة ، ولم يهتم بصراخها ولا بما تفعله ، بل سلط نظره على سيارته ، وحاول أن يخرج مفتاحها من جيبه دون أن يضطر لإنزال تقى على ساقيها ..

تمكن هو أخيراً من فتح باب سيارته ، ثم أجلس تقى على المقعد الأمامي بحذر ، وأسند رأسها للجانب براحتي يده ، ثم أبعدهما عن وجنتيها ، وكور قبضة يده في تردد فقد لمح تلك القطرات الباردة التي تبلل وجهها الشاحب ، فمد يده نحوها ، ومسح بكفه حبات العرق من عليه ، وتأمل لثوان ملامح وتشنجات قسمات وجهها الهزيل ..
لوى أوس فمه في ضيق وقد أدرك أنه ترك لنفسه الفرصة ليحيد عن هدفه ، فأسرع بتولي زمـــام الأمور مجدداً ، حيث أحكم ربط حزام الآمــان عليها ، ثم بكل هدوء أغلق باب السيارة ، ومن ثم دار حــولها بخطوات سريعة ليركب خلف المقود ، ثم أدار المحرك سريعاً ، وإستدار برأسه للخلف وهو ممسك بعجلة القيادة ، ولم يكف عن إطلاق بوق السيارة كي يتمكن من المرور ، فقد كان المدخل ضيقاً ، وأهل الحـــارة يسدون الطريق ببضائعهم ، لذا حـــاول بمهارة فائقة وسرعة غير عادية أن يخترق الجميع ليصل إلى الشارع الرئيسي ..
ما هي إلا لحظات حتى تمكن أوس من الوصول للطريق ، فضغط على دواسة البنزين بكل قوة لتنطلق السيارة بسرعة قصوى نحو مشفى الجندي الخـــاص .....

...............................

في أحــــد المناطق العشوائية ،،،

تجمع عدد من الأطفال الصغار ذوي الملابس الرثة والهيئة المزرية أمــام إحدى مقالب القمامة ، وبدأوا يتقاذفون كرة صغيرة مصنوعة من الجوارب ..
صاح أحدهم عالياً وهو يلوح بيده بـ :
-يا عم شوط كويس

رمقه طفل أخـــر أصغر حجماً منه بنظرات ضيقة قبل أن ينطق بتبرم بـ :
-ما أنت اللي أحول مش عارف يمينك من شمالك

أجابه الأول بنبرة حـــادة بـ :
-أنا برضوه ، ولا إنت اللي ****

تملكت العصبية ذلك الطفل الأصغر ، فهدر بـ :
-طب بس يا **** !!

تدخل طفل ثالث – رديء المظهر - في المشاجرة ليحول بينهما ، فأردف بـ :
-اهدوا يا جدعان ، أنا اللي هاشوط
-طب إنجز في أم يومك ده
-جاهز
-أيوه

ثم ركل ذلك الطفل المشــرد الكرة بقوة كبيرة ، فإندفعت في إتجاه تلك السيدة الشمطاء المطأطأة الرأس والجالسة القرفصاء بجوار صندوق القمامة والتي كانت مشغولة بالبحث عن الطعام ..
ضربت الكرة كيس القمامة الذي كان بحوزتها ، فتناثرت محتوياته على الأرض ، فتملكها الغضب ، ورفعت رأسها للأعلى ، وحدجتهم بنظراتها المحتقنة قبل أن تصرخ فيهم بـ :
-يا ولاد الـ *** .. !

توجس الطفل الأصغر من غضبها ، فنصح رفاقه بـ :
-ابعد يا بني انت وهو عنها ..

سأله أحدهم بإستغراب بـ :
-ليه يعني ؟
-دي مجنونة !
-أيوه .. تهاني الهبلة ، ملكش دعوة بيها دي تاكلك ياوله
قالها الطفل الأصغر قبل أن يركض مبتعداً عنها ، ولحق به بقية من معه ..

لم تكف تهاني عن إطلاق السباب اللاذع وهي تقف في منتصف الطريق وتشير بيدها لهم ..
ثم إستدارت للخلف ، وعــادت لتجلس في مكانها بجوار صندوق القمامة ، وتنهدت بحسرة بـ :
-خدوا كل حاجة مني ، ورموني .. آآآآه ... آآآآآه

ثم دوى صـــوت سيارات الشرطة في أرجــــاء المكان فأحدثت ضوضاءاً رهيبة ، فنظرت تهاني حولها محاولة معرفة مصدر الصوت ، ورغم هذا لم تبرحْ مكانها .. بل مدت يدها لتمسك ببقايا قطعة الخبز التي وجدتها بداخل القمامة ..

انتشــــر رجـــال الشرطة في المكان ، ومعهم بعض السيدات – ذات الهيئة المنمقة – وكذلك عدد من الرجــال من ذوي الزي الموحد ..

وقفت سيدة ما – تدعى هياتم – وهي تضع مِحرمة نسائية على أنفها بجوار ضابط الشرطة وسألته بهدوء بـ:
-وهايروحوا فين بعد كده ؟
-على الأحداث يا هانم

مطت هي شفتيها للأمـــام ، وبنبرة مهتمة تابعت بـ :
-مممم.. طيب الجمعية عندنا حابة إنها تساعد الأطفال دول واللي زيهم !

نظر الظابط أمامه ليتفقد المكان جيداُ – وكذلك ما يقوم به رجال الداخلية – وأجابها بـ :
-حضرتك تقدري تتكلمي مع الجهات المختصة زي الشئون الإجتماعية وغيرها وهما هيفيدوكي أكتر مني

تسائلت هياتم بإهتمام بـ :
-طيب وكبار السن ؟ بتعملوا فيهم ايه ؟
-والله إحنا آآآ...

لم يكمل الضابط جملته حيث قاطعه أحـــد الضباط – ذو رتبة أقل – بـ :
-باشا ..
-سيبني ماسكني ليه
قالتها تهاني وهي تحاول تحرير ذراعها من قبضة الضابط الأخــر الذي لم أمسك بها ..

نظر الضابط بإشمئزاز لها ، وبنبرة متأففة تسائل بـ :
-إيه دي كمان ؟
-لاقيتها يا باشا أعدة عن المقلب اللي هناك ده

رمقها الضابط بنظراته الإحتقارية ، ثم بنبرة صارمة آمره بـ :
-طب حطها في البوكس لحد ما نشوف إن كان ليها ملف عندنا في القسم ولا آآ..

تنحنحت هياتم بصوت مرتفع نسبياً لتقاطعه بـ :
-بعد إذنك يا فندم
-ايوه يا هانم !
-ممكن تديني الـ case ( الحالة ) دي ، وأنا هاتعامل معاها

هـــز الضابط رأسه بالنفي وهو يرد عليها بـ :
-ماينفعش

تلوت تهاني بذراعها بإنفعال محاولة تخليص نفسها منه ، ثم بصوت شبه راجي ونظرات مصدومة قالت :
-أنا معملتش حاجة ، ماسكني ليه ، هما اللي خدوا كل حاجة مني ، خدوا عيالي ، وخدوا فلوسي ، أنا مظلومة ، أنا آآآ..
-اسكتي يا ولية
نهرها الضابط بصوت قوي وهو يجذبها للخلف

وضعت هياتم يدها على ذراع الضابط لتلفت إنتباهه لها ، ثم توسلت له بـ :
-لو سمحت يا فندم ، دي باين عليها مريضة عقلية ، أنا بصفتي مسئولة في الجمعية الخيرية بتاعتنا بأطلب من حضرتك تخليني أتولى رعاية الحالة دي

رمقها الضابط بنظرة محذرة ، فأبعدت هي يدها في حرج ، ثم تابع ببرود بـ :
-يا هانم دي أشكال **** تربية شوارع ، اللي هاتعمليه معاها هايكون على الفاضي ، دول ولاد حرام

وضعت هي يدها أمام وجهه لتبرر موقفها بـهودء بــ :
-بعد إذنك يا باشا ، ده دورنا في المجتمع إننا نعالج الحالات اللي زيها كده ، دي ممكن تكون مشكلتها بسيطة تتحل بعلاج نفسي ، وإحنا كمؤسسة خيرية مش بنتأخر عن مساعدة أصحاب الحالات الخاصة زي أطفال الشوارع ، أو كبار السن اللي ممكن يكون ولادهم رموهم في الشــارع

زفـــــر الضابط في ضيق قبل أن يتشدق بـ:
-يا مدام إنتي مش فاهمة حاجة
-لأ حضرتك ده عمل إنساني بحت ، وحضرتك تقدر تشارك بده
قالتها هياتم بإعتراض شديد وهي تنظر ناحية تهاني ..

تجهم الضابط أكثر ، ثم بنفاذ صبر قال لها :
-والله زي ما قولتلك في جهات رسمية هي اللي لازم تتعامل مع المسائل دي ، أنا أخري ألم الأشكال دي من الشوارع وأحطها في الحجز

هزت هياتم رأسها موافقة وهي ترد بجدية بـ :
-طيب تمام ، أنا هاتعامل رسمي مع الموضوع ده ، والست المريضة دي هاتكون تحت رعاية جمعيتنا الخيرية ، وهاثبت لحضرتك دورنا وهدفنا هايتحقق إزاي معاها ومع اللي زيها
-وماله .. !

ثم تركها الضابط وانصـــرف ليتابع عمله .. في حين وقفت هياتم في مكانها وهي تلاحق بنظراتها تهاني المتجهة إلى سيارة الشرطة ، ثم بنبرة عازمة تعهدت بـ :
-ممممم .. مافيش قدامي غير إني أبلغ ناريمان بصفتها رئيسة الجمعية إنها تساعدها ، وتجيب للظابط الرزل ده الطلب رسمي ........................................................ !!
في منزل تقى عوض الله ،،،،

جذبت الجارة إجلال السكين من يد فردوس ذات الملامح المصدومة ، ثم ألقتها على الأرضية ، ومن ثم وضعت يديها على ذراعيها وهزتها بعنف وهي تصرخ فيها بـ :
-جالك قلب تقتليها ؟ طب ليه ؟؟ هــا ليييه ؟
-هي .. هي .. بـ.. آآ... باعت نفسها للـ آآ..
غمغمت فردوس بكلمات غير واضحة ، فلم تتمكن إجلال من فهم ما تقول فسألتها بـ :
-انتي بتقولي ايه ؟

نظرت فردوس حولها بأعين زائغة وحاولت أن تبرر لها فعلتها بـ :
-أنا كنت آآ..
-إنتي قتلتي بنتك الوحيدة من غير ما تتأكدي من أي حاجة ، حرام عليكي يا فردوس ، تقى ماتستهلش ده منك ..!!!!

بدأ الجيران يتجمعون بداخـــل المنزل والفضول يعتريهم لمعرفة ما الذي حدث .. وســـادت حالة من الهرج والمرج في البناية كلها ، وانتشرت بعض الشائعات حول علاقة آثمة بين تقى وأحــد الأثرياء تسببت في مقتلها على يد والدتها ...

................................

حــــزم مهاب أمتعته – وكذلك أمتعة زوجته وليان – ووضعهم بداخل صندوق السيارة ، ثم دار حولها ، وركب في المقعد الأمامي ، وإنتظر قدوم زوجته ناريمان التي كانت تتهادى في خطواتها وهي تسير عابسة الوجه نحوه ..
جلست هي إلى جواره ، ولم تنطق بكلمة ، وإكتفت بالتحديق امامها وهي تضع نظارتها القاتمة ..
لحظات وإنضمت إليهما ليان التي كانت في حالة شرود جلية ..
لم يعرف مهاب ما الذي حدث لها لكي تتبدل من حالة النشاط والحيوية لتلك الحالة المريبة ..
ولكنه عقد العزم على معرفة كل شيء فور عودته للقاهرة ..
أغلقت ليان باب السيارة ، ووضعت السماعات في أذنها ، وقامت بتشغيل الأغاني الصاخبة لتنفصل عما حولها ، ثم أنزلت نظارتها على عينيها ، لتخفي عبراتها التي تذرف رغماً عنها كلما تذكرت ما حدث معها وكيف أنها وقعت بسهولة ضحية أكذوبة غبية ..

أدار مهاب محرك السيارة ، ثم بنبرة جافة تسائل بـ :
-كله جاهز ؟
-أهــا .. يالا
قالتها ناريمان بنبرة غير مكترثة وهي تتفقد محتويات حقيبة يدها ..

نظـــر مهاب من مرآة السيارة الأمامية إلى ليان القابعة في الخلف ، وبصرامة سألها بـ:
-ليان كل حاجتك معاكي

لم تجبه هي ، وإكتفت برسم إبتسامة مصطنعة على ثغرها وهي توميء برأسها ..

إنطلق مهاب بالسيارة في اتجاه الطريق الرئيسي المؤدي إلى القاهرة ..

وقف ممدوح من على بعد يراقب الجميع بنظرات جـــادة وهو عاقد لساعديه أمام صدره ، ثم حدث نفسه بـ :
-مش هاتعرف تهرب من قدرك يا مهاب ، أنا برضوه هافضل وراك ..!!!
..........................

رن هاتف ناريمان فتجاهلت النظر إليه في البداية ، فرمقها مهاب بنظرات مهينة قبل أن يسألها :
-مش عاوزة تردي ليه ؟
لم تنظر له ناريمان ، وإكتفت بلوي شفتيها وهي تجيبه بـ :
-عادي يعني

مط مهاب شفتيه للأمـــام في استنكار ، ثم بنبرة متهكمة تابع بـ :
-أكيد طبعا صديق العيلة الوفي عاوز يطمن على أحوالك إنتي وبنتي

-يووه يا مهاب ، خلاص بقى ، مش عاوزة أتكلم في الموضوع ده ، قولتلك 100 مة إن مافيش حاجة بيني وبينه
-عليا برضوه !
-والله براحتك ! عاوز تصدق صدق ، مش عاوز It's up to you ( راجع لك )
-طيب
قالها مهاب بعدم إقتناع ، ولكن فقط لكي يوقف الجدال حالياً ، فهو في حالة مزاجية لا تسمح بالمشاجرة ، خاصة وأنه سيقود بنفسه السيارة لمسافة طويلة ..

تكرر الإتصال مجدداً ، فإلتفت مهاب برأسه قليلاً ناحيتها ، وأصدر صوتاً متحشرجاً ، وتمتم بكلمات مبهمة ، ولكن لم تهتم زوجته به ..
ثم رن الهاتف للمرة الثالثة فنفخت هي في إنزعاج ، وأخرجته من داخل حقيبتها ، ونظرت إلى شاشته فوجدت أن المتصلة هي هياتم ..
لوحت ناريمان بالهاتف في وجه زوجها وهي تتشدق بـ :
-دي هياتم اللي بتتصل
-مممم.. طب ما تردي عليها
-لأ ، ماليش مزاج
-شوفيها ، ولا انتي آآآ...

زفرت ناريمان في ضيق ، وضغطت على زر الإيجاب - فقط لتتجنب تلميحات زوجها المزعجة ، ثم وضعته على أذنها ، وبهدوء مصطنع أجابت بـ :
-ألوو..
-ايه يا ناريمان ، مش بتردي ليه على الفون ؟

أجابتها هي ببرود تام بـ :
-سوري يا هياتم ، مسمعتش

هزت هياتم رأسها ، ثم بهدوء تابعت بـ :
-أوكي .. مش مشكلة ، بس إنتي فين دلوقتي ؟
-مع مهاب وليوو في الساحل
-مممم.. طيب بصي أنا كنت عاوزة منك خدمة بصفتك رئيسة الجمعية

تنهدت ناريمان في إنهاك ، ثم بصوت شبه منفعل أردفت بـ :
-هياتم أنا مش فاضية لأي حاجة دلوقتي ، بليز استني اما أرجع وابقي قوليلي على كل حاجة !
-دي حاجة مهمة ومش هاينفع تستنى يا نيرمووو !

ثم صمتت للحظة قبل أن تكمل بنبرة ماكرة بـ :
-ما إنتي عارفة أنا مش بأتصل غير في المهم وبس

عضت ناريمان على شفتيها ، وزفرت في إرهاق ، ثم تسائلت بـ :
-حاجة إيه دي ؟

تنحنحت هياتم قبل أن تجيبها بـ :
-أنا كنت عاوزاكي تخلصيلي موضوع واحدة ست مسنة عاوزة معونة وآآ..

قاطعتها ناريمان بنفاذ صبر بـ :
-بليز هياتم شوفي ايه المطلوب وابعتيلي الأوراق وأنا هامضي عليه من غير ما تصدعي دماغي بالتفاصيل المملة
-اوكي .. بس أنا كنت حابة أعرفك آآ..

قاطعتها هي مجدداً بصوت جـــاد بـ :
-حبيبتي احنا الاتنين واحد ، والجمعية بتاعتنا كلنا
-تمام ، أنا هاظبط كله ، وأجهز الورق على توقيعك
-Deal ( متفقين ) ، يالا باي
-باي

-أووف ، بجد حاجة تخنق ، ده وقت جمعية وقرف
قالتها ناريمان وهي تعيد هاتفها داخل الحقيبة ، ثم استدارت للجانب لتنظر للطريق من النافذة ..
راقبها مهاب من زاوية عينه ، وحدث نفسه بـ :
-مش هترتاحي يا ناريمان إلا لما تهدي المعبد على اللي فيه ، كل اللي عملته عشانك في سنين ، هتهديه بسبب غبائك في لحظة ..!!!

............................

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي ،،،،

قرعت أم بطة الجرس ، وانتظرت أمـــام الباب ريثما يفتح لها أي أحد بالداخل ..
لوت هي فمها لأكثر من مرة في إزدراء وهي تتفحص الباب ، ثم حدثت نفسها بـ :
-ياختي مالهم مش بيفتحوا ليه ؟ يكونوش نايمين لحد الوقتي ! بس اللي أعرفه إن إحسان مش بتنام أبداً وبتصحى من الفجر

بعد عدة دقائق فتحت لها إحسان الباب وهي تعدل من وضعية حجاب رأسها ، ونظرت لها بإحتقار قبل أن تقول :
-هو إنتي ؟

ابتسمت لها أم بطة إبتسامة زائفة ، ثم فتحت ذراعيها في الهواء ، وإقتربت منها لتحتضنها ، ثم قبلتها من وجنتيها وهي تتحدث بـ :
-صباحية مباركة يا أم العريس
-الله يبارك فيكي

إبتعدت هي عنها ، ونظرت لها بنظرات عادية قبل أن تتابع بحماس بـ :
-أنا جاية من بدري ومعايا فطور العرايس عشان ياكلوا ويتبسطوا كده

مالت إحسان برأسها للجانب لتتفقد الحقائب البلاستيكية وتحصرهم سريعاً بعينيها قبل أن تجيبها بـ :
-أه وماله .. خشي

ولجت أم بطة لداخل المنزل بعد أن ناولت إحسان الحقائب ، ثم جلست في الصالة على الأريكة العريضة وثنيت ركبتها أسفل جسدها بعد أن نزعت ( شبشبها ) ونظرت حولها بتفحص ، ثم سألتها:
-اومال العرايس لسه نايمين ؟

جاءت إليها إحسان وهي تحمل صينية صغيرة بها كوب صغير موضوعاً في منتصفها ، و ممتليء لثلاثه أرباعه ، وأجابتها ببرود بـ :
-أه ..

مــدت أم بطة يدها لتتناول الكوب ، ثم تنحنحت في حرج مصطنع ، وتابعت بـ :
-إحم .. نوم العوافي يا رب عليهم ..!

إرتشفت هي بعضاً من المشروب الفاتر ، ونظرت مجدداً لإحسان التي جلست إلى جوارها وتثاءبت لأكثر من مرة أمامها .. فشعرت هي بالخجل منها ، وترددت أن تسألها عنهما ، وفركت أصابع يدها من التوتر .. وصمتت قليلاً ..
ســـاد الصمت لعدة دقائق بينهما ، فقطعته إحسان في النهاية بـ :
-نورتي
-إحم .. ده نورك يا حبيبتي
-أها ..
شعرت أم بطة أن وجودها ربما يكون غير مرغوب به إذا ما ظلت صامتة ، خاصة وأن ردود إحسان عليها كانت مقتضبة للغاية .. لذا بادرت بـ :
-معلش كده يا ست إحسان تشأري على العرايس كده وتشوفيهم إن كانوا صحيوا ولا لأ .. أصل أنا .. كنت يعني .. آآ..

نهضت إحسان بجسدها المترهل من على الأريكة ، ثم قالت بفتور :
-مش محتاجة تقولي ، أديني رايحة اشوفهم

-تسلم رجليكي يا رب
قالتها أم بطة وهي تزم شفتيها في رضــا زائف ..
وما إن إبتعدت إحسان ، وتوارت عن أنظارها حتى بصقت هي على جانبها في تهكم صريح ، ثم حدثت نفسها بـ :
-قطيعة ولية بوزها شبرين ، ياباي .. كويس إني مش هاجي هنا إلا قليل ، يدوب أطمن بس على البت وأمشي .....!

.............................

في البناية المتواجد بها منزل تقى ،،،،

وصــــل الشيخ أحمد إلى البناية وتفاجيء بالحشد الغفير الموجود في مدخلها منذ أن ولجها ، وكذلك على الدرج القديم ، فحــاول أن يمر بين الجيران وأبناء الحي ليصعد للأعلى ، ثم تملكته الحيرة ليعرف ما يدور ، فرأى الجارة حكمت تقف مع بعض النساء ، فوقف على مقربة منهن وسألهن بـ :
-في ايه حصل هنا ؟

إستدارت إحداهن نحوه ، وأجابته بـ :
-دي الست فردوس قتلت بنتها !

اتسعت عيني الشيخ أحمد في صدمة ، ورفع حاجبيه للأعلى في عدم تصديق ، وبصوت مشدوه صاح بـ :
-يا ساتر يا رب ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، طب ليه كده بس ؟

اقتربت منه حكمت ، وبنبرة لئيمة أجابته بـ :
-محدش عــارف ، بس كلام في سرك يا شيخ بيقولوا إنها ظبطتها مع عشيقها

حدجها الشيخ أحمد بنظرات قوية وحذرة قبل أن ينطق بـ :
-لا إله إلا الله ، بلاش الكلام ده يا ست حكمت ، إن بعض الظن إثم

مطت حكمت شفتيها في إستنكار ، ثم بصوت عابث ردت بـ :
-هو أنا اللي بأقول كده ، ده هي اللي عمالة تبرطم وتقول الكلام ده عليها
-برضوه مايصحش نخوض في الأعراض
قالها الشيخ أحمد محذراً وهو يشير بيده الممسكة بالمسبحة

هزت هي كتفيها في تهكم ، ثم قالت بتبرم :
-يا شيخ متحبكهاش أوي ، ماهو النسوان أهوم كانوا واقفين وشافوا اللي حصل ، إنت نفسك يا شيخنا جاي عشان كده أكيد

أجابها هو بصرامة جلية بـ :
-لأ طبعاً
-طب جاي ليه يا شيخنا ؟

أطرق الشيخ أحمد رأسه للأسفل في حزن قبل أن يجيب بصوت آسف بـ :
-أنا كنت جاي عشان أبلغ الست فردوس إني عرفت مكان جوزها عم عوض

حدقت فيه حكمت بعينين متسعتين ، ثم قالت له ساخرة :
-ايه ؟؟ عرفت مكانه ، شوف الحظ ! يعني فردوس يوم ما تعرف مكان جوزها ، تقتل بنتها ..!
-يا ست حكمت ربنا يهديكي ، كفاية بقى شماتة في الناس
-أنا بأشمت ، أعوذو بالله ، أنا بس بـ آآ..

قاطعها هو بصوت جاد بـ :
-خلاص يا ست حكمت ، عن إذنك أما أشوف هاتصرف إزاي

لوت هي زاوية فمها في استهزاء ، ثم قالت :
-اتفضل يا شيخنا ..

صعد الشيخ أحمد على الدرج ليتجه لمنزل تقى ، في حين تابعت حكمت بنبرة شامتة بـ :
-على فكرة البوليس زمانته على وصول ، وهايجي يحط الكلابشات في إيد فردوس ، فمش هتلاقي حد أصلاً تكلمه
-سبيها على الله ، وإدعيلهم ربنا يفك ضيقتهم

إدعت هي الحزن وهي تتشدق بـ :
-صدقني يا شيخنا .. ده أنا بأدعيلهم من قلبي

رمقها الشيخ أحمد بنظرات إحباط قبل أن يرد عليها بـ :
-ماهو باين ....!

...............................

عند مشفى الجندي الخـــاص ،،،،

صف أوس سيارته أمـــام مدخل المشفى بطريقة مفاجئة ، فإنتبه له الحرس المتواجد بجوار البوابة ..
ثم ترجل من السيارة ولم يغلق بابه الجانبي ، ودار سريعاً حولها ، وفتح الباب ، ثم إنحنى بجذعه للأسفل ، وحــل حزام الآمــان عن تقى التي لم يكف عن متابعتها طــــوال الطريق إلى مشفى عائلته الخــاص ..
وضع أوس يده خلف ظهرها بعد أن أمــالها قليلاً للأمـــام ، فإرتدت رأسها على كتفه ، فنظر إليها عن كثب لثوانٍ ، ثم وضع يده الأخــرى أسفل ركبتيها ، وبكل رفق وحــذر حملها بين ذراعيه إلى خـــارج السيارة ..
ثم ســــار بها نحو البوابة ، وبصوت جهوري آمـــر صاح بـ :
-هاتلي أكبر دكاترة هنا
-حاضر يا باشا

ركض عدد من الممرضين ، وهم يجرون ( سريراً معدنياً ) نقالاً ، ناحية أوس ، ثم أشـــار أحدهم له بيده وهو يقول :
-حطها يا أوس باشا على التروللي

أسند أوس تقى بحـــذر على السرير النقال ، وتوقف ليلتقط أنفاسه ريثما ينتهي الممرضين من تعديل وضعيتها عليه ، ثم ركض الجميع بها داخـــل إستقبال المشفى ...

تبعهم أوس بخطوات أقرب للركض ، ولأكثر من مرة حــاول أن يرى وجهها الذي إزداد ذبولاً وبرودة ..
تعالت صيحات الأطباء الذين جاءوا للمساعدة فور أن علموا بتواجد أوس الجندي بالمشفى ..
وسريعاً تشكل فريق طبي لفحصها ومعالجتها ..
وقف أحـــد الأطباء قبالة أوس ، وبتردد طلب منه :
-ممكن حضرتك تتفضل ترتاح ، وإحنا هانقوم بالواجب

حدجه أوس بنظراته القوية ، وبصرامة أجابه بـ :
-انت مش ولي أمري عشان تقولي أعمل ايه
-آآ.. أسف يا فندم ، أنا .. أنا غرضي راحتك
-راحتي في إنك تعالج تقى فوراً ، إتفضل
قالها أوس وهو يصرعلى أسنانه ونظراته المحتقنة موجهة إلى الطبيب الشاب ...
-حـ.. حاضر

تحرك أوس للأمـــام ليلحق بتقى التي ولجت مع الأطباء والمرضى إلى غرفة العمليات ، ووقف هو أمـــام بابها يراقب ما يحدث بتوتر شبه ملحوظ ..
جــائه أحد السعاة وهو يحمل كوباً من العصير البارد ، ثم وقف خلفه ، وبنبرة هادئة قال :
-اتفضل يا أوس باشا ، العصير ده عشان يروق دمك
-مش عــــــاوز حاجة ، غور من وشي ...!!!!
قالها أوس بعصبية وهو يقذف بيده الصينية الموضوع بها كوب العصير ، فسقطت على الأرضية الرخامية ، وتحطمت ..
إنتفض الساعي مذعوراً من ردة فعله المخيفة ، وتوجس خيفة من أن يجمع حتى حطــام الكوب المكسور ، وتراجع للخلف متوراياً عن ناظريه ..

وبالفعل طـــوال الساعات اللاحقة تجنب معظم العاملون بالمشفى الحديث مع أوس حتى لا يصب جـــام غضبه عليهم إلى أن خـــرج أحد الجراحين من الداخل وهو مطرق الرأس و...................................... !!!
في منزل عبد الحق بالزقــــاق ،،،

وقفت إحســـان أمام باب غرفة نوم إبنها عبد الحق ، وطرقت عليه بطرقات شبه مزعجة ، وهي تصدح بـ :
-واد يا عبده ، ( طق – طق ) إصحى بقى ، بت يا بطة أمك هنا عاوزة تشوفك ، كل ده نوم ( طق – طق ) ، إنت ياض .. !!

ثم حدثت نفسها بتهكم بـ :
-أعوذو بالله عليك ، خُم نوم !!

نفخت هي في ضيق زائف ، وتمطعت بذراعها قبل أن تطرق بكفها على الباب مجدداً وهي تنادي بـ :
-إنت يا واد ، الجيران صحيوا وإنتوا لسه نايمين !!

...............
تململ عبد الحق في الفراش ولم يفتح عينيه بعد ، ومسح بأصابعه على الجانب محاولاً إيقاظ زوجته بطة ، ولكنه وجـــد مكانها بارداً ، ففتح عينيه على عجالة ، ورفع رأسه قليلاً ليراها ..
-راحت فين دي ؟

تثاءب عبد الحق بصوت مشمئز قبل أن يعتدل قليلاً في نومته ، ثم وضع يده على رأسه وحكها لعدة مرات ، وبصوت شبه ناعس ومتحشرج صاح بـ :
-طيب يامه

-إنجز يالا ، حماتك أعدة مستنياكم من بدري
قالتها إحسان قبل أن تسير مبتعدة عن الباب
-جايين أهوو ..

دعـــك عبد الحق وجهه براحتي يده ، ثم دقق النظر فوجد زوجته غافلة على أرضية الغرفة وهي مازالت ترتدي فستان الزفـــاف ، فحرك نفسه على الفراش ، ثم مــد قدمه ناحية ذراعها ، ولكزها به عدة مرات لكي يوقظها وهو يقول لها بصوته الآجش :
-بطة .. يا بطة .. أمك جت

فتحت بطة عينيها ببطء ، وتثاءبت قليلاً قبل أن تدرك أنها قد غفت بالفعل على الأرضية ، ثم تأوهت من الآلم وهي تحـــاول النهوض من عليها ..
-هو إنتي نمتي بفستانك ؟
سألها عبد الحق بصوته الناعس والمتحشرج

رمقته بطة بنظرات حاقدة قبل أن تجيبه بنبرة غليظة بـ :
-أه .. عندك مانع
-لأ .. مش فارق معايا ، أنا هاخش الحمام وأروح أفطر ، شوفي إنتي هاتعملي ايه مع أمك

نظرت هي شزراً له ولم تعقب ، في حين توجه هو إلى باب الغرفة ، وخرج منها ، وأغلق الباب خلفه ..
وضعت بطة يدها على عنقها لتدعكه حتى يلين التيبس الموجود به بسبب نومتها الخاطئة عليه ، ثم نظرت إلى هيئتها في المرآة ، فوجدت السواد يكسو أسفل عينيها ، وكذلك بقايا مساحيق التجميل ، فتنهد في إنهاك ، وحدثت نفسها بتذمر بـ :
-والله ما منظر عروسة يوم صباحيتها أبداً

تفحصت هي وجهها بتمعن شديد ، وظلت تمسح بيدها أسفل عينيها ، وعلى جفونها ..
ثم تنبهت لصوت الطرقات الخافت على باب الغرفة ، فزفرت في غضب ، وصاحت بـ :
-أيوه صحيت ، شوية وهاجي ، الله !

ثم رأت والدتها تدلف إلى داخـــل الغرفة ، فجحظت بعينيها في عدم تصديق ، ثم تهللت أساريرها لرؤيتها ، وركضت في اتجاهها وهي تجر فستانها قائلة :
-أمـــه !

فتحت أم بطة ذراعيها لترتمي إبنتها في أحضانها ، وبقيت هي فيه لفترة ..
أغمضت بطة عينيها ، وتركت لعبراتها الفرصة لتنهمر على وجنتيها .. هي لا تعرف ماهية تلك العبرات ، هل هي فرحة لرؤيتها إياها ، أم أنها معاتبة منها لما فعلته بها ..
ربتت أم بطة على ظهر إبنتها ، وضمتها أكثر إليها ، ثم بنبرة هادئة قالت لها :
-وحشتني يا عروسة
-وإنتي كمان يامه

أبعدت أم بطة ابنتها عن حضنها ، ثم وضعت كفي يدها على وجنتيها ، ومسحت بهما عبراتها المنهمرة ، ونظرت لها بحنو ، وبصوت خافت سألتها بـ :
-مالك بس يا بطة ؟ شكلك عامل كده ليه ؟

ثم أمعنت النظر في ملامحها جيداً ، ونظرت إلى فستانها ، فإنتابها القلق والحيرة ، وسألتها بإرتباك بـ :
الله ! إنتي مغيرتيش فستانك !! زايه بس اللي مبهدلك كده يا بت ؟؟

ابتلعت بطة غصة في حلقها ، ونظرت إلى والدتها بجدية ، ثم بنبرة ضائقة أردفت بـ :
-يعني يامه مش عارفة هما عملوا ايه فيا ؟
-عملوا ايه ؟ ما تقولي يا بت ، هو أنا هاخد الكلام بالعافية منك !!

عضت بطة على شفتيها في حنق ، ثم ســارت للأمــام خطوتين ، وأولت ظهرها لوالدتها ، وكورت قبضة يدها في توتر .. ثم أطرقت رأسها للأسفل وهي تقول بصوت مختنق :
-خلوني أدخل على عبده دخلة بلدي
-إيييييييه !!
قالتها بطة بصوت مصدوم للغاية وهي تتأمل هيئة ابنتها ..

أجهشت بطة بالبكاء وهي تســـرد لوالدتها ما حدث معها بالأمس ، ونظرت إليها بعينيها المغرورقتين بالدموع لتتابع ردة فعلتها ..
أصغت إليها أم بطة بإهتمام شديد ، ولم تنبس بكلمة ، ولكن تبدلت ملامح وجهها للتجهم والسخط
إنتهت بطة من حديثها بعد أن تقطع صوتها لعدة مرات وهي تتذكر كيف كانت واقعة بين براثن ذئاب لا تعرف الرحمة أو الشفقة يذبحون برائتها ويغتالون إنسانيتها بدم بـــارد ...
إنتظرت هي لوهلة لتعرف بماذا ستجيبها والدتها ، ولكن كانت الصدمة بالنسبة لها حينما أردفت والدتها بـ :
-طب غيري هدومك

اتسعت عينيها في صدمة كبيرة ، وفغرت شفتيها وهي تقول :
-هـــاه ..آآ.. ايه ؟

أشاحت أم بطة بعينيها بعيداً عن عيني إبنتها ، واتجهت ناحية خزانة الملابس ، وفتحت ضلفتها ، ثم بنبرة جامدة تحدثت بـ :
-مش معقول في عروسة يوم صباحيتها تطلع تقابل أهل جوزها بالشكل ده ، عاوزاهم ياكلوا وشي !

شعرت بطة بالمرارة تجتاح حلقها ، ونظرت إليها بيأس وهي تهدر متسائلة بـ:
-ايه اللي تقوليه ده يامه .. إنتي .. انتي عارفة دول .. دول عملوا ايه ؟

استدارت والدتها لتواجهها بتعابير وجهها الغير مقروءة ، ثم بكل برود أجابتها بـ :
-يعملوا اللي يعملوه ، دول أهل جوزك ، وإنتي ملزمة منهم دلوقتي ، ومن حقهم يتصرفوا معاكي زي ما يشوفوا
-انتي اللي بتقولي كده
قالتها بطة بإستياء وهي تدمع بعينيها ..

ظلت والدتها على حالة الجمود تلك ، ثم بآمرتها بـ :
-ايوه .. ويالا غيري هدومك دي

إنتحبت بطة وهي تحاول الاستنجاد بوالدتها لكي تنقذها من تلك العائلة ، ولكن بدون أي جدوى ، ولكن رغم هذا توسلت لها بـ :
-يامه .. ده أنا .. آآ.. ده أنا بـآآ.. بنزف دم من إمبارح ، وموجوعة ومحدش حاسس بيا

ابتسمت لها من زاوية فمها ، ثم بصوت جاف أردفت بـ :
-عادي .. يومين وهتروقي وتبقي قردة ومافكيش حاجة

حدجتها بطة بنظرات إحباط وهي تسألها بيأس بـ :
-إنتي شايفة كده يامه ؟!
-ايوه ، كل البنات بيبقوا كده في الأول ، وبعد كده بتلاقي وشهم منور وجسمهم إدور بزيادة ، وجوم على الجواز
-كتر خيرك يامه ..
قالتها بطة بصوت مختنق ، وبدأت تبكي بصوت مكتوم ..

شعرت أم بطة بإنقباضة في قلبها ، وحاولت أن تبدو جامدة أمامها ، فاقتربت منها ، ووضعت يدها على كتفها ، ويدها الأخرى على ذقنها لترفع رأسها للأعلى ، ونظرت لها بنظرات أمومية وقالت بصوت محذر :
-يابت أنا عاوزة مصلحتك ، لو أنا عملت مشكلة الوقتي ، أمه هترميكي في الشارع ، وهاتطلقي وأنا مش ناقصة غلب على اللي عندي ، أنا مصدقت جوزت واحدة ، الله يعيني على الكوم اللي ناقص

أبعدت بطة يدي أمها ، ونظرت لها بجمود ، ثم بصوت متصلب ردت بـ :
-خلاص يامه ، معدتش ليه لازمة الكلام ، سيبني أغير هدومي

.............................

في مشفى الجندي الخــــاص ،،،،

خــــرج أحد الأطباء من داخل غرفة العمليات وهو مطرق الرأس ، ثم بصوت شبه أسف تحدث بـ :
-أوس باشا

وقف قبالته أوس ، ولم يرمش بعينيه ، ولكن نظراته كانت توحي بالقلق البالغ على تقى ، وبصوته الغليظ تسائل بـ :
-ها ؟ أخبارها إيه ؟

تنحنح الطبيب قبل أن يجيب بنبرة هادئة بـ:
-والله هي الحالة مش مستقرة ، وخصوصا إنها نزفت دم كتير

كانت نظرات أوس قاتمة خالية من الحياة حينما سأله مجدداً بصوت متشنج بـ:
-يعني انتو خلصتوا جوا معاها ؟!!

رمش الطبيب عدة مرات قبل أن يجيب بهدوء حذر بـ :
-لأ لسه ، أنا قولت أطمن حضرتك على حالتها ..

حدجه أوس بنظراته الصارمة قبل أن يسأله بشراسة وهو يصر على أسنانه بـ :
-يعني هي هاتعيش ؟

مط الطبيب فمه ، ثم هز كتفيه وأجابه بعدم إكتراث بـ :
-والله دي حاجة بتاعة ربنا

إنفعل أوس فجأة وأمسك بياقة الطبيب ، وجذبه بعنف منها ناحيته ، وهزه بعصبية عدة مرات ، ثم نظر مباشرة في عينيه بنظرات مخيفة قبل أن يهدر بطريقة هيسترية بـ :
-أنا عاوزها تعيش ، انت فاهم ، عاوزها تعيش ، ماينفعش تموت دلوقتي ، مش بمزاجها تسيبني وتموت ، سامعني ...!

حـــاول الطبيب أن يتخلص من قبضتي أوس المحكمتين عليه ، وبصوت مختنق حاول أن يبرر له :
-يا باشا ... إحنا .. إحنا عملنا اللي علينا ، وحياتها أو آآآ... موتها بإيد ربنا

هزه أوس بعنف قبل أن يصرخ بعصبية بـ :
-بس انت هنا ملزم تخليها تبقى كويسة ، سامعني !!!

حرك الطبيب رأسه عدة مرات موافقاً ، ثم بصوت مضطرب رد عليه بـ :
-حاضر .. حاضر ، أنا على العموم كنت رايح بنك الدم عشان أطلب نوع فصيلتها ، لإنها محتاجة نقل دم

أرخى أوس قبضتيه عنه ، ثم بصرامة آمره بـ :
-اتصرف وشوف شغلك ، وماتطلعش من أوضة العمليات إلا لما تطمني عليها
-أوامرك
قالها الطبيب بنبرة مرتجفة ، ثم عـــدل من وضعية ملابسه الطبية الخضراء ، وســـار في اتجاه الرواق مبتعداً عنه ..
وقبل أن يختفي الطبيب تماماً ، سأله أوس بصوت مرتفع بـ :
-هي فصليتها ايه ؟

استدار الطبيب بجسده لينظر إليه قبل أن يجيبه بنزق بـ :
- O سالب

اتسعت عيني أوس إلى حـــد ما ، وإرتخى فمه للأسفل قليلاً ، وقال بخفوت :
-هــــاه ، O سالب

عاود الطبيب أدارجه ، وبنبرة هادئة تابع بثقة بـ :
-دي فصيلة نادرة شوية ، بس أنا هاتصرف يا أوس باشا وهحاول أوفرها للمريضة
-أنا فصيلتي زيها
قالها أوس بصوت جـــاد وهو يضغط على كل كلمة .. فنظر له الطبيب بنظرات تشع بالأمل قبل أن ينطق بحماس بـ :
-بجد .. طب ده عظيم أوي ، لو مافيهاش مانع ، إحنا ممكن ناخد من حضرتك آآآ..
-خد اللي انت عاوزه ، مش فارق معايا ، أنا اللي يهمني حاجة واحدة بس ، تقى تعيش
-تمام يا باشا ، اتفضل حضرتك معايا

تحرك أوس أولاً وقد عقد العزم على فعل أي شيء لضمان بقاء تقى على قيد الحياة ، حتى لو تطلب الأمــر منه أن يفعل ما لم يتخيل أن يفعله لإمرأة قط ..
لحق به الطبيب دون أن ينطق بأي شيء ، ولكنه كان يتابع بإهتمام ردود فعله الغير مبررة على الإطلاق مع فتاة لا تبدو من مستوى عائلته المرموقة ...
........................

في منزل تقى عوض الله ،،،

إنتهى أفراد الشرطة وكذلك رجـــال المباحث الجنائية - بالإضافة إلى وكيل النيابة - من معاينة مكان الجريمة وأخــذ أقوال جميع الجيران والمقربين من عائلة تقى عوض الله فيما حدث ..
جلست فردوس على الأريكة القديمة غير مصدقة ما فعلته بإبنتها ..
كانت معظم الوقت تجيب بكلمات مقتضبة أو غير مفهومة .. لم يشفق عليها أي أحـــد .. فأي أم هي تلك التي تقتل ابنتها دون أن تنتظر أن تدافع عن نفسها ..
تهامست بعض الجارات فيما بينهن بكلمات مسيئة عن تقى ووالدتها ، وبدأن يدعين الأكاذيب عنها ، أردفت إحداهن بـ ...:
-دي كانت بت شمال

مالت جارة أخرى على أذن من تقف إلى جوارها وهمست بثقة بـ :
-لألألأ .. دي أصلا مقضياها مع كل واحد شوية

زمت إحداهن شفتيها في إمتعاض قبل أن تضيف :
-يعني هاتجيبه من برا ، ماهي خالتها كانت كده

ضيقت جــارة رابعة عينيها ، وقطبت جبينها وهي تدافع عن تهاني بـ :
-لأ خالتها كانت مجنونة
هزت إحداهن حاجبها في إستنكار جلي قبل أن تنطق بـ :
-وهي اتجنت من ايه يعني ؟ ده انتي اللي هبلة ، معروف عنهم إنهم عيلة بنت ستين *** !!!

صاح أحد الضباط بنبرة آمرة وهو يشير بيده نحو فردوس بـ :
-حطوا الكلابشات في ايديها وخدوها على البوكس

اقترب منها ضابطين من الشرطة ، وأجبراها على النهوض من على الأريكة ، ثم إقتاداها إلى خـــارج المنزل ..
نظرت هي حولها بأعين زائغة ، وقالت بصوت ضعيف :
-أنا .. أنا .. آآآ.. كنت عاوزة أربيها بس !

رمقتها الجارات المتواجدات بنظرات ما بين شامتة وحاقدة .. ولم تشفق عليها أي واحدة ..
-يالا في داهية ، عقبال كل النسوان اللي زيها
-أيوه ، خلوا البيت ينضف

...........................................

في قصر عائلة الجندي ،،،

ولج مهاب إلى داخـــل القصر بعد أن صف سيارته بالجراج الملحق به ، في حين ركضت ليان على الدرج لتصعد إلى غرفتها ، بينما ألقت ناريمان بجسدها المنهك على الأريكة الذهبية الموجودة بغرفة الصالون ..
رمقها مهاب بنظرات ممتعضة قبل أن يتركها ويتجه إلى مكتبه ويصفع الباب بقوة من خلفه ..

تنهدت ناريمان في ضيق ، ثم بحثت عن هاتفها المحمول في حقيبتها ، واختلست النظرات ناحية باب المكتب قبل أن تحدث نفسها بـ :
-فرصة أطمن ممدوح علينا ، بدل ما أنا أعدة طول السكة مش عارفة أعمل حاجة

وبالفعل اتصلت هي به ، ووضعت الهاتف على أذنها ، وبصوت هامس قالت :
-الوو .. ايوه يا ممدوح .. احنا وصلنا خلاص ..

ثم مطت شفتيها للأمـــام ، وبدت متوترة بدرجة كبيرة وهي تجيبه بـ :
-مممممم..أها ... طيب بكرة هحاول أقابل

هزت هي رأسها موافقة قبل أن تتابع بخفوت بـ :
-اوكي .. اوكي

جاءت المدبرة عفاف إلى غرفة الصالون فلم تنتبه لها ناريمان ، وظلت تتحدث بهمس شديد ، تنحنحت عفاف في البداية ، ووضعت يدها المتكورة على فمها ، ولكن ظلت الأخيرة على وضعها ، فعقدت هي أن تقاطع مكالمتها بصوت شبه عالي بـ :
-ناريمان هانم

إنتفضت ناريمان فزعة في مكانها ، وظنت في البداية أنه مهاب زوجها ، ولكن حينما رأت المدبرة عفاف بالغرفة ، نهرتها بحدة بـ :
-مش تعملي حس ولا تقولي إنك هنا
-أنا أسفة يا هانم .. بس أنا ناديت على حضرتك أكتر من مرة لكن محدش رد
-طيب عاوزة ايه ؟
سألتها ناريمان بصوت منفعل نسبياً بعد أن أغلقت الهاتف ..
-حضرتك تحبي أجهز الغدى ولا آآآ...

قاطعتها ناريمان بصرامة وهي تشيح بيدها في وجهها :
-شوفي مهاب باشا إن كان هيتغدى هنا ولا لأ .. وبعد كده قوليلي
-حاضر يا هانم

ثم سمعت كلتاهما صوت قرع جرس باب القصر ، فإستدارت ناريمان برأسها ناحية باب الغرفة وأمرت المدبرة عفاف بـ :
-روحي شوفي مين
-حاضر
قالتها عفاف قبل أن تنصرف في اتجاه باب القصر ..

بعد لحظات عادت المدبرة عفاف ومعها هياتم التي كانت ترسم ابتسامة سخيفة على وجهها وهي تتحدث بحماس بـ :
-حمدلله على السلامة ، أنا قولت ألحقك قبل ما تروحي حتة تانية

ابتسمت لها ناريمان إبتسامة مجاملة ، ثم أشارت لها بيدها لتجلس إلى جوارها وهي تتحدث بصوت ناعم بـ :
-هاي هياتم ، اتفضلي

جلست هياتم على الأريكة ، ثم أخرجت من حقيبة يدها عدة أوراق مطوية ، ونظرت إليها بثقة قبل أن تبادر بـ :
-مش هاعطلك كتير ، أنا بس عاوزة أخلص من الورق اللي يخص الحالة اللي قولتك عليها

ضيقت ناريمان عينيها في عدم فهم ، وتسائلت بـ :
-حالة ايه دي ؟
-الست المسنة إياها ، إنتي نسيتي ولا ايه ؟!

أرجعت ناريمان رأسها للخلف ، ثم بصوت مرهق ردت عليها بـ :
-أها .. بصي أنا مش فايقة والله لأي حاجة ، بجد تعبانة ومش قادرة من جسمي ، فخلينا نتكلم في الموضوع ده بعدين

توترت هياتم بدرجة كبيرة ، وبتلهف قالت :
-ده أنا خلصت كل حاجة ، مش ناقص غير بس توقيعك
-ممممم...

وجدت هياتم عدم إهتمام من ناريمان بحالة تهاني ، فأخذت نفساً عميقاً وزفرته ببطء لتستعيد هدوئها ، ثم بنبرة جادة أضافت :
-على فكرة في حالات كتير زيها ، ومحتاجة مننا إهتمام ، وأنا ناوية في الاجتماع الجاي أتكلم عن الموضوع ده مع بقية الأعضاء
-خلاص حطيها في جدول الأعمال
قالتها ناريمان بنفاذ صبر وهي تحاول التملص من هياتم .. ثم نفخت لأكثر من مرة أمامها ..

شعرت هياتم أن وجودها أصبح غير مرغوب فيه في الوقت الحالي لذا قالت بإصرار :
-تمام .. اعتبريه حصل ، بس عاوزين نبدأ مع أول حالة من النوعية دي

أدركت ناريمان أنها لن تتخلص من عِناد هياتم بسهولة ، لذا بصوت يائس أردفت بـ :
-اوكي .. فين الورق عشان أوقعه ؟

ارتسمت إبتسامة مشرقة على وجهها ، ثم وضعت الأوراق أمامها ، وبحماس قالت :
-اتفضلي يا ناريمان
-أوكي

فتحت ناريمان الأوراق ، ولم تهتم بقراءة التفاصيل الموجودة بهم ، بل فتحت الجزء الخاص بتوقيع رئيس مجلس الإدارة ، وقامت بإدارج توقيعها .. ثم طوت الأوراق ، ومدت يدها نحو هياتم ، وسألتها بإستغراب بـ :
-اشمعنى الحالة دي يعني اللي مهتمية بيها ؟

أجابتها هي بثقة تحمل الجدية بـ :
-لأن الظابط كان بيتريق على شغلنا ، ومش مؤمن بيه ، وأنا عاوزة أوريه هو واللي زيه إن إحنا أد كلامنا

هزت هي رأسها بطريقة عادية ، ثم بصوت خافت قالت :
-أها .. اوكي

تابعت هياتم باقي حديثها بحماس زائد بـ :
-كمان أنا هايبقى قدامي فرصة حلوة إني أعمل دعاية للجمعية عن طريق الحالة دي ، صحيح أنا عاوزاكي تبقي تشوفيها
-بعدين
قالتها ناريمان بعدم إكتراث ..

اقترحت عليها هياتم بتلهف بـ :
-لو حابة أجيبلك الحالة هنا وآآ..

زفرت ناريمان في إنزعاج واضح ، ثم نهضت عن الأريكة وقالت بنزق :
-يوووه ، هياتم ، بليز أنا لسه راجعة من السفر وتعبانة وعاوزة ارتاح

شعرت هياتم بالحرج ، فنهضت هي الأخرى عن الأريكة ، ونطقت بصوت خجل :
-أووه ، سوري ، خلاص وقت تاني

اقتربت ناريمان من هياتم وقبلتها من وجنتها ، ثم قالت :
-أها .. باي
-باي يا روحي
قالتها هياتم وهي تقبلها من وجنتيها .. ثم تركها وانصرفت من الغرفة ، فزفرت ناريمان في إنزعاج ، ثم قالت بصوت متهكم :
-أل أنا ناقصة أشوف متسولين وشحاتين ، أوووف ...

.......................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،،،،

نفخ فـــــارس الهواء الموجود بصدره ليهديء من حالة التوتر والقلق الشديدة التي تتملكه وهو يقترب من مكتب الإستقبال الموجود ببهو الشركة الضخم ..
كان الإضطراب واضح على تعابير وجهه ، بدت يده ترتجف إلى حد ما ، ثم أخــذ نفساً أخراً مطولاً ، وزفره على مهل ، وحدث نفسه بصوت مسموع بـ :
-اهدى يا أبو الفرس ، خليك كوول كده عشان محدش ياخد باله ، إنت بس سلم الظرف وإخلع على طول

توقف هو أمــــام ذلك المكتب الأنيق ذو السطح الرخامي ، وبصوت متحشرج أردف بـ :
-لو سمحت يا أخ

رمقه الموظف – ذو الحلة السوداء الرسمية ، ورابطة العنق الأنيقة – بنظرات متأففة بعد أن تأمله من رأسه لأخمص قدميه ، ثم لوى فمه في تهكم وهو يرد عليه بـ :
-آخ
-أقصد يا حضرت ، يا كابتن ، يا برنس ، آي حاجة يعني

-إنت عاوز ايه ؟
سأله الموظف بصوت شبه منزعج من طريقته الهمجية

تجشـــأ فارس بصوت مقرف قبل أن يجيبه بـ :
-عاوز أوصل الظرف ده للباشا أوس وبس
ثم أسند مغلفاً مغلقاً من اللون الأصفر على السطح الرخامي ..

حدق الموظف في المظروف ، ثم عاود النظر إلى فارس وسأله بجدية بـ :
-من مين ده ؟

لوى فـــارس فمه بطريقة مقززة وهو يجيبه بـ :
-والله مايخصكش ، دي حاجة تخص الباشا وبس ، وهو مستنيها

حدجه الموظف بنظرات حادة قبل أن يأمره بـ :
-طب هاته ، وانا هاسلمه للسكرتارية

جذب فـــارس المظروف ، ووضعه تحت إبطه ، ثم بصوت غليظ قال :
-لأ .. إيش ضمني إنك توديهوله !

عبس الموظف بملامح وجهه ، وأجابه بنبرة متصلبة بـ :
-حضرتك إنت في شركة محترمة ، مش في محطة مصر

حك فــــارس رأسه بيده عدة مرات ، ثم نظر للموظف بنظرات حائرة وهو يسأله بـ :
-أها .. في دي عندك حق ، يعني انت اللي هاتديهوله بإيديك ؟
-لأ .. أنا بس هاسلمه لمكتب السكرتارية وهما هناك اللي هيوصله للباشا
قالها الموظف بنفاذ صبر وهو يرمقه بتلك النظرات الساخطة ..

زم هو شفتيه متسائلاً بـ :
-مممم .. يعني محدش هايشوف اللي فيه إلا هو ؟!!

أجابه الموظف بإيجاز بـ :
-أيوه
-ماشي .. وأنا هاكلم الباشا وأتأكد منه ، بس يا ويلك لو هو الظرف مرحش عنده ....!
قالها فــــارس محذراً وهو يعطيه المظروف المغلق ..

تناول الموظف المظروف من يده ، ثم بنبرة إصرار ، ونظرات ممتعضة قال له :
-قولتلك إحنا شركة محترمة
-خلاص ماشي .. حافظ عليه بقى ، مش هوصيك
غمـــز له فـــارس بعد أن أخـــذ منه المظروف
-اتفضل بقى حضرتك خليني أشوف شغلي

عض فـــارس على شفته السفلى قبل أن يقول بنبرة إستهزاء :
-ماشي يا أخ .. هـــأو

إغتاظ الموظف من طريقة ذلك الفظ معه ، وتحامل على نفسه حتى لا يخرج عن شعوره وينفعل معه ...
جذب فـــارس قلم حبر من على سطح المكتب محفور عليه إسم شركات الجندي ، ووضعه نصب عينيه ، ثم قال بغرور :
-حلو البتاع ده ، أهوو ينفع في أي حاجة ، سلام يا آخ ..!

ثم لوح له وهو يوليه ظهره ، ووإنصرف مسرعاً إلى الخـــارج وعلى ثغرة ابتسامة وضيعة ، وظل يعبث بالقلم الحبر بأصابعه ، ثم بكل غطرسة تحدث بـ :
-يا ود يا أبو الفرس يا اللي ملكش زي ولا أد .. ياما نفسي أشوف وشك وأنت بتفتح الظرف وبتتفرج ع صور الـ آآ.... مزة أختك وهي معايا

ثم قهقه عالياً بطريقة مستفزة فإنتبه له بعض الموظفين وكذلك العملاء المتواجدين حوله ، ولكنه لم يعبأ بهم ، واستمر في التباهي بنفسه ...................................... !!!
في مشفى الجندي الخاص ،،،،

تمــــدد أوس على الفراش الطبي ، وراقب الأطباء الذين تولوا سحب الدمـــاء من عروقه بصمت تــام ..
كان بين الحين والأخــر يصر على أسنانه متألماً ، ولكنه لم يشتكي .. بل تابع بأعين كالصقر كل خطوة يقومون بها ..
إنتهى كبير الأطباء الموجود بالغرفة من عملية التبرع بالدمـــاء ، ثم اقترب من أوس ، ونزع عنه الإبرة الطبية ، ثم ابتسم له وهو يقول :
-إحنا خلصنا يا باشا
-هي مش هتحتاج لدم تاني ؟ خد اللي انت عاوزه !
قالها أوس بصوت شبه جــاف وهو ينظر له بصلابة ..

-لو في ناقص هانستعين ببنوك الدم اللي آآ..

قاطعه أوس بصوت قاتم وحــــاد بـ :
-أنا بأقولك خد كل اللي انت عاوزه من دمي ، ايه مش بتفهم ؟!

-يا فندم مش كده ، بس أنا مش محتاج أكتر من اللي خدته من حضرتك ، ارتاح إنت يا باشا ، وإحنا هانشوف شغلنا

حدجه أوس بنظرات مخيفة قبل أن يحذره بنبرة قاسية بـ :
-أنا بحذرك لو حصلها حاجة ، مش هارحم حد فيكم

هـــز الطبيب رأسه وهو يجيبه بهدوء حَــذِر بـ :
-طيب..

ثم أرخــى أوس ذراعه بعد أن ثناه الطبيب ووضع عليه لاصقة طبية ، وأغمض عينيه للحظات حتى يستفيق تماماً ...

............................

في نفس التوقيت كان الجميع يعمل على قدم وســـاق من أجل توفير ما تحتاجه المريضة التي أتى بها ابن صاحب المشفى .. فأي مشكلة ستحدث لها أو مضاعفات ربما سيتعرض أحدهم للتوبيخ ، أو الأســـوأ من هذا ..

وقف رئيس طاقم التمريض في الرواق ، ثم جمع حوله فريقه الخــاص ونبه عليهم بـ :
-خدوا بالكم مش عاوزين مشاكل
-طيب
قالها أحـــد الممرضين وهو يهز رأسه عدة مرات

أشـــار هو بيده لممرض أخـــر وهو يأمره بـ :
-انت خليك متابع اللي بيحصل وبلغني بالجديد أول بأول
-حاضر

رفع رئيس طاقم التمريض بصره للسماء ، وبنبرة راجية أردف بـ :
-عدي اليوم ده على خير يا رب
.................

بداخل غرفة العمليات ،،،،

أســــند الطبيب المشرط في الوعـــاء المعدني ، وجفف حبات العرق من على جبينه ممرضة تقف خلفه ، ثم أشـــار بعينيه دون أن ينطق لطبيب أخـــر لكي يحضر له أداة طبية ليكمل بها عمله ..
في حين راقب طبيب أخـــر مؤشرات الأجهزة الحيوية الموصولة بتقى ..

جففت طبيبة - متواجدة هي الأخرى بالغرفة – نزيف الدمــاء المتجمع حــول مكان الطعنة ..
مـــر الوقت بطيئاً على الجميع رغم مهاراتهم المشهودة في مثل تلك النوعيات من العمليات ،ولكن الجميع يعرف مــدى تهور أوس وعصبيته ، وبالتالي فتلك العملية ليست كغيرها ..
الوضع برمته حســـاس للغاية بالنسبة لهم ..

إنضم إليهم كبير جراحي المشفى ، وتأكد من إنتهاء الطبيب المكلف بتقطيب الجرح من عمله ، ثم همس له بشيء في أذنه ، فأومأ الطبيب برأسه موافقاً ، فربت على كتفه كبير الجراحين ، ثم تركه وانصـــرف خــارج غرفة العمليات ..
...................

نزع كبير الجراحين القناع الطبي عن أنفه ، ثم أشـــار لممرض ما متواجد بالرواق بيده آمراً إياه بـ :
-تعالى ورايا
-حاضر يا دكتور

وصـــل كبير الجراحين إلى غرفة مكتبه بالطابق العلوي ، ثم ألقى بجسده على الأريكة الجلدية – ذات اللون البني – المتواجدة بالقرب من باب الغرفة ، ونظر للممرض بنظرات جـــادة قبل أن يطلب منه :
-بلغ الريسبشن تحت يتصل بالباشا مهاب ويبلغه باللي حصل فورا
-ماشي يا دكتور ، أي أوامر تانية
-لأ .. واقفل الباب وراك ..
-تمام

زفــــر كبير الجراحين في إنهاك واضــح ، ثم مر أصابع يده على رأسه وفركها قليلاً قبل أن يتشدق بـ :
-أوووف ، يوم صعب .. إحنا كنا ناقصين أوس ورزالته ، وبعدين هو عرف الأشكال دي منين !!!!
............................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،،

وقف مهاب أمــــام تلك الخزانة المعدنية المدفونة في الجدار ، وتفحص أحـــد الملفات التي يحتفظ بها بداخلها ..
تطلع هو إلى ما دون في الورقة الأمامية بتركيز شديد .. ثم حدث نفسه بصوت مسموع نسبياً بـ :
-مهما حصل محدش هايعرف الحقيقة ، هي هاتفضل بنتي أنا وبس ، هو مالوش فيها حاجة .. أيوه هي (( ليان )) بنتي أنا وناريمان .. !!!

ثم سلط مهـــاب عينيه على العبارة المكتوبة في منتصف تلك الورقة القديمة.. [ شهادة ميلاد أصلية ] ، وشـــــرد في ذكريات ماضيه ...

.................................

◘◘◘ أمسكت ناريمان بأصابعها المرتجفة بورقة ميلاد الرضيعة " ليان " في يدها ، ونظرت إلى زوجها مهاب بعدم تصديق ، وبنبرة مرتعشة أردفت بـ :
-إنت .. إنت عملت ايه ؟

ابتسم لها مهاب إبتسامة واثقة وهو يجاوبها بـ :
-البنت بقت خلاص باسمي وإسمك ، أنا ظبطت كل حاجة زي ما وعدتك

نظرت هي له بنظرات زائغة قبل أن تسأله بصوت متلعثم بـ :
-طب.. طب و..آآ.. وممدوح وتهاني ؟

لــوى هو فمه في سخرية ، ثم أجابها بـ :
-ممدوح مش في وعيه بعد اللي حصل ، وتهاني أنا لبستها الليلة كلها ، وهتترحل خلاص ..!
-بس إفرض إنهم عرفوا إن بنتهم لسه عايشة ..!
قالتها ناريمان بنبرة جـــادة للغاية وهي تنظر لمهاب بحيرة ..

أشــــار هو للورقة التي بحوزتها بإصبعه ، ثم بنبرة متريثة أردف بـ :
-معدتش بنتهم يا ناريمان ، الاتنين ماتوا خلاص ، وده اللي اتكتب وهيتقال

بللت ناريمان شفتيها بلسانها ، ثم تابعت بحذر بـ :
-بس .. بس هما أكيد هيسألوا عن الجثث عشان يدفنوها وآآآ..

وضع هو كلتا يديه على ذراعيها ، ثم ضغط عليهما قليلاً ، ونظر مباشرة في عينيها بنظرات واثقة ، وبصوت هاديء تحدث بـ :
-بصي يا حبيبتي يسألوا زي ما هما عاوزين ، واحدة ماتت محروقة وماتبقاش منها حاجة ، والتانية أصلا ماتت مخنوقة .. وده أصلاً معروف ، وإحنا هنردد الكلام ده

صمتت هي للحظات لتفكر فيما قاله ، فابتسم هو لها في غرور ، ثم تحركت بعيداً عنه ، وأولته ظهرها ، وبصوت مرتعش نطقت بـ :
-أنا خايفة أوي يا مهاب ، خايفة يعرفوا ، ساعتها كل حاجة هتبان وهنروح في داهية

وقف هو خلفها ، ومن ثم وضع قبضة يده على كتفها ، وبنبرة واثقة قال :
-لأ ماتخافيش ، أنا وعدتك إني هاظبط كل حاجة

إستدارت هي بجسدها في اتجاهه ، ونظرت إليه بتوتر وهي تقول :
-بس الناس هتسأل البنت دي خلفتها إمتى وآآ..
-ماتشليش هم حاجة ، إنتي بس خدي البنت وسافري على الكويت عند معارفك ، وأنا هاتصرف

نظرت هي إليه بذهول نوعاً ما ، وإرتخى فمها وهي تقول بتعجب :
-هـــاه .. الكويت !

أومأ برأسه إيماءة خفيفة ، ثم قال بتمهل :
-أيوه .. أنا عملت الفيزا وخلصت الإجراءات كلها بمعرفتي ، شوفي بس انتي ناقصك ايه وبلغيني بيه
-اوكي .. بس خليك على اتصــال معايا ، أنا مش عاوزة أسافر وأسيبك وآآ..

قاطعها بنبرة متغطرسة وهو يمسك بكفي يدها بين راحتيه بـ :
-متقلقيش عليا ، ده أنا مهاب الجندي

ثم إرتسم على ثغره إبتسامة مغترة ..
تنهدت هي في إرتياح .. وكانت على وشك الإنصراف ، ولكنها تذكرت أمراً هاماً فتسائلت بنزق بـ :
-طب وآآ.. وأوس ؟

نظر هو لها بجدية شديدة وهو يسألها بـ :
-ماله أوس ؟
-هايقعد فين ومع مين ؟

زم هو فمه قليلاً في حيرة ، ثم أجابها بـ:
-مممم.. هافكر وأشوف هاعمل ايه ، ممكن أبعته معاكي أو أسيبه هنا معايا
-براحتك ..

زفــــر مهاب في عدم إرتياح ، ثم اقترب من زوجته ، وربت على ظهرها برفق ، وهو يآمرها بهدوء بـ :
-روحي انتي جهزي نفسك للسفر

نظرت هي إليه بتوجس ، وتسائلت في خوف بـ :
-طب وشهادة الميلاد الأصلية ؟
-مالها ؟
قالها مهاب بنفاذ صبر وهو يحك رأسه مجدداً ...

أمعنت هي النظر في عينيه وهي تسأله بإهتمام واضح بـ :
-هاتعمل فيها إيه ؟ هاتقطعها ، ولا هتحتفظ بيها ولا ..؟؟!!

مسح هو بيده على وجهه ، ثم أجابها بإنهـــاك :
-مش عــارف ، بس هي معدتش ليها قيمة الوقتي
-أهــا .. شوف إنت هاتعمل ايه وابقى قولي ، أنا ماشية
-ماشي يا حبيبتي ، مع السلامة

ثم إنصرفت ناريمان وتركته بمفرده يفكر فيما سيفعله لاحقاً مع تهاني طليقته السابقة وزوجة ممدوح الحالية ... ◘◘◘

......................................

أفــــاق مهاب من شروده على صوت رنين هاتفه المحمول .. فأغلق فمه المنفرج ، وإبتلع ريقه ، ثم أعـــاد وضع الملف بالخزانة ، ومن ثم عاود إغلاقها بالمفتاح والرمز السري .. وأرجع اللوحة إلى وضعها .. فبدى كل شيء في مكانه طبيعياً ومرتباً ..
توجه مهاب إلى مكتبه ، ثم مـــد يده وإلتقط الهاتف ، ونظر إلى اسم المتصل ، ثم قطب جبينه في إندهاش ، وحدث نفسه باستغراب بـ :
-دي المستشفى ! بيتصلوا ليه ؟! هما عارفين إن أنا مسافر ..!

إزداد إنعقاد ما بين حاجبيه ، وتابع بغموض بـ :
-أكيد في حاجة مهمة حصلت عشان يتصلوا بيا في التوقيت ده ...!!

ضغط هو على زر الإتصــــال ، ووضع الهاتف على أذنه ، وبهدوء تام أجاب بـ:
-ألوو .. معاك الدكتور مهاب ، خير

مط هو شفتيه للأمــــام دون أن تتبدل ملامح وجهه كثيراً ، ثم فجـــأة صاح بـ :
-اييييه !! مين دي أصلاً عشان يعمل كل ده عشانها ؟ أنا جاي حالاً ....!!!!

........................

في مخفر الشرطة ،،،،

وصلت سيارات الشرطة إلى المخفر ، وترجل منها العساكر والضباط ، وإقتاد إثنين من العساكر فردوس إلى داخل المخفر ليتم استئناف باقي التحقيق معها ، ومن ثم إيداعها بالحجز ..
كانت فردوس تجر رجليها وهي تسير معهما .. نظرت حولها بريبة ،وبصوت مبحوح رددت :
-أنا .. أنا كنت عاوزة أربيها بس .. هي .. هي غلطت ، أنا آآ.. أنا مكونتش هاموتها .. أنا ..آآ..

نهرها أحـــد العساكر بصوت خشن بـ :
-اسكتي يا ولية ، اتكلمي قدام وكيل النيابة وبس

في نفس التوقيت وصلت هياتم هي الأخـــرى إلى المخفر ، وتابعت بفضول ما يحدث ، ولكنها لم تتدخل .. فهي قد جاءت في مهمة واحدة ، وهي إخـــراج المريضة تهاني ، وتولي رعايتها وفق الأوراق الرسمية التي إستطاعت بفضل صلاتها القوية أن تنجزها في وقت سريع ..

دلفت هياتم إلى داخـــل المخفر ، وتوجهت إلى أحــد مكاتب ضباط ( النوبطشية ) وسألته بهدوء بـ :
-لو سمحت ممكن أقابل المأمور ؟
-ليه ؟
سألها الضابط بصرامة وهو يرمقها بنظرات متفحصة

أجابته هي ببرود بـ :
-ده موضوع شخصي

نظر هو لها شزراً ، ثم قال لها بتهكم :
-والله لو شخصي يبقى تقابليه برا ، لكن آآ..

تنحنحت هي في البداية ، ثم بصوت رقيق أردفت بـ :
-أنا أقصد يعني موضوع يخص الجمعية اللي أنا بأمثلها

حدجها الضابط بنظرات قوية وهو يخبرها بحدة بـ :
-يا مدام إحنا هنا مش ملجأ ولا آآ...

قاطعته هي بإصرار بـ :
-يا حضرت الظابط الحكاية بكل بساطة إن في واحدة مسنة ومريصة عقلياً مقبوض عليها هنا عندكم ، وأنا جايبة الأوراق اللي تخليني مسئولة عن رعايتها

أشـــار هو لها بكف يده وهو يأمرها بـ :
-طب استني على جمب شوية لحد ما أفضى وأشوف موضوعك ده بالظبط
-اوكي .. بس بليز بسرعة

طرق هو بكف يده على سطح مكتبه ، ثم قـــال لها بنبرة شبه منفعلة :
-حضرتك أنا مش أعد فاضي ولا بأزأز لب ، ده قسم شرطة ورانا أشغال

ردت هي عليه بنبرة جــــادة بـ :
-ما أنا برضوه مش جاية ألعب

لـــوى الضابط فمه وهو يتابع حديثها معها بنفاذ صبر بـ :
-بقولك ايه يا مدام ،أنا خلقي ضيق ، وروحي بقت في مناخيري ، فيا ريت تستني على جمب شوية لحد ما أشوفلك حد
-أوووف ... طيب !!
قالتها هياتم على مضض وزفرت لعدة مرات في ضيق واضــــح ...
.....................

بداخل الحجز ،،،،،

أودع أحـــد العساكر فردوس بداخل حجز النساء ، وأوصـــد الباب بعدما ولجت للداخل ..
نظرت هي حولها برعب ، فالمكان إلى حــد كبير مظلم ، ورائحته عفنة وكريهة ، إستمعت هي إلى صوت همهمات النساء المتواجدات بالداخل ، فتملكها الخوف ، وإبتلعت ريقها بصعوبة ..
كذلك إرتجف جسدها بشدة حينما إقتربت منها إحدى المسجونات لتتفحصها عن كثب .. نظرت لها فردوس بذعــر وهي تتحدث بنبرة متلعثمة بـ :
-مـ.. آآ.. مقتلتهاش .. أنا .. أنا .. كنت .. آآ.. بربيها بس
-بتقولي ايه يا مَرَة !
سألتها تلك المسجونة بصوت فج للغاية

نظرت فردوس لها بنظرات زائغة ، وخرج صوتها مبحوحاً وهي تعيد تكرار كلماتها بـ :
-هي .. هي عارفة إني .. أنا .. مقتلتهاش ، هي .. هي عصبتني ، أنا .. أنا بأربيها بس
-إنتي بتستهبلي يا ولية ؟؟؟!!!!

-سبيها يا بت ، دي باين عليها خرفانة زي اللي جت قبلها ..!
قالتها مسجونة أخـــرى بصوت جهوري مرتفع ومسموع للجميع

رمقتها المسجونة الأولى – ذات الوجه القبيح – بنظرات إحتقارية قبل أن تقول بسخرية جلية :
-الحجز لم يا نسوان ...!!!

ابتعدت تلك المسجونة عنها ، فتنفست فردوس بإرتياح ، وحاولت أن تتأمل المكان بعينيها المرهقتين ..
فركت هي معصميها ، وبحثت عن بقعة خالية لتجلس عليها على الأرضية الصلبة والباردة ..
ولكنها تسمرت في مكانها حينما رأت من تعرفها متكورة على نفسها ، وتضم ركبتيها إلى صدرها ..
فغرت شفتيها في ذهــــول ممزوج بالخوف وهي تتشدق بـ :
-تـ... تهاني ... أختي !!!!!

.............................

في مشفى الجندي الخـــــاص ،،،،

وصـــــل مهاب إلى المشفى وعلى وجهه علامات الغضب ، ثم ســــار بخطوات أقرب للركض في اتجاه الغرفة المتواجد بها أوس ، وبنبرة متذمرة صدح بـ :
-إزاي كل ده يحصل وأنا معنديش خبر

حاول كبير الجراحين اللحاق به وهو يبرر موقفه بـ :
-يا دكتور مهاب ، وقت ما اطمنت على الباشا أوس اتصلت بيك على طول
-ده اسمه تقصير ، يبقى المستشفى بتاعي ، وشوية زبالة يدخلوا فيه عشان خاطر البيه ابني
-حضرتك هو .. هو مقالناش المريضة دي تقربله إيه أصلاً ، بس من شكلها العام عرفت إنها بنت لوكــال

كـــور مهاب قبضة يده في غضب ، ثم صر على أسنانه وهو يتوعد ابنه بـ :
-ماشي يا أوس ، ماشي ..!!
..............

دار مهاب من رواق جانبي حتى وصــل إلى غرفة التبرع بالدمـــاء ، فأمسك بمقبض الباب وفتحه وهو يصيح بـ :
-ممكن تفهمني اللي انت عملته ده إيـ..آآآ...

لم يكمل مهاب عبارته الأخيرة ، حيث نظر حوله ، فلم يجد أي شخص بالغرفة ، فإنفعل أكثر ، وإلتفت بجسده للخلف وصرخ بـ :
-كمان محدش عـــارف ابني هنا فين

ابتلع كبير الجراحين ريقه في توتر ، ثم عَدَل من وضعية نظارته الطبية ، ونظر إلى مهاب بحذر ، وقال :
-ممكن يكون راح عند المريضة ، هي اتنقلت العناية المركزة من شوية

لم يعقبْ مهاب على تلك العبارة ، وإكتفى فقط بإعطائه نظرات محتقنة ....
...................................

بداخــــل حجز المخفر ،،،،،،

جثت فردوس على ركبتيها أمام أختها ، ثم وضعت كفي يدها على ذراعيها وهزتها برفق وهي تحدثها بتلهف بـ :
-تهاني ، سمعاني ، أنا فردوس أختك !

رمقتها تهاني بنظرات فارغة ، وأشاحت بوجهها للجانب ، وظلت تغمغم كعادتها بكلمات مبهمة ..

وضعت فردوس يدها تحت ذقنها لتحرك رأسها في اتجاهها ، ثم نظرت لها بشجن وهي تسألها بتجهم بـ :
-كنتي فين يا تهاني ؟ طفشتي على فين ؟؟ وإيه اللي جابك هنا ؟؟

أمسكت تهاني بمعصم أختها ، ثم ألقته بعيداً عنها ، ورمقتها بنظرات حــادة ومميتة قبل أن تجيبها بـ :
-ماتلمسنيش ، ابعدي عني ، إنتي زيهم ، ايوه .. زيهم .. خدوا مني عيالي ، ورموني .. خدوهم مني .. آآآآه

-ماتنكتموا في يومكم إنتو الاتنين مش عـــارفين نتنيل نتخمد في أم الحجز ده
قالتها إحدى السجينات بصوت صـــادح رج جدران المكان ..
فهزت فردوس رأسها في خوف ، وقالت بخفوت :
-حاضر ياختي ، هانسكت خالص أهوو ....!!

ثم سمع الجميع صوت فتح قفل باب الحجز ، ودلف إليه صَــــولٌ ما ، ثم بلهجة صارمة تشدق بـ :
-المسجونة تهاني شحاته .. إنتي يا مسجونة

لم تجبه تهاني بل ظلت قابعة في مكانها ، فنهضت بدلاً منها فردوس وقالت بصوت مرتبك وهي تقترب منه :
-أنا .. أنا أختها ، انت عاوزها في ايه يا شاويش ؟

دفعها الصـــول بعنف من كتفها ، ثم أمرها بـ :
-أقعدي يا مسجونة مكانك ، فين المسجونة تهاني
-هي عملت ايه طيب ؟
تسائلت فردوس بخوف وهي تنظر للخلف في إتجاه أختها ..

اتجه الصــــول ناحية تهاني ، ثم إنحنى بجسده المترهل للأسفل ، وقبض على ذراعها ، وتعمد أن يغرس أظافره المتسخة فيها ، وبصرامة أمرها بـ :
-قومي معايا يا مسجونة

تأوهت تهاني من الآلم ، ونهضت رغماً عنها وهي تصرخ بصوت متحشرج بـ :
-آآآه .. أنا معملتش حاجة ، هما اللي خدوا مني كل حاجة ..!

وقفت فردوس إلى جواره ، وحاولت أن تجذب منه أختها وهي تتوسل له بـ :
-أخدها فين يا حضرت الصول ؟ هي عملت ايه بس ؟

دفعها الصــــول من كتفها بقوة وهو ينهرها بـ :
-اتلأحي على جمب يا مسجونة
ثم رمقها بنظرات مهينة قبل أن يتابع بنفس النبرة بـ :
-قبر يلم العِفِش ...!!

ثم خرج الاثنين من الحجز ، وأوصــد الصـــول بابه مجدداً ، في حين أمسكت فردوس بقبضانه الحديدية ، وصرخت عالياً بــ:
-واخدين تهاني على فين ، أنا مصدقت لاقيتها ، عاوزة أعرف منها اللي حصل ، استنى يا شاويش ، استنى ....!!

...........................

في مشفى الجندي الخــــاص ،،،
في غرفة العناية المركزة ،،،،

وقف أوس قبالة فراش تقى الطبي وهو عاقد لساعديه أمام صدره ، وظل يراقبها في صمت تـــام ..
آمـــال رأسه لليسار تارة ، ولليمين تارة أخــرى ليتمعن أكثر في ملامحها بعد أن ذبلت كثيراً بسبب ما حدث ..
لقد بدت أقرب للموتى منها للأحياء ، خاصة وأن أنفها يخرج من فتحاته أنابيب للتنفس الإصطناعي ، وكذلك هناك لاصقات طبية لإبرة موصولة برسغها ، بالإضافة إلى ( مشبك ) معلق بإصبعها ليقيس معدل نبضاتها ..

تابع أوس إنتظام حركة تنفسها ، ووزع بصره بين الحين والأخـــر إليها وإلى الأجهزة الطبية الموضوعة إلى جوارها ..

إرتسم على ثغره ابتسامة ساخرة وهو يتذكر محاولتها اليائسة لقتله ، وحدث نفسه بصوت مسموع ومعاتب بـ :
-أنا السبب في اللي حصل ، لو كنت ركزت شوية كنت منعت أمك من إنها تاخدك مني !

ثم صمت للحظة ليأخذ نفساً مطولاً قبل أن يزفره في ضيق ليتابع بـ :
-ملحوئة يا تقى ! إنتي بقيتي بتاعتي الوقتي وبس ، حتى أمك معدتش تقدر تمنعك عني ....!

-لأ يا أوس .. أنا اللي هامنعك عنها ، وغصب عنك ..........!!!!!!!!
قالها مهاب بصوت قاتم وجــــاد للغاية وهو يدلف إلى داخــــل غرفة العناية المركزة .............................................. !!!
في مشفى الجندي الخـــاص ،،،،

إستدار أوس بظهره للخلف ، وحدج والده بنظرات نارية ، في حين تحرك مهاب في إتجاهه إلى أن وقف قبالة إبنه ، ثم بصوته الآجش تابع بصرامة بـ :
-جايبلي واحدة من الشـــارع تتعالج عندي في المستشفى يا أوس ؟!

لــوى أوس فمه في إستهجان ، ثم رفع حاجبه وهو يجيبه ببرود بـ :
-ومين قالك إنها من الشارع !

نظر له مهاب بنظرات حــادة وهو يسأله بحنق بـ :
-أومــال هاتكون جايبها منين ؟
ثم لوح بيده بعصبية ، وبنبرة اكثر حدة تابع بـ :
-أنا عارف كويس المناظر القذرة دي جاية من فين ..!!!

ابتسم له أوس إبتسامة قاسية ، وعقد ساعديه أمـــام صدره ، ولم يعقب .. فإغتاظ مهاب أكثر ، وتسائل بنزق بـ :
-إنت سامعني ؟ بقولك البت دي بتعمل إيه هنا يا أوس ؟!!!

بنبرة مقتضبة ولكن ذات مغزى أجابه بـ :
-تخصني

جحظ مهاب بعينيه أكثر وهو يسأله بشراسة بـ :
-يعني ايه ؟

ببرود ونظرات واثقة أردف أوس بـ :
-يعني هي تبعي ..!

ضيق مهاب عينيه وهو يتسائل بـ :
-تبعك ؟
-أها .. عندك مانع
قالها أوس ببجاحة وهو ينظر في عيني والده دون أن يرمش للحظة

صـــر مهاب على أسنانه وهو ينطق بحنق يحمل التهكم بـ :
- أيوه عندي ، هو ده اللي ناقص يا أوس إنك تجيبلي بنت **** ، لأ وهنا في المستشفى ...!!!!

زم أوس شفتيه في عدم إكتراث ، وتسائل ببرود مستفز بـ :
-وإيه الغريب في كده ؟

وضــع هو قبضة يده على ذراعه ، وضغط عليه ، ثم تكلم بصوت حانق بـ :
-إنت مش في وعيك ، إنت مش عــارف بتعمل ايه .!

أبعد أوس يد والده عن ذراعه ، ثم نظر لها دون أن يطرف بعينيه ، وبثقة زائدة أردف بـ :
-لأ عارف كويس

ضيق مهاب عينيه الغاضبتين ، وحدج ابنه بقوة ثم أشــار بيده ، وبنبرة مميتة هدر بـ :
-الأشكال الوسخة اللي زيها مكانها برا ، مش مستشفى محترم زي ده

لوى أوس فمه في سخرية ، ثم أردف متهكماً بـ :
-ده على أساس إن المكان هنا طاهر اوي ، ما انا وإنت عارفين اللي فيها

اتسعت عيناه في ذهـــول ، ثم سأله بتوجس بـ :
-قصدك ايه ؟

حدج هو والده بنظرات أكثر قسوة ثم بكل فظاظة نطق بـ :
-انت فاهم كويس يا مهاب بيه أنا قصدي ايه

ابتلع مهاب ريقه بصعوبة ، ولكن إرتخى ثغره للأسفل ، ووجد صعوبة في الرد عليه بوضوح :
-هـــاه ..آآ ..

تابع أوس بثبات باقي حديثه بـ :
-ولا تكونش مفكرني نسيت الممرضات والخدامات بتوع زمان ، لأ كله محفور في دماغي ، ولا حاجة راحت في يوم عن بالي ، الماضي الوسخ ...!

نهره هو بصوت مرتفع بـ :
-أوس ..!!

-كنت مفكرني عيل عبيط مش فاهم بتعمل ايه في البيت مع المربيات ولا حتى الممرضات
قالها أوس بصوت قاتم وعينيه تنطقان بالشرر ..

هربت الدمـــاء من وجهه ، وبدى كما لو كان شبحاً أمامه ، وخرج صوته متقطعاً بـ :
-آآ.. إنت ..آآ

نظر أوس في عيني والده مباشرة وبحدة ، ولم يحيد عنهما وهو يسرد بصوت قاتم :
-أنا في الأول مكنتش فاهم حاجة بس عرفت بعد كده إنت بتعمل ايه ، فمتستغربش لما أكون بأعمل زيك ..

ثم صمت للحظة قبل أن يتابع بسخرية مريرة بـ :
-ده حتى المثل بيقول هذا الشبل من ذاك الأسد .. ولا إيه رأيك يا أســـد ..!

لم يجد مهاب الكلمات التي يستطيع بها الرد عليه ، وإشتعلت الدمـــاء في عروقه فصاح منفعلاً بـ :
-أنا فعلا معرفتش أربيك

ابتسم أوس بطريقة مستفزة قبل أن يرد عليه بوقاحة بـ :
-بالظبط ، إنت مربتنيش أصلا ، لأن أنا تربية ممدوح صاحبك وناريمان هانم مراتك

أخفض مهاب نبرة صوته في حزن زائف وهو يقول :
-مكونتش أتخيل إن في يوم إبني يطلع بالشكل ده آآ......

قاطعه أوس بتهكم صريح بـ :
-لأ بلاش تتعب نفسك وتتخيل ، لأن أنا نسخة منك ..

ثم صمت لثانية قبل أن ينطق وهو يضغط على كل كلمة بـ :
-بس على أسوأ ...!

وارتسم على وجهه ابتسامة ساخرة وهو يتعمد النطق بتهكم بـ :
-فمستغربش من تصرفاتي يا .. يا بابا

لم يجد مهاب أي جدوى من الحديث مع إبنه ، لذا استدار في مواجهته ، وحدجه بنظرات محتقنة ، ثم أشار له بإصبعه محذراً بـ :
-قسماً بالله يا أوس لو فكرت تجيب الزبالة دي على القصر لـ آآ...

ابتعد أوس عن والده وهو يتحدث ، ووقف إلى جوار فراش تقى ، ومــد إصبعيه ليتلمس جبينها ، ثم إلتفت برأسه نصف إلتفاتة ، وبصوت واثق قاطعه بـ :
-متخافش ، أنا مش للدرجادي وسخ .. اللي يخصني بأخده على مكان تبعي

زم مهاب شفتيه ، ونظر إلى ابنه بإحتقار ، ثم ســـار مبتعداً عنه في اتجاه باب الغرفة ، وأمسك بالمقبض ، وقبل أن يخرج منها ، التفت له ورمقه بنظرات نارية وهو يهينه بـ :
-إنت بقيت تقرف

لـوى أوس فمه في إمتعاض ، وبكل إستفزاز تشدق بـ :
-مجبتوش من برا يعني ، ماهو البركة فيك ..!!

غمغم أبيه بضيق قبل أن يرحل تماماً من الغرفة ووجهه محتقن من الحنق وبدى صوته منفعلاً وهو يتحدث بالخـــارج ...

جذب أوس المقعد وألصقه بالقرب من فراش تقى ، ثم جلس عليه ، ومـــال بجسده للأمـــام ، ومــد كف يده ومسح على جبين تقى بعد أن أزاح خصلات شعرها المتمردة ، ونظر لها مطولاً ، ثم أردف بنبرة متشنجة بـ :
-مش بالساهل إني أسيبك ..!

حركت تقى رأسها ببطء ، ومــالت بها ناحيته ، فوضع راحة يده على وجنتها ، وتلمس بشرتها الشاحبة ، وأخفض رأسه للأسفل ليقترب من أذنها ، ثم همس لها بصوت عميق بـ :
-إنتي ليا وبس يا تقى

شعر هو بتأثير أنفاسه الساخنة على تعابير وجهها الشاحب الذي تشنج قليلاً ، فأرجع رأسه للوراء ، وظل يراقبها في صمت تـــام ...

.............................................

في إحدى دور الرعاية الخاصة بالمسنين ،،،،

أودعت هياتم تهاني بتلك الدار الراقية ، وأوصت المشرفات بها برعايتها ، ثم أشارت لإحداهن بيدها محذرة بـ :
-ناريمان هانم بنفسها هي اللي موصية الحالة دي ، فمش عاوزة أي تأخير عنها

هزت المشرفة رأسها بهدوء ، ثم قالت بثقة :
-اطمني يا مدام هياتم ، دي مش أول مرة نتعامل مع حالة بالشكل ده
-تمام .. ولو في أي جديد بلغوني ، وانا يوم بعد يوم هاجي هنا وهتابعكم
-حاضر يا مدام

تنحنحت هياتم قليلاً ، ثم بنبرة صوت ثابتة تابعت بـ :
-وأنا حطيت في الحساب بتاعها فلوس عشان لو حبت تشتري أي حاجة
-أوكي .. متقلقيش عليها

أشــارت هي بيدها قبل أن تستدير للخلف وبصوت شبه جاد أردفت بـ :
-مش هوصيكم بقى ، دي مهمة جدا بالنسبالي
-متقلقيش

وبالفعل انصرفت هياتم من دار الرعاية بعد أن تأكدت من توافر كل شيء من أجــل تهاني ...

.......................................

في شاليه ما بالساحل الشمالي ،،،

أغلق ممدوح حقيبة سفره بعد أن تأكد من وجود جميع متعلقاته الشخصية بالداخل ، ثم أمسك بجواز سفره ، ونظر إلى التأشيرة الموضعة بداخله ، ومن ثم أغلقه ، وأسنده على طرف الفراش قبل أن يجلس عليه ليعقد رباط حذائه ، ثم إعتدل في جلسته ، وحدق مباشرة أمامه وهو يردف بحنق بـ :
-معدتش ليها لازمة الأعدة في السعودية ، أنا هاسافر أنهي كل حاجة هناك وراجع تاني أشوف الوضع هايكون إزاي هنا .. !

ثم نهض عن الفراش ، وأمسك بالمقبض المعدني للحقيبة بعد أن وضع الجواز في جيب قميصه ذي اللون السمــاوي ، ثم أنزل نظارته الشمسية على عينيه ، و إنصرف من الشاليه حيث السيارة التي تنتظره لتقله إلى المطــــار ...

.......................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

قرع جرس الباب ، فســارت المدبرة عفاف بخطوات ثابتة نحوه لتفتحه ، فوجدت سامي الجندي يندفع بعنف للداخل وهو يهدر عالياً بـ :
-فين مهاب ؟
ثم وقف في منتصف الردهة وظل يجوب المكان ببصره وهو في حالة هياج واضحة ..

أسرعت عفاف خلفه ، وبصوت هاديء أردفت بـ :
-سامي باشا ، إتفضل حضرتك في الصالون ، مهاب باشا مش موجود

انفجـــر فيها بصوت جهوري بـ:
-أه طبعاً ، وهايكون موجود إزاي وابنه طايح فينا ومش هامه أي حاجة

ارتعدت عفاف قليلاً من طريقته ، وحاولت أن تحافظ على هدوئها ، وتابعت بـ :
-من فضلك ، إهدى بس وآآ...

قاطعها هو بنبرة صوت غاضبة وهو يشيح بكلتا يديه بـ :
-أنا مش هامشي من هنا إلا لما مهاب يجي ويشوفلي حل

هزت هي رأسها موافقة ، ثم بنبرة متريثة نطقت بـ :
-طيب .. اتفضل ، وأنا لحظة وهابلغه على الموبايل بتاعه

في نفس التوقيت نزلت ناريمان على الدرج ، وتسائلت بصوت عالي وبنبرة منزعجة بـ :
-عفاف ، عفاف .. مين جه وبيزعق كده ؟!

ســـارت المدبرة عفاف بخطوات أقرب للركض في اتجاه الدرج ، ثم نظرت في اتجاه ناريمان ، ومن ثم نطقت بـ :
-ده سامي باشا أخو مهاب باشا

لوت هي شفتيها في تأفف حينما سمعت إسمه ، ثم أشــارت بعينيها لها وهي تقول بتزمت :
-أها ، طب روحي إنتي كملي اللي وراكي
-حاضر يا هانم

تحركت ناريمان بهدوء في إتجاه الصالون ، فنهض سامي لمصافحتها ، ثم أشــارت له ليجلس ، وإبتسمت له إبتسامة مصطنعة قبل أن تنطق بنبرة ناعمة بـ :
-أهلا سامي ، نورت القصر
-لا أهلا ولا سهلاً يا ناريمان ، ينفع اللي ابنك عمله ده

تنهدت هي في إنزعـــاج ، ثم مطت شفتيها للأمام وهي تتسائل بعدم إكتراث بـ :
-ماله ؟
-يرضيكي إنه يلغي التعاقد معايا ، ويروح للشركة الأصلية ويسحب التوكيل لنفسه ويخسرني ملايين
-ممممم..
-أومــال لو مكونتش أنا عمه ومن لحمه ودمه كان عمل فيا إيه

وضعت ناريمان ساقاً فوق الأخـــرى بعد أن أرجعت ظهرها للخلف ، ثم نظرت إليه بنظرات غير مبالية وهي تردف بـ :
-شوف يا سامي أي حاجة تخص أوس وشغله إتكلم معاه فيها ، إنت عارف كويس إن أنا ماليش كلمة عليه ، ومش بأتدخل في اللي بيخصه

هـــدر هو بها بإنفعال بـ :
-بس إنتي أمه
-يوووه بلاش الكلمة دي بقى ، أنا مش أمه ، مش أمه ، خلاص
قالتها ناريمان بعصبية زائدة بعد أن نهضتمن على الأريكة .. ثم انصرفت غاضبة وهي تغمغم بكلمات بذيئة

تعجب سامي من ردة فعلها المبالغ فيها تجاه أوس ، ثم كور قبضته في حنق ، وقال :
-ماشي ، أنا برضوه مش هاسكت وهاتصرف ...!!

ثم إنصرف بخطوات سريعة نحو باب القصر ، وصفعه بعنف بعد أن خرج منه .....
راقبت المدبرة عفاف ما يحدث بإستغراب ، ثم مطت فمها للجانبين ، حدثت نفسها بـ :
-لا حول ولا قوة إلا بالله .. محدش مرتاح في حياته ، ربنا يسترها في الأيام الجاية ..............................................!!
كانت الأيام تمر ثقيلة على أوس الذي ظل ملازماً لتقى في المشفى ، فهو لم يتركها للحظة واحدة .. بل كان يتابع بإهتمام مبالغ فيه كل صغيرة تخصها .. ورغم هذا كانت حالتها الصحية إلى حد كبير ثابتة ..
ولم يغفل أي طبيب عن دوره معها .. وكان بين الحين والأخـــر يعود للقصر ليبدل ملابسه ، ثم يرجع إليها مرة أخــرى ..
كما أمـــر رئيس طاقم التمريض أن يحضر له فراشاً أخراً ، ويضعه في نفس الغرفة ليكون دائماً بجوارها ..
وبالفعل امتثل هو له وأحضر الفراش ، وأسنده بجوار الجدار وعلى مقربة من فراشها ..
ولم يغادر هو غرفة العناية إلا عند الضرورة القصوى ..

كما تناثرت الأقاويل عن وجود علاقة خفية بين أوس الجندي وتلك الفتاة الغريبة بين العاملين بالمشفى ، ولكن لم يجرؤ أحــد على التحدث جهاراً عنهما ..
في حين تجاهل مهاب التعامل مباشرة مع إبنه أو حتى الإحتكاك به ، وفضل أن يتجنبه حتى لا ينبش في ذكريات الماضي التي جاهد ليبقيها في طي الكتمان ..

....................

وفي صباح يوم ما ، توقفت سيارة الشرطة أمــام مدخل المشفى ، وترجل منها عدد من رجـــال المباحث الجنائية ، ودلفوا إلى الاستقبال ، ثم بنبرة صارمة تسائل أحدهم بـ :
-تقى عوض الله موجودة في اوضة كام ؟

رمقهم الموظف بنظرات شبه مضطربة قبل أن يجيبهم بتردد بـ :
-مين حضراتكم ؟
-مباحث
قالها أحدهم بجدية شديدة وهو يتفحصه من رأسه لأخمص قدميه

ابتلع الموظف ريقه ، ثم نظر إليهم بتوجس قبل أن يجيبهم بحذر بـ :
-بس هي في العناية والزيارة ممنوعة عنها بأوامر من الدكتور وآآ..
-احنا اللي هانشوفها ونقرر
-بس آآ...

حدجه الضابط بصرامة قبل أن يقاطعه بغلظة بـ :
-فين مكانها ؟
-هي في الدور التالت غرفة 307
-يالا يا رجــالة

قالها أحدهم وهو يتحرك بخطوات ثابتة في اتجاه المصعد الموجود في نهاية الردهة الواسعة ، ولحق به البقية ...

............................

في نفس التوقيت إنتهى عُدي هو الأخــــر من إكمـــال الأوراق والعقود الخاصة بالتوكيل الإيطالي ، وقرر العودة إلى القاهرة لمباشرة أعمـــال المجموعة ..

كـــاد أن يجن بسبب تجاهل أوس لإتصالاته المتكررة على مدار الأيام السابقة وحتى لرسائله .. فلجأ إلى والده ليعرف منه السبب ، ولم يستغرب حينما أدرك أن وراء ما حدث ( تقى ) ..
طلب مهاب منه بنبرة أبوية راجية أن :
-خليه يرجع عن اللي في دماغه يا عدي ، إنت صاحبه ، وهو أكيد هايسمع كلامك
-ولو إني معتقدش إن أوس بيسمع كلام حد

تحدث مهاب بإصرار بـ :
-معلش حاول معاه

لــوى هو فمه في عدم اقتناع وهو يجيبه بـ :
-طيب ...

حاول عدي قـــدر الإمكان أن ينتهي من كل شيء بما يتناسب مع المصلحة العامة لهم ، ومن ثم العودة للقاهرة ..
جمع هو متعلقاته الخاصة في حقيبة سفره ، واتجه للمطـــار ، وإنتهى من إجراءات السفر ، ثم صعد على متن الطائرة ، وحدث نفسه بـ :
-أنا من الأول كنت حاسس إن موضوع البت دي مش هايعدي على خير ، لازم أتصرف قبل ما يتورط أكتر من كده معاها ...!!!

أرجع هو ظهره للخلف ، وأحكم ربط حزام الآمـــان ، ثم أغمض عينيه ليغفو قليلاً ريثما تصل الطائرة للمطــــار ..

.....................................

في مشفى الجندي الخــــاص ،،،،

خرج رجــال المباحث الجنائية من المصعد ، وتوجهوا ناحية غرفة العناية المركزة الخاصة بتقى ..
كان معظم المتواجدون بالطابق ينظرون إليهم بفضول شديد .. وخمن معظمهم أن لوجودهم علاقة بالفتاة الغامضة ..

اقتربوا هم من الغرفة فلمحهم أوس من خلف الجدار الزجاجي ، فنهض من على المقعد ، وولج للخـــارج ، ووقف بجسده الضخم يعترض طريقهم ، ثم رمقهم بنظرات متفحصة وهو يسألهم بـ :
-انتو مين ؟ وعاوزين ايه ؟!

رمقه أحدهم بنظرات مهينة قبل أن يجيبه بإستخفاف بـ :
-والبيه بقى مين ؟ حارس الأوضة

إحتقن وجه أوس سريعاً بدمائه الغاضبة ، وكور قبضته في ضيق جلي ، قبل أن يحذره بإنفعال بـ :
-اتكلم كويس معايا ، وإلا قسما بالله أفرمك
-تفرم مين ، إنت بتتكلم مع مباحث مش مجرم !!!!

حدجه أوس بنظرات قاتله وهو يصيح بعصبية وتهور بـ :
-حتى لو كنت مدير الأمن شخصياً

وقف الضابط أمامه ، وحدجه بنظرات شرسة وهو ينطق بغل بـ :
-باين عليك عاوز تتأدب

تجمع العاملون بالمشفى – من أطباء وممرضين - على إثر الصوت العالي ، ومن ضمنهم كبير الجراحين ، وكذلك رئيس طاقم التمريض ، وتدخلوا فوراً للحول دون تطور الوضع ..
أشـــار كبير الجراحين بيده لأوس ، وبنبرة هادئة تشدق بـ :
-اتفضل يا أوس باشا جوا الأوضة ، وأنا هاتصرف

ضيق هو عينيه ، وأمره بصوت متصلب وهو يصر على أسنانه بـ :
-دقيقة واحدة وماشوفش أي حد هنا ، فاهم

هز كبير الجراحين رأسه موافقاً وهو يقول :
-حاضر

استشاط الضابط غضباً مما يحدث، وبادر بإنفعال بـ :
-إنت أد اللي بتقوله ده !!!

لم يجبه أوس ، بل حدجه بنظرات مميتة ومهينة قبل أن يدلف للغرفة ، ويصفق الباب بقوة خلفه .. ثم أســـدل الستائر ليحجب عنهم الرؤية

صدرت همهمات غاضبة بين رجــال المباحث ، وكانوا على وشك التصرف بصرامة ، ولكن ...
-إحم .. خير يا حضرات ، في ايه ؟
قالها كبير الجراحين بصوت شبه متوتر وهو يراقب الجميع بخوف

إلتفت إليه الضابط ورمقه بنظرات إستهجان قبل أن يجبيه بحنق بـ :
-وإنت مين إنت كمان ؟
-أنا مدير المستشفى

لوى الضابط فمه في استنكار ، ثم تسائل ساخراً بـ :
-أها .. اهلا ، وده مين اللي فارد عضلاته علينا

تجشأ كبير الجراحين وهو ينطق بخفوت بـ :
-إحم .. ده أوس باشا الجندي ، ابن صاحب المشفى

-طب بص بقى يا دكتور ، إحنا هنا جايين في مهمة رسمية مش جايين نلعب ، وعاوزين نحقق مع المجني عليها تقى عوض الله !
قالها ضابط أخـــر بصوت رخيم وهو ينظر لكبير الجراحين بنظرات ثابتة ..

-للأسف مش هاينفع ، حالتها ماتسمحش إنه يتم استجوابها الوقتي
-وإمتى حالتها تسمح
-والله على حسب ، هي حالياً زي ما حضرتك شايف في العناية المركزة !

مط الضابط فمه للأمــام ، ونظر حوله بتمعن :
-مممم .. لأ واضح
-طيب يا دكتور ، إحنا عاوزينك نبلغنا وقت ما تفوق
-طبعاً اكيد
-ونصيحة مني تقول للبيه اللي جوا يتعدل أحسنله بدل ما احنا نعدله على طريقتنا
قالها الضابط محذراً قبل أن يتركه وينصرف مبتعداً هو و من معه ...

راقبهم كبير الجراحين إلى أن إبتعدوا عن ناظريه ، فلوى فمه في تهكم وهو يقول :
-هو حد يقدر عليه أصلاً ..!!!!

......................................

في مطــــار القاهرة الدولي ،،،،

خرج عُدي من بوابة المطار الرئيسية ، وهو يجر حقيبة سفره ، ثم وضع نظارته القاتمة على عينيه ، ونظر حولها بتمعن ، ثم حدث نفسه بصوت مسموع بـ :
-أومــال فين العربية ؟ ده أنا لسه مكلم السواق وقالي واقف هنا ، أووف ..!

رأى عدي السيارة مصطفة في الخلف ، والسائق يترجل منها ويركض في اتجاهه وهو يصيح بـ :
-عُدي باشا ، أنا أسف .. الشوارع زحمة وآآ..

أشـــار هو له بيده لكي يصمت ، وبصوت هاديء أردف بـ:
-خلاص بلاش رغي ، إطلع على الشركة
-حضرتك مش هاترجع الفيلا ؟
-لأ .. عندي حاجات مهمة عاوز أشوفها الأول في الشركة قبل ما أرجع البيت
-ماشي يا باشا

ثم أمسك السائق بحقيبة السفر وجرها ناحية السيارة ووضعها في الصندوق الخلفي ، في حين ركب عدي في المقعد الخلفي ، وبدأ يعيد تشغيل هاتفه المحمول ، ثم وضعه على أذنه ، وزم فمه ، وحدث نفسه بنفاذ صبر بـ :
-برضوه مش بيرد ، ماشي يا أوس ، هاخلص الورق اللي عاوز توقيع وجايلك ....!!!!

.......................................

في مشفى الجندي الخاص ،،،،
في غرفة العناية المركزة ،،،،،

تحركت تقى قليلاً في الفراش ، وفتحت عينيها إلى حد ما ، ورمشت لعدة مرات محاولة تجنب الإضاءة الشديدة التي تزعجهما ، ثم أغمضتهما مجدداً .. وكادت أن تستسلم للنوم وتغفو ، ولكن صوت ما تآلفه اخترق آذانها ، فجعل حواسها تنتبه بدرجة ما .. ورغم هذا لم تفتح عينيها ..
سمعت هذا الصوت المألوف يهمس لها بخفوت بـ :
-انتي موجودة معايا وبس

جاهدت لتفتح عينيها الثقيلتين ، ونظرت حيث مصدر الصوت ولكن كانت الرؤية ضبابية ..
تنهدت هي في تعب ، وأخذت نفساً عميقاً ، وزفرته على مهل ..
ثم شعرت بأصابع ما على جبينها تمسح عليه ، فتشنج وجهها وتوترت .. ورفعت عينيها المرهقتين للأعلى ورمشت لعدة مرات حتى تتمكن من الرؤية بوضوح ..

لمحت هي طيف شخص ما يقف على مقربة شديدة منها ، فحاولت أن تتبين ملامحه أكثر ، فضيقت عينيها ، وعبست بقسمات وجهها ..
جابت هي بمقلتيها صدره العريض أولاً ثم إرتفعت بهما نحو عنقه ، ومن ثم ذقنه ، ونظرت بإندهاش إلى فمه فرأت هي إبتسامة واثقة على ثغره ، فإزدادت حيرة ..
اقترب أوس منها بهدوء حتى تتمكن من رؤيته بوضوح ، وبصوت آجش أردف بـ :
-بقالك كتير نايمة

اتسعت عينيها في صدمــة ممزوجة بالرعب حينما تأكدت من ظنونها ، وإنفرجت شفتيها ، وجاهدت لتجد الكلمات ولكنها كانت عاجزة عن النطق
غمغمت هي بذعــر بـ :
-أنا ..آآ.. أنا بأحلم
-لأ يا تقى .. مش بتحلمي !
قالها أوس بغرور ، فإزداد الرعب في قلبها ، و ابتلعت ريقها في توجس شديد .. وإنتفضت كل ذرة في كيانها ...
فتفرس هو في ملامحها المذعورة ، وأمسك بكف يدها المرتعش وقبض عليه أكثر .. ومــال برأسه ناحيتها لينظر بعينيه القاسيتين مباشرة في عينيها ، ثم بصوت خافت وثقيل أردف بـ :
-وهاتفضلي على طول معايا ..!

حاولت أن تسحب يدها من كفه وهي تنظر إليه برعب ، ولكن لم يكن بها ما يكفي من القوة لتفعل هذا ..
-آآ.. هــاه

ابتعد هو عنها وترك كفها ، واعتدل في وقفته ، ثم وضع يديه في جيبي بنطاله .. ونظر لها بثقة وهو يسألها بـ :
-فاكرة اللي حصلك ولا لأ ؟

حدقت هي فيه بخوف ، وتسائلت بـ :
-هــاه ، حـ.. حصلي ؟

أخـــذ نفساً مطولاً ، وزفره بتمهل شديد ، ثم بنبرة شامتة بادر بـ :
-أمك كانت عاوزة تقتلك ، عاوزة تخلص منك ، بس أنا لحقت وجبتك على هنا ..
ثم صمت لثانية ليتفحص رد فعلها المذعور ، ثم تابع بغطرسة بـ :
-المستشفى هنا بتاعتنا ، وعلى فكرة دمي بيجري في دمك
-د.. دمك !!
-أيوه .. ماهو احنا طلعنا زي بعض !

اقترب أوس منها ، وجلس على المقعد ووضع ساقاً فوق الأخـــرى بعد أن أراح ظهره للخلف ، ثم عقد ساعديه أمام صدره ، ورمقها بنظرات دقيقة ، وأردف بـ :
-بس أمك خدمتني في اللي هي عملته معاكي ، خلت الطريق سالك !
-مـاما .. هي .. انت عملت فيها ايه ؟
-مش أنا اللي عملت ، هي اللي عملت في نفسها
-هــاه
-شوفي من الأخر كده انسي إن ليكي أم ، لأن هي هاتتعفن في السجن
-لأ .. أمي !
-والمرادي محدش هايقدر يطلعها من البلوى اللي عملتها

تأوهت تقى من الآلم حينما حاولت النهوض فجــأة من على فراشها ، ووضعت يدها على مكان الجرح ، ونطقت بتشنج :
-آآآه .. وأنا مش هـ.. هاسيب أمي

أنزل ساقيه ، ومـــال بجذعه للأمـــام وهو جالس على المقعد ، ثم رمقها بنظرات جامدة قبل أن ينطق بعنجهية بـ :
-تؤ .. مش هتعرفي ! أنا هارتب كل حاجة عشان آآ..

قاطعته تقى بصوت غاضب وهي تهدر فيه بإنفعال بـ :
-إنت ايه .. خربت بيتي وضيعتنا .. عاوز ايه تاني ؟ ابعد بقى عننا .. آآآه

عضت هي على شفتيها من الآلم ، وأغمضت عينيها لتقاوم تلك العبرات التي تسللت إلى مقلتيها ...
أمسك أوس بمعصمها فإنتفضت هي فزعاً ، وفتحت عينيها ، وتلوت به لتحرره ، ولكنه أحكم قبضته عليه ، وحدجها بنظرات مخيفة ، ثم تحدث وهو يضغط على أسنانه بـ :
-أنا عاوزك إنتي ، مهما عملتي مش هاسيبك للحظة ...!!

........................................

في بناية ما حديثة الطراز بمنطقة مصر الجديدة ،،،

وضع ممدوح المفتاح الذي بحوزته في مقبض الباب ، ثم فتحه ، ودلف إلى داخـــل منزله .. ثم تحسس بكف يده - في الظلام الدامس الذي يسود المكان - الجدار المجاور للباب ليضغط على مفتاح الإنارة ، حتى يتمكن من الرؤية بوضوح ..
لحق به حــــارس البناية وهو يحمل حقائب سفره ، ثم أسندها في الصالة ، واستدار ليواجه ممدوح ، ورسم على وجهه ابتسامة بلهاء وهو يتجشأ بـ:
-نورت مصر يا ممدوح بيه ، هتطول في الزيارة المرادي ولا آآ...

قاطعه ممدوح بصوت جاد بـ :
-لأ خلاص ، أنا مش هسافر تاني ، أنا نويت أستقر هنا
-بجد يا سعات البيه ، ده البلد هتنور بيك

أخـــرج هو حفنة من النقود من جيبه ، ثم مد يده بها ناحية الحارس الذي اندفع واللعاب يسيل من فمه نحوه ، وأخذ النقود ودسها في جيبه ، ثم قال بهدوء
-شكراً .. يالا خد الباب في ايدك

ابتسم الحارس في سعادة واضحة وهي يجيبه بتلهف بـ :
-حاضر يا بيه

تأمــــل ممدوح صالة منزله وجاب ببصره الأثاث الذي كان غالبيته مغطى بالشراشف البيضاء ..
ثم تنهد في إنهاك وقال بهدوء يحمل الوعيد :
-معدتش ورايا حاجة إلا إنت وعيلتك بس يا مهاب .............................................!!!
في قصر عائلة الجندي ،،،،

رفضت ليان أن يُقام أي حفل للاحتفال بيوم مولدها الذي إعتادت ناريمان إقامته في أبهى صوره بالإضافة إلى نشره في المجلات التي تهتم بسيدات المجتمع الراقي وأخبار المشاهير ..
ولم تتجادل ناريمان كثيراً معها ، فهي الأخرى لم تكنْ في حـــال جيدة .. فتسارع الأحداث وتعقدها جعلها غير مهيأة نفسياً لمواجهة أي أحــد ، أو حتى للإجابة عن تساؤلات البعض .. لذا فضلت الخيار الأخير إلغاء الحفل تماماً ..

كما كانت الاثنتين تتجنبان اللقاء أو الجلوس معاً على قـــدر الإمكان ، فــ ( ليان ) تشمئز من حالها ومما إرتكبته في حق نفسها وكيفية التفريط في شرفها دون مجهود يذكر بعد الوقوع فيما يسمى بفخ الحب ..
في حين إكتفت ( ناريمان ) بتمضية وقتها ما بين الجلوس في حديقة القصر ، أو بمفردها في صالة الألعاب الملحقة بالنادي .. ولم تردْ على غالبية اتصالات رفيقاتها أو حتى عضوات الجمعية .. وبررت هذا بإنشغالها بأحوال ابنتها ..

كذلك لم يعبأ أوس بما يحدث مع كلتاهما ، وكان يعرج على القصر فقط ليستحم ويغير ملابسه .. فنادراً ما كان يجلس مع أي منهما .. أو حتى يستفسر عن أحوال من يقطن بالقصر .. والجميع متعجب من التغيير - الغير مقنع - في طباعه الصارمة ، والتي تحولت إلى اللامبالاة الشديدة
أما مهاب فكان وجهه كفيلاً بالتعبير عما يجول في نفسه ، فهو دائم العبوس والتجهم ..
يهرب من قضاء وقته مع زوجته ناريمان ، ويحاول قدر الإمكان إلهاء نفسه في العمل ...

......................................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب :

وصـــل عدي إلى مقر الشركة ، وقابل معظم الموطفين بإبتسامة هادئة ، ثم عـــرج إلى مكتبه ، وجلس على مقعده ، وأرجع ظهره للخلف ، ثم أغمض عينيه ، وتنهد في إرتياح ، ثم أردف بـ :
-يـــاه ، أخيراً الواحد رجع شغله تاني

فتح عينيه ، ثم اعتدل في جلسته ، ومد يده ليمسك بسماعة الهاتف الأرضي ، وضغط على زر ما به ، وتحدث بصوت آمر بـ :
-تعاليلي بالبوسطة المتأخرة كلها ، والملفات اللي عاوزة مراجعة وتوقيع .. ممممم.. أيوه .. تمام ..!

ثم وضع السماعة في مكانها ، وعبث بمحتويات مكتبه ..
وما هي إلا لحظات حتى دلفت السكرتيرة إلى الداخل وهي تحمل في يدها مجموعة من الملفات والأوراق ..

ابتسمت السكرتيرة ابتسامة رقيقة وهي تمد يدها بالأوراق ناحيته ..
-تمام ، هاتيلي مواعيد النهاردة
-حاضر يا فندم

كانت السكرتيرة على وشك الانصراف تماماً من المكتب حينما تذكرت أمـــر المظروف البريدي الخاص بأوس ، فإستدارت بجسدها نصف استدارة ، وأردفت بـ :
-كان في ظرف جه لأوس باشا بقاله فترة بس هو مجاش الشركة يستلمه وآآ..

ضيق عدي عينيه ، وتسائل بفضول بـ :
-ظرف ايه ده ؟
-مش عـــارفة ، بس في حد سلمه في الريسبشن تحت ، وقال إنه خاص بأوس باشا

تملكه الفضـــول ليعرف ما الذي يوجد بالطرد ، فأمرها بتلهف بـ :
-طب هاتيه بسرعة
-بس آآ..
-من غير بس ، مش يمكن شغل متعطل ولا حاجة ، وأنا هنا مكان الباشا أوس .. يالا ، مش هاعيد وأزيد في كلامي كتير ..!

هزت السكرتيرة رأسها موافقة ، ورسمت على وجهها ابتسامة سخيفة ونطقت بـ :
-حاضر يا عدي باشا

..................

بعد دقائق قليلة ، عادت السكرتيرة إلى المكتب ، وأسندت المظروف على سطح المكتب ، ومن ثم إنصرفت في هدوء ، وأغلقت الباب خلفها ..

أمسك عدي بالمظروف ، وقلبه بأصابع يده ، وظل ينظر إليه بفضول وهو يتسأل نفسه بحيرة بـ :
-في ايه الظرف ده ؟!

فتح هو المظروف من الجانب ، وأفرغ محتوياته ، ونظر في البداية إلى الصور الفوتغرافية بعدم اكتراث ، وحدث نفسه عالياً بـ :
-إيه الصور دي ؟

أمعن هو النظر جيداً في معظم الصور التي كانت تحتوي على مناظر عارية لـ ( ليان ) ، واتسعت مقلتيه في ذهول ممزوج بالصدمة ، وقلب صورة تلو الأخــرى وهو يحدث نفسه بتلعثم بـ :
-دي آآ... دي ليان .. أخت أوس .. مش ممكن

نهض عن مقعده ، ودفعه بقدمه للخلف ، وأعــــاد النظر - بتفحص أكثر -في الصور مجدداً ، وتأكد من هويتها ، فهو يعرفها جيداً ، فإحتقن وجهه من الضيق ، وتشنج بـ :
-إزاي تعمل كده ، إزاي ؟! ده لو أوس شم خبر ولا عرف مش .. مش بعيد إنه آآ.. لألأ .. استحالة الصور دي توصل لأوس ...!!!
ثم قام بجمعهم ودسهم في المظروف ، واندفع راكضاً إلى خـــارج المكتب ..

نهضت السكرتيرة عن مقعدها حينما رأته يخرج ولمحت تعابيره المنزعجة ، فأسرعت خلفه وتسائلت بـ :
-عدي باشا ، حضرتك رايح فين ؟ يا عدي باشا !!

لم يجبها هو ، بل إنطلق في اتجاه المصعد وضغط على زره بعصبية ، ثم طرق على الباب المعدني بقبضته المتكورة ، وصاح غاضباً بـ :
-فين أم الأسانسير !!

إنفتح الباب المعدني ، فإندفع بسرعة داخله ، ورمق السكرتيرة بنظرات حادة قبل أن ينغلق الباب عليه ....

..........................

في مشفى الجندي الخـــاص ،،،

أرخى أوس قبضة يده عن تقى ، ثم نهض عن المقعد ، وتجـــول أمامها في الغرفة بثقة وغرور ، وتابعته هي بنظراتها المذعورة ..
صرت تقى على أسنانها في حنق ، وعاتبت نفسها بصوت هامس بـ :
-أنا ايه بس اللي وقعني في سكته ، عملت ايه غلط في حياتي عشان ربنا يبليني بالمصيبة دي

راقبها هو بحذر من طرف عينه ، ولاحظ تحديقها به ، فإلتوى فمه في غرور أكثر ، ثم بنبرة متغطرسة أردف بـ :
-بتفكري فيا .. صح ؟

ضيقت هي عينيها في غيظ ، وبصــوت مغلول أجابته بـ :
-راحمني بقى ، سبني في حالي

في نفس التوقيت دلفت ممرضة مــا إلى داخــل غرفة العناية وهي تحمل في يدها صينية صغيرة بها أطباق صغيرة بلاستيكية مغلفة ، وترسم على وجهها إبتسامة زائفة .. وبنبرة هادئة بدأت حديثها بـ :
-ميعاد الأكل بتاعك يا آنسة
-هاتيه
قالها أوس بصوت آمـــر وهو يشير للممرضة بعينيه الصارمتين ، فنظرت هي له بتوجس ، ومدت يدها بها إليه ، وقالت بتردد :
-بس أنا هنا .. آآ.. عشان آآ..

حدجها هو بنظرات أكثر حدة ، ثم بصوت جاد آمرها مجدداً بـ :
-امشي برا .. يالا

هزت الممرضة رأسها موافقة ، ثم سارت في اتجاه باب الغرفة بخطوات متعثرة ، وأغلقت الباب خلفها

اقترب أوس من تقى وهو يحمل الصينية ، ثم أسندها على الطاولة الملتصقة بفراشها .. وأزال الأغلفة من على الصحون البلاستيكية ، وغرس الملعقة في الأرز الساخن ، ثم قربها من فم تقى ، وبصوت رخيم أمرها بـ :
-افتحي بؤك

باغته هي بدفع يده بعيداً عن فمها ، فتناثر الأرز على الملاءة وكذلك على كف يده ..
لم تتغير تعابير وجهه على ردة فعلها المنفعلة تلك ، بل على العكس تماماً تحدث ببرود :
-طب كلي عشان تعرفي تقاوميني كويس ..!

تشنجت تقى وهي تهدر بصوت مبحوح بـ :
-إنت ايه يا أخي ، ابعد عني بقى ، خليني أعيش حياتي ، وأصلح اللي انت بوظته

مـــال أوس بجذعه على الفراش ، فتراجعت هي في ذعـــر للخلف ، فحاصرها بذراعيه ، وشعر بإرتجافتها الشديدة منه ، فابتسم ابتسامة شيطانية ، ورمقها بنظراته القوية ، وبصوت جــاد حدثها بـ :
-مش هتعرفي مهما عملتي ، لأني مش هاسيبك تبعدي عني لحظة إلا لما آآآ..

ثم صمت ولم يكمل عبارته ، وغمـــز لها بعينه اليسرى في لؤم ، ففهمت هي المغزى من نظراته الغير بريئة ، فإحتقن وجهها سريعاً ، وضاقت عينيها ، وحدجته بنظراتها الساخطة ، وهدرت فيه بـ :
-إنت حيوان مش بني آدم حتى ...!

صـــر هو على أسنانه وهو ينطق بعنجهية بـ :
-بالظبط .. والحيوان ده هايفضل ملازمك لحد ما يزهق منك ويرميكي !

ثم اقترب برأسه أكثر منها ، فأبعدت وجهها للجانب لتتجنب لهيب أنفاسه التي تخنقها ، وأغمضت عينيها في خوف ، وإزدادت إرتجافة جسدها ، فهمس هو في أذنها بـ :
-وإنتي بإيدك تخلصي نفسك وتخلصي أمك من حبل المشنقة

فتحت هي عينيها فجـــأة وإستدارت برأسها ناحيته ، لتنظر إليه مباشرة في ذهـــول ..
-هـــاه .. حــ.. حبل المشنقة !!!!
-ايوه .. والمباحث منتظرة مكالمة مني عشان ينهوا كل حاجة
-ايه !!

كانت المسافة بين نظراتهما قصيرة للغاية ..
فإستطاعت أن ترى بوضوح بريق عينيه ، ورأت نيران الحقد تبرز من خلالهما ، وإزدادت يقيناً أنها وقعت بين براثن ذئب لا يرحم ....

إتسعت إبتسامته المغترة على ثغره ، وتمعن هو فيها بنظرات مطولة .. ثم تابع ببرود قاسي بـ :
-ايوه .. دي جريمة قتل ، وأنا أقدر أخلي أمك في لحظة تكون متعلقة على حبل المشنقة ، أو أطلعها براءة ..!

-بــ...براءة
قالتها هي بصوت متلعثم وهي تنظر إليه دون أن تطرف بعينيها للحظة ..
-أها .. وزي ما قولتلك إنتي اللي بإيدك تختاري

توترت نظراتها ، وسألته بحيرة وتوجس بـ :
-قصدك إيه ؟

مط هو شفتيه للأمـــام ، وتراجع للخلف ليجلس مجدداً على المقعد ، ثم وضع ساقاً فوق الأخـــرى ، واخذ يهزها بحركة ثابتة قبل أن يكمل بقسوة :
-تسلميلي نفسك يا تقى ، وانا هاطلع أمك من قضية القتل زي الشعرة من العجينة .....!!!!

....................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

دلف عدي إلى داخل غرفة الصالون بعد أن استقبلته المدبرة عفاف ورحبت به ..
ظل هو واقفاً في مكانه ، ولكن ملامح وجهه لا توحي بالخير مطلقاً ..
كانت المدبرة عفاف على مقربة منه ، فتسائلت بنبرة هادئة بـ :
-حضرتك تحب تشرب إيه لحد ما أبلغ ناريمان هانم بوجودك

-أنا مش عاوز أشرب حاجة ، ولو سمحتي يا عفاف تناديلي ليان
قالها عدي بصوت قاتم وهو يرمقها بنظرات دقيقة

قطبت عفاف جبينها ، ورفعت حاجبيها في إندهاش ، وقالت بإستغراب :
-ليان هانم ..!
-ايوه ، ويا ريت تبلغيها إن المسألة ضرورية جداً ، وماينفعش تتأجل
-بس هي ممكن ترفض ، وآآآ..
-مافيش بس ، قوليلها الموضوع خاص بصور مهمة

هـــزت عفاف كتفيها في عدم فهم ، وقالت بهدوء :
-حاضر

انصرفت هي مبتعدة عنه ، واتجهت نحو الدرج ، وتابعها هو بعينيه ، وحدث نفسه بصوت هامس بـ :
-الموضوع ممكن يوصل للدم يا ليان لو أنا ملحقتش أتصرف....!

غابت عفاف لبضعة دقائق ، ثم عادت إليه مجدداً ، وقالت له بنبرة شبه يائسة :
-للأسف رافضة تقابل حضرتك ، وبتقول إنها تعبانة
-ماينفعش ترفض تقابلي
قالها عدي بنبرة حادة تقريباً ، فتعجبت عفاف من طريقته ، ورمقته بنظرات غريبة ، فأشـــار هو لها بيده ، وقال بضيق :
-معلش يا عفاف اطلعي تاني ليها ، وقوليلها لو هي منزلتش تتكلم معايا حالاً ، أنا هاطلعلها

جحظت عفاف بمقلتيها ، وفرغت شفتيها في ذهـــول وهي تنطق بـ :
-اييييه !!
-زي ما سمعتي يا عفاف !!
-مممم.. مش عارفة أقول لحضرتك إيه
-أقولك على حاجة ، خدي وريها دي

عبث عدي في الصور الموجودة بالمظروف دون أن يخرجها ، وإنتقى صورة ما لـ ( ليان ) ، ثم شطرها إلى نصفين ، ومد يده بالجزء الذي لا يظهر وجهها بعد أن طواه إلى عفاف ، وقال بنزق :
-وقوليلها بقية الصورة معايا

أومــــأت عفاف برأسها موافقة ، ثم تحركت نحو الدرج ، وصعدت عليه ..
ظل عدي في مكانه يجوب الغرفة ذهاباً وإياباً ، وعلامات التوتر جلية على تعابيره العامة ، أما في رأسه كانت ألاف وألاف الأسئلة تدور فيها حول ماهية تلك الصور الفاضحة وأسبابها ، ولكن كان بباله فكرة ما ظن أنها ستناسبه هو وهي إلى حد ما .. وربما ستريح كلاهما من المشاكل والفضائح ، ولكن عليها أن تقتنع بها أولاً قبل أن يجعلها في حيز التنفيذ
في مشفى الجندي الخــــاص ،،،،

برقت عيني تقى في ذهـــول تــــام بعدما سمعت العرض البغيض الذي اقترحه أوس عليها ..
لم تعرف بماذا تجبه ، فظلت فقط صامتة ، محدقة في نقطة ما في الفراغ أمامها ، وإزداد شحوب وجهها وهي ترى نظراته الوضيعة المسلطة عليها ..
قاطع هو شرودها بنبرة ماكرة بـ :
-مش محتاجة تفكري كتير يا تقي ، حريتك مقابل حرية أمك .. ده لو إنتي بتحبيها فعلاً

صـــرت على أسنانها في حنق ، ونظرت إليه بغل وهي تنطق بـ:
-إنت .. آآ..
-أنا ايه ؟ قولي ! ها مستني أسمع منك !!!

تجمدت الكلمات على شفتيها ، وعجزت عن إكمـــال عبارتها .. فابتسم هو لها إبتسامة ساخرة ، ثم قال لها بغرور :
-القدر بيلعب لعبته معاكي ، دايما بتيجي الظروف في طريقي ..!

ثم صمت لوهلة قبل أن يتابع بنبرة تحمل التحدي والوعيد :
- وإنتي غصب عنك هتختاري وإلا ..آآ..

قاطعته هي بصوت مبحوح بـ :
-ماشي أنا موافقة على عرضك بس بشرط

مط شفتيه في استغراب وضيق عينيه ، ثم بنبرة استهزاء تسأل بـ :
-وكمان في شرط !
-أيوه

سألها أوس بفضول وهو محدق بها :
-ممممم... شرط ايه ؟
-تتجوزني !
-أتجوزك ..!
قالها أوس بطريقة متهكمة قبل أن ينفجر ضاحكاً بطريقة هيسترية ، فإشتعلت غضباً وهدرت فيه بـ :
-قولت إيه غلط عشان تضحك بالشكل ده ؟؟
-ههههههههه ... أصل انا مش بتاع جواز يا حلوة

عبست هي بملامح وجهها ، وأردفت بنبرة إصرار بـ:
-ولا أنا بتاعة ( حرام ) يا باشا

زم هو فمه للأمــــام ، ووضع يده على رأسه ومررها في خصلات شعره ، ثم نظر لها بنظراته الفارغة مطولاً قبل أن يباغتها بصوت واثق بـ :
-ماشي أنا موافق ، بس هاتستحملي اللي هاعمله معاكي ؟

-مش هتفرق ، المهم مش هاغضب ربنا عشان واحد زيك
قالتها تقى وهي ترمقه بنظرات مهينة جعلت عيناه تشتعلان من الغضب الممزوج بالحنق ..

.............................

في قصر عائلة الجندي ،،،،،

ركضت ليان هبوطاً على الدرج وهي تحمل في قبضة يدها الصورة الممزقة ، ونظرت حولها بريبة ، ثم توجهت لغرفة الصالون ، فرأت عدي بداخلها ، فإبتلعت ريقها في إرتباك جلي ..
ثم تسألت بصوت متلعثم بـ :
-إنت .. جبت الصورة دي منين ؟!

إلتفت عدي بجسده ناحيتهأ ، ثم تحرك خطوة ليقف قبالتها ، وتحدث بلؤم بــ :
-جبتها من مطرح ماجبتها ، المهم إنها انتي يا ليان
-أنا .. آآ.. أنا آآ..
-إنتي عارفة لو كانت الصور دي وصلت لأوس كان ممكن يحصلك ؟

اتسعت مقلتيها في خــــوف ، وظهر الرعب على قسمات وجهها ، وجف حلقها وهي تتوسل له بـ :
-بليز عدي ، مش تقوله ، أنا ..آآآ..
-لو كنت عاوز أقوله ، مكونتش جيت على هنا الأول عشان أعرفك بموضوع الصور دي ..!

إنهــــارت ليان باكية أمامه ، وجلست على الأريكة ، ودفنت وجهها الباكي في راحتي يدها ، وأجهشت أكثر بالبكاء ، وتعالت شهقاتها ..
تنهد هو في ضيق ، واقترب منها ، وأسند كف يده على كتفها ،وضغط عليه قليلاً ، وتحدث بهدوء بـ :
-خلاص اهدي .. أنا عندي الحل لمشكلتك دي ، بس لازم أعرف الأول إيه اللي حصل بالظبط ، ومين عمل كده ..

أبعدت هي كفي يدها عن وجهها ، ورفعت عينيها للأعلى لتنظر لها بإمتنان وهي تنطق بصوت مختنق بـ :
-اوكي .. بس مش هاينفع أحكي هنا ، تعالى نخرج برا
-ماشي

ثم نهضت عن الأريكة ، ومسحت بأطراف أصابعها العبرات المنهمرة على وجنتيها ، وتابعت بخفوت بـ :
-هاطلع بس أغير هدومي ، واحصلك على النادي
-أوكي ، وأنا هستناكي هناك
-deal ( متفقين )

ثم تركته وإنصرفت من الغرفة ، في حين جمع هو باقي الصور الفوتغرافية في المظروف ، وأحكم قبضته عليه ، وإنحنى بجذعه للأسفل ليمسك بفنجان القهوة ، وإرتشف القليل منه ، وحدث نفسه بمكر بـ :
-لو طلع اللي في دماغي يبقى أنا اللي كسبت مش هي ..!!!

أسند عدي الفنجان على الطاولة ، ثم مشى بخطوات هادئة نحو باب القصر ...
...................................

في مشفى الجندي الخــــاص ،،،

مســـح أوس بلسانه على أسنانه ، وتجشأ قائلاً :
-يبقى تجهزي نفسك ليا ، وأنا عند كلمتي

نظرت هي له بتحدي ، وقالت بإصرار:
-مش هاعمل حاجة غير لما أمي تطلع براءة

ابتسم هو لها بثقة ، ورفع حاجبه في غرور ، وبنبرة متكبرة أردف بـ
-متقلقيش .. أنا أد كلامي ، وهاتشوفي يا تقى ..

ثم تحرك هو في اتجاه باب الغرفة ، وقبل أن يخرج منها ، سلط بصره عليها وأمرها بـ :
-وكملي أكلك ، لأني عاوزك تبقي بصحتك عشان اللي جاي يا .. يا عروسة

ثم ضحك عالياً بطريقة مستفزة ، وأغلق الباب من خلفه ، فحدجته هي بنظرات ساخطة ، وبصقت عليه ، وقالت بإشمئزاز :
-ربنا ينتقم منك ، وياخدك .. يا قادر يا كريم ، إنت عالم باللي أنا فيه ...!

..................................

في أحـــد النوادي الشهيرة ،،،،

سردت ليان لعدي الفخ الحقير الذي وقعت فيه ، وكيف أسلمت نفسها لفارس تحت إسم الحب ..
أنصت هو إليها بإهتمام واضح ، ولم يعقب حتى انتهت تماماً من الحديث ، فسألته بتوتر بـ:
-هاتقول لأوس على اللي حصل ؟

صمت عدي لبرهة من الزمن ، فإزداد توترها ، واضطربت أكثر ، وجف حلقها ، فأمسكت بكوب المشروب البارد الذي أمامها بيد مرتعشة ، ووضعته على شفتيها ، وتجرعته مرة واحدة ...
راقبها هو بتمعن ثم أخـــذ نفساً مطولاً ، وزفره على مهل قبل أن يجيبها بـ :
-لأ .. بس بشرط
-شرط ايه ؟

نظــــر عدي مباشرة في عينيها ، وصمت للحظة قبل أن ينفرج ثغره لينطق بـ :
-نتجوز

فغرت شفتيها في ذهــــول ، واتسعت عينيها في إندهاش عقب عبارته الأخيرة ، وقالت بتلعثم :
-هــــاه ..نـ.. نتجوز !!!
-أيوه .. ده الحل الوحيد لمشكلتك
-بس آآ..

مــــد عدي يده ووضعها على كفها المسنود على الطاولة ، فنظرت هي له بإندهــاش ، فإبتسم لها في هدوء ، ورمقها بنظرات مليئة بالحنو ، ثم بنبرة رخيمة تابع بـ :
-أنا عارف إن كلامي مفاجأة بالنسبالك ، بس أنا عاوزك تفكري في اللي بأقوله بعقلك ، الموضوع مش سهل خالص ، ولو حد من عيلتك عرف باللي حصل صدقيني انتي اللي هتتلامي مش ابن الـ *** اللي عمل كده ...!!!!

لم تعرف ليــــان بماذا تجبه ، فقد باغتها هو بعرضه المغري ، والذي ربما يكون – من الناحية العقلية – طوق النجاة بالنسبة لها من تلك الكارثة التي وقعت ضحيتها .....
..............................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،،

عــــاد أوس إلى القصر وعلى وجهه ابتسامة إنتصــــار واضحة ..
لم يعبأ هو بالخدم الذين رمقوه بنظرات إندهــاش .. ولا بوالده الذي لم يكف عن حدجه بالنظرات الساخطة ..

ولج هو إلى داخـــل غرفته ، ثم نظر نحو خزانة الملابس ، وفتح ضلفتها ، وأخرج حقيبة سفر صغيرة ، ثم بدأ يضع بداخلها ثيابه الخاصة ..
وما إن انتهى حتى إندفع ناحية المرحاض ليغتسل ، ويبدل ملابسه ..

كان شعور بالإنتصــــار يغمره ، فها قد وقعت تلك البائسة في قبضة يده ، وحــــان الوقت لتلقينها أسوأ دروس حياتها ..

تأكد أوس من هيئته المهندمة أمــــام المرآة ، ثم أمسك بهاتفه المحمول ، وضغط على عدة أزرار قبل أن يضع الهاتف على أذنه ..
انتظر هو لثوانٍ قبل أن ينطق بصوته الأجش القوي بـ :
-عاوزك تروح قسم ( .......) وتشوفلي قضية اللي اسمها فردوس شحاته وصلت لفين ... أهـــا .. حاجة تخصني !

ثم صمت ليستمع إلى ما يقال على الجانب الأخـــر ، ووضع يده الأخــرى في جيب بنطاله ، وتحرك خطوة للأمــام قبل أن يتابع بصوت جــاف بـ :
-اعرفلي كل حاجة عنها ، وخلصلي الموضوع ده نهائي

صمت مجدداً لأقل من دقيقة ، ثم مط فمه للأمـــام وتحدث بـ :
-التفاصيل ..! طيب أنا هاقولك بالظبط على اللي حصل قدامي !

......................................................

في مشفى الجندي الخـــــاص ،،،

لم يتوقف عقل تقى عن التفكير للحظة فيما حدث لها منذ أن إلتقت بهذا الهمجي ، فحياتها إنقلبت رأساً على عقب ، وتحولت إلى جحيم مستمــر ..

لم تمنع عينيها من ذرف الدموع ، فهي المنفس الوحيد لها الآن ..
رفضت أن تتناول طعامها ، وتركته كما هو أمامها ، وحدثت نفسها بصوت مختنق بـ :
-أنا عملت إيه في دنيتي عشان يحصلي ده كله ، وليه واحد زي ده يتساب كده من غير ما يتحاسب

ثم رفعت عينيها المتورمتين من البكاء إلى الاعلى ، وتابع بمرارة بـ :
-يا رب إنت اللي عالم باللي بيا ، انتقم منه يا رب وريحني ، يا رب فك ضيقة أمي هي مالهاش ذنب في اللي حصل ، أه هي صدقته بس قلبها طيب وبتحبني وبتخاف عليا .. يا رب خد البني آدم ده ونجيني من شره ، يــــا رب

ثم مـــدت يدها لتأخذ منشفة ورقية من العبوة الموضوعة على الطاولة ، ومسحت بها عبراتها ، وأنفها المنتفخ ..

سلطت هي بصرها فجــــأة على باب الغرفة حينما وجدته ينفتح على مصرعيه ، ويدلف من شخص ما هيئته مهيبة وطاعن في السن .. ورغم هذا فيبدو عليه الصرامة والحدة
ابتلعت هي ريقها في توجس ، ونظرت إليه بحذر ..
اقترب منها مهـــاب وحدجها بنظرات مهينة قبل أن يصيح فيها بـ :
-لو إنتي مفكرة إن واحدة زيك هاتقدر تضحك على إبني تبقي غلطانة ومتعرفيش هو مين ولا إبن مين !!!

لم تفهم تقى ما الذي يعنه هذا الرجل بكلامه الجـــارح والصادم هذا ، ففغرت شفتيها الذابلتين في ذهول :
-هــــاه .. آآآ

استمر هو في رمقها بتلك النظرات الإحتقارية ، وتابع بإنفعال بـ :
-أنا أسوأ من أي حاجة تقدري تتخيليها

ابتلعت ريقها في خـــوف ، ونظرت له بذعر ، ونطقت بتوتر بـ :
-إنت .. إنت مين أصلاً ؟
-أنا الدكتور مهاب الجندي ، وإبني هو أوس الجندي
-إييييه ..!
-بلاش أمور الاستعباط دي ، إبعدي عن إبني أحسنلك بدل ما تندمي

أخفضت تقى عينيها ، وإبتعلت غصه مريرة في حلقها ، وأردفت بصوت يائس بـ :
-يا رتني أقدر إبعد

وقف مهاب أمامها ، ثم أمسك بمعصمها ، وهزه بعنف بعد أن أحكم قبضته عليه ، وهـــــدر بها بـ :
-شغل بنات الـ ***** اللي زيك أنا عارفه كويس

تأوهت تقى من الآلم ، وتلوت بذراعها لتحرره ، ولكن كان مهاب يتعمد إيلامها ، فصرخت بـ :
-آآآه .. انت .. إنت بتوجعني

لم يعبأ بها مهاب ، ولم يهتم لنظرات التوسل في عينيها ، بل إستمر في إيذائها ، ونطق بتوعد بـ :
-لأخـــــر مرة أنا بأحذرك يا بنت الـ *** من إنك آآآآ...

في تلك اللحظة كان أوس هو الأخــــر بداخل الغرفة ، فصاح عالياً بـ :
-بابا ..!!! إنت بتعمل إيه ؟

أرخـــى مهاب قبضته عن تقى التي نظرت إلى أثار أصابعه على معصمها .. وضغطت على أسنانها في إنكســــار وذل ..

اقترب أوس من أبيه ، وحدجه بنظرات مشتعلة ، ثم أردف بـ :
-مش أنا قايلك ملكش دعوة باللي يخصني !
-أيوه ، بس إنت تخصني يا أوس

نظــــر أوس مباشرة في عيني والده ، وقال بصرامة باتة :
-وتقى تخصني أنا يا د. مهاب

أشــــار مهاب بكف يده لتقى ، ونطق بحنق بـ :
-دي بت شمــال بنت ***** مالهاش أهل ، وبتستغلك وآآآآ...

قاطعه أوس بنبرة مغترة بـ :
-مهاب باشا ، مش انا اللي تضحك عليا واحدة
-يا أوس آآآ.....
-د. مهاب ، زي ما أنا زمان ماتدخلتش في اللي بتعمله ، فيا ريت تسيبني وأنا بأعرف أتصرف

إستشاط مهاب غيظاً من ردود إبنه الفظة عليه ، فالتفت برأسه ناحية تقى وحدجها بنظرات إستعلاء ، وأشار بإصبعه وهو يتابع بضيق بـ :
-إنت حـــر .. بس دي هاتضيعك

إبتسم أوس لأبيه إبتسامة مغترة ، ثم اقترب برأسه منه ، ومـــال على أذنه ، وهمس له بنبرة تشبه فحيح الأفعى بـ :
-مش قبل ما أضيعها ...!!

..................................

مــــرت عدة أيـــــام ، والأوضــــاع في تطور مستمر ...
فعدي لم يكف عن الاتصــــال بليان وبمحاولة إقناعها بعرضه ( السخي ) بالزواج منه للخلاص من كل مشاكلها ..
وهي أوشكت على الإقتناع بما يقول ، فليس أمامها أي خيـــار أخـــر سوى هذا الحل في الوقت الراهن ...

إنشغـــل ممدوح في تجهيز معمل التحاليل الجديد الخـــاص به ، والذي سيكون نقطة البداية له في القاهرة بعد سنوات من الغربة ومحاولة تناسي الماضي .. وأرجأ لبعض الوقت خطته في إفســـاد حياة مهاب ريثما ينتهي من أموره الحالية ..

تولى المحامي الخاص بمجموعة شركات الجندي للصلب قضية فردوس شحاته ، وأوجـــد الثغرات التي تمكنه من إخـــراجها من تلك المعضلة دون توجيه أي تهمة لها ، حيث قرر أن يحول مســـار القضية من قتل عمد إلى محاولة إنتحـــار من قبل المجني عليها ، وأن والدتها كانت تحاول إنقاذها ، ولكن بالخطـــأ تطور الوضع ، وقاومتها إبنتها بشدة ، وإنغرس السكين في ظهرها ..
وتعاون المحامي مع رفاقه المتخصصون في تلك النوعية من القضايا في وضع الدفوع المناسبة حتى يتم التأكد من براءة فردوس ...

كمـــا لم يترك أوس الفرصة لتقى لتنفرد بنفسها ، بل تعمد يوماً بعد يوم أن يريها مدى سطوته ، وجبروته ، وصلاته القوية ..
ورغم تحسن حالتها الصحية ، إلا أن حالتها النفسية قد ساءت كثيراً ..
فهي تشعر في قرارة نفسها أنها كمن يقبل على الإعدام ، ولا مفر لها منه ..

...........................

في أحــــد الأيــــام ،،،،

انتهت فردوس من توقيع أوراق إخلائها من السجن ، وتوجهت ناحية بوابته الحديدية وهي غير مصدقة مـــا حدث لها .....

ترجلت هي من الحافلة ، ومسحت بطرف حجابها وجهها المتعرق ، ثم ســـارت بخطوات متثاقلة نحو الزقــاق الذي يؤدي للحـــارة الشعبية

كان معظمي قاطني تلك المنطقة ينظرون إليها بإستغراب شديد ، ولم يكفوا عن الغمز واللمز .. ورغم هذا هي لم تهتم بما يقولون .. فقد كان شاغلها الأكبر ( حالياً ) هو إبنتها ...
مطت هي شفتيها ، وحدثت نفسها بـ :
-يا مين يقولي على أراضيكي يا بنتي وأنا أجيلك ، آآآه .. أنا اللي ضيعتك ، وإنتي كنتي أرحم من نفسي عليكي ، وطلعتني من النصيبة دي .. يــا رب دلني عليها

مـــرت هي على بائعة تفترش الأرضية الإسفلتية ، وتقف إلى جوارها سيدة ما ، فسمعت إحداهما وهي تتحدث عالياً بشماتة بـ :
-هي مش كانت غارت في داهية هي وبنتها الـ ***** ، إيه اللي رجعها تاني
-العيب على رجالة الحارة اللي سايبن نسوان كَسر زيهم كده أعدين وسطنا

إستدارت فردوس برأسها نصف إستدارة للخلف ، ورمقتهما بنظرات حادة ومحتقنة ، ثم صرت على أسنانها ، وهدرت بـ :
-حسبي الله ونعم الوكيل ، ربنا على المفتري

ثم تركتهما وإنصرفت ، فصاحت إحداهما عالياً بـ :
-يا جبروتك ، بتحسبني علينا ، داهية تاخدك إنتي واللي زيك

وأضافت الأخـــرى بنفس النبرة الغاضبة :
-أمين يا رب
.................

وصلت فردوس إلى البناية التي تقطن بها ، ولكنها لم تستطع أن تدلف للداخل ، فقلبها يعتصر حزناً على ابنتها وعائلتها ..
تملكها اليأس والحزن ، وبدأت العبرات تتجمع في مقلتيها ، فأخرجت منشفة ورقية ومسحت به وجنتيها وعينيها ، وكذلك أنفها ..
-آآآه يا مراري .. يا غلبي على اللي أنا فيه .. آآآآآه ، ألاقيهم فين بس

ثم تنهدت في آسى ، وإنتحبت بصوت مختنق ... وتسائلت بصوت مسموع بـ :
-طب مين هايساعدني وآآ..

ثم طرأ ببالها –فجـــأة - أمــــراً ما ، فكفكفت عبراتها ، وحدثت نفسها بـ :
-مافيش إلا هو اللي هايقدر يساعدني ، أنا هاروحله

وبالفعل إستدارت بجسدها للخلف ، وإتجهت ناحية المسجد الموجود بالحــــارة ....

.......................................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،

جلس أوس على مقعده ، وبدأ في مراجعة بعض الأوراق الموضوعة أمامه .. وظل يعبث بقلمه الحبر بأطراف أصابعه ، وما إن ينتهي من مطالعة ورقة ما حتى يوقع عليها ..
في حين جلس عدي على المقعد المقابل وظل يتابعه في صمت .. ولكن عقله كان مشغولاً في كيفية بدء الحوار معه حول مسألة تقدمه للزواج من ليان ..
تجشــأ عدي لأكثر من مرة ، فضيق أوس عينيه ، ونظر له بإستغراب ، وتسائل ببرود بـ :
-في حاجة ؟
-هـــاه .. آآآ
نظر هو له بصرامة ، ثم تشدق بـ :
-في ولا مافيش ، إنت شايف أنا عندي شغل أد ايه وعاوز أنجزه

تنحنح عدي قبل أن ينطق بصوت خشن بـ :
-بص من غير لف ولا دوران أنا عاوز أتجوز أختك ليان !!!
-نعم ..!!
قالها أوس بإندهـــاش واضح على جميع قسمات وجهه الصـــارم ..

-أيوه ، أنا عاوز أتجوزها وماينفعش ترفض

أفـــاق أوس سريعاً من دهشته ، وعبس بوجهه ، وتحدث بصوت غليظ بـ :
-إنت واعي لطلبك ده

لــوى عدي فمه في استنكار قبل أن يتابع بـبرود بـ :
-وهو إيه في طلبي غريب ؟ ما تعرفني

نهض أوس عن مقعده ، ودفعه بساقه للخلف ، وحدجه بنظرات قوية وهو يحذره بـ :
-إنت عارف كويس أنا أقصد ايه

أرجع عدي رأسه للخف ، ثم هزها عدة مرات ، وتابع بعدم اكتراث بـ :
-أهــــا .. فهمت ..فهمت ..
-ولما انت فاهم كويس أنا أقصد ايه جاي تتطلب مني إنك تتجوز ليان ليه ؟؟

تمطع عدي بذراعيه ، ونظر إلى أوس بنظرات مستفزة ، قبل أن يتابع بنبرة غير مبالية بـ :
-لأن محدش هاينفع يتجوزها إلا أنا ..

تحدث أوس من زاوية فمه فقال بنزق :
-أفندم ؟!!!
-في وضعها الحالي مافيش حد هيرضى بيها ، وعشان أنا صاحبك فأخدمك فيها

استشاط أوس غضباً ، ودار حـــول المكتب ، ثم أمسك بعدي من ياقته ، وجذبه من على المقعد عنوة ، وحجده بنظرات قاتلة وهو يهدر فيه بصوت جهوري بـ :
-عـــــدي ..!

وضع عدي يده على قبضتي أوس ، وحاول تخليص نفسه ، ثم قالت بصوت هاديء :
-بالراحة بس يا أوس .. وأنا هاقولك السبب لده .............................................. !!
وضــــع أوس كلتا يديه على رأسه ، وضغط عليها بقوة ، فهو لم يتخيل أن تقع أخته ضحية لأكذوبة حقيرة ، وتسلم عرضها دون أي مجهود يذكر ..
راقب عدي ردود فعله بحــــذر ، وحـــاول أن يبرر له فعلتها بـ :
-هي برضوه صغيرة واتضحك عليها ، وكان ممكن آآ...

قاطعه هو بصوت آجش ومنفعل بـ :
-دي بنت ستين *** ، ملاقتش اللي يربيها
-دي أختك يا أوس

صــــر أوس على أسنانه ، وقال بسخرية مريرة :
-أه اختي ، بس تربية ناريمان ، فهتطلع إزاي ..!

ثم صمت للحظة قبل أن يتسائل مجدداً بضيق بـ :
وعرفت مين الـ ( وسخ ) اللي عمل كده معاها ؟

هـــز عدي رأسه بالنفي ، وأجابه بـ :
-لأ هي مقالتش عن اسمه ابن الـ *** ده

نظـــر هو لنقطة ما بالفراغ أمامه ، ثم كور قبضة يده ، وتوعد بـ :
-أنا هاعرف هو مين وهافرمه ...!

نظر عدي له بتوجس ، وقال بهدوء حذر :
-اهدى بس ، الانفعال مش هايحل حاجة الوقتي ، وأنا قولتلك أنا هاحل الموضوع

حدجه أوس بنظرات محذرة وهو يشير بإصبعه ، وهدر بـ :
-عدي ، إنسى الهبل ده

نظر عدي له بنظرات جادة ، ونطق بـ :
-ده مش هبل ، ده جواز ، وليان موافقة على كده

لوى هو زاوية فمه في عدم اقتناع ، وقال متهكماً :
-أه طبعاً لازم توافق عشان تداري على فضايحها النجسة
-اللي حصل حصل ، وأنا موافق بها كده

-يا سلام ..
قالها أوس بسخرية واضحة .. في حين تابع عدي بنبرة جادة بـ :
-أوس فكر بالعقل ، انت فاهم كويس إن لو حد عرف بالكارثة اللي عملتها ، سيرتها هاتبقى على كل لسان وآآ..

قاطعه أوس بصوت صــــارم بـ :
-تتحمل هي نتيجة غلطتها ، وأنا قسما بالله لهعرف أربيها

ابتسم عدي لنفسه بثقة ، وحدث نفسه بـ :
-سيب تربيتها عليا ، وأنا كفاءة بيها

تنحنح عدي مجدداً ، وقال بصوت خشن :
-هي مالهاش ذنب .. اللوم على ابن الـ ***** اللي ضحك عليها

طـــرق أوس على الجدار بعنف بقبضة يده ، وبنبرة تحمل الوعيد أردف بـ :
-أعرف بس هو مين ، وهامحيه من على وش الأرض ..!!!!!

هــز عدي رأسه ، ثم بصوت واثق تشدق بـ :
-هاتعرف ، وساعتها أنا بنفسي اللي هاجيبهولك تحت رجليك

....................................

في مسجد الحـــــارة القريب ،،،،،

وقفت فردوس على مدخل المسجد ، وحــاولت أن تنظر داخله لتبحث عن الشيخ أحمد ، فلمحته يجلس وسط بعض الأشخاص ويتحدث معهم .. فترددت في الدخـــول إلى المسجد ، ثم رأت شخصاً ما يلج للداخل ، فطلبت منه برجــــاء :
-الله يكرمك يا بني تناديلي على الشيخ أحمد من جوا ، وتقوله كلم الست فردوس
-حاضر يا ست
قالها الرجل وهو يخلع نعليه ، ثم دلف للداخــــل

وبالفعل خــــرج لها الشيخ أحمد بعد لحظات ، وأخفض بصره ، وتسائل بصوت هاديء :
-خير يا ست فردوس

مـــدت فردوس يدها لتمسك كف يده ، وتقبله ، ولكنه سحبه للخلف سريعاً ، ونظر لها بإندهاش أشـــد ، وقال محذراً
-استغفر الله العظيم ، جرى ايه يا ست فردوس

نظرت هي له بأعين دامعة ، وبصوت منتحب توسلت بـ :
-شيخ أحمد أنا واقعة في عرضك
-لا حول ولا قوة إلا بالله ، قولي يا ست فردوس على اللي انتي عاوزاه
-عاوزاك تساعدني أبرأ سمعة بنتي من الكلام اللي بيتقال عنها ، هي معملتش حاجة ، أنا اللي اتسرعت وظلمتها
-لله الأمر من قبل ومن بعد
-يا ريت لساني كان اتقطع قبل ما يقول عنها كلمة ظلم ، ولا إيدي كانت اتشلت قبل ما أمدها عليها
-قدر الله وماشاء فعل
-إنت الوحيد يا شيخ أحمد اللي هاتقدر تساعدني
-حاضر ..

ثم صمت الشيخ أحمد للحظة قبل أن يتابع بـ :
-ست فردوس هاتعملي ايه مع جوزك عم عوض ؟

نظرت هي له بإنكسار ، وقالت بتلهف :
-دلني عليه وأنا أروحله هوا

مط شفتيه للأمـــام ، وأجابها بهدوء بـ :
-طيب ، هاختم الدرس بس مع الناس الموجودين جوا ، وهاخدك ليه في المستشفى

ارتسمت ابتسامة رضـــا على وجهها ، وأشارت بيدها للجاني ، وتابعت بحماس بـ :
-ماشي يا شيخنا ، وأنا هاقعد هنا
-طيب يا ست فردوس ، عن اذنك

رفعت هي يديها بالدعــــاء ، وأضافت بصوت يحمل السعادة :
-اتفضل يا بركتنا ، ربنا يجازيك خير عنا ، ويجعلك في كل خطوة سلام

...............................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

تفاجئت ليــــان بأوس يقتحم غرفتها ، فإنتفضت فزعة من على فراشها ، ونظرت له بذعـــــر ، وقالت بنبرة مرتجفة :
-آآآ... أوس

تحرك هو في اتجاهها حيث تقف ، وحدجها بنظرات متوعدة ومميتة ، ثم أمسك بها من ذراعها ، وضغط عليه ، وهدر عالياً فيها بـ :
-عملتي كده ليه ؟

ثم باغتها بصفعة عنيفة على وجنتها ، فحاولت أن تحمي وجهها من بطشه ، ولكنه كان أقوى منها ، وتمكن من صفعها مجدداً..

تأوهت ليان من الآلم ، وصرخت فيه بـ :
-آآآآه .. سبني يا أوس ، كفاية

ضغط أكثر بيده على ذراعها ، وقال بصرامة وهو يرمقها بنظرات متأففة :
-مش قبل ما تقوليلي مين الوسخ اللي عملتي معاه كده

صدر منها أنين مكتوم وهي تحاول أن تبدو قوية أمام أخيها ، فقالت بنزق :
-آآآآه .. معرفش

هزها أوس بعنف ، وصرخ فيها غاضباً بـ :
-إزاي متعرفيش ، مفكراني مختوم على قفايا

بكت هي أمامه ببكاء حـــار ، فلم يعبأ بها ولم يرقْ قلبه لها ، فشعرت بالخزي منه ، وأخفضت رأسها للأسفل ، وقالت بسخرية مريرة :
-يعني هاتفرق معاك

باغتها أوس بصفعة أخرى على وجهها ، فإكتست وجنتيها بحمرة الغضب ، وسقطت العبرات من طرفي عينيها ، فعضت على شفتها السفلى متألمة ، ونظرت لأخيها بحزن ، وقالت بنبرة معاتبة :
- اضربني ، ده اللي تقدر عليه ، بس خليك فاكر ان اللي اتعمل فيا كان بذنب اللي عملته في غيري
-هــــاه
قالها أوس بذهـــول عقب عبارته أخته الأخيرة ، في حين أكملت هي بصوت مبحوح ومختنق بـ :
-الكل جاي يلومني ويحاسبني ، وناسيين تحاسبوا نفسكم الأول ، سواء إنت ولا مامي .. أنا معملتش حاجة زيادة عنكم ، أنا عملت زيكم بالظبط ...!

أصغى هو لكل كلمة قالتها بإنصات ، ثم رمقها بنظرات استهجان ، وسألها بسخط بـ :
-إنتي بتربينا يعني ؟

حدجته ليان بنظراتها الحـــادة ، ووجدت القسوة في عيني أخيها ، فزمت شفتيها في إستنكار ، ثم قالت بضيق :
-لأ .. بس قبل ما تتكلم شوف إنت عملت إيه مع غيري

كور قبضة يده في حنق ، وقال بنبرة مغلولة :
-مالكيش دعوة بيا ، ولا باللي بأعمله ، أنا راجل وده حقي
-هـــه .. حقك
قالتها ليان بتهكم جلي ، وهي تحدج أخيها بنظرات ساخطة ..

تعجب أوس من حالة الجمود وعدم اللامبالاة التي أصابت إخته فجــــأة ، فهدر فيها بعصبية بـ :
-إنتي عارفة باللي عملتيه ده اسمك بقى ايه ؟

لوت هي شفتيها في عدم إكتراث ، وكفكفت دموعها بكف يدها ، ثم تشدقت بـ :
-مش فارقة ، أنا خلاص هاتجوز صاحبك

حدجها بنظراته القاسية وهو يسألها بـ :
-ده على أساس إيه بالظبط ؟!!

عقدت ساعديها أمــام صدرها ، ومدت ساقها اليمنى للأمـــام ، وقالت ببرود قاسي :
-هو بيحبني وأنا بأحبه

صــــر على أسنانه بشراسة ، وتسائل بنبرة مغتاظة :
-بجد ؟! وده من امتى إن شاء الله ؟

-أوس ... أنا خلاص معدتش يفرق معايا أي حاجة ، وسواء كنت هاتجوز صاحبك ولا غيره ، فكلهم واحد بالنسبالي
-يا بنتي إنتي متعرفيش عنه حاجة
-مش مهم ..!!

ثم صمتت لبرهة لتبتلع غصة مريرة ، ومن ثم أردفت بـ :
-يعني أنا كنت أعرف إيه عن اللي قبله ..!!!

دفعها أوس من كتفها للخلف ، فتألمت وكادت أن تسقط على ظهرها ، وأصدرت أنين مكتوم .. وصاح بها بـ :
-خلاص أولعي ، بس مترجعيش تلومي إلا نفسك

إعتدلت هي في وقفتها .. ثم قالت بإصرار :
-أه هاتجوزه ، وهاعيش حياتي معاه

نظر هو لها بسخرية ، ثم قال بإستهزاء :
-من ناحية هاتعيشي معاه حياتك ، فأنا .. آآآ... ماظنش

زفرت هي في ضيق ، ومن ثم تابعت بإصرار بـ :
-أووف بقى ، أنا خدت قراري ، وهاعمل اللي شايفاه صح
-ماشي .. بس أنا ماليش دعوة بيكي

نظر هي شزراً له ، وقالت بتهكم :
-وإنت من امتى كان ليك دعوة بيا أصلاً ؟

أشـــار هو لها بإصبعه ، وتابع حديثه معها بتهكم بـ :
-صح .. إنتي بتتكلمي صح ، أنا أصلاً غلطان إني جاي أشوف وساختك هتوديكي لفين

نظرت هي له ببرود ، وقالت بقسوة :
-حتى لو هتوديني في داهية فأنا راضية

أخـــذ هو نفساً مطولاً محاولاً السيطرة على أعصابه كي لا ينفجر فيها ، ثم زفــره بغضب ، وسألها بـ :
-وأمك عارفة ده ؟

رمقته بنظراتها الساخطة وهي تجيبه بعدم إهتمام بـ :
- عادي ، أنا هاقولها

لوى فمه وهو ينطق بحنق بـ :
-ده إنتي مظبطة كل حاجة بقى

هزت رأسها عدة مرات ، ثم ســــارت مبتعدة عنه ، وأولته ظهرها ، ونظرت له من زاوية عينها ، وقالت بصوت خافت :
-حاجة زي كده

تحرك هو في اتجاهها ، ووقف قبالتها ، وأمسك بها من ذراعها لتنظر هي له بنظرات زائغة ، ثم سألها بحنق بـ :
-يعني من الأخـــر كلامي معاكي لا هيودي ولا هايجيب ؟!!

أشاحت هي بيدها لتتخلص من قبضته ، ثم لوت شفتيها وقالت بإستياء جلي :
-ده بإعتبار إنك قايم معايا بدور الأخ أصلاً ، كنت فين من زمان عشان تفهمني الصح من الغلط ؟ ماتجيش دلوقتي تحاسبني ولا حتى تنصحني ، أنا حرة في اللي هاعمله ، وده الحل المناسب ليا ..!!!

شعر هو بالضيق من عبارتها الأخيرة المصحوبة بنظرات اللوم والعتاب .. وأدرك أن حديثه معها لن يجدي ،فقد اتخذت قرارها ، وستتحمل وحدها اللوم والعتاب عليه ..
كور أوس قبضة يده ، وطرق بعنف على ضلفة خزانة ملابسها ، ثم صاح غاضباً بـ :
-ماشي ، بكرة تشوفي هايتعمل فيكي إيه يا تقى ..!

ضيقت ليان عينيها ، ورمقته بنظرات حائرة قبل أن تنطق بـ :
-تقى ..!!!

اضطرب أوس على الفور ، وأدرك أن لسانه قد زل دون قصد منه حينما نطق بإسم من تشغل باله ، فحاول أن يتحدث بنبرة طبيعية ، ولكن خرج صوته يشوبه الإرتباك :
-إحم .. قصدي ليان
-وماله
قالتها ليان بطريقة متهكمة وهي تتفحصه بعينيها الحمراوتان ... في حين أبعد هو عينيه عنها ، وتنحنح بصوت خشن ، ثم تركها وإنصرف قبل أن تنهـــال عليه بأسئلتها الفضولية ويتحول الوضع برمته نحوه هو ....

...........................

في منزل ممدوح بمصـــر الجديدة ،،،،،

خرجت ناريمان من المرحاض وهي تلف جسدها بمنشفة قطنية ، وتجفف شعرها بمنشة أخرى ، وتوجهت ناحية المرآة لتجلس على المقعد الصغير الموضوع أمامها ، ثم إستدارت برأسها نصف إستدارة لتنظر ناحية ممدوح الذي كان جسده ممدداً على الفراش ، ومثنياً لساقه قليلاً .. وينظر في شاشة هاتفه المحمول ..
كانت ملامح وجهها جادة للغاية ، ونظراتها قوية نحوه ، ثم تشدقت بـ :
-ممدوح أنا هاطلق من مهاب

انتبه هو لها ، وترك هاتفه من يده ، ونظر لها بإستغراب ، ثم سألها بهدوء بـ :
-ليه ؟

تنهدت هي في إستياء ، ثم أردفت بـ :
-خلاص أنا تعبت ، مش قادرة أستحمل ضغوط أكتر من كده

زم شفتيه قليلاً ، ونظر لها بتمعن ، وسألها بحذر بـ :
-ممممم.. متأكدة من قرارك ده ؟

أومـــأت برأسها موافقة ، وأضافت :
-أيوه .. أنا هاطلق منه ، ونتجوز إحنا الاتنين
-ربنا يسهل

ثم نهضت عن المقعد ، وجلست على طرف الفراش ، ومدت يدها لتمسك بكف ممدوح ، ونظرت له بحنو ، وتسائلت بتوجس بـ :
-يعني انت هتدعمني في قراري ده ؟

ظهر شبح إبتسامة خبيثة من بين أسنانه ، وأجابها بثقة شديدة بـ :
-أكيد .. أنا معاكي للنهاية ......................................!!!!
في دار الرعاية الخاصة بالمسنين ،،،،

تلقت تهاني رعاية مكثفة خلال الفترة الماضية من أجل تحسين حالتها الصحية والنفسية ..
في البداية رفضت التجاوب مع العلاج ، أو حتى الإندمـــاج مع نزلاء الدار ، ولكن بالمثابرة وإصرار طبيبتها النفسية بدأت تستجيب تدريجياً ..
طرقت المشرفة على باب غرفة الطبيبة النفسية ( رجاء ) ، فسمحت لها بالدخول ، وإبتسمت لتهاني إبتسامة عذبة ، ثم أشارت لها بيدها لكي تجلس ، وقالت بصوت رقيق :
-اتفضلي ارتاحي هنا يا تهاني

بادلتها تهاني إبتسامة عادية ، وجلست على المقعد الجلدي الطويل – ذي اللون الأسود ، وضمت يديها معاً ، وأسندتهما على صدرها ، وأمالت رأسها نحو الطبيبة لتنظر لها ..
لم يخلوْ وجه الطبيبة من تلك الإبتسامة الرقيقة ، ولا من نظراتها الدافئة ، ثم تسائلت بصوت مألوف :
-ها ، جاهزة يا تهاني عشان نبدأ ؟
-أهـــا
-تمام .. عاوزاكي تسترخي خالص ، وتحكي زي ما إتعودنا عن اللي مضايقك وتاعبك ، وأنا هبدأ كالعادة بمين اللي خد منك عيالك ؟ وليه عمل كده

ابتلعت تهاني غصة مريرة في حلقها ، وأغمضت عينيها ، وحاولت أن تستسلم لذكرياتها الآليمة ..
أخـــذت هي نفساً مطولاً ، وزفرته بتثاقل ، ثم بصوت حزين أجابتها بـ :
-مهاب

...................................................

◘◘◘◘ وقفت تهاني مذهولة في مكانها غير مصدقة ما سمعته أذنها للتو .. جحظت بعينيها في صدمة ، وقالت بصوت مشدوه :
-مهـــــاب ...!

ترنح هو أمامه ، وألقى بثقل جسده على الأريكة ، ونظر لها من طرف عينه ، ثم تابع ببرود بـ :
-سبيني بقى أنـــام

ظلت تعابير وجهها مشدودة ، وقالت بتهور :
-إنت واعي للي عملته الوقتي ؟ إنت طلقتني للمرة التالتة !!!

أولها ظهره وهو ممدد على الأريكة ، وأغمض عينيه ، وقال بنبرة غير مهتمة :
-عادي

دارت تهاني حــــول الأريكة ، ووضعت يدها على ذراعه ، وهزته بعنف ، وهي تصرخ فيه بـ :
-لأ مش عادي ، انت ... انت ضيعتني !!

زفــــر هو بصوت عالي ، ثم إعتدل في جلسته ، ونظر لها شزراً ، وأردف بنبرة منزعجة بـ :
-يوووه ، كل يوم الأسطوانة المشروخة بتاعتك دي

أجابته هي بصوت مختنق بعد أن خانتها عبراتها وإنهمرت على وجنتها بـ :
-أيوه عشانها الحقيقة ، أنا استحملت معاك كل حاجة زبالة عشان خاطر إبني ، ودوقت معاك المرار كله وإنت ولا همك لا كرامتي ولا نفسي ولا أي حاجة .. دايماً بتخوني ، وأنا بأسكت ، بتعمل حاجات قذرة ، وأنا بأستحمل عشان الحياة تمشي ، وفي الأخر تكون دي جزاتي !!

تنهد هو في إنهاك ، وتابع بضيق بـ :
-انتي عارفة إني لما بأتعصب بأقول كلام مش قاصده

إختنقت الكلمات في صدرها أكثر ، وتابعت بيأس بـ :
-ده مش هزار ، ده طلاق يا مهاب

زفر مجدداً في عدم إكتراث ، ثم قـــال بنفاذ صبر :
-قولتلك مكونتش أقصد

لم تجد تهاني أي مفر من الكارثة التي حلت عليها فجــأة ، فنهرته هي بحدة بـ :
-دي كانت الطلقة التالتة

ضيق عينيه قليلاً ، وتسائل بهدوء مستفز :
-بجد ؟
-ايوه ، إنت مش حاسس باللي عملته

نهض عن الأريكة ، وســـار في اتجاه المرحاض ، وتابع بجدية بـ :
-خلاص أنا هاتصرف

تسائلت هي في فضول أشد بـ :
-إزاي ؟

أجابه مهاب بإيجاز وهو يلج للمرحاض بـ :
-ملكيش فيه

لحقت هي به ، ووقفت على مدخل المرحاض ، وقال بإصرار :
-لأ لازم أعرف

أمسك هو بباب المرحاض ، ونظر لها بقسوة ، ثم قال بسخط :
-تهاني حلي عن نافوخي وأنا هاتصرف وهأردك

حدجته بنظرات مهينة ، ثم قالت بإحباط :
-حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا مهاب

صفق هو الباب في وجهها بقوة ، فبصقت عليه ، وحدثت نفسها بـنبرة ذليلة بـ :
-أنا اللي جبت ده كله لنفسي ...!!

..............................

نهض مهاب فجــــأة من على المقعد المقابل لمكتب مهاب ، وصاح بذهول تام :
-أتجوزها ؟ دي مراتك يا مهاب !!

مط هو فمه قليلاً ، وقال بهدوء :
-ماهو أنا طلقتها للمرة التالتة

انزعج ممدوح كثيراً ، ورد عليه بإندفاع بـ :
-وعاوزني أنا بقى أعمل ايه ، أكون لامؤاخذة آآآ..

قاطعه مهاب بصوت جاد بـ :
-لأ مش كده
-أومــال هاتسميها ايه ؟
-يا سيدي ده لمدة كام يوم بس عشان أعرف أردها لعصمتي

نظر ممدوح له بإزدراء ، قبل أن يجيبه بحدة بـ :
-لأ معلش ، أنا مش كده
-هادفعلك اللي انت عاوزه

انفرج فمه للأسفل في إستغراب ، وتسائل بـ :
-هاه ، نعم !
-أيوه ، شوف إنت عاوز كام وأنا هادفعه ، وبعدين إنت أولى من الغريب

ثم أخـــــرج مهاب دفتراً لتحرير الشيكات من درج مكتبه ، ودون به رقماً ما ، ثم نزعه منه ، ومد يده به نحو ممدوح الذي أخذه على الفور ، ونظر له بأعين زائغة ، وسأله ساخراً :
-أنا عاوز أعرف دمك ده معمول من ايه ؟!!
-متخدش في بالك

اعتلى ثغره ابتسامة متهكمة وعلق بعدم إكتراث بـ :
-على رأيك ، هو بيفرق معاك أصلاً

أرجع مهاب ظهره للخلف ، وأضاف ببرود :
-بالظبط .. بص إن كان عليا أنا مش عاوزها ، بس عشان تاخد بالها من أوس وتربيه عدل
-وماله .. وإنت عاوزني أتجوزها أد ايه ؟
-كام يوم كده ، وبعد ما تطلقها هاديك مبلغ تاني
-ماشي ، اتفقنا ..!!!!

............................

وبالفعل أقنع مهاب طليقته تهاني بالزواج من ممدوح كي يحل تلك المعضلة ، ولكن ما لم يضعه ممدوح في الحسبان هو أن يخل مهاب بإتفاقه معه حيث رفض إعطائه أي مبالغ مالية أخــرى نظير خدماته ، بالإضافة لتخطيطه للزواج من ناريمان ...

-يعني إيه ؟ مش كان في بينا اتفاق
قالها ممدوح والشرر يتطاير من عينيه ..

لم يهتم به مهاب ، بل قال له ببرود مستفز :
-أه .. وأنا رجعت في كلامي

إزداد إنفعال ممدوح ، وصاح فيه بـ :
-يعني انت ترجع في كلامك ، وأنا ألبس في تهاني
-ما هو أنا مش هاينفع أردها تاني ، على الأقل الفترة دي لحد ما أضمن إني أتجوز ناريمان

تفاجيء ممدوح بمخطط مهاب ، فإزداد حنقه ، وسأله بسخط :
-وإشمعنا انت تاخد كل حاجة ؟!

أمسك مهاب بسيجارته ، وأشعلها ، ثم زفر دخانها في الهواء ، ونظر له بأعين فارغة ، وقال بنبرة جادة :
-ممدوح .. بقولك إيه ، إنت مش بتعملي حاجة ببلاش ، كله بتمنه يا صاحبي
-بس الاتفاق إتفاق ..!
-والأمور جدت معايا ، فكبر بقى

أدرك ممدوح أن الحوار لن يجدي نفعه مع مهاب ، فرمقه بنظرات متوعدة ، وقال له بقسوة :
-براحتك ، بس افتكر اللي حصل الوقتي كويس ...!!

........................

ارتسمت إبتسامة الرضا الممزوجة بالسعادة على محيا تهاني حينما أخبرها ممدوح بما دار ، فإحتضنت زوجها بذراعيها ، وتعلقت بعنقه ، وقالت بصوت ناعم :
-أنا مش مصدقة إننا هانفضل مع بعض

كانت ردود فعل ممدوح غير مقروءة بالمرة بالنسبة لها ، وتابع بدبلوماسية بـ :
-أيوه .. عشان تعرفي أنا حاربت عشانك أد ايه

نظرت هي في عينيه بنظرات عاشقة ، ثم أردفت برقة بـ :
-ربنا يخليك ليا ، إنت الحاجة الحلوة اللي ربنا عوضني بيها عن عذاب السنين اللي فاتت

ابتسم هو لها إبتسامة زائفة ، وقال بإيجاز :
-كويس
-أنا كمان عندي ليك خبر حلو

ضيق عينيه قليلاً ، وسألها بفضول بـ :
-خبر ايه ده ؟

أمسكت هي بيده ، ووضعتها على بطنها ، وقالت بتلهف :
-أنا حامل

اتسعت مقلتيه في عدم تصديق ، وقال بنزق :
-إييييه .. حامل ؟!!!!!

هزت هي رأسها في سعادة ، وأضافت بحماس واضح :
-أيوه .. البريود إتأخرت عليا بقالها فترة ، وأنا كنت شاكة ، وحللت وإتأكدت لما طلعت النتيجة positive ( إيجابية )
-طب مبروك
قالها ممدوح بفتور ظاهر ، فشعرت تهاني بشيء غريب في ردة فعله ، فسألته بتوجس بـ :
-إنت مش مبسوط ؟

وضع هو راحتي يده على وجنتيها ، ومسح عليهما بنعومة ، ثم قال بهدوء :
-لأ يا حبيبتي مبسوط

لم تقتنع هي بما قاله ، فسألته بحذر بـ :
-أومــال مش باين عليك ليه ؟

تنحنح هو بصوت خشن ، وأضاف بحماس زائف :
-لأ عادي .. أنا بس متاخد ، إنتي عارفة أنا أول مرة اكون فيها أب

أسندت وجنتها على كف يده الأيسر ، وحركت رأسها قليلاً لتحتك به ، وقالت بنعومة :
-هاتكون أحسن أب في الدنيا إن شاء الله
-إن شاء الله ، أنا بس محتاج أدبر أوموري عشان أمور الولادة ومصاريف آآآ...

قاطعته هي بجدية وهي تنظر له بـ :
-متحملش هم أي حاجة ، أنا هاديك تحويشة عمري كله تعمل بيهم اللي إنت عاوزه
-يا حبيبتي الموضوع مش كده
-يا قلبي أنا وإنت واحد ، وفلوسي تحت أمرك

مط ممدوح فمه للجانب ، وبضيق زائف أردف بـ :
-ممممم.. نبقى نتكلم في الموضوع ده بعدين
-أوكي
قالتها تهاني بصوتها الناعم ، ثم إرتمت في إحضـــان زوجها ، وأغمضت عينيها لتنعم بوجودها معه ...

راقبهما الصغير أوس –ذو الوجه العابس - من على بعد ونظر إلى كلاهما بنظرات محتقنة ، وصـــر على أسنانه في غضب ، وركض مسرعاً في اتجاه غرفته ...

................................

علمت تهاني بنشوب حريق هائل في غرفة مكتبها ، فركضت كالمجنونة نحوها ، وصرخت بأعلى صوتها بـ :
-ولادي جوا المكتب ، إلحقوهم ، ولادي .. آآآآآه

كان يقف أمـــام غرفتها حشداً من الأطباء والممرضين والعاملين بالمشفى ، فحالوا دون وصولها للداخـــل ..
حاولت هي أن تدفعهم وتمر عبرهم لتصل إلى الباب ، ولكن أبعدوها للخلف ، فنظرت لهم بأعين مغرورقة بالعبرات ، وتوسلت ببكاء مرير بـ :
-بناتي جوا الأوضة وأوس معاهم ، سيبوني بس أجيبهم

اقترب منها أحد الأطباء ، وأحنى رأسه للأسفل ، وقال بصوت حزين :
-للأسف كل حاجة جوا ولعت

صرخت وهي تجهش بالبكاء بطريقة هيسترية عالياً بـ :
-لألألألأ .. ولادي

اندفع ممدوح هو الأخـــر بين جموع المتواجدين ليصل إلى الغرفة ، وصاح بصوت مرتفع للغاية بـ :
-بناتي .. ليان ، بيسان !!!

لمحت تهاني مهاب وهو يقترب منها ، فإستغاثت به بصوت راجي بـ :
-إلحق يا مهاب ، أوس ابننا جوا الأوضة ، خليهم يسبوني أجيبه

حدجها هو بنظرات قاسية ، ثم قال بشراسة :
-إنتي مالكيش إبن ، اعتبريه مات
-إنت بتقول إيه !!!

تابع هو بنبرة أشد قسوة بـ :
-الأم اللي تهمل في تربية ابنها ماتستحقش تكون أم

صرخت هي عالياً بصوت مبحوح ومختنق بـ :
-لألألألألأ ..

اقترب مهاب منها ، ورمقها بنظراته المتوعدة ، وقال بقسوة أشــد وهو يشير بيده :
-ابني هاربيه بمعرفتي ، وإنتي هتتحاسبي عن إهمالك وخيانتك

ثم تركها وإنصـــرف دون أن يلتف إلى صراخها المتواصل بـ :
-ولادي ، لأ .. يا مهاب ... مهـــــــــــاب ....!! ◘◘◘◘

......................................

أفاقت تهاني من ذكرياتها وهي تتنهد بمرارة ، وتبكي بحرقة وهي تتابع بيأس بـ :
-خدوا كل حاجة مني في لحظة ، ولادي وفلوسي ، ورموني في الشــارع ، أنا مأهملتش فيهم ، أنا كنت بأحبهم كلهم ، وهما غصب عني راحوا مني .. راحوا مني ومعرفتش أرجعهم تاني ..آآآه .. يا حرقة قلبي على ولادي التلاتة ، يا فرحة عمري اللي ضاعت

أمسكت الطبيبة رجـــاء بكف يدها ، وضغطت عليه بحنو ، وقالت بصوت هاديء :
-اهدي يا تهاني .. كل حاجة هتتغير للأحسن

هزت هي رأسها بالنفي ، ونظرت لها بحزن دفين ، وقالت بنبرة مليئة بالإحباط :
-ماظنش ، مافيش حاجة بعد الضنا تسوى

ابتسمت لها رجـــاء ابتسامة رقيقة ، وأكملت بهدوء بـ :
-شششش ..كفاية كده النهاردة ، ونكمل وقت تاني

ثم ســـاعدت تهاني على النهوض من على الأريكة المريحة ، وأوصلتها إلى خــــارج غرفتها ..

.................................

في مشفى عائلة الجندي ،،،،

تماثلت تقى للشفاء تماماً ، وتمكنت من السير بمفردها والدخول للمرحاض دون أي مساعدة من غيرها ...
قررت هي أن تستغل الفرصة وتهرب من المشفى ، فأوس لم يعد يزورها لفترات طويلة مثل الماضي ، واليوم لم يأتْ لزيارتها ، فعقدت العزم على ترك المشفى ، والإختفاء للأبد في مكان لا يستطيع أن يصل إليها ..

حــــاولت هي أن تجد أي ملابس تناسبها لتستبدل ثياب المشفى ، ولكن كانت الخزانة خاوية ...
لطمت تقى على وجهها في صدمة ، ثم حدثت نفسها بـ :
-طب أعمل ايه أنا ؟ ده مافيش أي هدوم ليا !

أغلقت باب الخزانة ، وحدقت أمامها بنظرات حادة ، وقالت بجدية :
-مش مشكلة الهدوم دلوقتي ، أهم حاجة إني أهرب من هنا قبل ما يجي الحيوان ده

ســارت تقى بخطوات متمهلة نحو باب غرفتها ، ومدت يدها لتمسك بالمقبض ، وأدارته ، ولكنها تفاجئت بالباب موصداً ، فتملكها الفزع ، وإنقبض قلبها ، وإزدادت ضرباته ..
حركته مجدداً بطريقة أعنف لعلها تتمكن من فتحه ، ولكنها عجزت عن فتحه ..
فإضطرت أن تطرق عليه بشدة وهي تصيح عالياً بـ :
-ياللي برا ( طق – طق – طق ) ، أنا محبوسة هنا ولا إيه ( طق – طق –طق ) ، افتحولي الباب

وضعت أذنها على الباب لتستمع إلى صوت من بالخـــارج ، وأنصتت بتركيز شديد للهمهمات الخارجية ، ولكنها لم تستطع أن تتبين ما يُقال ، ثم زفرت في ضيق ، وطرقت بقبضتها على الباب وهي تصرخ بـ :
-افتحوا الباب ده ، هو أنا في السجن ، عاوزة أخرج من هنا ..!!

استمعت هي إلى صوت وقع أقدام شخص ما يقترب من غرفتها ، ثم صوت مفتاح يدار في المكان المخصص له ، فتراجعت خطوة للخلف ، وأمعنت النظر في الباب ...

فتحت ممرضة ما باب الغرفة ، فإندفعت تقى نحوها ووجهها ذو تعابير حـــادة ، وعنفتها بـ :
-بتقفلي عليا الباب ليه ؟ ها ؟؟

أمسكتها الممرضة ، وحاولت إرجاعها للداخل وهي تجيبها بهدوء بـ :
-لو سمحتي يا آنسة تقى ، ارجعي لسريرك تاني ، أنا معنديش أوامر إنك تغادري الأوضة

لوحت تقى بيدها لأكثر من مرة ، ودفعتها مجدداً بكل ما أوتيت من قوة ، وبنبرة مليئة بالإصرار تابعت بـ :
-بس ، سبيني ، أنا هامشي من هنا ، وحالاً

إستخدمت الممرضة قوتها الجسمانية ، وتمكنت من الإمساك بذراع تقى ، وجذبتها للداخل وهي تعقب بهدوء بـ :
-مش هاينفع صدقيني
-يوووه ، إبعدي بقى ، أنا هامشي يعني هامشي

ثم إستمعت كلتاهما إلى ذاك الصوت الرجولي الصــــارم المألوف لهما وهو ينطق بـ :
-وماله يا تقى ، إنت هاتمشي فعلاً ، بس معايا .............................!!
في مسجد الحــــارة القريب ،،،

إعتلى الشيخ أحمد المنبر ، وسعل لعدة مرات قبل أن يبدأ حديثه للمتواجدين بداخل المسجد حتى ينتبهوا إليه ..
صمت غالبية المتواجدين ، وسلطوا أنظارهم عليه ، فبدأ هو كلامه بصوت رخيم وهاديء بـ :
-بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام .. أحبائي في الله ، اليوم نتحدث عن أمــر هام وهو ظن السوء ، وقذف المحصنات ..

تحدث الشيخ أحمد عن حادثة الإفك الخــاصة بالسيدة عائشة – رضي الله عنها – وكيف تم الإساءة إليها ، ثم تطرق إلى الحديث عن تقى ، فصدرت همهمات غير واضحة ، فتعمد هو أن يرفع نبرة صوته قليلاً وهو يضيف :
-المولى عزوجل قال لنا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " .. لذا علينا إخواني في الله أن نتحرى الدقة والصدق فيما نقول وفيما نسمع ، ولا ينبغي علينا أن ندعي بالباطل على فتاة ما كلنا نعرفها حق المعرفة ، تربت بيننا على الأخلاق الطيبة .. وسوف يحاسبنا الله على ظننا بالسوء لها ، إتقوا الله أحبائي ..!

لم يكف هو عن الدفــــاع عنها ، وعن تبرئة ما قيل في حقها ، فإقتنع البعض بما قاله ، وإعترض البقية .. ورغم هذا أصر على أن يكمل خطبته في الدعوة إلى تحري الدقة في نقل الأخبار ، وعدم قذف المحصنات ...

................

في داخل مصلى السيدات ،،،
بكت فردوس بحرقة وهي تستمع إلى الخطبة ، وحدثت نفسها بندم بـ :
-كان فين عقلي وأنا بإيدي دول خليت اللي يسوى واللي مايسواش يلوم على بنتي ، آآآه ، يا ريتني أقدر أعوضها عن اللي فات ، يا ريتني أقـــدر ...!!

ظلت بعض النساء تتحدث بالسوء عن فردوس وإبنتها رغم ما قاله الشيخ أحمد ، ونهاهن عن فعله .. فألسنتهن كانت الأسرع في نقل الأكاذيب عن كلتاهما ..

....................................

في مشفى عائلة الجندي ،،،،،

تجمدت تقى في مكانها حينما رأت أوس يقف في الخلف ، ومحدقاً بها ..
أشـــار هو للممرضة بعينيه الجادتين لكي تنصرف ، وبالفعل أرخت يديها عن تقى ، وخرجت من الغرفة ..

تراجعت تقى بظهرها للخلف ، ونظرت إليه بذعر ، ونطقت بصوت مرتجف بـ :
-أنا .. أنا آآ..
-إنتي جاية معايا الوقتي ، خلاص وقتك أذف !!

جحظت عينيها في رعب ، وهربت الدمــــاء من عروقها ، وتسارعت دقــات قلبها حتى كادت أن تصم آذانها ..
نظر هو إليها بتفحص ، وإعتلى ثغره إبتسامة وضيعة ، ثم تشدق بـ :
-زمــان قولتيلي إن جنتي جهنم بالنسبالك ، وأنا هاخلي ده يحصل فعلا

إنفرجت شفتيها في فزع حقيقي ، وزائغت عينيها ، ونطقت بصوت مبحوح بـ :
-هــــــاه ، لأ

تحرك هو في اتجاهها بخطوات ثابتة ، ولم يحيد بعينيه القويتين عنها ، وقال بصوت آجش يحمل الوعيد :
-الجحيم رحمة باللي هاعمله فيكي
-آآ.. إنت .. آآ...!
-أنا بنفذ إتفاقنا .. يالا

لم يترك لها المهلة لكي تستوعب حديثه لها ، حيث أمسك بها من معصمها ، وجذبها عنوة نحوه ، ثم إنحنى بجذعه قليلاً للأسفل ليضع ذراعه الأخر أسفل ركبتيها ، وحملها بين ذراعيه عالياً ، وأحكم قبضتيه عليها ، فصرخت هي فيه بصوت مرتفع مستغيثة بمن في الخـــارج ، فنظر لها بقسوة مخيفة وقال ببرود :
-محدش هينجدك مني ، وقتك جـــه معايا ، وإتفاقنا هيتم ...!

ركلت بساقيها في الهواء ، وتلوت بجسدها كثيراً لتتحرر منه ، ولكنه كان دائم السيطرة على كل حركاتها ، وســـار بخطواته الواثقة نحو المصعد ...

تابع العاملون بالمشفى ما يفعله معها بفضول شديد ، ولكن لم يجرؤ أي أحـــد على التدخل ..
الكل يدعي إنشغاله رغم إختلاسهم النظرات لكليهما ...

...............................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

أســـند عدي كأس المشروب البارد على الطاولة الذهبية التي تتوسط غرفة الصالون ، ثم تابع حديثه مع كلٍ من مهاب وناريمان بنبرة واثقة بـ :
-وأنا زي ما قولت لحضراتكم ، أنا مستعد أعمل لليان اللي هي تؤمر بيه ، بس أهم حاجة نتجوز على طول

رفع مهاب أحد حاجبيه في توجس ، وتسائل بجدية بـ :
-أنا عاوز أفهم سبب الاستعجال ده إيه

تدخلت ناريمان هي الأخـــرى في الحديث ، وأضافت بصوت جاف بـ :
-أيوه فعلاً ، إيه اللي يخليك تيجي تتجوزها وهي لسه أصلاً مخلصتش كلية

-لأني غلطت في الحرام ، وعدي جاي يتستر عليا
قالتها ليان بنبرة خالية من الحياة وبتعابير وجه غير مقروءة وهي عاقدة لساعديها أمام صدرها ، فأصيب كلاً من مهاب وناريمان بالصدمة الشديدة ، فحالهما كمن صب فوق رأسه دلواً من المـــاء المثلج ..

نهض مهاب عن الأريكة ، وحدج إبنته بنظراته المحتقنة وهو يسألها بحدة بـ :
-إنتي بتقولي ايه ؟

لم يختلف حــــال ناريمان كثيراً عن زوجها ، حيث صرخت فيها عالياً بـ :
-ليـــــان ، إنتي اتجننتي !!

أرخت ليان ساعديها ، وتغنجت بجسدها وهي تتجه نحوهما ، ثم سلطت أنظارها على ناريمان ، وتابعت بفتور :
-لأ ماتجننتش ، أنا عملت زي اللي شوفته بيتعمل في البيت ده

باغتها مهاب بصفعة مؤلمة على وجنتها ، فأصدرت ليان أنيناً مكتوماً وهي تضع يدها على وجهها ، وأدمعت عيناها ، في حين إنتفض عدي فزعاً من مكانه ، ونظر إلى الجميع بصدمة ، وقال بتلهف :
-بالراحة يا عمي ، المسائل دي ماتتحلش بالعصبية

لم تلتفت ليان إلى عدي ، بل ظلت تنظر إلى مهاب بنظرات معاتبة ، وأضافت بصوت شبه ثابت بـ :
-ده مش هايمنع يا بابي اللي حصل

كـــور مهاب قبضة يده ، وهدر فيها بحنق بـ :
-أنا فعلا معرفتش أربيكي

إنهــــارت ناريمان ، ولم تعد تقوى على الوقوف ، فألقت بجسدها على الأريكة ، وأخفضت رأسها للأسفل وبدأت تنتحب بـ :
-أنا مش مصدقة اللي بأسمعه منك
-لأ صدقي يا مامي .. ماهو أنا مش جبته من برا

رفعت هي عينيها لتنظر بتوتر إلى ليان وقد رأت في نظراتها إتهاماً صريحاً لها ، فإبتلع غصة في ريقها ، وأردفت بصوت مرتبك بـ :
-إنتي .. إنتي آآآ...

-يا جماعة مالوش لازمة العصبية ، أنا اتفقت مع ليان إننا هانتجوز ونحل المشكلة دي

استدار مهاب بجسده ليواجه عدي ، وقال متهكماً :
-لا والله ، طب وأنا لزمتي إيه بقى ؟!
-يا عمي إنت الخير والبركة ، بس مشكلة ليان مالهاش حل إلا كده ، إننا نتجوز ، صدقني يا عمي ده لمصلحتها ولمصلحتك ، سمعة العيلة كلها ممكن تضيع باللي اتعمل

صمت مهاب ولم يعقب على كلامه ، فهو يدرك أهمية ما يقول ، فليان قد أجرمت في حق عائلتها قبل نفسها ..
أضـــاف عدي بصوت أجش :
-ولعلمك يا عمي أوس عارف بده

استشاط مهاب غضباً ، وقال بنبرة مغلولة :
-كمان ...!
-ومعندوش مانع في إننا نتجوز

لم يجد مهاب بداً من الإعتراض ، فإصرار عدي على الزواج من ليان حقيقة مفروغ منها ..
زفـــر هو في غضب ، ونظر لليان بنظرات إحتقارية ، وأردف وهو يلوي فمه في إستهجان :
-ماهو إنتي لو بنتي بصحيح مكونتيش عملتي كده

تعجبت ليان مما قاله ونظرت له بطريقة غريبة ، فطريقته في إلقاء تلك العبارة على مسامعها كانت مختلفة إلى حد كبير ، وكأنه يعني كل كلمة فيها ، في حين تجمدت الكلمات على شفتي ناريمان ، ونظرت بذعر إلى الجميع ، وخفق قلبها في خوف ، وخشيت أن يزيد الطين بلة ، ويفصح مهاب عن ذكريات الماضي خلال تعصبه ، فقررت أن تتدارك الأمر سريعاً ، لذا نهضت فجـــأة من مكانها ، وصرخت عالياً بـ :
-كفاية ، مش عاوزة كلام تاني في الموضوع ده ، عدي هيتجوز ليان بكرة ............... !!!

..........................

في مشفى الجندي الخـــاص ،،،،

إتجه أوس وهو يحمل تقى إلى الطابق دون الأرضي حيث يوجد الجراج الملحق بالمشفى ..
لم تكف هي عن الصراخ ولا عن طلب المساعدة ، ولم يعبأ هو للحظة بأي أحد ينظر إليهما ..
وصـــل هو إلى سيارته ، وأنزل تقى على ساقيها ، ولكنه أمسك برسغيها بكفه ، وأسند جسدها على صدره ، وتمكن من شــل حركتها بدرجة كبيرة ..
قاومته هي بكل ما أوتيت من قوة ، وحاولت أن تتحرر منه ، وظلت تصرخ بصوتها الذي بح بـ :
-إلحقوني يا ناس ، حد يساعدني

ضغط هو أكثر على صدرها بذراعه ، وألصق فمه بأذنها ، وهمس لها وهو يصر على أسنانه بـ :
-محدش هاينجدك مني ، وبعدين مش ده كان إتفاقنا ، ليه بترجعي فيه ؟

حركت هي رأسها للجانب لتتجنب أنفاسه التي تلهب أذنها ، وقالت بإصرار :
-أنا مش عاوزاك ، مش عاوزاك

لف هو ذراعه الأخـــر حولها ، وضمها إلى صدره أكثر ، وقال بصوت خافت يحمل الوعيد :
-الإتفاق إتفاق ، بالرضا بالغصب هايتنفذ ، فأحسنلك تكملي اللي باقي بالذوق بدل ما أخده منك عافية ..!

ثم صمت لثانية قبل أن يهمس بنبرة شيطانية بـ :
-وده اللي أنا مستنيه من زمـــان منك

تســــارعت أنفاسها في ذعر جلي وهي ترى إصراره المخيف عليها ونظراته الشهوانية لها .. فإزدادت مقاومتها له ، وإزداد تمسكه هو بها ..

نجح أوس في فتح السيارة ، ثم دفع تقى للجلوس في المقعد الأمامي ، فصاحت هي بـ :
-مش هاجي معاك ، سيبني

ربط أوس حزام الآمان الخاص بها ، ووضع يده على فكها ، وضغط عليه بقسوة ، وأدار رأسها في إتجاهه ليجبرها على النظر إليه ، وأردف بنبرة محذرة بـ :
-اتعدلي أحسنلك معايا ، بدل ما تشوفي اللي خايفة منه ، وبيدور في خيالك هنا ، إتفاقنا هيتنفذ !

ثم وضع إصبعه على رأسها ، وضيق عينيه ، وتابع بصرامة بـ :
-حطي ده في دماغك ، أوس الجندي بينفذ كلامه ..

هزت هي رأسها في خـــوف ، فإبتسم لها بهدوء ، وقال :
-تعجبيني

ثم إعتدل في وقفته ، وأغلق بابها ، ودار حول السيارة ليركب إلى جوارها ، ثم إنطلق بها نحو منزله بمنطقة المعــــادي ......!

....................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

ولج إلى غرفة نوم فردوس عدة رجـــال وهم يحملون عوض الله على أذرعهم ، ثم أسندوه برفق على الفراش .. ودثره أحدهم بالغطاء ، ووضع أخـــر وسادة خلف رأسه ..
نظرت إليهم فردوس بإمتنان ، وقالت بنبرة شاكرة :
-كتر خيركم يا رجالة ، ربنا ما يوريكم حاجة وحشة في حبايبكم

تنحنح رجل ما بصوت خشن ، وأردف بجدية بـ :
-ألف سلامة عليه ، ربنا يديله الصحة ده بركتنا كلنا

وأضـــاف شخص أخر بصوت عادي :
-يلزمش أي حاجة تانية يا ست فردوس

-تسلموا وتعيشوا يا رب
قالتها هي بنبرة ممتنة وهي تصحب الرجـــال إلى خـــارج منزلها ..

تأوه العم عوض من الآلم ، ورفع ذراعه المرتعش في الهواء ، وأشـــار بإصبعه نحو دورق ما ، وقال بصوت ضعيف :
-مــ.. ماية .. عطشان

ركضت فردوس مسرعة في اتجاه الغرفة ، وقالت بتلهف :
-حاضر يا عوض ، هاسيقك أهوو

صبت هي المـــاء في الكوب المعدني ، وجلست على طرف الفراش ، ثم مدت يدها لتعدل من رأس زوجها حتى يتمكن من شرب المياه ، فإرتشف هو القليل ، فنظرت هي له بشفقة ، وقالت بندم :
-سامحني ياخويا على اللي عملته فيك زمان ، أنا كنت بأتبطر على النعمة اللي ربنا إدهاني ، وبألعن حياتي ، لكن انت كنت راضي بأي حاجة تجيلك ...!

ثم تنهدت في إنهاك ، وتابعت بصوت يأس بـ :
-آآآه .. يا مين يرجعني بالزمن لورا ، ده أنا كنت أخد بالي منك ومن بنتي الوحيدة .. آآآخ يا زمن .... !!

......................................

ظلت تقى طـــوال الطريق ترتجف بشدة ، وتبكي بمرارة وهي ترى المصير القاتم المقبلة عليه ..
في حين وزع أوس بصره بينها ، وبين الطريق .. وكانت إبتسامة إنتصـــار تعتلي ثغره من حين لأخـــر وهو يرى مدى قوته وتأثيره على تلك الهزيلة التي قاومته ..

كان الصمت سائداً بينهما ، فكسر حاجزه أوس بـ :
-عاجبك الطريق ؟

لم تلتف إليه ، وظلت تبكي وهي تنظر للطريق من نافذتها ..
أراد هو إستفزازها ، فمد يده وأسندها على كتفها ، فإنتفضت فزعة في مقعدها ، ونظرت إليه بذعــــر ، فقال لها بغرور :
-مش عاوزك تخافي مني الوقتي ، أنا مش هاعملك حاجة ، بس حطي في بالك إن الخوف الحقيقي جاي بعدين

برقت عينيها المتورمتين في خـــوف ، وإزدادت إرتجافة شفتيها ، فتملكته الرغبة في تلمسهما بأصابعه ، وكان على وشك فعل هذا ، ولكنه تدارك نفسه ، وقبض على المقود بيده ، وحدق في الطريق أمامه ، وتجشأ مازحاً بـ :
-ولأن الحلال أجمل .. هانتظر ليلتك معايا يا تقى !!!

ثم ضحك عالياً وبطريقة مستفزة ليزيد من توترها وإرتباكها ...

...........................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

أمسك عـــدي بكفي يد ليان التي جلست تبكي في الحديقة ، وربت عليهما في حنو وزائف ، وبنبرة خافتة قال :
-أنا عارف إنك مكونتيش عاوزة تقوليهم ، بس ده اللي كان هايخليهم يوافقوا من غير مماطلة ....!

تنفست ليان بصعوبة ، وحاولت أن تسيطر على بكائها ، وقالت بصوت متشنج :
-أنا بقيت رخيصة في نظرهم

ضغط هو بإبهاميه على كفيها ، وحركهما حركة دائرية ، ونظر لها بنظرات عاشقة ، وأردف بصوت رومانسي :
-لأ إنتي غالية أوي عندي

هزت هي رأسها بالنفي ، وقالت بتبرم :
-ده كلام .. الحقيقة غير كده

ابتسم لها نصف إبتسامة من زاوية فمه ، وقــال بمكر :
-صدقيني يا ليان ، أنا مش هاتجوزك عشان اللي حصل وبس ، لأ .. أنا هانسيكي اللي فات كله ، ومش هاتفتكري حد إلا أنا ...........!

...........................

صف أوس سيارته أمــــام البناية التي يقطن بها بمنطقة المعادي ، وترجل منها ، في حين تمسكت تقى بمقعدها ، وتابعته بنظراته المذعورة وهو يدور حول السيارة ليفتح لها الباب ..
أشـــار لها أوس بكف يده ، وهو يقف معتدلاً بجسده ، وبصرامة آمرها بـ :
-إنزلي

هزت رأسها بالنفي إهتزازة خفيفة ، فحدجها بنظراته القوية ، ومن ثم نطق بـ :
-براحتك .. بس هتتحاسبي على ده ( وقتي ) لو ماجتيش معايا

خشيت هي أن تثير غضبه حقاً فيتهور معها ، ويفعل ما لا يُحمد عقباه .. فترجلت بتردد من السيارة ..
تأملت بنظراتها المرتجفة المكان من حولها وهي ممسكة بقبضتيها بباب السيارة ، ولكنها سريعاً ما أخفضت عينيها لتنظر إلى كفي أوس الموضوعين على يديها ، ثم رفعت بصرها نحوه ، فإبتسم هو لها بغرور ، وغمز لها من زاوية عينه ، وقال بخبث :
-شاطرة ، تعجبيني !!

حاولت هي أن تسحب يدها من تحت كفيه ، ولكنه قبض عليهما أكثر ، ونظر لها بنظرات ذات مغزى ، وتابع بنبرة متوعدة :
-جه دوري إني أكسرك وأذلك يا تقي ، بس بالحلال .......................................................... !!!!

............................................
تمت بحمدلله

خلصتي؟ الرواية الجاية أقوى وأحلى… تعالي وعيشيها معانا👇

تعليقات