رواية ثأر الشيطان للكاتبة سارة بركات هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية ثأر الشيطان، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.
رواية ثأر الشيطان من الفصل الاول للاخير بقلم سارة بركات
"طائر يطير بجناحيه القويان بحرية دون قيود، ولكن ضَعُفَت وهلكت تلك الأجنحة من كثرة طيرانه حتى أصبح بلا فائدة."
ظلام .. مكان يملؤه الظلام على الرغم من وصول ضوء النهار لنوافذه ولكن ذلك أمر طبيعي بالنسبة للسجون .. سجون مظلمة بداخلها مجرمين بعضهم يملك قلبه ظلام دامس والبعض الآخر لم يلمسه الظلام حتى.
كان السجناء يتحركون في صفٍ واحدٍ يتجهون صوب قاعة الطعام كالآلة التي تتحرك دون مشاعر ولكن مايشغل كل سجين منهم هو مايملكه خارج هذا السجن؛ فهناك من ترك عائلته وأطفاله وضحى بنفسه لأجلهم بسبب ضيق الديون، وهناك من سرق، وهناك من قتل و أيضًا هناك من سُجِنَ ظلمًا لإختلاف الأسباب .. ولكن غير كل ذلك كان هناك شيطان قوي مختبئٌ في عرينه، لا يعلم أحدٌ سبب بقاءه في ذلك السجن حتى اليوم.
في غرفة مظلمة ينبعث من نافذتها نور الصباح كان الصوت المسموع بها أصوات أنفاسه الثقيلة، كان يقوم بعمل تمارينه الصباحية القاسية، تمارين تُبرز عضلاته القوية بشدة .. من يراه يتمرن هكذا يعتقد أنه يقوم بتعذيب نفسه، ولكنه مُعتاد على ذلك إنتهى من تمارينه ثم إعتدل وأخذ ثيابه النظيفه وإتجه صوب المرحاض ليستحم ليزيل عن نفسه عناء مافعله بجسده .. قام بتشغيل المياة وإنسابت على جسده بالكامل .. وبعد أن إنتهى إرتدى ثيابه ثم خرج من المرحاض متجهًا نحو مائدة الطعام .. كان هناك شابًا يتحرك بشرود ولم ينتبه للشخص الذي بجانبه والذي إصطدم به بقوة ..
- مش تِفَتَّح يا أعمى؟؟
أردف السجين بغضب ..
- أنا آسف جدًا مانتبهتش.
إقترب منه السجين ولم يقبل إعتذاره وقام بلكمه بقوة وكاد أن يلكمه مرة أخرى ولكن أوقفته يد الشيطان الذي أردف بهدوء.
- ماتمدش إيدك على حد هنا طول مأنا موجود.
- هتعمل إيه يعني؟؟ خوفت أنا.
أردف السجين بسخرية .. أما بالنسبة للشاب فقد أردف بخوف من ذلك السجين ..
- جواد بيه إبعد عنه ده هيأذيك.
إبتسم جواد نصف إبتسامة وهو يرى ذلك السجين قد إتسعت إبتسامته أكثر.
- إسمع كلام الكتكوت الصغير وبطل لعب مع الكبار.
كاد أن يضع السجين يده على ذراع جواد ولكنه أمسكها بقوة وقام بثنيها خلف ظهره في نية منه لكسرها .. شعر الرجل بألم شديد .. وأردف جواد بهدوء مبالغ فيه.
- بكرر كلامي مرة تانية، ماتمدش إيدك على حد طول مأنا موجود.
ثم دفعه على سجينٍ آخر بقوة، وإبتعد ليجلس على مائدة الطعام بجوار ذلك الشاب الذي لُكِمَ منذ قليل.
- شكرًا لحضرتك، أنا آسف إني دخلتك في مشاكلي.
ربت جواد على كتفه بهدوء دون أن يتفوه بكلمة ثم شرع يتناول طعامه، كان السجناء حوله إما بعضهم صامت أو آخرون يضحكون ويدردشون، وأثناء تناوله للطعام شعر بخطوات سريعة خلفة، نظر لصورة معكوسه على الصحن الذي بجانبه وبحركة سريعة منه رفع ذارعه يمسك بها يد الشخص الذي كان يقترب نحوه من الخلف ممسكًا سكينًا كان ينوي بها أن ينهي حياته .. إلتفت للشخص الذي كان يحاول أن يقتله للتو كان ذلك السجين الذي لكم الشاب، حرك جواد رأسه يمينا ويسارًا وقام بخلع ذراعه الذي يحمل السكين، صرخ السجين بألم ولم يكتفِ بذلك بل كسر أصابعه التي تُمسك بالسكين، تألم السجين وكان يحاول أن يبتعد عن ذلك الشيطان ولكن هيهات قام جواد بأخذ السكين من يده ثم غرسها بقدمه بقوة صرخ الرجل بألم شديد أمام أعين كل السجناء ولكن لم يفعل أحدٌ شئ بل كانوا يشاهدون مايحدث في صمت، ثم ضرب وجهه بالطاولة التي أمامه مما جعل السجين يفقد وعيه وضع السجين على كرسي ودفس وجهه بصحن ممتلئ بالطعام ثم عاد يجلس مرة أخرى ليكمل طعامه بهدوء وأيضًا عاد السجناء لإكمال تناولهم للطعام و بعد أن انتهى من تناول طعامه عاد لزنزانته الإنفرادية، أخذ يبحث عن هاتفه لكي يرى شيئًا به ولكنه إنتبه أن هناك إشعارًا على هاتفة برسالة مرسلة إليه من رئيسه بالعمل أو بالأخص الشخص الوحيد الذي وقف بجانبه منذ الصغر ومن يومها وهو عاهد نفسه أن يكون يده اليمنى وأن يبقى بظهره دائما.
"الفترة دي بيجيلي تهديدات يا جواد، حاسس إني اتورطت في مصيبة .. أنا خايف على شمس حاول تطمن عليها في أقرب وقت .. خايف يكون جرالها حاجة من بعد ما اتجوزت من تلات شهور كلمتني فترة وبعد كده أخبارها إنقطعت عني ومن وقتها وهي مباقتش بتظهر ومش عارف أوصلها."
أغمض عينيه بقوة يحاول أن يأخذ نفسًا عميقًا يهدئ من روعه .. "شمس" صاحبة ذلك الاسم تطارد أحلامه دائما وتخطف أنفاسه أيضًا بمجرد التفكير بها؛ لدرجة أنه قد ابتعد عنها حتى ذهب إلى مكان لا يستطيع أن يصل له أحدٌ فيه بعد أن تزوجت ولكن ها هو القدر يجمعه بها مرة أخرى .. قام بعمل بعض الإتصالات وأصدر بعض الأوامر ثم إرتدى ثيابه ببرود يتجهز لأن يخرج من تلك الزنزانة، خرج منها ثم من السجن بهدوء وثبات فمن يجرؤ أن يمنع الشيطان جواد عن خروجه من السجن دون تصريح؛ فهو مجرد زائر أو شخصٌ مقيمٌ به فكل من في السجن يكن له الإحترام والتقدير .. شيطانٌ يمشي بهدوء مرتديًا حُلته السوداء وتوقف حينما توقفت أمامه سيارة سوداء ضخمة ..
- جواد بيه .. حمدالله على السلامة.
نظر جواد لحارسه الشخصي وهز رأسه ثم ركب سيارته والتي كان ينتظره رجلا يعرفه بداخلها .. قدم له صورةً لفتاة ذات بشرة حنطية ووجهها به نمش وعينيها بلون آشعة الشمس جعلت قلب جواد يدُق كعادته ..
- شمس هانم من وقتها إختفت وده كان آخر ظهور ليها.
الصورة تُظهِر أنها كانت تقضي عطلة صيفية وقعت عينيه على الشخص الذي يحتضنها بقوة والذي يُدعى زوجها ..
- زي ماحضرتك شايف الصورة كانت من شهر العسل و....
قاطع كلماته نظرات جواد الشيطانية وعاد يطالع شمس التي بالصورة مرة أخرى يحرك أصابعه الطويلة والجذابة على وجهها الجميل وظل يطالع إبتسامتها تلك .. تنهد متذكرًا ضحكاتها البريئة واللطيفة والناعمة تلك أيضًا ..
منذ شهورٍ عديدةٍ مضت:
كانت تركض على أدراج القصر بشعرها الكستنائي وتحمل كتبها لأنها على مايبدو أنها متأخرة على جامعتها كالعادة .. ركضت نحو غرفة الطعام وهنا قفزت على قدم والدها الستيني تقوم بإحتضانة بقوة متجاهلة جميع الحرس الموجودين بالقاعة ومن بينهم جواد الذي يقف خلفه بشموخ بقوة ..
- صباح الخير يا بابي.
ضحك بهجت على طفولة إبنته اللطيفة..
- مش كبرنا على الحركات دي ولا ايه يا شموسة؟
ضمته بقوة وهي تنظر في عينيه..
- أنا عمري ما أكبر طول مأنا لاقية الدلع الحلو ده.
ثم إستقامت وإعتدلت وهي تمسك بكتبها ..
- هحتاج امشي أنا بقا عشان متأخرة جدًا.
أردف بهجت بتعجب:
- بالسرعة دي؟؟"
تنهدت وهي تقوم بتعديل ثوبها الأصفر المليء بالورود السوداء:
- متأخرة على الجامعة انت عارف إن النهاردة أول يوم في آخر ترم وأخيرا هتخرج، بس عشان ده أول يوم لازم ألِّم شلتي الفاسدة حواليا كالعادة.
قهقه بهجت من تلقائيتها تلك:
- ماشي يا حبيبتي أنور السواق مستنيكي بره.
قبلته على وجنته قبلة رقيقة وحينما كانت تعتدل تقابلت نظراتها مع جواد الذي ينظر لها ببرود .. ذلك لوح الثلج الذي لا يهتم ولا يبالي لأحد .. دائمًا ما تطلق عليه ذلك اللقب .. ولكنها لم تهتم له وكادت أن تتحرك إلتفتت لوالدها مرة أخرى ..
- أنا هتأخر على فكرة.
- رايحة فين؟
ذلك ما أردف به بهجت بتساؤل وهو يترك طعامه..
- هنزل المول هشتري شوية حاجات مع أصحابي.
- طيب لما تخلصي كلية كلمي جواد يجيلك عشان يبقى معاكم هو والرجالة.
نظرت بضيق نحو جواد الذي يطالعها بهدوء..
- لا بلاش جواد أصحابي بيخافوا منه.
سمع جواد ضحكات مكبوته من الرجال خلفه ولكنهم صمتوا عندما طالعهم بنظرة شيطانية .. وما ضايقها أكثر هو صمته وعدم رده عليها بل رد على والدها..
- أوامرك يا بهجت بيه.
ثم نظر جواد نحو الفراغ لم يعِرها إهتمام.. تضايقت أكثر من إبتسامة والدها تلك..
- بابي لو سمحت، أنا مش عايزاه ييجي.
تنهد بهجت مردفًا بإستسلام:
- ماشي يا شمس .. هشوف أي حد يجيلك.
ابتسمت بسعادة وطالعت جواد بإنتصار .. لم يبالِ لها شعرت بالضيق مرة أخرى ولكنها رحلت لكي لا تفتعل المشاكل، فمزاجها اليوم جيد لا تريد أن تُعكره بسبب جواد، ركبت السيارة وبدأ السائق بالتحرك .. بعد خروجها أردف بهجت بإبتسامة هادئة لجواد وهو يطالعه..
- معلش يا جواد لو طلبت منك تروح معاها، إنت عارف إني مابعرفش أثق في حد غيرك، الكل عارف إنك مش حارس شخصي، أنت دراعي الليمين في كل حاجة .
- أردف جواد بهدوء:
- كلمتك سيف على رقبتي حتى لو هبقى جليس أطفال، طالما دي أوامرك أنا هنفذها.
إبتسم له بهجت بامتنان يتذكر وقوف جواد الدائم بجانبه لقد كان إبنه الذي لم يُنجبه قط، هو طوال حياته تمنى لو يكون لديه إبن ولكن الله رزقه بإبنته الجميلة تلك والتي يحمد الله على وجودها، ولكن تلك العنيدة يصعب التعامل معها حقًا، يخاف عليها كثيرًا، ظل جواد ينظر له بإبتسامة هادئة يراقب ملامح وجهه حتى أردف.
- عايزني أروحلها، صح؟
هز بهجت رأسه وهو يتنهد..
- شمس كل حاجة بالنسبالي ومابعرفش آمِن لحد غيرك في أي حاجة تخصني، روح معاها المول وخد رجالتك معاك.
- أوامرك.
مر بعض الوقت وتوقفت السيارة أمام باب الجامعة، خرجت منها شمس مرفوعة الرأس وعلى وجهها ملامح الغرور والتكبر، دخلت الجامعة وهي تتحدث بالهاتف مع إحدى صديقاتها..
- إنتِ فين؟"
- أنا بالكافيتيريا يا شمس، عم انطرك.
أغلقت الهاتف ثم بدأت بالبحث عن صديقتها والتي تدعى "مرام" سورية الجنسية ويلقبونها ب "روما" .. دخلت الكافيتيريا تبحث عنها حتى وجدتها .. كانت ذات بشرة حنطية وشعر أشقرٍ أجعد قصير وترتدي بنطال جينز وسترة قصيرة دون أكمام .. توقفت شمس عندما رأتها تجلس مع شاب يبدو أنه زميلهم بالجامعة .. إقتربت منهما قليلًا وكان حديثهما على مسمعها.
- إيه، كيف بلشت؟
- كنت بجرب حظي وأهي ضربت معايا.
إنتبهت روما على إقتراب شمس منها ..
- شمس حبيبتي.
إعتدلت روما ووقفت تحتضنها بقوة، وبادلتها شمس بقوة.
- يا الله، أنا كتير اشتقتلك الشهرين ياللي مروا حسيتهم دهر في غيابك رفيقتي.
إبتعدت شمس عنها وإبتسمت بحب:
- وإنتِ كمان وحشتيني أوي يا روما.
ثم صمتت تشير بطرف عينيها للشاب الجالس ... تحدثت روما بإستيعاب:
- يا ويلي شو نسيت، هاد ساجد رفيقنا هون بالجامعة بس أنا بعرفه عن طريق الشغل .. ساجد هاي شمس أقرب رفيقه إلي.
إيتسم ساجد وإعتدل وإقترب يصافحها..
- إزيك يا شمس؟، سعيد إني إتعرفت عليكي.
- شكرًا.
ظل يطالعها كثيرًا أما شمس فقد ابتسمت بهدوء لذلك الشاب، شابٌ طويل ذو ملامح رجولية جميلة يبدو عليه بعض الإرهاق ولكن على ماتعتقد أن ذلك بسبب العمل لأن روما ذكرت قبل قليل أنهما يعرفان بعضهما عن طريق العمل .. أبعدت يدها عن يده بهدوء
ثم وجهت حديثها لروما تتهرب من ذلك الشاب الوسيم ..
- يلا نمشي باقي البنات مستنيينا.
تركاه بعد أن ودعاه وعندما خرجتا من كافيتيريا الجامعة بدأت شمس بالتحدث ..
- كنتم بتتكلموا في إيه؟
- كان بيحكي عن بداية شغله بالمجال إللي بشتغل فيه، بس تعرفي إنو شب كتير غني.
- بجد؟
- إيه، مايعرف ليش عم يشتغل وهو مالو محتاج مصاري.
لم تهتم شمس بأن تسأل عن عملهما أو عن حياته الشخصية وظلتا تسيران حتى إقتربا من باب الكلية.
- لَك ماقِلتي، وينُن البنات؟
أردفت بتأفف:
- ياشيخه ماتعوجيش لسإنك كده إتكلمي مصري بتعقديني مابفهمش حاجة منك وبجمع الكلام بالعافية عشان برستيجي مايروحش، إتكلمي معايا مصري أسهل بدل ما أخليكي تريقة الجامعة كلها يا روما في إيه؟
- اخ منك إنتِ ياشمس، أنا مش بعرف أحكي مصري كتير بس حاضر هلغبط بينه وبين السوري كِرمالك .. هلأ فين البنات؟
- داخلين عليهم أهوه.
إقتربتا حيث تقف مجموعة من الفتيات يضحكن بأصواتٍ عالية ولا يهتممن أنهن بالجامعة .. حيوا بعضهن ومن مظهر تجمعهن ذلك كان يبدو أن شمس هي قائدة ذلك الجمع .. إقتربت إحدى الفتيات نحو شمس كانت ترتدي عدسات طبية ومن مظهرها يبدو أنها فتاة من الطبقة المتوسطة.
- شمس، إزيك؟
نظرت لها شمس بإبتسامة هادئة..
- ازيك يا صباح؟ أخبارك إيه؟
قامت صباح بتعديل عدساتها الزجاجية ثم تحدثت بإحراج لأن باقي الفتيات ينظرن لها بسخط، ولكن مايهمها الآن هو أن شمس قامت بالرد عليها وأيضًا مازالت تتذكر إسمها، رائع!..
- أنا الحمدلله بخير، أنا قعدت أتصل بيكِ كتير في الأجازة ماكنتيش بتردي عليا، أتمنى إنك تكوني بخير.
كانت الفتيات حول شمس يسألون أنفسهم الكثير من الأسئلة، كيف تتحدث معها شمس هكذا؟.. كيف أعطتها المجال من الأساس أن تأتي وتقف معهن هكذا؟
- ممكن أكون مانتبهتش للموبايل وقتها، بس شكرًا إنك إفتكرتيني.
كادت أن تتحدث ولكن قاطعتها شمس بتحدثها إلى الفتيات..
- يلا بينا يا بنات نخرج، حاسة الجو بقا يخنق أوي.
- فعلا، عندك حق.
شعرت تلك الفتاة المدعوة بصباح بحزنٍ شديد ثم راقبتهم وهم يخرجون من الجامعة .. أردفت بحزن محدثة نفسها.
- ممكن هي مش قادرة تتكلم فعشان كده هي مشيت.
كانت تبرر لشمس طريقتها تلك ثم دخلت المحاضرة .. أردفت إحدى الفتيات لشمس..
- إنتِ بتطيقي المعاملة إزاي معاها بجد؟
أردفت بلامبالاة:
- بتساعدني في المذاكرة والإمتحأنات.
أردفت أخرى بملل..
- ربنا يعينك على المعاملة مع الأشكال دي.
نظرت شمس لهن جميعًا قليلاً ولكنها لم تُجِبهم .. قضت الفتيات يومهن دون حضور أي محاضرات تُذكر بل قضوه بالكامل في سياراتهن يتحركن بلا هدف .. بمرور الوقت .. على جبلٍ مرتفع قليلًا في مدينة المقطم، كانت شمس تجلس بسيارة روما تنظر بشرود أمامها ولكنها إستفاقت من شرودها ذاك عندما أعطتها روما السيجار التي بيدها ..
- خِديلك دِخان.
حاولت شمس أن تقوم بالتدخين ولكنها سعلت بشدة ..
- صعبة أوي، لا مش قادرة.
- جَرْبِي بس.
دخنت قليلًا ولكن بصعوبة ولم تستطع إكمالها وأعادتها لها مرة أخرى .. حركت روما رأسها يمينًا ويسارًا مردفة بسخرية ..
- فرفورة إنتِ يا شمس.
- ماتعودتش على كده.
- بيصير حبيبتي في يوم.
وأكملت روما تتعاطى الدخان، إلتفت لها شمس تطالعها..
- بتشربوا الحاجات دي إزاي؟ أنا شايفة إن البنات كلها ..*أشارت نحو باقي الفتيات وهن يجلسن بسياراتهن يقمن بالتدخين* ... إتعودوا يشربوا الحاجات دي، في حين إن من كام شهر بس كانوا زيي كده.
- مابعرف كيف أحكيلك، بس أنا والبنات كنا عم نتقابل كتير في الأجازة واتعودوا، هو بس الموضوع محتاج جرأة وتعود مش أكتر، بس إنتِ خايفة من والدك .. شو بعملك أنا؟
إعتدلت ثم بدأت التفكير بوالدها ..
- لا مش خايفة منه طبعا، بابي بيحبني ومش بيرفض أي حاجة أنا عايزاها.
- يبقى خَلَص، ليش عم بترفضي؟
- هقولك، أنا بحس إن الحاجات دي مش لينا ..دي للرجالة.
- بتعرفي شمس، أحيأنا بشعر إنك بريئة كتير، وأحيأنا بشعر إنك متلنا هيك ما إلِك أهل يسألوا فيكِ.
كادت أن تتحدث ولكنها إنتبهت لشئ لم تنتبه له قبلًا، أردفت شمس بصراخ وهي تشير لأنفها..
- إنتِ عملتي بيرسينج إمتى؟
- عَاجْبِك؟
- طبعا عاجبني، عملتيه إمتى؟ وإزاي تعمليه من غيري؟ إنتِ عارفة إن كان نفسي فيه من بدري.
- خَلَصْ بنروح سوا وبسويلك واحد.
- إتفقنا.
- إمتى بدنا نروح عالمول؟ كل هاد الوقت عم ننطر إن وقت الجامعة يخلص.
أخذت شمس تطالع هاتفها تنظر للوقت ..
- خلاص قربنا، يلا نتحرك وهما أكيد هيستنوني.
- ليس عم ننطرهم ياشمس؟
- لإن بابي مايعرفش إني مابحضرش محاضرات، فمش عايزاه يزعل لو إكتشف ده، عايزة أخلص الجامعة على خير.
- أنا بحكي إنو ليش عم ننطر رْجال ميشان يحرسونا، نِحْنَ مو أطفال ياشمس.
- دي تعليمات بابي.
تأفأفت روما ولكن شمس إبتسمت بهدوء متذكرة حديث والدها دائمًا بأنه يخاف عليها ولذلك تقوم بتنفيذ تعليماته .. تقصد بعض تعليماته لأنها متهورة قليلًا .. إنتبهت عندما أخرجت روما سيجارًا مختلفة عن التي كانت تتعاطاها قبلًا ..
- تاخدي واحده؟
- لا طبعا.
قهقهت روما وهي تقوم بالتدخين وبدأت بتحريك سيارتها،
ثم بدأت باقي السيارات بمتابعتها .. بعد عدة دقائق وصلت الفتيات للمركز التجاري المقصود .. وأخذت شمس تبحث حولها عن حرس والدها الشخصي .. حتى وجدتهم يقفون بعيدًا .. أشارت لهم بأن يتقدموا ولكنه فتحت عينيها على مصراعيها عندما ظهر جواد أمامها .. تلعثمت عندما رأته..
- جواد.
- شو؟
إلتفتت روما تنظر برعبٍ للوح الثلجي الذي يقترب نحوهن..
- شو هالمصيبة هاد! بَعدُوه عنَّي، رَح يِكشفني .. دِخان السجاير كِلُه مْعَبَى بِتْيَابِي.
إبتعدت روما تقف خلفهن .. ضيق جواد عينيه بشك من حالة تلك الفتاة السورية الخائفة ... ثم عاد ينظر لكل الفتيات اللواتي تغيرت ملامحهن أيضًا..
- إنتِ قولتي إنه مش هييجي.
أردفت شمس برجفة خفيفة عندما تقابلت عينيهما بصمت:
- هو فعلا مكنش هييجي، بس بابي شكله غير رأيه من غير مايقولي.
توقف أمامهن بهدوء مريب لبضع ثوانٍ ثم إقترب نحو شمس التي كانت تقف جامِدة .. كانت المسافة بينهما قليلة يطالعها بتركيز ولكنها بدلًا من أن تخاف منه أن يُكشف أمرها رفعت رأسها بغطرسة وغرور تطالعه في المقابل ..
"من يظن نفسه هذا حتى يكون مصدر خوفها؟"
هدأت ملامح جواد ثم أردف:
- هنبدأ من فين؟
أردفت بغرور:
- خليك ورايا وخلاص.
أخذ نفسًا عميقًا يحاول أن يهدِئ من روعه لأن طفلة صغيرة من تقوم بإصدار الأوامر، ثم هز رأسه .. تحركت من أمامه وتحركت خلفها الفتيات وكانت روما تحاول أن تختبئ بينهن ولكن جواد إنتبه لذلك الوشم الموجود على كتفها من الخلف .. كان وشم على هيئة ثٌعبان .. عَقِد جواد حاجبيه وهو يطالع ذلك الوشم.
كانت الفتيات يتمسكن بشمس التي تحاول أن تكبت ضحكاتها ..
- إنتوا بجد خايفين منه؟
- إنتِ مش شايفاه عامل إزاي؟ تحسيه رئيس مافيا.
قهقهت شمس متحدثة بسخرية:
- جواد؟! رئيس مافيا!.. إتكلموا في حاجة منطقية شويه .. قال رئيس مافيا قال.
في الوقت الحالي:
كان جواد يقف أمام مخزن أسلحة يتجهز جيدًا لمهمته التي خرج من السجن لأجلها ثم سيعود لسُباتِه مرة أخرى بعد أن يجدها، كان يقف خلفه مجموعة من الرجال يتجهزون أيضًا وبعد أن إنتهى.
- عنوان المكان وصل يا زعيم.
نظر جواد جيدًا للموقع الذي ينظر إليه .. يبدو أن الوغد يحب المناظر الطبيعية لكي يقوم بإختيار المالديف أنسب مكان للخطف!.. حان الآن إنتهاء وقت شهر العسل.
↚
في جزيرة رائعة الجمال تدعى "المالديف" في منزل صغير رائع الجمال من الخارج ولكن حينما نُلقي عليه نظرة من الداخل نجد أنه ليس بجميلٍ، بل بشع نظرًا لما يفعله ساكنه بداخله .. كانت مُلقية على الأرضية الباردة بوجهٍ مليءٌ بالكدمات وليس وجهها فقط، بل جسدها أيضًا به علامات تعذيب أرهقتها وأضعفتها .. ترتدي فقط ثوبٌ أسودٌ قصير دون أكمام يقرب لثياب النوم .. كانت تتنفس بثقل تحاول أن تعتدل ولكن الضربات التي أخذتها من زوجها الذي خذلها وظهرت حقيقته بعد الزواج مباشرة منعتها من ذلك .. تحاملت وإستندت بركبتيها المتورمتين على الأرض ووقفت بصعوبة محاولة تحمل ذلك الألم الذي يفتك بجسدها بالكامل .. وقع بصرها على السلاسل الحديدية المعلقة على جدران الغرفة التي بها .. شعرت بالخوف وتمنت أن تهرب ككل مرة تهرب بها ولكن تلك المرة تتمنى أن لا يستطيع الوصول إليها .. وصل إليها صوت المياة في الحمام إستنتجت أنه يأخذ حمامًا لكن من مِن المفترض أن يأخذ حمامًا؟؟ هو أم هي؟ ..
"لا وقت لذلك السؤال الآن، شمس" كانت تتحدث بينها وبين نفسها "هذه الفرصة العاشرة لكِ لكي تهربي من ذلك الحقير"
إلتفتت وإتجهت نحو باب المنزل ولكنه مغلق بإحكام تأففت وتحدثت بين نفسها مرة أخرى
"يبدو أنه قد تعلم من آخر مرة .. إذا لنبحث عن طريقةٍ أخرى"
إتجهت نحو إحدى النوافذ الخشبية وجدت أن الفرق بينه وبين الأرضية الخارجية ( الرمال) ليست كبيرة كأي منزل، بل أغلب المنازل هنا صغيرة تتكون من طابقٍ واحد على الأقل والمقصود هو المنازل القريبة من الشاطئ.
هتفهت بهمس:
"مش مشكلة أنا كده كده متدغدغة، مش هتيجي على دي، وحتى لو لو هموت المهم إني هبعد عنه ومش هشوف وشه تاني."
ثم ألقت بنفسها من النافذة ووقعت على الرمال .. حمدت الله أنها لم تتألم كثيرًا وإعتدلت لتقف وبدأت بالركض حافية القدمين وشعرها يتطاير خلفها .. تركض بسرعة شديدة لا تريد أن تنظر خلفها .. تركض دون وجهة معينة .. لا تعرف أي شخص على تلك الجزيرة .. وحتى لو أوقفت أحدهم سيعيدونها لزوجها .. يا الله كم تتمنى أن تتخلص منه، هي فقط عروس! .. كانت عروسٌ تقضي شهر عسلها الذي طالت مدته ولا تعلم متى ينتهي مع زوجها ومعشوقها الذي أحبته ببراءة .. ولكنها لم تكن تعلم أن كل ذلك سيحدث .. تتذكر كم كانت عنيدة في إختيارها له وأنها تحدت والدها لأجله .. هبطت عبرة من مقلتيها لتذكرها كل ذلك، لقد وقع والدها أرضًا يومها وكاد أن يصيب بجلطة بسبب عِندها معه .. ولكنه في النهاية رضخ لأجلها .. لقد كانت غبية وعنيدة و أنانية .. لقد إختارته على والدها .. وقفت تلفظ أنفاسها بصعوبة وبدأت بالبكاء بنحيب بقلبٍ مؤلم، لقد جرحت والدها .. وتتمنى لو يجتمعا مرة أخرى حتى تخبره كم تحبه وكم هي نادمة على مافعلته به .. حتى لو لآخر مرة.
إنتهى من حمامه وإرتدى ملابسه وبعد أن إنتهى ذهب للغرفة التي كانت بها ولكنه لم يجدها .. تنهد ساجد بضيق من تلك الغبية المُدللة .. يبدو أنها هربت للمرة التي لم يعد يذكر كم هو عددها، خرج من المنزل ليبحث عنها ولكن تلك المرة لن يمر الأمر على خيرٍ بتاتًا.
وصل اليخت الذي يحمل جواد ورجاله ... كان الطقس باردًا .. لا يصدقون من ذلك الأحمق الذي يقضي شهر عسله هنا في ذلك الطقس .. بدأت السماء تُمطر بشدة وإتجه جواد ورجاله نحو الوجهة المرسلة إليه .. إفتحموا المنزل الخشبي الصغير ولكنهم لم يجدوا أي أحدٌ به .. نظر جواد حوله يتفحص ذلك المنزل .. ترك السلاح الذي بيده جانبًا وبدأ يستكشف المكان حتى دخل غرفة صغيرة توقف بها عندما رأى ما بداخلها .. سلاسل حديدية و سوط! إلتفت ينظر للمكان أكثر .. هناك أدوات تعذيب! .. وآثار دماءٍ أيضًا .. إحمرت عينا جوادُ بغضب وخرج من تلك الغرفة يجعل رجاله يلاحقوه .. إنتبهوا لآثار الأقدام بالخارج كانت أثار قدميها الحافيتين وضع جواد يده على موضع أقدامها ثم إنتبه لآثار حذاء رجالي كان يلاحق تلك الآثار ... لاحق تلك الآثار أيضًا ولكن أسرع من أي أحد .. كانت بين الأشجارِ في الغابة الخاصة بتلك الجزيرة والمطر كان يجعلها تتحرك بقدميها العاريتين بصعوبة والبرد القارس يؤلم جسدها بشدة ذهبت نحو أرض رطبة وإنزلقت بسبب المياة ووقعت أسفل تلك الغابة وتلوث جسدها وثوبها بالوحل وصرخت بألم إثر وقعتها تلك وجُرحت قدماها ولم تعد تستطيع أن تتحرك أو تهرب مرة أخرى .. إنتبه ساجد لتلك الصرخة لكونه قريبًا منها وتحرك إتجاه ذلك الصوت حتى دخل الغابة .. غرُبَت الشمس وكان جواد قد إقترب من الغابة ولكنه توقف لأنه لا يعلم كيف يسير .. حتى إنتبه لصوت أحدهم يناديها ..
"شمس."
عقد جواد حاجبيه ودخل الغابة يتبع ذلك الصوت .. إرتجفت شمس بذعر عندما سمعت صوت زوجها .. تتمنى أن تموت الآن ولا تقابله مرة أخرى حاولت أن تتحامل على نفسها مرة أخرى ولكنها لم تستطع حاولت أن تختبئ بين الأشجار تدعوا الله أن لا يجدها.
توقف ساجد بمنتصف الغابة يبحث عنها بعينيه .. حتى جاءت عينيه على أرضية رطبه بها آثار إنزلاقٍ حديثةٍ .. إبتسم بشرٍ وأخيرًا وجدها.
أردف بخبث وهو يلتف حول المكان الذي هي به:
- تعرفي يا شمس، أنا فعلا حبيتك عشان كنتِ غير كل البنات، كنتِ هادية وشقية وبتحبي تغامري والكل بيتمنى يبقى معاكِ، شباب الجامعة كانوا بيتكلموا عنك دايمًا إنك رافعة مناخيرك للسماء وماحدش عارف يوصلك، بس أنا أخدتها تحدي إني هكسر غرورك ده...."
تفاجأت به يقف أمامها وهو ينظر لها بشر ..
- وبقيتي أهوه زي الكتكوت المبلول خايفة تشوفي خيالي أو تلمحيني حتى.
كادت أن تتحرك ولكنه أمسك بشعرها بقوة .. صرخت بألم وأمسك برقبتها بقوة .. كانت تحاول أن تتنفس ولكنها كانت تختنق ..
- لازم أشوف حِجة أقولهم بيها مراتي ماتت إزاي؟ فكري معايا.
كان مستمر فيما يفعله وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها ولكنها تختنق .. تفاجأت بضربة قوية على رأس ساجد جعلته يتوقف عما كان يفعله بها وصرخ بألم .. كانت رؤيتها مشوشة نظرًا لإختناقها .. كانت تستنشق بصعوبة .. وعندما وجدت أن ساجد قد تركها ركضت دون أن تنظر خلفها .. لا تعلم أن جواد من قام بضرب ساجد .. إلتفت ساجد ينظر للشخص الذي يقف خلفه .. لم يكن شخصٌ عادي بل كانت ملامحه لا تبشر بالخير .. كان غاضبًا.. أردف ساجد بإستفسار:
- إنت مين؟
لم يُجبه جواد بل لكمه بقوة وأوقعه أرضًا حاول ساجد أن يقاتله أيضًا ولكنه جسد جواد كان أقوى .. سدد له اللكمات بقوة حتى لم يعد هناك مكانٌ سليم في وجهه .. لم يكتفِ جواد بذلك، بل كسر ذراعه الأيسر وأيضا كسر أصابع ذراعه تلك .. ظل يضرب رأسه بقوة لم يرى أمامه .. بل كان فقط يتذكر على ماذا كانت تحتوي تلك الغرفة .. يتخيل كيف صرخت في كل لحظة كانت تعاني بها .. أبعده أحد رجاله من قتل ساجد الذي فقد وعيه وأصبحت حالته يائسه ..
- إهدى يا زعيم، هتقتله.
إستفاق جواد عما كان يفعله وظل ينظر حوله يبحث عنها بعينيه .. ولكنه تذكر أنها ركضت ..
- خدوا الكلب ده معاكم شويه وهنمشي.
ركض حيث كانت تركض شمس .. كانت تركض دون توقف غير مبالية لجسدها الذي يصرخ من الألم تحاول أن تلتقط أنفاسها جيدًا .. ولكنها تفاجأت بمن يمسك بها من ظهرها .. صرخت بقهر تحاول الفكاك منه تُكمِل هربها منه ..
- شمس.
لم تسمعه من صراخها .. ظلت تصرخ كثيرًا ليبتعد عنها ولكنه لم يبتعد وجعلها تلتف لتنظر له ... هدأ صراخها الهيستيري وتحدثت بكلمة واحدة ..
- جواد.
هدأ جسدها كأنها وجدت الخلاص وأغمضت عينيها تستلم لتلك الراحة التي تناديها، إلتقطها جواد بين ذراعيه .. كانت مستكينة ونائمة بين ذراعيه كان ينظر لها بهدوء .. لملامحها التي لم تعد كآخر مرة رآها بها .. تمنى لو يكون لديه الحق بضمها وتحطيم عظامها بضمته لها .. تمنى لو يقوم بلمس شعرها الكستنائي الذي لطالما عشق رؤيته ورائحته .. تمنى لو يلمس تلك الشفاة يعاقبها على مافعلته به طوال تلك الأشهر الماضية .. ولكن لا .. كل ذلك لا يجوز، أغمض جواد عينيه يأخذ نفسًا عميقًا لكي يهدأ من تلك المشاعر التي إجتاحته وإعتدل واقفًا وهي بين ذراعيه القويتين.
...............................................
في صباح اليوم التالي:
كانت تجلس في حمام غرفتها بقصر والدها تنظر أمامها بشرود والخادمات تقُمن بتحميمها من ذلك الوحل الذي كان يملأ جسدها وثيابها .. كانت جميعهن يشفقن عليها مما رأوه بجسدها .. آثار تعذيب مبالغ بها .. لو كان أحدٌ غيرها تعرض لذلك التعذيب كان قد مات .. أكد عليهن جواد أن لا يخبرن أحدٌ بما حدث لها .. ولن يتحدثن فجواد وإن كان الذراع الأيمن للسيد بهجت فهو له فضلٌ عليهن جميعًا بعد الله.
إستفقن عندما تحدثت بإرهاق وصوت مبحوح..
- بابي فين؟
أجابتها إحدى الخادمات:
- بهجت بيه لسه مايعرفش إن حضرتك هنا، هو حاليا في الشركة.
أغمضت عينيها تتنهد بإرهاق، ولكنها قامت بفتحهما عندما أردفت إحداهن:
- جواد بيه مقالش لحضرتك عن إللي حصل لبهجت بيه؟
نظرت لهن بإستفسار، أكملت الخادمة:
- بهجت بيه مريض بالقلب ومابلغش حد حتى جواد بيه بس جواد بيه عرف بطريقته وبلغنا إننا نحاول نهتم بصحته على قدر المستطاع، أنا قولت أبلغ حضرتك عشان.......
لم تُكمل الخادمة حديثها ناظرة لهيئتها تلك، هزت شمس رأسها تتذكر أنها السبب في كل ماحدث لوالدها في الفترة الأخيرة من مشاكل صحية .. توقفت إحدى الخادمات عن عملها عندما كانت تقوم بتنظيف ذراعها الأيمن .. نظرت لشمس بفزع لوهلة ثم عادت تُكمِل عملها كأنها لم ترى شئ.
بمرور الوقت كان جواد يقف أمام غرفة شمس تهمس إليه تلك الخادمة التي كانت تساعدها في الإستحمام .. نظر لها جواد بهدوء بعدما سمع ماقالته .. أشار لها بأن تذهب ثم دخل غرفة شمس دون أن يطرق الباب .. كانت تقف عند نافذة الغرفة تنظر أمامها بشرود ولكن ما لفت إنتباهه أنها ترتدي ثوبًا صيفي، وليس ذلك فقط .. بل يُظهر جميع كدمات جسدها الذي هلك من كثرة التعذيب .. شعر أن وتيرة غضبه ترتفع في كل مرة يتذكر فيها تلك الغرفة والتي قام بحرقها هي والمنزل بأكمله قبل أن يرحل بشمس من تلك الجزيرة ... تقف مُرتعشة أمام النافذة تتابع سقوط الأمطار بحزن وشرود تتذكر ماحدث لها منذ ساعات وكيف تم إنقاذها وكيف عادت لمنزل والدها أيضًا؛ فبالنهاية هي من جنت على نفسها لأنها أردات ذلك المختل منذ البداية، إستفاقت على صوت خطوات هادئة تتقدم نحوها ببطئ .. خطواته التي تعرفها جيدًا إلتفتت ووجدته يقف أمامها بهيئته الطاغية، عيناه هادئتان وفي ذات الوقت ماكرتان لا تعلم ما الذي يدور بداخل عقله، إنه الشيطان الذي كان موجودًا بجانبها دائمًا منذ الصغر؛ فهو ذراع والدها الأيمن وليس ذلك فقط إنما يكون بمثابة إبنه الذي لم ينجبه، الشخص الذي يضحي بنفسه دائمًا لأجل والدها، شعرت بالبرد القارس عندما ظل يطالعها هكذا؛ فهو كالعادة بارد كبرود فصل الشتاء لا يتحدث كثيرًا بل يعمل أكثر، يختفي كثيرًا ثم يظهر فجأة من حيث لا تدري، تتذكر كيف كانا .. كان ظلها الحارث، ولكن الآن أصبح كل شئٍ مختلف، وضع يده في جيب مِعطفة الأسود يقاطع تلك النظرات مردفًا بهدوء وبرودٍ في آنٍ واحد:
- أنا مابلغتش بهجت بيه بإللي حصل ده، هو هييجي هنا وهيتفاجئ بمجيك ممكن نقول جاية زيارة .
كانت تشعر بالبرد القارس أثناء حديثه ذلك كأنه قد طعنها بقلبها.
- غيري هدومك دي وحاولي تداري الكدمات إللي في وشك بأي طريقة.
إنتبهت لعروق عنقه البارزة بشدة أثناء حديثه لها لماذا تشعر دائمًا أنها تثير إشمئزازه، لماذا يكره رؤيتها أمامه؟ وجدته يلتفت لكي يرحل ولكنها أردات أن تعبر له عن إمتنانها:
- جواد.
توقف معطيًا إياها ظهره ..
- شكرًا إنك أنقذتني.
تجاهلها ثم خرج من الغرفة .. هبطت عبرة من مقلتيها عند خروجه من الغرفة، لا يطيق النظر في وجهها .. يبدو أنها قد أساءت له أيضًا مثلما أساءت لوالدها .. إنتفضت عندما عَلا صوت الرعد بالخارج .. وذهبت لتقوم بتبديل ثيابها لثياب شتوية ..
كان جواد يقف خارج الغرفة مستندًا على جدارها يمنع نفسه من العودة إليها مجددًا والصراخ في وجهها ومعاتبتها على مافعلته به دون أن تدري، ولكن لا .. لم يعد لذلك فائدة .. تنهد تنهيدة عميقة وإبتعد عن غرفتها رن هاتفه والمتصل كان يخبره بعودة السيد بهجت للقصر .. أغلق الهاتف وأمر الخدم بإعداد طاولة الطعام لأجله كما أمرهم بإخبار السيدة شمس بإقترابه ايضًا.
توقفت سيارة السيد بهجت أمام القصر، خرج من السيارة متجهًا للداخل وخلفه رجاله .. ولكنه توقف مكانه عندما وجد جواد يقف في باحة القصر ينتظره بإبتسامة هادئة ..
- جواد!
أردف السيد بهجت بإسمه بلهفة واقترب منه يضمه بقوة ..
- وحشتني يابني، أخيرًا شوفتك.
تفوه جواد بإبتسامة:
- ماقدرتش مبقاش موجود لما تحتاجني.
أردف بهجت بلوم:
- يعني جيت عشان كده بس؟
كاد أن يجيبه ولكنه أوقفه صوتها..
- بابي
إلتفت بهجت نحو ذلك الصوت الذي لا يصدق أنه سمعه .. كانت تهبط على سلالم القصر بهدوء كانت إبنته الصغيرة .. لا لم تعد صغيرة كانت إمرأة هادئة .. هبوطها على السلالم هادئ ليس كقبل زواجها .. هل أصبحت عاقلة بعد أن تزوجت من تُحب؟ هل كان مخطئًا في حقها حقَا؟ .. لم يشعر بنفسه سوى وهو يقترب منها يقوم بإحتضانها بقوة .. ظهرت معالم الألم على وجهها لأن والدها يضغط على كدماتها دون أن يدري .. قاطع لحظتهم تلك جواد الذي أردف بهدوء:
- أنا طلبت منهم يجهزوا الأكل عشان تقضوا دقايق لطيفة سوا في زيارة مدام شمس دي.
إبتعد عنها بهجت ينظر لجواد بإستفسار، أردف جواد بوضوح:
- مدام شمس جاية زيارة ساعتين وهتمشي.
تعجبت شمس من قرار جواد ذلك، ثم وإلى أين ستذهب؟ لا يوجد لها ملجأ الآن سوى منزل والدها.. إلتفت بهجت إلى شمس مرة أخرى..
- معقولة يا شمس؟ جاية تعطفي عليا بساعتين بس؟
كادت أن تتحدث ولكن قاطعها جواد:
- مدام شمس كانت مسافرة للندن تكمل شهر عسلها مع زوجها إللي مش عارفين هيخلص إمتى.. بس أصرت إنها لازم تعدي عليك الأول.
إلتفت بهجت إليها ينظر لها بحزن، وأردفت ترضخ لرأي جواد الذي لا تعلم مراده:
- معلش يابابي .. ماتقلقش مش هتأخر عليك هما كام يوم بس وهرجعلك.
أردف بهجت بإستفسار:
- جوزك فين؟ مجاش معاكِ ليه؟
نظرت لجواد ثم عادت تنظر لوالدها مرة أخرى تحاول البحث عن كذبة تخبره بها حتى وجدتها أردفت بهدوء:
- بيخلص شوية أوراق في المطار .. هو بيسلم عليك.
هز بهجت رأسه وهو يطالعها بهدوء ..
- طيب يا حبايبي يلا ناكل.
أماء جواد بهدوء وسبقهم لقاعة الطعام .. تعجبت شمس أن تلك هي المرة الأولى التي ينضم فيها جواد لهم في تناول الطعام .. إستفاقت عندما أمسك والدها بيدها بحب أبوي وأمسك بوجهها الممتلئ بمساحيق التجميل التي أخفت كدمات وجهها بجدارة .
- كنتي وحشاني أوي يا شمس، وبتوحشيني دايمًا .. ماتنسينيش يا حبيبتي.
أماءت له بإبتسامة منكسرة وجذبها خلفه لمائدة الطعام بدأ الثلاثة بتناول الطعام بهدوء وكانت شمس تشعر بإرهاق ودوارٍ مُفاجئ .. ولم يخفى ذلك عن عين جواد الذي كان يتابع كل ما تفعله .. كان يطالع كل إنشٍ بها .. إلتفت ينظر لبهجت الشارد والحزين بتفكيره ..
- بهجت بيه، في حاجات كتير محتاج أنا وحضرتك نتكلم فيها بس بعد ما مدام شمس تمشي.
نظر له بهجت بإستفسار، ثم أردف جواد بهدوء:
- بخصوص الرسالة إللي حضرتك بعتهالي.
- تمام.
عادوا يكملون طعامهم ..
بعد أن إنتهوا من تناول الطعام، كان شمس جالسة بحانب والدها في قاعة الجلوس و تنظر له بشرود ثم أردفت:
- أنا آسفة يابابي على كل حاجة وحشة عملتها في حقك.
تعجب بهجت من حديثها ذلك ..
- ليه بتقولي كده؟
حاولت أن تتحدث وتخبره عما عاشته ولكنها لم تستطع ..
- مافيش يا حبيبي، أنا بس كنت محتاجة أقولك الكلام ده، خايفة تبقى زعلان مني بسبب أي شغب حصل مني زمان.
أمسك بوجهها بيديه ينظر لها بحب أبوي ..
- إنتي ماتعتذريش، إنتي تعملي إللي إنتي عايزاه.
مازال يدللها حتى بعدما فعلته له، قاطع لحظتهم تلك الخادمة التي تمسك بيدها الهاتف:
- زوج حضرتك على التليفون بيستعجلك.
نبض قلبها برعب هل عاد ساجد مرة أخرى؟؟؟ ألم يتولى جواد أمره كما كان يفعل مع أي شخص يؤذيها؟ .. أغمضت عينيها تحاول أن تبدو هادئة أمام والدها .. وإلتقطت الهاتف متحدثة بإرتعاش:
- ألو.
- أنا مستنيكي بره يلا عشان هنمشي.
كان جواد هو المتحدث وبعد أن أنهى حديثه أغلق المكالمة الهاتفية.
أردف بهجت بإستفسار:
- في حاجة يا حبيبتي؟
هزت رأسها نافية
- لا مافيش، أنا همشي دلوقتي، ساجد مستنيني في المطار.
ضمها بقوة بين ذراعيه ..
- هتوحشيني، إبقي كلميني يا شمس.
- حاضر يابابي.
كادت أن تقف ..
- إستني هخلي حد يوصلك.
أوقفته مردفة بتلقائية:
- جواد معايا، هيوصلني.
بعد أن خرجت من القصر، كان بهجت ماكثًا بمكانه يتعجب من وجودها هي وجواد سويًا منذ متى وهما سويًا من الأساس؟؟! .. كيف عاد جواد من مكان إختفاءه وكيف عادت شمس أيضًا في نفس اللحظة؟ كيف كان جواد يتحدث مكان شمس منذ عدة دقائق كأنهما يخفيان شيئًا ما.
صعدت السيارة بجانب جواد والذي تحرك دون كلمةٍ واحدة ..
- هنروح فين؟
لم يُجِبها وإستمر في هدوءه ذلك .. شعرت بالإرهاق يشتد عليها والدوار يجتاحها أيضًا وشعرت أنها تحتاج لشيءٍ ما .. ولكنها تجهله .. تشعر أنها تريد دواء أو مادةٍ ما لا تدري ماهي.
- جواد أنا تعبانة، أنا مش عارفة أنا فيا إيه.
كان هادئًا لا يتحدث أبدًا .. صرخت عندما إستفزها صمته..
- جواد رد عليا.
توقف جواد بسيارته فجأة والتي أصدرت صوتٍ عالٍ عند توقفها .. وأردف بغضب ممسكًا ذراعها الأيمن كاشفًا عن آثار إبر ..
- ده إللي فيكِ يا شمس.
لم تنتبه لتلك الآثارِ قبلًا هذا يعني أنها قد حُقِنَت في ذراعها الأيمن عدة مرات ولكن بماذا؟؟ عاد جواد لهدوءه وقام بتشغيل سيارته مرة أخرى ..
- جواد إحنا رايحين فين؟ رد عليا أرجوك.
لم يُجِبها وأكمل طريقه حتى توقف أمام مكانٍ ما بعد عدة دقائق .. إلتفتت شمس تنظر لذلك المكان الغريب الذي توقف به جواد .. وصُدمت عندما وجدتها مصحة لمعالجة الإدمان.
- إنت جايبني هنا ليه؟ إمشي من هنا.
عندما لم تجد أي إجابة منه خرجت من السيارة تحاول الهرب منه ولكنه نزل خلفها ولاحقها ليمسك بها .. صرخت تحاول أن تبتعد عنه ..
- إبعد عني .. سيبني.
كان يجذبها عنوة عنها وحملها بين ذراعيه يقوم بتسليمها للرجلين اللذان يقفان أمام المصحة أمسكا بها يكتفانها صرخت بقهر وتنظر في عينيه
- لا، جواد!!!!!.
↚
كان يجلس بسيارته أمام المصحة بملامح شيطانية وكل ما يشغل تفكيره الآن هو أنها أصبحت مُدمنة بسبب ذلك الحقير، لقد أطفأها لم تكن تلك شمسه التي كانت تُنير قلوب الجميع بسبب ضحكاتها ومشاكساتها .. لم تكن تلك مشاغبته .. بل الموجودة تلك الآن ماهي إلا نسخة ميتة من شمسه.
منذ أشهر عديدة مضت:
كانت الفتيات بالمول التجاري يقمن بالتبضع وكان جواد ورجاله خلفهن، كانت شمس قد إختارت العديد من الثياب بجوارها صديقتها روما والتي إختارت بعض الثياب لنفسها أيضًا .. ذهبت شمس لإحدى غرف تبديل الملابس لكي تقوم بتجربة تلك الثياب تحت أعين الشيطان الذي يراقبها في صمت وكانت صديقتها بالغرفة المجاورة لها .. جربت قطعة قصيرة ثم خرجت لكي تُريها لروما ولكنها لم تنتهي بعد من تجربة الثياب التي قامت بإختيارها .. إقتربت من صديقاتها اللواتي لم ينتهين من إختيار الثياب بعد لكي تسأل عن رأيهن ولكن ما منعها من الإقتراب منهم هو وقوف جواد أمامها بملامح غاضبة ..
- إنتِ فاكرة نفسك رايحة فين؟
أردفت بلامبالاة:
- وإنت مالك؟
أردف ببرود:
- إرجعي مكانك، و اللبس ده مش هتاخديه معاكِ.
أردفت بضيق:
- ماحدش سمحلك إنك تتحكم في حياتي وفي إللي أنا هلبسه.
إبتسم نصف إبتسامة:
- والدك إللي سمحلي.
استأنف بصوت هادئ وفحيح في الوقت ذاته:
- إرجعي للبروفة، وأي لبس قصير اختارتيه إنسي إنك تجيبيه.
ظل الإثنان يطالعان بعضهما بتحدٍ ولكن الفائز بالنهاية كان جواد، حيث إستسلمت شمس وعادت لغرفة تبديل الملابس لكي تقوم بمراجعة الثياب التي اختارتها وفي ذات الوقت كانت تشعر بالضيق أنه يصدر الأوامر في حقها، نفخت بضيق لأن أغلب الملابس وإن كان جميعها كانت قصيرة .. ولكنها فكرت بخبث أنها ستُظهر له أنها قد أخذت بالفعل الملابس الطويلة .. أخذت تجرب جميع الملابس في غرفة تبديل الملابس ولم تخرج وبالطبع أعجبوها كلهم حيث أن جسدها كان نحيف ولكنه أنثوي منحوت بشكل مثالي .. تنهدت وأخذت الثياب وخرجت .. مثلت اللامبالاة وفي ذات الوقت خرجت روما أيضًا .. أردفت شمس بضيق:
- لسه فاكرة؟
أردفت روما بتعجب:
- شُو فِي؟ أنا شو عَمَلِت؟
تمتمت شمس بضيق:
- ماعملتيش حاجة.
كان جواد يقف مع رجاله يتابع تحركات شمس وهي تتحدث مع تلك السورية، لَمَحَ ذلك الوشم مجددًا وظل ينظر إليه بغموض.. وقفت الإثنتان وخلفهما باقي الفتيات لكي يقوم بدفع ثمن الثياب التي قاموا بشراءها وبعد أن انتهوا ودعت الفتيات بعضهن وكانت شمس تقف مع روما أمام سيارتها تتحدثان بعد أن وضعت ثيابها في سيارة جواد:
- شو راح تعملي اليوم؟
أردفت شمس بملل:
- مافيش، مش هعمل حاجة، وإنتِ؟
- وأنا كمان ما راح أعمل شي.
صمتت روما قليلًا ثم أردفت:
- شو رأيك بتيجي عندي ببيتي و نضل سوا لحتى الجامعة بُكرة؟
تحمست شمس قليلًا ولكنها تأففت:
- لا، بابي مش هيوافق
فكرت روما قليلًا ثم إقترحت:
- شو رأيك باجي أنا ونجرب الِتْياب سوا.
سعدت شمس كثيرًا بإقتراحها ذلك.
- تمام جدًا، إستني هبلغهم إني هركب معاكِ عشان مستنييني.
هزت روما رأسها بإبتسامة لطيفة، ذهبت شمس تقف أمام جواد تتحدث بهدوء:
- أنا هركب مع صاحبتي هي هتبات معايا النهاردة.
عند آخر كلمتين كانت تتحدث بسعادة وحماس جعلت ملامح جواد تهدأ وهو يطالعها وأماء لها بهدوء؛ أما هي فقد عادت لصديقتها التي لم يُبعد جواد عينيه عنها لدقيقة واحدة وفي ذات الوقت كانت روما تشعر بالخوف من جواد بسبب نظراته الغامضة تلك.
- يلا بينا.
ركبت شمس بجانبها وتحركت روما بسيارتها ويتبعها جواد برجاله حتى وصلت لقصر والدها، دخلت الفتيات القصر وخلفهم الرجال يحملون الثياب التي قامتا بشراءها وخلفهم جواد الذي كانت يتحدث بهاتفه، قبل أن تصعد شمس لغرفتها مرت على والدها في غرفة مكتبه أولاً.
- بابي.
إستقام من مقعده وقام بضمها بقوة..
- حبيبة بابي، طمنيني عملتي إيه؟ جبتي كل إللي عجبك؟
أردفت بإبتسامة وهي تنظر في عمق عينيه:
- أكيد طبعا يا حبيبي.
إقتربت شمس من روما تمسك بيدها لتعرفها على والدها:
- دي روما يابابي، صاحبتي السورية إللي كلمتك عنها كتير.
صافحها بهجت بإبتسامة أبوية لطيفة:
- إزيك يا روما؟
أردفت روما بإبتسامة:
- كْتِير امْنِيحَة، كيفك إنتَ عمو؟
إبتسم بهجت وأردف بهدوء:
- الحمدلله بخير، أتمنى تكونوا انبسطوا يابنات.
أجابت شمس بسعادة:
- أكيد طبعا يابابي.
دخل جواد للغرفة وإقترب من بهجت يتحدث بهدوء:
- هتحتاج مني حاجة قبل ما أمشي؟
- تعبتك معايا يا جواد.
إبتسم جواد بهدوء وأثناء خروجه من الغرفة تقابلت عينيه مع روما التي تنظر له بترقب ولكنه تجاهلها وخرج .. تحدثت شمس بعد خروج جواد:
- بابي، روما هتبات معايا النهاردة.
أردف بهجت بترحيب:
- أكيد طبعا تنور، هخلي الخدم يجهزولها أوضة
- لا هتبات معايا في أوضتي يا بابي.
- إللي تشوفيه يا حبيبتي.
ضمته بقوة قبل أن تخرج تحت أعين روما التي تنظر لهما بهدوء ثم أمسكت شمس بيدها وخرجتا سوية من الغرفة .. دخلتا الغرفة وقامتا بإستخراج ثيابهن وكانت شمس سعيدة بأنها قد خدعت جواد وبالنهاية أخذت الثياب التي تعجبها دون أن يعلم .. عندما كانت شمس ترتدي ثوبٌ قصير تفاجأت به ممزق.. صرخت بفزع وأمسكت باقي الثياب القصيرة وجدتها ممزقة أيضًا لا تصلح للإرتداء .. فزعت روما من مظهر ثياب شمس وركضت تبحث في ثيابها هي الأخرى ظنًا منها أنه قد تم خداعهم ولكنها تنهدت بإرتياح عندما وجدت أن ثيابها سليمة.
صرخت شمس بغضب :
- جواد!!!!
كان جواد يقود سيارته مبتسمًا بهدوء وملامحه تدل على الإرتياح الشديد .. أمسكت شمس بهاتفها تقوم بإرسال رسال له.
- إنت إزاي تعمل كده في هدومي؟؟ إنت مالك بيا وبحياتي؟ أنا بكرهك.
وصلته رسالتها، وقرأها بهدوء ولكنه لم يُجِبها ..
- كيف بيعمل هيك يا شمس؟
أردفت بغضب:
- البيه فاكر إنه هيقدر يتحكم في حياتي .. إما وريته مبقاش أنا شمس.
- شو راح تعملي يعني؟
-هشوف وقتها هعمل إيه.
جلست روما بجانبها تتنهد ثم صمتا قليلًا.
- بتِعْرفي يا شَمِس، انا حبيت علاقتك بوالدك كتير.
إبتسمت بهدوء ثم أردفت:
- أنا وبابي مالناش غير بعض من بعد ما مامي إتوفت وهو من وقتها بيحاول يعوضني عنها.
- إنتي كتير محظوظة يا شمس، أنا بيبقى صعب عليا أشوفهم حتى إنتي أكيد عارفة إني عشت عمري كله بأمريكا وأنا جيت على هون لكن الإتنين سفرهم كتير حتى إختاروا إنهم يضلوا بأمريكا وعم يبعتولي في الأجازات.
إقتربت منها شمس تضمها بقوة:
- إنتِ أقرب واحدة ليا يا روما، أنا بعتبرك زي أختي .. خليكي عارفة ده كويس وأنا موجودة وبابي موجود لو محتاجاه في أي حاجة هيكون جنبك، المهم ماتحسيش إنك لوحدك.
- شكرا ياشمس، إنتي كتير لطيفة وأنا بدي إنك تعرفي إنك أقرب رفيقة إلي.
قاطع حديثهما رنين هاتف روما والتي أجابت فورًا.
- إيه كوتش؟
المتحدث على الطرف الآخر أجاب ..
- أوك، بكون عندك بمعادي.
ثم أغلقت هاتفها وتقابلت عينيها مع عين شمس التي تنظر لها بترقب ..
- شو في؟؟
- إنتي كنتي بتكلمي مين؟
- هاد الكوتش تبعي، عم أتدرب سباحة
صرخت شمس بحماس:
- ماقولتليش ليه كنت روحت معاكِ.
تحدثت روما ببساطة
- خلَص بتيجي معي من بكرة شو رأيك؟ أنا ما رَح أروح الجامعة بدي أروح على السباحة علطول.
- إشطا.
سهرت الفتاتان تتحدثان سويًا حتى غلبهما النوم.
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في صباح اليوم التالي:
كانت تدندن ببعض النغمات بسعادة وهي تهبط على أدراج القصر مرتدية ثوب أزرق طوله يصل لبعد الركبة ببعض الشئ وهو من الأثواب المحظوظة التي لم يقم جواد بتمزيقها لها وخلفها روما .. ذهبت تقبل والدها ويتناولا طعام الفطور وتنهدت بإرتياح عندما لم تجد جواد أمامها.
قبلت والدها من وجنتيه متحدثة:
- صباح الخير يا بابي.
- صباح النور يا حبيبتي.
جسلت على المائدة وجلست بجانبها روما والتي إفتقدت تمامًا ذلك الجو العائلي ..
أردف بهجت بإبتسامة لروما:
- صباح الخير يابنتي، أتمنى تكوني نمتي كويس.
- صباح النور عمو، إيه نمت كتير منيح.
بدأت الإثنتان بتناول الطعام وبعد أن إنتهت شمس..
- بابي أنا ممكن أطلب منك طلب؟
- إيه يا حبيبتي؟
- أنا عايزة أشترك في تدريب سباحة مع روما.
تحدث بهجت بإستفساروعدم فهم:
- أكلملك كابتن تيجي تدربك هنا إنتي وروما يعني؟
- لا بابي، أنا هروح نادي مع روما ونتمرن هناك.
تعجب بهجت:
- ليه نادي وفي هنا بسين؟!
- أنا بحس إن هنا سجن، لكن أنا عايزة يبقى في ناس حواليا وأتعامل معاهم وكده مبقاش لوحدي أنا وروما.
أردف بهجت بعدم إقتناع:
- إللي يريحك، إعملي إللي إنتِ حباه يا حبيبتي، هتروحي بعد الجامعة؟
- لا الميعاد بعد شويه، وقبل ماتتكلم .. صباح باخد منها المحاضرات وهي كده كده هتيجي قريب هنا تشرحلي وتساعدني في المذاكرة.
- ماشي يا حبيبتي إبقي سلميلي عليها لما تشوفيها، ومحتاج إنك تهتمي شويه بالجامعة يا شمس.
- حاضر يابابي.
قامت بتقبيله وأشارت لروما بأن يتحركا وبالفعل تحركا بسيارة روما .. وقبل أن يذهبا للنادي قامت شمس أولا بشراء زي للسباحة ولكنه كان عارٍ بعض الشيء وذهبت هي وروما في اتجاه النادي .. وقف جواد بسيارته أمام نادٍ معروفٍ يبحث عن أحدٍ ما بداخله حتى قابله ..
- جواد، أنا هنا أهوه.
إبتسم جواد وإقترب يصافح صديقه والذي يُدعى عاصم ..
- عامل إيه يابني؟
- الحمدلله، فينك كده؟ بتختفي كتير أوي يا جواد..
- غصب عني، إنت أخبارك إيه؟ والشغل أخباره إيه؟ كويس؟
تنهد عاصم تنهيدة بسيطة ثم أردف:
- من إمتى الشغل بيكون كويس؟ إنت عارف الطاحونة إللي ببقى فيها صبح وليل وأحيانًا الشغل بيتطلب مني إني أبات برا.
- ربنا يوفقك.
- آمين .. إنت بقا فينك كده؟ لسه ماتجوزتش يا جواد؟؟ معقولة؟! ده إنت في النص التلاتينات.
صمت جواد قليلًا ثم أردف:
- لسه مالقتهاش وبعدين إنت عارف إن شغلي رقم واحد بالنسبالي.
- ربنا يوفقك.
كاد جواد أن يتحدث ولكنه إنتبه لفتاة تشبه شمس رآها من على بُعد أمتار .. تلك الأحاسيس والمشاعر التي يشعر بها دائما عندما يرى شمسه .. هل هي هنا فعلا؟ أم يُهيأ له فقط أنه يراها؟ من المفترض أنها بالجامعة الآن .. ماذا ستفعل هنا .. وما أكد له أنها هي، هو وجود تلك الفتاة السورية معها.
ربت على كتفه مردفًا:
- معلش يا عاصم هنتقابل وقت تاني.
- في إيه؟
إختفى جواد من أمام عاصم الذي وقف بذهول مما حدث للتو ... لم يتقابلا لسنوات والآن يتحدث معه لعدة دقائق ثم يذهب، هكذا فقط ولكنه برر لنفسه أنه من الممكن أن يكون طرأ له عمل مهم.
إقترب جواد من الممر الذي سارت به شمس ووجد لافته تشير إلى أنه طريق المسبح .. عقد حاجبيه بإستفهام من وجودها هنا .. دخل ذلك الممر ودخل قاعة المسبح نظر حوله يبحث عنها ولكنه لم يجدها .. تنهد بإرتياح يبدو أنه كان يحلم .. كاد أن يخرج من القاعة ولكنه تجمد بمكانه عندما رآها .. رآها ترتدي ملابس سباحة عارية ..
- المايوه كتير حلو عليكِ ياشمس .. كتير عم ينطقك.
- هو فعلا جامد أوي وعجبني.
تحولت ملامح جواد إلى ملامح شيطانية كان يتفحصها من رأسها لأخمص قدمها .. ساقيها عاريتان .. بطنها عارية .. فقط المُختبئ مؤخرتها وصدرها! فقط!!! قامت شمس وروما بعمل بعض الإحماءات قبل أن تنزلا المياة .. وهنا إصطدمت شمس بأحدهم ..
- أنا آسف.
إلتفتت شمس لمن إصطدم بها وكان زميلها بالجامعة ذلك الفتي المدعو بـ ساجد.
- مافيش مشكلة.
- ساجد! إنت هون؟!
- روما إزيك؟
رحبا ببعضهما كثيرًا لكن شمس كانت تراقب مظهره المهندم ولباقته في التحدث معهما .. وإبتسامته تلك .. إبتسامته اللطيفة .. كان شابًا لطيفًا ..
- شمس.
إستفاقت عندما نادتها روما ..
- ساجد رفيقنا بالجامعة ماعم تتذكريه؟
- أكيد فاكراه، إزيك؟
صافحها بفتورٍ ..
- إزيك يا شمس؟
- كويسه الحمدلله.
- أستأذنكم أنا يابنات كان نفسي أقف معاكم بس ورايا شغل.
- إيه ساجد، بشوفك
- باي روما، باي شمس.
أشارت له الفتاتان بالوداع، وكانت شمس تتابع حركاته وهو يخرج من القاعة وهنا تقابلت عينيها مع عيني جواد التي لا تبشر بالخير أبدًا .. ولكنها تماسكت وأظهرت البرود وتجاهلت وجوده يكفي ما فعله بثيابها ..
نزلت المسبح مع روما ووقف أمامهما بالمياة رجل كان يتحدث معهما ويشير لهما ببعض الكات ومن الواضح أنه الذي سيقوم بتدريبها .. رجل!! .. رجلٌ سيقوم بتدريبها؟؟ .. سيلمسها! .. كان المسبح فارغًا بعض الشيء كانت فقط روما وشمس من يسبحان، لأنهما ببداية اليوم .. عندما أمسك المدرب بكتفي شمس توقف جواد أمام مرأى بصرهما ..
- إطلعي.
- لا.
أردف جواد بغضب:
- أنا مش هكرر كلامي تاني.
نفخت شمس بضيق ..
- شو بَك جواد!
- إخرسي إنتِ خالص.
خرجت شمس من المسبح وإقترب منها جواد يمسك بذراعها بقوة ..
- سيبني.
- إمشي قدامي يلا.
أردفت بحنق:
- أغير هدومي طيب.
- إبتعد عنها وتركها تذهب للحمام لتغيير ثيابها.
إلتفت جواد نحو روما التي تطالعه وهي تتمرن ولكنه تجاهلها وخرجت شمس التي إرتدت ثوبها الأزرق بسرعة .. أمسكها من ذراعها وخرجا من قاعة السباحة .. وكانت شمس تتأفف تحاول أن تُبعده عنها ولكن بنيته القوية كانت لا تساعدها في ذلك إطلاقًا .. جعلها تركب سيارته عنوة عنها وركب بجانبها وبدأ بقيادة السيارة وصمت .. ولكنها لم تصمت:
- أنا مش عيلة صغيرة عشان تعاملني بالأسلوب .. ده إنت مين أصلا عشان تعاملني أنا كده؟؟
لم يُجِبها ولم يكترث لما تقول ..
- أنا هقول لبابي على إللي إنت عملته النهاردة ده، مش هيعديها أنا واثقة من كده .. مش كفاية إنك قطعت فساتيني؟
ظل هكذا صامتًا حتى وصلا للقصر ولكن لحسن حظ جواد كان بهجت قد خرج لشركته .. أخرجها من السيارة وهو يمسك ذراعها بقوة يجذبها خلفه حتى وصلا لقاعة المسبح الخاصة بالقصر .. ولكنه كان مستمرًا بالمشي نحو المسبح ..
- جواد! .. إنت هتعمل إيه؟!
توقف بها على حافة المسبح ثم قربها منه وأردف بهدوء:
- مش عايزة تتعلمي السباحة؟؟ إتفضلي .. عند البِسين أهوه! .. ولا إنتِ خايفة؟؟
- أيوه هتعلم إزاي؟ لازم كابتن.
أردف جواد بهدوء:
- بهجت بيه بقا يعرف إن إللي كان بيمرنك راجل مش واحدة ست؟
- مالكش دعوة بيا يا جواد .. إنت فاكر نفسك مين عشان تتحكم بحياتي؟ .. إنت يا دوب واحد شغال عند بابي .. لا إنت قريبي ولا تعرفني أصلا وحتى لو روحت قولتله إن إللي كان بيدربني راجل .. فيها إيه يعني؟؟
أردف جواد بغضب:
- فيها إنك متربتيش.
دفعته بقوة بغضب ولكن لم يتحرك من مكانه بسبب قوته البدنيه وقوة الدفع جعلتها تعود للخلف فتعرقلت بحافة المسبح ووقعت في المياة ولكن ذلك المسبح هو أعمق بقليل عن المسبح الآخر.
- جواد!!!
كانت تحاول أن تسبح ولكنها كانت تغرق، قام بخلع سترة حلته السوداء وحذاءه وألقى بنفسه في المسبح خلفها .. أصبحت أسفل المياة تقابلت نظراتها هي وجواد الذي أخذها بين ذراعيه لعدة لحظات ثم إرتفع بها إلى سطح المياة .. سبح بها حتى وصل إلى سُلم المسبح وجعلها تصعد وهو صعد أيضًا متحدثًا بهدوء وهو يأخذ سترته وحذاءه معطيًا إياها ظهره..
- من بكرة هتيجي كابتن تدربك هنا والتزمي بحضورك في الجامعة.
ثم خرج من القاعة دون أن يسمع ردها .. أما هي كانت تريد أن تصرخ به مرة أخرى .. " من تظن نفسك؟؟ زوجي!!"
..............................
في الوقت الحالي:
توقف جواد بسيارته أمام قصر السيد بهجت وأخذ نفسًا عميقًا يهدئ من روعه ولكي لا يظهر على ملامحه شيء ..
دخل القصر وإتجه نحو غرفة المكتب .. ووقف أمامه بهدوء..
- كنت محتاج نتكلم في التهديد إللي حضرتك بتتعرضله.
هز بهجت رأسه نافيًا:
- أنا إللي محتاج أعرف الأول إيه إللي بيحصل من ورا ظهري؟ في حاجة إنت وشمس مخبيينها عليا يا جواد؟
لم يتحدث جواد بكلمة وظل يطالعه بهدوء ..
- جواد رد عليا.
- أرد أقول إيه يا بهجت بيه؟ من كتر التهديدات إللي بتتعرضلها بقيت شاكك في كل إللي حواليك، مش لاقي رد بصراحة.
تنهد بهجت بصعوبة ووضع يديه على رأسه يفكر ..
- إنت لسه بتعاقبني؟ صح؟
ثم عاد ورفع رأسه يطالع جواد:
- إنت بتعاقبني عشان خَلَفت وعدي معاك في جوازك إنت وشمس .. بتعاقبني إنك ساكت ومباقتش زي الأول معايا وكمان إختفيت عشان مش حابب تتعامل معايا.
أردف جواد ببرود:
- الموضوع مالهوش علاقة يا بهجت بيه، أنا كان ورايا شغل مهم ... ومهما حصل مافيش حاجة تأثر على علاقتنا .. حضرتك في مقام والدي.
إستقام بهجت من مكتبه وأردف برجاء:
- طب بما إنك لسه بتعتبرني زي والدك .. أنا محتاج أعرف بنتي مالها، شمس مش كويسه خالص.
كان يتحدث وهو يتنفس بصعوبة وإنتبه جواد لذلك..
أمسك جواد بيديه وأجلسه على كرسي قريب منه وجعله يشرب بعض المياة لكي يهدأ ..
- ماتقلقش شمس كويسه .. أنا حاطط عيني عليها وهي مسافرة مع جوزها.
هز بهجت رأسه ثم أردف بحزن:
- كان نفسي تكون إنت جوز بنتي يا جواد، أنا حاسس إن حياتنا كلها إتلغبطت من بعد ما خَلَفت إتفاقي معاك إنكم هتتجوزوا بعد ما هي تخلص دراسة .. أنا ماكنتش هعرف أطمن عليها مع حد تاني غير معاك.
إرتكز جواد أرضًا على ركبتيه ممسكًا بيد بهجت متحدثًا بإيتسامة هادئة:
- أنا بخير وشمس بخير دلوقتي، صحتك دلوقتي مهمة عندنا كلنا بالدنيا دي، لازم تحاول تخلي الزعل والندم ميأثروش عليك، الشباب هنا بيقولوا إنك مش بتاخد أدويتك، ليه؟
لم يجد بهجت ردًا لكي يُجيبه ولكن جواد إبتسم وأردف بهدوء:
- عمومًا أنا الفترة دي هكون معاك، هكون في الفيلا بتاعتي أي وقت تحتاجني فيه هكون عندك .. بالنسبة للتهديد إللي إنت كلمتني عنه إيه إللي حصل؟
أمسك بهجت بهاتفه ليريه الرسائل التي جاءته من أرقام غير معروف هوية صاحبها ظل جواد يبحث في الدردشة تى توقف أمام صورة فتاة .. ولم تكن أي فتاة بل كانت تلك الفتاة السورية مُلقاة أرضًا ومكتوب على الرسالة.
" بنتك هي إللي عليها الدور"
أردف جواد وهو يطالع بهجت:
- مافيش رسايل تانية جات من بعد دي؟
- لا مافيش، أنا قلقت على شمس بسبب الرسالة دي عشان كده بعتلك علطول، ومعرفش مين دول؟ وإيه إللي بيحصل؟
ربت جواد على يديه مردفًا بهدوء:
- ماتقلقش ..أنا هشوف الموضوع، زي ماتفقنا خد أدويتك ونام كويس.
هز بهجت رأسه بهدوء؛ أما جواد فقد استقام وخرج من غرفة المكتب بملامح شيطانية.
↚
منذ أشهر عديدة مضت:
كانت تجلس في باحة القصر مع روما تقُصُّ لها ماحدث بضيق شديد.
- فاكر نفسه مين عشان يتعامل معايا كده؟ إنساني همجي ومستفز.
أردفت روما بتنهيدة:
- بعتقد بَيِّك هو ياللي سمحله يعمل متل هيك معك.
تأففت شمس وهي تتابع دخول مدربة السباحة لباحة القصر..
- ده حتى إداله كل الصلاحيات.
أردفت روما بهمس مسموع لشمس:
- لَك شو هالجمال حتى متفنن بإختيار أتباعه امنيح.
تابعت شمس نظراتها لكي تعلم عن ماذا تتحدث وجدتها تتحدث عن بعض رجال جواد الذين يتمتعون بجاذبيه غريبة.
- بودي جارد يا روما! آخرك تبصي لبودي جارد!
إستفاقت روما عندما أردفت شمس بما تحدثت به للتو:
- مو بقصد .. بس أنا عم إحكي إنه......
قاطعتها شمس مردفة بضيق:
- مش لازم نجيب سيرته أكتر من كده دمي محروق، مش كفاية إنه باعت البودي جاردس بتوعه يحرسونا
أردف روما بإستفسار:
- ليش؟ شو هو عَم يشتغل؟
كادت أن تجيبها شمس ولكن قاطعهم توقف أمامها المدربة تبتسم لهم بهدوء:
- إتأخرت عليكم؟
كانت شمس تطالعها بهدوء تقيم جمالها ذلك .. إن روما مُحقة إنه حقًا يتفنن في إختيار متابعيه.
أردفت روما بمرح:
- لا حبيبتي، جِيتي بوقتك، إيه شو بتعلمينا اليوم؟
بدأت المدربة تتحدث عن برنامج التدريب لليوم ثم تحركت الفتيات الثلاث للمسبح الخاص بالقصر.
في صباح اليوم التالي:
كانت شمس وروما تجلسان في كافيتيريا الجامعة يشربان مشروبهما الصباحي ويتحدثان في بعض الأشياء ولكن قاطع حديثهما روما التي رفعت يدها بإبتسامة كبيرة متحدثة:
- ساجد.
إقترب ذلك الشاب المدعو بساجد وجلس معهما على ذات الطاولة:
- إزيكم يا بنات؟
- كتير امنيحة..
أردفت شمس وهي تطالعه بهدوء وخجل فتاة واضح:
- الحمدلله.
إبتسم لها ساجد، وأردفت روما بحماس:
- إيه، إنت شو أخبارك؟
- الحمدلله، كله تمام.
أردف بتلك الكلمة وهو يطالع شمس الخجلة في مكانها، رنَّ هاتف روما والتقطته تنظر لمن يتصل بها ثم أردفت:
- بعتذر منكم .. دقايق وبرجع.
- إتفضلي.
رحلت روما وتبقت شمس التي تجلس أمام ساجد، ينظر لها بهدوء، كان يُمسك بيده كوبًا به مشروبه الصباحي يرتشف منه بضع رشفات ثم أردف:
- أنا بقالي فترة بشوفك، بس أنا لحد الآن معرفش غير إسمك.
كانت تٌبعِد عينيها عنه لا تريد أن تتحدث فهي خجلةٌ كثيرًا من كونهما يجلسان وحدهما..
- سمعاني؟
نظرت إليه بإستفسار مصطنع:
- إنت بتكلمني؟
أردف وهو يشير إلى مقاعد الطاولة الفارغة التي يجلسون بها:
- أكيد بكلمك، أظن مافيش غيرنا هنا لوحدنا.
- سوري ما أخدتش بالي، كنت بتقول إيه؟
- بقولك إننا لحد الآن بنتقابل كتير صدفة بس أنا معرفش بس غير إسمك، أنا متشوق إني أعرف أكتر عنك.
حاولت أن تجد كلامًا تتحدث به إليه ولكنها شعرت بحرارة شديدة في خديها تدل على شدة خجلها..
- تعرفي إنك جميلة جدا، وأجمل بنت هنا في الجامعة؟ وبصراحة أنا المرة دي تعمدت إني أجي النهاردة الجامعة عشان أشوفك وأقعد أتكلم معاكي، زهقت من النظرات إللي بينا ومحتاج أخد خطوة ناحيتك.
إبتسمت شمس بهدوء ثم أردفت:
- بمعنى؟
- يعني أنا مُعجب بيكي، ومحتاج أتعرف عليكي أكتر عشان يبقى في بينا حاجة رسمي فيما بعد، وإحنا قريبين من سن بعض فهيبقى سهل إننا نفهم بعض.
قهقهت شمس بخفة ثم أردفت تلك المرة بجدية دون خجل:
- وإنت ضمنت منين إن أنا وافقت؟ مش يمكن شايفاك زيك زي دول كلهم.
وأشارت على جميع الشباب الموجودين بالكافيتيريا حولها والمقصد أنها لا تريد أن ترتبط بأي أحدٍ من الجامعة.
- مش يمكن أنا غيرهم كلهم؟
أردف بتلك الجُملة بثقة عالية لا تعلم من أين أتى بها .. هو بالتأكيد وسيم ورائع ويبدو من مظهره أنه مهندم .. ويبدو أنه ثري كما أخبرتها روما قبلًا .. يبدو مُختلفًا قليلاً عنهم كما قال، كادت أن تتحدث ولكنه قاطعها مردفًا:
- بكرة الساعة عشرة بليل نتقابل في ******، وهستناكي.
وغمز لها وإستقام من مقعده في ذات اللحظة التي عادت بها روما إلى الطاولة..
- ساجد، لَوين رايح؟
- خلصت إللي جاي عشانه.
أردف بتلك الجُملة وأشار لها ثم رحل، طالعت شمس بتعجب ثم أردفت:
- شو بيقصد؟
أخذت شمس نفسًا عميقًا ثم أردفت بهدوء:
- عايز يقابلني بكرة.
صرخت روما بحماس وتعجبٍ في آن واحد:
- إحكي إللي صار يلا.
قصَّت لها شمس عن حديثهما الذي كان قبل ثوانٍ معدودة ثم أردفت روما:
- إيه شو هالجمال، ساجد كتير شاب امنيح، خلوق أنا اتحدثت معه كتير أحيانًا بشعر إنه مو من هاد العالم، بحس إنه عايش بعالم آخر هو ماله متل شباب اليوم.
- يعني أعمل إيه؟
- إعطي لَإِلك فرصة وإتقابلوا، الشاب كتير جِدِّي، وبصراحة أنا أحيانًا بشعر إنك عم تباديلة المشاعر نفسها.
شعرت شمس بالخجل من حديثها ونظرت أمامها لم تُعَلِق على ما قالته وإستأنفت:
- أعمل إيه طيب؟ أجيبها لبابي إزاي؟
- ماني فاهمة عليكي شمس، تقدري تقولي أي شيء، ممكن تحكي إنك رَح تكوني معي.
- بس أنا متعودتش أكذب.
- شو؟ شمس أنا ليه عم بحس إنك ما مريتي بحب مراهقة من قبل؟
أكدت لها شمس سؤالها ذلك مردفة بهدوء:
- أنا فعلا ماجربتش ده قبل كده، جواد من كتر ما كان بيتدخل في حياتنا زيادة عن اللزوم كان بيبعد عني أي ولد كان يقرب مني لمجرد الزمالة كمان.
- إيه هادا هو جواد، أنا كتير صرت عم أكرهه عم يتصرف كإنك إنتِ إللي بنته مو بَيِّك أونكل بهجت.
نظرت إليها شمس قليلًا ثم أردفت:
- إنتِ عندك حق، خلاص أنا هقول لبابي إني هخرج معاكي.
- كتير امنيح.
كادت أن تتحدث شمس ولكن قاطعها صوت:
- شمس، ممكن أتكلم معاكي شويه؟
كانت تلك الفتاة زميلتها والتي تُدعى صباح، طالعتها روما لثوانٍ ثم إلتفتت لشمس بإبتسامة:
- بشوفك شمس، أنا عندي موعِد.
أومأت بهدوء وإبتسمت روما لصباح:
- تشاو.
عقدت صباح حاجبيها وهي تطالع هيئتها ثم عادت تطالعه شمس:
- إزيك؟
- كويسه.
ذلك ما أردفت به شمس بلامبالاة وهي تأخذ رشفة من كوبها ..
جلست صباح بجانبها وحاولت شمس الإبتعاد عنها قليلًا:
- أنا جهزتلك المحاضرات إللي فاتتك في الكشكول ده، شوفيهم كده ولو في أي حاجة تانية إنتِ محتاجاها أو وقفت معاكِ قوليلي.
- أوكِ، محتاجة كام؟
أردفت صباح بإبتسامة هادئة:
- أنا مش محتاجة منك حاجة خالص غير إنك تذاكري، وتبطلي تخرجي مع إللي إسمها روما دي.......
كانت صباح تحادث شمس بحسن نية كلهفة صديقة تريد مصلحة صديقتها، ولكن قاطعها صوت شمس العالي ..
- ماتتدخليش في حياتي وخليكِ في حالك، وإنتِ مين إنتِ عشان تحكمي على روما صاحبتي؟ إنتِ تعرفيها؟ تعرفي حياتها؟ تعرفي ظروفها؟ لا ماتعرفيش يبقى خليكِ في حالك أفضل.
شعرت صباح بالحزن والإحراج في آن واحدٍ لأنه بالإضافة لإهانة شمس لها كان جميع من بالكافيتيريا يطالعونها بسخرية ..
- أنا آسفة.
ثم خرجت من الكافيتريا راكضة وهي تبكي؛ أما بالنسبة لشمس فقد تأففت لأن تلك المدعوة صباح قد عكرت مزاجها الجيد أخذت أشياءها ثم خرجت من الجامعة في نية منها للذهاب للمنزل؛ أما بالنسبة لصباح فقد كانت تبكي وهي تجلس بركن من أركان إحدى الكليات بالجامعة إلتقطت هاتفها وهي تبكي وطلبت رقمًا معين ووضعت الهاتف على أذنها تنتظر الرد حتى أتاها صوته.
- ألو.
- جواد بيه.
- أيوه يا صباح معاكِ.
أردفت ببكاء:
- أنا إعتبرتها أختي وأنا بكلمها وبنصحها إنها تبعد عن البنت إللي إسمها روما دي، مالحقتش أكمل كلامي وإتكلمت معايا بأسلوب مش كويس، نفسي أفهم هي ليه مش قادرة تتقبلني في حياتها؟ أنا بحاول أساعدها بحاول أبقى جنبها بس هي لسه مش شايفاني يا جواد بيه، أنا بعِز شمس وبحبها عشان شايفاها بريئة مقارنة بالبنات إللي هي مصاحباهم غير كده ماكنتش قربت منها.
أردف جواد بهدوء:
- ماتزعليش، هي شمس مش قادرة تميز الصح من الغلط دلوقتي، بس مسيرها في يوم هتفهم.
- إمتى؟ حضرتك دخلتني الجامعة الجميلة دي وإللي كانت من أحلامي في يوم من الأيام وطلبت مني أبقى جنبها وأساعدها في المذاكرة والمحاضرات، وكمان بجيلها البيت بهتم بمذاكرتها، وأنا بالنسبالي الموضوع مختلف أنا بعتبر شمس زي أختي فعلا .. وبعمل ده من قلبي .. بس أنا تعبت من المعاملة دي، أنا عارفة إن أنا هنا عشانها بس أنا تعبت يا جواد بيه.
تنهد جواد بيأس من تصرفات شمس:
- تمام يا صباح، أنا هشوف الموضوع ده، إنتبهي إنتِ لدراستك وسلميلي على والدك وماتقلقيش.
- شكرا لحضرتك.
أغلقت صباح المكالمة الهاتفية مع السيد جواد؛ الرجل الذي يعمل والدها عنده فهم في البداية كانوا من الطبقة الفقيرة وكانت معيشتهم صعبة كثيرًا، ولكن منذ أن عمل والدها عنده وقد إرتفع مستواهم المعيشي وأصبحوا من ضمن الطبقة المتوسطة .. كان مثلها الأعلى كانت تراه دائمًا مع والدها منذ صغرها .. كان حلمها في يومٍ ما أن تتزوج شخصًا مثله أو تتزوجه هو، هزت صباح رأسها نافية .. تُذكر نفسها أن جواد أدخلها تلك الجامعة لتتعلم ولكي تهتم بشمس، الفتاة الوحيدة التي يهتم بها جواد في هذا العالم .. قامت بمسح عِبراتها أسفل نظارتها الطبية وقامت بتعديلها تأخذ نفسًا عميقًا وكادت أن تعتدل لتقف، إنتبهت لوجود تلك الفتاة المدعوة بروما تقف مع شابٍ ما والذي يكون ساجد ولكنها لا تعلم من هو من الأساس ولا تعلم إسمه لأنها لم تراه قبلًا في هذه الجامعة، تجاهلت وجودهما سويًا وذهبت لكي تحضر محاضراتها المتبقية.
.................................
"رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات"
في مساء اليوم التالي:
كانت ترتدي ثوبًا من اللون الأزرق وتركت شعرها الكستنائي منسابًا فوق ظهرها، تهبط على أدراج القصر بترقب تبحث بعينيها عن والدها حتى وجدته جالسًا مع أحد رجال الأعمال في باحة القصر يضحكان سويًا ويدردشان قليلًا .. إقتربت منه بإبتسامة مصطنعة تحاول أن تتقن الكذبة التي ستخبره بها الآن ..
- بابي.
إلتفت بهجت لصغيرته وتعجب من أنها ترتدي ثوبًا وتضع بعضًا من مستحضرات التجميل على وجهها..
- رايحة فين يا حبيبتي؟
- هروح أقابل روما هنخرج ساعة أو ساعتين كده وهرجع تاني.
نظر بهجت لساعة يده ثم أردف بتعجب:
- الساعة تسعة ونص، إنتِ من إمتى بتخرجي بليل كده، هكلم جواد يوصلك.
أردفت بتأفف دون مراعا للضيف الموجود:
- لا مش عايزة جواد يوصلني ولا عايزاه في حياتي أصلا، بطَّل تدخله في حياتي، ده بيتحكم فيا بشكل مقزز .. بلاش يا بابي تخليني أزعل .. وبعدين أنا مش هروح بعيد، في كافيه ناحيتها هقعد معاها فيه وهرجع علطول.
طالعها بهجت قليلًا بهدوء ثم أردف:
- ماشي، بس ماتتأخريش.
- ميرسي يا بابي.
قبلته من وجنته ثم خرجت، أما بالنسبة لرجل الأعمال الذي كان معه أردف بإستفسار:
- هو جواد بيه وحضرتك علاقتكم ببعض إيه؟
إبتسم بهجت مردفًا بهدوء:
- جواد إن شاء الله هيكون جوز بنتي .. هي مسألة وقت لسه هفاتح شمس في الموضوع قريب.
- بجد؟ ألف مبروك.
- الله يبارك فيك، الموضوع لسه ما أعلناش عنه، كان الإتفاق بيني وبين جواد بشكل مبدأي، بس لما شمس تخلص جامعة هنشوف الأمور هتوصل لإيه.
- بالتوفيق.
ثم أكمل بهجت دردشته مع صديقه؛ أما بالنسبة لشمس فقد تنهدت بإرتياح بعدما كذبت على والدها وتحركت بسيارتها من أمام القصر وذهبت لتقابل ساجد، كانت متوترة طوال الطريق تفكر عن ما ستتحدث به معه وأين ستؤول الأمور؟ .. كيف تتعامل معه من الأساس هي تبدو ظاهريًا بالنسبة للجميع جريئة وقوية لكنها بداخلها تشعر أنها هشة خائفة .. أخذت نفسًا تحاول أن تُهدئ من روعها .. إنه ليس فتًى سيء .. إنه زميلها بالجامعة .. ظلت تُذكر نفسها بذلك حتى وصلت للمكان الذي أخبرها به ... كان عبارة عن مكانٍ راقٍ بالقاهرة الجديدة .. كان هناك .. كان يقف متأنقًا وينتظرها .. إقتربت منه بإبتسامة لطيفة وهادئة وبادلها الإبتسامة عندما لاحظ إقترابها ..
- إتأخرت عليك؟
- لا أبدًا.
سارا قليلًا وكان هو الذي يتحدث عن نفسه .. عن حياته .. عن عمله الظاهري وهو أنه يتابع جميع أعمال والده؛ أما هي فقد كانت صامته هادئة خجلة .. فتلك أول تجربة تخوضها ..
- وإنتِ؟
إنتبهت إليه عندما وجه حديثه لها..
- كلميني عن نفسك.
أردفت ببضع كلماتٍ بسيطة:
- شمس عندي واحد وعشرين سنة، ماليش غير بابي وصاحبتي تبقى روما.
سأل بتعجب:
- بس كده؟!
أجابت بفضول:
- هو في إيه تاني أتكلم عنه؟
- بتحبي إيه؟ بتكرهي إيه؟
إبتسمت شمس بهدوء ثم أخبرته بما تحب وتكره .. يبدو أنه مهتمٌ بها كثيرًا هذا رومانسي حقًا .. شعرت بتخبط في مشاعرها بسبب الخجل الكبير الذي تشعر به .. مر الوقت وهما يدردشان سويًا.
بعد عدة دقائق:
كانا يجلسان في كافيتيريا راقية .. وكان ينظر في عمق عينيها وتلك المرة أمسك بيدها بقوة، حاولت أن تُبعِدَ يده عنها ولكنه تحدث بهدوء:
- ماتخافيش
- مش خايفة طبعا، بس مش بسرعة كده.
- ليه مش بسرعة؟ أنا معجب بيكِ وإنتِ بتبادليني نفس المشاعر.
لم تجد ردًا لتُجيبه، إبتسمت بخجل ..
أردف ساجد بأعين لامعة:
- أوعدك يا شمس إنك هتعيشي أجمل أيام حياتك معايا.
في الوقت الحالي:
كانت تطرق على باب غرفتها في المصحة بغضب وصراخ:
- خرجوني من هنا، أنا مش حابة أبقى هنا.
لم يُجِبها أحد وصرخت قهر، ظلت هكذا لأيام لم يبالي أحدٌ لصراخها .. ثم وأين جواد؟ بعد أن تركها هنا لرم يأتِ لو لمرة لكي يراها، لا تصدق حتى الآن أنها مُدمنة على الممنوعات .. حتى الآن تتساءل كيف ومتى حدث هذا؟ لا تصدق أن ساجد فعل بها كل ذلك .. لقد كانت حمقاء صدقته ووقعت في غرام ذلك الكاذب الحقير .. ولما تُلقي اللوم على ساجد من الأساس؟ هي من سمحت لكل ذلك بأن يحدث لها.
............................
في مستودعٍ مُظلمٍ كان جواد يقف أمام ذلك الشخص المُلقى أرضًا .. كان وجهه مليئًا بالكدمات وجسده به بعض الكسور .. ألقى أحد رجال جواد دورقٌ من المياة على رأس ساجد والذي إستيقظ مفزوعًا من غفلته وأيضًا من ثلوجة الطقس بالإضافة إلى البرد القارص الذي يشعر به الآن بسبب المياة الباردة التي أُلقيت عليه أيضًا.
كان جواد يطالعه بهدوء وهو فزعٌ هكذا، ورجاله يمسكون به بقوة لكي لا يهرب منهم.
أردف جواد بهدوء:
- مطلوب منك تعمل حاجة بسيطة وقصادها هتاخد حريتك.
نظر له ساجد بإنتباه كأن مفتاح خروجه هو إتفاقه مع ذلك الشخص الذي يقف أمامه .. تقدم نحو جواد أحد رجاله يعطيه بعض الأورق ..
- دي أوراق طلاقك من شمس.
عقد ساجد حاجبيه .. ولكن جواد إستأنف حديثه بهدوء:
- هتوقع على الورق ده كله، ومش هتسيب ورقه واحدة.
هز ساجد رأسه بتعب نظرًا لأن يده اليُسرى مكسورة .. قدم أحد الرجال الأوراق لجاسر وقام بتوقيعها كلها ولم يكن هناك أي مكانٍ في الورق يُطلب فيه توقعه إلا ووقعه .. أخذ رجل الاوراق منه ووقف خلف جواد الذي يطالع ساجد بنظرة شيطانية ..
سأل ساجد بإرهاق:
- إنت مين؟
لم يُجبه ولكنه قام بخلع معطفة الأسود وأخذه منه أحد رجاله؛ أما بالنسبة للرجال الذين يمسكون بساجد فقد تركوه وإبتعدوا عنه ..
- أنا لما هخرج من هنا ويعرفوا إللي إنت عملته فيا مش هيسيبوك .. إنت ماتعرفش أنا مين؟
أردف جواد بلامبالاة:
- مايهمنيش أعرف.
لم يستطع ساجد أن يتحدث ولكنه إنتبه عندما وقف جواد أمام حائط معلقٌ به بعض الأدوات أخذ من بينهم سكينٌ حاد .. إبتلع ساجد ريقه بصعوبه وهو يراقب إقتراب جواد منه ..
- إنت وعدتني إنك هتخرجني من هناك بمجرد ماهوقع الأوراق.
رفع جواد حاجبيه بدهشة ثم أردف بإبتسامة شيطانية:
- أنا فعلا قولت كده بس ماوضحتش إنك هتخرج من هنا وإنت مش واقف على رجلك.
كاد ساجد أن يهرب ولكن أمسكه رجال جواد مرة أخرى وجعلوه يقف أمام جواد الذي يشمر عن ساعديه وهو يُمسك السكين ..
- هسألك في سيناريو يخص حياتك مع شمس، كنت بتعذبها إزاي؟
صرخ ساجد بقوة عندما طعنه جواد بقوة في قدمه اليسرى .. وقع أرضًا يصرخ بألم .. أتى له أحد رجاله بسكينٍ آخر، وإرتكز جواد على قدميه وهو يطالع ساجد المُلقى أرضًا.
- ليه أخدت مني روحي؟
نظر له ساجد بإستفسار بين ألمه وهو يستند بيده اليمنى على الأرض ولكنه صرخ بقوة مرة أخرى عندما قطع جواد أصابع يده اليمنى بالسكين الآخر.
- هيقتلوك .. هيقتلوك.
كان يصرخ بتلك الكلمات من شدة ألمه، إبتسم جواد بشر وأردف:
- ييجوا .. ينوروا .. أنا مستنيهم.
ظل ساجد يتلوى بألم وهو يطالع جواد الذي تغيرت ملامحه الهادئة لملامح شيطانية، خائف منه كثيرًا لم يكن يتوقع أن كل ذلك سيحدث .. إستأنف جواد حديثه:
- دلوقتي .. هسألك سؤال أخير مطلوب منك تجاوبني عليه.
كاد ساجد يطالعه وهو يبكي من شدة ألمه ويرجوه أن يتركه لحاله:
- البنت السورية ... إللي إسمها روما، موجودة فين؟
أخبره بعنوان المكان الذي هي به على الفور دون تردد وهو يصرخ ويتلوى من ألمه ..
ربت جواد على رأسه متمتمًا بهدوء:
- برافو عليك، شاطر.
ثم توقف وأخذ الأوراق من أحد رجاله بهدوء وذهب نحو الباب وأردف قبل أن يخرج:
- إكسروا رجله التانية وإرموه في أقرب صفيحة زبالة.
صرخ ساجد بفزع وهم يقومون بسحبه نحوهم ثم خرج جواد من ذلك المستودع وصوت ساجد يُدوى في المكان.
بمرور الوقت
كان جواد يقف أمام مبنى سكني في حيٍ راقٍ وخلفه رجاله، صعد هو ورجاله وقاموا بتحطيم باب شقتها ولكن عندما دخلوا الشقة كانت رائحتها بشعة كثيرًا، أخرج جواد منديلُا من جيبه ووضعه على أنفه، وبحث عن روما في الشقة حتى وجدها مٌلقاة أرضًا ولكنها لم تكن حية بل كانت جثة هامدة متعفنة!.
↚
كان يقف أمام جثة روما المُلقاة أرضًا وخلفه ضباط الشُرطة وفريق الطب الشرعي يحققون في تلك الجريمة المُرتَكبة .. جثة فتاة سورية الجنسية في الثالثة والعشرين من عمرها، سبب الوفاة طلق ناري في الصدر، كما أنه تم حقنها قبلها بمادة من الممنوعات القوية، ظل يفكر كثيرًا من خلف كل هذا؟، ذلك الفتى الذي تزوجته شمس وتلك الفتاة السورية لم يكونوا إلا سوى عروس متحركة يتم تحريكها لتنفيذ الأوامر فقط، إستفاق جواد من شروده على صوت صديقه عاصم:
- وصلت إمتى؟
أردف جواد بهدوء:
- زي مانت شايف جيت لقيتها كده.
أردف عاصم بهمس مسموع لجواد:
- كنت جاي تعمل إيه يا جواد؟ مش قولتلك تبعد عن الطريق ده وكان في عهد منك إنك تمشي سليم.
طالعه جواد ثم تفوه ببرود:
- أنا طول عمري ماشي سليم، بس إللي يقطع طريقي مش هيشوف مني غير كل شر.
تنهد عاصم بضيق:
- اه إنت هتقولي، إنت ماسيبتش في الراجل إللي إنت حبسته عندك ده حته سليمة .. إنت تحمد ربنا إنه لسه عايش.
طالعه جواد بضيق وإستأنف عاصم كأنه فهم نظراته تلك:
- حاضر مش هخلي حد يراقبك تاني، أنا بس قلقان عليك إنت بقالك شهور متغير وفي إتفاقات كتير بينا يا جواد، ماتقصرش رقبتي قدام الوزارة.
أردف بشرود وهو ينظر لجثة روما:
- ماتقلقش، كل حاجة هتخلص قريب.
تنهد عاصم بإستسلام:
- تمام، خليني معاك للآخر.
- هتحتاج مني حاجة قبل ما أمشي؟
- لا تمام كده، ولو إحتجت أعرف منك معلومات زيادة عنهم أكيد هتصل بيك.
هز جواد رأسه بهدوء ثم خرج من المكان .. بعد مرور وقت بسيط .. توقفت سيارته أمام المصحة النفسية لكي يقوم بزيارتها.
كان يقف أمام باب غرفتها الذي فُتِح بواسطة الممرض الذي كان يقف أمام الباب:
أردف جواد بهدوء:
- هتأخر شويه، إقفل علينا الباب.
هز الرجل رأسه والذي نفذ أمره بعد أن دخل جواد للغرفة .. كانت تضم جسدها بقوة تقرب ركبتيها نحو صدرها وهي تجلس على فراشها مستندة على الحائط تنظر أمامها بشرود ..
أردف جواد بهدوء:
- شمس.
إلتفتت نحوه بلهفة وأردفت بأعين دامعة:
- جواد.
إقتربت منه وقامت بضمه بقوة لكنه لم يبادلها أي شئ .. إبتعدت عنه قليلًا تنظر في عمق عينيه وأردفت بأمل:
- إنت جاي عشان تخرجني من هنا صح؟
لم يُجِبها وقدم لها الأوراق مردفًا بهدوء:
- وقعي الأوراق دي.
أردفت بإستفسار:
- إيه دي؟
أردف ببرود وهو ينظر في عُمق عينيها:
- أوراق طلاقك من جوزك.
لعدة ثوانٍ لم تستوعب ماقاله للتو وطالعته بإستفسار، ولكنه لم يتحدث بكلمة إضافية .. أخذت منه الأوراق بيدٍ مرتعشة تطالعها وأخذت منه القلم ووقعت الأوراق .. وقدمتها له مرة أخرى بعدما انتهت.
- يلا نمشي من هنا، أنا مش حابة المكان ده.
- أنا جاي هنا عشان أسألك كام سؤال.
أردفت بعدم إستيعاب:
- يعني إيه؟ يعني مش هتخرجني من هنا؟!
تجاهلها مستأنفًا:
- البنت إللي إسمها روما دي، ماشكتيش في تصرفاتها لما كنتم أصحاب؟ أو حاولت مثلا إنها تجُرك لطريق معين؟ تعرفي كانت بتتواصل مع مين؟ أو هي عرفتك إزاي؟
تجاهلت جميع أسألته تلك وأردفت بإرهاق:
- أرجوك، أنا عايزة أخرج من هنا مش قادرة أستحمل.
لكنه ظل صامتًا يطالعها بهدوء، إقتربت منه أكثر مكررة حديثها بصراخ وتقوم بضرب صدره بقوة:
- خرجني من هنا يا جواد.
كانت تبكي وهي تقوم بضربه بقوة ولكنه أمسك بيدها يمنعها من أن تُكمِل ما تفعله ..
- أنا بكرهك.
أردفت بتلك الكلمة بصراخ، وانهارت تبكي بين ذراعيه، ربت على ذراعها متحدثًا بهدوء:
- أنا عايزلك الأحسن، مش هينفع تخرجي من هنا دلوقتي، لازم تتعالجي الأول، وعايزك تتطمني إن ساجد ده مش هيقرب ناحيتك تاني، بس أنا دلوقتي محتاجك تساعديني، عايزك تجاوبي على أسئلتي يا شمس عشان أقدر أوصل للي عمل كده فيكِ.
إبتعدت عنه قليلًا وهي تنظر في عمق عينيه مردفةً باستفسار:
- طب إيه علاقة روما بالأسئلة إللي إنت بتسألهالي لدي، إيه علاقتها كمان باللي حصلِّي أصلا؟!
- لإن روما هي السبب كله في اللي حصلك.
طالعته بتعجب وذهول في آنٍ واحدٍ، كيف؟! .. إنها صديقتها! لا لم تكن كذلك بل كانت أختًا لها، يبدو أن هناك سوء تفاهم..
أردفت بعدم تصديق:
- روما تبقى صاحبتي مالهاش علاقة بإللي حصلي يا جواد، دي كانت أقرب حد ليا، مكنش في حد غيرها بيسمعني ويحس بيا، دي كانت بتطمني وبتاخدني في حضنها لما ببقى متضايقة أو مخنوقة أنا وهي كنا واحد يا جواد، كنا بنبات سوا مع بعض، كانت بتنام جنبي على سريري .. إستحالة صاحبتي أنا تعمل فيا كل ده!
كانت تطالعه وهي تدافع عن صديقتها والتي بالتأكيد لن تُؤذيها يومًا ما ..
إستأنفت بذهول وعدم تصديق:
- صح يا جواد؟ مش روما مستحيل تعمل فيا كده؟ إنت شايفنا كنا دايمًا سوا، أنا عرفتها على بابي، خليتها تعتبره باباها هي كمان.
أردف جواد ببرود وهو ينظر في عمق عينيها:
- صاحبتك دي طلع وراها حوار هي وجوزك.
سقطت عبرة من عينيها وأردفت بإرتعاش:
- إزاي؟
- إنتِ إللي هتقدري تجاوبيني .. أنا محتاج إجابتك على أسئلتي .. أنا محتاج أعرف أتصرف مع مين يا شمس؟
نطق بإسمها بتأثر وهو ينظر في عينيها .. إرتعش قلبها بسبب نظراته تلك ولا تدري ما السبب .. حاولت أن تبحث في عقلها عن أي ذكرى تتعلق بعمل روما المزعوم .. ثم أردفت:
- أيوه قابلت حد قبل كده أخدت منه حاجة.....
منذ أشهر عديدة مضت:
كانت تقف بجوار سيارة روما تتحدث مع ساجد عبر إحدى وسائل التواصل الإجتماعي، ولكنها إنتبهت عندما خرجت روما من سيارتها بعد أن قامت بإجراء مكالمة هاتفية .. إقترب نحوهما شاب بدراجته النارية ولكنها لم تستطع أن ترى ملامحه جيدًا بسبب إرتداءه للخوذة فلم يقم بإزاحتها عن رأسه، نظرت للدراجة النارية وقد أعجبتها هي تعلم ذلك النوع جيدًا وتخيلت أن ساجد هو من يقود الدراجة وهي تجلس خلفه وتضمه .. إبتسمت على سذاجة خيالها وإنتبهت ليد الشاب الذي يقدم الطرد لروما .. كان هناك جرح سكين على معصم يده! ولكن الجرح يبدو أنه قديم لأنه لم يلتئم وترك تلك العلامة .. عقدت حاجبيها ولكنها لم تهتم وطالعت روما التي تبتسم للطرد الذي في يدها كان عبارة عن صندوق لم تستطع شمس أن ترى مابداخله لأنه كان مغلقٌ بإحكام ..
أردفت شمس بإستفسار:
- إيه ده يا روما؟
أردفت بإبتسامة وهي تطالعها:
- حاجة جيالي تبع الشغل.
تساءلت شمس بملل:
- وهو الشغل ده هيفضل غامض كده بالنسبالي يعني؟ إنتِ وساجد ساكتين كده مابتنطقوش .. بتشتغلوا إيه؟
إستأنفت باستنكار وهي عاقدة حاجبيها:
- تجار مخدرات؟
قهقهت روما ثم أردفت بابتسامة وهي تطالعها:
- شغالين في التسويق يا شمس.
- تمام.
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في الوقت الحالي:
- ده إللي أنا فاكراه.
أردف وهو يقدم لها هاتفه:
- هاتيلي نوع الموتوسيكل إللي الشاب ده كان راكبه.
بحثت عن نوع دراجة معين حتى ظهر أمامها صورة نوع الدراجة ..
- كانت دي بالتحديد.
كان ينظر للدراجة ذات اللون الأزرق بهدوء .. وقام بتحميل الصورة على هاتفه .. وإلتفت ليخرج ولكنها أمسكت بيده ..
- جواد، ماتسبنيش هنا لوحدي.
كانت عبراتها تسقط وهي تتحدث، طالعها بملامح مبهمة؛ ألم يحِن الوقت لكي يضمها بقوة بين ذراعيه؟، ها هي الآن أصبحت مُطَلَقة! .. ألم يحنِ الوقت أن ينتقم من تلك الشفاة الصغيرة التي لطالما تمنى أن يتذوقها؟ ولكن لا جرحه منها أعمق مما يتصوره أحد .. لقد أحبها للحد الذي لا أحد يستطيع أن يتخيله وقابل ذلك الحب جرحًا كان حجمه أضعاف ذلك الحب .. لم ولن يُشفى قلبه منها .. كيف؟؟ كيف فعلت ذلك بقلبه؟؟ كيف أحبت ساجد؟؟ كيف لم تُحبه هو وخاصة أنه كان أمامها طوال الوقت .. كان متواجدًا في كل الأوقات .. كان يحميها دون أن تطلب حمايته .. إستنزف الكثير من طاقته في تلك العلاقة التي لم يكن لها مستقبل من الأساس ..
تحدثت مرة أخرى عندما لاحظت شروده بها:
- جواد.
إستفاق من شروده على صوتها؛ أما هي فقد استأنفت بإستفسار:
- هو أنا زعلتك في حاجة؟ أنا حاسة إن في حاجة كبيرة أوي أنا عملتها وإنت زعلان بسببها.
صمت قليلًا ثم أردف بهدوء:
- راجعي حياتك تاني يا شمس .. راجعي كل حاجة عملتيها وشوفي إنتِ زعلتيني ولا لا.
- جواد أنا مابحبش الألغاز، أنا محتاجة أعرف منك إنت لإنك عمرك ماهتخبي عليا حاجة.
تغيرت نبرة صوته للحدة قليلًا:
- جِبتي منين الثقة دي؟
إقتربت منه قليلًا ثم أردفت بهدوء وهي تنظر في عمق عينيه:
- مش عارفة، بس كل إللي أنا عارفاه يا جواد إن لو كل الناس إللي أعرفها إتفقوا على أذيتي حتى لو كان بابي ذات نفسه، إنت الوحيد إللي عمرك ماهتتغير وهتحميني وهتفضل معايا.
كان يطالعها بهدوء ولكنه رد على حديثها ذلك بخروجه من الغرفة دون أن ينطق كلمة واحدة؛ إنهمرت عبراتها لأنها تشعر بالخذلان بالفعل! .. يبدو أن جواد مُحقًا .. يبدو أن روما وساجد إتفقا عليها ووقعت في مصيدتهما مع الأسف .. إقتربت من الباب ووضعت مقدمة رأسها تستند بها عليه وهي تبكي .. وفي ذات الوقت كان جواد مازال يقف بالخارج مستندًا بظهره على الباب إبتعد عن الباب قليلًا ينوي الرحيل ليُكمل أعماله ولكنه عاد وتوقف أمام الباب مرة أخرى يضع يده على مقبض الباب يريد الدخول لكي يضمها بقوة بين ذراعيه، يريد أن ينسى ماحدث منها .. يريد أن ينسى خذلانها له .. اهٍ لو تعلم كم عشقها لبكت ندمًا على ماسببته له ولكن لا، إنه لا يرضى لها الحزن يكفى ما عاشته.
......................................
منذ أشهر عديدة مضت:
كانت شمس تحاول أن تقوم بمراجعة محاضراتها لأن الإمتحانات قد إقتربت ولكنها كالعادة لم تفهم شيء إنتبهت على بعض الرسائل التي أُرسلت إليها من ساجد، كانت رسائل رومانسية وفكاهية في آنٍ واحدٍ .. كانت سعيدة جدا أنها قابلت إنسانًا لطيفًا مثله .. وبعد عدة ساعات إنتهت من دردشتهما وقامت بغلق دفتر المحاضرات .. خرجت من غرفتها وهي تدندن بسعادة .. ثرية .. تمتلك حبيبًا ثريًا .. لديها والدها يحبها كثيرًا .. لديها روما توأم روحها .. ماذا تريدُ بعد؟ إنها الحياة المثالية التي تتمناها أي فتاة في الحياة، لم تنتبه للذي يقترب نحوها حتى إصدمت به وهو توقف يطالعها بهدوء .. عقدت حاجبيها بضيق ورفعت رأسها متحدثة بضيق:
- مش شايفني ماشية قدامك؟
أردف جواد بهدوء متجاهلًا ذلك الموقف:
- رايحة فين؟
تعجبت من سؤاله ذلك ونظرت حولها تطالع منزلها ثم عادت تنظر له متحدثة باستنكار:
- أفندم؟ إنت بتسألني أنا رايحة فين؟؟ وكمان في بيتي؟؟!
ظل صامتًا ينتظر ردها وظلت هي تتحداه بنظراتها حتى إستستلمت وأردفت بضيق:
- هقعد مع بابي شوية.
همهم ثم تسائل بهدوء:
- أخبار مذاكرتك إيه؟
أردفت بضيق:
- وإنت مالك؟؟
ثم تحركت من أمامه ولكنه أمسك بذراعها لكي يجعلها تقف أمامه مرة أخرى وكرر سؤاله مرة أخرى ولكن بنبرة جادة:
- أخبار مذاكرتك إيه؟
أردفت باستفزاز من طريقته تلك وهي تُبعِد ذراعها من يده:
- مش بذاكر.
- ليه؟
تأففت بضيق ثم أردفت:
- أنا حرة .. براحتي .. مش حابة أذاكر.
ثم تركته ورحلت ولكنه تلك المرة لم يوقفها .. دخل غرفتها وظل يبحث في دفتر المحاضرات حتى وجد أنها بالفعل قد حاولت المذاكرة ولكنها قد فشلت، وجد تعليقاتها على بعض المحاضرات بكلمات تعبرعن عدم فهمها لتلك الجُمل والمصطلحات المذكورة أمامه .. تنهد ثم أخذ نفسًا عميقًا يُفكر فيما سيفعله لأجل أن تفهم تلك المحاضرات لأن إمتحاناتها قد اقتربت ولا يريدها أن ترسب .. يريدها فقط أن تنجح كي يتزوجها مثلما إتفق مع السيد بهجت سابقًا .. لا يعلم كيف يحتمل بُعدها هكذا؟ يريدها أن تُنهي دراستها في أسرع وقت .. إن الإنتظار مُتعبٌ حقًا بالنسبة إليه، إلتقط هاتفه وطلب رقم صباح وانتظر عدة ثوانٍ لكي تُجِيبَه وقامت بالإجابة بالفعل:
- ألو.
- مساء الخير يا صباح، إزيك؟
أردفت بهدوء:
- بخير الحمدلله يا جواد بيه.
ظل جواد صامتًا لا يدري كيف يتحدث أو كيف سيخبرها بما يريد أن يقوله ..
- ممكن تيجي لشمس البيت تشرحيلها؟
أردفت صباح بنفيِّ شديد:
- أنا آسفة لحضرتك يا جواد بيه، الفترة دي مش هقدر أتعامل مع شمس بعد إللي حصل منها.
تنهد بإستسلام ثم أردف:
- ممكن أطلب منك خدمة طيب؟
- أكيد؟
أردف بصعوبة:
- هحتاج منك تشرحيلي أنا.
↚
حمحم جواد ثم أردف بهدوء:
- في شوية كلمات واقفين قدامي محتاجك تشرحيهملي.
لا ما قاله حقيقي، حمحمت بإحراج لأنها شعرت بإحراجه تعلم أنه يعشق شمس وهو في وضعٍ حرِج ..
أردفت بإستسلام:
- خلاص أنا هذاكرلها.
أردف جواد بنفي:
- لا ماتقلقيش هعرف أذاكرلها، إنتِ بس هتوضحيلي الحاجات إللي مش هفهمها.
هزت رأسها بيأس وتمنت لو يرزقها الله بشخصٍ مثل جواد.
- لا يا جواد بيه، خلاص أنا هذاكرلها، أنا خلاص مش زعلانة منها.
تنهد جواد بإرتياح كأن هناك حِملٌ ثقيل قد أزيح من فوق أكتافه.
واستأنفت بهدوء:
- هكلمها دلوقتي وأتفق معاها على مواعيد شرحي ليها.
أردف جواد بإبتسامة كأنه يراها:
- شكرا يا صباح، إنتِ جدعة وتستاهلي كل خير.
- شكرًا لحضرتك على كل حاجة عملتهالنا وبتعملهالنا.
أغلق الإثنان المكالمة الهاتفية بينهما وبدأت صباح في البحث عن رقم شمس لكي تهاتفها، وجدته وقامت بالإتصال بها .. كانت شمس تجلس في حجرة المعيشة وهي تشعر بالضيق أنها لا تفهم شيء من دروسها، إنتبهت على رنين هاتفها رفعت حاجبيها بتعجب وهي ترى إسم صباح على شاشة هاتفها .. حمحمت بهدوء وأردفت بغرور وهي تُجِيب:
- نعم؟
- بصي أنا ماليش دعوة بصاحبتك أنا بس نصحتك وإنتِ ماتققدبلتيش النصيحة خلاص ماليش دعوة، أنا بكلمك عشان أشرحلك أكيد في حاجة واقفة قدامك.
كانت شمس ترقص بداخلها من السعادة وأردفت بكبرياء مزيف:
- على فكرة مش محتاجاكي، المحاضرات كلها سهلة.
- شمس، أنا حافظاكي أكتر من نفسك وكمان في المذاكرة .. أراهنك إنك مش عارفة تفهمي حاجة فيهم.
صمتت شمس ولا تعرف كيف تُجيبها واستأنفت صباح حديثها باستسلام:
- هكون عندك من بكرة الصبح وأهي فرصة فاضل أسبوعين على الإمتحانات هنعرف نلم فيهم المنهج سوا.
- أوك.
أغلقتا سويًا وقفزت شمس من سعادتها غافلة عن جواد العاشق الذي يراقبها ويراقب سعادتها تلك.
همس بينه وبين نفسه:
- هانت يا شمس، قريب هتبقي في حضني.
في صباح اليوم التالي:
دخلت صباح القصر وهي تقوم بتعديل عدساتها الطبية، قابلت السيد بهجت أثناء خروجه، وتوقف متحدثًا معها بترحابٍ شديد:
- منورة يا صباح، ليه كنتي غايبة عننا كل ده؟
أردفت بإحراج لطيبته اللطيفة تلك:
- ظروف، غصب عني يا عمو.
- ليه يا حبيبتي في إيه؟ إنتوا كويسين طيب؟ لو محتاجاني أتدخل قوليلي بس.
أردفت بتردد:
- شكرًا لحضرتك، بس مشاكل عادية في حياتي وكده والحمدلله حليتها.
- تمام يا حبيبتي ربنا يكرمك، شمس فوق في أوضتها.
- اه فعلا يا عمو الخدم قالولي.
- تمام يا حبيبتي تسمحيلي أسيبك بقا وأشوف شغلي.
- خد بالك من نفسك يا عمو.
خرج من القصر وخلفه رجاله أما هي؛ فقد صعدت على أدراج القصر تقصد غرفة شمس الضخمة، طرقت عدة طرقات بسيطة على باب غرفتها حتى سمحت لها بالدخول .. دخلت صباح الغرفة دون أن تبتسم ولكن إبتسامة شمس لها أنستها ما سبب حزنها منها وإبتسمت دون وعي منها؛ فهي أيضًا تحب إبتسامة شمس فتاة لطيفة تحبها ولكن رفقتها مع تلك الفتاة التي تُدعي روما وأيضًا باقي الفتيات في المجموعة يجعلونها غريبة بعض الشيء، لكن بالنسبة إليها شمس تستحق الأفضل دائمًا.
أردفت شمس بإبتسامة:
- إتأخرتي خمس دقايق بحالهم، يلا بقا نبدأ عشان نلحق نخلص في الأسبوعين دول.
أردفت بإبتسامة تطمئنها:
- إن شاء الله هنخلص.
بدأن بالمذاكرة، مرت الأيام وبدأت إمتحانات شمس والتي كانت لطيفة بالنسبة إليها؛ فكالعادة شرح صباح ينقذها دائما في الوقت المناسب .. وفي خلال تلك الأيام كان ساجد يهاتفها دائمًا يخبرها بكلامه المعسول الذي يغسل عقلها به حتى أتى آخر يوم.
كان ساجد جالسًا بمكانٍ ما يفكر في شئ حتى آتته مكالمةٌ هاتفية:
- نفذ، إنت اتأخرت كتير.
همهم ثم أغلق الهاتف وقام بمهاتفة شمس.
- خلصتي إمتحان؟
كانت تقف مع روما وهي تبتسم بسعادة:
- اه خلصت خلاص.
- طب إيه رأيك نتقابل؟ محتاج أشوفك أوي.
شعرت بالخجل ثم أردفت بنبرة لطيفة:
- حاضر هجيلك، نتقابل فين؟
- هبعتلك المكان علطول.
أغلقا مكالمتهما سويًا وتنهدت بسعادة، وانتبهت لحديث روما:
- إي؟ شو في؟
- رايحة أقابل ساجد دلوقتي.
- يا روحي على هالجمال، سعادتك كتير حلوة يا شمس.
- يلا باي همشي أنا.
كادت أن تذهب ولكن أوقفها صوت صباح:
- شمس.
إستدارت شمس لتطالعها بإستفسار، إقتربت منها صباح بإبتسامة:
- مالحقتكيش بعد اللجنة، نزلتي مع البنات علطول وسبتيني، عملتي إيه في الإمتحان؟
أردفت ببرود:
- كان تافه أوي.
أردفت صباح بسعادة:
- طب الحمدلله.
صمتت قليلًا مترددة فيما تقول ثم أردفت:
- بصراحة كان نفسي نخرج أنا وانتِ بعد الإمتحان.
- شو! شمس مو فاضية حبيبتي، وراها شي أهم.
إلتفتت صباح لروما تتحدث بضيق:
- أنا وجهت كلامي لشمس مش ليكي.
- أنا وشمس واحد حبيبتي.
كادت أن تُجيبها ولكن شمس من تحدثت:
- مش فاضية يا صباح بصراحة واه معلش نسيت، إستني..
ثم بحثت في حقيبتها عن شئٍ ما حتى أخرجت بعض النقود ووضعتها بيدها:
- شكرا على تعبك في المذاكرة معايا، باي يا بنات.
رحلت شمس وتركتها بين باقي الفتيات اللواتي يُطالعنها بسخرية؛ أما هي فقد كانت تشعر بالصدمة من فعلة شمس تلك، تعطيها نقودٌ في يدها! هل تظنُها متسولة؟!
- إذا كان بدك مصاري من البداية خبرينا يا بنت لا تنحرجي.
ثم قهقهت روما وقهقهن معها باقي الفتيات وتركنها تبكي بسبب ذلك الشعور الذي شعرت به للتو.
دخلت شمس أحد المطاعم وظلت تبحث عنه حتى وجدته يجلس على كرسي يخص إحدى الطاولات، إقتربت منه بإبتسامة خجلة وجلست أمامه ..
- وحشتيني.
- وإنت كمان
- بصي أنا جبتك هنا عشان وحشتيني وكمان عشان حاجة تانية.
طالعته بإستفسار واستأنف:
- بصي يا شمس، أنا بحبك وإنتِ أكيد بتحبيني صح؟
هزت رأسها بإبتسامة حالمة.
- طب ليه مانتجوزش؟
تعجبت من ذلك السؤال بينما أوضح ساجد جديثه قليلاً:
- يعني أقصد، أنا وإنتِ بنحب بعض ومع بعض بقالنا فترة حلوة، أنا عايز أتجوزك بصراحة، موافقة؟
تحدثت بتوتر وخجل:
- إنت فاجئتني بصراحة.
كرر ساجد سؤاله مرة أخرى:
- موافقة ولا لا؟
أجابته بتلعثم:
- أكيد موافقة.
إتسعت إبتسامة ساجد وبرقت عيناه ظنتها أن سبب ردود أفعاله تلك هو حبه لها ولكنها لا ترى ما بداخله.
- خلاص أنا هكلم والدي وإنتِ كلمي والدك واتفقي معاه على ميعاد أجيلك فيه، إيه رأيك؟
- أوك تمام.
أمسك بيدها بقوة مردفًا بحبٍ مزيف وهو ينظر في عمق عينيها:
- هتتحدي العالم كله عشاني؟
أومأت بإبتسامة وخجل..
- وأنا كمان هعمل المستحيل كله عشان تبقي ملكي.
رواية / ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في المساء:
كان السيد بهجت يجلس مع جواد في حديقة القصر يتحدثان:
- حضرتك هتفاتح شمس إمتى في موضوعنا؟ هي خلاص كده خلصت إمتحانات.
- لما ترجع إن شاء الله، ماتقلقش ماحدش هياخدها منك، أنا مش شايفها مع غيرك أصلا يابني.
ربت بهجت على كتفه بإبتسامة أبوية وإنتبه الإثنان لإقتراب شمس منهما.
أردف بهجت:
- تعالي يا حبيبة بابي، كويس إنك جيتي دلوقتي، عايز أتكلم معاكِ في موضوع مهم جدًا.
أردفت شمس بهدوء:
- وانا كمان محتاجاك في موضوع.
أردف بهجت بإبتسامة:
- نبدأ بيكِ، في إيه؟
طالعت جواد الذي يجلس بجوار والدها ينظر لها بهدوء وبإبتسامة هادئة في ذات الوقت..
- مش قُدام جواد.
قهقه جواد بسبب أنه شعر أنها خجلة من وجوده، كان أن يتحرك ليتركهما سويًا ولكن تحدث بهجت:
- إنتِ عارفة إن جواد زي إبني بالظبط وبعدين لسه في حاجات كتير محتاجين نتكلم فيها وجواد موجود لإنه شئ مشترك بينا إحنا التلاتة.
لم تُركز في حديثه وقررت أن تبدأ حديثها:
- بابي، أنا وزميلي في الجامعة بنحب بعض، وهو عايز ييجي يتقدملي، ممكن تحددلي ميعاد؟
أشلاء! قلبه تحطم إلى أشلاء ولو كان تحطم القلب له صوت؛ لسمع العالم كله صوت تحطم قلب جواد الذي لطالما تمناها، أيُعقل أن هناك شخصٌ آخر قد سبقه وسرق قلب حبيبته قبله؟!!!.
توقف بهجت بمكانه وأردف بضيق:
- إيه إللي بتقوليه ده ياشمس؟ من إمتى الكلام ده بيحصل من ورا ظهري؟ إنسي خالص الكلام ده.
تعجبت شمس من حديث والدها لم تكن تتوقع ردة فعلته تلك أردفت بضيق غافلة عن ذلك العاشق الجريح:
- ماتحسسنيش إني عملت جريمة يا بابي، أنا وزميلي بنحب بعض فيها إيه يعني؟ ده أنا كنت فاكرة إنك هترحب بالموضوع ده.
أكد السيد بهجت حديثه بضيق:
- وأنا بقولك تنسي الكلام ده خالص، ماينفعش يا شمس، ماينفعش.
كاد أن يُكمل حديثه ويقوم بتوضيح السبب، ولكنها قاطعته بصراخ وبكاءٍ في آنٍ واحدٍ:
- هو إيه إللي ماينفعش؟؟ أنا مش عيلة صغيرة، أنا كبيرة كفاية إني أختار شريك حياتي واستحالة إنه يكون من اختيارك إنت، بجد يا بابي .. إنت .. إنت خذلتني.
إستدارت وابتعدت عنهم وهي تبكي في نية منها للخروج من القصر ولكن جواد أمسكها من ذراعها، حاولت إبعاد ذراعها عنه وأردفت بصراخ:
- ابعد عني، أنا بكرهك طول عمري بكرهك .. بكره تدخلك في حياتنا .. بكره حبه ليك .. بكره وجودك نفسه .. إنت شخص ماعندكش كرامة عشان فرضت علينا وجودك في حياتنا.
لم تنظر داخل عينيه بتمعن، لم تشعر به يومًا ولن تشعر، هكذا هي دائمًا عمياء القلب، ترك ذراعها وابتعدت وخرجت من القصر كاد أن يتبعها رجاله ولكنه أوقفهم بإشارة من يده .. لم ولن تشعر به أبدًا .. كفى جواد .. كفى.
كانت روما تجلس في منزلها تتعاطى الممنوعات ولكنها استفاقت على صوت طرقاتٍ على باب منزلها، توقفت واتجهت نحو الباب لترى من الطارق، عقدت حاجبيها ثم قامت بفتح الباب لها، كانت شمس تبكي وعندما رأت روما أمامها إنفجرت من البكاء وضمتها بقوة مردفة ببكاء ونحيب:
- بابي خذلني يا روما، طول عمره بيحب جواد وبيسمعله لكن أنا لا، شايفني دايما طفلة صغيرة.
- اخ منه جواد هادا، روقي حبيبتي راح يكون كِل شي امنيح.
أغلقت باب المنزل وذهبت بها لغرفتها لكي تستريح وبالطبع لم تنتبه شمس للممنوعات الموجودة على الطاولة في غرفة المعيشة بسبب حالتها تلك، بعد عدة دقائق كان شمس تنظر أمامها بشرود ..
- إي؟ إنتِ امنيحة؟
أومأت شمس بهدوء ثم أردفت:
- شكرا يا روما، ماليش غيرك ألجأله.
- لا تقولي هيك شي يا بنت، مافي هادا الكلام بيناتنا.
- أنا بحبك أوي يا روما وبتمنى إن صحوبيتنا تفضل مستمرة.
إبتسمت روما بهدوء ثم صمتت قليلًا تطالعها ثم أردفت:
- بتعرفي يابنت إني عم بغار.
أردفت شمس بتساؤل:
- من إيه؟ وليه؟
- منك.
رفعت شمس حاجبيها بدهشة، واستأنفت روما حديثها:
- عندك أبوكي عم يحبك كِل هادا الحب وعندك هاد البيت الدافي، كِل طلباتك عم بتيجي لإلك بدون تعب، لكن أنا ياشمس، ما ضل لإلي غير هادا البيت الصغير وإمي وأبي مو عايشين معي، كنت أحسدك دايمًا إنك عندك أب متل عمو بهجت، كْتير يحبك ويخاف عليكِ، يمكن نقول هاي هي الحياة مو عادلة بالمرة.
شعرت شمس بالشفقة عليها وقامت بضمها وأردفت بتأثر:
- إنتِ أختي يا روما، إنتِ الوحيدة إللي أنا حبيتها وارتحتلها وعايزاها دايمًا معايا، عشان كده أنا جيتلك لما لقيت الدنيا ضاقت بيا.
لم تُجيبها روما ولكن كان هناك عِبرة تتساقط من مقلتيها وهي بين أحضان شمس.
كان بهجت مستلقيًا على فراشٍ بإحدى المستشفيات وبجانبه جواد الذي ينظر أمامه بشرودٍ .. كانت عينيه حمراوتين كأنه كان يبكي لأيام ولكنه لم يُذرف دمعة واحدة ولكن قلبه من كان ينزف.
- شمس.
إنتبه جواد على همس السيد بهجت بإسم إبنته .. إقترب نحوه بهدوء وأمسك بيده، إستيقظ السيد بهجت من النوبة التي إجتاحته فجأة بعد خروج شمس من القصر:
- شمس فين يا جواد؟ أنا عايز بنتي ترجع لحضني من تاني، أنا مش قادر على فراقها، هعملها إللي هي عايزاه، سامحني يا جواد .. سامحني.
كان السيد بهجت يبكي وكان جواد يطالعه بقلب مجروح .. يبدو أنه قد خسر المعركة التي كان يهيأ له أنه سيكون الفائز فيها في النهاية ، تنهد بعمق وجعل المشفى تقوم بالإتصال على شمس والتي فزعت عندما سمعت بخبر وجود والدها في المشفى وذلك اليوم كان اليوم الذي ترك جواد فيه شمس و السيد بهجت.
مرت الأيام وأصبحت الحالة الصحية للسيد بهجت بخير واجتمع مع والد ساجد واتفقا على موعدٍ لزفافهما وكان الموعد قريبًا جدا، كان السيد بهجت يحاول الوصول إلى جواد ولكنه اختفى تمامًا لم يعرف له طريق!، حتى أتى يوم الزفاف .. كان البعض فيه سعيدًا لقرب الوصول إلى هدفه والبعض الآخر متوتر .. وتلك كانت حالة شمس التي تقف أمام مرآتها تنظر لهيئتها بتوترٍ وسعادة في آنٍ واحدٍ، تنهدت بعمق تحاول أن تقوم بتهدئة أنفاسها، ذلك اليوم كانت تتمناه كثيرًا منذ الصغر كانت تتخيل دائمًا أنها عروسٌ جميلة وها هي قد حققت أحلامها .. أجمل زفاف وأجمل طلة .. إنها الملكة اليوم .. إنتبهت على دخول والدها للغرفة لكي يصطحبها إلى قاعة الزفاف ويقوم بتسليمها لزوجها، تعلقت بذراعه بإبتسامة سعيدة ولا تعلم أن تلك ستكون آخر إبتسامة تُرسم على وجهها.
كان جواد يجلس في قصره مشعث الشعر وينظر أمامه بشرود ممسكًا بيده عيارٍ ناري، ينظر لكل شئ محطمٌ حوله بالقصر .. لقد تدمرت أحلامه، تدمر كل شيء، الفتاة التي أحبها منذ صغرها اليوم ستكون لشخصٍ غيره.
تنفس بثقلٍ وتناول هاتفه يتصل برقم أحدٍ ما، ظل الهاتف يصدر رنينًا حتى سمع صوت صديقه على الطرق الآخر.
- جواد، أخيرًا عاش من سمع صوتك أنا قولت إنك نسيتني من بعد ما مشيت آخر مرة.
تحدث جواد بضياعٍ تام:
- عاصم.
- نعم يا جواد؟ في إيه مالك؟ إنت كويس؟ صوتك ماله؟
- أنا هقتلها، ماينفعش تبقى لغيري يا عاصم.
عقد عاصم حاجبيه بسبب حديث صديقه وقام بتجهيز نفسه لكي يخرج وحاول أن يُهدئ صديقه في ذات الوقت:
- إهدى يا جواد، أيًا يكن سبب إللي إنت فيه .. إنت أكيد نفسيتك مش مظبوطة دلوقتي .. حاول ماتاخدش أي قرارات وإنت في الحالة دي.
- هي ليه عملت فيا كده؟؟ بعد كل ده وماحستش بيا أنا؟ ليه؟؟ ده أنا كنت موجود جنبها وقدامها طول الوقت.
- إهدى طيب يا جواد، قول طيب أساعدك إزاي؟
أردف جواد بشرود:
- إسجني.
- أسجنك إزاي؟؟ إنت مش مجرم يا جواد.
- لا أنا مجرم .. أنا تاجر سلاح يا عاصم .. هحاول ألفق لنفسي أي تهمة ودي حاجة سهلة، بس المهم إني أتسجن ولا إني أبقى قريب منها.
- إنت طول عمرك ماشي صح، عشان كده كنت جايلك آخر مرة اتقابلنا فيها، في صفقة كبيرة الوزراة عايزة تعملها مع شركتك.
أردف جواد متحدثًا بشرود متجاهلاً حديث عاصم:
- يا تسجني، يا أقتلها.
كاد أن يتحدث عاصم ولكن جواد أغلق المكالمة الهاتفية، إعتدل جواد وخرج بهيئته تلك من قصره متمسكًا بعياره الناري، قاد سيارته وذهب للمكان الذي يُقام به حفل زفاف شمسه، خرج من السيارة ووقعت عينيه عليها وهي تبتسم وتتأبط ذراع ساجد تنظر له بعشق، لم يلاحظه أحد لأنه كان يقف بعيدًا عنها.. رفع يده يصوب العيار الناري نحوها ولكنه توقف عندما شعر بعيار ناري مصوبٌ نحو رأسه وأردف عاصم بحدة:
- نزل سلاحك يا جواد، نزل سلاحك.
لم يستمع له جواد وجهز عياره الناري وكاد أن يصيبها..
- نزل سلاحك بقولك، إنت مطلوب القبض عليك يا جواد.
- إبتسم جواد وأنزل سلاحه ونظر نحو شمس التي جلست بسيارة ساجد وودعت جميع الحضور.
في الوقت الحالي:
كان جواد يقف بجانب شخص يحمل حاسوب يبحث عن شئٍ ما..حتى أردف ذلك الشخص بحماس:
- أنا خلصت.
أخرج قائمة مطبوعة بها بعض الأسامي ..
- دول الناس إللي اشترو الموتوسيكل ده في خلال السنادي.
- تعرف تجيبلي صورهم يا جاسر؟
أوما جاسر وفي خلال دقائق بسيطة أعطاه صورهم الشخصية .. كان ينظر لصورهم لعله يبحث عن الريبة والشك في ملامحهم .. حتى توقفت عينيه على شخصٍ ما ملامحه غير مُريحة بالمرة..
- شكرًا يا جاسر.
- شكرًا لحضرتك إنت يا جواد بيه.
إبتسم جواد بهدوء ثم ذهب حيث العنوان المكتوب أمامه .. بعد مرور بضع دقائق كان يقف أمام منزلٍ في حيٍ قديمٍ بالقاهرة الكبرى، سأل أحد الأشخاص عن عنوان ذلك الشخص دله رجل على مبنى سكني متهالكٌ بعض الشئ ..
- موجود في الدور الأرضي.
شكره جواد ثم دخل ذلك المبنى ووقف أمام باب الشقة وطرق عليه بهدوء .. فتحت له شابة في عقدها الثالث ..
- أفندم؟ حضرتك عايز مين؟
- ده بيت سيد عبدالغفور؟
نظرت الشابة لهيئة جواد الراقية وظنت أنه رب عمل زوجها:
- أيوه هو يابيه، إتفضل يا أهلا وسهلا نورتنا يابيه .. يا سيد .. يا سيد إصحى.
نظر جواد نحو الأطفال الذي يصدرون الشغب في تلك الشقة المتهالكة ..
- إتفضل يا بيه إستريح.
واستمرت في مناداة وجها لكي يستيقظ، جلس على مقعدٍ متهالكٍ ينظر لهؤلاء الأطفال .. إنتبه لطفلة صغيرة تقترب نحوه وتبتسم له يبدو أنها في عمرها العاشر، ذات العمر الذي قابل به شمسه .. كان عمرها عشر سنوات، إنتبه على صوت رجل ناعس يتحدث بتعجرف:
- إيه يا ولية؟ هو ماحدش عارف ينام في البيت ده؟ مين عايزني؟
أنهى جملته عندما رأى جواد أمامه وفي لحظة تأكد جواد من أنه هو الشخص الذي يبحث عنه بسبب جرح السكين الموجود على معصم يده .. ركض الرجل بسرعة وخرج من المنزل يهرب من جواد الذي قفز من النافذة المفتوحة وتوقف على قدمه بالحي، كان الرجل يركض وهو يلهث وكان يلاحقه جواد بسرعة، حتى وصلا مكان مزدحم في القاهرة .. كان الرجل يصطدم بالناس أثناء هربه من جواد المُصِر على اللحاق به .. حتى خرجا من ذلك المكان المزدحم واقتربا نحو طريق السيارات السريع، كان جواد حريصًا على ألا يصطدم بالسيارات وسرع من ركضه أكثر حتى إقترب من ذلك الرجل وكاد أن يُمسك به ولكن الرجل صُدم بسيارة صدمة قوية ووقع على الطريق ميتًا.
↚
كان يقف أمام جثة ذلك الرجل الذي يُدعى سيد المُلقاة أرضًا وخلفه ضباط الشُرطة يقومون بتغطية الجثة، إنتبه لحديث صديقه الغاضب:
- مش اتفقنا إن إنت مش هتعمل حاجة غير لما تعرفني؟ برده للمرة التانية يصادف إنك في مسرح جريمة في نظر للقانون.
أردف جواد بشر:
- قولتلك إللي هيقطع طريقي مش هيشوف مني غير كل شر.
أردف عاصم بهدوء:
- يبقى لو وصلت لحاجة تعرفني، أنا زي مانت شايف بحقق ورا كل إللي بيحصل، أي معلومات توصلك لازم تبلغني بيها عشان هتساعدني في القضية دي جدا.
- بس أنا شايفك مش بتتحرك، أنا مش عارف أنام من غير ما آخد حقي منهم، أنا دماغي شغالة أربعة وعشرين ساعة عشان أعرف أوصلهم.
تنهد عاصم بصعوبة وأردف بهدوء:
- أنا فاهم ومقدر إللي حصل بس إحنا محتاجين خيط نوصلهم من خلاله، وده إللي أنا شغال عليه .. بلاش يا جواد تتدخل في شغلي، زي مانت دماغك شغالة أربعة وعشرين ساعة .. أنا كمان ببص في القضية دي ومش بنام، الموضوع مكلكع يا جواد، الناس دي عبارة عن شبكة كبيرة مش معروف أولها من آخرها.
شرد جواد في قوله قليلًا ثم تحولت ملامحه للغموض.
- تقدر تمشي من هنا يا جواد، أنا هستجوب أهل المتوفي وهحاول أعرف عن علاقاته.
كاد أن يمشي ولكن أوقفه عاصم مرة أخرى:
- جواد، أنا عايز أساعدك وعايزك تساعدني عشان أقدر أعمل ده .. أي معلومة توصلك بلغني بيها وماتتصرفش، أرجوك.
تجاهل حديثه ثم رحل يفكر في الخطوة القادمة فهو لديه كل الخيوط التي ستوصله إلى هؤلاء الأشخاص يومًا ما .. و عندما يحين اللقاء لن يترك أحدًا منهم حتى يقتص منهم على ما فعلوه بشمسه.
مرت الأيام على بهجت الذي عاد حزينًا مرة أخرى على فراق إبنته وتجاهلها له؛ أما بالنسبة لشمس فقد كانت تتحسن و كان جواد يقوم بمتابعة حالتها الصحية والنفسية دون أن يأتي للمصحة حتى مر خمسة أشهر على كل تلك الأحداث وأتى اليوم الذي ستخرج فيه شمس من المصحة.
خرجت من غرفتها دون قيودٍ تلك المرة، تتنفس بإرتياح وبإبتسامة مرتعشة ترتسم على وجهها، تنظر حولها تبحث عنه بعينيها، لقد اختفى في الآونة الأخيرة لم تعلم عنه أي شئ، الشخص الوحيد الذي وقف بجانبها وكان عونًا لها .. سارت بضع خطوات خلف الممرضة التي تساعدها في الخروج ولكنها توقف عندما رأته .. كان هناك .. شامخًا قويًا وأيضًا غامضًا كما اعتادته دائمًا، يرتدي حُلةً سوداء راقية .. هذا هو جواد الأنيق الذي اعتادت أن تراه دائمًا .. إبتسمت راكضة نحوه ودخلت في أحضانه..
- شكرا إنك جيت.
لم يُبادلها ... لم يُبادلها أي شئ والأدهى أنه لم يتحدث وظل صامتًا، إرتبكت وشعرت بالإحراج وابتعدت عنه متنهدة بإرتعاش بسبب إحراجها ذلك .. قام بحمل حقيبتها وأردف بملامح خالية من أي تعبير:
- يلا.
هزت رأسها بإماءة بسيطة ثم سارت بجانبه وهي تضم ذراعها اليُمنى بيدها اليسرى، وضع حقيبتها في سيارته ثم صعد السيارة وهي صعدت بجانبه دون أن تتحددث بكلمة .. ظلا هكذا صامتين حتى توقفت سيارته أمام باب قصر والدها .. إلتفتت تطالعه باستفسار:
- أنا جيت هنا ليه؟ بابي عرف؟ إنت قولتله حاجة؟
أردف جواد بلامبالاة:
- لا، أنا ماتكلمتش في أي حاجة .. دي حاجة بينكم إنتوا الإتنين .. أب وبنته مع بعض أنا ماليش دخل في أموركم، أنا دوري خلص أنا رجعتك لبيت باباكي وإنتي كويسه وأنا وفيت بوعدى لبهجت بيه.
أردفت بشرود:
- بس أنا مش كويسه.
إلتفت يطالعها ولكنها استأنفت ببكاء:
- أنا فعلا مش كويسه يا جواد، أنا أقرب الناس ليا خذلوني، واحدة كانت بتحقد عليا ودمرتلي حياتي والتاني ضحك عليا ومثل عليا الحب وحبيته من كل قلب، ده أنا إتحديت الدنيا كلها عشانه!!، إزاي يحصل معايا كل ده؟! أنا كنت بخاف أزعلهم .. كنت بخاف أعمل تصرف يضايقهم من غير ما آخد بالي، أنا كان عندي إستعداد أقف جنبهم .. بس .. بس خذلوني! .. إنت إزاي شايفني كويسه بعد إللي أنا مريت بيه لحد دلوقتي؟؟ إزاي حكمت إني كويسه بعد ما حياتي ومستقبلي إتدمروا.
كان يقبض على يده بقوة يمنع نفسه من ضمها ونسيان ما فعلته به وأردف بجفاء:
- أنا ماليش علاقة بيكِ ولا بحياتك إنتِ حرة .. إنتِ إللي جبتِ لنفسك كل ده.
طالعته بتعجب من حديثه ذلك، وأردفت بعدم إستيعاب:
- إنت ماكنتش كده.
تنهد بهدوء مكررًا حديثه بصيغة أخرى:
- حمدالله على سلامتك يا شمس هانم، أنا وفيت بوعدي لوالدك وهو إنك ترجعي بالسلامة، تقدري تنزلي من العربية.
كأنه ألقى بدورق ممتلئٍ بالمياه المثلجة فوق رأسها شعرت بالإحراج وخرجت من السيارة هرع إليها أحد حرس القصر لأخذ حقيبتها .. كانت تطالعه بتأثر ولكنه تجاهلها ورحل.
"لا أعلم بما شعرت في تلك اللحظة التي تركني بها؟، الشخص الذي كنت على يقين أنه لن يتركني من بين الجميع وفي النهاية تركني ورحل، هل خذلني؟ أم أنني آذيته دون أن أدري؟"
وضعت يدها على قلبها الذي يؤلمها ولا تدري ما السبب، ثم دخلت للقصر وهنا تقابلت مع والدها الذي ينظر لها باشتياق وتعجب في آنٍ واحدٍ.
- شمس؟!
لا تستطيع تفسير كم المشاعر التي احتاجتها عندما رأت والدها يفتح لها ذراعيه يحثها على الركض لكي يضمها وبالفعل خارت قواها واستسلمت وركضت نحوه لكي تستقبلها ذراعيه بلهفة وقوة ..تركت العنان لعبراتها وبكت بنحيب عالٍ .. استسلمت لآلامها، تريد أن تنهار قليلًا .. ألا يحق للإنسان أن يستسلم وينهار قليلًا لكي يستريح من أعباء الحياة حتى لو لخمس دقائق؟! .. تعجب بهجت من حالتها تلك.
- مالك يا شمس؟ بتعيطي ليه؟
تحدثت من بين شهقاتها بصعوبة:
- أنا اتطلقت.
طالعها بصدمة آلمت قلبها بسبب خوفها على حالته الصحية من ذلك الخبر، لا تعرف، هل تَقُصُّ عليه ماحدث لها أم لا؟
كان مصدومًا مما سمعه للتو، هل تطلقت! كيف! إبنته الصغيرة الرقيقة أصبحت مطلقة! .. ظل صامتًا هكذا لعدة ثوانٍ شعرت شمس أنهم دقائق طويلة وأردفت ببكاء:
- بابي، إنت ساكت ليه؟ أنا آسفة بجد .. أنا غلطانة .. ياريتني كنت سمعت كلامك من الأول، أنا بس غلطتي الوحيدة إني حبيته وصدقته.
قام بضمها مرة أخرى يربت على ظهرها.
إبتعد قليلًا يطالعها وأردف بتردد:
- لو في إيدي أصلح إللي بينكم قوليلي، أنا جنبك.
هزت رأسها بالنفي بقوة:
- لا مش عايزة أرجع ليه أبدًا، كان صفحة سودة في حياتي وقطعتها خلاص.
ربت على رأسها متحدثًا بهدوء:
- ماشي أنا معاكِ .. قوليلي محتاجة إيه وأنا أعملهولك.
- أنا محتاجة أنسى كل إللي حصل معايا.
- هتنسي ماتقلقيش هتنسي.
..............................
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم / سارة بركات
في المساء:
كانت تجلس في غرفتها القديمة تنظر أمامها بشرود، استطاعت أن تفلت من أسئلة والدها المتعددة عن سبب الخلاف الذي حدث بينها وبين ساجد لكي يتطلقا .. حتى أخبرته بحجة أنه يقوم بخيانتها، استفاقت من شرودها ذلك عندما دخل والدها الغرفة يجلس بجانبها على السرير يضمها بقوة:
- إيه إللي مصحيكي؟ مش قولتِ هتنامي؟
- ممكن أسألك سؤال؟
- أكيد.
- هو ليه جواد مبقاش يعاملني زي الأول؟ إحنا ماكناش كده؟
أردف باستفسار:
- شوفتيه فين؟
حاولت أن تبحث عن كذبة لكي لا تخبره أنها كانت بالمصحة ..
- قابلته وأنا جاية في الطريق النهاردة، ماكلمنيش وعمل نفسه مش شايفني.
تنهد بهجت بحيرة هل يخبرها أنهما كانا مخطوبان وكان سيُعلن عن خطبتهما تلك بعد إنتهاءها من الجامعة؟
- سكت ليه يا بابي؟
تنهد بإستسلام ثم أردف:
- عشان يا شمس مع الأسف إنتِ جرحتي جواد جدا، جواد كان متقدملك وأنا وافقت وكنا هنجهز للإعلان عن خطوبتكم وكنت هقولك كل ده طبعا في اليوم إللي إنتِ قولتيلي فيه إنك عايزة تتجوزي ساجد.
صدمة! .. كان رد فعلها الوحيد هو الصدمة، لم تكن تتوقع ذلك .. هل كان جواد يحبها؟؟ .. كانت تعتقد أنه يقصد مضايقتها فقط ليس إلا .. ارتعش جسدها من الصدمة تتذكر كل كلمة مؤلمة قالتها له .. تتذكر كم جرحته قبل زواجها .. لم تكن تعلم.
تداولت الكثير من الأسئلة في مخيلتها، ضيقه الشديد عندما ذهبت للسباحة وكان رجلَا من يقوم بتدريبها، هل تلك كانت غيرة منه؟؟ أولم يكن تطفلًا منه كما كانت تعتقد؟؟ وضعت يدها على وجهها بحرج عندما تذكرت تمزيقه لكل الأثواب العارية التي قامت بشراءها من المركز التجاري .. كل تلك كانت غيرة منه .. غيرة خطيب على مخطوبته! .. لم تشعر بالعبرة التي سقطت من مقلتيها .. تتذكر نظراته لها .. همساته .. كل ذلك كانت تفسره بأنه متطفل يفرض عليها وجوده في حياتهم .. أغمضت عينيها بقوة عندما تذكرت الكلام المؤلم التي أخبرته به يومها ..
" أنا بكرهك طول عمري بكرهك .. بكره تدخلك في حياتنا .. بكره حبه ليك .. بكره وجودك نفسه .. إنت شخص ماعندكش كرامة عشان فرضت علينا وجودك في حياتنا"
تشعر بالضيق كثيرًا من نفسها هل فعلا جرحته بتلك الطريقة؟ كيف لم ترى أي شئ؟ هل كانت عمياء لتلك الدرجة لكي لا ترى حبه الواضح لها؟ غبية يا شمس أنتِ غبية .. ولكن هناك سؤالٌ جعلها في حيرة من أمرها .. هل لو كانت تعلم حب جواد لها وكان أخبرها والدها بكل شئ قبل لقاءها بساجد، هل كانت ستقبله زوجًا لها؟ أغمضت عينيها متنهدة بحُرقة مردفة بكلمة واحدة.
- نصيب.
كان بهجت يطالعها بحزن، لا يريد أن يعاتبها ولا يريد أن يتحدث بأي شئ يكفي ما عاشته وتلك كانت نتيجة إختيارها، هل سيعاقبها هو أيضًا؟ لا .. لا يريد عقاب طفلته بل يريدها أن تهنأ في حياتها.
- وبعد ماعرفتي خلاص، ناوية على إيه يا شمس؟
طالعته وأردفت بإبتسامة هادئة:
- جواد إنسان محترم وماشوفتش منه حاجة وحشة أبدًا، بس نصيبة مكنش معايا.
تحدثت بآخر كلمة بصعوبة ثم استأنفت بهدوء:
- أنا محتاجة أغير جو .. إيه رأيك أروح معاك الشركة الفترة الجاية؟
تعجب لحديثها ذلك، تريد أن تذهب للشركة معه؟! إنتبهت لتساؤلاته الواضحة في عينيه، تنهدت تنهيدة بسيطة ثم قامت بالتوضيح:
- محتاجة أعيش حياتي صح، محتاجة أشوف مستقبلي.. عايزة أنسى وأنا عارفة أنا هنسى إزاي.
لمعت عيناها بالدموع عند آخر كلمة .. يستحيل أن تقصد ساجد بذلك الكلام .. ولكنها تقصد ماحدث لها في الآونة الأخيرة وأيضًا جواد.
...............................
كان يقف في مكان يملؤه الظلام يراجع بعض الأشياء ورجاله يقفون خلفه .. نظر للطرف الآخر الذي يقابله في الجهة الأخرى والذي لم يكُن سوى ساجد طليق شمس المقطوع الأصابع في يده اليمنى وأعرج القدمين؛ فلقد استغرق الأمر منه شهورًا في العلاج، كان يقوم بغلق حقائب الأموال ويقدمها لجواد الذي يقدم له في المقابل حقائبٌ كثيرة ممتلئة بالأسلحة من خلال رجاله.
- كده تمام يا .. يا جواد بيه.
أردف ساجد بسخرية وهو يطالع جواد الذي يقف شامخًا كعادته والذي أردف ببرود:
- لو ضحكت تاني هقطعلك صوابع إيدك التانية.
إختفت إبتسامة ساجد الساخرة وابتلع ريقه مردفًا:
- مبارك عليك الصفقة ومبارك علينا إنت يا جواد بيه.
هز جواد رأسه وخرج ساجد وخلفه رجاله من ذلك المكان..
أردف جواد بإشمئزاز:
- كلب.
إقترب أحد رجال جواد منه..
- العمل إيه دلوقتي يا زعيم؟
أردف جواد بشر:
- إبتدت اللعبة وقريب أوي كلهم هيقعوا في إيدي.
↚
كان السيد بهجت يتجهز للخروج من قصره ولكن أوقفه صوتها:
- بابي إستنى.
إلتفت للخلف يطالعها كانت تنزل على أدراج السُلم ترتدي زيًا رسميًا وقامت بتصفيف شعرها الكستنائي على هيئة كعكة أردفت بإبتسامة باهتة:
- سوري إتأخرت.
أردفت بتساؤل:
- إنتِ رايحة فين؟
أردفت بتساؤل:
- مش إتفقنا إني هنزل الشركة معاك الفترة الجاية؟
- ماكنتش متوقع إنه هيكون النهاردة، كنت فاكرك تقصدي بعد أسبوع على الأقل عشان نفسيتك.
تنهدت تنهيدة بسيطة ثم أردفت بتوضيح:
- لا مش هقدر أقعد أسبوع لوحدي، أنا محتاجة أنسى زي ماقولت لحضرتك.
هز بهجت رأسه مقبلًا مقدمة وجهها
- ماشي يا حبيبتي يلا بينا.
أمسك بيدها وخرج الإثنان من القصر وخلفه الحرس وبعد مرور عدة دقائق توقفت سيارة السيد بهجت أمام الشركة خرجت من السيارة ووقفت تطالع شركة والدها أو بمعنى أدق شركتها والتي طالما ترجاها والدها أن تتعلم إدارتها معه منذ أن دخلت الجامعة لكي تقوم بإدارتها بشكل رسمي بعد التخرج! .. ولكنها مع الأسف أضاعت الكثير من الفرص في حياتها لو كانت فقط طاوعت والدها في كل مايطلبه منها دون أن تتصرف بطفولية ومراهقة لكان وضعها الآن مختلف .. تنهدت بإرتعاش وأغلقت باب السيارة تدخل الشركة بحرصٍ شديد تنوي أن تعوض ما فاتها يجب أن ترهق نفسها في العمل لعلها تنسى كل مامضى والذي نتج عن سوء إختيارها .. دخلا الشركة سويًا وهنا توقف جميع الموظفين لإستقبالها بترحابٍ شديد ما عدا فتاة واحدة ظلت تنظر لها بضيق شديد ولم تكن سوى صباح التي آذتها شمس كثيرًا، بعد أن رحبت شمس بالفتيات أيضًا إنتبهت على صباح التي تقف في ركن آخرٍ بالقاعة الرئيسية، إبتسمت شمس بإتساع مردفة بلهفة:
- صباح!.
إقتربت منها لكي تصافحها ولكنها تفاجأت من إبتعاد صباح وخروجها من تلك القاعة دون أن تتحدث معها بكلمة، ظلت واقفة حيث هي تسأل نفسها العديد من الأسئلة، هل قامت بأذية صباح دون أن تنتبه أيضًا؟!، يا الله لقد آذيتي الجميع يا شمس، تنهدت بإستسلام ولحسن حظها لم ينتبه أحدٌ لما حدث .. بعد دقائق معدودة، كانت تقف أمام غرفة مكتبٍ ضخمة تطالعها بإبتسامة كبيرة.
- إيه رأيك؟
- تحفة طبعا يا بابي.
إلتفتت إيه وقامت بضمه بقوة ثم إبتعدت تطالعه بحب .. أردف بهجت بهدوء:
- المكتب ده كنت مجهزه ليكِ من سنين، معلش هو مترب شويه الشباب هييجوا ينضفوه حالا .. بس المهم إنه عجبك.
- شكرا يا حبيبي.
- على إيه بس؟ دي شركتك بعد ما أموت يا حبيبتي.
طالعته بتأثر ولاحظت شعره الأبيض الذي زاد في الآونة الأخيرة عن ذي قبل .. هل تسببت في كل ذلك؟؟ إستفاقت من شرودها على صوته:
- في بنات لسه تحت التدريب وإنتِ هتبقي معاهم لحد ما الدنيا تظبط معاكِ ومعاهم صباح صاحبتك.
لاحظ حزنها وشرودها ثم أردف بتنهيدة:
- أنا مش عارف إيه إللي حصل بينك وبينها بس صدقيني .. صباح دي أكتر بنت جدعة إنتي صاحبتيها يا شمس، كفاية إنها كانت بتيجي تذاكرلك وبتضحي بوقتها عشانك.
هزت رأسها ثم أردفت:
- هي صباح جات الشركة هنا إزاي؟
إبتسم بهجت:
- جواد هو إللي دخلها الشركة بعد ماتخرجت علطول، جواد بيه يؤمر وأنا أنفذ.
أردف بالجملة الأخيرة بمزاح لإعتباره أنه في مكانة إبنه، ولكن شمس قد آلمها قلبها .. إهتمام جواد بصباح هل هناك شئٌ خلفه؟ .. هزت رأسها بنفيٍ بقوة .. هذا لا يهمها . ما يهمها الآن هو أن تبحث عن ذاتها وهذه هي البداية.
عاد جواد إلى أعماله ولكن تلك المرة ليست الأعمال المعتادة له قبل أن يدخل السجن!، بل أصبح يتعامل مع المافيا من جميع أنحاء العالم ويُمدهم بالأسلحة دون عِلم الدولة بالطبع وهذه جريمة لا تُغتفر بالنسبة للقانون.
تدربت شمس واكتسبت الكثير من المهارات في إدارة الشركات حيث أنها بدأت تحضر بعض الصفقات مع والدها وكانت تتعلم من خبراته حيث أنها كانت في بعض الأحيان من تقوم بعمل بعض الصفقات وتنجح بها .. تعلمت كل شئ مع الفتيات المتدربات ومن بينهم صباح التي لم تكن تتحدث معها بتاتًا وذلك كان يُحزنُ شمس ولكنها كانت تشجع نفسها دائمًا أن كل ذلك لا يهُم .. من الممكن أن يكون ما يحدث هو فترة مؤقته .. نعم! الألم فترة مؤقته ثم كُلَ شئٍ سيُنسَى بمرور الوقت.
بعد مرور سنة:
كان بهجت يسعل بشدة وهو يخرج من غرفته بالقصر إنتبهت شمس لسوء حالته وهي تخرج من غرفتها أيضًا.
- بابي مالك؟
سعل بهجت بشدة ولم يستطع أن يُجِيبها.
- بابي، إنت كويس!.
هز رأسه وأردف بهدوء:
- أنا كويس مافيش حاجة، يلا ننزل الشركة.
كادت أن تتحدث ولكنه سعل بشدة.
- لا يابابي إنت مش كويس خالص شكلك واخد دور برد جامد، قولتلك إمبارح لازم تلبس هدوم تقيلة، الجو برد يا حبيبي.
أخذ نفسًا عميقًا وهو يربت على وجنتيها الناعمتان .. ينظر لها بحب عينيها .. عينيها التي تذكره دائمًا بوالدتها التي أحبها كثيرًا .. تلك الأعين التي تشابه لون ضوء الشمس، تلك الأعين كان قد تم إطفاؤها منذ سنة ولكن الآن إنهما يلمعان ببريقٍ غريب .. إن شمس التي أمامه الآن ليست إبنته المكسورة التي كانت تبكي وتخبره أنها قد إنفصلت!، إنها الآن أفضل سيدة أعمال في نظره، إنها إمرأة قوية تستطيع أن تدبر أمرها، لم تعد تحتاجه.
أردف بإرهاق:
- عندك حق، أنا كان لازم ألبس تقيل الجو كان تلج إمبارح، مافيش مشكلة ننزل الشركة وبعدها هظبط كل الأمور دي ماتشغليش بالك.
أردفت بصرامة مزيفة:
- مافيش شركة النهاردة يابابي إنت أجازة مَرَضِي، محتاج ترتاح شوية.
- بس يا شمس في صفقة مهمة و......
قاطعته بإبتسامة:
- هحضرها أنا يابابي، إرتاح إنت النهاردة.
طالعها قليلًا بهدوء ثم هز رأسه وأردف:
- أنا واثق فيكِ يا شمس.
قبلت يده وأردفت بحب:
- عايزاك تاخد بالك من نفسك هخلص كل حاجة وهكلمك أطمنك.
ثم تركته وخرجت من القصر، ركبت سيارتها وتحرك بها السائق ويتبعها بعض الحرس .. بعد مرور دقائق وصلت للشركة.. قام أحد الحرس بفتح باب السيارة لها وخرجت منها بشموخ .. دخلت الشركة بثقة عالية ليس كأول مرة دخلت بها تلك الشركة وهي مطأطأة الرأس .. لا الآن الوضع مختلف، تعلمت الكثير في السنة الماضية تلك.
إبتسمت لكل الموظفين بترحاب وعندما إقتربت من صباح طالعتها مبتسمة لها بهدوء ثم ذهبت لغرفة مكتب والدها لمراجعة أوراق الصفقة، أما صباح كانت تطالعها بإبتسامة دون أن تراها شمس .. على الرغم من عدم حديثهما إلا أن شمس قد أصبحت قوية، تغيرت كثيرًا وهي فخورة لما وصلت به؛ فهي قد علمت عن حالتها بسبب الشائعات التي إنتشرت في الجرائد منذ مدة وعن سبب طلاقها ولكن ما رأته صباح في شمس عند دخولها الشركة في أول مرة كانت منكسرة والآن هي قوية ... جلست شمس على كرسي المكتب بتنهيدة وإستندت بظهرها عليه لتستريح قليلًا وهي تراجع أوراق الصفقة التي بيدها وتقوم بدراستها جيدًا ولكنها شردت وأتى على بالها الشخص الذي أرهق روحها وطرد النوم من عينيها .. أخذت نفسًا عميقًا وألقت أوراق الصفقة جانبًا وقامت بفتح حاسوب والدها المحمول تبحث عنه لكي ترى أخباره؛ فهو منذ آخر لقاءٍ بينهما لم تراه مرة أخرى لقد إختفى تتابع أخباره فقط عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
- جواد الجندي.
كتبت ذلك الإسم في خانة البحث ظهرت صوره الحديثة .. لقد أصبح جذابًا كثيرًا .. عيناه أصبحتا قاسيتان أكثر من ذي قبل .. نظراته في الصورة جعلتها ترتعش كأنه ينظر لها بالفعل، إستفاقت على صوت هطول الأمطار الشديدة بالخارج، أغمضت عينيها وهي تفرك بهما ثم أغلقت الحاسوب، إستقامت ووقفت عند حائط المكتب الزجاجي تطالع الأمطار وتنظر أمامها بشرود في وقتٍ واحدٍ، تتذكر كلماتها له .. كلماتها التي تؤرقها ولا تجعلها تنام بشكل طبيعي كالباقين، كلماتها التي تعبر عن كرهها له .. إنهمرت عبرة من مقلتيها وهي تسأل نفسها هل هو بخير؟ .. لقد جرحت عاشقًا وليس شخص عادي، جرحت جواد الذي ظل بجانبها دائمًا.
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
وفي ذات المكان وذات التوقيت أسفل الجو الممطر ذلك، توقفت سيارة جواد أمام شركة السيد بهجت، خرج من السيارة وخلفه بعض رجاله .. إبتسم للموظفين عندما رحبوا به وإتجه نحو مكتب السيد بهجت ليفاجأه؛ فمهما حدث فهو بعتبره كأبيه، يريد أن يمر عليه فقط ثم سيرحل مرة أخرى، بالطبع لم يجرؤ أحد أن يسأله ماذا يفعل هنا أو ماذا يريد؛ فجواد له الحرية في أن يأتي شركة السيد بهجت في أي وقتٍ يريد.
إقترب من مكتب السيد بهجت بإبتسامة وقام بفتح الباب بهدوء.. إختفت إبتسامته عندما رآها أمامه .. تعطية إياه ظهرها وهي تقف عند الحائط الزجاجي للمكتب .. أشار لرجاله بالرحيل ثم عاد والتفت إليها مرة أخرى يطالعها .. كان شعرها الكستنائي منسدلا على طول ظهرها .. ترتدي ثوبًا أسودًا مصنوعًا من القماش المحبوك أو المنسوج الذي يتميز بوبر ناعم وكثيف وبريق زخرفي ( قطيفة) .. أصبح جسدها متناسقًا أكثر عن ذي قبل .. إقترب نحوها بخطوات بطيئة و هادئة .. رائحتها تزداد مع كل خطوة يخطوها نحوها .. توقف خلفها وكان لا يفصل بينهما شئ سوى مسافات قليلة تكاد تكون منعدمة .. كانت تبكي ولكن رائحة عطره التي تتذكرها تسللت لأنفها تنهدت بإرتياح تستنشقها وأعادت رأسها للخلف قليلًا ولكنها إستقرت على صدر أحدًا ما! .. إلتفتت لترى من خلفها وتفاجأت بوجوده أمامها.
أردفت بدهشه:
- جواد!
كان يطالعها بأعين تلمع يا الله لقد مرت سنة وهو يحاول تخطيها ونسيانها وعندما يراها أمامه ويسمع إسمه منها كل ذلك التخطي مر كأنه لم يحدث من الأساس! .. أصبحت أجمل بكثيرٍ عن ذي قبل، أصبحت إمرأة ناضجة أكثر. حمحمت بإحراج لأنها شعرت أن نظراته تلك تخترقها.
- إزيك؟
أردف بهدوء:
- كويس، أنا شايف إنك بقيتي أحسن.
إبتسمت من حديثه معها وأردفت:
- اه الحمدلله، كل حاجة بتعدي.
- كويس.
ظلا يطالعان بعضهما لبعض الوقت ثم أردف:
- بهجت بيه مش موجود ليه؟
- بابي واخد دور برد زمانه نايم دلوقتي عشان لو جربت تكلمه يعني هو مش هيرد ده إللي أقصده.
همهم جواد وهو ينظر في عمق عينيها..
- وإنتِ بتعملي إيه هنا؟
أجابت بإبتسامة وتلقائية:
- أنا بشتغل هنا بقالي سنة، وعايزة أقولك إني في خلال السنة دي كنت شاطرة وكسبت صفقات كتير أوي ولسه كمان قدامي صفقة كمان النهاردة.
هز رأسه بهدوء ثم طالع شفتيها المطليتان باللون الأحمر، وراجَعَ هيئتها مرة أخرى، ولكنه لم يتحدث بكلمة وكاد أن يخرج.
- جواد.
توقف معطيًا إياها ظهره، وأردفت بتأثر:
- سامحني.
لا تدري ماذا فعلت به تلك الكلمة الآن جعلت قلبه ينفجر للكثير من القطع هل ترى أن ما رآه بسببها سينتهي بتلك الكلمة؟ .. لقد تغير كل شئٍ شمس!، إلتفت لها يطالعها بهدوء:
- بتقولي حاجة يا مدام شمس؟
ماذا يقصد بتلك الكلمة؟ .. هل يقصد أن يذكرها أنها أصبحت غريبة عنه؟! .. إقترب نحوها حتى إنعدمت المسافة بينهما ..
- قولتي إيه؟ عيدي كلامك.
أردفت بتلعثم:
- سامحني يا جواد على إللي عملته فيك.
تساءل بهمس:
- والتمن هيكون إيه؟
تعجبت من سؤاله ذلك وأيضًا شعرت بالتوتر بسبب إنعدام المسافة بينهما تشعر أن أنفاسهما تختلط من أحاديثهما، إبتلعت بتوتر وأردفت بعدم فهم:
- إنت عايز تسامحني بمقابل يا جواد؟!
أردف بتصحيح وثبات:
- إسمي جواد بيه يا مدام شمس، ياريت ماتشيليش الألقاب بينا، عايزاني أسامحك يبقى هيكون بمقابل.
تساءلت بإرتعاش وهي تُخفض رأسها بتوتر:
- إيه هو المقابل ده؟
رفع يده يلمس ذقنها الناعم ليرفع وجهها لكي تتقابل نظراتهما ..
- ليلة، ليلة واحدة ممكن تغفرلك كل إللي عملتيه فيا يا شمس، ليله واحدة هتخليني أنسى إنك ماكنتيش في حياتي قبل كده.
ثانية .. إثنان ..ثلاثة .. كانت يده تمنع يدها من أن تصفعه على وجنته ..
- إياكِ يا شمس، لو عملتيها هيبقى بموتك .. أنا مش جواد إللي إنتِ تعرفيه .. إياكِ تنسي نفسك وتتعاملي معايا على أساس إني واحد شغال عندك، أنا أشتريكِ وأشتري أبوكِ ذات نفسه.
كانت مصدومة مما تراه ومما تسمعه، إنه مُحِق هو ليس جواد الذي كان بجانبها .. إنه شخص آخر .. جواد الذي تعرفه لا يمكن أن يطلب منها طلبًا مثل ذلك ..
أردفت بإشمئزاز:
- إنت حقير وبنى آدم قذر.
أردف بإبتسامة مستفزة:
- نتيجة عمايلك يا مدام شمس.
إبتعد عنها بضع خطوات واستأنف:
- عمومًا العرض لسه قائم لو حبيتي تغيري رأيك.
واتسعت إبتسامة وهو يطالعها من قدمها حتى رأسها قبل أن يخرج من الغرفة وتركها؛ أما هي فظلت تقف تتابع خروجه بصدمة .. وبعد عدة دقائق استفاقت من صدمتها تلك متذكرة الصفقة التي تنتظرها اخذت نفسًا عميقًا تقوم بتعديل هيئتها وتزيد من وضع مساحيق التجميل لكي تبدو في أفضل طلة وخرجت من الغرفة.
بعد أن خرج جواد من الشركة إختفت إبتسامته وأمر سائقه بالرحيل يفكر بما حدث بينهما منذ لحظات .. لقد كانت بين يديه .. لما إنتظر موافقتها؟ لما عرض عليها ذلك من الأساس؟ لما لم يختطفها لكي يبقيا سويًا ويختفيان بعيدًا عن ذلك العالم الموحش الذي اختاره هو؟؟ .. إنها شمسه .. إنها حبيبته .. كل شئ بداخله يصرخ بالعودة إليها وإختطافها ولا يعلم أحدٌ عنها شيء .. ولكن لا حاول أن يقوم بتهدأة نفسه وبدأ يتابع أعماله عبر هاتفه ولكنه تذكر أمرًا ما! .. إنها ذاهبة بهيئتها الصارخة تلك لكي تقوم بعمل صفقة! كيف ترتدي مثل تلك الثياب وهو حي؟ بعد ثوانٍ أرصدة سيارة جواد صوت صريرٍ عالٍ يدل على توقفها وعادت السيارة من حيث تحركت وهو شركة السيد بهجت.
↚
"يقولون أن الحب أعمى ولكن جواد لا يحب شمس فقط بل يعشقها!"
كان في طريقه حيث سينعقد الإجتماع الذي ستقوم شمس بمناقشة صفقتها به، كان شاردًا وغاضبًا في ذات الوقت كيف يفعل بنفسه ذلك معها؟ ألا يكفي؟ يا الله لقد أرهقته ولكنه إكتشف أنه لا يستطيع البقاء حيًا بدونها، إستفاق من شروده على صوت هاتفه الذي يُعلن عن وصول رسالة نصية له، قام بفتحها يطالع محتواها.
"You didn't complete the previous deal well but we hope you like our gift"
"لم تقم بإتمام الصفقة السابقة بشكل جيد!، ولكننا نتمنى أن تنال هديتنا إعجابك"
عقد حاجبيه بغضب من تصرفات هؤلاء الأوغاد، طالع الوقت بهاتفه ووجد أنه متبقٍ فقط خمس دقائق للوصول إلى مكان شمسه.
دخلت شمس بأناقة أحد المطاعم الراقية مرتدية معطفها الأسود وسألت عن طاولة معينة ودلها أحد العاملين نحو طاولة يجلس حولها رجلين ينتظرانها وحينما لاحظا إقترابها نحوهم وقفا إحترامًا لها هزت رأسها بإبتسامة ترحب بهما كما رحبا بها وجلست أمامهم، أردف أحدهم بغزل ويُدعى "ممدوح"
"مكناش نعرف إن بنت بهجت بيه جميلة أوي كده؟ اه كنا بنشوف صورتك في المجلات والجرايد بس إنتى على الحقيقة أحلى."
إرتعشت إبتسامتها بسبب إحراجها وأردف الآخر بغزل مريبٍ والذي يُدعى "حسن":
"طبعا عندك حق .. وطليقها خسران عشان خسر إنسانة زيها."
ارتبكت واضعة يدها على رقبتها تدلكها ثم أردفت إبتسامة هادئة وواثقة:
"أنا جاية هنا عشان في صفقة المفروض نتناقش فيها بس لو حابين تتكلموا عني او عن حياتي فممكن نتفق على وقت تاني أفضل."
كادت أن تقف ولكن المدعو حسن أوقفها:
"آسفين ليكِ طبعا، مانقصدش إتفضلي."
هزت رأسها وقامت بفتح ملفات الصفقة وبدأت بمناقشتها .. كان ممدوح يركز في بنود الصفقة أما الآخر كان يطالعها وهو يرتشف قهوته .. يتابع حركاتها .. نظراتها .. ولكن نظراته لها لم تكن نظراتٍ بريئة بل كانت مفترسة كنظرات أي ذئب بشري .. ثانية .. ثانية واحدة وكانت قهوته تنسكب في عينيه جراء رفع يده الممسكة بالكوب من خلال جواد ..
تحدث بصراخ وألم:
"عيني."
في ذات الوقت كان جواد يمسك شمس من ذراعها .. أردفت شمس بضيق:
"إنت بتعمل إيه هنا؟"
رد عليها بغضبٍ أكبر:
"أنا إللي المفروض أسأل السؤال ده، إنتِ بتعملي إيه هنا وسط الرجالة دي؟؟ واحد كانت عينه هتطلع عليكي بسبب لبسك وشكلك و.."
صمت لثانية بسبب غضبه واستأنف:
"ولا إنتِ كنتِ حابة بصاته ليكِ أصلا؟!!"
كادت أن تصفعه ولكنها صدمت عندما دفعها أرضًا بيده اليُسرى وأشهر عياره الناري بيده اليمنى في ذات الوقت نحو أحدٍ ما بالمطعم وبدأت أصوات طلقات النيران في المكان .. وكان رجال جواد من يطلقون النيران على رجالٍ آخرين غير معروف هويتهم أو تابعين لأي طرف لأنهم كانوا ملثمين ..
"إستخبي تحت أي ترابيزة يا شمس."
أردف جواد بتلك الجملة بصوتٍ مرتفعٍ .. وبالفعل اختبأت تحت إحدى الطاولات بجانب سيدة تحتضن طفلها الرضيع وهي تبكي بخوف وفزع .. كانت تشعر أنها تائهة لا تدري ماذا يحدث حولها ... أصوات طلقات النيران لا تتوقف، وقعت عينيها على الرجلان اللذان كانت تجلس معهم كانا يختبئان برعب أسفل إحدى الطاولات .. كيف حدث هذا؟! في ثانيةٍ واحدةٍ كل ذلك حدث! .. ماذا يفعل جواد هنا؟ ماذا يعمل من الأساس؟؟ من هؤلاء!.
إختبأ جواد نحو أحد جدران المطعم يلتقط سلاحان قذفه له أحد حراسه على بُعد .. أمسك بهما بقوة ثم خرج من خلف الجدار وبدأ بإطلاق النيران بالعيارين وهو يتحرك من زاوية لزاوية أخرى بالمطعم كان كل مقصده هو إصابة اليد أو القدم .. يبتعد عن المناطق التي بها أعضاء حيوية لكي لا يموت أحد وذلك ما فعله هو ورجاله حتى انتهت أصوات طلقات النيران بالمكان وتعالت أصوات سيارات الشرطة بالقرب من المطعم .. سمع صوت هاتفه يعلن عن وصول رسالة نصية أخرى .. التقطه وطالع الرسالة بغضب:
"This time the gift was simple, we will be waiting for you at the Mafia bosses gathering in Italy, we will announce it soon"
"تلك المرة الهدية كانت بسيطة، سننتظرك بحفل تجمع رؤساء المافيا في إيطاليا، سنُعلن عنه قريبًا"
انتبه عندما أخرج الرجال الملثمين الملقون أرضا مادة شربوها وفي غمضة عين كان جميعهم أمواتًا .. ألقى جواد أسلحته بضيق مما يحدث، يكرههم .. يكرههم جميعًا، إستفاق من تفكيره عندما سمع صوتها..
"جواد."
إلتفت للخلف رآها تبكي إقترب منها ورَكَع يطالعها .. ينظر لملامحها جيدًا يتأكد أنها بخير ولم يُصِبها أذى.
أردفت بارتعاش:
"مين دول؟"
كان يتمنى لو يضمها يطمئنها ولكنه أردف بعجرفة:
"مش عارف، ومايهمنيش أعرف."
بعد مرور عدة دقائق:
إستمرت التحقيقات بالمكان وتحدث الشهود عن الواقعة والتي من بينهم شمس أما بالنسبة لجواد فقد كان يقف مع صديقه يتشاجران:
"برده هتقول متعرفهمش؟! أومال أنا إللي أعرفهم؟! دول كانوا جايين يقتلوك يا جواد!! متعرفهمش إزاي؟"
"أنا قولت كل اللي عندي يا عاصم، واللي حصل ده حماية للناس اللي موجودة في المكان، يعني أسيبهم يموتوا لو طلقة جات فيهم بالغلط؟ وأظن إنك شوفت كل اللي حصل في الكاميرات في المكان."
"ماهي دي المشكلة يا جواد."
صمت عاصم قليلاً ثم أردف:
"ماشي يا جواد، بس صدقني لو المرة الجاية لقيتك في مكان فيه قلق .. حتى لو مجرد مكان إنت عديت منه أنا هحبسك."
أردف جواد ببرود:
"اعمل إللي تعمله."
ثم تركه واقترب من شمس يطبق على ذراعها يجرها خلفه ..
"جواد."
لم يُجبها ولم يتحدث ولكنه أجبرها أن تركب معه داخل سيارته وأمر سائقه بالتحرك .. ظل طوال الطريق صامتًا وشاردًا ولكن في ذات الوقت يمسك بيد شمس بقوة أخرج هاتفه وطلب رقمًا ما وكان الطرف الآخر هو ساجد طليقها:
"أيوه يا بوص."
"وصل الكلام ده للزبالة بتوعك .. أنا جواد الجندي مابتهددش أبدًا .. وقريب جدا هنتقابل."
ثم أغلق بوجهة وظل صامتًا .. كانت تطالعه بهدوء ولكن بداخلها العديد من الأسئلة .. لقد تغير جواد كثيرًا عن آخر مرة .. أصبح ككتلة الثلج تمامًا .. لا أحد يعلم ماذا يجول بخاطره .. في السابق كان من السهل التقرب منه كان انسانًا بسيطًا على الرغم من غلاظته معها لكنه الآن أصبح صعبًا حتى في التحدث معه.
رن هاتف جواد يعلن عن رنين مستمر التقطه وكان السيد بهجت إبتسم جواد بهدوء وقام بالرد:
"ألو."
"جواد ابني إزيك؟"
"بخير الحمدلله، طمني عليك؟ أنا عديت عليك النهاردة انت مكنتش موجود"
سعل بهجت بقوة مما جعل من جواد يتعجب لأمره ..
"أنا تعبان شويه واخد شوية برد .. هسألك سؤال وترد عليا."
"اتفضل."
"انت لسه بتحبها يا جواد؟"
في تلك اللحظة تقابلت عينيه مع شمس التي تنظر له بحزن وفي ذات الوقت بداخلها العديد من الأسئلة .. ونظر لأيديهما المتشابكة ولكنه تركها بجفاء ثم أردف متجاهلا سؤال السيد بهجت:
"إنت لازم تكشف."
"لا يا جواد مش عايز أكشف .. أنا محتاج أعرف إجابة سؤالي دلوقتي حالا."
أغمض عينينه بقوة متحدثًا بهدوء:
"ماتضغطش عليا، انت محتاج عناية طبية وأنا هبعتهالك."
قهقه بهجت بخفة متحدثًا:
"أنا خلاص أخدت جوابي منك، بتمنى تسامحني يابني، ومش لازم تيجي تزورني لإني عارف إنك مش عايز تيجي عندي هنا تاني عشانها."
"الكلام ده ميتقالش على التليفون يا بهجت بيه، انت والدي وماينفعش الإبن يزعل من أبوه."
"ماشي يابني."
"أشوفك على خير."
"إن شاء الله."
أغلق المكالمة وأرسل رسالة بإرسال فريق طبي لمنزل السيد بهجت للعناية به ..
"طالما والدك تعبان نزلتي ليه؟"
أردف بذلك السؤال بجفاء كادت أن ترد تقوم بالدفاع عن نفسها ولكنه تحدث بجفاء مستأنفًا:
"مالهوش لازمة خلاص قربنا نوصل."
لم تعد تفهم ماذا يحدث؟ لما يتحدث معها هكذا؟ أكل هذا لأنها قامت بجرحه؟؟ ولكن فاض بها الكيل.
أردفت بصراخ:
"هو في إيه؟ إنت ليه بتتعامل معايا كده؟"
علا صوته في المقابل وأردف بغضب:
"عشان إنتِ تستحقي كده، أنا شوفت بسببك حاجات كتير، أنا مكنتش كده يا شمس! .. أنا كل اللي أنا فيه ده بسببك إنتِ."
بكت وتحدثت بقهر:
"وأنا ماطلبتش منك تتدخل في حاجة تخصني، ماحدش طلب منك حاجة بجد! ليه جايب السبب كله عليا!!."
"فات الأوان .. الشخص إللي بيتعاقب على كل فعل إنتِ عملتيه في حياتك هو أنا."
"ليه؟؟! ليه ياجواد؟؟"
أردف بتأثر وهو ينظر في عمق عينيها:
"عشان ... عشان..."
ولكنه صمت لم يعد يستطيع أن يتحمل وجودها بقربه يجعله يفقد السيطرة على مشاعره وعلى ذاته من الأساس .. توقفت السيارة أمام قصر السيد بهجت ..
أردف جواد بهدوء:
"مبقاش ينفع نبقى سوا يا شمس .. أنا وانت مينفعش نبقى موجودين في حياة بعض .. أنا مش جواد بتاع زمان .. أنا دلوقتي شخص تاني مينفعش تبقي موجودة في حياته أصلا."
كادت أن تتحدث ولكنه أردف بدلًا عنها:
"اتفضلي انزلي اتطمني على والدك .. أتمنالك التوفيق في حياتك."
لم تكن تملك أي فرصة سوى أن تأخذ المتبقي من كرامتها وتخرج من سيارته دون النظر خلفها .. ولكنها على يقين جيدًا أن كل ذلك من صنع يديها، دخلت القصر أما هو فقد عمل مكالمة هاتفية لرقم مجهول وأردف بشرود:
"كانوا جايين يقتلوها .. كانوا عايزين ياخدوا مني أغلى حاجة عندي .. بس صدقني مش هيشوفوا الشمس في أيامهم الجاية، هحرقهم بالنار إللي في قلبي."
مرت الأيام وكثرت سفريات جواد لخارج مصر وكانت شمس تتابع أخباره من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ولا تدري ما سبب سفره المستمر هذا؟ .. هناك شئ غير مفهوم في حياة جواد! وتساءلت أيضًا .. أين عائلته؟؟؟ من أي عائلة ينحدر جواد!! .. أين والده وأين والدته اكتشفت أنها لا تعلم عنه أي شئ .. زاد مرض السيد بهجت في الآونة الأخيرة وكانت شمس خائفة كثيرًا بسبب وعكته الصحية تلك التي لم يجد الأطباء لها سبب! .. وفي يومٍ ما كان السيد بهجت يقف في حمام غرفته يسعل بشدة وضع يده موضع فمه يحاول أن يهدأ ولكنه وجد نفسه يسعل دمًا .. ظل ينظر للدماء لثوانٍ ولكنه استفاق عندما سمع صوتها.
"بابي."
قام بغسل يده من الدماء بسرعة ومسح فمه بالمياه وأخذ نفسه عميقًا يحاول أن يظل ثابتًا وقويًا أمام ابنته.
خرج من الحمام بإبتسامة أبوية بشوشة واقترب منها يضمها بقوة ..
"ايه يابابي؟ إنت كويس؟"
"الحمدلله يا حبيبتي، حبيبة بابي عاملة إيه النهاردة؟"
"أنا بخير الحمدلله طول مانت بخير، يلا عشان تاخد الدواء."
هز بهجت رأسه وجلس بفراشه بمساعدتها .. أعطته الدواء ثم قامت بضمه بقوة ..
"هتعملي إيه دلوقتي؟"
أردفت بإبتسامة:
"مافيش هقعد معاك شويه وبعدها هروح أنام."
"طب روحي نامي لإني محتاج أنام دلوقتي."
"ماشي يا حبيبي تصبح على خير."
قبلت مقدمة رأسه ثم أغلقت إضاءة الغرفة وخرجت منها، أخذ بهجت هاتفه وحاول الإتصال بجواد ولكن الرقم كان خارج التغطية .. بدأ سعاله يشتد وأرسل له رسالة نصيه لعله يراها فيما بعد.
"رواية / ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات"
في صباح اليوم التالي:
دخلت شمس غرفة والدها تبتسم بسعادة وقامت بإزاحة الستائر بمفردها لكي تنتشر آشعة الشمس بها، وتركت الخادمات طعام الفطور بالغرفة ثم خرجن، اقتربت شمس منه متحدثة بتفاؤل:
"يلا يا بابي قوم عشان تفطر."
ولكنه لم يُجِيبها ..
"بابي بلاش دلع، قوم يلا عشان البنات حضروا الفطار وهو خلاص قرب يبرد ده أنا صممت إني أصحيك بنفسي"
ولكنه لم يستيقظ أيضًا .. أمسكت بيده ولكنها صعقت عندما وجدتها باردة وليست دافئة كالعادة قامت بهز جسده لكي يستيقظ:
"بابي أرجوك إصحى."
بدأ نحيبها عندما وجدته لم يستيقظ وصرخت بأعلى صوتها في القصر جعل الكل يركض على غرفة السيد بهجت.
........................
كان جواد برفقة رجاله خارج مصر في دولة أجنبيه ينظر للمبنى الموجود أمامه والذي يتم إحتراقه كليًا .. كان ينظر بقسوة للمبنى الذي تلتهمه النيران بالكامل ثم أمسك بهاتفه وقام بفتحه ولم ينتبه للرسالة التي آتته وقام بكتابة رسالة نصية للرقم الذي أرسل له الرسالة السابقة قبل ذهابه للمطعم.
"One for one, and the one who started is wrongful, the next time you will be the ones who burn, my regards"
"واحدة بواحدة والبادئ أظلَم، في المرة القادمة ستكونون أنتم من تحترقون، تحياتي."
ثم أغلق هاتفه وابتعد عن هذا المكان بسيارته وبعد عدة دقائق أتت مكالمة له من هاتف أحد رجاله من القصر يريدون إخباره بشيء. أعطاه الرجل هاتفه وأخذ جواد الخبر الذي نزل على قلبه كالصاعقة! وهو موت السيد بهجت.
........................
كانت آيات القرآن الكريم منتشرة في دار مناسبات يتم فيه عزاء السيد بهجت .. كانت شمس تنظر أمامها بشرود وعينيها مازالت تخرج منها الدموع حتى الآن .. كانت صباح تجلس بجانبها تمسك يدها بقوة ولكن شمس مغيبة العقل في عالم خاص بها .. وهو تخيلها لكل لحظة كانت بها مع والدها .. إبتسامته .. ضحكاته .. ضمته لها .. تشعر بإنحناءة غريبة في ظهرها! .. تشعر أنه لا يوجد أحد بجانبها .. لقد إختفى من كان يدللها ويستثنيها عن الآخرين .. اختفى داعمها وقوتها ولن يعود مرة أخرى .. مات السيد بهجت ولن يعود! .. كان جواد يقف يأخذ عزاء السيد بهجت ويصافح الموجودين بوجهٍ شاردٍ .. يتذكر كم مرة شجعه السيد بهجت على عمله وأن يظل دائمًا في الطريق المستقيم .. ظل جواد وشمس هكذا حتى انتهى العزاء واقترب جواد من مجلس السيدات لكي يأخذ شمس ويرحلا ..
أردفت صباح عندما رأته يدخل المجلس:
"جواد بيه يا شمس جاي ياخدك."
رفعت شمس رأسها بأعين مليئة بالدموع متحدثة بنبرة مهزوزة:
"جواد."
استقامت بصعوبة بمساعدة صباح واقتربت منه ولم تشعر بنفسها سوى وهي ترتمي في أحضانه ويقوم بضمها بقوة .. أردفت بنحيب:
"بابي مات يا جواد .. أنا ماليش غيرك، ماتسبنيش .. أنا مبقاش ليا حد غيرك ماتعملش زيه وتسيبني وتمشي يا جواد أرجوك."
ربت بحنو على ظهرها بيد وشعرها بيده الأخرى كحنان أبٍ على إبنته ..
"سابني ومشي."
"ماتقلقيش، انا معاكي .. يلا نمشي."
هزت رأسها بتيه وحاوطها بذراعيه يقوم بمساعدتها في التحرك بسبب حالتها تلك وركبا سيارته .. كانت مستندة برأسها على كتفه طوال الطريق تنظر أمامها بشرود؛ أما هو فقد كان شاردًا يفكر كثيرًا بما سيحدث في الأيام القادمة فهو وبصعوبة كان يبتعد عنها لأجل مصلحتها .. ولكن الآن بعد رسالة السيد بهجت أصبحت شمس مرتبطة تمامًا به ولا يمكن أن يبتعدا تنفيذًا لوصية السيد بهجت آخر كلمات قد أرسلها له في رسالة نصية قبل وفاته ..
" خلي بالك من شمس يا جواد .. إتجوزوا وعيشوا وانسوا اللي فات أنا عايز أموت وأنا مطمن على بنتي ومش هعرف أطمن عليها غير معاك."
↚
في دولةٍ أجنبية وفي قصرٍ ضخم تحيطه الأزهار الملونة والأشجار .. كان يسير بإتجاه باب الخروج ويحيطه رجاله الذين يحملون الأسلحة ولكنهم لم يكونوا أي رجال بل كانت فرقة خاصة مدربة جيدًا وتوجد أوشمة مرسومة على أذرعهم .. يرتدون زيًا أسود وعدسات شمسية سوداء يبدو على مظهرهم الهيبة وسبب تلك الهيبة هو الشخص الذي يسير في حمايتهم .. رن هاتفه بإستمرار التقطه يقوم بالإجابة على تلك المكالمة ولكنه لم يتحدث في بدايتها علا وجهة ابتسامة غامضة ثم أردف بلغة البلد للشخص الذي يتحدث معه. (الحوار مترجم إلى اللغة العربية الفصحى)
- سيأتي إلينا في النهاية.
ثم أغلق المكالمة وأشار لأحد الحرس بالإقتراب منه.
- نعم سيد فيليب؟
- بلغ الخادمات بأنه سيكون لدينا ضيفًا مميزًا عما قريب، اجعلهم يقوموا يتجهيز القصر جيدًا لاستضافته.
أومأ الرجل رأسه ثم ذهب ينفذ ما أمره به .. خرج الرجل مع رجاله وركب سيارته التي يقودها سائقه وتمتم بهدوء وثقه:
- سنلتقي قريبًا يا جواد.
..................................
كانت مستلقية على فراش السيد بهجت تحتضن إطار صورته وتنظر أمامها بشرود بأعين تائهة، لا تصدق أنه لم يَعُد موجود! .. كيف ستمر أيامها بدونه إذا مرت من الأساس؟ .. لقد أصبحت وحدها في هذه الدنيا .. ماتت والدتها منذ صغرها والآن والدها، كيف ستعيش؟ .. يوجد بقلبها ألم كبير، تشعر أنها لا تستطيع التنفس .. كان جواد مستندًا بجسده عند باب الغرفة يطالعها بحالتها تلك .. لا يعلم كيف يواسيها .. ظل هكذا لساعات منذ أن عادا من الجنازة .. لم تأكل ولم تشرب أي شئ منذ توفى السيد بهجت .. استفاق من شروده على صوت هاتفه الذي يعلن عن مكالمة واردة ... أجاب على الهاتف دون أن تبتعد عينيه عن شمس:
- معاك.
عقد حاجبيه وأردف بتعجب وهو يبتعد قليلًا عن الغرفة:
- سرطان!.
- مع الأسف الحالة كانت متأخرة واكتشفنا إن بهجت بيه كان عارف، البقاء لله يا جواد بيه.
- شكرا لحضرتك، تعبتك معايا.
أغلق المكالمة وتنهد بصعوبة، كيف لم يخبره بهجت بحالته تلك؟! .. كان دائمًا يحمل سر بهجت لما لم يخبره أنه مصاب بالسرطان؟! .. عاد للغرفة ووجد الخادمات يحاولن أن يطعمن شمس ولكنها أبَت .. دخل الغرفة وأردف:
- سيبوها.
خرجن من الغرفة؛ أما هو فقد اقترب منها يجلس على الفراش بهدوء ثم تحدث:
- إنتِ ما أكلتيش من امبارح وده هيأثر عليكي بالسلب.
أردفت بشرود:
- أنا عايزة أموت.
عقد حاجبيه يحاول أن يكون هادئًا بسبب حديثها ذلك يعلم أنها حزينة، ولكن كلمتها تلك آلمت قلبه .. لن يستطيع أن يعيش بدونها أبدًا، قام بملئ ملعقة من الطعام يقربها نحو فمها متحدثًا:
- كلي عشان تتغذي.
لم تُجِبه ولم تتحرك ساكنة .. وضع الملعقة جانبًا على صينية الطعام ثم أمسك بيدها:
- تفتكري إن باباكي هيكون مبسوط وانتي حالتك كده؟
- بابي مات، أنا مش قادرة أتخيل حياتي من بعده.
ثم هبطت عبراتها تبكي مرة أخرى على والدها وأردفت بألم:
- إزاي يعمل فيا كده؟ إزاي يمشي ويسيبني؟ .. أنا مش قادرة، أنا قلبي بيوجعني.
وضعت يدها على موضع قلبها ثم عادت تطالع جواد ببكاء ..
- سابني يا جواد، وهو أصلا وعدني إنه عمره ماهيسيبني.
كان يفصل بينهما مسافاتٍ بسيطة، كان مترددًا .. يتمنى لو يقوم بضمها بقوة بين ذراعيه يهشم عظمها .. لطالما تمنى أن تنعدم المسافات بينهما، يتمنى أن يتذوق تلك الشفاة وها قد آتته فرصته! كانا تائهين يطالعان بعضهما .. مسافات قليلة .. فقط متبقٍ مسافات قليلة بينهما ولكن جواد ابتعد عنها على الرغم من رفض قلبه واصراره على تكسير أضلعها بين ذراعيه .. أما بالنسبة لشمس؛ فقد كانت تائهة لم تنتبه تمامًا لما كان سيحدث هي فقط تشعر أنها تحتاج جواد بجانبها لكي تستند عليه، إنتبهت له عندما عاد يقرب الملعقة من فمها ولكنها تلك المرة قامت بفتح فمها باستسلام وأخذ يُطعِمها وبعد أن انتهى من إطعامها كانت هناك بقايا من الطعام بجانب فمها اقترب منها بهدوء ووضع يده على وجنتها الناعمة يتحسسها بلطف والتقط تلك البقايا بإبهامه، كانت تطالعه بهدوء وتسأل نفسها العديد من الأسئلة، كيف لم تنتبه أن جواد كان يتعامل معها هكذا قبل أن تتعرف على طليقها؟ .. من كثرة تدخله في حياتها كانت تراه مجرد متطفل في حياتها، كيف لم ترى تعامله اللطيف معها؟ .. حاولت أن تتذكر كل مافات من حياتها .. كان تعامله لطيفًا معها ولكنها من كانت تراه مستفزًا لأنها لم تكن تريده في حياتها، غبية شمس!، استفاقت من شرودها عندما سمعت طرقات باب غرفتها .. دخلت صباح الغرفة وأردفت بابتسامة عندما رأت جواد يحمل صينية الطعام:
- إزيك يا جواد بيه؟
أردف بابتسامة:
- إزيك يا صباح جيتي في وقتك، هسيبك أنا مع شمس شويه.
هزت رأسها وعند إقتراب خروجه من الغرفة همس لها ..
- حاولي تخرجيها من اللي هي فيه.
إبتسمت ابتسامة مطمئنة له ثم خرج من الغرفة؛ أما هي فقد جلست أمام شمس تطالعها بهدوء ..
- إزيك؟
أردفت شمس بشرود:
- الحمدلله.
ظلت صباح صامته ولكنها كانت تبحث عن أحاديث تتحدث بها معها لكي تخرجها من حالتها تلك، ولكنها لم تفعل أي شئ سوى أنها قامت بضمها بين ذراعيها .. أغمضت شمس عينيها وظلت تبكي لبعض الوقت على فراق والدها وكانت صباح تقوم بتهدأتها حتى نامت بين ذراعيها .. كان جواد يقف في باحة القصر وحوله رجاله يُملي عليهم ما سيحدث في الفترة القادمة حتى قطع تركيزه رنين هاتفه المستمر .. قام بالرد على الهاتف ..
- لقيناها.
إحتدت ملامح جواد وعاد لقسوته السابقة كأن هناك أحدٌ قد أعاد إشعال جرحه مرة أخرى، ولم ينتبه لعاصم الذي دخل القصر.
كانت صباح جالسة بجانب شمس النائمة في الفراش تربت على شعرها بهدوء .. ظلت هكذا بجانبها لوقت طويل وحينما ملت اعتدلت من الفراش وخرجت من الغرفة وأخذت تتمشى في القصر قليلًا حتى توقفت عند باحة القصر لمحت جواد يقف مع شابٍ ما يتحدثان، كان عاصم يتحدث مع جواد بخصوص ماتوصل إليه ..
- إللي حصل في الفترة الأخيرة يا جواد ده طلع وراه عصابة كبيرة أوي لامه من كل الجنسيات .. مش عارفين مين دول؟ أو إيه غرضهم بس الهدف المبدأي واضح وهو تجارة المخدرات والسلاح.
كان جواد يطالعه بهدوء وهو يستمع لحديثه .. انتبه لوجود صباح ..
- اتفضلي يا صباح، محتاجة حاجة؟
التفت عاصم للخلف ينظر لمن يتحدث إليها جواد، ثم عاد ينظر إليه مرة أخرى ..
- هبقى أكلمك على التليفون نكمل كلامنا ... البقاء لله.
هز جواد رأسه ثم خرج عاصم من القصر أما جواد كان يطالع صباح بهدوء ينتظرها أن تتحدث أو تبرر سبب وقوفها بباحة القصر ..
- أنا بس مليت وقولت أتمشى شويه في القصر.
هز جواد رأسه ثم تساءل:
- شمس فين؟
- نايمة فوق.
- حاولي تفضلي معاها الفترة دي، لإني هحتاج أسافر بره مصر كام يوم ومافيش غيرك أقدر أثق فيه في وجود شمس معاه، لو ينفع تباتي معاها الفترة دي يبقى تمام.
- بس بابا.....
قاطعها بهدوء:
- ماتقلقيش من جهة باباكي، أنا هكلمه.
هزت رأسها أما هو فقد تركها وذهب للغرفة التي يبقى بها وبدأ بتجهيز نفسه للسفر.
بعد مرور بضع ساعات:
استيقظت شمس من غفوتها واعتدلت وتفاجأت ببقاء صباح بجانبها نائمة في الفراش .. اعتدلت من فراشها وذهبت للحمام لكي تستفيق قليلًا ثم عادت لفراشها مرة أخرى .. سمعت صوت طرقات على الباب ثم دخلت الخادمات للغرفة يحملن الطعام لها ..
أردفت شمس باستفسار:
- جواد بيه فين؟
إستيقظت صباح على إثر سؤالها ذلك وأجابت بنعاس:
- سافر بره مصر.
تمتمت بشرود:
- إزاي يمشي ويسيبني لوحدي؟!
أردفت صباح تطمئنها قليلًا:
- هو قالي إن في حاجة لازم يسافر مخصوص عشانها وشوية وهيرجع.
..............................
في إحدى الدول الأجنبية كان جواد يقف أمام مصحة للأمراض العقلية .. كان عقله يرفض تمامًا أنه سيجدها هنا .. لا .. بالتأكيد ليست هي .. دخل المصحة ودخل بعضًا من رجاله خلفه والمتبقين توقفوا بالخارج .. توقف أمام غرفة بيضاء وقام بفتح بابها، وأشار لرجاله بالبقاء خارجًا، دخل الغرفة وأغلق الباب خلفه، كانت هناك سيدة تحتضن دُمية قطنية لدُّبٍ صغير وكانت تنظر أمامها بشرود وتدندن بنغمةٍ للأطفال .. دندنة .. أذنه تعرفها جيدًا دندنة يستطيع تمييزها من بين كل الدندنات في العالم! .. ذلك الدُّب القطني البُنِّي يتذكره جيدًا .. ظهرت أمامه صورة مشوشة لطفلٍ يصرخ وإمرأه تصرخ بإسمه "جواد" .. ويقع الدب من يدِ الطفل وصراخ المرأة يستمر، تقدم نحوها ببطئ يشعر أن الدُنيا تضيق به حتى توقف أمامها .. كانت سيدة ذات شعرٍ بني يتخلله بعض الشعيرات البيضاء .. بشرتها كانت بيضاء كالثلج .. سوداء العينين ولكن ملأتهما التجاعيد .. تلك الملامح لم ينساها أبدًا .. أيعقل أنه قد مر أكثر من ثلاثين عامًا؟! .. اقترب منها أكثر ولم يتحدث ولكنه ظل يطالعها، انتبهت على وجوده وتوقفت عن الدندنة وطالعته باستفسار وأردفت بلغة أجنبية:
- من أنت؟
اهتزت مقلتا جواد وهو يطالعها هكذا وهي لا تعرفه .. كيف؟
- سيدة آسيا؟
تحدثت بعدم فهم:
- نعم أنا، من أنت؟
- لقد تعاهدنا على اللقاء وها قد نفذت وعدي لكِ .. لقد سافرت حول العالم كله لكي أجدكِ حتى وجدتكِ.
ذلك ما أجابها به جواد .. ظلت تطالعه ولكنها أردفت:
- أنا لا أتذكر من أنت، هل التقينا قبلًا؟
تجاهل سؤالها ثم أردف وهو يشير إلى الدمية التي بيدها وهو يعلم الإجابة مسبقًا:
- دمية من تلك؟
- إنها لطفلي جواد.
التمعت عينا جواد وتمنى لو يقبل قدمها الآن ولكنه ظل ثابتًا وركع أرضًا وأمسك بيدها:
- هل تستطيعين تحدث العربية؟! هل تتذكرين مِن أين أنتِ؟
نظرت إليه قليلًا تحاول أن تفهم مايقول وشعرت بتشتت ..
- ابتعد عني، أنا خائفة.
التمعت عيناه ثم أردف بحب:
- لا تخافي مني .. أنا صديقٌ لجواد.
تحدثت بلهفة وهي تبحث عنه بعينيها حولها:
- هل أنت جاد؟ أين هو؟ ثم إنك كبيرٌ قليلًا على أن تكون صديقة .. إن بُني في الخامسة من عمره فقط.
ظل صامتًا يطالعها بحزنٍ يقسم أنه سيجعل من فعل بها هكذا يدفع الثمن غاليًا.
أردفت بتوسل:
- أَجِبني أرجوك، أين بُني؟ لقد أخذوهُ مني .. لقد أخفوه عني .. لم يتبقى لي إلا دُميَته، أين صغيري.
- إهدأي، هو بخير لا تقلقي سوف آخذكِ له، إنه بمصر ثم إنه دائمًا يخبرني أنه يشتاق إليكِ كثيرًا .. إنه يريد رؤيتكِ أكثر منكِ.
- إذا خُذني معك إلى مصر تلك لكي أضمه بين ذراعي.
هز رأسه بابتسامة ثم أردف:
- سوف أقوم بتجهيز إجراءات خروجكِ من هنا، وسنعود سويًا إلى مصر.
كانت تبكي وهي تطالعه ومن سعادتها قامت بضمه بقوة .. شعر أنه عادَ طِفلًا صغيرًا بسبب ضمتها تلك، ضمتها أذابت كل الثلج بداخله، أشعرته أنه هشٌ تمامًا، كم اشتاق لها .. كم اشتاق لذلك الدِفئ الذي تمنى دائمًا أن يشعر به عندما كان طفل شوارع!.
................................
كانت شمس قلقة بسبب عدم إتصال جواد بها، هل يتركها هو الآخر؟ شعرت بالضياع ولكنها انتبهت على صوت صباح:
- ماتقلقيش هيرجع هو أكِّد عليا.
التفتت إليها ولكنها ظلت صامته لبعض الوقت ثم أردفت ..
- شكرا يا صباح على وجودك معايا هنا.
طالعتها باستفسار ثم أردفت:
- مافيش شُكر بينا إحنا زي الإخوات ياشمس أو ممكن أنا اللي بعتبرك زي أختي وأكتر.
أردفت بتساؤل:
- يعني مش زعلانه مني عشان اللي عملته فيكِ؟
تنهدت صباح ثم أردفت:
- مهما يحصل بينا فأنا بركن خلافاتنا على جنب وببقى جنبك.
تنهدت شمس ولم تتحدث ولكن طمأنتها صباح كأنها تقرأ مابداخلها.
- صدقيني يا شمس، جواد بيه بيحبك وعمره ماهيمشي ويسيبك
هزت رأسها..
...............................
في اليوم التالي:
ضرب بقبضة يده زجاج المكتب وأردف بغضب بلغته الأم:
- كيف يجدها؟ لقد قلت لكم أن تخفوها تمامًا عنهما.
تحدث أحد الرجال الواقفين أمامه:
- سيد ماتيوس نحن فعلنا مابوسعنا لكي لا يجدها السيد جواد والسيد فيليب، ولكن السيد جواد من وجدها أولًا.
اذهبوا من أمامي يا حثالة، ثم قام بإعادة ضبط شعره الأسود الذي يتخلله بعض الشعيرات البيضاء بيده التي تنزف .. ثم أمسك بإطار في غرفة المكتب كان به صورة قديمة لفتاة في الثامنة عشرة من عمرها ..
- آسيا حبيبتي، إنه يأخذكِ مني مرة أخرى ولكن نسخته المصغرة من تفعل ذلك، لن أسمح له بفعل ذلك حتى لو اضطررت لقتله.
↚
كانت طائرته الخاصة تحلق في سماء القاهرة .. كان يجلس بداخلها يطالع والدته النائمة بالكرسي المقابل له .. يركز في ملامحها التي ذَبُلَت وشاخَت بسبب عوامل الزمن .. مشاعره مذبذبة مابين الغضب والإنتقام وأيضًا اللهفة والإشتياق، مشاعر مختلطة تعصف به من الداخل يتمنى لو يخبرها أنه هو جواد طفلها البريء الذي تلوثت براءته وأصبح ذلك الشيطان الذي يجلس أمامها .. أغمض عينيه يتنهد بعمق .. يكفي في الوقت الحالي أن تكون والدته أمام عينيه والباقي سيتصرف به، بعد مرور عدة دقائق كان يَجُّر أمامه الكرسي المتحرك التي هي نائمة عليه يسير بإتجاه باب الفيلا التي يسكن بها، استقبلته الخادمات واللواتي سيبيقون معها لخدمتها .. وضعها على فراشها بحرص وجلس بجانبها يمسك بيدها .. يريد أن يسألها عن الكثير والكثير .. يعلم تمامًا أن كل أجوبة أسئلته عندها هي .. يريد أن يعلم من فعل بها ذلك؟ ومن والدُه؟ وكيف تركهما هكذا طوال تلك السنوات؟، بداخله الكثير لكي يسألها عنه، ظل هكذا بجانبها يمسك بيدها يمسد عليها بحنان تارة ويقبلها تارة أخرى، وأخيرًا قد تركها بعد أن قام بتقبيل مقدمة رأسها، خرج من غرفتها وقابل إحدى الخادمات وأردف بهدوء:
- خدوا بالكم منها كويس.
أومأت الخادمة تنفيذًا لأوامره ثم خرج من الفيلا ليس لديه الشجاعة الكافية لكي يخبرها أنَه طفلها، ستعلم أنه هو بمجرد إستيقاظها، لأن الخادمات سيخبرنها بذلك وسيكون مستعدا للمواجهة ولكن عندما تتريث في تفكيرها قليلًا.
كانت مرتدية منامة حريرية بحمالة رفيعة وممددةً على فراشها تنظر أمامها بشرود لقد غاب عنها جواد كثيرًا، هل يُعقل أنه تركها للأبد؟ لا إنها لا تستطيع العيش بدونه .. يكفي ماخسرته لا تستطيع أن تخسره هو أيضًا .. استفاقت من شرودها على صوت طرقات خفيفة على باب غرفتها، لم تُجِب ولم تسمح لأحدٍ بالدخول .. تريد أن تبقى وحدها .. ولكن الطارق لم ينتظر إذنها حيث قام بفتح الباب .. تحولت ملامحها إلى الدهشة والسعادة عندما وجدت جواد يقف أمامها بملامحه الغاضبة والهادئة في آنٍ واحدٍ .. ركضت صوبه لتدخل بين ذراعيه شاعرة بالسعادة.
- أخيرًا رجعت.
تشعر بالأمان وهي بين ذراعيه هكذا .. ابتعدت عنه مسافات قليلة تطالعه بابتسامة لطيفة ارتسمت على ثغرها دون إدراكها عن ما ترتديه أمامه، كان يطالعها بهدوء، هيئتها الرائعة تلك ومنامتها الحريرية الناعمة وشعرها المنسدل على كتفيها وظهرها .. لقد كان يتمنى مظهرها ذلك في بيتهما .. كان لديه الكثير من الخيالات عندما كانت حياته تقتصر عليها فقط، ولكن الآن مع الأسف تغير كل شيء! .. أبعد عينيه عنها بصعوبة وتحدث بهدوء عكس العاصفة الهوجاء التي بداخله:
- غيري هدومك عشان رايحين للمحامي، المفروض إن في ميعاد النهاردة بخصوص وصية والدك.
هزت رأسها وهي تطالعه باشتياق ولكنه تركها وخرج دون أن يتحدث بكلمةٍ واحدةٍ إضافية، بعد دقائق كانت تنزل على أدراج القصر وهي ترتدي ثوبًا أسود طويلًا بأكمامٍ وكانت تلُفُ وشاحًا شتويًا لونه أسود حول ذراعيها لعلها تشعر بالدفء قليلًا من خلاله فعلى ما يبدو أن الطقس في الخارج بارد، ولم تضع أيٌ من مساحيق التجميل في وجهها .. كانت ملامحها بريئة للغاية..
كان يطالعها بتركيز مع خطوة تقتربها نحوه .. إنها مصرة على تحطيم حصونه دائمًا .. توقفت أمامه وأردفت بابتسامة هادئة.
- أنا جاهزة.
هز رأسه ثم سبقها وتبعته في صمت .. جلسا سويًا بسيارته وحل الصمت بينهما طوال الطريق ولكن بداخلهما الكثير من الكلام والنقاشات .. ظلا هكذا حتى وصلا إلى مكتب المحامي الخاص بالسيد بهجت.
في مكتب المحامي:
جلس الإثنان بمكتب المحامي يطالعانه ينتظران حديثه .. كان جواد جالسًا بلامبالاة واضعًا قدمًا فوق الأخرى يعلم جيدًا أنه سيحدث الكثير من الحدة بينه وبين شمس اليوم.
تحدث المحامي بابتسامة وهدوء:
- طبعا أنا ماحبتش أعلن عن الوصية بتاعة بهجب بيه إلا لما تكونوا إنتوا الإتنين موجودين ماينفعش حد يكون موجود والتاني لا .. لإن الوصية دي إنتم أطراف أساسية فيها.
ظل جواد صامتًا ينتظره أن يلقي ما بجعبته .. أما بالنسبة لشمس فقد أعطت كل حواسها لما سيقوله المحامي الآن.
تنهد المحامي وقام بفتح الوصية.
- صغاري الأعزاء .. جواد وشمس أكتب تلك الوصية وأنا أعلم تمامًا أنكما لن تخذلاني فيما سأقول .. من المعروف أن شمس سترث مني كل شئ حسب شرع الله ولكن هناك بعض الأشياء قد كتبتها بإسم جواد لأنه بمثابة بُني الذي لم أُنجبه...
ظلا يستمعان بهدوء لتوزيع التركة حيث أنه من المفترض أن بهجت قام بكتابة نصف ثروته لجواد والباقي لابنته. وعلى عكس توقعات جواد كانت ملامح شمس هادئة ومبتسمة كأنها ممتنة لوالدها لأنه أدخل جواد في حياتها.
- ونيجي على آخر بند في الوصية.
أراد جواد أن يخرج من المكتب لا يريد أن يسمع ماهو البند الأخير لأنه يعلمه تمامًا .. حاول أن يتجاهل رسالة بهجت التي تركها له قبل موته .. لا يستطيع أن يعيش مع ألم قلبه مرة أخرى، يستحيل..
- تعلمان جيدًا أن أمنيتي في الحياة كانت زواجُكُمَا والذي أتمنى الآن أكثر من ذي قبل أن يتم، أتمنى أن تتزوج بشمس يا جواد، لأنني لن أطمئن عليها مع غيرك، أنا أثق بك تمامًا أنك لن تخذلني.
توقف جواد وكان سيخرج ولكن أوقفه صوت المحامي.
- جواد بيه، أتمنى إنك تنفذ وصية بهجت بيه، كان دايمًا بيعتبرك أقرب حد ليه.
توقف جواد بمكانه لعدة ثوانٍ والتفت بهدوء للمحامي متجاهلًا نظرات شمس المعاتبة له وأردف بابتسامة غامضة:
- وهو كذلك.
ثم وجه حديثه لها صارًا على أسنانه:
- اتفضلي قدامي يا مدام شمس.
شعرت بثقل داخل قلبها بسبب ابتسامته الغير مُريحة تلك، استقامت من مقعدها وتبعته .. غابت الشمس وحل محلها الظلام وأمطرت السماء مطرًا شديدًا وكانت سيارة جواد مثل السيارات الأخرى ينلن من المطر نصيبهم في الطريق المزدحم .. كانت شاردة تتساءل لماذا يتعامل معها هكذا؟ هل بتلك السرعة تغيرت طريقته معها لمجرد أن والدها سيقوم بتزويجها إياه رغما عنه؟
كان الصمت يخيم في السيارة والصوت المسموع هو صوت هطول الأمطار الشديدة بالخارج حتى قطع هذا الصمت صوتها الحزين.
- إنت مش مُجبر تتجوزني.
- أنا مابعملش حاجة غصب عني.
التفتت إليه تطالعه كان ينظر أمامه دون الالتفات نحوها ..
- أومال ليه حسيت هناك إنك مُجبر تتجوزني؟
تحدث بوقاحة قاصدًا جعلها تتألم يطالعها بنظرات غريبة:
- كنت عايز أبقى أول راجل يلمسك، مابحبش أدخل على شغل غيري، بمعنى أصح مبحبش آخد حاجة مستعملة.
شعرت بتحطيم قلبها كيف يتحدث معها هكذا؟ لقد أشعرها أنها فتاة ليل تتنقل بين ذاك وذاك!!
أردفت بثبات مانعة إطلاق صراح عبراتها وهي تطالعه:
- انت مش مُجبر تتجوزني، وبعدين المفروض تسألني عن رأيي أنا إذا كنت عايزاك ولا لا؟
أردف ببرود:
- لو مكنتيش عايزاني يبقى مكنش زمانك حضنتيني النهاردة في أوضتك وانتي لابسة قميص النوم، أنا جاهز في أي وقت حتى لو بالجواز منك مافيش مشكلة، عشان وقت ماتعوزيني أكون موجود.
ظل يطالعها يتفرس ملامحها الحزينة يعلم أنها تحاول أن تقوم بالرد عليه بأي طريقة إنها شمسُه البريئة التي يعلمها جيدًا، توقفت السيارة بإشارة مرور وهنا انتهزت فرصتها لكي تخرج من السيارة وبالفعل خرجت وتحركت بين السيارات تَركُض واستسلمت لعبراتها حيث أنها انهارت تمامًا وهي تركض أسفل المطر الشديد ابتُل وشاحها وشعرها وجميع ثيابها وهي تبكي بانهيار .. لا تدري أين تركض، لقد أصبحت يتيمة بالفعل، كانت تظن أنه مازال يُحبها، لقد خذلها كثيرًا، توقفت بأحد الممرات في الشوارع ووضعت يدها على موضع قلبها الذي ينبض شدة من ركضها وأيضًا من ألم قلبها وصرخت بألم لعل الألم الذي بداخلها يخرج مع صرخاتها تلك .. ظلت تبكي أسفل المطر الذي يهطل بغزارة، أثناء بكاءها انتبهت لمن ضمها من الخلف .. كان هو .. كانت رائحته التي تعلمها جيدًا .. لم تلتفت له ولم تتحدث، ولكنه أجبرها على الالتفات إليه ثم أردف بهدوء والمطر الغزير يُبلل شعره الأسود:
- كل حاجة وليها سبب.
تجاهلت حديثه وأردفت ببكاء:
- أرجوك، قول إن الكلام إللي انت قولتهولي في العربية ده إنك ماتقصدهوش .. جواد ماتصدمنيش فيك .. ماتخلنيش أتأكد إني يتيمة بجد، أنا كنت معتمدة على وجودك في حياتي لإني من غيرك حياتي مش هيبقى ليها لازمة، أنا لحد الآن كويسه عشان متأكدة ومتطمنة إنك معايا.
أردف وهو يطالعها:
- جرحي منك لسه زي ماهو ياشمس، قلبي عايز يكسرك زي ماكسرتيني.
- غصب عني يا جواد، أنا مكنتش أعرف ولو كنت عرفت قبلها كانت حاجات كتير اتغيرت.
- كلامنا دلوقتي مش هيغير حاجة ياشمس، إللي حصل حصل.
ابتعدت عنه ولكنه أمسك بذراعها وقربها نحوه وأردف:
- يلا عشان أروحك.
أردفت بصراخ وبكاءٍ في آنٍ واحدٍ:
- ابعد عني أنا مش عايزاك، أنا بكرهك.
ظل متمسكًا بها حاولت ابعاده عنها بكل الطرق حتى أنها صفعته على وجهه ولكنه لم يكترث ظلت هكذا تقاوم حتى خارت قواها بين ذراعيه وظلت تبكي، وهو يربت على شعرها المُبتل..
كررت كلمتها مرة أخرى وهي تدفس وجهها في صدره:
- أنا بكرهك.
ابتسم وهي بين ذراعيه وشدد من ضمته لها، تنهدت بارتياح وتشبثت بجسدة أكثر، ظل يُرَدِد مهدئا إياها:
- كل حاجة وليها سبب .. كل حاجة وليها سبب.
أردفت بصوت متحشرج:
- محتاجة أعرف أسبابك دي.
رفع وجهها بسبابته يطالعها بحب خفي:
- قريب هتعرفي، بس بعد جوازنا.
............................................
في مكانٍ آخر في دولةٍ خارج مصر:
كان ماتيوس يقف بمكتبه ينتظر الخبر الذي أقلق نومه منذ أن اختفت .. اقترب منه أحد رجاله متحدثًا.
- لقد وجدناها .. إنها بمنزله وجاءتنا أنباءٌ أيضًا أنه سيتزوج قريبًا.
أردف بشر:
- سوف أجعله يموت من القهر على زوجته، لن يهنأ بها ثانية واحدة.
.............................................
كان فيليب يقوم باصطياد الغربان في غابةٍ ما وعندما وقع غراب على الأرض اقترب نحوه وأخذ يبحث عن غيره ولكنه انتبه على إحدى الأشجار والتي تم حَفْرُ بعض الأسامي عليها وأيضًا رُسِم قلب يخرج منه سهمين كل سهم يشير لإسم .. تنهد وارتسم الحزن على ملامحه وهو يتذكر زوجته الراحلة والتي لم يجمعهما سوى عدة أشهر بعد زواجهما ثم بعد ذلك أتاه خبر وفاتها!
كانت تقوم بالنحت على الشجرة بسعادة تملك قلبها فهي وأخيرًا اجتمعت مع حبيبها .. ولكن قاطعها عن عملها ذلك هو ضمه لها وهو يقبل رأسها، تحدثت باللهجة المصرية بسعادة:
- سيبني بقا يا فيليب.
أجابها بلهجته المصرية المنكسرة قليلًا:
- مش هسيبك.
ثم أكمل بلغته:
- لا تتركيني مرة أخرى وأنا نائم هكذا لقد شعرت بالخوف عندما اختفيتي من جانبي.
التفتت إليه تطالعه بحب:
- متخفش، محدش هيخطفني منك يعني، طول مانا معاك يا فيليب أنا واثقة إني هكون في أمان.
قبل وجنتيها ثم قرب وجهه منها حيث أسند جهته على جبهتها هي الأخرى وأردف:
- سأموت لو اختفيتي مرة أخرى.
أجابته بلغته هو:
- لا تقلق حبيبي، أعدك أن لا أتركك أبدًا.
ثم عاد الإثنان ينظران للكلمات المحفورة على جذع الشجرة والمكتوب بداخل قلب قد نُحت عليها ..
Asia loves Philip""
استفاق من شروده في ذكرياته وانتبه لعبرته التي خرجت من مقلتيه .. لقد مرت حوالي خمسٌ وثلاثون عامًا على فراقها يا الله يشعر أنه كالأمس .. منذ فراقها لم يرى الشمس في حياته أبدًا .. ظل مسجونًا في أحداث اليوم الذي توفت به.
انتبه على أحد رجاله يقف خلفه ويتحدث باحترام ووقار:
- يبدو أن السيد ماتيوس منشغلٌ في الفترة القادمة .. حيث ترك بعض المناقصات المهمة، وقد وصلنا أنه سيذهب إلى مِصر في الفترة القادمة.
ارتسمت ملامح اللهفة والاشتياق عندما سمع إسم مصر والتي تذكره بالعديد من الذكريات عن زوجته المتوفاة والتي هي مصرية الجنسية..
فكر فيليب في حديث الرجل جيدًا ثم التفت متحدثًا إليه:
- راقبوه جيدًا وأَعْلِمونِي بجميع خطواته القادمة.
هز الرجل رأسه، تنهد فيليب وهو ينظر للشجرة مرة أخرى ثم عاد يرتدي عدساته الشمسية مرة أخرى وخرج من الغابة وخلفة باقي رجاله.
..............................................
كانت تقف أمام مرآتها ترتدي ثوبًا أبيض ولكنه ليس بثوب زفاف إحترامًا لموت والدها الذي لم يُكمل شهرٌ على وفاته، لا تُصدق تمامًا أن اليوم هو عقد قرانها هي وجواد .. لم تكن تعتقد أنها ستصل لذلك اليوم بتاتًا .. وخاصة بعد حديث جواد الجريء لها في ذلك اليوم الممطر .. ولكنه بعد ذلك أصبح لينًا قليلًا معها .. يختفي كثيرًا ولكنه على الرغم من ذلك يقوم بزيارتها لكي تطمئن، كانت صباح تقف بجانبها ترسم إبتسامة بشوشة على وجهها .. سعيدة كثيرًا لأنها صديقة العروس .. تعلم جيدًا أنهما لم يريدا أن يقوما بعمل زفاف ضخم بسبب وفاة السيد بهجت فقد إكتفيا بعقد قرانٍ يحضره المعارف فقط .. وقف جواد أمام غرفتها بالفندق شاردًا يشعر أنه في متاهة كان يتمنى شيئٍا آخر مختلف .. كان يتمنى لو يصرخ للعالم كله يخبره كنم أنه سعيد أنه سيتزوج شمسه ولكن الآن الوضع مختلف .. تزوجت غيره وطلقها منه والآن هو سيكون زوجها .. هل سيتغير شيء؟ هل ستتزوجه لأنها راغبة في ذلك؟ أم لأنها بحاجته فقط؟ .. هل تحبه؟ .. مشاعر مبعثرة تشوشه ولكنه استفاق عندما فُتِحَ الباب وكانت تقف أمامه بهيئتها الجميلة البريئة الهادئة .. كم تمنى لو استطاع أن يقوم باختطافها بعد عقد قرانهما وذلك ماينوي على فعله وسيرمي الماضي خلفه .. اليوم سيجتمعان.
أمسك بيدها مبتسمًا لها بهدوء وتحركا وخلفهما صباح تمشي بسعادة خلفهما ظلا يسيران حتى وصلا عند المائدة التي سينعقد عليها عقد قرانهما جلسا وكان الشهود موجودين ومن ضمنهم صديقه عاصم .. بدأ عقد قرانهما وفي غضون دقائق أصبحت شمس زوجته شرعًا وقانونًا، وبعد انتهاء عقد القران كان ممسكًا بيدها لم يتركها أبدًا، ولكن شمس كانت تشعر بالضيق قليلًا من فستانها، حيث أن هناك عقدة داخل الفستان تضايقها، انتبه لها عندما تركت يده حرك رأسه في استفسار .. اقتربت منه تهمس له ..
- هعدل الفستان وهاجي تاني.
هز رأسه وظل يلاحقها بعينيه حتى صعدت إلى غرفتها .. التفت إلى عاصم الذي اقترب منه وبدأ حديثه:
- ناوي على إيه الفترة الجاية؟
أردف جواد بهدوء:
- هنشوف الأيام جاية وهنعرف إيه اللي مستخبي .. وشكل الإجتماع بتاعهم قرب وهنشوف وقتها.
هز عاصم رأسه بجديه ثم وقعت عينيه على صباح التي تقف بجانب والدها ووالدتها تتحدث معهم .. ربت جواد على كتفه جعل عاصم يلتفت إليه مرة أخرى.
تحدث إليه هامسًا:
- صباح لسه صغيرة.
أردف عاصم بسخرية:
- على أساس إن مراتك مش صغيرة هي كمان؟
عقد جواد حاجبيه ونظر إلى ساعته ولاحظ تأخير شمس.
- هرجعلك تاني.
ذهب إلى غرفتها وقامت بفتح بابها ولكنه تفاجأ بأنها غير موجودة بها ذهب للحمام يبحث عنها ولكنه كان فارغًا .. شعر أنه سيُجَّن أين هي؟!
عاد للغرفة مرة أخرى وانتبه تلك المرة للثوب الذي كانت ترتديه ولكن تلك المرة كانت تملأوه الدماء! .. اقترب من الثوب والتقطه يتحسسه بهيستيريا إن الدماء حديثة، وجد به ورقة كُتِبَت بها جُملة باللغة الإنجليزية.
- "See you soon in Russia, we wish you happy marriage"
صمت يحاول أن يستوعب ماحدث لقد حدث ماكان خائفًا من حدوثه ارتجف جسده عند ذلك الاستيعاب .. لقد أخذوها منه! .. لقد حرموه منها!!، صرخ بإسمها بأقصى طاقة بداخله.
- لا .. لا .. شمس!.
↚
كان يصرخ بقوة بإسمها وهو يمسك ثوبها الذي كانت ترتديه قبل عدة دقائق والذي يمتلئ بدماءٍ حديثة .. اقترب منه عاصم يحاول أن يقوم بتهدأته ولكنه دفعه يضم الثوب بهيستيريا شديدة .. كانت تقف عند باب الغرفة لا تستوعب مايحدث وتتساءل أين شمس؟ ولماذا ثوبها بيد جواد ولمن تلك الدماء؟ ... انهمرت عبراتها مصدومة بسبب ما حدث.
كان عاصم يقرأ الورقة الممتلئة بالدماء وآلمه قلبه على ماحدث، بعد أن كان صديقه وأخيرًا سعيدًا بزواجه من حب حياته أصبح الآن يبكي كالطفل عندما أخذوها من بين يديه.
أخرج عاصم هاتفه من جيبه:
- بسرعة عايز القوات تنتشر في المطار في جريمة خطف تمت والمجرم هيهرب بره مصر.....
ثم صمت قليلاً وأكمل وهو ينظر إلى جواد المصدوم لفقدان حبيبته واستأنف:
- إحنا بنتعامل مع مافيا روسية....
أخبرهم بجميع التفاصيل وأرسل صورة شمس لهم، وانتبه عاصم لهاتف جواد الذي يُصدر رنينًا عاليًا باستمرار ولا يتوقف.
اقترب عاصم من جواد مرة أخرى يحاول تنبيهه بالإجابة على هاتفه ولكنه لم يستجِب له.
عاصم بغضب:
- جواد أنا بكلمك.
لم يجِبه واضطر عاصم إلى صفعه بقوة لكي يستفيق، طالعه جواد بعدم استيعاب ممزوجًا بصدمته.
عاصم بغضب:
- تليفونك.
أخذ جواد يتحسس جيبه بيده المليئة بالدماء ثم أخرج هاتفه منهم ثم قام بفتح الخط يستمع لما قيل له والذي زاد صمته كثيرًا.
أمسك بثوبها بقوة وعلا الغضب والكُره ملامحه ثم اعتدل يحاول الوقوف بسرعة وهو يمسك هاتفه يحاول الخروج ولكن عاصم أوقفه.
عاصم:
- في إيه يا جواد؟
ولكن جواد سحب يده بعنف وخرج من ذلك المكان وتبعه عاصم ولكن أوقفته صباح وهي تبكي:
- أرجوك طمني على شمس يا حضرة الظابط؟
تنهد عاصم ثم أردف بهدوء:
- هعمل كل اللي أقدر عليه وهوصل ليها إن شاء الله.
توقف أمامها لعدة ثوانٍ لا يعلم ماذا يفعل فبكاءِها ذلك يجعله يكره نفسه، ولكنه قرر أن يذهب لكي يلحق بجواد والذي صعد سيارته وأصبح يقودها بسرعة شديدة وتبعه عاصم أيضًا بنفس السرعة حتى وصلا إلى الفيلا الخاصة به والتي لم تعد فيلا بل أصبحت مبنى مهجور بسبب الطلقات النارية الموجودة على جدرانه وأيضًا الجثث الملقاة حوله.
تقدم بثبات وهو يضغط بقوة على ثوبها ويذهب في طريقه لغرفة والدته والتي لم تعد موجودة بها.
تقدم نحو كُرسِيها المتحرك الفارغ والذي يوجد بها ورقة صغيرة، أمسك وقام بقراءتها:
"I have my beloved back, don't even think of looking for her again or I will kill your wife."
"لقد استعدت حبيبتي ولا تفكر أن تبحث عنها مرة أخرى وإلا سأقتل زوجتك"
أخذ يتحسس الكُرسي بشرود بيدٍ وبيده الأخرى يضغط على ثوب شمس الذي مازال ممسكًا به حتى الآن.
- هما بيتكلموا عن مين؟
ذلك ما تساءل به عاصم وهو يقرأ الورقة الموجودة على الكرسي.
تحدث جواد بشرود:
- قصة قديمة.
ثم تركه وخرج من الفيلا يقصد المطار لكي يحاول أن يعيدهما قبل أن تكونا خارج مصر وتبعه عاصم.
ظل جواد يبحث عنهما في المطار ويجعل رجاله يراقبون كل شئ .. وأيضًا عاصم كان مع قواته يقومون بالتحقيق ولكن لم يصلوا لشيء!.
مرت الأيام وكان جواد يقاوم ألمه في فقدانهما .. كان يبحث عنهما بهيستيريا، حياته كانت تقتصر على وجودهما بجانبه ولكن كيف يختفيان هكذا بعدما أصبحا معه؟ .. لم يترك أي مكان .. كان يتمنى أنهما لم يغادرا مصر ولكنه لم يجدهما.
بعد مرور سنة من الألم والمعاناة والحزن وأيضًا الرغبة في الانتقام.
في صباحِ يومٍ مشرقٍ بدولة روسيا .. استيقظت بتكاسل من نومها وشعرت بوجود شئ يطبق على صدرها، انتبهت لوجود دفتر مذكراتها، ابتسمت عندما تذكرت أنها نامت دون أن تشعر وهي تكتب مذكراتها، تنهدت وأخذت تفتح الكتيب تقرأ آخر ماكتبته.
الحوار مترجم من الروسية إلى العربية:
- في بعض الأحيان أشعر أنني لست أنا، أشعر أنني وحيدة بذلك العالم وليس لي أحد، أشعر أنني في كل لحظة وكل يومٍ يمر عليّ قلبي يؤلمني بشده هناك شئ ما في الأرجاء يجعل قلبي يصرخ لطلب النجدة منه، لا أعلم ماذا يحدث لي في الآونة الأخيرة .. ثم إن العم فيليب يتفاخر ويخبرني دائمًا أنني إمرأة ذو شأن لا يجب أن أحزن ويكفيني أنه عمي.
قهقهت بخفة عندما تذكرت حديثه معها أمس وهي تبكي بسبب عدم رغبته في الخروج مع صديقها في ذلك الوقت المتأخر من الليل، هزت رأسها بيأسٍ ثم خرجت من فراشها بتكاسل ووضعت مذكراتها على الكومود بجانب الفراش وذهبت للحمام لتستحم وتتجهز ليومٍ جديدٍ في حياتها.
كان فيليب يجلس في غرفة إجتماعات ضخمة في قصره ويتحدث بهدوء لجميع الجالسين أمامه والذي من بينهم ماتيوس.
- الإجتماع سيُقام بإحدى القاعات المعروفة بروسيا.
صمت قليلًا ثم استأنف...
- ولكنه سيكون مختلفًا قليلًا، سيرتدي الجميع قناعًا للوجه لأننا نريد أن نحتفظ بهوية من يعملون معنا حول العالم، وذلك ليس اقتراح بل هو أمر، هز الجميع رؤوسهم إمتثالًا لأمره.
- يمكنكم أن تذهبوا الآن لا أريد من عزيزتي أن تستيقظ وتجدكم هنا.
أردف فيليب بتلك الجملة بوقاحة، تحدث ماتيوس بتساؤل وخبث:
- لم نكن نعلم أن لديك حبيبة أيها العجوز الوقح؟
صمت فيليب يطالعه بهدوء ثم أردف:
- ليست حبيبتي إنها إبنة أخي.
أردف ماتيوس بذهول:
- هل عاد أندريه؟
تحدث فيليب بابتسامة باردة ونظرة تحذيرية:
- لا ابنته فقط من عادت، ولا تنسَ نفسك وأنت تتحدث معي مرة أخرى.
ثم نظر للجميع وأشار لهم برأسه أن يرحلوا.
رحل الجميع وتوقف فيليب أمام حائط زجاجي في تلك الغرفة ينظر أمامه بشرود، يتذكر ذكريات مر عليها عقود ذكرياتٍ لن تُنسى أبدًا، تنهد بثقل وأغمض عينيه قليلًا ولكنه انتبه لمن احتضنته من الخلف.
ابتسم بحب ثم أردف:
- صباح الخير صوفيا.
- صباح الخير عمي.
ثم قبلته على وجنته، التفت للخلف يطالعها بهدوء فهي ومع الأسف تذكره بزوجته الراحلة .. يوجد الكثير من الصفات المشتركة بينها وبين زوجته.
- إلى أين تذهبين؟
أردفت بهدوء:
- لدي دروس رقصٍ اليوم، وبعدها أفكر أن أذهب لأقابل دانييل بعدما أنتهي.
فيليب بضيق:
- ذلك الفتي مرةً أخرى؟
- عمي أريد أن أخبرك شيئًا واحدًا، أقسم لك أن دانييل لديه حبيبته هو فقط صديقي .. نخرج معًا فقط ليس إلا.
- لما لا تخرجين مع فتاةٌ مثلك هذا أفضل لك؟ ثم لا تأمني للرجال مهما حدث .. حتى المتزوجون عزيزتي، الغالبية منهم يخونون زوجاتهم مع صديقاتهم، إنهم يمثلون مقولة إمرأةً واحدةً لا تكفي، انتبهي لنفسك.
اقتربت منه ثم همست:
- لا تقلق؛ فإن معي رذاذ الفُلفل والصاعق الكهربائي ابنة أخيك ليست أي فتاة.
- وأنا أثق بكِ يا فتاة.
ثم قبل مقدمة رأسها وقام بضمها بقوة.
- أحبكِ كثيرًا.
- وأنا أيضًا.
خرجت من القصر وأوصلها رجال فيليب حيث ستذهب .. أما بالنسبة لفيليب فقد أرسل رسالة من هاتفه يحدد فيها موعد الإجتماع الخاص بزعماء المافيا في العالم وسيتم الفصح عن العنوان قبل الإجتماع بثلاث ساعات.
...............................
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في مصر:
في قصر جواد (قصر السيد بهجت سابقًا):
كان يقسو على جسدة في التمارين القاسية حتى أصبحت عضلات جسده قاسية جدًا، تغيرت ملامحه إلى الأسوأ انتشرت الهالات السوداء حول عينيه .. مرت سنة ولم يتحدث كثيرًا منذ إختفاءهن .. فقط كل مايفعله خلال تلك السنة العمل والبحث عنهن وفي النهاية لا يستطيع إيجادهن.
انتبه لوصول رسالة نصية على هاتفه باللغة الإنجليزية تُفيد بموعد وعنوان الإجتماع والحضور يكون بقناعٍ على الوجه.
عقِدَ حاجبيه بغضب، ها قد حان اللقاء فقد مرت فترة طويلة وهو يخطط لنهايتهم وسيُمحِيهِم جميعًا حتى لو في ذلك موته أو سجنه مدى الحياة سيقتلهم كلهم.
قام بالانتهاء من تمارينه القاسية وخرج من الغرفة يقوم بالتواصل مع أحدٍ ما ثم أردف:
- هسافر روسيا الفترة دي إلغوا أي إجتماعات لمدة شهر كامل.
ثم أغلق الهاتف وذهب لغرفة نومه هو وشمس ودخل الحمام ليستحم ويتجهز للسفر .. دخل الحمام الزجاجي و قام بفتح صنبور المياة والذي جعل المياة تُصَّبُ عليه من جميع الجهات، استند على زجاج الحمام بكفي يديه وأغمض عينيه بإرهاق وهو يحاول الهدوء ثم ومن أين له الهدوء وقد اقترب موعد لقاءه مع حبيبته ووالدته، أخذ نفسًا عميقًا يتذكر ويتأمل ملامح شمس التي غابت عنه وعن قلبه كثيرًا .. لقد اشتاق لها كثيرًا، لماذا يحدث شيئًا يفرقهما عندما يجتمعان؟ لقد أقسم عندما يجدها لن يتركها ترحل أبدًا .. ارتسمت إبتسامة ضعيفة على وجهة وهو يتذكر شجارهما الأخير ظل هكذا شاردًا يتذكرها بملامحه المظلمة وبعد أن انتهى من حمامه قام بتجهيز جواز سفره وأيضًا حقيبة ملابسه .. وقام بحجز رحلة لروسيا عن طريق الإنترنت والتي ستكون بعد ساعتين، مرت الأيام وكان جواد يحاول أن يُدرِسَ الأماكن بروسيا بمفرده ولكن أثناء دخوله الفندق انتبه عندما لاحظ أن هناك أحدٌ ما يراقبه لم ينتبه لملامحه ولكنه تظاهر بأنه لم ينتبه إليه وصعد للطابق الذي توجد به غرفته وسار في ممر الغرف وكان يسمع وقع خطوات خلفة وفجأة التفت للخلف وهو يمسك عياره الناري مستعدٌ لإطلاق النار.
- ده أنا .. إهدى يا جواد.
كان عاصم يقف أمامه يرفع يديه، عقِد جواد حاجبيه بغضب:
- إنت بتعمل إيه هنا؟
- بقالك فترة مختفي وعرفت من شركتك إنك لغيت إجتماعاتك كلها عشان مسافر روسيا وجيت وراك.
أعاد جواد عياره الناري إلى سترته واتجه نحو غرفته وفتح الباب وتركه مفتوحًا لعاصم.
- لحد إمتى هتفضل كده؟
تساءل عاصم بشفقة على حال صديقه.
أردف بفحيح:
- لحد ما أجيب حقي منهم كلهم.
- مش هتعرف لوحدك .. أنا لازم أكون معاك عشان أساعدك .. مش هتقدر عليهم لوحدك، ده إنت حتى ماجبتش رجالتك معاك يا جواد! .. انت مستني إيه؟ ترجعلي ميت؟
لم يُجبه..
- طب على الأقل رد عليا؟ ماتحسسنيش إني حيطة بالنسبالك، خلي رجالتك ييجوا هنا عشان يقدروا يحموك.
تساءل جواد بهدوء:
- إنت سايب شغلك ليه؟
- لا مش سايب شغلي، أنا فعلا في شغلي.
طالعه جواد باستفهام وأردف عاصم بتوضيح:
- الوزارة باعتيني هنا عشان أحقق ورا المافيا الروسية .. مصلحتنا مشتركة.
جواد بسخرية:
- يعني مش جاي ورايا زي ماقولت.
أردف عاصم بإبتسامة هادئة:
- إنت هدفي التاني يا جواد متنساش إنك واحد منهم، والسنة اللي عدت دي انت نفذت أغلب مخططاتهم الغير قانونية.
إتسعت إبتسامة جواد وهو يسمع تهديد صديقه المباشر له.
- متنساش إن أنا مش محتاج أتعاون مع حد عشان أبقى مُجرم، أنا مُجرِم من زمان وانت عارف ده كويس.
ظل الإثنان يتحديان بعضهما بالنظرات ولكن قاطع نظراتهما تلك صوت رنين هاتف جواد.
التقط هاتفه ينظر من المتصل ولكنه كان ذلك الأحمق الذي يُدعى ساجد قام بفتح المكالمة.
- أيوه يا زعيم، جبتلك شوية معلومات فلة أوي.
ارتسم الخبث على ملامح جواد وهو يسمع تلك المعلومات المفيدة بالنسبة لمخططه وطالعه عاصم بتعجب ولا يدري مع من يتحدث.
يوم الإجتماع:
"هل أنتم مِثلي؟ هل ستكونون سعداء عندما يكون عمكم هو رئيس زعماء المافيا الروسية؟ أعتقد لا؛ فأنا من موقعي هذا أخبركم أن ذلك أشدُّ خطورة .. اليوم سأحضر حفلة تضم جميع زعماء المافيا .. خائفة؟! أجل .. ولكن ليس منهم .. أنا خائفة لأن قلبي يدُّق بعنف فأنا أخاف التجمعات .. ولكن لا بُد من ذلك فأنا وريثة عمي وأبي."
أغلفت دفتر مذكراتها متنهدة بعمق وبدأت تستعد لتلك الحفلة وحرصت على أن تكون أنيقة حتى القناع الذي سترتديه سيصرخ من الأناقة أيضًا.
في المساء:
كان فيليب يرتدي حُلة سوداء تُظهر أناقته وجاذبيته كرجل ستيني ولكنه يبدو كرجل أربعيني بسبب جسده القوي فقط ما يُظهر أنه عجوز هو شعره الأبيض الذي به بعض الخصلات السوداء، أمسك بقناعه الأسود الذي يخفي وجهه بالكامل وقام بارتداءه واستعد للخروج من غرفته ليتابع حضور الضيوف والذين جميعهم يرتدون أقنعة ولم يكونوا جميعهم رجالًا فقط بل نساءًا أنيقاتٍ أيضًا من مختلف الجنسيات، جميع من بالقاعة ملامحهم مبهمة بالنسبة لغيرهم ولكن ملامحهم معروفة بالنسبة لفيليب فهو يعرف هوية جميع من بالقاعة .. كل شخص له علامة مميزة يعرفهم بها.. كان الجميع يتوافد لداخل القصر ويشربون مشروباتهم التي يطلبونها وكان يتابعهم فيليب بعينيه ويقف خلفه رجاله .. دخل القصر بحُلته السوداء الرائعة المتناسقة على جسده كليًا وهو يرتدي قِناعًا أسود يُخفِي نِصف وجهه اقترب من الجَمعِ عندما أشار لهم رجل ذو شعرٍ أبيض يقف على بداية درج كبير في القاعة يرتدي قناعًا أسود يٌخفي وجهه بالكامل ..
الحوار مترجم من الإنجليزية إلى العربية:
- سيداتي وسادتي .. مرحبًا بكم في الإجتماع المنتظر.
في تلك اللحظة تقابلت نظرات فيليب مع جواد الذي عقِد حاجبيه .. طالت النظرات بينهما لعدة لحظات ولكن استأنف فيليب حديثه بالمخططات القادمة الخاصة بالمافيا الروسية والتي تشمل جميع عمليات الإجرام على مستوى العالم من تجارة بالأعضاء والدعارة و الأسلحة والمخدرات وإلخ...
- جميعكم هُنا ضيوفي وأعزاءٌ على قلبي، وكل شخص في هذه القاعة له مكانةٌ قويةٌ في بلده وأنا أثقُ تمامًا بأننا سنحقق مانريد في الفترات القادمة بل سننتشر أكثر وأكثر، ومهماتكم ستُرسل كما هي ككُل مرة ولا يوجد تغييرٌ في ذلك، وبالطبع تتساءلون لماذا الجميع يرتدي أقنعة، لأنني أريد الحفاظ على هوياتكم، أريد نجاحًا باهرًا للمافيا الروسية والتي ستكون قريبًا عالمية والآن لتبدأ الحفلة.
بدأت الموسيقى وأصبح الجميع يتراقص ويشربون كل ماهو مُحرم، أما جواد كان يشعر بالإشمئزاز مما يحدث حوله يريد في الوقت الحالي أن يجد زوجته ووالدته، اقتربت نحو عمها تضمه بابتسامة جميلة، انتبه جواد لتلك الفتاة التي اقتربت من الرجل الذي كان يتحدث منذ قليل، كانت ترتدي ثوبًا أبيض مصنوعًا من الستان بدون أكمام وترتدي قناعًا أبيض يخفي نصف وجهها على شكل فراشة، انتبه عندما نزل للأسفل وهو ممسكًا بيدها .. ظل جواد يراقبه كالصقر وهو يقف جانبًا طوال الحفل ولم ينتبه لماتيوس الذي يرتدي قناعًا ذو لونٍ أزرقٍ ويتحكم في ذاته بصعوبة لمنع نفسه من قتل جواد لكي لا يُكشَف.
كان فيليب يراقص صُوفيا والتي كانت سعيدة وتشعر أنها حُرة فهي دائمًا ترى حريتها في الرقص.
كان الحفل موسيقاه صاخبة .. كل ما يُرى صورة للأشخاص الموجودين به وضحكات منسجمة .. انتبه فيليب عندما أرادت سيدة ما الرقص معه وسمحت له صوفيا بالرقص معها، التفتت للخلف وكادت أن تذهب لتشرب بعض المياة ولكنها اصطدمت بمن كان يقف خلفها، كان شابًا ذو بنية عضلية قوية عيناه سوداوتان كالصقر نظراته تحكي حكاية لن تُروى أبدًا يبدو على هيئته القوة والغموض .. كانت نظراته لها قوية على الرغم من لين ملامحه .. أردفت بالروسية:
- أعتذر لم أكن أقصد الإصطدام بك.
أردف جواد بعدم فهم من لغتها وتحدث الإنجليزية:
- أستميحكِ عُذرًا؟ ماذا تقولين لم أفهم شيء.
ابتسمت الفتاة وتحدثت بمثل لغته:
- أنت إنجليزي؟ رائع.
ولكنه لم يبدِ أي رد فعل لأنه لم يسمعها بسبب صخب الموسيقى ولم يتحدث .. حمحمت الفتاة وحاولت أن تغير نبرة صوتها لدرجة عالية قليلًا لكي يسمعها:
- أعتذر لم أكن أقصد أن أصطدم بك.
صمت جواد قليلًا وهو ينظر في عمق عينيها أما هي فقد تعجبت نظراته تلك ولكنه أردف بصوت رخيم جذاب:
- في الواقع أنا من تعمدت أن أقف خلفك.
ابتلعت صوفيا بتوتر ولكنها لم تستطع أن تتحدث، تغيرت الموسيقى بالقاعة وأردف جواد بهدوء:
- هل تسمحين لي بتلك الرقصة؟
تريد أن ترفض ولكنها تشعر بدقات قلبها القوية التي تخبرها بأن لا ترفض .. إن قلبها يخبرها أن ترقص معه وتتركه يطلق العنان لها، هزت رأسها له في توتر، أمسك بيدها يقبلها برقة تحت أعين فيليب الذي يتابع ما يحدث بهدوء مُبالغٌ فيه .. واقترب نحو ساحة الرقص، وضع يده على خصرها يقربها نحوه ووضع مقدمة رأسه على خاصتها ليسمحا للأعين بالتحدث .. داعب خصلة من شعرها الأسود كانت موجودة قرب وجهها .. كانت تتنفس بسرعة من توترها بسبب حركاته البسيطة تلك والتي تجعل قلبها ينتفض، يكفي لمساته لها وهما يتراقصان ولكنهما لم يكونا يتراقصان فعليا بل كانا قريبين فقط يتحركان حركاتٍ بسيطة .. أعينهما كانت تتحدث بالكثير من علامات الإستفهام تحت أقنعتهما.
رفع جواد يديه من فوق خصرها ووضعها على كتفها يلتمسهما برقة وهما يتحركان ببطئ وهدوءٍ في القاعة .. أما هي فقد شعرت بأنها قد نسيت كل دروس الرقص التي تعلمتها في الآونة الأخيرة وهي بين يديه القويتين تلك، ظلا هكذا متناغمين في الرقص بهدوء متناسيان العالم حولهما ومع قُربَ إنتهاء رقصتهما، أمسك جواد بيدها بقوة وسحبها خلفه يبتعد بها عن ساحة الرقص حتى أصبحا في شرفة القاعة، قربها نحوه لدرجة الالتصاق وظلا ينظران لبعضهما بأعينٍ تلمع ولهفة واضحة في أعينهما، ظلا هكذا ثابتين في مكانهما رفع جواد يديه ببطئ نحو قناعها يريد إزالته ولكن قاطعه صوته:
فيليب بإبتسامة:
- إنني محظوظٌ كثيرًا، أرى أنكما قد تقابلتما لقد وفرتما علي عناء لقائكما ببعض.
↚
كان جواد عاقدًا حاجبيه أسفل القناع وهو يطالع فيليب الذي يقترب منهما بهدوء، ابتعدت صوفيا عنه عندما استوعبت أنها قد ذابت بين أحضانة وشعرت بتوتر وهي تطالعه تارة وتطالع فيليب مرة أخرى.
- كنت أتمنى أن نتقابل منذ زمن سيد جواد.
كان جواد يطالعه بثبات ولم يُجِبه .. اقترب فيليب من صوفيا يمسك بيدها متحدثًا:
- أريد أن أُعرِفكَ على إبنة أخي، صوفيا ستكون وريثتي في كل شيء.
تقابلت نظرات جواد مع صوفيا التي تلمع عينيها أسفل قناعها..
- تشرفت بك سيد جواد.
لماذا شعرت أنه تنهد؟ .. اقترب منه فيليب أكثر حتى أنه أصبح يقف أمامه مباشرة ومد يده لكي يصافحه وأردف بابتسامة:
- أعتذر لم أقُم بتقديم نفسي لك منذ البداية، أنا أُدعى فِيليب.
كان جواد صامتًا لم يُبدِ أي ردة فعل ولكنه بعد ثوانٍ قليلة صافح فيليب الذي اتسعت ابتسامته.
- أتمنى أن يجمع بيننا الكثير من العمل في الفترة القادمة سيد جواد لأنني وبصراحة لدي فضول في أن أتعرف على الشيطان الذي خالف أوامري.
لم تفهم صوفيا علامَ يتحدث فيليب ولكن يبدو أنه يحاول أن يُثير استفزاز جواد لأن عضلات فكه قد برزت ..
- ولكنني قد سامحتك بعدما أعطيتك دَرسًا بسيطًا لكي لا تعصِني مرة أخرى، أو كما تقولون بالمصرية .. "قرصة ودن".
تعجبت صوفيا من تحدث فيليب للغة أخرى بطلاقة ويبدو أن اللغة عربية، أما جواد ضغط على يد فيليب بقوة وأردف بتهديدٍ مُبهم بالمصرية:
- عمر ماحد فكر يقف قدامي إلا وخسر كل حاجة.
كان فيليب ثابتًا على الرغم من ضغط جواد على يده بقوة ولكن بعد ثوانٍ بسيطة من نظرات التحدي بينهما ترك جواد يد فيليب وأردف بابتسامة مريبة وهو يتحدث الإنجليزية:
- تشرفت بلقائك سيد فيليب، وسأنتظر أن توافيني بالأعمال التي ستجمعنا.
ثم التفت لصوفيا التي تنظر بأعين تلمع كأنها منبهرة به..
- تشرفت بلقائك آنسة صوفيا.
ثم تركهم وغادر الشُرفة أما فيليب فقد تنهد بعمق بعدما خرج جواد وأردف:
- غريب!.
- بأي لغة كنتما تتحدثان؟
تحدث فيليب باتبسامة جميلة:
- كنا نتحدث المصرية.
ابتسمت صوفيا لأنها تعلم أن زوجة عمها الراحلة كانت مصرية وكم عمها يحب المصريين بشكل عجيب! وليس ذلك ايضًا فهو كل فترة يذهب إلى مصر يختفي هُناك يزور أهراماتها ويغرق في ثقافتها، استفاقت عندما أمسك بيدها.
- هل أنتِ بخير؟
- بالتأكيد أنا بخير هل هناك شيءٌ ما بي؟
- لأ انا فقط أطمئِنُ عليكِ، هيا لنكمل إستمتاعِنا بالحفل.
- حسنًا ولكنني سأذهب لدورة المياة أولًا لضبط بعض الأشياء في مظهري.
-حسنًا عزيزتي أنا في انتظارك.
ابتسمت له وذهبت في اتجاه دورة المياة أما بالنسبة لفيليب فقد عاد للحفل واقترب منه ماتيوس الذي يرتدي قناعًا أرزق ..
- عجبًا لك يا فيليب إن الحفل رائع، ثم إن فكرة الأقنعة تلك جديدة! وفي ذات الوقت غامضة، وفي ذات الوقت الحراسة التي بالخارج التي تجمع من الحاضرين أسلحتهم وهواتفهم قبل الدخول خطوة ليست موجودة على البال، لقد أمّنتَ كل شئ لكي لا يحدث غدرٍ من أحدهم.
أردفت فيليب بهدوء وهو يطالع ماتيوس:
- ذلك قليل مقارنة لما في داخل عقلي، ثم إنني أثق في أعواني جيدًا وأعلم الخونة أيضًا فأنا في كل الأحوال حريصٌ في كل شيء.
- رائع.
أكمل فيليب حديثه مع ماتيوس واجتمع مع بعض الرجال يتحدثون في أمورهم في الحفل، أما بالنسبة لصوفيا فقد كانت بالحمام تقف أمام المرآة بدون قناعها تقوم بضبط أحمر شفاهها وأيضًا تقوم بضبط شكل شعرها الأسود والذي صبغته حديثًا، ابتسمت لذاتها في المرآة وارتدت قناعها وقامت بفتح الباب الخاص بدورة المياة ولكنها تفاجأت بمن يقف أمامها.
عادت إلى الخلف بهدوء أما هو فقد دخل دورة المياة وأغلق الباب خلفه.
- عُذرًا سيد جواد، يبدو أنك مُخطئ في دورة المياة.
أردف جواد بهدوء:
- لا أنا لستُ مخطئًا أبدًا فأنا هنا لأجلكِ.
ظل يتقدم بخطواته بهدوء وهي تبتعد بذات الهدوء حتى أصبح الحائط خلفها.
أردف جواد بهمس:
- هل تقابلنا مِن قبل؟
صوفيا بهمس من وقفتهما تلك في دورة مياة السيدات:
- لا أعتقد ذلك.
ظلا صامتين تمامًا وهما يطالعان بعضهما، رفع جواد يده نحو شعرها يلتمس خصلتها السوداء المتمردة بالقرب من وجنتها يلعب بها قليلًا.
شعرت صوفيا بالضعف وأردف بصوت شبه مسموع:
- سيد جواد عُذرًا منك أريد الذهاب.
أردف بصوت مهزوز:
- من الممكن أن أكون قد نسيت ملامحك، نسيت ملمس خصلة شعرك، نسيت رائحتك، ولكنني أبدًا لا يُمكنني أن أنسى نظرات عينيكِ التي تطارد أحلامي.
لم ينتظرها أن تتحدث ورفع يده نحو قناعها وقام بانتزاعه بهدوء .. لمعت عيناه كأنه كان سيبكي وتحولت ملامحه من الغضب إلى الاشتياق وقام بنزع قناعه هو الآخر .. نبض قلب صوفيا عندما رأت وجهه يبدو أنه مألوفًا كثيرًا بالنسبة إليها ولكنها لا تتذكر أين قابلته .. ذاكرتها مشوشة كالعادة .. استفاقت من شرودها به على صوته المهزوز:
- عملوا فيكِ إيه يا شمس؟
طالعته بعدم فهم وأردفت بتوتر من قربه:
- أنا أعتذر لم أفهم ماتقول سيد جواد، ثم إن عمي ينتظرني يجب أن أذهب.
حاولت أن تدفعه بعيدًا عنها ولكنه كان ثابتًا يطالعها بنظرات غريبة بالنسبة إليها .. نظرات جعلتها تشعر بالقشعريرة ..
جواد بهمس:
- وحشتيني.
ولكنها لم تفهم شيء، وما أنقذها هو قدوم بعض الفتيات لدورة المياة أخذت القناع من يده وارتدته وابتعدت عنه تخرج من دورة المياة، أما هو فقد لمعت عيناه بالدموع كانت ملامحه تدل على إرهاق عاشق مخذول يوجد في بلاد غريبة لا يعلم عنه أحد حتى حبيبته التي أتى لأجلها لم تتعرف عليه.
ارتدى قناعه وخرج من دورة المياة يسير خلفها في الممر الي القاعة بملامح غاضبة يقسم أنه سيحرقهم جميعًا سيفعل بهم الأسوأ على الإطلاق، نيران قلبه تزداد ولا تقل أبدًا كان يعتقد أنه عندما يتقابل مع شمسه أي زوجته ستركض نحوه تختبئ في أحضانه بدلًا من الهرب منه إلى أحضانِ رجل غريب.
كانت تهرول في مشيتها لتهرب منه ومن المشاعر القوية التي اجتاحتها وعندما خرجت من الممر ذهبت نحو فيليب تمسك بيده وتبتسم للضيوف أو بمعنى أدق للمجرمين الموجودين بالقاعة.
عادت الموسيقى تنتشر بالقاعة مرة أخرى وتلك المرة صرخت شمس بصخبٍ عندما رأت أن عمها أتى بالمغني المفضل لها.
قامت بضمه وأردفت:
- أنت الأفضل على الإطلاق.
ثم هرولت نحو مغنيها تشير له وهو يشير لها في المقابل .. وكل ذلك تحت أعين جواد الذي لا يتخيل أحد مدى غضبه تقابلت عين فيليب مع جواد الغاضب الذي وقف جانبًا يطالع صوفيا، عقِد فيليب حاجبيه وطالع صوفيا المستمتعة بالأغنية التي يغنيها مغنيها المفضل.
اعتدل جواد في وقفته عندما اقترب أحد الرجال من شمس يطلب منها الرقص وللعجب أنها وافقت، اقترب جواد نحوهم وأشار للرجل أن يعطيها إياه .. وبالفعل قام الرجل بلفها بيده والتقط شريكة أخرى يراقصها واستقرت شمس بين أحضان جواد تطالع تلك الأعين الغاضبة على مقطع الأغنية
"I don't deserver this, you look perfect tonight"
أكملا رقصتهما ببطئ وبعد ثوانٍ انتهت الأغنية وقام المغني بغناء أغنية أخرى، كانت تتساءل عن سبب الغضب الذي تراه في عينيه، ولكن مع وقع الموسيقى والأغنية تاهت في عينيه مرة أخرى وتركته يتحكم بخطواتهما في الرقص إذ أن رقصتهما كانت هادئة ليست مثل الجميع.
كان الإثنين يشعران بكلمات تلك الأغنية التي تذبذب المشاعر وعلى أساسها تحرك جسدهما ..
الحب يمكن أن يؤذي، الحب يمكن أن يؤذي في بعض الأحيان
Loving can hurt, loving can hurt sometimes
ولكن هذا هو الشيء الوحيد الذي أعرفه
But it's the only thing that I know
عندما يصبح الأمر صعبًا، فأنت تعلم أنه قد يصبح صعبًا في بعض الأحيان
When it gets hard, you know it can get hard sometimes
إنه الشيء الوحيد الذي يجعلنا نشعر بأننا أحياء
It is the only thing makes us feel alive
نحتفظ بهذا الحب في صورة
We keep this love in a photograph
لقد صنعنا هذه الذكريات لأنفسنا
We made these memories for ourselves
حيث لا تغلق أعيننا أبدًا
Where our eyes are never closing
القلوب لا تنكسر أبدا
Hearts are never broken
والوقت متجمد إلى الأبد
And time's forever frozen still
حتى تتمكن من الاحتفاظ بي
So you can keep me
داخل جيب الجينز الممزق الخاص بك
Inside the pocket of your ripped jeans
أبقيني أقرب حتى تلتقي أعيننا
Holding me closer 'til our eyes meet
لن تكون وحيدا أبدا
You won't ever be alone
وإذا جرحتني
And if you hurt me
لا بأس يا عزيزتي، الكلمات فقط هي التي تنزف
That's okay, baby, only words bleed
داخل هذه الصفحات، أنت فقط تمسك بي
Inside these pages, you just hold me
وأنا لن أتركك تذهب أبدا
And I won't ever let you go
انتظرني حتى أعود إلى المنزل
Wait for me to come home
أوه، يمكنك أن تناسبني
Oh, you can fit me
داخل القلادة التي حصلتِ عليها عندما كنت في السادسة عشرة من عمرك
Inside the necklace you got when you were sixteen
بجوار نبض قلبك حيث ينبغي أن أكون
Next to your heartbeat where I should be
احتفظ بها في أعماق روحك
Keep it deep within your soul
وإذا جرحتني
And if you hurt me
لا بأس يا عزيزتي، الكلمات فقط هي التي تنزف
Well, that's okay, baby, only words bleed
داخل هذه الصفحات، أنت فقط تمسك بي
Inside these pages, you just hold me
وأنا لن أتركك تذهب أبدا
And I won't ever let you go
عندما أكون بعيدًا، سأتذكر كيف قبلتني
When I'm away, I will remember how you kissed me
تحت عمود الإنارة في الشارع السادس
Under the lamppost back on Sixth street
أسمعك تهمس عبر الهاتف
Hearing you whisper through the phone
"انتظرني حتى أعود للمنزل"
"Wait for me to come home"
ابتسم فيليب لا يدري ماخطب ذلك الثنائي الغامض لكن مايراه الآن هو مشاعر قديمة قد ذكرته بزوجته .. لقد كان مثل جواد هكذا عندما كان في مثل عمره أو أصغر قليلًا .. اختفت ابتسامته لأن سعادته مع حبيبته لم تدوم، كانا يتحركان برومانسية مع الأغنية متناسيان العالم حولهما يضع يده على خصرها ويده الأخرى تمسك بيدها ..
أردفت بصوت مهزوز:
- من أنت؟
كان ينظر لها بأعين تلمع في المقابل:
- أنا الشيطان جواد .. عاشق ولهان وقع في حب طفلة بريئةٍ من أول نظرة!
قرب مقدمة رأسه منها واستأنف:
- أقسمتُ على حمايتها من أي أحد، وها أنا أُجدِدُ قسمي لكِ بأنني سأحميكِ من أي أحد.
صفق الجميع بحرارة بعدما انتهى المغني من الأغنية وأشار لهم بأنه سيرحل، ابتعد جواد عنها مسافة قليلة.
وفي مكانٍ ما بالقاعة كان ماتيوس يتحدث مع أحد الحاضرين بالقاعة وذلك الشخص كان يرتدي قناعًا بٌني اللون:
- أأنت متأكد أنه يقوم بإغوائها في نية منه للتقرب من فيليب؟
- لا تقلق سيد ماتيوس، ما أخبرت جواد أمس به بالضبط هو أن فيليب لديه إبنة أخ يمكنه أن يتقرب منه من خلالها ويحقق إنتقامه منه لأن فيليب هو من بالصورة وليس أنت سيدي.
- رائع ساجد، ذكرني بأن أعطيك مكافأة.
- يكفي أن تكون راضيًا عني سيد ماتيوس وأن تحقق انتقامك من سيد فيليب.
...............................
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
انتهت الحفلة ورحل الجميع، وفي الخارج صعدت شمس السيارة بعدما فتح جواد باب السيارة الخاص بها لها، يريد أن يضمها بين ذراعيه ويكسر عظامها من شوقه لها ويهرب بها للفندق الآن ويجعلها زوجته شرعًا وليس قانونًا فقط ولكن ما يمنعه من كل ذلك أنها لا تتذكر من هو! .. ماذا حدث لها جعلها تنساه هكذا وتنسى كل شيءٍ عنهما؟ ..
- شكرًا على تلك الرقصة سيد جواد.
- لا تعتادي على ذلك.
عقدت حاجبيها وهي تطالعه بعدم فهم من جُملته تلك.
- تفضل معنا سيد جواد.
ذلك ماتحدث به فيليب بسخرية عندما وجد جواد يقف عند باب السيارة الخاص بصوفيا، التفت يطالعه.
- أقصد أن السيارة ستتحرك، كيف ستتحرك وأنت مستندٌ عليها؟
ابتعد جواد عن السيارة بهدوء شديد متحدثا بتبجح:
- أين تمكث؟
أردف فيليب باستفسار:
- في ماذا ستفيدك إجابتي؟
همهم جواد متحدثًا بمماطلة:
- بصراحة لا يوجد معي الكثير من المال وأنا أبحث عن مكان أمكث به فكنت أتساءل لو يمكنني أن أمكث بمنزلك سيد فيليب وبما أنه ستجمعنا الكثير من الأعمال في الفترة القادمة أظن أن تلك فرصة مناسبة سنكون أمام بعضنا تمامًا لن تحتج أن تحدد معي موعد للقاءنا ثم إنك يمكنك توفير فاتورة هاتفك بسبب غلاء الرسائل النصية أسمع أن تكلفتها عاليةٌ هنا.
قهقه فيليب وهو يطالعه ولكن ملامح جواد كانت حادة وجادة، كأنه يتحداه ويجبره أنه سيمكث عنده رغمًا عنه.
أردف فيليب بالمصرية:
- وانت فاكر بقا إني هصدقك؟
أردف جواد بهدوء:
- لا مش هتصدقني ده حقك طبعا .. بس أنا عندي أسئلة كتير عايز أعرف إجابتها منك قبل ما أقتلك.
اختفت ابتسامة فيليب وحاول التحكم بغضبه وضغط بيده على عياره الناري الذي أخفاه في سترته .. وجواد أيضًا فعل ذات الشئ في استعدادٍ منه للقتال.
لم تفهم شمس علامَ يتحدثان أو ماذا يقصدان ولكنها لاحظت الجو المشحون بينهما.
- أنا مش بتهدد، إنت عارف إنت بتكلم مين؟ أنا كان ممكن دلوقتي أقتلك من غير أي تفكير.
ذلك ما أردف به فيليب بغضب..
أخرج جواد عياريه الناريين يصوبهما نحو فيليب الذي دُهش مما حدث وأيضا رجاله الذين أخرجوا أسلحتهم أيضًا يصوبونها على جواد.
فزعت شمس عندما رأت مايحدث وكادت أن تخرج من السيارة ..
تحدث فيليب بقوة:
- إبقي بالسيارة صوفيا.
وأشار للسائق السيارة بالتحرك، أغلق السائق السيارة تمامًا وتحرك بها بعيدًا يوصلها للمنزل تحت صرخاتها وأمرها له بالعودة ولكنه لا يستمع إليها فقد ينفذ أوامر فيليب.
كانا يقفان أمام بعضهما يصوبان أسلحتهما على بعضهما فيليب ورجاله يصوبون أسلحتهم على جواد الذي يصوب سلاحيه على فيليب.
أردف فيليب:
- أعجبتني شجاعتك يا فتى.
- لا يهمني إطراءُك الآن .. أنا أريد معرفة لماذا قمت باختطاف زوجتي مني؟
أردف فيليب بعدم فهم:
- زوجتك؟ من؟
جواد بغضب:
- صوفيا تكون زوجتي.
رفع فيليب حاجبيه بدهشة وأردف بهدوء:
- إن صوفيا تكون إبنة أخي وليست زوجة أحد.
جواد بغضب وهو يقوم بتجهيز إطلاقه للنار وكذلك فعل رجال فيليب..
- أنت تكذب، لقد أخذت زوجتي مني وليس كذلك فقط بل أخذت أمي أيضًا.
أشار فيليب لرجاله بيده أن ينزلوا أسلحتهم وأردف بهدوء:
- يبدو أن هناك سوء تفاهم أنا لم أفعل أيًا من ذلك .. ثم إن تلك ليست من شيمي أنا لا أختطف النساء.
جواد باستهزاء بالمصرية:
- قالوا للحرامي إحلف.
تحدث فيليب بتأكيد وصدق بنفس اللغة:
- أنا معملتش حاجة من دي، ولو محتاج أشرحلك على الرغم من اللي عملته ده وتستحق القتل عليه فأنا ممكن أشرحلك .. *أكمل بغضب* نزل سلاحك.
ظلا يطالعان بعضهما لعدة ثوانٍ وفي النهاية أنزل جواد عياريه الناريين ..
أردف فيليب بهدوء:
- ستبقى معي بالقصر لكي أعلم قصتك مع صوفيا وأيضًا بشأن العمل بيننا.
جواد بتأكيد:
- حسنًا، ولكن هذا لا ينفي أنك مُجرم وسأقتلك يومًا ما.
................................
وصلت القصر وعندما خرجت من السيارة صعدت لغرفتها تحاول أن تقوم بمهاتفة عمها بتوتر وقلقٍ لكي تطمئِن عليه فيبدو أن جواد ذلك ماهو إلا شخصٍ مؤذٍ ووقح ومتبجح أيضًا ماذا ستنتظر من شخصٍ يعمل بالمافيا؟؟ مُجرِم!.. أكيد أنه كان يحاول التقرب منها في الحفل لكي يستفز عمها لأن بالطبع عمها لديه الكثير من الأعداء ظلت تهاتفه حتى أجاب على الهاتف.
- عزيزتي.
- عمي هل أنت بخير؟
- نعم عزيزتي لا تقلقي سأعود بعد قليل.
- أنا في إنتظارك.
كان عاصم يحاول الوصول لجواد عبر الهاتف ولكنه لا يُجيب يريد أن يطمئِن عليه كان يريد أن يذهب معه للحفل ولكنه كان قلقًا من أن يتم كشف أمره .. انتبه لوصول رسالة على هاتفه.
"أنا لقيت شمس .. هرجع بيها لما آخد حقي"
من المفترض أن تطمئِنه الرسالة ولكنها أقلقته أكثر .. كان يعتمد على جواد في المحاولة الوصول للمافيا الروسية وترك الباقي للقوات المصرية ولكن جواد أخفَي كل شيءٍ عنه لأنه يعتبر الأمر صراعٌ شخصي وجواد لن يصمت ولن يتوقف .. سيحرقهم جميعًا.
قام عاصم بإرسال رسالة نصية إلى أحد جهة الإتصال.
"جواد إختار الطرف اللي هيبقى معاه ومع الأسف إختار الطرف الغلط."
وبعد عدة دقائق آتاه الرد:
"هيتم إرسال بعض القوات لمساعدتك في القبض على جواد وأعوانه من المافيا الروسية"
تنهد عاصم بحزن لأنه مع الأسف مُجبر على تنفيذ أوامر الجهات العُليا.
↚
خرج جواد من سيارته بعدما أوقف سيارته خلف سيارة فيليب وتلك المرة كان بدون قناع، نزل فيليب من سيارته هو الآخر بدون قناعه أيضًا ووقف جواد أمامه ينظر إلى وجهه بهدوء ..
- تاخُد صورة؟ مش بتقولوا كده بالمصري؟
أردف جواد بابتسامة:
- لا مش حابب أحتفظ بصورة لأشكالك.
كظم فيليب غيظه من ذاك المستفز وأردف بالإنجليزية بضيق مكتوم:
- تفضل إدخل القصر.
أردف جواد بالإنجليزية:
- مِن بعدكَ سيدي فأنا لا أثق بك فمن الممكن أن تطعنني في ظهري! فتلك هي شيمكم.
ظل يطالعه لعدة ثوانٍ ثم دخل القصر وتبعه جواد الذي كان ينظر حوله يتأمل قصر الضخم الذي دخله للتو ولكن تقابلت عينيه مع عينيها وهي تقف على مقدمة سلالم القصر .. كانت تنزل على الدرج بهرولة ولهفة، ابتسم جواد ينتظرها أن تأتي لكي تضمه قام بفتح ذراعيه ولكن ابتسامته قد اختفت عندما دخلت بين ذراعي فيليب.
- لقد خِفتُ كثيرًا عليك.
ربت فيليب على ظهرها بحنانٍ أبوي:
- لا تقلقي فأنا بخير، لن يستطيع أحدٌ فعل أي شيء بي.
تفاجأت صوفيا عندما أمسكها جواد من ذراعها يُبعدها عن فيليب.
أردف جواد بضيق:
- هذا يكفي.
سحبت ذراعها بقوة من يده وأردفت بغضب:
- كيف تفعل ذلك لعمي فيليب؟ من تظن نفسك يا هذا؟
تحدث فيليب بهدوء:
- صوفيا حبيبتي توقفي.
- هي ليست حبيبتك.
ذلك ما تحدث به جواد بغضب وهو ينظر إلى فيليب، تعجبت صوفيا من حديث جواد ثم أردفت بغضب:
- كيف تتحدث هكذا إليه يا هذا؟
لم يُجِبها وكادت أن تتحدث مرة أخرى ولكن قاطعها فيليب بهدوء:
- صوفيا، عودي إلى غرفتكِ لدي عمل مع السيد جواد نريد أن نُنهيه.
صوفيا بذهول من رد فعل فيليب:
- ببساطة هكذا؟ ذلك الشخص منذ عدة دقايق كان يرفع سلاحه في وجهك والآن تُخبرني أن لديك عمل معه؟
فيليب:
- سأقوم بتوضيح الأمور لكِ فيما بعد، اذهبي إلى غرفتكِ الآن.
طالعت جواد بتحدٍ أما هو فقد عقِد حاجبيه وهو يطالعها في المقابل، صعدت لغرفتها دون إضافة كلمةٍ واحدة وبعد أن صعدت أشار فيليب لجواد أن يتبعه لغرفة ما، وبعد عدة دقائق كان جواد يجلس أمام فيليب في غرفة مكتبه ..
فيليب بهدوء:
- أخبرني ماعندك بخصوص صوفيا.
- أنا من لديه حق السؤال هنا، كيف قابلت شمس؟
- وكيف أضمن أنها هي زوجتك؟
أخرج جواد هاتفه وقام بتشغيل مقطع فيديو يخص عقد قرانهما.
تنهد فيليب وصمت لعدة ثوانٍ ثم تحدث:
- كنتُ في زيارةٍ لشخصٍ عزيز عليّ، وبعد أن انتهيت وفي طريق العودة للقصر خرجت فتاة في الطريق صدفة مما جعلت سائقي يصدمها، جئت بها هنا إلى القصر مع فريق طبي والذين اكتشفوا أن تلك الفتاة تعرضت لتعذيب قوي، لأن جسدها كله كان مليئًا بالكدمات وأيضًا كان هناك آثار لسوطٍ على ظهرها بالكامل.
تنهد فيليب بصعوبة متذكرًا تلك الآثار جيدًا، أما بالنسبة لجواد فقد كانت حالته غريبة! .. يريد أن يقتل من فعل بها ذلك .. إن شيطانه يسيطر عليه الآن يريد أن يقتل فقط! .. حاول التحكم بغضبه وأردف:
- وكيف أصدق أنكَ أنت لم تفعل بها ذلك؟ فبالنهاية أنت من ترك لي تلك الرسالة ككل مرة.
فيليب بعدم فهم:
- عُذرًا ماذا تقصد؟
أردف جواد وهو يصر على أسنانه بغضب ويطالعه بغضب جحيمي:
- ما أقصده سيد فيليب .. أنك الوحيد الذي يتحدث بإسم المافيا الروسية لأنك الزعيم! ويوم اختطاف زوجتي تركت لي رسالة، وأيضًا تركت لي رسالة عندما قُمتَ بخطف والدتي، وماهي علاقتك بوالدتي لأن ماتركته لي يُظهر أن هناك معرفة قويةً بينكما.
أردف فيليب بصدق مع عدم تركيزة على الجزء الذي يخص والدة جواد:
- صدقني إن الرسالة الوحيدة التي تركتها لك بإسم المافيا الروسية هي عندما أرسلنا قواتٍ لتهديدك بحبيبتك للتوضيح لك بأننا قريبين منك، ذلك ماكان هو من أوامري وذلك عندما عصيتَ أمري وأخفقت في مهمةٍ أوكلتُها لك.
أردف جواد بسخرية:
- هل تعلم من هي حبيبتي التي كان سيقتلها رجالك؟؟ كانت صوفيا غاليتك، ثم إنني مازلت لا أصدقك .. متى قابلت زوجتي؟
فيليب:
- في الخامس عشر من كانون الثاني.
جواد بضيق:
- قل الشهر الميلادي؛ فأنا لا أفهم عن أي شهر تتحدث.
فيليب بتوضيح:
- الخامس عشر من يناير.
- أتعلم لما لا أصدقك؟
فيليب عاقدًا حاجبيه بضيق:
- لمَ؟
أردف جواد بسخرية بالمصرية:
- عشان عجوز زيك هيكون بيخرف وعنده زهايمر وقليل لما يفتكر حدث عبيط بالنسباله زي ده.
صمت فيليب قليلًا ثم أردف:
- إنك مُحِق، ولكن ذلك التاريخ مميز بالنسبة إلي فهو ذكرى وفاة زوجتي وكنت عائِدًا وقتها من المقابر.
أردف جواد بلامبالاة:
- مش مصدقك برده.
- وأنا مش مُجبر أخليك تصدقني .. أنا بحكي ليك عن اللي حصل.
أردف جواد بغضب:
- فين الدليل؟؟ عايز الدليل اللي يثبت إنك معملتش حاجة لمراتي.
فيليب:
- حسنًا، لك ذلك.
تحرك فيليب من كُرسيه وقام بالبحث في عدة ملفات على حاسوبه المحمول وكان جواد يتابعه بعينيه وبعدها قام بتشغيل شاشة ضخمة في الغرفة وقام بتشغيل فيديو ..
كان يُظهر سير سيارة فيليب في طريقٍ بين الغابات حتى خرجت شمس أمامه فجأة حاول السائق أن يوقف السيارة وأوقفها ولكن كان قد اصطدم بها، قبل الإصطدام كان مظهرها واضح حيث أنها كانت ترتدي ثوبًا للنوم ولكنها كانت مليئة بالدماء وجسدها به كدماتٍ كثيرة .. نزل السائق وفيليب من السيارة وتوقفت سيارات الحرس خلفهم .. واقترب فيليب من شمس يتفقد حالتها وبعدها قاموا يحملها لداخل السيارة وتحركت السيارة بسرعة كبيرة، ثم توقف الفيديو.
استأنف فيليب:
- تلك المقاطع جمعناها من مراقبة الطُرُق، كنت أبحث أيضًا عن من فعل بها ذلك لكنني لم أستطع أن أصل لشيء، ولكن بعد حديثك الآن تيقنت أن من فعل ذلك هو شخصٌ بداخل المافيا قد سولَت لهُ نفسه أن يقوم بإرسال الرسالة بإسم المافيا الروسية.
كان ينظر للشاشة بشرود، لا يستطيع نسيان مظهرها في الفيديو كانت تائهة تبحث عن ملجأ يأويها يبدو أنها كانت تبحث عنه .. يؤلمه قلبه كثيرًا عليها .. كيف؟؟ من الذي سولت له نفسه بفعل ذلك في زوجته؟؟.. يقسم أنه سيفعل به ماهو أشدُّ من القتل، كان فيليب يتابع ملامح جواد الغاضبة بسبب ما رأى .. ظلا صامتين قليلًا حتى تحدث جواد بشرود:
- ليه شمس باقت صوفيا؟ ليه اديتلها هوية مش هويتها؟
فيليب بهدوء:
- عندما استيقظت صوفيا كانت صامتة .. أتيت لها بالكثير من الأطباء النفسيين والمعالجين .. كنت أعتقد أنها فقدت النطق منذ البداية ولكن ما اكتشفناه أنها قد نسيت كل شئ، حتى لغتها الأصلية، كأنها طفل وُلِد مرة أخرى ويحتاج من يقوم بتعليمه التحدث، لا نعلم هل حدث ذلك فعلا بسبب شيءٍ ما فعل بها ذلك أم حالةٍ نفسية؟، في ذلك الوقت كان أخي هُنا وحاول معها أن تتحدث وساعدها في ذلك .. وتكون شخصٌ آخر جديدٌ معنا يُدعى صوفيا .. التي تعتقد أن والدها يكون أندريه وأنا عمها، وبالطبع من وقتها نفعل أي شيءٍ لأجل سعادتها، إنها إبنة أخي الذي أصرَّ على حمايتها وإبقاءها هنا بدلًا من إلقاءها في بيت للرعاية أو مشفى تحت بند فتاة مجهولة الهوية تم العثور عليها؟ هل كًنا مُخطئين؟
هز جواد رأسه بنفي وظل صامتًا يُفكر في تحركاته القادمة.
- أشعر بما تريد التحدث به، لذا لا داعي لأن تشكرني.
ذلك ماتحدث به فيليب بثقة.
أردف جواد ببرود:
- وهشكرك ليه؟ إنتم السبب في اللي أنا فيه من البداية، انتم السبب في اللي حصل لمراتي من البداية.
تعجب فيليب من حديثه ولكن جواد استقام من مقعده بغضب:
- لولا ال**** و ال ***** اللي تبعكم خلوها مدمنة مخدرات مكنش كل ده حصل، انتم السبب في كل اللي حصلنا، وأنا أقسمت من وقتها إني هفضل وراكم لحد ما أوصلكم ووقتها كلكم هتقعوا في إيدي واحد واحد، هتدوقوا من نفس الكاس إللي هي داقته وأول واحد حصل فيه كده اللي هو عمل فيها كده والتانية سبقتوني وقتلتوها والتالت قتلتوه برده قبل ما أوصله، كل فرد في العصابة دي بلا استثناء هيشرب من نفس الكاس، وانت كان عليك الدور بس مع الأسف اللي شفعلك وجودها معاك وإنك ساعدتها وفضلت جنبها إنت وأخوك، ألا بالمناسبة هو فين؟
فيليب بتحذير وهو يحاول أن يقوم بتجميع بعض الكلمات المصرية ليتحدث بها:
- إنت عارف إني سايبك تتكلم كده عادي في حين إني ممكن أقتلك حالا؟
- انا مش محتاج منك تهديد، أنا عارف أنا بعمل إيه كويس، أنا جاي آخد حقي منكم كلكم.
ظل الإثنان يطالعان بعضهما بتحدٍ ولكن جواد تحدث بضيق:
- أنا محتاج أنام، فين أوضتها؟
- ليه؟
- دي مراتي!
تحدث فيليب بهدوء:
- تحتاج صوفيا وقتًا على معرفتها للحقيقة، إنها تحتاج تمهيدًا لما يحدث لأجل صحتها النفسية، مع مرور الأيام وتعارفكما سويًا يمكنك أن تُصارحها بالحقيقة لكي تتقبلها، لأن حالتها النفسية سيئة جدا لا أستطيع أن أجعلها تعيش نفس الحالة التي كانت عليها منذ أن قابلناها أول مرة.
هز جواد رأسه ..
- لقد أمرتُ بتجهيز غرفة لك ويوجد بداخل خزانتها بعض الثياب لتقوم بتبديل ملابسك، ستصطحبك إحدى الخادمات إلى تلك الغرفة وفي الصباح الباكر سنُكمِل حديثنا بشأن ماسيحدث مستقبلًا.
أتت الخادمة تنتظره وكاد أن يخرج جواد من الغرفة ..
- وبالمناسبة إن أخي أندريه في لوس أنجلوس حاليًا يقود مجموعة من المافيا هناك سيأتي خلال الأيام القادمة لأنه كما قال لقد اشتاق إلى ابنته العزيزة وكثيرًا.
حاول جواد التحكم في غضبه بسبب فيليب الذي يحاول استفزازه بحديثه ولكنه لم يقم بإجابته وذهب للغرفة التي سيبقى بها ولكن كيف سيأتيه النوم وهو يعلم أن يفصله وبين زوجته وحبيبته عدة جُدران بسيطة! .. ظل هكذا مستيقظًا طوال الليل يفكر بحديثهما غدا وكيف سيتحدثان .. بالتأكيد لقد تحدثا في الحفل ولكن الآن الأمر مختلف سيبقى معها بنفس المنزل، كيف سيعاملها كأنها شخصٌ عادي وهي زوجته التي من المفترض أن تبقى في أحضانه كل ليلة؟
..................................
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في صباح اليوم التالي:
خرجت صوفيا من الحمام بعدما انتهت من الاستحمام تفكر بذلك الشخص الغريب الوقح الذي يٌدعى جواد الذي سولت له نفسه أن يرفع السلاح في وجه عمها، ثم لماذا تركه عمها حيًا حتى الآن؟ ماذا حدث؟ قامت بارتداء ملابسها وخرجت من الغرفة لكي تتناول الفطور وعندما دخلت قاعة الطعام تفاجأت بوجود جواد يجلس بجانب فيليب يتناقشان في شيءٍ هامٍ على الحاسوب المحمول، انتبه فيليب لوجودها وابتسم مغلقًا الحاسوب.
- صباح الخير صوفيا، هيا اقتربي عزيزتي رحبي بضيفنا السيد جواد.
اقتربت نحوهما بهدوء وجلست على كرسي عند المائدة تحت أعين جواد التي لم تتبعد عنها لحظة واحدة .. يتمنى لو يقترب منها الآن يضمها بين ذراعيه ولكنه سيصمد قليلًا .. إن حبيبته الآن معه ويجب أن يصمد لحمايتها وأيضًا لكي يصل إلى والدته التي لا يعرف طريقها حتى الآن.
- كيف له أن يكون ضيفنا وقد رفع سلاحه في وجهك أمس؟
ابتسم فيليب وأردف بتوضيح:
- حدث سوء تفاهم عزيزتي ثم إنني والسيد جواد أصبحت تجمعنا الكثير من الأعمال المشتركة، صحيح سيد جواد؟
أجاب جواد بفتور وهو يطالعها:
- أجل بالطبع.
ظلت صامتةً قليلًا تحاول فهم ذلك التغير المُدهش بينهما فبعدما كانا يرفعا أسلحتهما في وجه بعضهما بالأمس إنهما الآن يجلسان بجوار بعضهما يتناقشان في الأعمال، ابتسمت بهدوء ثم أردفت:
- أهلا بك سيد جواد، أتمنى أن تعجبك الإقامة في قصرنا.
أردف جواد بهدوء بالمصرية وهو ينظر في عمق عينيها:
- طالما إنتِ موجودة هنا ومعايا أكيد هتعجبني.
طالعته باستفسار من حديثه لأنها لا تفهم في لغته شيء ..
وضعت الخادمات الطعام على المائدة وبدأوا بتناول الطعام ولكن صوفيا كانت تشعر بالتوتر بسبب مراقبة جواد المستمرة لها، لم يُزِح نظراته من عليها تمامًا، لماذا تشعر أنه يريد أن يأكلها بدلًا من الطعام الذي أمامه أو أنها شيئًا يخُصُّهُ هو فقط وعند هذا التفكير إحمر وجهها خجلًا .. سيئة صوفيا أنتِ سيئةٌ كثيرًا ثم أنتِ لا تنكرين أنه وسيمٌ جدًا ولكن تذكري إنه شخص متبجح فقط ليس إلا.
ابتسمت لحديثها مع نفسها وابتسم جواد دون أن يشعر لابتسامتها تلك يعلم أنها تُحدِثُ نفسها تُرى هل تفكر به؟
بعد مرور عدة دقائق كانوا يقومون بشُربِ القهوة في المكتب وكانت صوفيا جالسة معهم والتي أرفت بتنهيدة:
- ثم ماذا؟
فيليب بتفكير:
- أظن أن أعواننا في مصر سيقومون بتلك المهمة.
- انا أظن العكس.
تدخل جواد بحديثه وهو يطالع شمس ..
فيليب بإستفسار:
- لماذا؟
- لأنه وببساطة الشرطة المصرية دقيقة جدا في تلك الأمور .. لن يستطيع مصري فعل ذلك، بل من الممكن أن يقوم شخص آخر بفعلها ولكن بشرط أن يحمل جنسية أخرى لأن ذلك سيكون بالنسبة لمصر هو مجرد سائح وبالعكس ستقوم الشرطة بحمايته.
- إذا ماذا تقترح بكيفية سير المخطط؟
همهم جواد بتفكير وهو يطالع شمس التي تشرب قهوتها بهدوء وتطالعه في المقابل..
- زوج وزوجته يقضيان عطلتهما الصيفية في مصر ويقومان بزيارة الأهرامات وهنا تبدأ عملية التبديل .. في الهرم الأكبر لن يتم التشكيك بأمرهما إذ هما سيخرجان من الهرم يحملان بعض الآثار الصغيرة سيعتقد الجميع أنها مجرد تذكار سياحي ولكي يتم تصديق الأمر قليلًا سيتم وضعها داخل أغلفة تقوم بتغيير شكلها .. ولكي يمران من خلال أجهزة الكشف في المطار أثناء عودتهما ستكون السيدة حامل أو ستمثل أنها كذلك منذ البداية أي منذ أن تخرج من مطار روسيا تكون حامل وحتى عودتها لروسيا مرة أخرى وستضع الآثار بداخل البطن المصطنعة وبذلك لن تدخل المرأة خلال جهاز المرور لأنه ممنوع على الحوامل المرور من خلاله وأيضًا سيحرص المصريون على أن يكونا السائحين مرتاحين .. هكذا نحن المصريون نحب أن نرحب كثيرًا بضيوفنا ونكرمهم على حساب راحتنا ولكنه يكون بسعة صدرٍ أيضًا نكون سعداءً لذلك، فإكرام الضيف واجبٌ علينا ونحن أهل كرم.
كان فيليب وصوفيا يطالعانه بتعجب من فكرته الجحيمية تلك! .. إنه رهيب كيف أن تخطر له فكرة كهذه .. رشف جواد قهوته ومازال يطالع صوفيا يرى انبهارها بفكرته تلك ..
- ذكرني أن أقوم بترقيتك.
أردف جواد ببرود:
- مش مهم، كلها فترة بسيطة وهرجع بمراتي ووالدتي لمصر وهخرج من المافيا دي.
نفخ فيليب بضيق من عجرفته تلك ثم أردف..
- ولكن كيف سيتحركون داخل مصر؟
رشف بعضًا من قهوته ثم أردف:
- أحد من أعوانك في مصر سيفعلها ولن يكون ساجد.
عقد فيليب حاجبيه..
- لم؟
- لأنه خائن منذ البداية والخائن لا أمان له، إنني أراقبه منذ البداية وأعلم أنه خائن وأقوم بتضليله أيضًا في بعض المعلومات حتى يعطيني ما أريد بالضبط.
طالعه فيليب باستفسار وأيضًا صوفيا كذلك، وكاد فيليب أن يتحدث ويعرف ما أخبره به ساجد ولكن صوت هاتف صوفيا قاطعه .. التقطت صوفيا هاتفها تقوم بالإجابة عليه..
- اوه لقد نسيت تمامًا يا دانييل، حسنًا حسنًا أنا آتية عزيزي.
نظر جواد لفيليب باستفسار بعدم فهم لأن صوفيا كانت تتحدث الروسية ..
- عُذرًا عمي أنا ذاهبة لأقابل صديقي.
ثم نظرت الى جواد وأردف بإعتذار باللغة الإنجليزية:
- أعتذر سيد جواد على مقاطعتكما ولكن فكرتك رائعة .. سأضطر إلى ترككما لكي تُكملا بدوني.
اعتدلت وخرجت من المكتب .. أما بالنسبة لجواد فنظر إلى فيليب ..
- كانت بتتكلم مع مين؟ ورايحة فين؟
نظر فيليب إليه قليلاً ولم يتحدث ولكن جواد أردف بغضب:
- كانت بتكلم مين؟
بعد مرور عدة دقائق:
خرجت من القصر بعدما قامت بتغيير ثيابها ووجدت جواد يقف بجوار سيارته..
أردفت بتعجب من وجوده أمامها:
- سيد جواد مرحبًا بك، ماذا تفعل هنا؟ أليس من المفترض أنه يوجد عمل بينك وبين عمي لكي تُكملاه.
أردف جواد بهدوء:
- لقد طرأ لي عمل مهم واضطررت للذهاب ثم ها قد تقابلنا صدفة هل يُمكنني إيصالك؟
- لا شكرًا، سائقي سيوصلني.
واقتربت من السيارة الخاصة بها ولكنها وجدت بها مشكلة حيث أن الإطارات الخاصة بالسيارة بها يحتاجان للصيانة ولكن ليس لديها وقت لذلك فهي متأخرة كثيرًا على موعدها مع دانييل.
- ماذا هناك؟
سألها جواد عندما لاحظ ردة فعلها تلك.
- يبدو أنني نسيت فحص سيارتي صباحًا إن الإطارات بها ثقبٌ كبير.
- إنني تحتُ أمرك آنسة صوفيا يُمكنني إيصالك.
- أشعر أنني أقوم بتضييع وقتك.
أردف بابتسامة:
- لا هذا يُسعدني كثيرًا فأنا أريد البقاء معكِ وقتًا أكثر.
شعرت بالتوتر عندما قال جُملته تلك .. وأمسكت بيد حقيبتها بتوتر واضح .. قام جواد بفتح باب المقعد المجاور لعجلة القيادة ينتظرها أن تصعد العربة .. اقتربت نحوه ببطئ وصعدت السيارة وهو أغلق الباب خلفها بابتسامة وركب في مقعد القيادة وبدأ بالتحرك.
تحدث جواد وهو يعطيها هاتفه..
- قومي بفتح الموقع لتحديد الطريق.
- حسنًا.
قامت بفتح الموقع له وتشغيل الإتجاهات وأعطته إياه مرة أخرى .. بعد مرور عدة دقائق .. وقف جواد بسيارته أمام مكانٍ ضخم للمشروبات ..
صوفيا بابتسامة وهي تطالعه:
- شكرًا لك سيد جواد على إيصالكَ لي.
ثم ترددت كثيرًا في فعل تلك الخطوة ولكنها قامت بها ولا تدري ما السبب حيث قامت بتقبيل وجنته وخرجت من السيارة .. أما هو كان فقد يشعر أنه تائهًا وقام بوضع يده على موضع قبلتها .. طوال حياته لم تُعطِهِ شمس قبلة وهي واعية وهي الآن تقبله وهي غير واعية؟!
......................................................
خير اللهم اجعله خير؟ الريفيوهات قلت جدا لدرجة ان أربعة بس اللي عملوا ريفيو، الترشيحات مافيش غير بنوته اللي رشحتها .. طب أنا ضغطت على نفسي وبيتي وحياتي ونزلت فصلين في الاسبوع عشان التشجيع اللي شوفته الجمعة اللي فاتت طب انا كده مش متشجعة اني أكمل بالشكل ده وخاصة اني مع الأسف شوفت ان مافيش شئ يشجع ده مخليني مش عايزة أضغط على نفسي وانزل برحتي بقا ولا انا غلط؟
اصل في الأول وفي الآخر ده تقدير لتعبي فأنا زعلانة ان ماحدش قدر تعبي الاسبوع اللي عدا ده وحقيقي بفكر ارجع زي ماكنت عشان حياتي أولى بالوقت ده
تسلموا.
↚
استفاق من شروده عندما دخلت ذلك المكان ونزل من سيارته وبخطوات ثابتة وهادئة دخل المكان خلفها .. وجدها تقترب من أحد الشُبَّان تُصافحه مصافحة الأصدقاء وقام بضمها وهي مبتسمة أما جواد فكان الغضب والغيرة يشتعلان بداخله بشده لأن زوجته بين ذراعي شخصٍ غيره .. اقترب نحوها بسرعة البرق يُبعدها عنه من خلال امساكه لذراعها ..
أردفت صوفيا بدهشة:
- سيد جواد؟ لماذا أتيت خلفي هل نسيتُ شيئًا ما بالسيارة؟
كاد أن يتحدث ولكن دانييل من تحدث بضيق:
- من هذا صوفي؟ ولماذا يمسك بكِ هكذا؟
كادت أن تتحدث ولكن جواد من تحدث:
- ومن أنت أيُّها المتشبه بالنساء لكي تقوم بضمها؟
- ألا تعلم مع من تتحدث يا هذا؟ اتركها إن صوفي تخصني.
أردف جواد بغضب:
- لا دي تخصني أنا يا روح أمك.
وقام بلكمه بقوة في وجهه وصرخت صوفيا، وكاد أن يُكمِلَ عليه ولكنها أوقفته بغضب:
- سيد جواد لماذا تفعل ذلك؟ إن دانييل شريكي في الرقص.
- إذا كان شريكًا لكِ إذًا لماذا يضُمكِ بين ذراعيه؟
صوفيا بضيق:
- من أنتَ لتتحدث معي هكذا؟ من تظن نفسك؟ ثم إننا هنا في بلدِ التحضر ولسنا في البلد المتخلفةٍ التي أتيت منها.
أمسك بوجهها بيده وأردف بفحيح:
- نعم .. أنا من البلد المتخلفة والتي من أولى أولوياتها أنها تُحافظ على شرف المرأة بأية طريقة .. وتؤمن بأن المرأة هي مثال العِفَّة والطهارة على عكس مابنته أفكاركم ومعتقداتكم نحو المرأة وكان سببكم الوحيد هو أنكم بلد حضارة .. وإذا كنتِ تعتقدين أن التحضر أن تكوني بين ذراعي كل شخصٍ تقابلينه فأنتِ في بلادي المتخلفة تلك يعتبرونكِ ع****.
كادت أن تصفعه بقوة ولكنه أمسك بيدها بقوة وأردف بغضب:
- هل آلمتكِ الكلمة كثيرًا لتلك الدرجة؟ ألستِ متحضرة كفاية لأن تتقبلي آراء الغير؟ أم أن حديثي لم يُعجبكِ لأنني على حق؟
ظلا ينظران لبعضهما بتحدٍ ثم أردفت بمكر واستهزاء:
- عجبًا أنك لم تتزوج حتى الآن! حقيقةً أُشفقُ كثيرًا على من ستتزوج بك لأنها ستتزوج معتوهًا مثلك .. أنت حتى لا يوجد بك أي صفات من صفات الرجل المثالي الذي تتمناه أي إمرأة .. لست ذكيًا كفايةً لمعرفة كيف تتعامل مع إمرأة.
ثم صمتت لثوانٍ ثم أردفت بكلمةٍ يمقتها كثيرًا ..
- أكرهُك.
ثم ابتعدت عنه وأمسكت بيد دانييل تتحداه وخرجت من المكان؛ أما هو فكان يقف بمكانه مشدوهًا لقد جرحته بعدما أخبرها بما بداخله بصدق وهما في طريقهما إلى هنا ..
منذ عدة دقائق:
قامت بفتح الموقع له وتشغيل الإتجاهات وأعطته إياه مرة أخرى، ونظرت للخارج بشرود وشعرها الأسود يتطاير بسبب تيار الهواء، كان يطالعها بطرف عينيه أثناء قيادته للسيارة .. كانت جميلة كالعادة بالطريقة التي دائمًا تسرق قلبه بها ..
- أوتعلمين؟
ذلك ما أردف به جواد أثناء انشغاله بالقيادة، التفتت إليه تطالعه باستفسار ..
- كل هذا لا يليق بكِ.
- ماذا تقصد سيد جواد؟
أردف جواد بابتسامة بسيطة:
- لماذا تُصرين على قول سيد جواد؟ أنا فقط أًدعى جواد.
كانت تشعر بالحيرة قليلًا ثم أردفت:
- لأنني لا أعلم جيدًا من أنت لذلك أناديك هكذا.
ابتسم نصف ابتسامة ثم أردف:
- مع الأيام ستعرفينني جيدًا وستنادينني جواد أو حب....
صمت قليلًا ثم استأنف ..
- سنترك اللقب للأيام.
ابتسمت ابتسامة سرقت قلبه، تاه في ابتسامتها تلك ولكنها تحدثت..
- هيا أكمل حديثك سيد جواد، ما الذي لا يليق بي؟
- مايحدث .. ماتفعلينه .. أشعر أن هذا ليس أنتِ.
أردفت بعدم فهم:
- ماذا يحدث وماذا أفعل أنا؟
- أقصد وجودكِ في المافيا الروسية، ذلك لا يليق بفتاة جميلة مثلك.
شعرت بالخجل من إطراءه ذلك ثم أردفت:
- أنا فقط أساعد عمي في إعطاءه بعضًا من آرائي التي من الممكن أن تساعده ولكنني لا أريد أن أنخرط في تلك الأمور الآن .. أنا فقط أحبُّ الرقص وأنا أفعل ما أحب.
طالعها باستفسار واستأنفت:
- أنا أتعلم الرقص .. جميع أنواع الرقص .. أشعر أن بداخلي فتاةً أخرى تريد الخروج، والرقص مايجعلني أشعر بتلك المشاعر وأعطيها الحرية لتخرج.
صمتت قليلًا ثم أردفت بشرود:
- أشعر أن هناك جزءٌ مدفونٌ بداخلي والرقص هو مايجعله يخرج.
كان جواد يطالعها بحب إن شمس هي التي بداخلها .. شمس الشقية التي تحب المغامرة هي أيضًا كانت تحب الرقص .. كانت دائمًا ترقُصُ خِلسَةً في غرفتها عندما كانت مراهقة وكان يراقبها عن بُعد بشغف مراهق وقع في حب تلك المراهقة المتهورة .. استفاق عندما تساءلت ..
- هل يُمكنني أن أسألك في شيءٍ ما؟
- تفضلي.
صمتت قليلًا ثم أردفت:
- لما لم تتزوج حتى الآن؟
أردف باستفسار:
- لماذا تسألينني ذاك السؤال هل يوجد شيءٌ ما؟
- لا أنا فقط أشعر أنك تكبُرُني كثيرًا أعتقد أنك قريبًا من سن عمي فيليب .. أعتقد أنك أربعيني صحيح؟
- أربعيني؟! وقريبًا من سن فيليب أيضًا؟ ذلك العجوز!!.
أردفت صوفيا بحرص:
- ماتتحدث عنه هو عمي سيد جواد.
أردف جواد بتنهيده:
- ما أقصده هو أنني صغيرٌ بالسن لستُ كبيرًا لتلك الدرجة ..
ثم صمت قليلاً وأردف باستسلام:
- حسنًا، لقد قاربتُ على الأربعين.
ابتسمت بهدوء ولم تتحدث ..
- لم تلك الإبتسامة؟
- لا شيء، في بعض الأحيان أشعر أنكَ مرحٌ قليلًا لأنني ومنذ أن قابلتك وأنا أشعر أنك تريد قتل كل من يتحدث إليك.
ابتسم بهدوء واكنه لم يتحدث ..
- لم تُجِبني على سؤالي بعد.
نظر في عمق عينيها للحظة قبل أن ينظر أمامه يكمل تركيزه في القيادة:
- لم أتزوج حتى الآن لأنني لم أجدها.
- من هي؟
- فتاة أحلامي.
أتمنى من كل قلبي أن تجدها سيد جواد.
عودة:
استفاق من شروده ووجد كل من بالمكان يطالعونه بشفقة ولكنه تحكم بغضبه وخرج من المكان وقام بقيادة سيارته يذهبُ لمكانٍ ما وأثناء قيادته قام بالإتصال بفيليب:
- أعطني رقم هاتف صوفيا.
أغلق فيليب معه وأعطاه رقم هاتفها وظل يهاتفها عدة مرات ولكنها لم تُجِب، أرسل لها رسال نصية.
"في المرة القادمة يجب عليكِ أن تفكري جيدًا في كل كلمة ستقولينها لي."
ثم ألقى هاتفه جانبًا بغضبٍ.
.......................................
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
كانت صوفيا جالسة بجوار دانييل في شقته تنظر أمامها بشرود تتذكر ماحدث بينها وبين جواد .. لماذا كان يتحدث إليها هكذا؟ لماذا قلل من شأنها كإمرأة؟ هي لم تفعل شيئًا خاطئ، وتلك الرسالة النصية التي أرسلها لها ماذا يقصد؟ هل سيقتلها؟؟ ..
انتفضت عندما أمسك دانييل بذراعها يتحسسها..
- هل أنتِ بخير؟
أبعدت ذراعها عنه بهدوء وأردفت:
- أنا بخير، إذا ماذا كنت تريد أن تُخبرني؟
اقترب دانييل منها لدرجة الإلتصاق ..
- لقد انفصلت عن حبيبتي مساء أمس ومنذ ذلك الحين وأنا أشعر بأنني تائِهًا .. صوفيا، أنا بحاجة إليكِ.
رفع يده يلعب بخصلة من شعرها ولكن صوفيا ابتعدت عنه قليلًا وأردفت ..
- دانييل، أنا لستُ مُسَكِنًا لك .. وأبعد يديك عني.
أنزل دانييل يديه وأردف بهدوء:
- حسنًا .. حسنًا لا تقلقي، يبدو أنكِ متوترة بسبب ماحدث خذي ذلك المشروب سيهدأكِ قليلًا.
ومن غضبها شربت المشروب كله دون حتى أن تنظر إلى ماهيته، وبعد عدة دقائق شعرت بالقليل من الإرهاق والنعاس.
- يجب أن أرحل.
أمسك دانييل بذراعها يمنعها.
- إلى أين تذهبين؟
- أريد العودة إلى المنزل.
- إبقي معي قليلًا.
كان يلمس جسدها لمسات مقززة وهي كانت تحاول منعه ولكن إرهاقها كان يجعلها ضعيفة .. قامت بفتح حقيبتها بصعوبة وقامت برش وجهه برذاذ الفلفل ..
دانييل بصراخ:
- أيتها الع**** اللع***.
أخذت بسرعة الصاعق الكهربائي عندما اقترب منها أكثر وقامت بصعقه ووقع أرضًا .. أمسكت هاتفها والنوم يغلبها واتصلت بآخر رقم كان يحاول الإتصال بها وكان رقم جواد والذي أجاب مُسرعًا.
جواد بضيق:
- نعم؟
أردفت بنعاس:
- سيد جواد، أرجوك.
ولكنها لم تتحدث بعد ذلك والمكالمة تُرِكَت مفتوحة.
وقف بسيارته بعدما أصدرت صريرُا عاليا وهو يوقفها وقام بالاتصال بفيليب ..
- أعطني أي عناوين تخصُّ ذلك المدعو دانييل.
- ماذا هناك جواد؟
- لا شيء أريد عناوينه فقط.
- حسنًا.
وبعد عدة دقائق كان دانييل استفاق من الصدمة الكهربائية التي تعرض لها وكانت صوفيا نائمة بجوارهِ أرضًا ..
- غبية.
ذلك ما أردف به دانييل عندما اقترب نحوها وكاد أن يشرع فيما سيفعله بها ولكنه فزع عندما أُطلقت النيران على باب شقته حتى إنكسر مقبض الباب، دخل جواد الشقة وملامحه تحمل أكبر معاني الغضب .. اقترب من دانييل الذي كان سيفر هاربًا عندما رآه ولكنه أطلق الرصاص عليه من بندقيته التي يحملها بين يديه وأصابه في قدمه مما جعل دانييل يقع أرضًا وهو يصرخ بقوة .. اقترب نحوه وانقض عليه باللكمات .. كان لا يرى أمامه من كثرة الغضب وهو يفكر كثيرًا هل قام بإنقاذها؟ هل أتى في الوقت المناسب؟؟ بعدما انتهي منه وغاب عن الوعي هرول نحوها بلهفه وخوف ..
- شمس.
كان يحاول إيقاظها ولكنها لا تستيقظ ولكن كان تنفسها منتظم مما يدل على أنها نائمة يبدو أن ذلك الوضيع قد أعطاها شيئًا.
قام بحملِها بين يديه ووضعها في سيارته وعاد لشقة دانييل وحمله أيضًا وقام بإلقاءه في صندوق السيارة.
.............................
نبضات قلبها تتسارع تركض في غابة كثيفة حتى انقطعت أنفاسها وهي تهرب منه .. تهرب من ذلك المخادع الذي خدعها بإسم الحب .. بين الأشجار تركض وتحاول أن تبقى صامته لكي لا يسمع صوت أنفاسها لأنها تعلم أنه سيأتي لها ليقتلها .. ثم أصبح الحلم أسود وبعدها شعرت بأن هناك من يحملها ويضمها في آنٍ واحدٍ.
استيقظت وهي تتنفس بسرعة كبيرة تشعر بأنها كانت تركض في ممر طويل جدا لا ينتهي .. ما هذا الحلم الذي عاشته؟ تشعر أنه حقيقي .. نظرت حولها ووجدت نفسها بفراشها في قصر عمها .. ظلت عدة دقائق تتذكر ماحدث .. كانت قد تشاجرت مع السيد جواد وبعدها تركته وذهبت مع دانييل في شقته ..
- غبية!
ذلك ما تحدثت به لنفسها ولكنها لا تتذكر ماذا حدث بعد ذلك .. وكيف أتت إلى القصر؟ .. استفاقت عندما فُتِحَ باب الغرفة وكان فيليب من دخل.
- عمي، ماذا حدث؟
- حَمدًا لله على سلامتك، لقد خِفتُ كثيرًا عندما أخبرني السيد جواد بما حدث.
- السيد جواد! ماذا حدث عمي؟
- إن السيد جواد أنقذك من بين يدي ذلك الشاب السيء الذي يُدعى دانييل لقد حذرتك سابقًا من ذلك الشاب صوفيا، وأنتِ لا تنصِتين إلى أبدًا.
أردفت صوفيا بعدم فهم:
- إذا جواد هو من أتى بي إلى هنا؟
- أجل.
ظلت صامته تشعر بالهزيمة أمامه لقد كانا يتشاجران بسبب دانييل وفي النهاية إتضح أنه كان محقًا .. لكن لا هي ليست مخطئة .. كانت تتعامل بحُسنِ نية مع دانييل ولكن كان ذئبًا مفترسًا كغيرة من الرجال .. ثم أين هو دانييل؟
انتبهت عندما دخل جواد غرفتها وقامت بسرعة بإخفاء الظاهر من جسدها .. عقِدَ جواد حاجبيه بسبب فعلتها تلك ووجه حديثه لفيليب:
- ماذا تفعل هنا؟
عقد فيليب حاجبيه أيضًا:
- أطمئن على إبنة أخي.
جواد باستهزاء:
- حسنًا، من فضلك أخرج لدي الكثير لأتحدث به مع إبنة أخيك!
خرج فيليب دون أن يضيف كلمة أخرى أما بالنسبة لجواد فقد جلس على فراشها ينظر أمامه بشرود لبعض الوقت..
أردفت صوفيا بجفاء:
- ماذا تريد؟
- هل فعل لكِ شيء؟
ذلك ما تحدث به جواد بهدوء وهو ينظر في عمق عينيها.
- لا أعتقد .. أتذكر أنني قد بخخت رذاذ الفلفل في عينيه و صعقته بصاعقي الكهربائي ووقع أرضًا.
همهم ولكنه لم يتحدث يفكر في الكثير من الأمور ..
- أين هو؟
- ليس لكِ شأن في أن تعرفي أين هو، المهم أن تتعلمي من خطأكِ.
صوفيا بغضب:
- أنا لستُ مخطِئة.
أردف جواد بغضب:
- بل مخطئة، كيف تذهبين إلى شقةِ شابٍ أعزب وحدكِ؟
اعتدلت وتركت فراشها واقتربت منه بغضب بثوب نومها العاري:
- مُجددًا؟! ستتحدث مجددا عن معتقداتك المتخلفة أمامي؟! ثم من سمح لك يا هذا أن تتدخل في حياتي هاه؟
أمسك بكتفيها العاريين وقربها نحوه وأردف بهدوء:
- أعذركِ لأنكِ لا تفهمين شيئًا ولكن لا تمنعيني في أي شيءٍ يخصك بعد الآن، لأن ذلك لن يحدث أبدًا صوفيا.
أردفت بغضب وصراخ وهي تحاول الفكاك منه:
- أكرهُك.
نظر لهيئتها الصارخة تلك لعدة ثوانٍ ثم أردف وهو يحاول منع نفسه من تقبيلها وإتمام زواجهما الآن:
- وأنا أيضًا .. ولا ترتدي تلك الملابس مرةً أمامي أو أمام فيليب أو أي رجل آخر هل فهمتِ؟
كادت أن تتحدث وتصرخ في وجهه ولكنه ابتعد عنها بصعوبة وخرج من الغرفة ووجد فيليب أمامه.
- إذا كنت تريدها أن تُحبك مجددًا لا تفعل ذلك معها، إنها تكرهك جواد!
أردف جواد بالمصرية:
- مش مهم .. هي مش واعية للي بيحصلها .. لما الذاكرة ترجعلها هتفتكر إننا بنحب بعض وهنرجع زي الأول وأحسن.
فيليب بالمصرية:
- ولكن إنت يا جواد مش مساعدها على كده، بل إنت بتعقد الأمور أكتر، إنت كده بتخليها تبعد عنك وفرصتك إنك تساعدها في رجوع ذاكرتها بقا صعب .. حاول تكون ليَّن معاها البنات بييجوا باللين والود والمحبة والتفاهم مش الغصب! وطول مانت بتؤمر هي هتعنِد قُصادَك .. والعِند بيخرِب العلاقات.
أردف جواد بعصبية:
- يعني المفروض أعمل إيه دلوقتي؟
فيليب بعقلانية:
- هقولك تعمل إيه، بس لازم تسمع كلامي كله وتنفذه بالحرف الواحد.
جواد بغضبٍ وسخرية:
- أنا أنفذ كلامك إنت؟ إنت هتفهم إيه أكتر مني؟
فيليب باستفسار وتعجب:
- هي إزاي قدرت تحبك بأسلوبك الهمجي ده؟!
كاد أن يغضب جواد ويثور ولكن أوقفه فيليب وأردف مؤكدًا:
- هتسمع كلامي بالحرف الواحد وهتخليها تحبك من تاني تمام؟
ظل فيليب عاقدًا حاجبيه بغضب أمام جواد الغاضب أيضًا والذي لا يعجبه حديث فيليب ولكن عاد يفكر بشمس وفي طريقة أيضًا لمساعدتها في عودة ذاكرتها ..
جواد باستسلام:
- موافق.
فيليب بابتسامة وهو يقدم يده لجواد:
- اتفقنا.
ظل جواد ينظر ليده قليلًا ولكنه قام بمصافحته أيضًا.
↚
في مكان معزول في روسيا وفي غرفة بيضاء بداخل مبنى ضخمٍ لا يوجد بها سوى نافذة واحدة محاطة بالقضبان الحديدية .. كانت آسيا صاحبة البشرة البيضاء الشاحبة ذات الشعر الأسود المختلط ببعض الشعيرات البيضاء تجلس على فراشها وتنظر أمامها بشرود .. خرجت من شرودها ذلك عندما فتح باب الغرفة ورأته يدخل للغرفة تحولت من ملامحها إلى الذُعر وعادت للخلف بهدوء حتى التصقت بحائط الغرفة بجانب الفراش ..
أردف ماتيوس بلوعة وهو يقترب:
- إشتقت إليكِ كثيرًا آسيا.
أردفت بارتعاش:
- أرجوك، ابتعد عني.
- إهدأي حبيبتي، لن أؤذيك أنا فقط جئت لأطمئن عليكِ.
كلماته لها لم تجعلها تهدأ يل جعلتها تشعر بالخوف أكثر.
اقترب منها كثيرًا حتى أمسك بيدها يقبلها ولكنها اشمئزت منه وأبعدت يدها عنه بسرعة، وأردفت باشمئزاز وخوف في آنٍ واحدٍ:
- أنا أكرهك كثيرًا ماتيوس، ابتعد عني.
ولكنه لم يبتعد بل أمسك بخصلة من شعرها يقوم بإستنشاق رائحتها، ابتلعت بخوف.. أردف بهدوء وهو مغمضٌ عينيه يمسك شعرها..
- أنا أكرهه كثيرًا آسيا لقد أخذكِ مني مرة ثم أتى إبنه ليأخذكِ مني مرة أخرى! لكن لا .. لن يستطيع أحدٌ أن يأخذكِ مني حبيبتي، نحن لبعضنا منذ أن تقابلنا.
أردفت بغصة:
- أنت مريض ماتيوس.
أردف بتأثر وهو يطالعها:
- لا أنا لست مريضًا أنا فقط أحببتكِ، وإذا أخذكِ مني أحدٌ سوف أقوم بقتله، أتعلمين ما يغضبني .. أن إبنكِ وزوجكِ قد تعاونا سويًا في أعمالهما.
تحولت ملامحها للدهشة وأردفت بإرتعاش:
- كيف؟! .. هل .. هل فيليب حي؟
- أنتِ مسكينةٌ آسيا لقد عشتِ طوال حياتك تبكين على الأطلال بينما هو حي يُرزق ويعبث مع الأُخريات بعدما قام بتزوير وفاته لكي تبتعدي عنه.
أردفت ببكاء:
- أنت كاذب، إن فيليب لا يمكنه تركي وحدي .. إن فيليب يحبني.
- لا عزيزتي .. إن فيليب قد ترككِ وحدكِ بإرادته ولو كان يحبكِ لكان بحث عنكِ طوال الثلاثون عامًا الماضية لكن يبدو أنه مستمتع بحياته بدونك.
انهمرت عبراتها بغزارة واستأنف ماتيوس حديثه:
- لا تحزني حبيبتي، سأقتله هو وابنه لأجلكِ.
طالعته بذهول وأردفت بصراخ:
- لا .. لا تفعل .. أرجوك .. اقتلني أنا بدلاً منهما .. اتركهما أرجوك.
أردف ماتيوس بابتسامة واستفزاز:
- وفري صراخكِ ذلك، عاجلًا أو آجلًا فقد اقتربت نهايتهما حبيبتي.
قبل مقدمة رأسها بهوس أما هي قد دفعته بضعف ولكنه ابتسم وأردف:
- سآتي لكِ مرة أخرى .. سأترككِ لكي ترتاحي قليلًا.
ثم خرج من الغرفة وتركها تبكي بحُرقَةٍ بسبب خوفها على زوجها وابنها .. تشتت تفكيرها عندما أخبرها ماتيوس بأن فيليب حي .. كيف؟ كل تلك السنوات كانت تظنه متوفي .. لا بل هو توفى بالفعل .. كيف يكون حي ويتركها ولا يبحث عنها؟ .. كيف؟ ألا يعلم كم عانت بعد وفاته؟ لكن لا إنها لن تصدق ماتيوس إنه بالتأكيد يكذب .. إن فيليب لن يتركها مهما حدث .. ما بينها هي وفيليب ليس مجرد زواج! إن بينهما عشقٌ كبيرٍ لم ينتهي! .. أغمضت عينيها تسمح لتلك العبرة بالنزول عندما أتى على بالها كيف التقيا.
منذ ثلاثون عامًا:
كانت تقف بابتسامتها اللطيفة في مطار القاهرة تحمل لافته بأسماء السائحان الروسيان اللذان سترافقهما طوال رحلتهما في مصر وتلك طبيعة عملها كمرشدة سياحية .. تتذكر جيدًا كم وصاها رب عملها عليهما يبدو أنهما مهمان كثيرًا وتذكرت حديثه الذي لا يذهب من ذهنها تمامًا:
- لازم زيارتهم لمصر تعجبهم يا آسيا، لازم تكوني متعاونة معاهم وفاهماهم وتساعديهم متحسسيهمش إن في صعوبة في زيارتهم هنا.
تمتمت بهدوء لنفسها:
- كلها كام يوم وهيمشوا وهاخد أجازة لطيفة.
انتبهت عندما خرج المسافرون من المطار ورفعت اللافته لعلهما يلاحظانها وذلك لأنها لا تعلم ماهو شكلهما حتى الآن .. انتبهت لشابين ينظران للافته وهما يقتربان منها، أحدهما كان شعره أشقر قصير كان متوسط الطول ملامحه كانت عادية، كان أملسًا، بشرته بيضاء وأما الآخر كان شعره أسود يميل للون البني مجعدًا أو كما يقولون في أيامنا الآن *كيرلي* .. كان شابًا طويلاً قليلًا ملامحه كانت هادئة بشرته قاتمة ذو شارب ولحية غير كثيفين كان جسده ممتلئًا بالعضلات ولديه وشم عند كتفه لكنه غير ظاهر كله بسبب القميص الأبيض الناصع الملتصق بعضلات جسده .. كانت شاردة بذلك الشاب ولم تنتبه لحديث الآخر لها ..
- مرحبًا آنسة أنا ماتيوس وهذا فيليب.
ظلت تُحملق في ذاك الشاب الجذاب الذي يُدعى فيليب والذي ابتسم لها ابتسامة جذابه أظهرت أسنانه ناصعة البياض عندما لاحظ نظراتها تلك، استفاقت وشعرت بالإحراج عندما انتبهت أنه يبتسم لها ..
- اه أهلا بيكم.
أردف ماتيوس بإستفهام:
- عفوا، ماذا تقولين؟ هل تتحدثين الروسية؟
أجاب فيليب بدلًا عنها:
- بالطبع عزيزي ماتيوس إنها تتحدث الروسية لقد أخبرنا الرئيس بذلك، مرحبًا آنسة .. أنا فيليب.
مد يده يصافحها ابتسمت بتردد وصافحته هي أيضًا بيدها والتي هي صغيرة جدا بالنسبة ليده الضخمة بارزة العروق.
شعرت أنه يحتويها بيده، علت ملامح الاستفهام وجهه عندما أمسك بيدها وشعر بشعورٍ غير مفهوم .. انتبه الإثنين عندما قدم ماتيوس يده ليصافحها هي أيضًا ..
- مرحبًا بكِ.
أردف بتلك الكلمة بابتسامة بلهاء أما هي فقد أخرجت يدها من يد فيليب التي شعرت أنها هجرته فجأة بفعلته تلك عندما أبعدتها عنه وصافحت ماتيوس بشكل رسمي مردفة بابتسامة..
- مرحبًا بكم في مصر، أنا أُدعى آسيا سأرافقكم طوال الرحلة لكي أرشدكم لكل الأماكن التي تريدون الذهاب بها هنا.
أردف ماتيوس بابتسامة:
- نحن فقط نريد الذهاب إلى........
ولكن قاطعه فيليب بهدوء وهو يطالع الجميلة التي أمامه:
- ستسعدنا كثيرًا رفقتكِ لنا آنسة آسيا، أوتعلمين نحن نريد أن نعرف الكثير عن مصر ومعالمها السياحية .. سنبقى هنا لشهر تقريبًا وأريد في ذلك الشهر أن نزور كل معلمٍ سياحي بها.
أردفت آسيا بالمصرية بصوت مسموع ولكنهما لم يفهما ماتقول:
- يعني مش يومين تلاتة؟؟ شهر! يعني هشتغل شهر من غير ما آخد أجازة!!
فيليب باستفسار:
- عُذرًا ماذا تقولين؟
آسيا بابتسامة:
- لا شئ، سأكون سعيدة جدًا بمرافقتكما أيها السيدان، هيا اتبعاني.
التفتت للخلف ونفخت بضيق ثم ذهبت نحو السيارة التي سيتحركون بها طول تلك المدة.
كان فيليب وماتيوس يسيران خلفها وهما يحملان حقائبهما وتحدث ماتيوس بتعجب:
- لما أخبرتها أننا سنبقى شهر؟ مهمتنا لن تستغرق يومين فيليب.
أردف فيليب بابتسامة:
- هل تمزح؟ نأتي لمصر مرة بالعمر ولا نعلم متى سنأتي مرة أخرى وتقول لي يومين؟؟ سأختلق حُجة نخبر الزعيم بها .. ولكننا سنستمتع قليلًا فمن الواضح أن مصر جميلة جدا.
قال آخر كلمة وهو يطالع آسيا التي تشير لهما بأن يركبا السيارة والتي تنتظرهما.
تحركت السيارة بعدما ركبا .. كانت آسيا تجلس بجانب السائق مرتدية عدساتها الشمسية وتنظر للطريق بجانبها بشرود فهي هكذا عندما تركب أي سيارة تشرد بالطرقات ولم تنتبه لفيليب الذي يجلس خلفها يراقبها ويراقب شرودها وأيضًا شعرها الذي يتطاير خلفها بسبب فعل تيارات الهواء .. وصلا بعد عدة دقائق لفندقٍ ضخم ونزلا من السيارة وتبعاها لداخل الفندق، أخذت مفاتيح الغرف من الإستقبال في الفندق واقتربت نحوهما تعطي كل واحدٍ منهما مفتاحًا وأردفت بابتسامة:
- تلك مفاتيح غرفة كلًا منكما، يمكنكما أن تستريحا اليوم وأنا سآتي في صباح الغد لاصطحابكما إلى الأهرامات.
أردف ماتيوس باهتمام:
- وأين ستكونين أنتِ؟ ألن تبقي معنا هنا، كنت أعتقد أنكِ قمتي بحجز غرفة معنا.
ولكنه تأوه بصوت غير مسموع لها عندما ضغط فيليب على قدمه.
آسيا بإبتسامة:
- شكرا لإهتمامك سيد ماتيوس ولكنني لدي منزل.
فيليب باستفسار:
- كيف سنتصرف هنا دون وجودكِ معنا؟ فلنفترض أنني أريد الذهاب بعد قليلٍ لمكان ما، كيف سأفعلها؟ أليس عملك هو أن ترافقينا في جميع الأماكن التي نود الذهاب إليها؟
تشعر أنه يضغط عليها كثيرًا بكلماته تلك ولكنها أردفت:
- سيد فيليب لدي عائلة تقلق عليّ إذا غبتُ كثيرًا من الممكن أنني إذا اختفيت ساعة واحدة دون أن أخبرهم أين أنا سيعتقدون أنني قد أختُطِفت، أعدكم أنني سأكون معكم بداية من الغد ثم إنني لن أترككم سوى اليوم فقط .. يجب أن ترتاحا قليلًا.
ظلا ينظران لبعضهما قليلًا ثم أردف فيليب بهدوء:
- حسنًا آنسة آسيا، عمتِ مساءًا.
ثم التفت للخلف وأمسك بذراع ماتيوس ليجعله يلاحقه..
أما بالنسبة إليها فقد أخذت نفسًا عميقًا عندما تركاها وأردفت:
- ماتعصبيش نفسك يا آسيا، هما ممكن بس عشان حاسين إنهم تايهين فبيتكلم كده، أنا فعلا مكنش ينفع أقولهم إني حاجزة أوضة هنا فعلا عشان خوفت من اللي اسمه فيليب ده، هو اه حلو وقمور بس .........
استفاقت مما تقول عندما انتبهت أنها تغازله! تنهدت ثم انتظرت قليلًا وبعدها صعدت خلفهم بعدما تيقنت أن كل واحدٍ منهما دخل غرفته .. دخلت غرفتها هي أيضًا وارتمت بجسدها على الفراش تُغمض عينيها بارتياح ولكن بعد عدة دقائق .. انتبهت أن هناك طرقات على باب غرفتها، اعتدلت وذهبت لتفتح الباب وصُدِمَت عندما وجدت فيليب يقف أمامها وأردف بابتسامة:
- يبدو أنكِ قمتِ بتغيير رأيكِ بسرعة.
كادت أن تتحدث محاولة تبرير وجودها هنا ولكنه أردف بدلًا عنها:
- أو من الممكن أن نقول أنكِ كذبتي منذ البداية.
- سيد فيليب كيف تقول ذلك ؟ أنا لستُ كاذبة.
- آنسة آسيا لقد علمت منذ أن قابلناكي أنكِ ستبقين معنا بنفس الفندق .. لقد رأيت حقيبتكِ موجودة بجوار حقائبنا عندما وصلنا إلى الفندق ناهيك عن ذلك لقد انتبهتُ لوجودِ مفتاحٍ ثالثٍ بين يديكي .. لماذا تكذبين إذا؟
ظلت تطالعه بإحراج لقد تم ضبطها كالطفلة صغيرة التي قامت بسرقة حلوى لمجرد أنها تريد تزَوُقِها ..
- أريد أن تخبرينني لما؟
- لقد قلقت منكما .. إنكما ترعبانني .. يبدو من مظهركما أنكما لستما مجرد سائِحَين، أشعر أنكما مجرمَين.
ظل يطالعها بهدوء ولكنه أردف بابتسامة:
- تُعجبني صراحتكِ تلك، لكن لا تقلقي إننا مجرد سائحين نريد رؤية معالِم مصر فقط ليس إلا.
ظلت تطالعه في المقابل بعدما طمأنها .. لقد كذبت إنها لا تراهما هكذا بالأخصِ هو .. إنه شابٌ لطيف جميل .. وسيم!
- دعينا نتفق على شيءٍ ما.
آسيا باستفسار:
- ماهو؟
فيليب بابتسامة:
- إننا رِفاقُ رحلةٍ ستدوم لعدة أيام، لا نريد سوى أن تنتهي رحلتنا بسلام.
هزت رأسها واستأنف:
- حسنا، سعدِتُ بلقائكِ آسيا.
طالعته باستفسار ثم أردف:
- لا نريد أن يكون هناك رسمياتٌ بيننا فنحن كما ذكرت أننا رِفاق رحلة.
- حسنا ... فيليب.
نطقت اسمه بتوتر .. أما هو فلا يدري ماذا حدث له عندما نطقت اسمه..
- عمتَ مساءًا.
- عِمتِ مساءًا.
كاد أن يذهب لكنه عاد يقف أمامها مرة أخرى وأردف..
- لقد سمعتُ أن الفندق يُقيم حفلة بعد ساعتين، ما رأيكِ أن نحضُرها؟
أردفت بتعجب:
- كيف علمت ذلك؟
فيليب بإبتسامة:
- أنا لست جاهلًا آسيا فأنا أتحدث الإنجليزية بطلاقة.
حمحمت بإحراج ثم أردفت:
- إذا أردت أن تحضرها أنت والسيد ماتيوس فلتذهبا ولكنني أحبذ أن ترتاحا قليلًا.
- ماذا؟ إن ماتيوس نائم، ثم أنا أقصد أن نذهب سويًا أنا وأنتِ، ما رأيُك؟
شعرت بالخجل والإحراج في آنٍ واحدٍ ثم أردفت بتوتر:
- فيليب نحن في مصر ولسنا في روسيا ثم إنني لست فتاة تخرج مع شابٍ لا تعرفه.
- ماذا تقصدين؟ ثم ألم نتفق منذ دقائق أننا رفاق رحلة، ذلك يعني أننا أصدقاء، ثم يمكن أن تعتبريها أنها جزءٌ من عملك فأنا أريد حضور الحفل.
صمتت قليلًا مرتبكة لا تدري ماذا تقول له..
- ما رأيك؟
آسيا بإستسلام:
- حسنًا سأتجهز.
فيليب بإبتسامة:
- هذا رائع وأنا أيضًا سأتجهز، سأنتظرك هنا بعد ساعتين أمام باب غرفتك، إلى اللقاء.
ثم تركها ورحل وأردفت بتعجب:
- قدام باب الأوضة؟! ده ناقص يدخلها غصب عني، الأجانب دول عليهم دماغ غريبة.
ولكنها أغلقت الباب وذهبت للحمام لكي تزيل عن جسدها إرهاق السفر فهي بالطبع ليست من القاهرة هي من الإسكندرية وأتت إلى هنا لأجلهما ولأن أيضًا طبيعة عملها تعتمد على سفرها للقاهرة دائمًا فهي تعتبر من سُكانها أيضًا.
بعد ساعتين:
كان فيليب يقف أمام بابها مرتديًا بنطالاً أسود وقميصٍ أسود يلتصق بجسده بسبب عضلاته القوية، فتحت آسيا باب غرفتها وكانت مرتدية ثوبًا ذو لونٍ أحمر دون أكمام يصل لما بعد ركبتها بقليل وقد تركت العنان لشعرها مما زاد إعجاب فيليب بها.. كان يطالعها بهدوء ولكنها أردفت:
- هيا يجب أن ننزل.
هز رأسه ولكنه ظل واقفًا مكانه، وشعرت بالتوتر بسبب نظراته تلك والتي تشعر أنها تخترق روحها ولا تدري لماذا؟
- سيد فيليب، يجب أن تتحرك لكي أستطيع أن أخرُجَ من الغرفة.
استفاق فيليب وابتعد عنها وهو يحمحم مردفًا..
- أعتذر.
ابتعد من أمام الغرفة يفسح لها المجال وخرجت من غرفتها ونزلا سويًا وذهبا لمسرح الفندق والذي يوجد به الحفل حيث يغني به العديد من الفنانين المصريين.
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
بعد إنتهاء الحفل:
كانا يسيران في ممر الغرف ..
فيليب بإبتسامة وضحك:
- كان الحفل رائعًا ولكنني لم أفهم أي شيء مما كانوا يقولون.
آسيا بإبتسامة:
- لا تقلق سأجعلك تتحدث المصرية بطلاقة خلال هذا الشهر لكي لا يجعل الآخرين منك أضحوكة، فأنت سترى أعجوبة هنا في الشعب المصري.
صمت فيليب قليلًا وهو مبتسمًا ثم أردف:
- يبدو أنكِ تحبين بلدكِ كثيرًا.
آسيا بإبتسامة:
- لما لا أحبها؟ إنها بلدي لا ملجأ لي سواها.
توقفا أمام غرفتها وأردف:
- وأنا أيضًا أريد أن أُحبها.
ظلا يطالعان بعضهما لبعض الوقت ثم أردفت آسيا ببعض المرح:
- ستحبها كثيرًا عندما تتحدث مع شعبها وتتعامل معهم إن المصريين يتميزون بخفة دمهم.
تحدث فيليب وهو ينظر في عمقِ عينيها:
- ألا يكفيني أنتِ؟
شعرت بالتوتر بسبب سؤاله ذلك ولكنها اعتبرته سؤالا عابر وأردفت:
- كفاكَ أسئلة كثيرة فيليب، يجب أن تنام جيدًا لأننا سنبدأ رحلتنا في صباح الغد.
هز فيليب رأسه وأردف:
- حسنًا نتقابل غدًا.
دخلت غرفتها وهو توقف لعدة دقائق يحاول أن يفهم ماذا يحدث له ولكنه بداخله يعلم أنها مجرد فتاة جميلة يقابلها مثل أي فتاة أخرى قبلها..
في صباح اليوم التالي:
كان ثلاثتهم يقفون أمام الفندق ينتظرون السيارة وكان فيليب وماتيوس يمسكان حقيبتان كبيرتان ..
أردفت آسيا باستفسار:
- لماذا تُمسكان حقائبكما؟ نحن سنتنزه ولن نسافر.
أردف فيليب:
- لا تقلقي نحن نخاف على أشيائنا.
أردف ماتيوس باستفسار يقوم بتغيير الموضوع:
- أخبريني مجددًا أين سنذهب آنسة آسيا؟
- سنذهب لنتناول طعام الفطور أولا ثم سنأخذ جولتنا في الأهرامات ثم بعد ذلك إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي وبعدها سنتناول طعام الغداء.
وصلت السيارة وصعدوا إليها وبعد عدة دقائق كانا يجلسان معها في مطعمٍ لا يعلمون ماهيته وينظرون للأشخاص حولهم بتعجبٍ ..
فيليب بإستفسار:
- ماذا سنأكل؟
أردفت آسيا بابتسامة:
- فول وطعمية.
ماتيوس بإستفسار:
- ماهذه الأكلة؟
- إنها أكلة مصرية شعبية نتناولها في الفطور.
- حسنا.
أما فيليب فقد ابتسم ولم يُزِد وأتى طعامهما، أردفت آسيا بتحذير..
- لا أريد أن تأكُلا كثيرًا لأن معدتكما لن تتحمل الكثير منه، وكُلا مِثلي
هزا رأسيهما وبدءا بتناول الطعام مثلما تأكل .. وكانت آسيا تتناول الطعام وهي تستمع لأغنية للمغنية القديرة أم كُلثوم قا بتشغيلها صاحب المطعم على الراديو.
وبعد أن انتهوا ذهبوا للأهرامات وكانت آسيا تشرح لهما كل شيءٍ هُناك .. وأثناء الشرح همس فيليب لماتيوس.
- حاول أن تقوم بإشغالها .. سأقوم بإتمام المهمة وسأعود.
هز ماتيوس رأسه وتركهم فيليب حاملًا الحقيبتين وتعجبت آسيا بسبب رحيله...
- أين ذهب؟
ماتيوس بإبتسامة:
- لقد ذهب إلى الحمام سيأتي بعد قليل .. ماذا كنتِ تقولين؟ أكملي.
كانت تشعر أنهما غريبا الأطوار وذهب فيليب يقابل أحدهم خارج منطقة الأهرامات وأخذ يسأل المارة باللغة الإنجليزية حتى وصل لفندقٍ قريبًا من تلك المنطقة وقابل أحد تجار المخدرات حيث أنه ستحدث عملية مبادلة .. مخدرات مقابل الكثير من الأموال .. وقام فيليب بتلك العملية بذكاء ونجح بها وتم الإحتفاظ بالبضاعة في مكان يخص ذلك التاجر حتى موعد سفر فيليب وماتيوس.
انتهى فيليب من عمله مع ذلك الرجل وعاد للأهرامات مجددًا بدون أي حقائب .. وكانت آسيا تشعر بالقلق بسبب تأخره لقد تأخر ساعتين أي الوقت الذي من المفترض أن تنتهي فيه زيارتهم للأهرامات ..
- لا تقلقي سيعود، ثم ألم أخبركِ كم أنني سعيدٌ عندما علمت أنكِ ستقيمين معنا بنفس الفندق؟
طالعته بتعجب..
- لقد أخبرني فيليب بأنكِ ستبقين معنا بالفندق.
ذلك ما أردف به ماتيوس بابتسامة وهو يطالعها، ولكنها عادت للحديث مرة أخرى بقلق:
- أخاف أن يكون الطعام الذي تناولناه قد سبب له مشكلة.
كاد أن يتحدث ولكن فيليب قد اقترب منهما ..
- أين كنت؟
أردف فيليب بهدوء:
- لقد كنتُ في الحمام ثم حدثت مشكلة عند المدخل وكنت هناك أ.....
أردفت آسيا بضيق وهي تقاطعه:
- قبل أن تتحرك أخبرني أين ستذهب لأنني مسئولة عنكما وعن رحلتكما.
صمت فيليب قليلًا ثم أردف:
- أنا أعتذر لأنني لم أخبركِ.
وكأنه قد أراحها بتلك الكلمة وأردفت:
- لقد انتهى وقتنا هنا فلنذهب.
ثم تركتهما وتابعاها .. وأردف ماتيوس بهمس غير مسموع لفيليب:
- هل تمت المهمة؟
فيليب بابتسامة:
- لا تقلق .. لقد فعلتها.
- ألا يفترض بنا أن نعود؟
- إذا أردت أن ترحل فلترحل أنت، لكن أنا...
ظل يطالع آسيا قليلًا ثم أردف:
- سأبقى لشهر.
- حسنًا سأبقى معك.
وكان ماتيوس أيضًا ينظر لآسيا بإعجاب خافي .. ذهبوا معها إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي وبعد ان انتهوا من زيارته ذهبوا لتناول الغداء والذي كان مفاجأة بالنسبة إليهم فقد كان إسمه كُشري .. مرت الأيام وكان يزداد تقرب فيليب من آسيا بسبب وجودهما سويًا طوال الوقت بسبب زيارتهم للمعالم الأثرية في مختلف محافظات مِصر.
وفي يومٍ ما في القاهرة:
كان فيليب يقف بشرفة غرفته في الفندق ينظر للسماء بشرود يفكر بتلك الفتاة التي شغلته منذ أن أتى إلى مصر تنهد ثم خرج من الغرفة في نية منه للذهاب إلى غرفتها أيضًا ولكنه وجد ماتيوس يقترب نحو غرفتها ..
- ماتيوس؟ إلى أين تذهب؟
ارتبك ماتيوس ولكنها أردف مسرعًا:
- كنت أريد أن أسأل آسيا بخصوص شيءٍ ما.
فيليب باستفسار:
- ماهو؟
بسبب تردده اشتعل الغضب بداخله..
- وما شأنكَ أنت؟ أريد أن أذهب إليها فقط لأمرٍ يخُصنا سويا أنا وهي.
اقترب فيليب منه ممسكًا بياقته وأردف بغضب:
- إن الأمر كله يخصني أنا أيضًا .. لأن آسيا تخصني أنا هل فهمت؟ إنها لي.
ماتيوس بضيق:
- ماذا؟ منذ متى يحدث ذلك؟؟
- منذ أن آتينا ماتيوس وإياك أن تقترب منها مرة أخرى وإلا سأقتلك وأنا لا أمزح في ذلك الشأن.
ظل يطالعه بغضب وابتعد ماتيوس عنه وعاد لغرفته وظل فيليب بمكانه في ممر الغرف يتعجب لما تحدث إلى صديقه هكذا؟ ولماذا قال عنها هكذا؟ ولكن مايعلم أنها قد سرقت قلبه منذ أن تقابلا، أخذ نفسًا عميقًا ثم وقف أمام غرفتها يُطرقها بهدوء .. فتحت باب الغرفة وابتسمت عندما وجدته أمامها وأردفت بالمصرية..
- محتاج مني حاجة؟
أردفت ببعض الكلمات المصرية البسيطة التي علمته إياها في الأيام الماضية:
- تيجي نتمشى شويه؟ محتاج أتكلم معاكِ.
فكرت قليلًا ثم أردفت بابتسامة:
- انتظرني 10 دقاق سأتجهز.
وأعادتها بالمصرية مرة أخرى لكي يتعلمها:
- استناني عشر دقايق هجهز نفسي.
هز رأسه قائلاً وهو يحفظ تلك الجملة بداخل عقلة:
- سأنتظرك.
بعد مرور عدة دقائق كانا يسيران بجوار بعضهما في شوارع قريبة من الأهرامات تلك الشوارع كانت بها إحتفالات يحضرها السياح والمارة ..
أردفت بإستفسار مرة بالروسية ثم يعقبها معناها بالمصري كما اتفقا:
- ماذا هناك؟ .. مالك؟
أردف فيليب وهو يتابع تلك الإحتفالات:
- أنا أفكر لمَ لم أسافر حتى الآن.
- تقصد إيه؟
التفت لها يطالعها لأنه يفهم معنى ما قالته:
- كان من المفترض أن أزور مصر يومين ثم سأعود إلى روسيا ولكنني غيرت رأيي بمجرد رؤيتك.
توقفت بمكانها وطالعته باستفسار وتوقف هو أيضًا واقترب منها ..
- لا أعلم ماذا حدث لي عندما رأيتكِ .. ولكنني تحججت بأي شيء للبقاء معك.
- فيليب أنا .......
قاطعها وأردف:
- لا أريد معرفة رأيكِ الآن .. فقط أريدكِ أن تفكري قليلًا بعلاقتنا وتعطيها فرصة.
صمت وهزت رأسها .. انتبه الإثنان لموكب زفاف يحدث في أحد الشوارع ..
- هيا لأريكَ كيف تُقام الأعراس بمصر.
تبعَهَا وذهبا للعُرسِ ووجدا الرجال يرقصون مع بعضهم والنساء منفصلين عنهم .. واقترب الرجال والنساء نحوهم يرحبون بهم عندما لاحظوا وجود سائحٍ بالعُرسِ .. أخذوا بيده وقاموا بجعلهم يرقصون .. وكان الإثنين سعيدين كثيرًا بتلك الجولة اللطيفة وأخذ فيليب بيدها وهو يراقصها ولكنه أراد أن يذهب بها بعيدًا عن تلك الإحتفالات .. أخذ بيدها يركضان مما جعلها تركض خلفه وهي تضحك وتبتسم وكان يشاركها الضحك وتوقف في شارع مُظلِم عند باب منزلٍ في ذلك الشارع وجعلها تستند بظهرها على الباب واقترب منها لدرجة الإلتصاق ..
كانت تشعر بالضعف وهو قريبٌ منها هكذا ..
فيليب بهمس ووجهه مقاربًا لوجهها:
- لا أستطيع الصمود أمامك، أنا أحبكِ آسيا.
كاد أن يقبِلها ولكنها ابعدته عنها بضعفٍ تمنعه وأردفت:
- فيليب، نحن لسنا بروسيا نحن بمصر.
- فليكن.
كاد أن يقبلها مرة أخرى ولكنها ابتعدت عنه وكادت أن تذهب ولكنه أمسك بيدها يطالعها بتعجب ولكنها أردفت بتشتت:
- هذا لا يصِح فيليب .. لا يمكن أن أفعل ذلك.
- كيف لا يمكن؟؟ أنا أحبكِ آسيا وأنتِ أيضًا تكنين لي المشاعر ما الذي يمنعنا من التعبير عن حبنا لبعضنا؟
أردفت وهي تطالعه في عمق عينيه:
- إننا لسنا متزوجين.
- فلنتزوج إذا والآن.
تحدث بتلك الجملة وهو عاقدًا حاجبيه كانت تطالعه بتعجب، هل ماسمعته حقيقي؟ إنه يريد أن يتزوجها! ..
- هل تمزح؟
- أنا لا أمزح في تلك الأمور.
- لكن كيف؟ لقد تقابلنا فقط منذ ثلاثة أسابيع!
- إذا لمَاذا أشعر أننا قد تقابلنا منذ سنوات؟
ظلا يطالعان بعضهما بحبٍ وأردفت آسيا بصوت مبحوح:
- السفارة المصرية، نقدر نتجوز فيها.
وهكذا قد تزوج الإثنين وعبَّر الإثنين عن حبهما لبعضهما بأفضل طريقة.
↚
استيقظت في الظهيرة وهي بين ذراعيه قامت بفتح عينيها ببطئ شعرت أنها كانت تحلم ولكن الحلم كان حقيقة حيث كان يحيطها بذراعيه القويتين تنهدت بارتياح وكانت سعيدة كثيرًا حيث أنها لم تكن تتوقع أن كل ذلك سيحدث أثناء ممارستها لوظيفتها.
- بتفكري في إيه؟
نطق فيليب بتلك الجملة محاولًا التحدث بالمصرية وبنعاس ..
ابتسمت بهدوء وأردفت:
- مكنتش مصدقة الحركة المجنونة اللي عملناها دي.
صمت قليلًا يطالعها بابتسامة وتحدث بلغته:
- وأنا أيضًا.
كان ماتيوس يبحث عن فيليب ولكنه لم يجده حيث أنه طرق على بابه كثيرًا ولم يُجِب وبحث عنه في الفندق بأكمله ولم يجده أتى على باله فكرة أنه من الممكن أن تكون آسيا تعلم بمكان وجوده
توقف أمام غرفتها وقام بطرق الباب عدة طرقات وانتظر قليلًا حتى فُتِحَ الباب وما صدمه هو وقوف فيليب أمامه عاري الصدر وينظر له باستفسار ..
ماتيوس بعدم استيعاب:
- ماذا تفعل هنا؟!
أردف فيليب بضيق:
- بل أنت ما الذي تفعله هنا؟
لم يستطع ماتيوس أن يتحدث بكلمة وماصدمه أكثر هو ظهور آسيا خلفه وهي تتحدث:
- مين يا حبيبي؟
ولكنها توقفت عندما رأت ماتيوس أمامها وابتسمت:
- مرحبًا بك سيد ماتيوس.
صمتت قليلًا ولكنها استأنفت بخجلٍ واضح:
- لقد تزوجت أنا وفيليب أمس .. صدقني لم نستطع أن نُخبر أي أحد حتى عائلتي .. سيقتلونني أعلم *قهقهت بخفة* ولكننا قد تزوجنا.
ظل ماتيوس صامتًا لم يستوعب حتى الآن زواج صديقه من الفتاة التي أرادها لنفسه.. شعرت آسيا أنه قد تضايق وأردفت:
- سيد ماتيوس أنا أعلم أنك وفيليب أصدقاء ولكننا.........
تحدث فيليب وهو يقاطعها:
- لماذا تُبررين له؟ نحن لم نفعل شيء سيء....
والتفت لماتيوس مردفًا بضيقٍ خافي:
- صحيح ماتيوس؟
ابتلع ماتيوس ريقه وأردف:
- مباركٌ لكما.
ظل صامتًا لم يفعل شيء بعدها.
- العُقبى لك.
ثم أغلق فيليب الباب بوجهه ..
- ماذا فعلت فيليب؟؟ كيف تغلق الباب بوجهه؟
التفت إليها بابتسامة وهو يحملها بين يديه:
- تزعجني رؤيته قليلًا .. دعيني نُكمل ما كُنا نتحدث به.
****
تحرك ماتيوس بذهول في ممر الغرف وهو عائدًا إلى غرفته .. كيف؟! كيف يأخذها منه؟؟ .. كان يعتقد أنه يريد اللعب بمشاعرها قليلًا عندما أخبره بأنها تخصه .. لم يكُن يعتقد أنه سيتزوجها! .. كيف تزوجها؟ شعر أنه قد خسر التحدي أمام فيليب العنيد المغرور الذي يؤمن بأنه لا يمكن لأحدٍ هزيمته .. ظهر الغضب الشديد في ملامحه وأردف:
- سأُريك يا فيليب من هو ماتيوس! .. سأُريك.
وقام بكسر كل شيء في غرفته وهو غاضب ..
مرت الأيام وكان فيليب وآسيا يعيشان كأسعد زوجين وعندما اقترب موعد رحيل فيليب كانت آسيا جالسة بفراشها تنظر أمامها بشرود وكان فيليب يقوم بتجهيز حقيبته ولكنه انتبه لشرودها، اقترب منها يُمسك يدها وأردف باستفسار:
- مالك؟
نظرت في عُمق عينيه وأردفت بحزن بالروسية:
- أنا خائفة كثيرًا أشعر أنك لن تعود لأخذي فيليب! ثم إنني خائفةٌ من أقوم بمواجهة عائلتي وحدي.
ضغط على يدها برفق يهدأها:
- لا تقلقي حبيبتي، سأغيب عنكِ عدة أيامٍ فقط سأقوم بضبط الأمور في عملي هناك وسأعود هنا لكي نبقى بعض الوقت ثم سأذهب بك إلى روسيا، ما رأيك؟
أردفت بحزن:
- هل من الممكن أن تقوم بتأجيل عملك قليلًا فيليب وتبقى معي قليلا؟ لا أُريد الإبتعاد عنك.
كان يُطالعها قليلًا وهو يفكر ولكنها أردفت:
- أرجوك حبيبي.
تنهد فيليب باستسلام وأردف:
- حسنًا.
قفزت بين ذراعيه بسعادة وهو قام بضمها بقوة .. يشعر أنه لم يكن حيًا قبل أن يقابلها لقد شعر بالحياة فقط عندما تقابلت عينيه مع عينيها في المطار! .. ثم ابتعدت عنه وأردفت:
- ماذا ستفعل بموعد عودتك؟
- لا تقلقي سأتصرف ثم إنني أعلم أن الزيارة تكون ثلاثة أشهر هذا صحيح؟
- نعم! ولكنك تعتبر أنك حصلت على الجنسية المصرية حقك أن تبقى هُنا.
- لم تكتمل إجراءات الجنسية المصرية بعد وهكذا إذا يتبقى لي شهرين .. ثم سأسافر لضبط أوراقك عندي وبعدها سأرسل لكِ لكي تكوني معي في روسيا ما رأيك؟
أردفت بابتسامة وسعادة:
- أفضل حل.
ثم صمتت قليلًا وأردفت:
- محتاجاك تتكلم مصري طول الوقت عشان تقدر تمارس اللغة بشكل كويس.
هز فيليب رأسه ثم أردف بتقطع في حديثه:
- بس مش هيكون واضح إني بتكلم مصري مكسر؟
كانت تطالعه بانبهار وهو يتحدث المصرية بشكل مفكك كالأطفال الذين يتعلمون التحدث في بداياتهم وأردفت بحب:
- هتبقى حلو أوي على فكرة وانت بتتكلم مصري مكسر.
قبل رأسها ووجنتها وأيضًا يدها وهي كانت مبتسمة بسعادة وهي تطالعه هكذا ..
- ممكن أنا أطلب طلب بقا؟
- أكيد.
- في شغل محتاج أنفذه الأول بعد ميمشي ماتيوس من مصر.
آسيا بعدم فهم:
- تقصد إيه؟
- هغيب يوم ممكن بس هكون موجود بمصر، أنا مش هسافر روسيا .. أنا بخلص شغل بسرعة وبرجع ليكِ.
- تمام ماشي هستناك.
بعد مرور وقت بسيط، في باحة الفندق كان فيليب يقف أمام ماتيوس الذي يطالعه بهدوء ..
- ستعود أنت وسأرسل خلفك الصفقة التي ربحناها سويًا .. وأخبرهم بزواجي وأنني سأعود بعد شهرين من الآن.
هز ماتيوس رأسه دون إصدار كلمة إضافية وكاد أن يذهب ولكن فيليب أمسك بذراعه وأردف باستفسار:
- أمازلت تشعر بالضيق بسبب ما حدث؟
أردف ماتيوس بابتسامة:
- لا يا صديقي، كنت أعتقد أنني مُعجبٌ بها ولكنني فهمت تلك المشاعر بشكلٍ خاطيء ثم يكفي أنها زوجتك أنت، أي أنها بمثابة زوجة أخي.
تحدث فيليب بابتسامة:
- لا تحزن ماتيوس ستجد فتاتك المناسبة قريبًا لا تقلق.
وربت على كتفه .. أردف ماتيوس وهو يطالع يده التي على كتفه:
- مباركٌ لكَ مرة أُخرى.
ضمه فيليب وقام بتوديعه وركب ماتيوس مع السائق الذي كان يرافقهم طوال الرحلة لكي يوصله إلى المطار، ثم ذهب فيليب بعدها للمخزن الذي قد أبقى به البضاعة وقام بنقلها بمساعدة سيارات نقلٍ ضخمة ونقلها لأقرب ميناء للقاهرة وهو ميناء الإسكندرية، وذلك لكي يتُم شحنَها إلى روسيا على حسب المُتفق سابقًا مع المافيا الروسية وكل ذلك مُخطط له منذ البداية لكي لا يتم كشف أي شيء .. عاد فيليب للقاهرة مرة أخرى وبقي بها مع آسيا يومين آخرين في سعادة أيضًا ثم عادا بعدها سويًا إلى الإسكندرية .. كانت تمسك بيده بقوة وهي تقوم بطرق باب منزلهم والذي كان عبارة عن مبنى بسيط من طابِقين بالقرب من شاطئ الإسكندرية و "كوبري استانلي" .. فُتحَ باب المبنى وكانت والدتها ذات الشعر الأسود الموجود به بعض الشعيرات البيضاء هي من قامت بفتحه والتي ابتسمت بفرحٍ عندما رأت ابنتها الغائبة عنها لشهرٍ كامل ولكن ابتسامتها اختفت عندما رأتها ممسكة بيدِ شاب يبدو من هيئته أنه ليس مصري!.
- مين الواد ده؟!
شعرت آسيا بتوتر من طريقة سؤال والدتها ..
آسيا:
- ممكن ندخل الأول طيب وهشرحلك؟
أفسحت المجال لها ببطئ وهي تطالعها وكاد أن يدخل فيليب ولكنها وقفت أمامه تمنعه من الدخول ..
آسيا:
- ماما معلش سيبيه يدخل.
ظلت والدتها ترمقة بنظرات شريرة كما اعتقد فيليب ولكنه دخل المنزل، كان يجلس مع آسيا في صالة الشقة الموجودة في الطابق الأول وكانت شقة بسيطة جدًا مُريحة وهادئة .. انتبه عندما تحدثت والدتها:
- مش هتقولي بقا مين الواد ده؟
كادت أن تتحدث ولكن فيليب هو من تحدث بعد أن اعتدل من مقعده واقترب منها يمد يده ليصافحها:
- أنا فيليب زوج آسيا.
صُعِقَت عندما من حديث ذلك الشاب وأردفت بذهول ..
- جوز مين؟! بنتي أنا؟؟
آسيا بهدوء:
- ماما هشرحلك.
- تشرحي؟؟!! تشرحي إيه يابنت ال***
ثم أخذت نعلِها من قدمها وقامت بإلقاءه عليها ولكنها أتت في فيليب الذي أخذ تلك الضربة في وجهه بدلًا منها .. اقتربت والدتها نحوها تنوي أن تقوم بجذب شعرها لكي تجعل منها صلعاء ولكن فيليب هو من أمسك بيدها يمنعها:
- سيدة كريستين ممنوع أن تقومي بضرب إبنتكِ.
- نعم ياخويا؟ بيبرطم بيقول إيه ده؟
آسيا:
- يا ماما اسمعيني بقا وبلاش ضرب وبعدين مانتي دايمًا متفهمة في كل حاجة، اشمعنا في الحاجة دي مش قادرة تتفهميني فيها!.
- نعم ياختي؟ تتجوزي من غيري أنا واخواتك ومنعرفش نحضر الإكليل بتاعك!! وتقولي ليه مش قادرة أتفهمك! إنتِ أكيد بتهزري يا آسيا صح؟؟!
صمتت آسيا قليلًا تطالع والدتها التي اتضح الحزن على ملامحها ..
- ماما.
اقتربت منها تحاول أن تمسك بيدها ولكنها أبعدتها عنها..
- أنا معملتش حاجة غلط .. أنا اتجوزت بشكل قانوني.
لم تتحدث والدتها وكاد أن يتحدث فيليب ولكن آسيا من تحدثت ..
- ممكن يا ماما نتكلم طيب بعيد عن فيليب.
رفعت والدتها حاجبيها من إسمه الغريب ذاك! اقتربت منها آسيا تُمسك بيدها مرة أخرى وأخذتها معها لإحدى الغرف وجلست أمامها ..
- ماما .. صدقيني أنا حبيته ومش عارفة أشوف نفسي غير وأنا معاه وحسيت إن روحي هتطلع لو هو بِعِد عني .. أنا مستعدة أقضي باقي حياتي معاه.
أردفت والدتها بحزن وهي تنظر في عمق عينيها:
- طب وأنا .. إخواتك؟ مش مكتوبلنا نفرح بيكِ؟ ولا المفروض نعدي إنك خلاص اتجوزتي من غيرنا؟ المفروض نتقبل فِكرِك الحُر .. مش كفاية مستحملين بُعدِك عننا تقومي ترجعيلي متجوزة!.
قبلت يدها وأردفت:
- حقك عليا، أنا آسفة ... بس صدقيني فيليب طيب وعسول أوي وهتحبوه خالص ده مفيش أطيب منه بجد.
ظلت والدتها تطالعها قليلًا ثم تنهدت باستسلام وأردفت ..
- مش مقتنعة بكلامك، وعمومًا إنتِ حرة طالما اخترتي بإيدك إننا منبقاش معاكِ في القرار ده، إنتِ واختيارك.
آسيا بابتسامة:
- صدقيني عمري ماهندم إني اتجوزت فيليب، أنا بحبه أوي بجد.
كريستين بإمتعاض:
- أما نشوف.
اقتربت منها آسيا تقبل مقدمة رأسها وأردفت:
- وحشاني أوي يا ماما.
ابتسمت كريستين وربت على ظهرها بخفة وأردفت:
- وإنتِ كمان بس أنا زعلانة منك .. ومش عارفة إخواتك هيتقبلوا الموضوع ده ولا لا.
أردفت آسيا بغرور:
- متقلقيش هما بيثقوا في اختياراتي.
- بس هيزعلوا.
- متقلقيش هتعدي وأنا هعرف أظبط الأمور معاهم، يلا بقا اطلعي معايا اتعرفي على فيليب عشان المنظر اللي شافنا بيه ده مينفعش خالص.
قهقهت وهي تسحبها من يدها خلفها وقام فيليب بمصافحة كريستين وأيضًا قبل يدها.
رواية ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
وفي المساء:
عاد إخوة آسيا من عملهما وهما بيشوي و كيرلس أخويها اللذان يكبُراها سنًا وتفاجآ بوجود فيليب وبعد معاناة ومتاقشات قوية وغضب ومحاولة إقناع آسيا بزواجها منه قد وافقا لأنها تحبه ولكنهما لم يرضيا بزواجها من أجنبي كانا يريدان أن تتزوج مصري.
بقيت آسيا مع فيليب في الشقة بالطابق العلوي وتطورت علاقتهما ببعضهما حيث صارا أكثر تعلقًا ببعض وأكثر حُبًا لبعض وكان أهلها يعاملانهم معاملة حسنة وبمرور الأيام أصبح فيليب صديقًا لأخواتها.
وفي يومٍ ما:
كانت تقف أمامه وتبكي..
- هتمشي وتسيبني؟
أردف فيليب بحب وهو يلتمس وجنتها:
- لازم أمشي آسيا، عندي شغل كتير وهحاول أجيبك عندي في أقرب وقت.
آسيا وهي تدفن وجهها في صدره:
- وانت فاكر إني هقدر أستحمل بُعدك عني؟
- ولا أنا كمان هقدر أستحمل، بس هي الظروف كده .. محتاج أخلص شغلي وصدقيني هجيبك عندي مش هنبعد عن بعض كتير.
ثم ابتعد عنها قليلا يمسك وجهها بيديه:
- أنا بحبك.
- وأنا كمان يافيليب .. ماتتأخرش عليا.
كاد أن يتحرك..
- أنا هاجي معاك المطار.
- بلاش يا آسيا نفسيتك هتتعب .. أنا هروح لوحدي وصدقيني مش هتأخر عليكِ.
قبل يدها وهي تبكي وقام بضمها بقوة وبعدها خرج من المنزل وسافر للقاهرة لكي يذهب للمطار.
مرت الأيام وكان فيليب يُنجز أعماله ف المافيا الروسية وأيضًا كان يقوم بتجهيز أوراق زوجته لكي تأتِ إليه وفي ذات الوقت كان يفكر أنه كان يكذب عليها طوال تلك الفترة، كيف سيخبرها إذا أنه عضو مهم في المافيا الروسية .. ولكنه قرر أنه سيعترف لها بكل شئ بعد أن تأتي .. كل ذلك كان يتم تحت أعين ماتيوس الذي يراقبه كالذئب الذي يريد أخذ كل شيء منه.
خطت قدميها أرض روسيا بعد غيابهما عن بعض شهرًا كاملًا ولكن ها هي قد أتت إليه كانت تبحث عنه بعينيها بداخل المطار حتى وجدته وابتسمت بسعادة وركضت بإتجاهه وقفزت بين ذرعيه ..
- وحشتني.
فيليب وهو يضمها بقوة:
- وإنتِ كمان يا حبيبتي وحشتيني.
ثم وضعها أرضًا وأمسك وجهها بيديه يطالعها بحبٍ دون كلمة.
- أنا جهزت لينا شقة نقعد فيها وأتمنى إنها تعجبك.
آسيا وهي تطالعه في عُمق عينيه:
- مش مهم المكان، المهم أكون معاك حتى لو هنقعد في الشارع.
وضع يده على فاهها يقول:
- متقوليش كده، إنتِ مقامك قصر مش شقة كمان .. يلا بينا نروح شقتنا عشان إنتِ وحشاني جدا.
**
في اليوم التالي:
كانت تقف بالمطبخ تقوم بتحضير طعام الفطور لهما بابتسامة مرسومة على وجهها ولكنها شعرت بالدوار لوهلة وكادت أن تقع الطنجرة من يدها وانتبه فيليب لذلك عندما اقترب نحوها وحمل الطنجرة بدلًا عنها ووضعها جانبًا..
- مالك؟
وضعت يدها على رأسها ثم أخذت نفسًا عميقًا وأردفت:
- مفيش شوية إرهاق وتعب حاسة بيهم من وقت مانت سافرت.
فيليب بقلق وهو يبعد خصلة شعرها الملتصقة بوجهها:
- مكشفتيش ليه؟
- مش مستاهلة.
- لا مستاهلة .. هروح الشغل وأرجع نكشف ماشي؟
هزت رأسها وقام بتقبيل يدها وتناولا طعام الفطور سويًا ثم ذهب لعمله المزعوم .. أما هي كانت تضع يدها على بطنها تشعر بتقلصات وصاحبها شعورٌ بالغثيان ذهب للمرحاض لكي تتقيأ ثم عادت للمطبخ مرة أخرى تحاول أن تهدأ وتفكر في تلك الأعراض والتي بالتأكيد هي أعراض حَمل وعند ذلك الشَك كانت سعيدةً كثيرًا انتبهت على صوت طرقات باب الشقة .
- أكيد نسي حاجة.
اقتربت نحو الباب وقامت بفتحه ولكنه لم يكن فيليب بل كان ماتيوس والعديد من الرجال ..
آسيا بقلق:
- سيد ماتيوس ماذا تفعل هنا؟.......
ولكنه لم يُجيبها .. تحرك رجاله نحوها وقاموا بحملها على الرغم من مقاومتها وصراخها.
- ماذا تفعلون أيها الحمقى اتركوني.
ظلت تصرخ بقوة وتحاول أن تخرج من قبضتهم ولكنهم قاموا بضربها على رأسها بقوة مما جعلها تفقد الوعي.
بعد مرور عدة ساعات إقترب فيليب من المبنى السكني الذي يقطن به هو وآسيا يحمل في يده باقةً من الزهور ومعه العديد من الشوكولا ولكنه تفاجأ من التجمع الهائل الموجود أمام المبنى وصُدم عندما رأي حريقًا بالمبنى حاول الصعود للمبنى ولكن رجال الإطفاء منعوه بقوة .. ظل فيليب يصرخ ويقاتلهم لكي يصعد لزوجته ..
- اتركوني إن زوجتي في الأعلى .. اتركوني.
ولكن لم يستجيب أحد حيث تجمع الرجال حوله وأوقفوه .. كان فيليب ينظر للمبنى الذي تأكله النيران ويصرخ بقوة..
- آسيا!!!!!!!!!!!!.
↚
في مكانٍ مُظلمٍ يتخلله بعضٌ آشعة الشمس من ثقوب سقف القبو التي هي بها، كانت مُكبلة بالسلاسل الحديدية وهي تبكي وتصرخ بشدة ولكن لا أحد يُجيبها كأنها تُحدثُ نفسها ...
كان يقف مصدومًا أمام المبنى المتفحم وعبراته لا تتوقف تمامًا عن النزول .. لا يصدق أنه لم يستطع أن يقوم بإنقاذها .. يقولون أن الحريق قد حدث في الطابق الأول ثم انتشر في المبنى بأكمله .. وقعت عينيه على الجثث المتفحمة لا يستطيع أن يميزها من بينهم جميعهم يتشابهون .. لم ينتبه على ماتيوس الذي وضع يده على كتفه التفت له فيليب بذهول ولكنه بكى كالطفل الصغير وارتمى بين ذراعي صديقه، قام ماتيوس بضمه بشدة ولكنه كان مبتسمًا لأنه وأخيرًا تخلص من الطرف الذي كان يوقفه عن فعل مايريد وهو وجوده مع آسيا.
مرت الأيام وكانت آسيا تصرخ في القبو الموجودة به ولكن لم يُجِبها أحد .. ظلت هكذا عدة أيام بدون طعام حتى هزلت وأصبحت لا تقوى على الحركة .. وفي يومٍ ما.. كانت نائمة على أرضية القبو الباردة بوجهٍ شاحب انتبهت على صوت أقدام بالقرب من سقف القبو وصاحب تلك الأقدام قام بفتح السقف ونزل القبو من خلال سُلم مصنوع من الأربطة واقترب منها ونزل في نفس مستواها ..
ماتيوس بهوس:
- حبيبتي آسيا.
لم تقوى على التحدث لأنها متعبة للغاية ..
-أعتذر لغيابي عنكِ فلقد كنتُ مشغولٌ مع زوجكِ بإقامة جنازتك ثم مواساته ومواساة عائلتك أيضًا في رحيلك.
وضع يده على وجهها يلتمسه ولكنها شعرت بالتقزز منه ولم تتحمل وقامت بالتقيؤ ..
- مُقزِزة
ذلك ما قاله ماتيوس عندما رأي تقيؤها ..
- أرجوك.
ذلك ما قالته أثناء تقيؤها.. ثم أردفت بصوت ضعيف:
- أرجوك ماتيوس .. إنه يموت.
ماتيوس بعدم فهم:
- ماذا؟ لم أسمع جيدًا.
- أرجوك .. أنا بحاجةٍ للطعام إن طفلي يموت فأنا لم أتغذى منذ عدة أيام.
- أنتِ تحملين جنينه!!
ذلك ماتحدث به ماتيوس بغضب وقام بإمساك شعرها بقوة صرخت بسبب فعلته تلك وقام بجعلها تقف رغمًا عنها وهو ممسكًا بشعرها .. كانت تتحدث بألم وبصراخ:
- أرجوك اتركني.
ولكنه صفعها بقوة جعلها تقع أرضًا من هزلها .. ثم عاد للأرض مرة أخرى يقترب منها ..
- إذًا قد نجح في جعلكِ تحملين بطفله! ما رأيك إذًا في أن أقوم بمنافسته فأنا أفضل منه ولكنكِ لم تُعطيني أي فرصة.
اعتدلت بسرعة وأردفت بحذر:
- لا لا .. أرجوك .. فقط دعني وشأني أنا وبُنيّ .. سأبتعد يا ماتيوس صدقني .. أرجوك.
ثم انفجرت في البكاء وصرخت بهيستيريا عندما رأته يقترب منها ولكنها لا تستطيع الهرب لأنها مكبلة في الحائط ..
- سأريكِ آسيا.
- لا .. لا أرجوك.
ولكنه لم يستمع لها ولا لرجائها واهتزت الجُدران بسبب صرخاتها بإسم *فيليب* أثناء إغتصابه لها بوحشية.
مرت أسوأ أيامها هكذا يغتصبها ذلك الحقير تارة ويرمون لها الطعام كالحيوانات تارةً أخرى .. ومع مرور الأشهر كان جنينها يكبُر في رحمها وكان هو أملها الوحيد أثناء مايحدث لها .. كانت تتشبث به بدلًا من الإنتحار! .. صبرت على تعذيب ذلك الحقير الساديّ لها كثيرًا .. كانت تشعر أن جنينها هو معجزتها في البقاء على قيد الحياة حتى الآن .. وأنها لمُعجِزة أنه ظل برحمِها حيًا ولم يمُت، لم تكن تعلم جنسُ المولود حتى أتى يوم ولادته! .. كانت مكبلة كعادتها في القبو ببطن منتفخة ووجهٍ شاحب وأعين تحيطها الهالات السوداء، أخذت نفسًا عميقًا ووضعت يدها على بطنها بإبتسامة مكسورة عندما تحرك جنينها بشكل ملحوظ في بطنها .. انتبهت عندما فُتِحَ سقف القبو التصقت بالحائط المُكبلة به بخوف عندما نزل ماتيوس وتحرك حتى أصبح أمامها وتحدث مبتسمًا وهو يطالع بطنها ..
- لدي خبرٌ رائعٌ لكِ أو فلنقل لي .. مباركٌ لكِ لقد تحررتي من ذلك المدعو فيليب.
أردفت بارتعاش وعدم فهم:
- ماذا؟
- ألم تفهميني ياعزيزتي جيدًا؟؟ أم أن إحتباسكِ هنا جعلكِ تفقدين عقلك؟
ظلت تطالعه بكُرهٍ بين خوفها ثم بصقت في وجهه بقوة، اقترب نحوها بغضبٍ وأردف بقوة وهو يضغط على عنقها بقوة:
- إن فيليب مات متأثرًا بوفاتكِ.
نزلت عبراتها من مقلتيها عندما سمعت ذلك الخبر وأيضًا بسبب ضغطه على عنقها كانت تعتقد أن هناك فرصة ستجمعها هي وفيليب! ولكن كيف وهو ميت الآن؟ أغمضت عينيها تستسلم لاختناقها وهي تبكي ولكن في تلك اللحظة شعرت بألم المخاض يقطع أحشائها صرخت بأقصى طاقة لديها ونزلت منها المياة المحيطة بالجنين .. ابتعد عنها ماتيوس بسُرعة يراها وهي تتألم ألمًا لم يرى مثله قبلًا .. ولكنه لم يهتم يشعر أنه قد أخذ كفايته منها سيتركها تموتُ هنا .. خرج من القبو وترك بابه مفتوحًا يستمتع بصرخاتها المتألمة .. صرخت بقوة وهي تحاول أن تأخذ نفسًا عميقًا تحاول أن تساعد نفسها في الولادة .. وبعد محاولات عديدة وصعبة استطاع الجنين الصغير أن يخرُج ويتحرر من الرحم الصغير الذي كان يقوم بتقييد حريته وأطلق صرخة تعلن عن حياته وحياتها من جديد.
.........................................
في الوقت الحالي:
كان جواد جالسًا أمام فيليب يطالعه بضيق، أما بالنسبة لفيليب فكان يتحدث بهدوء تام:
- عشان تقدر تسعد قلب أنثى .. إتكلم بلغة الحب.
جواد بعدم فهم:
- مش فاهم؟
صمت فيليب يفكر في ذكرى بينهما هو وآسيا ثم أردف:
- ورد.
توقف جواد متحدثًا بضيق:
- إيه التفاهة دي؟ ورد!.
فيليب بهدوء:
- مش تفاهة على فكرة لو محتاج تحافظ على علاقتك بزوجتك لازم تخليها تحبك من جديد .. خليها تشوفك بشكل تاني خالص.
كاد أن يعترض ولكنه أردف بتحذير:
- جواد، إحنا اتفقنا إنك هتحاول تصلح علاقتك بزوجتك بأي طريقة يعني هتخليها تحبك من تاني وده هيساعدها في إن ذاكرتها ترجعلها، إنت كده بالشكل ده بتبعد عن هدفنا، إنت كده عايزها تكرهك أكتر.
ظل جواد صامتًا ولم يتحدث وبعد عدة ثوانٍ أعاد فيليب حديثه..
- ورد! شوكولا كتير .. تشاركها في كل حاجة هي بتحبها.
كاد جواد أن يتحدث ولكن قاطعهما اقتراب صوفيا نحوهما وقامت بتقبل وجنة فيليب مما أشعل الغيرة في صدر جواد.
- مرحبًا عمي.
- مرحبًا عزيزتي.
لم تلقِ التحية على جواد وتجاهلته..
- إلى أين تذهبين هكذا عزيزتي؟
- ذاهبة لقاعة الرقص ولكنني أردت أن أمُرَّ عليك لكي أطمئنّ قبل أن أبدأ.
أردف فيليب بابتسامة:
- أنا بخير، إذهبي عزيزتي.
ثم تحركت نحو قاعة الرقص وأغلقت الباب خلفها .. كان جواد يقف يحاول أن يتحكم بأعصابه بسبب تجاهُلِها له .. وكاد أن يتحرك ليذهب خلفها أمسكه فيليب من ذراعه وأردف:
- إنت كده بتعمل عداء بينكم، تجاهَل تجاهُلهَا ليك هي زعلانة منك شوية.
- مين قال إني رايح أتخانق معاها؟ مش انت قولت أشاركها في حاجة هي بتحبها؟
طالعه فيليب باستفسار ولكن جواد ابتسم بهدوء ثم خرج من الغرفة التي كانوا بها ودخل خلف صوفيا القاعة التي دخلتها والتي بدأت الموسيقى بها للتو.
وقفت تأخذ نفسًا عميقًا تغمض عينيها تحاول أن تجعل الموسيقى تصل لجميع حواسها لكي تشعر بها وترقصَ بحرية .. ثم قامت بفتح عينيها وبدأت بالرقص بإحساسٍ عالٍ قليلًا .. كان يقف خلفها يراقبها وهي ترقص هكذا بحرية .. تلك الحرية كانت بداخل شمس من قبل .. تلك كانت شمسه التي غابت عنه وأصبحت حياته ظلام .. اقترب منها بخطواتٍ بطيئة ولف ذراعه حول خصرها بهدوء التفتت بسرعة لكي ترى من خلفها ولكنها وجدت جواد يقف أمامها مُبهمة .. رفع يده لها ليحثها على إمساكها وبالفعل أمسكت بيده وبدأ الإثنان يرقصان بشكلٍ متناغم بينهما كأنهما يعبران عن مشاعرهما من خلال تلك الرقصة .. كل ذلك تحت أعين فيليب الذي يطالعهما بأعين تلمع وحزينة في آنٍ واحدٍ .. وبعد أن انتتهى الإثنان من رقصتهما كانت صوفيا تتنفس بقوة بسبب المجهود الذي فعلاه ..
صوفيا:
- متى تعلمت ذلك الرقص، أشعر أنكَ محترف.
أردف جواد بهدوء وهو يتذكرها عندما كانت ترقص أمام مرآتها في غرفتها منذ زمن:
- كانت هناك فتاةٌ اخترقت عالمي وسرقت مني كل شيء حتى قلبي دون أن تنتبه وأغرقتني معها في طريقٍ لا عودة منه .. تلك الفتاة هي من علمتني الرقص.
اقترب منها قليلا حتى أصبح ملتصقًا بها وهمس بصوت مسموع:
- وأيضًا علمتني كيف أصبح حبيبها، عاشقها .. أو كمان يقول الجميع *مهووسًا بها* .. حياتي كانت كلها عبارة عن تلك الفتاة التي سرقت مني أحلامي، عندما كنت مستيقظًا كنتُ أراها وعندما أنام أحلُم بِها .. لكنها لم تكن تعلم أنها أرهقتني .. كانت كل شيء يا آنسة صوفيا .. كانت شمسِي وليلِي .. كانت تنَفُسِي الذي لا أقوى على العيش بدونه.
صوفيا باستفسار وتأثر:
- كانَت؟؟
جواد بتأكيد وحُزن وهو ينظر في عُمق عينيها:
- كانَت.
- أين ذهبت؟
- لا أعلم
ظلا يطالعان بعضهما ولكنه ابتعد بهدوء بعد عدة ثوانٍ وأردف بابتسامة هادئة:
- أتمنى أن أكون شريكًا رائعًا في الرقص، ثم إنكِ بحاجة للراحة قليلًا فلقد إنتبهت أن جسدكِ مازال يؤلمكِ من حادث أمس.
كاد أن يتحرك ولكنها أوقفته:
- دانييل .. أين هو؟ .. ماذا فعلت به؟
أردف بابتسامة لطيفة وهو يلتفت إليها:
- أرسلته في رحلةٍ بمساعدة صديقٍ ما وأتمنى أن تُعجبه الرحلة.
وفي تلك الأثناء في أسبانيا المكسيك، كان نائمًا بهدوء ولا يشعر بأي شيءٍ حوله حتى بدأ ينتبه للأصوات حوله شيئًا فشيئًا، كان صوت ضجيج وصراخٌ اعتدل بصعوبة بسبب الضرب المُبرِح الذي تعرض له ما سبب الكدمات الصعبة والموجودة في جسده أخذ يلتفت حوله وجد نفسه موجودًا في حلَبَةٍ حولها أسوارًا عالية وانتبه لما يرتديه كان يرتدي زيًا باللون الأحمر، التفت للخلف عندما ضُرِبَ جرَس تلك الحلبة ووجد ثورًا يدخلُ الحلبة ويركض نحوه بقوة ..
دانييل بصراخ:
- لا .. لا .لا!!!!!!!!!!
................................................
روية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في اليوم التالي:
كان جواد يقف بشرفة غُرفته في قصر فيليب وينظر أمامه بشرود منذ أن أتى هنا وهو لم يتوقف عن التفكير في كيفية عودة زوجته إليه وأيضًا في البحث عن والدته لقد تعبَ كثيرًا في البحث عنها منذ أن أتى ولكنه يعلم جيدًا ماذا يحدث حوله وخاصة في أمر فقدان والدته! .. الذي قام باختطافها هو نفسه من قام باختطافها منذ أن وُلد أو قبلها وهو نفسه من قام بإبقائها في تلك المصحة طول السنوات الثلاثون الماضية .. سيصل له .. سيصل له قريبًا وستكون نهايته على يده .. كانت نظراته غاضبة وهو يفكر بأمر والدته .. لقد عانت كل ما هو مُرٍ في حياتها .. وفاة والده وأيضًا أمر اختطافها ذلك كل ماجواد يعلمه لأنه يتذكر جيدًا ذلك المشهد الذي لن ينساه أبدًا ...
كانت تركض وهي تلهث بقوة وتمسك بيده وهو يركض بجانبها محتضنًا دميته بقوة ..
- ماما، أنا مش قادر أجري أكتر من كده .. ماما أنا تعبت.
التفتت آسيا له وهي تتنفس بسرعة وتنظر خلفها ثم حملته بين يديها وأخذت تركض ولكن الرجال الذين يركضون خلفها قربوا على الإمساك بها .. إختبأت خلف شجرة وأخذت نفسًا عميقًا وأردف بهمس تتسائل..
- إزاي عرف يوصلِّي في مصر؟ أنا عملت المستحيل عشان أعرف أجي هنا.
ثم طالعت طفلها الصغير ذو الخامسة من عمره وقامت بضمه بقوة ... ثم سمعت حديث احدهم..
- عندنا أوامر إننا نقتل ابنها ونرجعها للزعيم.
ضمته بقوة وهي خائفةٌ كثيرًا لا تدري ماذا تفعل .. سيقتلون طفلها! لا لن يحدث هذا أبدًا .. أخذت تبحث حولها ثم ركضت واقتربت نحو أحد المنازل القريبة من المكان الذي كانت تركض به واختبأت بمدخل مبنى منهم ..
آسيا بابتسامة مطمئنة وهي تمسك وجنتيه بكلتا يديها:
- جواد .. حبيبي.
أردف بصوت طفولي:
- نعم يا ماما؟
- عايزاك تفضل هنا متخرجش أبدًا ماشي؟
- ليه؟
- اسمع كلامي يا حبيبي .. عشان خاطري متخرجش من هنا.
- حاضر.
كادت أن تذهب ولكنه تحدث ..
- ماما.
التفتت إليه تطالعه باستفسار:
- توعديني إنك هترجعيلي؟ توعديني إنك هتيجي تاخديني تاني؟
قامت بضمه بقوة وأردفت:
- أوعدك إننا هنتقابل تاني يا جواد .. عايزاك متنسانيش.
لم يفهم حديثها ولكنه بكى كأنه قد حان وقت الوداع .. ابتعدت عنه وهي تبكي أيصًا وأردفت وهي تقوم بمسح عبراته:
- متعيطش .. خليك قوي وشجاع عشان محدش يقدر عليك ويظلمك.
هز رأسه بطفولية وقامت بتقبيل وجنته ثم طالعت صليبها المعلق في عنقها وقامت بخلعه وأعطته إياه..
- خليه معاك عشان ربنا يحميك.
هز رأسه بطفولية وأمسكه من يدها ووضعه في جيبه، وقدم لها دميته وهو يبكي وأردف ببراءة:
- خليه معاكِ عشان ياخد باله منك.
قبلته مرة أخرى وضمته بقوة وأخذت دميته ثم خرجت ومن وقتها وهي لم تعد .. كانت ينتظر أسفل الدرج في المبنى حتى حل الليل ولم تعد إليه والدته .. خرج من المبنى يبحث عنها بعينيه الباكيتين حتى توقف أمام باب كان هناك أناسٌ ذوي لحية طويلةً يدخلون مبنىً ضخمًا مفتوحًا .. كان ذلك المكان يصدر صوت به ذِكر كما إعتقد .. كان الناس يطالعونه بتعجب واقترب نحوه أحدهم:
- باباك فين ياحبيبي؟
لم يستطع جواد أن يتحدث لأنه يخاف التحدث مع الغرباء إنه فقط يريد والدته.. قال جملة واحدة بخوف وذلك بعدة كلمات بسيطة:
- أنا عايز ماما.
اقترب منه رجل آخرٍ ذو لحية ويمسك بيده كتابًا يضعه بالقرب من قلبه كان مكتوب عليه كلمتين بشكل منمق وجميل وبيده الأخري وضع يده على كتفه:
- متخفش، تعالى إدخل معانا المسجد لعل وعسى أهلك يلاقوك هنا.
هز جواد رأسه ودخل المسجد معهم وهو ممسكٌ بيد الشيخ بخوف ولكن هدأ قلبه قليلًا لأنه يتمنى أن تجده والدته هنا .. بقي جواد في المسجد ينتظر أن تأتي والدته لتأخذه ولكنها لم تعد وأتى يومٌ ما كان يبكي بحُرقةٍ واقترب منه إمام المسجد عندما رآه يبكي ..
- مالك يابني؟ بتعيط ليه؟
- ماما مرجعتش تاخدني.
- طب ادعي ربنا إنها ترجعلك.
سأله جواد باستفسار طفولي:
- إزاي؟
- تعالى هعلمك.
وعلمه الشيخ الوضوء والصلاة وكان كل يومٍ جواد يصلي بطفولية ويدعو الله أن تعود إليه والدته ولكنها لم تعُد حتى أتى يوم جلس أمامه أحد الشيوخ وأردف باعتذار..
- كان بإيدينا نساعدك يابني بس لحد الآن ماحدش سأل عنك وكل يوم بننادي في الميكروفون في الجوامع في المنطقة دي والمناطق اللي حوالينا مفيش حد بييجي.
أردف جواد بطفولية بعدم فهم:
- بس ماما قالتلي إنها هترجعلي تاني.
فكر الشيخ قليلًا ثم أردف بتنهيدة:
- طيب لحين أما ترجع مش هينفع نومك على الأرض هنا في المسجد لازم تروح مكان تنام فيه على مرتبة حلوة.
أردف ببكاء:
- بس أنا معرفش حد يا عمو.
- ثِق فيا، وبعدين مش إحنا اتفقنا إننا طول ما بنصلي وبندعي ربنا يبقى مفيش قلق؟
هز جواد رأسه بطفولية ..
- طب ليه مخوف نفسك كده؟ طول ما ربنا معاك طول مانت هتبقى بخير .. يلا تعالى معايا.
أمسك بيده وخرج من المسجد وارتدى حذاءه ووقف الشيخ به أمام ملجأ وتحدث مع مشرفة الملجأ ببقاءه لفترة لحين العثور على أهله.
في الوقت الحالي:
أغمض جواد عينيه بحزن ثم أخذ سلسال الصليب الخاص بوالدته من جيبه يحمله وأردف بحزن شديد:
- أخدونا من بعض يا أمي.
ولكنه انتبه عندما طرق احد على باب غرفته وأعاد الصليب في جيبه مرة أخرى ..
- تفضل.
دخل فيليب الغرفة واقترب نحوه..
- بخصوص دانييل .. أمره خلص خلاص.
هز جواد رأسه بهدوء وكان يطالع فيليب بهدوء غريب ..
فيليب بتعجب من نظراته تلك:
- مالك؟
- شكرا على إنك ساعدت مراتي.
فيليب بتعجب من شُكرِه:
- العفو أنا معملتش غير الصح.
صمت فيليب قليلًا ثم أردف:
- على فكرة العملية بتاعة مصر نجحنا فيها وده بفضلك.
ابتسم جواد بهدوء ولكنه لم يتحدث كان يُطالع الوقت في هاتفه ..
- تمام شكلك مشغول في حاجة، نبقى نتكلم وقت تاني.
همهم جواد ثم خرج فيليب من الغرفة أما جواد ذهب لحمام غرفته لكي يتوضأ لآداء فريضة المغرب وذلك لغروب الشمس ودخول وقت المغرب عليه.
................................
↚
في أحد الأيام في المساء:
كانت تقف أمام خزانة ملابسها وهي ترتدي منشفة تغطي أغلب جسدها فقد انتهت من حمامها للتو وكانت حائرةً فيما سترتديه اليوم فهي تريد أن تخرج لتستنشق بعض الهواء قليلًا، لأنها قد سئمت البقاء في المنزل؛ فذلك الشخص المتطفل الذي يُدعى جواد يقوم بتقييد حريتها في منزلها! ومايضايقها أكثر هو صمت عمها وتقبله لما يحدث ولكنها لن تسمح له بذلك مرة أخرى لا تُنكر أن تصرفاته في الآونة الاخيرة معها قد أصبحت لطيفة نوعًا ما ولكن لا لن تنخدع بإبتسامته اللطيفة والجذابة تلك و..... هزت رأسها لعلها تستفيق من موجة المشاعر التي اجتاحتها تلك، ثم تنهدت وانتقت الثوب المناسب لها وارتدته وقامت بتزيين نفسها ثم خرجت من غرفتها اقتربت من باحة القصر وانتبهت لجلوس فيليب مع المدعو جواد في غرفة المكتب .. طالعتهما قليلًا تشعر أنهما يكونان فريق عملٍ ممتاز ثم طالعت جواد كان يبدو تركيزه واضحًا فيما يقوله عمها .. شردت في تفاصيل وجهه إنه وسيم، جذاب .. فكه البارز .. تفاحة آدم البارزة في عنقه .. جسده المليء العضلات القوي وعندما انتبهت أنها شردت به هزت رأسها بسرعة لعلها تستفيق من شرودها ذلك، شعرت بإحمرار وجنتيها وخجلها وعادت تطالعهما وهما يركزان فيما يقولان ولكن لحظة هناك شيءٌ غريب! لماذا يبدوان متشابهين هكذا؟؟ نفسُ الملامح!! أغمضت عينيها وقامت بفتحهما مرة أخرى تحاول أن تصدق ماتري، هي بالطبع تريد أن تقع في حب شخص يشبه عمها أو أباها ولكن ليس لدرجة أن تتخيل جواد يشبه عمها! وضعت يدها على قلبها لأنها شعرت بالحماس فجأة وهي تحاول أن تتعمق في ملامحهما .. لو كان لديها علم أن عمها لديه إبن بالطبع سيكون السيد جواد هو ابنه درجة التشابه بينهما غريبة! الفرق بينهما هو علامات السن على وجه عمها والذي على الرغم من سنه فقد إحتفظ بشبابه وصحته لم يكن مثل باقي الأشخاص في مثل عمره .
- إلى أين تنظرين يافتاة؟!
فُتِحَت عينيها على وسعيهما عندما سمعت صوته والتفتت تطالعه بهدوء شديد كأنها تحاول استيعاب وجوده أمامها .. رجل أنيقٌ في بداية الخمسينيات ووسيمٌ أيضًا ذو جسدٍ منحوت يبدو مثل أخيه تمامًا في بنيته الجسدية ...
- أبي!
أندريه بإبتسامة كبيرة وهو يقوم بفتح ذراعيه لها:
- إلى أحضان أبيكي عزيزتي.
صرخت بحماس وركضت نحوه وقفزت بين ذراعيه وعلى صرختها تلك انتبه فيليب وجواد لما يحدث ..
صوفيا وهي تقبل أندريه من وجنته:
- اشتقت إليك كثيرًا أبي.
- وأنا أيضًا عزيزتي.
خرج جواد قبل فيليب ليرى مايحدث ورأي ذلك المشهد الذي أغاظه كثيرًا وأسرع نحوهما لكي يُبعِدهما .. أمسك بذراعها يُبعدها عن أندريه الذي عقِدَ حاجبيه وهو يطالع من أبعدها عنه لعدة ثوانٍ ثم أردف بذهول..
- يا صاح لم أعرفك!! هل قمت بعملية تجميل؟
وكاد أن يقترب منه ليقوم بضمه ولكنه انتبه لخروج فيليب من غرفة مكتبه وتوقف يتعجب الشبه الذي بين فيليب وذلك الشاب الذي أمامه ..
- أرى أنكَ أتيت أندريه، لدينا الكثير من العمل.
عقِدَ أندريه حاجبيه وأردف:
- لقد غبتُ عنك لشهر ثم تخبرني بالعمل بمجرد رؤيتي، ألن تقم بالترحيب بي حتى يا أخي؟؟؟
اقترب فيليب منه يضمه بإبتسامة ثم ابتعد عنه وأردف:
- أُعرِفُك بضيفي .. السيد جواد إنه أحد أهم أعضاء المافيا الروسية.
أندريه بتلقائية وذهول وهو يقوم بإمساك وجنتي جواد:
- يا الله، إنه يشبهك كثيرًا فيليب، كنت أعتقد أنك هو.
أبعده جواد عنه بضيق وأردف فيليب بمأساة:
- عُذرا سيد جواد على تلقائية أخي تلك فهو هكذا مع كل ضيوفي .. أخي الصغير للأسف ويجب أن أتحمله قليلًا.
أخذ نفسًا عميقًا ثم استأنف موجهًا حديثه لأندريه:
- حسنًا كفانا مُزاحًا هناك الكثير من الأشياء أريد التحدث معك بها فلدينا الكثير لنفعله في أيامنا القادمة.
هز أندريه رأسه لفيليب وتقابلت عينيه مع خاصتي جواد الذي يطالعه بهدوء في المقابل .. دخل الإثنان لغرفة مكتب فيليب أما جواد فقد ظل واقفًا أمام شمس ولكنه كان في عالمٍ آخر يفكر في شيءٍ ما.
كانت تقف أمامه تطالعه ولكنها عادت إلى غرفتها في نية منها لتبديل ثيابها والبقاء مع والدها قليلًا، ولكنها توقفت عندما أمسكها جواد من يدها ..
- لماذا ترتدين ذلك الثوب؟ ألم تلاحظي أنه عارٍ قليلًا؟
التفتت إليه تطالعه وأردفت بهدوء:
- ليس من شأنك.
أردف جواد بتنهيدة:
- لقد ظننت أن علاقتنا تحسنت قليلًا آنسة صوفيا.
أردفت بضيق:
- لا لم تتحسن سيد جواد، ثم ليس لي شأنٌ في وجود علاقةٍ بيننا
استأنفت بهمس وهي تقترب منه:
- أم أنني قد أثرت بك؟
كانا يطالعان بعضهما في صمت ثم أردف جواد بهدوء وذكاء:
- ألا تعلمين كم أنتِ جميلة؟
كادت أن تتحدث ولكنه استأنف:
- ألا تخافين من رؤية أحد المجرمين لكِ فيؤذونكِ؟ ألا تخافين على والدكِ أو عمكِ ماذا سيحدث لهما إذا حدث شيئًا لكِ؟
وضع يده على ذراعيها العاريتين:
- أوتعلمين شيئًا؟؛ حتي إذا حدث ذلك فأنا لا أسأم من اللحاق بكِ وسأكون خلفكِ حتى لو ذهبتي لآخرِ العالم سأظل ورائك وسأقتل كل شخصٍ سيفكر فقط أن يلمس خِصلةً من شعرك .. مُجرد التفكير يا صوفيا سأفعلها صِدقًا.
أردفت بعدم استيعاب وهي تطالعه:
- لماذا؟ لماذا أنا؟
تأثرت ملامحه وهو يطالعها:
- ألم تفهمي بعد؟
- لم أفهم ماذا؟
تحدث وهو يتذكر أول يومٍ تقابلا به كان في قصر والدها السيد بهجت:
- منذ أن تقابلنا وأنا أشعر أنني يجب أن أبقى بجانبكِ وأقوم بحمايتكِ ولا أعلم ما السبب أو الدافع في فعل ذلك .. أعلم أنني قد أبدو متطفلاً قليلًا من وجهة نظرك ولكن تلك هي الحقيقة آنسة صوفيا.
أثناء حديثه ذلك كانت تتذكر أول مرة تقابلا بها في الحفل ووقتها شعرت بالأمان وهي بين ذراعيه ولم تكن تدري ما السبب ولماذا تنجذب إليه كثيرًا هكذا كأنها تريد الإختباء بين ذراعيه وألا تخرج منها أبدًا.. تنهدت بعمق وأردفت:
- إنني ألتمس الصِدقَ في حديثك حقًا سيد جواد، إنك مُحِق يجب أن أراعي مشاعر والدي وعمي.
أردف جواد بابتسامة وهو يحيط وجنتيها بيديه:
- ومشاعري أيضًا.
إحمرت وجنتاها وأردفت بتوتر:
- سيد جواد.
- فقط جواد.
ابتعدت عنه بهدوء وكادت أن تعود لغرفتها ولكنه أوقفها ..
- ما رأيك بأن نذهب للعشاء اليوم بالخارج؟
لم ينتظر ردها واستأنف:
- سأنتظركِ هنا أمام القصر في العاشرة مساءًا أي بعد ثلاثِ ساعات من الآن.
ابتسمت وأكملت صعودها إلى غرفتها لكي تقوم بتغيير ثيابها .. كان جواد يتابعها بعينيه وهي تعود لغرفتها ويتذكر جيدًا كلمات فيليب
- البنت بتحب الرجل العقلاني الصريح اللي يبين إهتمامه بيها وهو بيتكلم معاها .. حتى في النظرة واللمسة لازم وانت بتكلمها تكون مسيطر لكل حاجة حواليكم حتى حواسها .. بتخليها تسرح فيك وتفكيرها بيك يزداد وبعد ماتلاقي دماغها لانت استغل الفرصة واعزمها على العشاء.
تنهد جواد بعمق وعاد لغرفة المكتب حيث كان فيليب و أندريه..
كان أندريه شاردًا وغير منتبهًا تمامًا لما يقوله فيليب ..
- أندريه، أخبرني ماذا يُشغِل عقلك؟
أردف أندريه بشرود:
- أوتدري فيليب اعتقدت لوهلة أنه إذا كنتَ قد أنجَبتَ طفلًا من آسيا لكان الآن في نفس عمر ذلك الشاب الذي يُدعى جواد.
صمت فيليب قليلًا وارتسم الحزن على ملامحه لتذكره آسيا .. كأن الألم قد زاد عنده لمجرد التفكير في ذلك الأمر .. إنه حتى لم يبقى معها سوى عدة أشهر ..
-إتأخرت؟
ذلك ما أردف به جواد بالمصرية عندما دخل عليهما الغرفة وكانت ملامحه مبهمة وهو يطالعهما وأردف بوعيد:
- تحذير ليكم إنتوا الإتنين للمرة الأخيرة .. إياك حد فيكم يفكر مجرد تفكير إنه يقرب منها مرة تانية، ماشي؟
تحدث أندريه بصدمة وعدم فهم لما يحدث:
- أفندم؟
تدخل فيليب:
- نسيت أعرفكم على بعض بجد، جواد زوج صوفيا أو بمعنى أصح شمس.
جواد بسخرية:
- من الواضح إن العيلة دي شاطرة في المصري أوي.
أردف أندريه بخبث وهو يطالعه:
- أغلب شغلي كان في مصر.
جواد بابتسامة مصطنعة:
- مش هتفرق كتير، وأظن رسالتي وصلت ومش محتاج أكررها مرة تانية.
- حقك.
ذلك ما تحدث به أندريه وهو يطالع جواد بهدوء .. نفخ فيليب بضيق ..
- مش هنخلص، أظن إننا ورانا شغل مهم جدا محتاج نتكلم فيه أفضل من إننا نرمي لبعض كلمتين ملهومش لازمة، إجتماع زعماء المافيا لازم نحدده في أسرع وقت عشان في حاجات محتاجين نعلن عنها.
لم يفهم جواد مايقول ولكن أندريه هز رأسه وبدأ فيليب بالتحدث .. أما عند صوفيا فقد كان قلبها ينبض بشدة بسبب حديث جواد لها .. ولا تُنكِر أنه قد أثر عليها وعلى مشاعرها اتجاهه هي بالفعل تشعر بالإنجذاب نحوه منذ أن قابلته ولكنها كانت تشعر بالضيق عندما كان يتحكم بتصرفاتها .. ولكن الآن! إنه أصبح مختلفًا تمامًا عن ذي قبل، شخصٌ متفهمٌ كثيرًا يتحدث بعقلانية وهدوء .. هل من الممكن أن يكون هناكَ شيءٌ بينهما فيما بعد؟ وعند ذلك التفكير إحمر وجهها خجلًا.
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
بعد ثلاث ساعات:
كانت تقف أمام مرآتها تنظر لثوبها الأسود الذي ترتديه وتفكر هل من الممكن أن يتضايق جواد بسبب إرتدائها ذلك الثوب؟ أم سيمر الأمر على خير؟، شعرت بالتوتر لأنها ليس من المفترض أن تفكر هكذا فمنذ متى وهي تفكر بمشاعره؟ خرجت من غرفتها وهي تهبط على الدرج وشعرها الأسود يتطاير خلفها وعندما خرجت من القصر وجدته يقف أمامها بجوار سيارته مرتديًا حلة سوداء يبتسم لها اقتربت منه بتردد وقام بفتح باب المقعد الجانبي له .. جلست داخل السيارة وأغلق الباب خلفها ..وجلس بجانبها عند مقعد القيادة. طالعها بابتسامة وأردف:
- تبدين جميلة أكثر من ذي قبل آنسة صوفيا.
قامت بفرك يديها بتوتر في ثوبها ..
- شكرًا لك.
ثم بدأ بالقيادة وبعد مرور عدة دقائق كان الإثنان يجلسان في مطعمٍ راقٍ يشربان مشروبًا باردًا.
- فكرة جيدة لعدم رغبتك في تناول النبيذ.
أردف جواد بهدوء:
- أريد أن نكون واعيين ونحن نتحدث اليوم لذلك أخرجت ذلك الشيء من القائمة، ثم إنني لست من هواة الكحول وهو مُحرمٌ عليّ فلمَ أشربه؟
ابتسمت وأردفت بهدوء:
- أحترم صراحتك تلك.
ابتسم جواد واقترب بجذعه قليلًا نحوها وهو جالسًا أمامها:
- من الجيد أن هناك تفاهمٌ بيننا أوتعلمين شيئًا إن ذلك سيساعدنا قليلًا في المستقبل القريب.
صوفيا باستفسار:
- ماذا تقصد؟
أردف وهو يطالعها في عمق عينيها:
- أنتِ تعلمين مقصدي جيدًا.
وفي تلك الأثناء اقترب نادلٌ نحوهما كان يرتدي قناعًا للوجه مثله مثل غيره وضع النادل مشروبًا إضافيًا ثم رحل تابعه جواد بعينيه ولكن بعد ثوانٍ فقط تحدث جواد بصوتٍ عالٍ ..
- صوفيا اختبأي.
كادت أن تتحدث ولكن تعالت أصوات طلقات النيران حولهما وأخرج جواد عياريه الناريين والتفت لكي يقوم بالتصويب على من يقومون بمهاجمتهما.
مات أغلب الموجودين في المطعم وكانت صوفيا مختبئة أسفل الطاولة تحاول الإتصال بوالدها وعمها، وكان جواد يصوب على من يطلق النيران .. كانوا رجالًا ملثمين .. أوقع جواد البعض أرضًا وتحركت صوفيا بخفاءٍ وأخذت عيارًا ناري يخص أحدهم .. وكانت تساعد جواد حيث تطلق النيران معه .. وبعد أن انتهي جواد كان يتنفس بصعوبة لا يدري متى وكيف أتوا إلى هنا؟ لقد حدث ذلك بلمح البصر .. اقتربت منه صوفيا وهي تتنفس بصعوبة وهي تحمل عيارًا ناريًا بيدها ..
- هل انتهينا منهم؟
ظل يطالعها بهدوء وكاد أن يتحدث ولكن تعالت أصوات طلقات النيران مرة أخرى .. والتصق الإثنين بظهر بعضهما يقومان بالتصويب محاولين أن لا تخترقهما أي رَصاصات.
أردف جواد بصوت عالٍ:
- لما لاتنصتين لي صوفيا؟
أردفت بابتسامة:
- أحب أن أثير غضبك قليلًا.
التفت الإثنان لبعضهما وأردف جواد بغضب:
- أنتِ عنيدة، ستقتلين نفسكِ.
- دعني أجرب تدريبي على الأسلحة .. لقد كان والدي مستمتعًا بتعليمي، والآن أنا أشعر بشعوره ذلك.
- لقد أفسداكِ صوفيا!.
رفعت حاجبيها بعدم فهم ولكن جواد قام بدفعها جانبها وقام بالتصويب على من كان سيصوب على ظهرها، ثم أمسكها من ذراعها وخرجا من المطعم وبدأ بالتحرك بسيارته بأقصى سرعة وهما مُطاردان من فريق كامل من الأشخاص الملثمين .. وبعد عدة دقائق استطاع جواد الابتعاد عنهم ووصل لقصر فيليب وخرج من السيارة بغضب .. ودخل القصر وصوفيا تتبعه بعدم فهم .. دخل جواد مكتب فيليب وأمسكه من تلابيبه متحدثًا بغضب:
- المرة دي كلابك معرفوش يقتلونا زي المرة الأولانية .. أنا هوريك مين هو جواد الجندي.
↚
كان فيليب مشدوهًا مما يحدث! .. يطالع جواد الغاضب أمامه ولكنه شعر بالغضب أيضًا وقام بإبعاد يد جواد عنه بقوة وأردف:
- إنت فاكر نفسك مين عشان تمسكني بالشكل ده؟
قام جواد بتكوير كف يده اليمنى ووضعه خلف ظهره وأردف بثبات وقوة وهو يطالعه في عُمق عينيه:
- أنا شخص عمرك ماهتقابل حد زيه، وبالنسبة للي حصل واللي انت كررته تاني مش هعديه.
تدخل أندريه بضيق وأردف:
- في حاجة اسمها عقل .. نتناقش ونفهم إيه اللي حصل؟
التفت جواد نحو صوفيا وأردف:
- أهي عندكم أهيه تقدروا تعرفوا السبب منها.
ثم تركهم وصعد لغرفته تحت أعين فيليب الغاضب جدًا.
التفت أندريه لصوفيا:
- حبيبتي، ماذا حدث؟
قصَّت لهم ماحدث بعدم فهم لأي شيء .. دخل جواد غرفته وكان يبحث عن شيئًا ما في حقيبته كانت حقيبة بلاستيكية صغيرة جدا فتحها جواد بهدوء بعدما جلس على فراشه وقام بفتح كف يده اليمنى ليظهر بها بعضًا من خصلات شعر فيليب والتي استطاع جواد انتزاعها منه وبمهارة .. وضعها بها وأغلقها بهدوء وأخذ نفسًا عميقًا ثم أخذ أخرج هاتفه من جيبه بسرعة وأخذ يتصل برقمٍ ما:
- أريد أن أقوم بحجز طيران لمصر في أقرب رحلة.
قام بإعطائهم بياناته وقام بحجز رحلة طيران بعد ساعتين .. قام بتجهيز حقيبته وخروج من غرفته ووجد أمامه صوفيا التي تطالعه بصدمة بسبب حقيبته التي يُمسكها..
- إلى أين تذهب؟
أردف بملامح مبهمة:
- أنا عائد حيث أتيت.
- صِدقنِي جواد، إن عمي لم يأمر أحد بفعل شيءٍ لنا، كيف سيؤذينا؟
- لا يَهُم، لكن من الواضح أن من فعل ذلك يكونُ شخصًا قريبًا منه جدا، يجب أن ينتبه جيدًا.
ثم ابتعد عنها وأعطاها ظهره، أغمض عينيه يحاول التحكم بمشاعره لا يريد الإلتفات للخلف لا يريد أن يضعُف هناك أشياءٌ مهمة أيضًا يجب أن يعود لمصر لأجلها يخاف أن يضعف إذا التفت لأنه لا يدري ماذا سيفعل بهاّ! من المُحتمل أن يقوم بكسر عضمها من كثرة ضمه لها كانت تأتيه الكثير من الأفكار وأولهما إتمام زواجهما، ولكنه استفاق لنفسه يريد فقط أن يُنهي ما بدأه .. وأهمهم الوصول لوالدته ثم عودة حبيبته إليه! .. فإن كان فيليب والده كما يظُن فإنه بالتأكيد سيستطيع الوصول إليها.. يجب أن يتأكد من ذلك أولا ثم سيعود وسيقوم بإحراق كل شيء! .. كان أن يتحرك خطوة ولكنها أوقفته..
- جواد.
التفت إليها يطالعها بهدوء .. اقتربت منه وأردفت باستفسار وحزنٍ في آنٍ واحد:
- لماذا قمت باتهام عمي بفعل ذلك؟
أردف بغضب:
- لأنه كان سيقتلني ويقتلـ....*صمت قليلًا ثم أردف* .. لقد فعلها من قبل صوفيا في مصر بأحد المطاعم كان سيقتل شخصًا عزيزًا علي ثم أرسل لي خطابًا بعدها يُخبرني أن ذلك هو عقابي على عدم إتمام إحدى الصفقات بشكل جيد!.
استأنف بقوة:
- من يحاول الإقتراب من أي شيءٍ يخصني يكون عدوي، أنا لا أثق به هو وأخيه وأي شخصٍ يعمل معهم.
ظلت تطالعه بهدوء وأردفت بثقة:
- إن عمي لا يمكنه أذيتي جواد، وأنا أثق به تمامًا ولكن على مايبدو أنك أنت من يجب ألا أثق به.
ابتسم جواد بحزن وهو يطالعها ثم التفت ورحل دون أن ينظر خلفه مرة أخرى ... كانت تتابعه بعينيها وهي تشعر أن هناك خطبٌ ما .. سارت خلفه بهدوء حتى خرج من القصر وشعرت أن قلبها يتمزق ولا تدري ما السبب، تريد أن تقول له لا تتركني! خُذني معك! ..
وعند تلك اللحظة هيطت عبراتها من مقلتيها وانتبه فيليب لها أثناء خروجه هو وأندريه من غرفة المكتب ..
- صوفي، ماذا هناك؟
لم تلتفت إليه وهي تبكي ولكنها شعرت بالضعف عندما جعلها تلتفت إليه وبكت بقوة وألقت بنفسها بين ذراعيه تبكي فقط على رحيله الذي آلم قلبها ولا تعلم ما السبب .. ذهب جواد لغرفته بالفندق وترك حقيبته وأخذ بعض الأشياء المهمة ثم خرج من الفندق وذهب في طريقه إلى المطار .. بعد مرور عدة ساعات هبطت الطائرة في مطار القاهرة الدولي، وخرج جواد من المطار وكان رجاله بانتظاره ولكنه تفاجأ بوجود عاصم أمامه أيضًا.. وقف الإثنان أمام بعضهما لعدة ثوانٍ ولكن عاصم ابتسم وقام بفتح ذراعه له ..
ضمه جواد وأردف:
- هحكيلك كل حاجة لما أرجع.
أردف عاصم باستفسار:
- رايح فين طيب؟
- إسكندرية.
عقد عاصم حاجبيه باستفسار وتابع تحدث جواد مع رجاله حيث أعطاهم حقيبتين صغيرتين وكل ما سمعه:
- دول عينتين لل DNA نتيجتهم تطلع في أسرع وقت.
هز رجاله رؤوسهم وركب سيارته والتي قام أحد رجاله بقيادتها .. وضع يده يدلك المنطقة بين عينيه بهدوء وهو يقرأ الرسال النصية التي قد وصلته في وقت محاولة هروبة هو وشمس من العصابة التي كانت تطاردهما في روسيا والتي كانت من أحد رجاله.
- جدة حضرتك نقلوها للمستشفى بشكل مفاجئ، واحنا بنراقب الوضع ومنتظرين أي نتيجة.
بعد مرور عدة ساعات وصل جواد للمشفى التي توجد به جدته ولكنه لم يدخل .. ظل يراقب الوضع عن بُعد .. التمعت عيناه عندما رأى خاله بيشوي يخرج من المشفى يبدو عليه أنه يحمل الكثير من الهموم على عاتقيه .. فقد كان متوسط الطول ذو شعرٍ أبيض ممتلئٌ قليلًا إلى حدٍ ما.. وعندما تأكد من خروجه خرج من سيارته ودخل المشفى في إتجاهه نحو غرفة جدته ولكن قبل ذلك ذهب إلى غرفة ما وقام بالتنكر على هيئة مُمرض وارتدى قناعًا طبيًا يُخفي نصف وجهه، وذلك لوجود خاله كريلس وزوجته وأطفاله أمام غرفة جدته .. وأثناء دخوله هز رأسه لخاله كريلس يُحيِيه ثم دخل الغرفة وأغلق الباب خلفه .. كان جسدها الهزيل الواضح عليه التقدم في العُمر موصل بالأجهزة اقترب منها وجلس بجانب سريرها يطالع ملامحها بتأثر أسفل قناعه .. يقول الأطباء أن حالتها تسوء ... لا يمكن أن تسوء قبل أن يُعيد إليها ابنتها .. لا يُمكن .. قامت بفتح عينيها ببطئ وتقابلت عينيهما ..
- جواد؟
قام جواد بانتزاع القناع الطبي وابتسم لها بهدوء ..
أردفت بارهاق وألم:
- إيه يابني؟ فينك؟ بقالي فترة بروح السوق مش بتيجي تساعدني في الشيلة وتيجي تقعد معايا شويه تشربلك كوباية شاي لحد ما أحفادي يجولي .. إنت مباقتش عايز تقابلني ولا إيه يا ولد؟
أخذ جواد نفسًا عميقًا وأردف:
- أعذريني يا ست كريستين، كان عندي شوية مشاكل.
أردفت باستفسار:
- وحليتها؟
هز رأسه نافيًا ..
- متقلقش، هتتحل انت بس اصبر.
هز رأسه ثم ظل صامتًا يُطالعها ..
- متبصليش كده عشان مضعفش، وانت راجل حليوة كده وأنا أخاف على نفسي.
قهقه جواد بخفة ثم عاد يُطالعها مرة أخرى ..
- أيوه كده اضحك، محدش واخد منها حاجة.
تنهد جواد بعمق وأردف:
- عندك حق.
ظلت تطالعه بهدوء وهي صامته .. ثم أردفت:
- بتفكرني ببنتي الله يرحمها وجوزها..
ظل منصتًا إليها وهي تتحدث ..
- مش عارفة فيك منهم .. ساعات بحسك مرة قالب عليه ومرة قالب عليها، معلش يابني يمكن من كتر مابنتي وحشاني بشوفها في كل اللي حواليا.
قهقهت بخفة ثم تألمت ..
- إهدي.
- متخفش عليا.
ظل الإثنان صامتان قليلًا ..
أردفت بإرهاق وهي تراه شاردًا هكذا:
- لقيتها؟
هز رأسه وأردفت بابتسامة:
- أنا مبسوطة عشانك أوي يابني، يا رب تلاقي السعادة معاها.
أردف بتأثر:
- دعوتك دي جميلة أوي.
انتبهت كريستين على الآذان يُرفع في مسجدٍ قريبًا من المشفى .. وأردفت بصعوبة:
- وانت كمان ادعيلي دعوة جميلة وانت بتصلي يا جواد .. ادعيلي أشوف بنتي لما أموت.
خرجت الدموع من مقلتيها ..
- إنتِ محتاجة ترتاحي شويه، أشوفك وقت تاني.
ثم اعتدل وكاد أن يذهب:
- أشوف وشك بخير يابني.
التفت اليها وأردف بابتسامة:
- إن شاء الله.
خرج من الغرفة وهو يخفي وجهه ثم خرج من المشفى جلس بسيارته وهو يحاول منع عبراته من النزول .. لا يستطيع التحمل! .. لطالما حياته كانت هكذا! .. يعيش في خفاء لا يوجد لديه عائلة أو بمعنى آخر عائلته لا تعلم بوجوده تمامًا ولن يصدق أحد ذلك لأن الجميع يعلم أن آسيا قد ماتت قبل أن تُنجب أطفال .. أخذ نفسًا عميقًا وذهب للمسجد للصلاة لعله يرتاحُ قليلاً وبعد أن انتهى ظل جالسًا في المسجد يقرأ في المصحف الشريف قليلًا وفي ذات الوقت يدعوا لجدته من كل قلبه أن تُصبِح بخير وبعد أن انتهى ظل في سيارته أمام المشفى عند البَحر يفكر بشرود يتذكر لقائه بجدته عندما مثَّل أنه يريد مساعدتها في حمل حقائب التسوق والتي بدأت صداقتهما من هنا .. أبتسم بهدوء وهو يتذكر حنانها وعطفها عليه وأيضًا ربتها على كتفه عندما تشعر أنه ليس بخير .. تلك المشاعر البسيطة التي عاشها مع والدته لفترة بسيطة فقط ولكنها ظلت على باله دائمًا لم تُمحَى من ذاكرته .. يتذكر أن طفولته كانت تتلخص في حماية والدته له من شيءٍ ما وأيضًا هروبهما من دولة إلى دولة أخرى عن طريق البحار! .. لم يكن يعلم ممن كانا يهرُبَان ولكن صبرًا لكل وقتٍ آذان كما يقولون، شرب قهوته الفرنسيه وهو ينظر أمامه بشرود باتجاه البحر ولكن قاطع شروده أحد رجاله والذين تبعوه بعدما قاموا بتنفيذ مهمتهم وهو تقديم العينات لتحاليل ال DNA.
- جواد بيه.
التفت اليه وهو يطالعه باستفسار..
- آنسة صباح عايزة تكلمك.
التقط جواد منه الهاتف وأردف:
- إزيك يا صباح عاملة إيه؟
- بخير الحمدلله، وأخيرًا حضرتك ظهرت .. أنا ماصدقت إن بابا قالي إنك رجعت من بره .. حمدالله على السلامة.
أردف بابتسامة هادئة:
- الله يسلمك، أخبار الشغل معاكِ إيه؟ في حد من الزملاء بيضايقك؟
- لا بالعكس خالص كلهم متعاونين جدا الحمدلله.
- طب الحمدلله.
صمتت قليلاً وهو أيضًا ظل صامتًا ينتظرها أن تتحدث..
- لو عايزة تتكلمي في حاجة أنا موجود.
حمحمت بإحراج وأردفت:
- بص هو عاصم كان عايز يتقدملي وكده وأنا مُحرجة أكلم بابا فأعتقد إنت أحسن حل إنك تفتح مع بابا الموضوع وخاصة إنه بيعزك أوي وكان في بينكم عِشرة.
ابتسم جواد بهدوء ثم أردف:
- مافيش مشكلة أول أما أرجع القاهرة هكلمه إن شاء الله.
- إن شاء الله.
ظلت صامتة ثم أردفت بصوت متحشرج:
- كان نفسي شمس تبقى معايا في لحظة زي دي.
أردف جواد بابتسامة:
- إن شاء الله هتكون معانا.
...............................................................
تجلس في غرفتها المنعزلة عن العالم وهي تنظر أمامها بشرود تفكر في ماضيها المؤلِم .. كيف تمكنت من البقاء على قيد الحياة هكذا طبقًا لِمَا مرَت به؟؟ .. يا الله لقد واجهت الكثير من الصعوبات كان من الممكن أن تجعلها مجنونة ولكن صبرها كان لأجل طفلها وصغيرها الذي أعاد لها الحياة مرةً أخرى ..
منذ أعوامٍ كثيرة مضت:
مرت أيام منذ أن وضعت طفلها وكان باب القبو مفتوحًا ولكنها لم تكن تستطع الصعود بسبب ارهاقها وألم جسدها بسبب الولادة وأيضًا كانت تقوم بإرضاعِ صغيرها دون أن تأكل شيء فلم يكن يوجد شيء تكسب قوتها الجسدية منه .. كانت جالسة تقوم بضم صغيرها والذي قد نام بسلام بعد أن شَبِعَ من جوعه .. وظلت تطالعه في ملامحه إنه يشبه والده كثيرًا تنهدت بحزنٍ لأنها لم تتعافى من موت زوجها الآن لم يتبقى لها سوى صغيرها أما بالنسبة لعائلتها فهم لا يعلمون بوجودها لأنهم يعلمون بوفاتها والذهاب إلى مصر بدون أوراق سيكون صعبًا كثيرًا حيث أنها ستسافر هاربة في سُفُنِ الشحن حتى لو أخذت أشهر وسنوات في رحلتها تلك ولكنها ستفعلها الأهم هو أن تهرب من ذلك المُختَل .. انكمشت في مكانها عندما نزل ماتيوس للقبو وابتسم ابتسامة خبيثة لها ..
- يبدو أن وجودكِ هُنا قد أعجبكِ.
لم تُجبه ولكنها كانت تنظر لجواد بحنان ولا تنظر لماتيوس الذي أردف بغيرة:
- لقد حمِلتِي بنُسخة صغيرة منه .. عيشي أيامك القادم معه فلن يبقى معكِ كثيرًا وريثُ فيليب ذاك.
طالعته بعدم فهم:
- ماذا تقصد بوريث فيليب؟
- ألا تعلمين أن زوجكِ الحقير ذلك كان سيصبح زعيمًا للمافيا الروسية في الأيام القادمة .. والآن قد مات ومن المفترض أن وريثه ذلك الطفل و........
قاطعته آسيا بغضب:
- ماذا تقول عن زوجي يا هذا؟؟ إن فيليب كان شخصًا بسيطًا يعمل في شركة للهندسة! .. إن زوجي بعيدٌ تمامًا عن كُل ماتقول.
قهقه ماتيوس بخبث وهو يطالعها:
- الحقير .. ألا تعلمين أنه قد قام باستغلالك عندما كُنَا في مِصر! كان يتركني معكِ ليكمل مهماتنا التي آتينا لأجلها ثم يعود ويتعامل كأن شيئًا لم يَكُن، قرر البقاء لشهر إضافي للبقاء معكِ عدة أيام فقط لأنه قد أُعجِبَ بكِ .. مثلي!.
أردفت بصراخ:
- كفاكَ كذِبًا .. لقد سئمت من حديثك السيء عن زوجي .. إياكَ ثم إياك أن تتحدث عنه هكذا مرة أخرى .. ثم إنني أحبُ فيليب ولن أنساه أبدًا ومهما حاولتَ التحدث عنه بسوء لن أكرهه أبدًا.
شعر ماتيوس بالغضب كثيرًا .. لاتزال تريد فيليب! ..
- هل مازلتي تحبينه؟
أردفت بتحدي:
- من قال أنني اكتفيت من حبِه؟ إن زوجي بقلبي ولن أنساه أبدًا.
شعر ماتيوس بالغصب يكبر داخله لأنها مازالت تُفضل فيليب عليه .. أخذ سوط مصنوعُ من الجلد وتفاجأت مما فعل وقامت بوضع جواد خلفها وحاولت أن تحميه بجسدها وأخذت كل الجلدات التي كان يجلدها بها ماتيوس بغضب تحت صرخات وبكاء الرضيع في الغرفة.
ماتيوس بغضب:
- حسنًا إذا، يبدو أنكِ ستبقين هنا تحت إقامتي لمدة طويلة لا نعلم ماهيتها.
لم تكن تستطيع الحديث حيث أن جسدها كان ينزف بقوة وتنظر لطفلها الذي يصرخ وهي تبكي في صمت خرج ماتيوس من القبو وقام باغلاقه خلفه وبكت بقهرٍ على ضعفها الجسدي فالولادة والحمل دون تغذية جيدة قد أخذا منها كل طاقتها إنها تحتاج لفترة طويلة لإستعادة طاقة جسدها وذلك يستحيل بسبب ضعف غذائها.
في الوقت الحالي:
قامت بمسح عبراتها وهي تتذكر كم عانت بسبب ضعف جسدها وعدم قدرتها على حماية نفسها بل كل ماكانت تستطيع فعله هو حماية طفلها فقط .. ظلت هكذا لأربع أعوام .. تعانِي من ضعف غذائها لانها وبعد فِطامها لطفلها كانت تجعله يأكل طعامها البسيط لكي يشبع .. طفلها المحجوز معها في ذلك القبو .. تتذكر تلك السيدة العجوز التي أتت لتنظيف القبو والتي ساعدتها في الهرب من ذاك المكان بصعوبة بالغة ولكن مع الأسف قد انتهى الأمر بمقتل تلك العجوز بعد اكتشاف ماتيوس للأمر وظل بعد ذلك يلاحقها! .. ظلت تهرب منه عبر السُفُن المحملة بالبضائع والتي تذهب إلى دولة معينة كانت هكذا تتنقل عبر البحار مع جواد دون وجهة معينة تقوم بترجي المارة المتنقلون من مرفأ إلى آخر لكي يعطونها طعامًا تُطعِمُ طفلها إياه.
أردفت بحزن:
- أتمنى إنك تكون بخير يابني.
ثم عادت غائبة في ذكرياتها السيئة التي جعلتها تتذكر ماضيها وتتذكر كل شيء، وذلك عندما رأت ماتيوس يقوم بتعذيب فتاة شابة بقسوة بنفس القبو التي كانت به ولكنها تلك المرة ساعدتها على الهرب قبل أن يقتل تلك الفتاة وتتمنى أن تكون الفتاة قد وجدت عائلتها ولكنها تعتقد أن ذلك صعب لأن الفتاة كانت فاقدة للذاكرة تمامًا لأنه على مايبدو أن ماتيوس قد فعل شيئًا بعقل تلك الفتاة كان هناك جهاز يُخفيه في إحدى حقائب عمله .. هل يا تُرى إستخدم ذلك الجهاز على عقل تلك الفتاة؟ ذلك ليس بغريب على رجل مافيا مثل ماتيوس.
آسيا بتنهيدة:
- ربنا معاكِ يابنتي وتكوني وسط أهلك.
↚
في روسيا:
كانت جالسة في فِراشِها تنظر أمامها بشرود لا تدري ماسبب ذلك الشعور الذي تشعر به الآن .. لقد بقي جواد معهم لعدة أيام فقط، ولكن لماذا تشعر أنه قد بقي معها زمنًا طويلاً؟ لماذا تشعر أن هناك شيء خفيٌ بينهما لا تستطيع قراءته حتى الآن؟ .. استفاقت من شرودها عندما سمعت طرقات باب غرفتها، دخل فيليب بابتسامة هادئة واقترب نحوها يجلس بجوارها ..
- ألن تُخبرينني عن الشِجَار الذي دار بينكما؟
- لا أرغب بالتحدث لأنه لم يحدث شيءٌ بالفعل عميي.
- إذا لماذا أشعر أنه حدث أمرٌ ما هدم كل شيء بينكما؟
طالعته صوفيا بتعجب وأردف:
- كل شيءٍ بيننا؟! أنا وجواد لم يكن بيننا شيء .. لماذا تتحدث هكذا عمي؟
فيليب:
- لا شيء، ولكنني أشعر فقط أنكِ معجبة به.
ظلت صوفيا تطالعه وكان يبدو عليها علامات التردد
فيليب باستفسار:
- هل هناك شيءٌ تريدين أن تُخبرينني به؟
صوفيا بتنهيدة:
- أنت سبب شجارنا عمي.
- كنت أتوقع ذلك، أخبريني ماذا حدث؟
روَت له ماحدث وبعدما انتهت..
أردف فيليب بهدوء:
- خلافي مع جواد لا علاقة له بكما.
أردفت صوفيا بتبرير:
- لكن عمي..
قاطعها بهدوء واستأنف:
- إنه مُحِق.
صوفيا بتعجب:
- ماذا!
أردف ببساطة:
- أجل إنه مُحِق، أنا من أرسلت الرجال في المرة الأولى .. وعندما يرى جواد أن رجالي من يقومون بمهاجمته مرة أخرى سيكون رد فعله أكبر من ذلك صوفيا.
ظلت صامته وهي تطالعه وتشعر بضيق في صَدرِها ..
- لم أحب طريقته معك عمي.
ابتسم فيليب وأمسك بيدها برفق وأردف:
- وأنا أحببت شعوركِ ذلك حبيبتي، ولكن لا تُنهِي علاقتكِ مع أحد بسبب أي شخص طالما أنتِ لم تري من ذلك الشخص سوءًا وخاصة جواد!
هزت رأسها وأردفت:
- كنت أتوقع أن يكون لك ردة فعل قوية منك عندما أمسك بك.
صمت فيليب قليلاً ثم أردف:
- لا أعلم لمَ لم ألقنه درسًا، ولكن هناك شيءٌ ما أوقفني لا أدري ماهو.
- لماذا أشعر أنك تقوم بمعاملته كأنه أحد أفراد العائلة؟
صمت فيليب قليلًا وأردف:
- ربما لأنه يُذكِرني بشبابي وأحيانًا أشعر أنني أريد أن أُربت على كتفه وأخبره أن كل مايفعله هو الأفضل للجميع.
ثم قهقه فيليب بخفة على شعوره السخيف ذلك ثم استأنف:
- يجب أن ترتاحي عزيزتي .. فإنكِ لم تنامي جيدًا منذ أن ذهب.
إحمرَّ وجهها خجلاً من حديثه وابتسم لخجلها ذلك وكاد أن يخرج من الغرفة:
- عمي
فيليب وهو يلتفت إليها:
- نعم؟
- لقد أخبرني جواد أن من يفعل كل ذلك هو أحدٌ قريبٌ منك، هل من الممكن أن يكون مايقوله صحيحًا؟
صمت قليلًا وابتسم:
- صدقيه عزيزتي .. فإن أقرب أصدقائي هم ألدُ أعدائي.
ثم خرج من غرفتها وأغلق الباب خلفه واختفت ابتسامته وهو يتذكر على مدار الثلاثون عامًا الماضية حجم الغدر الذي تعرض له من الجميع حتى أصبح يثق تمامًا بأن لا أحد أهلاً للثقة ولكن ذلك الجواد عندما ظهر أمامه شعر أنه سيقوم بتغيير ذلك المفهوم عنده .. شعر أنه يتحدث مع نفسه وكان يخبره بكل أسرار عملهم أيضًا وهو يثق تمامًا أنه لن يفعل به شيئًا على الرغم من أنه يثق أن جواد له علاقة قوية مع الشرطة بسبب صديقه الشُرطِيّ حتى وإن فعل لن يستطيع أحد الإقتراب منه أبدًا.
هز فيليب رأسه بنفي وأردف بصوتٍ عميق وملامح مبهمة:
- أنت أول شخصٌ ستأتي الخيانة منه جواد.
لا يدري لما تُحزِنَه تلك الفكرة على الرغم أنه لا يوجد بينهما صلة قرابة، ولكنه يجب أن يكون على وضع الإستعداد الدائم؛ فالحرب ستكون قريبة!.
...................................................
وفي مصر، مرت الأيام وكان جواد يتابع حالة جدته عن بُعد وعندما اطمئن أنها بخير وعادت إلى منزلها بسلام وحولها أبناءها وأحفادها، عاد باطمئنان إلى القاهرة الكُبرَى ليُكمل باقي مهامه وكان أولها لقاءه مع عاصم!
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في شركة جواد:
كانا يُطالعان بعضهما ولكن عاصم من تحدث بتعجب:
- DNA!! إنت مٌتخيل حجم الكلمة اللي انت بتقولها؟
كان جواد شاردًا لا يستطيع أن يُجيبه كان باله منشغلًا كثيرًا بالعديد من الأسئلة ويتمنى كثيرًا أن يكون كل ذلك غير صحيح!
- جواد، إنت بتتكلم بجد؟ إيه اللي يخليك تفكر إنك تعمل DNA
لعينة منك وعينة من زعيم المافيا الروسية!!!
أردف جواد بتفكير:
- فلنتغاضى عن إن والدتي كانت متجوزة واحد روسي إسمه فيليب! واللي المفروض إن هو متوفي من قبل ما أتولد .. وخلينا نتغاضى برده عن إن إسم زعيم المافيا الروسية هو فيليب .. بس أنا مش هقدر أتغاضى عن الشبة اللي بينا.
ثم استأنف وهو يطالعه متحدثًا بعدم فهم:
- إنت مُتخيل حجم الكارثة اللي أنا فيها، صح؟
ظل عاصم يُطالعه بهدوء إنهم حقًا في موقف لا يُحسدون عليه! ..
عاصم بعدم استيعاب:
- لا إن شاء الله لا .. ده هيبقى عقوق آباء ده لا!!!
ظل الإثنان صامتان ثم استأنف عاصم:
- هي النتيجة المفروض هتطلع إمتى؟
أردف جواد بإرهاق وهو يغمض عينيه ويستند بظهره على كُرسيِه:
- بُكرة.
- يا برودك يا أخي .. مالك بتتكلم براحة كده ليه؟
فتح جواد عينيه وأردف:
- أنا قلقان أكتر منك.
- تمام، خلينا نتفق على حاجة.
جواد باستفسار:
- إيه هي الحاجة دي؟
- إن مهما كانت النتيجة إنت هتفضل معانا مش هتنحاز للمافيا دي أبدًا.
طالعه جواد بغضب:
- أنحاز لإيه يا عاصم؟! أنا وانت هدفنا واحد والدليل العملية اللي تمت هنا في مصر تبع المافيا الروسية.
أردف عاصم بهدوء وتوضيح:
- عارف وواثق فيك، وعلى فكرة إنت كسبت ثقة الوزارة بالحركة دي، بس اللي أقصده إن حتى لو هو طلع باباك ماترجعش عن خطوتك معانا.
طالعه جواد كأنه يحمل همومًا كثيرةً على عاتقيه ..
استأنف عاصم حديثه:
- ليه سايب شمس عندهم هناك لحد دلوقتي؟
جواد بشرود:
- مش عارف، بس حسيت إن هناك أأمن مكان ليها، رجوعها لمصر دلوقتي مش هيفيدها بحاجة.
عاصم باستفسار:
- إنت راميها وسط النار، مش خايف من حركة غدر؟
جواد بتفكير:
- لا مش خايف.
- تفتكر مين اللي خطف مامتك؟
جواد وهو يطالعه:
- حد قريب من فيليب وقريب أوي هوصله وأنا عارف إزاي متقلقش.
صمت الاثنين قليلاً ثم تحدث جواد بعد ذلك:
- عندي مقابلة مع حَماك بعد شويه.
ابتسم جواد عندما قال تلك الكلمة وشعرعاصم بالإحراج وأردف بغرور:
- مش محتاج واسطة منك على فكرة، مركزي ومكانتي في المجتمع تخلي أي حد يوافق عليا.
جواد بمكر:
- اللي يشوفك بتتكلم كده ميشوفكش وانت بتجري ورا صباح السنة اللي عدت دي كلها! لا وكمان هي اللي كلمتني إني أكلم باباها في حين إن إنت صاحبي معملتهاش!.
ظل عاصم يرمُقه بغيظ وأردف:
- طب ياخويا أما نشوف هيوافق ولا هيرفض.
جواد بابتسامة:
- متقلقش هيوافق.
كاد أن يتحدث ولكن أوقفهما صوت طرقات الباب .. ودخل والد صباح بثيابته البسيطة وأردف بابتسامة:
- مساء الخير جواد بيه، أؤمرني كنت عايزني في حاجة؟
جواد بابتسامة:
- أكيد طبعا، اتفضل.
ثم التفت لعاصم وأردف:
- شوف هتعمل إيه في الموضوع اللي اتكلمنا فيه ده.
عاصم باستفسار وعدم فهم:
- موضوع إيه؟
عقِد جواد حاجبيه وهو يطالعه واستوعب عاصم مايقوله:
- اه تمام.
ثم خرج من المكتب .. استقام جواد من مقعده واقترب من والد صباح والذي يُدعى "مُنير" يقوم بتحيته ..
- انت بتقوملي مخصوص يا جواد بيه؟
جواد بابتسامة:
- وهو أنا لو مقومتش ليك أقوم لمين؟ إتفضل.
جلس السيد مُنير على أريكة في غرفة مكتب جواد وجلس جواد بجانبه بعدما اتصل بعامل البوفية لكي يصنع لهما كوبي قهوة ..
أردف مُنير بإحراج وابتسامة:
- والله يا جواد بيه كل ده ملهوش داعي .. إنت خيرك سابق.
- لا أبدًا دي حاجة بسيطة.
طالعه جواد بابتسامة وأردف:
- إيه الأخبار كلكم تمام؟
- الحمدلله على كل حال.
ظل جواد صامتًا وهو يُطالع ذلك الرجل الطيب يفكر كيف سيخبره بذلك الأمر.
أردف مُنير بتوجُس:
- خير يا جواد بيه قلقتني؟ سكوتك مش مطمني.
- لا أبدًا كل خير إن شاء الله.
أخذ نفسًا عميقًا ثم أردف بابتسامة هادئة وهو يتذكر حديثه مع السيد بهجت عندما كان يتقدم لخطبة شمس.
- في صديق ليا متقدم لصباح.
ظل مُنير يُطالعه بهدوء..
- وبعدين؟
- هو يبقى صاحبي وكنت حابب آخد رأيك لو حضرتك موافق طبعًا.
منير باستفسار:
- انت بتسألني أنا عن رأيي؟ حضرتك إنت اللي شايف إيه؟ أوافق ولا أرفض؟ انت عارف أي قرار يخص صباح أو حد من عيالي بلجألك علطول لإنك زي أخوهم الكبير .. فده يعتمد على قرارك إنت لإني واثق في حضرتك .. وطالما ده حد تبعك وحضرتك تعرفه شخصيًا أنا معنديش مشكلة.
جواد بابتسامة:
- يعني نقول مبروك؟
- أكيد طبعا.
........................................
كان عاصم يجلس بسيارته يفكر بأمر جواد! لا يُصدق تمامًا بفكرة أن جواد سيبقى معهم حتى بعد معرفته أن فيليب من الممكن أن يكون والده لأنه يعلم جواد جيدًا .. إنه يفتقد لعائلته كثيرًا .. كان طفلًا صغيرًا يريد عائلة مثله مثل غيره من الأطفال في الملجأ ولكن حظه لم يُحالفه..
منذ سنواتٍ عديدة مضت:
كان جالسًا بفراشه متكورًا ويومًا عن يومٍ يرى عدد الأطفال يقل في الملجأ الذي هو به .. لا يدري هل هُناك خطبٌ ما به؟ أم أن العائلات لا يرونه من الأساس؟ ثم لما لم تأتِ والدته حتى الآن؟ أغمض عينيه وبدأ بالبُكاء .. انتبه عاصم له عندما كان يلعب مع باقي الأطفال في الملجأ .. رآه جالسًا وحده لا يتحدث مع أحد اقترب منه بابتسامة بريئة وأردف:
- إنت قاعد لوحدك ليه؟
طالعه جواد ببُكاء ولم يُجبه وعاد يدفن رأسه بين يديه .. جلس عاصم بجانبه وأردف:
- انت بتعيط ليه؟
اعتدل جواد ونظر إليه بأعين حمراء من البكاء:
- هو أنا وحش؟
طالعه عاصم بعدم فهم ثم أردف باستفسار طفولي:
- ليه بتقول كده؟
- ماحدش جه أخدني حتى ماما مجتش، هي كده مباقتش عاوزاني؟
أردف عاصم بعدم فهم طفولي:
- انت اتفقت معاها على إيه؟
- إنها هترجعلي.
- خلاص اسمع كلام ماما وبعدين كلنا هنا مستنيين ماما تيجي تاخدنا إحنا كمان .. كلهم قالولنا كده.
هز جواد رأسه ثم أخذ نفسًا عميقًا لكي يهدأ ولكنه انتبه ليد عاصم أمام عينيه .. رمقه بهدوء ووجد عاصم يمُدُ يده إليه وهو يبتسم ..
- تعالى نلعب سوا إحنا محتاجين واحد كمان معانا في اللعبة.
تردد جواد وأمسك يده ببطئ واستقام من فراشه و ذهب ليلعب مع الأطفال مثل سنه هو وعاصم والذي بعد مرور سنوات بسيطة قامت عائلة ثرية ومكانتها معروفة في البلد بكفالته أما جواد فقد بقي وحده في النهاية حتى هرب يومًا ما من الملجأ وبطريقة ما تقابل الإثنان سويًا بعد سنوات عديدة ولكن كل واحدٍ منهما حياته كانت مختلفة عن الآخر! أحدهما أصبحَ ضابط والآخر أصبحَ مُجرِمًا مُحترِفًا في تجارة الأسلحة! واستطاع ذلك المجرم كسب ثقة الدولة والأعداء أيضًا.
في الوقت الحالي:
أردف عاصم بهدوء وهو يردد بثقة:
- هيرجع عن قراره أكيد لو طلع أبوه!
وضع رأسه على المقود بيأس وهو يفكر لا يدري ماذا سيصبح الأمر حينئذٍ ولكن يا ترى هل سيكون بجانبه أم سيقف بجانب العدالة تلك المرة! لأن كل المرات السابقة كانت يساعده ويحاول أن يجعل الوزارة ترجع عن قرارها في إلقاء القبض على جواد!
.......................................................................
في اليوم التالي:
كان جواد مستندًا بظهره على سيارته فوق جبل المقطم ويرتدي عدساته الشمسية السوداء ويمسك بيده مظروفًا مُغلق والذي يحتوي على نتيجة تحليل ال DNA .. كان يُطالع ذلك المظروف بتوتر ولأول مرة يشعر بالخوف هكذا، ابتلع بصعوبة وقام بفتحه بتوتر .. حتى أمسك الورقة التي بداخله وقام بفتحها ليرى النتيجة .. دقيقة فقط مرت وقد ارتعشت يداه وهو يمسك بالورقة .. كان يحاول أن يتماسك ولكنه لم يستطع! .. الحقيقة مؤلمة حتى وإن كانت مجرد فكرة فألمها ليس مثل كونها أصبحت حقيقة! إنه والده الذي أنجبه من صُلبِه! عروق وجهه برزت وهو يحاول أن يقاوم شهقاته ولكنه لم يستطع .. تنهيدة ألم مع بكاء مكتوم خرجت من فمه .. بكاء يعبر عن حرمان سنواتٍ من عائلتة كان يتمناها لنفسه! وليس ذلك فقط بل كان يتمنى يومًا ما أن ينادي أحدهم ب "أبي" ولكن لم يُحالفه الحظ .. والآن والده حي لكنه ليس مُجرَد شخصٌ عاديّ! إنه مُجرمٌ خطير! نظر ليديه الإثنتين بحزن ... يا الله!! لقد سلم والده إلى القانون بيديه هاتين!
↚
كان ينظر للسماء بشرود وهو على قمة الجبل، لا يدري كم من الوقت قد مضى وهو على حالته تلك .. عينيه دامعتان ويُحْكِمُ قبضته على الورقة التي بها نتيجة ال DNA .. تنهد بحُزنٍ وهو ينظر حوله ثم عاد ببصرة إلى السماء وأغمض عينيه بإرهاقٍ كأنه قد فاض به الكيل لقد كان يُفكِر كثيرًا أن ينسحب من تلك المعركة! ولكن كيف؟ كيف يترك والدته بين يد المجهول؟ وكيف يترك والده والذي اكتشف للتو أنه على قيد الحياة؟، وكيف يتركُ شمسه؟! يشعر أنه الوحيد في هذه اللُعبة الذي يُمسك بأطراف ثلاثة خيوط! ولكن يتُم سحبهم في عكسِ إتجاهه ويسحبونه خلفهم على الرغم من مقاومته محاولاً جذبهم نحوه، وهؤلاء الثلاثةٌ هم والديه وشمس والعدو المجهول هو من يقوم بأخذهم منه! وأيضًا الذي تسبب في كل مايحدث في حياته منذ البداية .. تنهد باستسلام حينما سمع آذان الفجر وأخذ نفسًا عميقًا وركب سيارته وذهب لأحد المساجد وأدى صلاة الفجر ثم خرج وهو يقوم بالاتصال بالمطار ليقوم بحجز تذكرة لأقرب طائرة ذاهبة إلى روسيا والتي في نهاية اليوم الذي بدأ للتو.
اقترب من قصر السيد بهجت (سابقًا) وهو يفكر تلك المرة كيف سيتصرف مع والده وشمس وأيضًا كيف سيبحث عن والدته .. لا يوجد وقت للإستسلام هو لم يعتَد على ذلكَ يومًا ما وخاصة أن عائلته من يتعرضون للخطرَ!
ولكنه توقف عندما وجد عاصم يقف أمام القصر ينتظره ..
خرج جواد من سيارته واقترب من عاصم العاقد حاجبيه وهو يقترب منه..
- بكلمك مش بترد وقلقتني عليك.
أردف جواد بهدوء:
- أنا معنديش وقت لكلامنا ده ياعاصم أنا محتاج أنام شويه عشان راجع روسيا النهاردة.
أردف عاصم باستفسار:
- النتيجة طلعت يا جواد؟
ظل جواد يُطالعه قليلًا ثم أردف:
- أيوه طلعت.
- طب إيه؟؟ ساكت ليه؟ ده انت حتى ماقولتليش النتيجة عشان نتصرف أو عشان نفهم إيه اللي هيحصل بعد كده؟!
أردف جواد بعدم استيعاب:
- أقولك ليه؟ وانت مالك أصلا؟
عاصم بعدم استيعاب هو الآخر:
- انت بتهزر صح؟ انت ناسي إن فيليب ده من أعداءنا؟ ناسي إننا شغالين أنا وانت مع بعض عشان نساعد السُلطات في روسيا إنها تمسكه!!
أمسك جواد برأسه يقوم بفركها لأنه يشعر بالغضب والنعاس لقلة النوم في آنٍ واحد..
- مش ناسي، أنا بس حابب أفكر وأفهم اللي أنا فيه.
عاصم باستفسار:
- أفهم من كده إن النتيجة إيجابية؟!
هز جواد رأسه وهو شارد، وأردف عاصم بتحذير:
- جواد، أنا بحذرك .. أنا مش كل شويه هستغل سُلطتي إني أخرجك من أي كارثة إنت بتعملها، المرة دي هي الناهية!!
أردف جواد بغضب:
- ومين قال إن أنا محتاجلك إنت وسُلطِتَك .. هيفيدوني بإيه؟ انت اللي بتتحرك .. انت اللي بتستغل سُلطتك من غير ما ألجألك .. كل مرة يا عاصم إنت اللي بتتصرف من نفسك!
عاصم بعدم استيعاب:
- وده ملَفَتش نظرك لحاجة يا جواد!!!
ظل جواد صامتًا وأخذ نفسًا عميقًا وأردف:
- لفت نظري لحاجات كتير يا عاصم وهو إنك مش مُجرد أخ! انت صاحب عُمري اتربينا وكبرنا سوا في الملجأ .. بس لما الموضوع يمِس عيلتي يِبقى شُكرًا أنا مش محتاجلك لا انت ولا سُلطِتك دي .. الموضوع ده فيه عيلتي! إنت فاهم؟ عيلتي اللي أنا بدور عليها من سنين .. لمرة واحدة حِس بيا لإني مش هسمحلك إنت وأتباعك تدمرولي كل اللي كنت بسعى علشانه!!
عاصم بعدم فهم:
- أنا وأتباعي!! يا أخي ده أنا حلِفت قَسَم إن مهما كان المُجرِم مين مش هنام إلا لما أمسكه! إنت كده بتدمرني في شُغلي!
جواد بهدوء:
- ده إنت مش أنا! أنا مُجرم يا عاصم ولا نسيت؟! أنا تاجر سلاح! تقدر تتوقع مني أي حاجة حتى القَتل! .. لكن إنت؟ ظابط نضيف محترم حالف قَسَم ماشي عليه .. مكانتك كبيرة في الداخلية! أنا تحت وانت فوق هو ده الفرق بينا! أنا في القاع زي مابيقولوا وانت في القِمة!
هز عاصم رأسه بتفهم وأخذ نفسًا عميقًا وأردف:
- يعني خلاص كده! دي النهاية؟
أردف جواد بتوضيح:
- سميها زي ماتسميها.
ابتعد عاصم من أمامه ثم ركب سيارته وتحرك من أمام القصر تحت أعين جواد حتى اختفى .. تنهد جواد بحزن ودخل القصر وعقله منشغل كثيرًا فيما سيحدث عندما يعود لروسيا! ولكنه قرر أن يأخذ قِسطًا من الراحة فإن جسده وعقله منهكين تمامًا بسبب قلة النوم.
في روسيا:
كان فيليب يجلس مع أحد معاونيه من زعماء المافيا بأحد المطاعم الراقية ..
- لقد اشتقنا للعمل القوي الذي اجتهدنا به في العالم الماضي سيد فيليب، لا أعلم منذ عودة إبنة أخيك وأنت تُبقي النار خامدة! هل أنت قلقٌ عليها؟
طالعه فيليب بهدوء ثم أردف:
- لا، إبنة أخي تستطيع الدفاع عن نفسها جيدًا، ولكن لنقل أنني أقوم بتحضير أكبر مُخططٍ لم نَقُم به قبلًا لا ندري هل سنكون بحاجة أعضاء المافيا حول العالم أم سيقوم به عدة أشخاصٍ أم شخصٌ واحدٌ فقط.
تساءل الرجل باستفسار:
- شخصٌ واحد؟ أتساءل من سيكون المحظوظ الذي سيحصل على تلك المهمة.
ظل فيليب شاردًا يفكر فيما سيحدث في الأيام القادمة .. حتى قاطع تركيزه اقتراب أحد رجاله نحوه وهمس بالقرب من أذنه يخبره بشيءٍ مُهمٍ جدا.
- لقد آتتنا بعض الأخبار أن السيد جواد قد قام بتسليم أوراقٍ مهمة تخصُّ المافيا والخبر الأهم أن تلك الأوراق أتت من مكتبك يا زعيم!.
طالع فيليب الرجل الذي يُحدِثُه للتو لعدة لحظات ثم هز رأسه يسمح له بالرحيل ثم عاد يطالع الشخص الذي يجلس معه.
- أضمن لك أنني سأقوم بإختيار ذلك الشخص بعناية شديدة جُوِي! ولكن يجب أولاً أن أنتهي من التخطيط لذلك الأمر.
ثم عاد يرتشف فنجان قهوته بهدوء شديد .
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم / سارة بركات
بعد مرور عدة ساعات، كان جواد يخرج من مطار روسيا يقود إحدى السيارات بسرعة البرق في طريقه إلى قصر السيد فيليب وبعد أن وصل نزل من السيارة ودخل القصر بعدما سمح له حرسُ بالدخول .. دخل القصر واتجه نحو مكتب فيليب بعد أن ترك حقائبه الخارج ثم دلف إلى المكتب ..
تقابلت عينيه مع عيني فيليب الذي يطالعه بهدوء وهو جالسٌ على كرسي مكتبه .. اقترب جواد منه بهدوء وفي ذات الوقت أردف فيليب بابتسامة هادئة:
- حمدا لله على سلامتك سيد جواد، لقد افتقدناك كثيرًا في رحلتك تلك.
كان جواد يتفرَّس ملامحه بهدوء يريد أن يتحدث معه ويخبره أنه ابنه ولكن كيف سيصدقه إذا لم يأتِ بوالدته أولا؟.. فقط يريد أن يطالع والده هكذا، والده؟! تلك الكلمة غريبةٌ كثيرًا بالنسبة إليه لم يشعر بمشاعر تلك الكلمة قط، تعجب قليلًا من تحدثه معه بالروسية ألم يكونا يتحدثا بالمصرية سويًا؟
- الله يسلمك.
ذلك ماتحدث به جواد بابتسامة لم يرها أحدٌ قط، ولكن فيليب لم يأبه لتلك الإبتسامة.
- أومال فين شمس؟
فيليب:
- ذهبت للصالة الرياضية لتتمرن.
- إنت مقموص مني من آخر مرة صح؟؛ فعشان كده بترد عليا بالروسي؟
لم يُجبه فيليب بل ظل يطالعه بهدوء، تنهد جواد ثم أردف بثبات وهو يجلس على كرسي أمام مكتبه:
- اعتبرني بردلك جزء من اللي شوفته بسببك.
ذلك ما تحدث به جواد ولكن في نية منه أن يُنهي الخلاف بينه وبين فيليب والذي تحدث بالمصرية تلك المرة بحِرص:
- مش مقموص منك ولا حاجة، وبعدين انت نسيت المخزن اللي حرقتهولي.
أردف جواد بابتسامة غريبة:
- ده أقل رد عندي، أنا لسه شايل كتير جوايا.
ثم قام بتغيير الموضوع الذي يتناقش به معه وأردف:
- طب طالما مش مقموص مني .. في حاجة شاغلة بالك أكيد؟
صمت فيليب لعدة ثوانٍ ثم أردف:
- في بس بعض الأمور شاغلة بالي بفكر فيها ده غير إجتماع زعماء المافيا.
صمت جواد لعدة لحظات ثم تساءل:
- هيكون إمتى؟
طالعه فيليب بملامح مبهمة:
- بعد يومين.
- تمام.
كان الإثنان يطالعان بعضهما بهدوء، أحدهما يتحكم بمشاعره من اللهفة يريد أن يُخبره بالحقيقة ولكن كيف؟ ما الدليل؟ مُجرد ورقة؟ سيكون من السهل تزوير مثلها وخاصة أن والدته بالنسبة لفيليب قد توفت في بداية زواجهما ولكنه سيتحمل قليلًا مرور الأيام حتى يُعيد والدته إليهم مرة أخرى؛ أما الآخر فهو يتحكم بالغضب الذي يسري بداخله نحو الجالس أمامه يريد أن يقتُله بعد أن تأكد من المعلومة التي آتته اليوم لا يُريده أن يبقى على قيد الحياة، كاد فيليب أن يتحدث ولكن انتبه الإثنان لدخول صوفيا إلى القصر وهي تحمل حقيبتها الرياضية خلفها كان يبدو عليها الإرهاق الجسدي لدرجة أنها لم تنتبه لوجود جواد الذي اعتدل من مقعده عندما رآها وخرج من مكتب فيليب كادت أن تصعد أدراج القصر لتذهب إلى غرفتها ولكن أوقفها صوته..
"hey little princess!"
"مهلاً أيتها الأميرة الصغيرة!"
التفتت ببطئ ولم تصدق ماتراه عينيها إنه يقف أمامها كانت تعتقد أن علاقتهما انتهت عندما رحل! ولكنه قد عاد، كان يطالعها بابتسامة هادئة اقتربت نحوه بخطوات مترددة حتى توقفت أمامه وأردفت بهدوء:
- كنتُ أظن أنك لن تعود.
- أذهب وأترك ماهو مُلكي؟!
لم تفهم ما يقصد ولكنها لوهلة شعرت أنها المقصودة بتلك الكلمة!..
أردف جواد بهدوء وهو يطالع كل إنشٍ بها:
- يبدو أنكِ مُرهقة أنتِ تحتاجين للراحة، ولكن كوني على عِلمٍ أنني وأنتِ لدينا موعِدٌ على العشاء اليوم ولكن تلك المرة ......
وجه نظراته نحو فيليب وأردف:
- دون وجود ضيوف متطفلة تقطع علينا موعِدَنا.
ابتسمت صوفيا من كلماته تلك يبدو أنه يُشاكِس فيليب الذي عَقِدَ حاجبيه للتو.
- حسنًا.
كادت أن تصعد للأعلى ولكنه أوقفها بابتسامة:
- لا ترتدي أي ثوبًا عاريًا .. أريده مُحتشِمًا من فضلِك.
التفت إليه تطالعه تحاول إخفاء ابتسامتها وهزت رأسها وصعدت للغرفة .. عاد جواد يلتفت إلى فيليب وتساءل:
- أحط شَنطِتي فين؟ ولا أنا مش مُرَحَب بيا هنا؟
أردف فيليب بهدوء:
- إعمل اللي انت شايفه مُناسِب، طالما مراتك في بيتي إعرف إنك مسموحلك تعمل أي شيء.
ثم نادى فيليب أحد رجاله وأمره بحمل حقيبة جواد الذي كان أن يصعد لغرفته..
- على فكرة وجودك مهم في الاجتماع.
هز جواد رأسه وتساءل:
- أومال فين أخوك؟
أجاب ببساطة:
- بيستمتع بوقته.
هز رأسه بتفهم ثم صعد للغرفة تحت أعين فيليب التي تتحدث بالكثير!...
في المساء:
كانا يجلسان على طاولة مستديرة تحت ضوء الشموع في مطعمٍ ضخم ولكن تلك المرة كانا وحدهما في المطعم كله حيث منع دخول زبائن غيرهم!، وأيضًا استعار جواد رجال فيليب الذين يقومون بحراسة القصر وجعلهم يقومون بحراسة المطعم مداخله ومخارجه.. تناولا العشاء في هدوء ثم بعدها تم تشغيل الموسيقى الناعمة في المطعم وأخذ جواد بيدها لكي يرقَصا سويًا .. كانا يطالعان بعضهما في المقابل في لحظة حميمية كتلك أنستهما الدُنيا .. ثم أردفت صوفيا بهدوء:
- من أنت؟
أغمض جواد عينيه ووضع مقدمة رأسه على خاصتها وأردف:
- أنا مُجردُ شخصٍ مُتَطًفلٌ بحياتك، شخص لا يمتلك صفات الرجل المثالي الذي تتمناه أي إمرأة وأيضًا لستُ ذكيًا كفاية لمعرفة كيفية التعامل مع المرأة.
قهقهت صوفيا وأردفت باعتذار:
- أعتذر إذا تضايقت مني حينها، ولكنك أخرجتني عن شعوري لأنني شعرت أنك تقوم بإجباري على شيء ولكنني لم أعلم أنك كنتَ خائفًا علي.
ظلا يطالعان بعضهما بهدوء ثم أردف وهو يلتمس وجنتها النعمة:
- لا بأس .. لقد انتهى الأمر.
نبَضَ قلبها بقوة أكثر من ذي قبل وأردفت:
- جواد.
- نعم؟
- أريدُ أن نجلس، من فضلك.
أبعد يديه عنها وأردف متفهما ارتباكها وخجلها:
- هيا بنا.
ثم عادا يجلسان وهي تأخذ نفسًا عميقًا كأنها قد تحررت لأنه كان يأسرها بلمساته تلك، هزت رأسها بقوة لعلها تستفيق قليلًا ولكنها انتبهت على سؤاله.
- مرت أسابيع على معرفتنا ببعضنا ولكنني لا أعلمُ عنكِ شيء صوفيا، لمَ لا تُخبريني عنكِ قليلًا؟
أردفت صوفيا بتعجب:
- أُخبِرُكَ عني!
أردف جواد وهو ينظُر في عُمقِ عينيها:
- لماذا تتعجبين هكذا؟ أنا أريد أن أتعرف عليكِ أكثر.
صمتت صوفيا قليلًا ثم أردفت:
- أنا أُحبُ الرقص .. الرياضة .. تَعَلُمَ اللُغات ثم لا أعلم شيئًا آخرٌ غير ذلك.
- ماذا؟
ارتبكت قليلًا وصمتت لعدة ثوانٍ ثم كررت حديثها:
- أنا لا أعلَم عني أي شيء غير ذلك.
كان يُطالعها بهدوء يحُثُها على أن تُكمل حديثها..
- حقيقة لا أعلم من أنا .. هو عامٌ واحدٌ فقط بنيتُ به عالمي هذا لكن ما قبل ذلك لا أعلم من أنا، ولكنني أقوم بإقناع نفسي دائمًا بأنني صوفيا ابنة أندريه وقريبة السيد فيليب .. أوتدري جواد؟ لقد حاولت أن أذهب لطبيبٍ نفسي لعلي أجدُ الدواء .. حاولت أن أتذكر مع الطبيب أي شيء لرُبَمَا يكونَ شيئًا نفسيًا هو ما جعلني أفقد ذاكرتي ولكنني لم أصل إلى أي نتيجة! فقط صمت تام .. ذاكرتي لا تَعرِض أي شيء .. حتى لغتي التي لا أعلم ماهي لا أتذكرها .. لا أعلم ما الذي حدث لي ولكن كل ما أتذكره أن جسدي كان به آثارُ تعذيب وكان هناك سيدة تُساعدني في الهرب من مكانٍ لا أتذكر ماهيته! ولكنني ركضت دون توقف حتى قابلتُ عمي فيليب.
كور جواد يديه بغضبٍ شديد ثم أردف وعضلات فكه تشتد..
- لا تتذكرين أي شيء؟
- لا .. ولكن كل مايراودني في الآونة الأخيرة أحلامًا مُزعِجة هل عقلي الباطن هو من يصورُ لي تلك الأحلام؟ أم أنها من واقع حياتي السابقة.
- ما هي؟
أخذت نفسًا عميقًا ثٌمَ أردفت:
- أنني أركضُ في غابة كبيرة لا يوجد لها نهاية خائفة وأبكي .. فقط أركُض دون توقف.
شعرت بالخوف قليلًا لتذكرها ذلك الحُلم ضمت نفسها بذراعيها كأنها تقوم بحماية نفسها ثم استأنفت:
- كل ما أريدُ إخبارك عنه هو أنني حزينة! لقد تركتني عائلتي أو أيًا من كنتُ أبقى معهم ... لم يبحثوا عني .. ظللت أنتظر عامًا كاملاً ولكن لم يأتِ أحد، تركوني وحيدة في هذا الظلام الذي أغرقُ به.
انهمرت عِبرَةٌ من مُقلتيها ولكنها انتبهت لجواد الذي ركَعَ على رُكبتيه أمامها وأمسك بذقنها الناعم لكي يرفع وجهها ..
- لماذا لا تضعين في عقلِك أنه من الممكن أن يكونوا قد بحثوا عنكِ ولم يسئموا أبدًا.
أردفت ببكاء:
- لو كانوا فعلوا ذلك جواد لكانوا أمامي الآن.
ظلت تبكي لعدة ثوانٍ ولكنها طالعته بعدم فِهم عندما تحدث:
- إنهم أمامُكِ الآن حقًا.
- ماذا تَقصِد؟
كان يُطالعها في عُمقِ عينيها ثم أخرَجَ هاتفه من جيبه يأتِ بشيءٍ ما ثم جعل شاشة الهاتف أمام عينيها .. كانت صورة لهما وهما بعَقد قرانهما كانا مبتسمين وسعيدين كان يقلب أمامها في الصور لعلها تتذكر أو تعلم أن جواد القابع أمامها هي كل ماتملك! .. الذي لم يَتركها للحظة واحدة! .. الذي تألم كثيرًا في غيابها!
أخذت منه الهاتف تنظر إلى الصور الموجودة به لا تُصدق .. إنها هي التي بالصور! هل ذلك يعني!... كانت عينيها دامعتين وهي تُطالع تلك الصور.
أردفت بارتعاش وبكاء وهي تطالعه:
- ماذا تعني تلك الصور؟ هل نحن ... هل نحنُ مُتزوجان!
كان جواد يطالعها بأعين دامعة لحالتها تلك ..
- أجِبني جواد، من فضلك.
- نحن متزوجان حقًا، صوفيا .. أنتِ زوجتي التي لطالما عشقتها ولم أعشق سِواها.
↚
كانت تطالعه في المقابل بعدم استيعاب هل مايقوله حقيقي؟ لماذا سيكذب والصور التي تراها أمامها الآن هي دليلً صادقٌ على حديثه؛ ثم بدون أي أدلة فقلبها يخبرها أنه صادقٌ تمامًا يكفي أن نظراته متعلقة بها يا الله لقد أرادت دائمًا شخصٌ يطالعها هكذا، كيف لم ترى ذلك منذُ أن قابلته؟ الآن قد فهمت سبب غيرته التي لم يكن لها سبب بالنسبة إليها من قبل ولكن الآن قد أردكت السبب إنها تكون زوجته! .. لم تشعر بعبراتها التي تنهمر لأنهما نسيا العالم تمامًا وهما يطالعان بعضهما هكذا .. اعتدل جواد وجعلها تقف ثم قربها نحوه وقام بضمها بقوة .. تنهيدة قوية خرجت من فاهها كأن هناك شيئًا فقدته لمدة طويلة جدا وقد جدته الآن عندما أصبحت بين ذراعيه، هناك مشاعر قوية ومُختلطة أيضًا تشعر بها! هل ذاتها القديمة كانت تفتقد جواد لتلك الدرجة؟ استفاقت عندما انتبهت لحديثه ..
- أنا أعتذر .. أعتذر بسبب خُذلاني لكِ وأيضًا لعدم بقائي معكِ لإنقاذكِ مِن من فعل بكِ ذلك .. لا أستطيع تخيُّل كَم الصرخات التي كنتِ تصرخينها في غيابي والتي كان مُجرد تخيلها يجعلني لا أنام أبدًا، لا أستطيع تخَيُّل كل ما مررتِ به لقد تذوقت طعم المرارة بفقدانِك .. آسف حبيبتي كل ماحدث أنا السبب بِه لأنني كنتُ مُقصِّرًا في أمنِك .. لقد أخذوكِ مني في ذات المكان الذي كنتُ به .. لقد خطفوكِ مني وأنتِ بين يداي حبيبتي
رفعت رأسها لتطالعه في عينيه يا الله إن عينيه دامعتين! ..
- جواد، لا تقلق أنا بخير.
ذلك ماتحدثت به بتأثر ولكنه أردف بصعوبة:
- صوفيا هي التي بخير ولكن شمس؟ أين شمسي؟ أين حبيبتي؟ لقد غابت في عالمٍ مُظلِمٍ ولم تَعُد بَعْد .. غابت حياتي عني .. الفتاة الوحيدة التي كانت كُل شيء لي لم تَعُد إلى الآن، أنا تائه أشعر أنني أتخبط في الظلام لا أستطيع إيجادها ... إنني حتى لا أسمع صوتها وهي تناديني .. أنا خائِف.
كان يتحدث بأعين دامعة وتشتت في آنٍ واحد ثم استأنف وهو يضع مقدمة رأسه على خاصتها:
- لقد تَعِبتُ كثيرًا ولا أستطيع الحياة بدونك شَمس، أنتِ كنتِ عائلتي الوحيدة شمس.
- كفَى جواد، أنتَ تَكسِرُ قلبي بكلماتِكَ تلك.
انطلق تأوهًا من فاهها ليجعله يطالعها بقلق وهو يرى معالم الألم على وجهها!، ابتلع غصته وأردف بقلق:
- ماذا بكِ؟
ترددت قليلًا ثم أردفت بلامبالاة:
- إن قدماي تؤلِمَانني قليلًا، التدريب كان قاسيًا على قدماي اليوم.
أمسك بيدها وجعلها تجلس على كرسِيَّها برفق ..
وأردف باستفسار:
- أيُّ ساق؟
- اليُمنى.
ركع أرضًا وأمسك بساقها اليُسرى بهدوء بغتة مما جعلها تشعر بالإحراج والخجل في آنٍ واحد وهي تحاول أن تسحب ساقها من يديه ولكن شدد مسكته ولكن برفق ثم أردف:
- ثِقِي بي.
ثم استسلمت لترى ماذا سيفعل، ضغط برفق على عدة أماكِنَ بساقها حتى تأوهت عَلِم المكان الذي يؤلمها وقام بدلكه بيديه بهدوء ورفق حتى شعرت بأن عضلة ساقها التي تؤلماه قد خفَ ألَمُهَا .. تنهدت بارتياح وأردفت بتعجب وهي تُطالعه:
- لقد زال الألم!
تحدثَ بابتسامة هادئة:
- لا شُكرَ على واجِب.
ثم اعتدل حتى أصبح يقف أمامها وأردف:
- يبدو أنكِ قسوتِ على نفسكِ اليوم في تمارين الساقين لأنه ليس من المنطِقِي أن يكون التمرين ذاته قاسٍ إلا إذا لم تَكُن قدامكِ مُعتَادةً عليها ومن الواضح أنكِ رياضية حبيبتي فذلِكَ ليس سببًا منطقيًا .. المنطقِيُّ بالنسبة إلي أنكِ من الممكن أن تكوني قد أخطأتِ العَدَ أو حمَلتِ وزنًا ثقيلا عن المعتَادِ فاجأتِ بهِ عضلاتِ ساقيكِ أو أنكِ لم تقومي بتمارين الإحماء منذُ البداية ...
صمت قليلًا ثم استأنف:
- هل كان هُنَاكَ شيئًا يضايقُكِ؟
رفعت رأسها تُطالعه بصمتٍ تام حَرَك رأسَهُ يحاول أن يفهم صمتها أمامَ سؤاله ذلك، هل تنوي أن تُخفِي شيئًا ما؟ ..
أردفت بهدوء:
- لا شيء ولكنني لم أنتبه أن الوزن ثقيل في تمرين اليوم.
تساءل ببساطة:
- ما السبب؟
حاولت أن تتهرَب منه وأردفت بسرعة:
- جواد، لما تقوم بالتحقيقِ معي؟ لا يوجد شيء.
اقترب منها وانخفض بجذعه العلوي نحوها حتى أصبحَ وجهيهما قريبين ..
- قولي الصِدق، لا أريدُ سُوى الصِدق.
أردفت وهي تُطالعه في عُمقِ عينيه:
- كنتُ أشعر بالضيق لأنكَ لم تُهاتِفَنِي أو حتى لم تحاول التواصل معي بأية طريقة .. شعرتُ وقتها أننا لا شيء .. ثم لم أشعر بنفسي سوى وأنني أقوم بمجهودٍ عالٍ في الصالة الرياضية حتى أنني قد نَسيتُ الوقت ونسيت أنني أقوم بحَملِ أثقالٍ ثقيلةٍ جدا .. كنتُ فقط أريدُ أن أُرهق نفسي في الرياضةٍ بدلًا من إرهاق عَقلِي في التفكير بِك.
ظل صامتًا يُطالعها لعدة ثوانٍ ثم أردف:
- أرجوكِ لا تُكرِرِي ذلك مرةً أخرى، لأنكِ لا تعلمين أنني حتى مهما َتَحَدَثتُ عن ما بداخلي لن يساوي شيئًا من مشاعرِي الحقيقية نحوكِ.
ابتلعت بتوتر من قُربِهِ ذلك ثم أردفت:
- حسنًا.
ابتسم بهدوء وقام بتقبيل مُقدِمَةِ رأسها ثم أردف:
- فتاةٌ جيدة.
واعتدل وهو يُربت على شعرها بابتسامة، تعجبت من تلك الحركة ولكنها نوعًا ما أحبَت إهتمامه بها وأيضًا قلقه عليها .. أردفت بعد صمتٍ دامَ لثوانٍ وهما يطالعان بعضهما ..
- بما أننا زوجان، هل نعلم عن بعضِنا كُلَّ شيء؟
- لماذا تسألين هذا السؤال؟
- لأنني أريدُ أن أَعلَم كيف تقابلنا سابقًا، وأيضًا أريدُ أن أعلم عنكَ كل شيء؛ وذلك حقٌ لي بالطبع بما أنني لا أتذكر أي شيء.
ظل يُطالعها لعدة ثوانٍ ثم أردف:
- ولكنكِ لم تكوني تعلمين أي شيء عني.
تحدثت بتعجب:
- كيف؟
- فلنقل أنه سابِقًا لم تَكن هناك فُرصة لتعلمي عني أي شيءٍ.
طالعته في عمق عينيه وأردفت بهدوء:
- والآن أنا أريد أن أعرف عنكَ كل شيءٍ جواد.
تنهد بعُمق ثم عادَ يَجلِسُ على كُرسيِّه .. صمت لعدة ثوانٍ لا يعلم كيف يبدأ بالحديث عن نفسه .. هل يبدأ منذُ ميلاده؟ أم ما قبل ميلاده؟ أم مُنذُ لقائهما؟ .. شعرت بحيرته وأردفت:
- جواد.
رفع عينيه ينتظر حديثها..
أردفت باطمئنان:
- أخبرني فقط بكل شيء.
تحدث بهدوء:
- ولكن أعتقد أنه لن يَسُّرُّكِ سماع ما سأقوله.
أردفت بابتسامة:
- جَرِّبني.
أخذ نفسًا عميقًا ثم وأخيرًا تحدث جواد عما بداخله .. الماضي المؤلِم .. بدايةً من مولدِهِ لأنه لا يعلم قصة والده ووالدته كيف كانت .. سرَدَ كلُ شيءٍ لها لم يترك أي تَفصيلة يتذكرها .. عاش مع والدته وهو يراها تتعذب من شخص لم يرَه لأن القبو الذي وُلِدَ به كان مُظلِمًا وقت تعذيبها وأيضًا كانت تقوم بإخفاءه خلف ظهرها لكي تأخذ كل الضَرب ولكي لا يُصيبَه أي خدش .. تحدث عن تركها إياه في القاهرة في أحدِ المباني .. تحدَثَ عن ذهابِهِ للملجأ وكم كان وحيدًا هُناك .. تحدث عن صديقه عاصم الذي قابله في الملجأ تحدث عن هربه من الملجأ وهو في عمر الثالثة عشر بعد استغلاله انشغال العاملين به في حفلٍ ضخمٍ كانَ مُقامًا بِه ...
منذ عدة أعوامٍ مضت:
كان يَركُضُ دون توقف في شوارِع مِصرُ القديمة يتعثر في الطُرُقات تارة ويصطدم بالمارة تارةً أخرى تائه لا يعلم أين وجهته وأيضًا يشعُرُبالبرد القارس .. ظل يسير دون وُجهةٍ معينة حتى انتبه لأحد الأشخاص النائمين بأحد الشوارع الجانبية كان الشخص نائمًا أسفلُ غطاءٍ ثقيل وكان بجانبه غطاءًا آخر ولكنه لا يستخدمه .. اقترب جواد نحوه ينظر لذلك الغطاء يريد أن يتدفأ أسفله كان مُحرَجًا أن يقوم بإيقاظِ الشخص النائم يستأذنه في أخذِ الغِطاء ولكن البَرد كاد أن يقوم بتجميده ولا يضمن هل سيوافق الشخصُ النائمُ أم لا .. أخذ يلملم الغطاء بهدوء ثم ركض قبل أن يستيقظ الشخصُ النائِم .. واختبأ في مكانٍ بعيدٍ قليلا بعدما ركض مسافةٍ ليست بصغيرة وهو يحمِلُ الغطاءَ الثقيل .. أخذ يبحث عن أي شيء مُلقى بالشوارع حوله ليقوم بفرشه على الأرض حتى وجد قطع أخشاب سليمه بعض الشيء كانت مٌلقاة بإهمال بجوار محل أحد النجارين الموجودين بالقرب مِنه يبدو أن صاحب تلك القطع لا يريدها وما طمأنه أكثر هو أن بعض الأشخاص يأخذون منها .. ذهب وأخذ لوحًا كامِلاً يكفي جسده الصغير وسار به يعود إلى الشارع الذي ألقى به الغطاء .. وضع اللوح على الأرض لكي يحميه من برودتها ونام عليه بصعوبة بسبب خشونتها ولكنه تحمل لأجل النوم فقط .. يُريدُ أن يُريحَ جسده قليلًا .. نام واستيقظ على آذان صلاة الفجر وذهب لأحد المساجِد القريبة منه لكي يتوضأ وأثناء وضوءه قام بشم رائحة جسده والتي لم تُعجبه تمامًا وشعر أنه لا يصِح أن يُصلي وهو بحالته الرثة تلك انتبه أحد الأشخاص الذين يقومون بالوضوء معه على حالته ..
- في حاجة يابني؟
أردف جواد بحزن:
- ريحتي وحشه وشكلي مش أحسن حاجة بس أنا عايز أصلِّي بس مش حابب أصلي كده.
ابتسم الرجل بهدوء ثم أردف:
- طبيعي تحِس الإحساس ده لإننا أكيد لازم نقابل ربنا بأفضل هيئة.
تنهد جواد باستسلام ولكن الرجل أردف:
- ممكن أساعدك تاخد دوش سريع بس مش بالمياة دي عشان هي باردة .. تعالى معايا البيت هو هنا جنب الجامع بصراحة ملحقتش أتوضى هناك لإني الحمدلله لسه راجع من الشغل فجيت على هنا علطول.
هز جواد رأسه وهو يبتسم له وذهب خلف الرجل الذي سمح له بدخول بيته لكي يستحم لم يأخذ جواد وقتًا طويلًا في الاستحمام ثم خرج وهو يرتدي نفس ثيابه السابقة ولكنه تفاجأ بالرجل يحمل بيده ملابسًا نظيفة ..
- ده لبس ابني هو في إعدادي هييجي مقاسك إن شاء الله وخده ليك أنا مش عايزة.
شعر جواد بالإمتنان الشديد نحو ذلك الرجل ثم عاد للحمام ليرتدي تلك الثياب النظيفة ثم خرج من الحمام وتبع الرجل للمسجد ليحضرا صلاة الفجر، وبمجرد أن انتهى جواد من آداء الصلاة خرج بسرعة دون أن يتحدث إلى أحد ولكن كل ما قاله للرجل قبل أن يذهب هو كلمة "شُكرًا" وركض الرجل خلفه لكي يلاحقه ولكنه لم يستطع أن يجده .. عاد لينام حيث كان مستسلمًا لما سيحمله اليوم القادم له.
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في وقت الظُهيرة:
استيقظ جواد على ركلة قوية في معدته وصوتٍ غليظٍ يقول:
- قوم ياض!
قام جواد بفتح عينيه بصعوبة ولكنه لم يستفِق بعد وشعر بالألم أكثر عندما ركله الرجل مرة أخرى ... فتح عينيه واعتدل بسرعة وهو ينظر للشخصُ الذي أمامه..
- إنت تبع مين؟ وإيه اللي جابك في منطقتي؟
هز جواد رأسه نافيًا لا يستطيع التحدث من صدمته بما يحدث له .. أما الشخص الذي يقف أمامه كان يرتدي ثيابًا رثة ومُمَزَّقة من الواضح أنه متسول والذي ثبت ذلك هو علامة السكين الموجودة بوجهه ..
- ماتنطق ياض.
- أنا معرفش حد، أنا هربت من الملجأ عشان أدور على ماما، وجيت على هنا عشان أنام بس أنا معرفش حد.
طالع المتسول هيئته وأيضًا للغطاء المُلقى جانبًا .. ثم أردف:
- الغطاء ده إنت سرقته صح؟
أردف وهو يهز رأسه بارتعاش:
- أخدته من صاحبه معرفتش استأذنه لإنه كان نايم و....
أكدَّ المتسول سؤاله بصوت مُقزز:
- سرقته؟
أردف ببكاء:
- اه سرقتُه.
- شاطر، عايز مكان تنام فيه صح؟
هز رأسه بسرعة وأردف الرجل بخُبث:
- عندي المكان.
أخذه الرجل للمكان المذكور والذي لم يَكُن سوى مخزنٌ به الكثير من الأطفال والذين يبدو من مظهرهم أنهم متسولين أيضًا لأن هيئتهم غير لطيفة بالمرة وشعر بالخوف أكثر عندما رأى بعض الأسلحة الصغيرة التي يحملونها معهم ولكنه انتبه على الرجل المتسول والذي يُلقب بالمعلم أمين يضع يده على كتفه مُردفًا بغلظة:
- ماتبقاش خرع كده أومال، إنت لسه شوفت حاجة .. متخفش دي شوية تهويشات ولسه يا ما هتشوف.
بقى جواد ذلك المُراهِق البريء مع هؤلاء المتسولين ولكن مع الأسف تلوثت براءته على مر السنوات بسبب العالم الذي وقع به دون أن يدري فقد كان يَسرِق مع باقي الأطفال والمراهقين ويقوم بالتسول وأيضًا يقوم ببعض الأنشطة التي تخصه والتي يُخفيها عن رئيسه ألا وهي تجارة السلاح وفي يومٍ ما..
كان جواد آنذاك في عمره الخامسة والعشرين وهو يقف أمام المعلم أمين الذي يُعطيه بعض التعليمات الهامة بصوت غليظ ولكن لينٍ قليلًا:
- بُص يا جواد الموضوع ده مُهِم أوي والناس الكُبَّرة عايزين ينجزوه ويخلصوا الموضوع ده في أقرب فرصة ولو نجحنا فيه هناخد فلوس ونقِب على وش الدُنيا، وأنا بقولك ده ليه؟؟ عشان إنت اللي على الحِجر وهتنجزني.
عقِدَ جواد حاجبيه وهو يطالعه ينتظره أن يُكمل حديثه، استأنف أمين حديثه:
- في راجل مضايق شوية ناس أكابر في السوق بتاعهم، عايزين يقرصوا ودنه.
أردف جواد باستهزاء:
- هنقرص ودنه إزاي؟
- الله ينور عليك، حلو السؤال ده .. بُص ده.
ثم أخرج أمين من جيبه عيارًا ناريّ جعل جواد يحاول التحكم في غضبه ..
- إنت بس هَتهَوِّش عليه و......
قاطعه جواد بغضب:
- أذية مش هأذي حد، عايز تأذي حد شوف غيري.
ضحك أمين مُردفًا باستهزاء:
- جرا إيه يا روح أمك؟ إنت فاكر نفسك مين؟؟ ده انت أخرك طلقتين وتموت لولا إن أنا صابر عليك عشان شايفك واد حلانجي وذكي .. إنت نسيت ياله إني خليتك الكُل في الكُل هِنا وخليت الكُل يِمشي بأمرك ولا إيه؟
أردف جواد بضيق:
- مانستش بس قتل لا.
- بس أنا مقولتش إنك هتقتله أنا قولت إنك هتهوش عليه يعني هتضربه طلقة في رجله أو دراعه حاجة بسيطة يعني وكلها كام يوم وهيخف وهيبقى زي الحصان ولا كإن جراله حاجة.
صرَّ جواد على أسنانه بقوة:
- من الواضح إنك مفهمتنيش .. أي حاجة فيها أذيه لحد مش هعملها .. انت فاكرني قاتل مأجور ولا إيه؟ شوف غيري يعملك الهبل اللي انت عايزه ده.
أردف أمين باستهزاء:
- هعديها المرة دي بس عشان العشرة اللي بينا يا جو .. لكن المرة الجاية فيها رقبتك.
ثم استعجل أمين أحد الأشخاص لكي يتقدم نحوه ..
- واد يا موسى .. تعالى هنا ياض.
- اؤمرني يا معلم.
عقِدَ جواد حاجبيه بغضب وخرج من المكان ولكنه ظل طوال الليل يتقلب في نومته يُفكر بالشخص الذي سيؤذونه غدًا يحاول مرارًا وتكرارًا أن ينام ولكنه لم يستطع حتى حل عليه الصباح وتَبِع ذلك الشاب الذي يُدعى موسى إلى المكان الذي يذهب إليه حتى وصل إلى منطقة بالقاهرة يبدو عليها الرُقيّ وانتبه لوقوف موسى أمام فيلا ولكن في الجهة المقابلة لها وذلك لوجود حافلة مدرسية تقف أمام الفيلا مباشرة وأخذ ينتظر كأنه ينتظر خروجَ شخصٌ ما .. طَالَع جواد الفيلا قليلًا لأنه كان يقف بركنٍ بجانب الفيلا ذاتها وماكان يُخفيه هو وقوف الحافلة ولم ينتبه له موسى ولكنه انتبه على خروج فتاةً مراهقة أو طفلة لم يستطع أن يُحدد ماهيتها ولكنها كانت جميلة لم يرى مثل جمالها سابقًا أو هو اعتقد ذلك، ولكنها لطيفة بشعرها الكستنائي الناعِم انتبه على ثيابها يبدو أنها ذاهبة لمدرستها ولكنه انتبه لخروج رجلٍ ما خلفها ..
- شمس، استني.
أوقفها ذلك الرجُلُ ووضع بحقيبتها شيئًا ما ثم قبلته من وجنته وركبت الحافلة التي تحركت وابتعدت عن الفيلا وهنا انتبه جواد لموسى الذي أخرجَ سلاحه يحاول التصويب على ذلك الرجل ولكن جواد لم يشعر بنفسه سوى وهو يركض نحو الرجل بسرعة لكي يحميه .. ثانية .. كانت ثانية واحدة هي الفيصل .. لم تُصَب الرصاصة السيد بهجت المستهدف ولكنها أصابت ذراع جواد.
↚
تفاجأ موسى من ظهور جواد أمامه فجأة ولم يستطع أن يفعل شيء سوى أن يهرب، كان جواد يقبض بيده على ذراعه بألم وانتبه للرجل الذي تحدث معه بذهول وهو يركع أرضًا ليساعده، ويسأله العديد من الأسئلة التي لا علاقة بها ببعض وذلك بسبب صدمته مما حدث للتو:
- إنت كويس؟؟ في إيه؟ إيه اللي حصل ده؟ مين ده؟ وليه يعمل كده؟
أردف جواد بهدوء وألم في آنٍ واحد:
- معرفش.
أردف الرجل بقلقٍ من حالته تلك:
- طب تعالى أوديك المستشفى حالا.
جواد بنفي ودوار:
- لا .. مستشفى لا.
ولكنه فقد وعيه بسبب فقدانه للكثير من الدماء، طلب بهجت المساعدة من بعض الأشخاص الذين مروا بجانبه وساعدوه ليحملوا الشاب الذي أنقذه للتو وذهب به إلى المشفى..
بعد مرور يومٍ كامل:
قام بفتح عينيه بهدوء لأنه كان يشعر بالدوار والرؤية كانت ضبابية .. يسمع فقط صدى لصوتِ صفيرِ جهازٍ بجانبه، حرك رأسه نحو مصدر الصوت ببطئ ودوار للأيمن ورأى ملامح غير واضحة لشخص يقترب منه ويتحدث..
- أخيرًا فوقت، قلقتني عليك.
ظل عدة ثوانٍ في حالة الدوار تلك ولكنه استفاق من تلك الحالة شيئٍا فشيئًا ووضحت ملامح الشخص الواقف بجانب فراشه .. كان رجلًا بشوشًا يبتسم له بهدوء ..
أردف جواد بإرهاق:
- أنا فين؟
أردف بهجت بابتسامة:ٍ
- إحنا في المستشفى.
اعتدل جواد من سريره ولكن أوقفه بهجت:
- إنت محتاج ترتاح.
- ليه جبتني هنا؟
- إيه اللي مخوفك كده.
أردف جواد بضيق وإرهاق:
- أنا مبخفش.
ابتسم بهجت بهدوء ثم أردف:
- متقلقش إحنا في مستشفى حد معرفة ليا، ده لو قلقان طبعا من موضوع البطاقة الشخصية.
طالعه جواد بهدوء ولكن بهجت استأنف حديثه:
- ماتقلقش قولتلك، أنا لما لقيت إن مفيش بطاقة في جيبك عرفت أنا هروح فين ودلوقتي اللي يهمني إنك تقوم بالسلامة.
كان جواد يطالعه باستفسار لماذا هو طيب لتلك الدرجة؟ ألن يسأله عن سبب وجوده أمام فيلته؟ ألن يسأله عن ماحدث؟ ولكن استفاق على صوته..
- مش عايزك تفكر كتير، كل اللي انت محتاجه دلوقتي هي الراحة التامة.
أعاده بهجت ينام على الفراش مرة أخرى ثم جلس على كرسيه الذي كان بجانب الفراش مرة أخرى ورفع سماعه الهاتف الخاص بالغرفة وتحدث مع أحدهم..
- المريض فاق ممكن تيجو تطمنوني على صحته؟
همهم ثم أغلق الهاتف ثم تقابلت عينيه مع جواد الذي يطالعه بهدوء وتعجب في آنٍ واحد، ولكن بهجت ابتسم له ابتسامة مطمئنة وربت على يده بحنان أبوي وتساءل:
- إسمك إيه بقا؟
صمت جواد قليلًا ولكنه أردف قائلا:
- جواد.
بهجت بابتسامة:
- اسم جميل، وأنا بقا إسمي بهجت تقدر تعتبرني زي والدك بالظبط.
طالعه جواد بتأثُّر وكاد أن يتحدث، دخل فريق طبي للغرفة ليطمئن على صحته .. وبعد أن انتهوا وطمأنوا بهجت على حالته ظل جواد صامتًا ولكنه تحدث بشرود:
- كانوا عايزين يقتلوك، الشاب كان بيصوب على قلبك مش أي مكان تاني.
بهجت بتعجب:
- هما مين؟َ!! أنا مليش أعداء أنا دايمًا في حالي.
نظر إليه جواد ثم أردف:
- ممكن ده يكون اللي مضايقهم منك .. إنك في حالك.
ظل بهجت صامتًا يُطالعه ثم أردف:
- بص أنا مش هسألك على أي حاجة ولا هقول إيه اللي جابك عندي لإني واثق إن ربنا سيحانه وتعالى بعتك ليا في الوقت المناسب ولولاك كان زمان بنتي يتيمة.
- ربنا يباركلك فيها.
- يا رب، دلوقتي كل اللي محتاج أعرفه منك الشخص اللي حرَّض على قتلي عشان أقدر أوصل ليه وأقدم فيه بلاغ.
قهقه جواد بإرهاق ثم أردف:
- انت طيب أوي يا أستاذ بهجت، بلاغ إيه بس؟ إللي يعمل كده بيبقى شخص واصل أوي.
أردف بهجت بهدوء:
- طول ما ربنا معايا أنا مش هخاف من حد أبدًا.
تعجب جواد من ثقته الزائدة تلك من أين أتى بها؟؟ ولكنه استفاق على صوته:
- متخافش يا جواد أنا معاك، وزي ماقولتلك اعتبرني زي والدك ومن النهاردة إنت دراعي الليمين .. قُولِّي بس إنت على المكان ومتقلقش أنا هتصرف.
تنهد جواد بعمق يفكر هل يُخبره بمكان أمين؟ هل من الممكن أن يضره؟ أسئلة كثيرة هاجمت عقله في تلك اللحظة لأن كل خطوة سوف يُقدِم عليها تُعبِّرُ عن تغييرٍ كبيرٍ في حياته وذلك بالطبع ماعاشه منذ الصغر كان يعيش في جحيم وكان يتنقلُ دائمًا من جحيم إلى جحيمٍ آخر، ماذا سيفرق إذًا وهو لم يرى يومًا هنيئًا بحياته؟؟ أغمض عينيه بهدوء ثم أخبر بهجت بعنوان أمين الشخصُ الهارب من العدالة والذي قام بخطف الكثير من الأطفال ويحرض على القتل وتجارة المخدرات وأيضًا تجارة الأعضاء!
.........................................................
مرت الأيام وكان جواد يستعيد صحته أولاً بأول أثناء مكوثه بالمشفى وكان يتابع خبر إلقاء القبض على الشخص الذي يُدعى أمين وأعوانه ومن خلالهم وصلوا لعدد كبير من رجال الأعمال الفاسدين والذين تم إلقاءالقبض عليهم .. تنهد تنهيدة عميقة تدُّل على كم الألم والأذى النفسي الذي عان منه بسبب ذلك الرجل! .. انتبه على صوت طرقات على باب الغرفة .. أغلق التلفاز ونظر لباب الغرفة الذي دخل منه بهجت بابتسامة كبيرة ولكنه لم يكن وحده بل كانت بجانبه ابنته الصغيرة التي شردَ بها جواد للمرة الثانية ..
- أحب أعرفك بشمس بنتي اللي مليش غيرها، وده بقا ياشمس أبيه جواد هيبقى معانا من النهاردة..
ابتسمت له ببراءة لم يدري لما رقَّ قلبه لابتسامتها تلك ومدت يدها الصغيرة له تصافحه .. حاوط كفها يدها الصغيرة بكف يده الكبير..
- ألف سلامة عليك يا أبيه يا رب تقوملنا بالسلامة في أقرب وقت.
كان جواد متعجبًا لقولها تلك الكلمة له حتى تعجب أنها صدرت من بهجت أيضًا ..
بهجت باستفسار:
- مالك مستغرب كده ليه؟
أردف جواد بانزعاجِ بعض الشيء:
- دي بتقولي يا أبيه!
قهقه بهجت ثم أردف:
- لازم عشان احترام السن .. شمس عندها عشر سنين يا جواد.
كانت ملامحه تبدو عليها الإنزعاج خيبة الأمل لأنه كان يظنها أكبر قليلًا، مرت الأيام وخرج جواد من المشفى وتم إنشاء أوراقٍ رسمية بلقبٍ وهميَّ بمساعدة السيد بهجت الذي اشترى له شقة لكي يبدأ فيها حياته ومن هنا بدأ جواد حياته كشخصٍ مستقل يعمل في تجارته السرية وأيضًا يقوم بتعويض مافاته في التعليم وأيضًا يُساعد السيد بهجت في بعض أعماله ويستمر بزيارتهم في الفيلا باستمرار ثم القصر أيضًا وذلك بعدما انتقلوا إليه وقام جواد بشراء تلك الفيلا، ولكنه كان جاف المعاملة قليلًا مع شمس وخاصة عندما أصبحت مراهقة؛ فقد كان كثير التحكم بها دون أن تدري ما السبب لفعله ذلك وزاد الأمر عن حده حينما دخلت الجامعة.
.....................................................
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في الوقت الحالي:
كان يطالعها بهدوء وهي تستمع لقصة حياته .. كانت تشعر بالانزعاج بسبب ماعاشه وأيضًا أثناء سرده لها كل ماحدث كانت تبكي .. تنهدت وطالعته بهدوء:
- أكمِل لماذا توقفت؟ أين أبي الآن؟ ألستُ أنا شمس صحيح؟ كيف تزوجنا؟ هيا أخبِرني.
روى لها كل شيء وهو طلبه لها بالزواج سرًا من أبيها دون أن تدري .. أخبرها عن تمردها وأنها تزوجت شابًا آخر رُغمًا عن أبيها .. أخبرها بكل شيء .... كانت تبكي .. إنها يتيمة! توفى والدها وجواد كان هو عائلتها الوحيدة، ثم إنها تشعر أنها كانت أنانية كثيرًا في حق نفسها وفي حقه .. ثم هل بعد كل ما رآه منها مازال يُحبها؟! لمَ تزوجها؟
- لماذا تزوجتني؟
ذلك ما أردفت به دون وعي .. تعجب من سؤالها ذلك .. من المفترض أنها قد التمست حبه ومشاعره نحوها عندما روى لها ماحدث في الماضي وحتى عندما قابلها، كاد أن يتحدث ولكنها استأنفت بعقلانية كأنها تسأل نفسها:
- فتاة بذلك الغرور والعجرفة كيف لك أن تظل تُحِبَها حتى بعدما رأيته منها؟
- لم تكوني في وعيك، ثم إنكِ كنتِ بحاجة إليَّ دائمًا دون أن تقولِي.
- لماذا بقيت بجانبي؟ لو كان أحدًا غيرك حدث له ذلك لدعس قلبه ورَحل.
صمت جواد قليلًا يحاول البحث عن إجابة هل يُخبرها بكل شيء؟
- جواد أنتَ تُخفي عني شيئًا على الرغم من أنني كنت أريدُ منك الصِدق فقط.
تنهد بعمقٍ ثم أردف يُلقي ما بجعبته:
- إن فيليب يكون والدي الحقيقي.
صُعِقَت عندما أخبرها بالحقيقة ..
- أتمزح!
- أنا لا أمزح في أشياءٍ كتلك مطلقًا وإجابتي على سؤالك، لماذا ما زلت متمسكًا بكِ على الرغم من أنني رأيت بكِ كل ذلك، هو أنكِ تُذكرينني بوالدتي، التي كانت عائلتي الوحيدة وذلك لا يُنفي تمامًا سببي الرئيسي وهو حبي لكِ.
أردفت بتشتت:
- كيف؟ هل زوجة عمي الراحلة هي والدتُكَ أنت؟! لا أستطيع أن أصدق، لقد توفت بعد أشهرٍ بسيطة من زواجهما.
أردف جواد بصعوبة:
- لا صوفيا، إن أمي مازالت على قيدِ الحياة.
- يا الله! كيف؟!! وعمي؟؟ إنه حزينٌ كثيرًا على فقدانها، كيف تفعل به ذلك جواد!!
دمعت عينيها وهي تتذكر حزن فيليب الذي ينظر بشكل دائم إلى صورة زوجته والذي ظل مُخلصًا طوال حياته .. لقد عاش على ذكرى أشهرٍ بسيطة لمدة عُمرٍ كامل.
- لذلك أخبرك بهذا الآن.
طالعته باستفسار ولكنه استأنف حديثه:
- أنا أريد مساعدتك صوفيا.
أخبرها بما وصل إليه حديثًا وهو معرفته بأن فيليب والده ومحاولاته الكثيرة في استرجاعه لوالدته ولكنها كانت تختفي ..
- أريدُ أن أصل بأي ثمنٍ إلى ذلك الحقير والذي كان سببًا في إختطافكِ مني أيضًا، تلك الرسالة لن أنساها لقد أخذكما سويًا في آنٍ واحدٍ صوفيا.
ظلت تطالعه بهدوء ثم أردفت باستيعاب:
- جواد! لقد نسيتُ أن أخبرك بشيءٍ من الممكن أن يكون هامًا بالنسبة إليك.
تساءل بحيرة:
- ماهو؟
- هناك سيدةٌ ما قد ساعدتني بالهرب من المكان الذي كنتُ محتجزةٌ به.
نبض قلبُ جواد بقوة على أملٍ أنها من الممكن أن تكون والدته وأردف بلهفة:
- حاولي أن تتذكري جيدًا كيف كانت تبدو .. أرجوكِ صوفيا.
حاولت أن تتذكر السيدة جيدًأ ثم أردفت:
- ذات بشرة بيضاء شاحبة وشعر أسودٍ طويلٍ لكن به بعض الشعيرات البيضاء جسدُها ضعيفًا للغاية ..
صمتت قليلًا تحاول أن تتذكر شيًئًا آخر ولكنها استأنقت باعتذار:
- أعتذر ذلك كل ما أتذكره.
دمعت عينا جواد وهو يسمع عن والدته ثم قام بفتح هاتفه وأتى بصورةٍ قديمة لوالدته قد قام بتصويرها خِلسة عندما كان يقوم بزيارة جدته وأردف بصعوبة:
- هل هذه هي؟
أخدت منه الهاتف لترى صورةً لشابةٍ في بداية العشرينات وحاولت أن تُقارنها بمظهر وهيئة السيدة في الوقت الحالي وجدت أنهما متطابقان لولا عوامل الزمن على السيدة الأخرى.
- أجل إنها هي جواد.
حاول أن يتحكم في عبراته ولكنه لم يستطع، استقامت صوفيا من مقعدها فور أن رأت انهياره واقتربت منه:
- هل أنتَ بخير؟
هز رأسه نافيًا قامت بضمه بقوة تُربِت على ذراعه بحنان وبعد عدة ثوانٍ ابتعد عنها بهدوء وهو يأخذ نفسًا عميقًا ثم أردف بخشونة:
- يجب أن نذهب.
- لماذا؟
نظر حوله ثم أردف:
- لقد حلَّ الصباحُ صوفيا، ويجب أن تنامي.
استوعبت أنهما لم يشعرا بمرور الوقت .. هزت رأسها وأخذت حقيبتها وأمسك بيدها يخرجان من المطعم.
وقف بسيارته أمام قصر فيليب وقبل أن تخرج من السيارة أمسك جواد بيدها مردفًا بهدوء:
- صوفيا.
التفت إليه تًطالعه:
- كل ما أخبرتكِ به اليوم هو سرٌ بيننا، لا يجب أن يعلم فيليب أنني ابنه أو أن زوجته حيّة على الأقل الآن.
- لماذا؟
- لا أريد أن يؤلمه قلبه مرة أُخرى عليها، يكفي ماعاشه طوال تلك السنوات .. علمه أنها ميتة أهونُ عليه من علمه أنها مُختَطَفة طوال تلك الفترة ولا يستطيع إيجادها.
صمتت قليلًا ثم أردفت:
- حسنًا، ماذا ستفعل الآن؟
- سأتركها لله، لا تقلقي لقد اقتربت على إيجاد أمي.
تحدث بآخر كلمة بابتسامة لطيفة ..
- أتعلم أنني أثق بك، صحيح؟؟
- أجَل أعلم.
كانا يُطالعان بعضهما وهما بالسيارة ثم قام بتقبيل يدها وأردف بحب:
- أنا سعيدٌ كثيرًا لأنكِ بجانبِي حبيبتي، كلها أيامًا قليلة وستعود إليكِ ذاكرتكِ أنا على يقينٍ بذلك.
طالعته في عمقِ عينيه وأردفت بتأثر:
- أتمنى ذلك كثيرًا، لأنني أريد أن أتذكر كل ما بيننا جواد، لا يكفيني أن تُخبرني عما مضى.
- لا تقلقي.
نزلا من السيارة ثم دخلا للقصر وهما يُمسِكان بيد بعضهما ويبتسمان بتفاؤل وصعدا على أدراج القصر وظلا يسيران في ممر الغرف حتى توقفا أمام غرفتها .. استندت بجسدها على الباب وهو كان يقف أمامها يطالعان بعضهما ..
- أتمنى أن تكوني قد سعدتِ برفقتي اليوم.
- بل أنا من أتمنى ذلك جواد.
أمسك بوجهها بين يديه ثم أردف:
- ومن ذاك الذي لا يسعد ببقاءه بجانبكِ شمس؟
رقَّ قلبها عندما ناداها بذلك الإسم وأردفت بتأثر:
- ذلك الإسم له إيقاعٌ مُختلف عليّ عندما تُناديِني به، يجعل قلبي يدُقُّ الطبول.
- مُجرد إسمٌ يفعل بكِ ذلك، فما بالك بصاحبة الإسم ألم تتساءلي عن ماتفعله بي؟
ارتبكت وشعرت بالخجل من حديثه ذلك أخذ جواد نفسًا عميقًا يحاول أن يقوم بتغيير الموضوع:
- أريدُ أن أطلُبَ منكِ شيئًا.
- ما هو؟
- تعلمي المصرية، أريد أن نتحدث بها .. أشعر أنني في غربةٍ طالما أتحدثُ بلغةٍ غيرها.
أردفت بابتسامة:
- حسنًا سأتعلمها.
التمس ذقنها يُمرر اصبعه على شفتيها برفق ثم أردف:
- هناكَ بعض اللحظات التي كنت أتمنى أن نعيشها أنا وأنتِ سويًا وسيكون لها وقعها الخاص على قلبينا لذا..
قام بتقبيل مقدمة رأسها واستأنف:
- سأنتظر عودة ذاكرتكِ لكي نعيش تلك اللحظات سويًا لأول مرة.
إحمر خدَّيها ووضع مقدمة رأسه على خاصتها وأردف بصوتٍ مُنخفض:
- تُصبِحين على خير، شمسي.
ابتعد عنها وذهب لغرفته؛ أما هي فقد كانت تشعر أنها كالمُغيبة ولكنها استفاقت عندما دخل غرفته ودخلت غرفتها أيضًا وهي تلتمس خديها وابتسمت بسعادة وأخيرًا وجدت عائلتها والتي تتمثل في جواد.
.......................................
في اليوم الذي يلية وهو يوم الاجتماع، كان جواد يرتدي حُلته السوداء المتناسقة على جسدة بشكلٍ مثالي ويستند بجذعه على مكتب فيليب الذي يُطالِعَهُ بهدوء أما بالنسبة لأندريه فكان لا يهتم فهو اجتماعٌ وسينتهي.
جواد بضيق:
- لماذا إجتماعٌ كهذا سيُقامُ هنا؟
أردف فيليب بلامبالاة:
- وماذا لدي لأخسره؟ ثم إن لأ أحد يجرؤ على فعل أي شيء لأي أحد يخُصُّني، لا تقلق.
طالعه جواد بضيق، بداخله الكثير من الدلائل التي تنفي كلام فيليب ولكنه فضَّل الصمت.
انتبه الثلاثة على دخول أحد رجال فيليب يُخبرهم بأن الضيوف قد أتوا، استقام فيليب ويعقبه أندريه واعتدل جواد وتبعهما ليدخل قاعة الإجتماعات الضخمة والتي كان يجلس بها العديد من الرجال والنساء الذين يبدو عليهم الإجرام والثراءِ الفاحِش وعلى جسدهم الكثير من الوشوم! فهم زعماء مافيا بالطبع.
وقف الجميع إحترامًا لفيليب الذي دخل القاعة بحٌلته الأنيقة وكانت سوداء بالكامل حتى القميص الذي يرتديه بالكامل والذي زاد جاذبيته شعره الكيرلي المتوسط الطول ذو اللونِ الأبيض المُختلط بالأسود وبجانبه أخيه أندريه ذو الشعر البُنيَّ القصير ويرتدي حُلةً بنيةَّ اللون وقميصًا أزرق وبنطالاً بُنيِّ مصنوع من القُماش، أشار فيليب لهم بالجلوس ثم جلسوا وجلس جواد بجانب فيليب على جانبه الأيمن وأندريه كان على جانبه الأيسر.
تحدث فيليب بابتسامة:
- أهلا بكم أعزائي زُعماء المافيا العالمية، سعيدٌ كثيرًا باجتماعنا الضخم هذا وأتمنى ألا يكون آخر إجتماع فلدينا كثير من الأعمال لفعلها سويًا .. وقبل أن نبدأ إجتماعنا المهم ذاك أريدُ أن أعرفكم بشابٍ ساعد المافيا الروسية بشكل كبيرٍ في الآونة الأخيرة وسيكون له دورٌ كبيرٌ أيضًا في الفترة القادمة .. السيد جواد من مِصر أرجوكم رحبوا به.
رحب به جميع الزعماء الموجودين بالقاعة وكان من ضمنهم ماتيوس الذي يتحكم بغضبه بقوة وهو يُطالِعُ جواد الجالس بجانب فيليب، ولكن بَهُتَت ملامحه عندما تقابلت نظراته مع جواد الذي يُطالعه بهدوء.
↚
كانا يطالعان بعضهما لعدة ثوانٍ فقط ولكن ماتيوس شعر أنها دقائق! تنهد بارتياح عندما ابتعد جواد بعينيه عنه حيث أنه كان يُطالع جميع الموجودين بالقاعة، وتحدث فيليب:
- هذا الإجتماع قمت به لأن هناك الكثير من الخطط التي شغلتني في الآونة الأخيرة والتي أريدُ تنفيذها بالطبع ومن مشتملاتها مهمة قويةٌ جدًا، ولن أستطيع تنفيذ تلك المهمة دون استشارتكم أعزائي.
تساءل أحدهم:
- ماهي؟
ابتسم فيليب وأردف:
- ذهب!.
طالعه الجميع بهدوء، ولكن فيليب استأنف:
- سنسرق ذهبًا يخص مجموعة دول في وقتٍ واحد.
تعجب جواد من حديثه وكان يريد أن يعترض ولكنه فضَّل أن يصمت حتى النهاية.
- كيف ذلك يا زعيم؟
ابتسم فيليب وأجاب:
الآن في روسيا وأثناء حديثنا ذلك، الأمن القومي يقوم بغلق أبواب خزائنه على أطنانٍ من الذهب لا حصرَ لها..
صمت قليلًا يراقب ملامحهم الهادئة ثم استأنف:
- والتي سنقوم بسرقتها.
صمت الجميع يطالعونه بذهول ومتعجبون لما يقولون .. سيسرقون ذهبًا وليس من أي أحد! بل من الأمن القومي!!
- ولكن يا زعيم؟ كيف سنفعلها؟
ابتسم فيليب بابتسامة هادئة ثم أردف:
- لا تقلقوا كلابنا داخل الشرطة كُثُر، ولكن أنا لدي مشكلة.
تلك المرة تساءل ماتيوس:
- ماهي؟
تقابلت عينيه مع خاصتي فيليب الذي تحدث بهدوء:
- لدينا الخطة .. لدينا التنفيذ ... الفريق الذي سيقوم بتلك الخطة سيكون شخص من كل دولةٍ في تلك القاعة وذلك الآن لا يهمني ... بل يهمني هو الهرَب؟؟ كيف سنهرب بالذهب إذا تم اكتشافنا؟؟
في تلك اللحظة حبس الجميع أنفاسهم ينتظرونه يكمل حديثه، أردف فيليب بهدوء:
- عندي فكرة أظن أنها بدائيةٌ قليلًا ولكنها ستكون مثمرة .. وقت الهرب سنحتاج خطة بديلة ... أو بالأحرى تمويه وذلك لكي نستطيع أن نهرب، نريدُ عدة أشخاص يقومون بالتضحية لأجل المافيا العالمية وستأخذ عائلاتهم الكثير من الأموال وذلك في حالة القبض عليهم.
عقد جواد حاجبيه بضيق من التقزز الذي يحصل أمامه كيف يعتبرون كل ذلك عادي وطبيعي؟ أغمض عينيه بضيق من تفكيره ذاك! .. ظل من بالغرفة يتشاورون في تلك الخطة حتى أعطوه الموافقة.
أردف فيليب بابتسامة شريرة:
- إذا مرحبًا بكم في أقوى سرقة على مر التاريخ!
هز جواد رأسه بيأس بسبب مايحدث ولكنه انتبه على تحدث فيليب...
- ولكن لن تتم تلك السرقة بشكل جيد إذا لم يكن قائدها قوي! لذا قمت باختيار قائد الفريق من الآن والذي سيكون السيد جواد بالطبع!.
التفت للجميع يُطالعون جواد الذي صُدِمَ من حديث فيليب ويطالعه بذهول! ولا يستوعب مايحدث! حتى أنه شعر أنه لا يستطيع التحدث إنه في موقف لا يُحسَد عليه هل يعيى والده مايفعله به؟؟ إنه يرميه بين النيران، أردف فيليب بهدوء:
- إذا كان لدى أحدٌ أي إعتراض فليخبرني؟
لم يتحدث أحد ولكن ماتيوس كان يبتسم فقط.
- إذَا لقد انتهى الإجتماع أعزائي، سأنتظر منكم الأعضاء الذين سينضمون للفريق وأخبروني بالجديد خلال الأيام القادمة!
انتهى الإجتماع ورحل الجميع ولم يتبقى سوى ماتيوس الذي ظل جالسًا يُطالع فيليب وجواد بهدوء ..
أردف فيليب باستفسار:
"إلى ماذا تنظر ماتيوس؟"
أردف ماتيوس بابتسامة:
- لا أظن أن تلك المهمة ستنجح، لا أصدق كيف فكرت بشيء كهذا هل فكرة في حجم المخاطرة التي من الممكن التعرض لها؟
فيليب بهدوء:
- لا يوجد لك أي حق في الإعتراض ماتيوس لأنه بمجرد نهاية الإجتماع فلن أستمع لأي أحد.
أردف ماتيوس بشفقه:
- أشفق عليك كثيرًا فيليب، فمن يراك الآن ويقارنك بالماضي لن يصدق أحدٌ ماتفعله.
كاد فيليب أن يرد عليه ولكن تحدث أندريه بدلًا عنه:
- ماتيوس لا حاجة لنا بالحديث عن الماضي؛ فما مر قد مر، نحن الآن نريد أن نُنجز أعمالنا قدر المستطاع وبأقل الخسائر.
كانوا يتحدثون ولكن جواد كان يطالع ماتيوس بهدوء يتفرس ملامحه ثم حرك رأسه لليمين محاولًا التركيز على شيءٍ ما وذلك عندما قام ماتيوس بضبط ياقة قيمصه بيده اليسرى تلك الشامة الموجودة في كفه! لقد رآها في ذلك اليوم!
عودة لأحداث حفل المافيا الروسية:
كان جواد يدخل القاعة مُرتديًا قناعه الأسود، يمشي بين الحشود الموجودين ذوي الهويات المجهولة بسبب أقنعتهم .. ولكنه يعلم هوية واحدة في تلك القاعة على الرغم من محاولة تخفيه بشكل جيد لكن لا سيعرفه من بين ملايين لأنه قد قصد فعل ذلك به حتى يصل إلى ما يريد في ذلك اليوم بالتحديد ولكي يراقبه جيدًا ليعلم مع من يعمل! .. ذو القدمين العرجاء وصاحب اليد اليُمنى المقطوع أصابعها *ساجد* .. كان يقف وسط القاعة يتحدث مع أحد الرجال والذي يبدو عليه أنه مهم نظرا لوجود بعض الرجال المقنعين حوله ذلك الرجل كان يوجد على يده اليُسرَى شامة! ظل يراقبهم دون أن ينتبهوا له وذلك لأنهم لن يعلموا هويته اسفل ذلك القناع.
********
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
عودة للحاضر:
أردف ماتيوس بهدوء:
- لا أندريه أنا أرفض حديثك ذلك، كيف يمكن أن ينساني صديقي وتريد مني ان أتعامل معه كأني لا أعرفه! .. لقد باعني صديقي ولم يسمح لي بأن أقف بجانبه، في أصعب أوقاته و ....
أردف فيليب بهدوء:
- في عالمنا ماتيوس يجب نقطع أيدينا لكي لا تكون عونًا لأعداءنا ضدنا يومًا ما .. أنا ليس لدي أصدقاء .. عملنا هو من يجمعنا سويًا، ومايجعلني لا أقتلك بسبب تعليقاتِك وتغطرسك هو أن أيامنا تلك تغفر لك، ووجودك بجانبي غفرَ لك، لكنني أكرر حديثي لا صداقة ولا أبوه ولا أخوةٌ أيضًا في عالمنا، هذا هو قانوننا وإذا أردت الإنسحاب منه فمبارك لك مقدمًا.
حمحم ماتيوس ثم أردف:
- لم أقصد ذلك و..."
تدخل أندريه وأردف بهدوء:
- لا نريد حديثًا إضافيًا .. لقد شرفَنَا وجودك لذلك الوقتُ القصير عزيزنا ماتيوس.
حمحم ماتيوس ثم استقام من مقعده وخرج من القاعة تحت أعين جواد الذي يراقبه بعينيه بحِرص وجُملة واحدة تتردد بداخله..
"أقربُ شخصٍ لك هو المشتبه الأول به"
وكل الأدلة تُشير إلى تورط ماتيوس، بعد خروجه من القاعة ظل جواد جالسًا مكانه بجانب فيليب وأيضًا أندريه بقي معهم.
- إزاي تاخد قرار يخصني من غير ماترجعلي؟
ذلك ماقاله جواد وهو يحاول كتم غضبه من فعلة فيليب والذي أردف ببرود دون أن ينظر إليه:
- لازم تعرف إنك من ساعة مبقيت من ضمن أفراد المافيا الروسية ليا الحق في إني أوجهلك مهام بدون إذنك .. إعتبر نفسك موظف في شركة وأنا بديلك تاسك عشان تنفذه، وأنا متوقع منك أعلى آداء.
أردف جواد بغضب:
- اللي إنت بتتكلم فيه حاجة والواقع اللي إنت بتفرضه عليا ده حاجة تانية!، إنت عايزني أسرق!!
- أنا مقولتش إنك هتسرق .. أنا قولت إنك قائد الفريق! ده غير إنك إنت اللي هتحرس نصيبي من الذهب.
حاول جواد كبت غيظه وإنفجاره ثم استغفر الله وأردف بهدوء مصطنع:
- تمام .. بس ده اشتراك في سرقة.
- إخلي مسئوليتك .. حاول تراقبهم من بعيد وتساعد على نجاح المهمة وتحافظ على نصيبي مش أكتر.
ذلك ماتحدث به فيليب بلامبالاة .. نفخ جواد بضيق ثم خرج من القاعة .. ظل فيليب صامتًا ويجلس أندريه بجانبه يطالعه في صمتٍ تام! ..
- أنا متنازل عن حصتي في الذهب أندريه وسأسامح في أي تلفيات من الممكن أن تحدث في نهاية المهمة!
..................................................
بمرور الوقت:
كانت آسيا تجلس بفراشها تنظر أمامها بشرود فهي دائمًا هكذا في كل الأوقات كل ماتفعله تفكر بإبنها وزوجها أيضًا .. انتبهت على دخول ماتيوس للغرفة واعتدلت بسرعة تحبس أنفاسها وتحاول التحكم في اشمئزازها وخوفها منه في آنٍ واحد.
- مرحبًا عزيزتي.
لم تُجِبه واقترب يستنشق رائحة شعرها وأغمضت عينيها باشمئزاز وجلس أمامها .. قام بتشغيل هاتفه على تسجيل صوتي وأول ماسمعته هو صوت فيليب الذي دقَّ قلبها بشدة عندما سمعته:
- سنسرق ذهبًا يخص مجموعة دول في وقتٍ واحد.
ظلت تستمع إلى مخطط سير الخطط عبر التسجيل الصوتي وانتبهت إلى الجملة التالية..
- ولكن لن تتم تلك السرقة بشكل جيد إذا لم يكن قائدها قوي! لذا قمت باختيار قائد الفريق من الآن والذي سيكون السيد جواد بالطبع!.
طالعت آسيا ماتيوس بتعجب مما تسمع! وأردفت:
- ماذا؟ هل يقصِد جواد؟ بُنَيّ؟
- أجل كما سمعتي عزيزتي .. يبدو أن السيد فيليب يريد قَتْلَ ثمرة حبكما.
طالعته بعدم استيعاب ثم أردفت:
- أنت تكذب.
- لا تلك المرة لا أكذب آسيا، لقد جُنَّ فيليب كثيرًا في الآونة الأخيرة .. أو بمعنى آخر جنَّ عندما توفيتي، لقد نسي نفسه.
- ألم تسأل نفسك من يكونُ السبب؟
أردف بابتسامة كبيرة:
- أنا بالطبع ولي الفخر في ذلك .. أنتِ لا تعلمين كم أكرهه كثيرًا .. كم أتوق لمنصبه ذلك.. ولكن صبرًا سأنال كل شيء وذلك عندما يقوم فيليب بقتل إبنه لن يقف أحدٌ أمامي وقتها.
ثم ضحك .. ضحك كثيرًا .. واعتدل وخرج من الغرفة وتركها تبكي بسبب ماسمعته من فيليب! ..
- جواد حبيبي.
عادت بذكرياتها ليوم عقد قران جواد.
كانت تجلس بكرسي هزازٍ في الغرفة التي تبقى بها في فيلا في مصر وتقوم بضم دُمية طفلها بقوة؛ فمنذ أن أتت وذلك الشخص الذي أتى بها يقوم بوعدها دائمًا أنها ستقابل ابنها جواد ولكنه لا يأتي به هو فقط يأتي لزيارتها ليطمئن عليها .. انتبهت على دخول خادمتين للغرفة ويبدو أنهما جنسيتها ليست مصرية وتلك كانت أول مرة تراهما يبدو أنهن بدأن عملهن هنا حديثًا .. كانا يتحدثان باللغة الإنجليزية أمامها ..
- إن عقد قران السيد جواد اليوم، لا أصدق أن ذلك اليوم قد أتى.
تحدث الأخرى بابتسامة:
- أنا سعيدة حقًا لأجله لطالما كان السيد جواد جيدًا مع الجميع إنه يستحق الأفضل دائمًا.
- مهلا!
ذلك ما تحدثت به آسيا لتقاطعه حديثهما ..
- ماذا تقولون؟ فرح من؟
- فرح السيد جواد سيدتي.
أردفت بتعجب وعدم فهم:
- كيف سيتزوج بُني وهو لا يزال طفلًا صغيرًا؟
تعجبت الفتاتان من قولها ذلك ولكن أردفت إحداهن:
- سيدتي إننا نتحدث عن السيد جواد والتي تكون صورته في ذلك الإطار الزجاجي.
التفتت تُطالع ذلك الإطار المُعلق على الحائط .. تُطالع هيئته .. تُطالع كل شيئٍ به وهنا تذكرت استفاقت سيا من صدمتها .. حيث أن ذكرياتها كلها كانت متعلقة فقط بوعدها أنهما سيتقابلان لا شيء فقط غير ذلك .. كان لقائها طفلها هو أملها الوحيد في الحياة! .. تذكرت! تذكرت كل شيء!! استقامت آسيا بإرهاق وسارت بخطىً هادئة وهي تحاول أن تتعكز على أي شيءٍ بجانبها .. يا الله! إنها حقًا أمًا سيئة جدًا! كيف لم تنتبه للتشابه الكبير بينه وبين فيليب زوجها المتوفي ... كيف؟! كادت أن تقع ولكن أسندتها الفتاة التي كانت قريبة منها وأجلستها بهدوء على كرسيها المتحرك ..
- إنتبهي سيدتي.
كانت ترتجف وتبكي بقهر وهي تضم دميته بقوة وكل ماتقوله ..
- جواد حبيبي .. إزاي ماشمتش ريحتك اللي فضلت حافظاها سنين؟! إزاي ماحستش بيك!! إزاي كنت عامية لما أنت كنت قدامي الوقت ده كله!!
ظلت تبكي بقهرٍ على إهمالها في حقه وأنها حُرِمَت من أفضل اللحظات التي ممكن أن تعيشها بجانبه! فعلى الرغم من ظروفها القهرية إلا أنها ترى دائمًا أنها أمًا سيئة!
......................................................................
↚
"الحقيقة المُرَّة"
كانت تجلس بفراشها تتصفح هاتفها ولكنها انتفضت عندما دخل جواد غرفتها دون استئذان وما فاجأها شعرت بالخجل الشديد بسبب فعلته تلك ودخوله المفاجئ للغرفة .. ترددت في أن تلمس شعره ولكنها فعلتها بعد عدة ثوانٍ من التفكير وملست على شعره الأسود بهدوء .. أغمض عينيه بإرهاق على لمساتها تلك كأنه كان تائهًا لفترة طويلة جدا وقد وجد ملجأه أخيرًا بعد معاناة .. حاولت أن تتحدث ببعض الكلمات المصرية التي تعلمتها خلال اليومين الماضيين لأنها لغةٌ سهلة التعلم ..
- مالك؟!
تحدث بإرتياح وعينيه مغلقة:
- مش عارف، حاجات كتير جوايا متلخبط بسببها وكمان مباقتش فاهمها، وكل اللي ببقى محتاج أعمله وقتها إني أخدك وأهرب بيكِ على مصر وأنسى كل حاجة فاتت .. بس لا لازم أكمل إنتقامي من اللي عمل فيكِ كده.
أردفت بتأثر:
- إحكيلي وأنا هسمعك، أنا معاك يا جواد، إيه اللي حصل خلاك تايه كده؟
قام بفتح عينيه واعتدل وجلس بجانبها على فراشها وأمسك بيدها وأردف بهدوء وهو يطالعها في عمق عينيها:
- فيليب باعتني مهمة خطيرة يا عالم هقدر أخرج منها ولا لا.
كانت تطالعه باستفسار تنتظر منه أن يُكمل حديثه:
- باعتني أسرق أطنان من الدهب من الأمن القومي في روسيا.
طالعته بذهول وكادت أن تعتدل لتخرج من فراشها ولكنه أمسك بيدها بقوة يمنعها.
أردفت بضيق بسبب منعه لها:
- إنت سامع نفسك بتقول إيه؟ لازم يعرف إنك ابنه، عشان يخاف عليك من أي حاجة ممكن تأذيك.
تحدث جواد بهدوء:
- إهدي ياشمس، هيعرف في الوقت المناسب، بس دلوقتي أنا محتاج أفكر معاكِ حاسس إني تايه.
طالعته في المقابل واقتربت منه حتى أصبحت المسابقة بينهما منعدمة والتمست لحيته البسيطة بيدها:
- لا متعملش كده، تعالى نهرب يا جواد.
أغمض عينيه وهو يستند بمقدمة رأسها على خاصتها وأردف:
- كان نفسي .. بس مينفعش لازم أكمل اللي أنا بعمله ... انا خلاص قربت أوصل، خلاص النهاية قربت.
كانت تشعر بالخطر يقترب منه وأردف وهي تحاول منع عبراتها من النزول:
- ليه بتعمل ده كله؟
قام بفتح عينيه وابتعد عنها مسافة بسيطة ثم أردف:
- عشانك .. حتى لو فيها موتي بس المهم عندي إنك تكوني في أمان، تعرفي .. أنا كنت فاكرك نقطة ضعفي بس إتضح إنك الحرب كلها يا شمس! الحرب اللي وصلتني لكل حاجة أنا كنت مفتقدها في حياتي .. أنا محتاج أكمل عشان أوصل للنهاية.
كانت تبكي بسبب حديثه ذلك ثم أردفت بالإنجليزية:
- لم أكن أعلم أن شمس محظوظة لتلك الدرجة لأن لديها شخصٌ مثلك يعشقها كثيرًا.
أغمض جواد عينيه مرة أخرى ثم عاد يُقرب مقدمة رأسه من خاصتها وأردف:
- أنتما الإثنتين واحدٌ بالنسبة إلي .. ما تبقى فقط هو أنكِ تحتاجين تذكر الماضي حبيبتي.
- أنا خائفة من التذكُر! أشعر أن هناكَ جحيمًا عشته لذلك لا أستطيع تذكر الما ضي.
طالعها بحزن وقام بضمها بقوة بين ذراعيه وأردف:
- لا تخافي؛ فأنا بجانبك عزيزتي!
ظلت هكذا تبكي بين ذراعيه وهو يربت بهدوء على ظهرها حتى انتبه الإثنان لصوت يُصدر من هاتفها، وابتعدت عنه بتذكر وهي تغلق ذلك التنبيه.
- في إيه؟
طالعها باستفسار وأردفت بتوتر وخجل في آنٍ واحد:
- ميعاد الجيم.
اعتدلت من فراشها واقتربت من خزانة ملابسها وهي تشعر بالإحراج من وجوده في غرفتها ولعله يفهم أن تلك رسالة له لكي يخرج من الغرفة .. اعتدل من فراشها ثم اقترب منها حتى توقف خلفها قبل رأسها وهو يمسك بكتفيها بيديه ثم أردف:
- تحبي أوصلك؟
التفتت للخلف تطالعه ثم أردف بتوتر:
- استريح إنت، حساك مُرهق من التفكير وأنا مش هتأخر.
هز رأسه وهو يطالعها ولكنها ظلت تنتظره لكي يخرج من الغرفة ولكنه لم يخرج .. حمحمت بإحراج ثم أردفت:
- ممكن تخرج محتاجة أغير هدومي.
ابتسم بهدوء ثم خرج من الغرفة دون أن يتحدث بكلمة إضافية أما بالنسبة إليها فقد تنهدت بارتياح عندما خرج وبدأت بتغيير ثيابها .. دخل غرفته وقام بتغيير ثيابه وجلس بفراشه وهو يفكر بالعديد من الأشياء كيف سيقوم بتنفيذ تلك المهمة؟ كيف إذا لم تنجح مهمته؟ شمس! كيف ستعيش بدونه؟ .. والدته؟ من سيجدها؟ هل ستظل حبيسة طوال عمرها؟! العديد من الأفكار السيئة هاجمته ولكنه هز رأسه نافيًا وعقد حاجبيه يتمنى أن كل ماهو قادم سيمر! .. استلقى بجسده على فراشه يغمض عينيه قليلًا ولكن عقله يعمل ويفكر!
...............................
خرجت من غرفتها ونزلت على أدراج القصر وكادت أن تخرج من بابه تقابلت مع فيليب الذي خرج من قاعة الإجتماعات بهدوء وخلفه أندريه ..
- مرحبًا عزيزتي.
تحدث أندريه بتلك الجملة وهو يقترب منها؛ أما فيليب فقد ظل صامتًا وهو يطالعها، تساءلت بهدوء:
- ماذا هناك عمي؟
- لا شيء عزيزتي .. إلى أين تذهبين؟
طالعته حقيبة الظهر التي ترتديها ثم أردفت بعدم فهم:
- من الواضح أنني ذاهبة إلى الصالة الرياضية، هل تريد مني شيئًا ما.
- لا شيء! أنا فقط كنت أُلقي التحية عزيزتي.
وابتسم ابتسامة هادئة وهو يطالعها ..
- حسنًا عمي إلى اللقاء.
ظل يطالعها وهي تخرج من القصر وانتبه لتساؤل أندريه:
- لماذا كنت تنظر إليها هكذا، أخي؟
أردف فيليب ببساطة:
- لأنها زوجة جواد، ويؤلمني ضميري الذي يجعلني أحزن بسبب أنني سأقوم بقتل زوجها.
التفت لأندريه وهو يبتسم بهدوء ثم استأنف:
- ولكن هكذا هي الحياة أخي .. يومٌ لك ويومٌ عليك!
...............................
ركبت سيارتها في الخلف وقام السائق بالقيادة وذلك تحت أعين الرجال الذين يراقبوها من على بُعد مسافات، وقاموا بتصويرها وارسال الصورة إلى *ماتيوس!* الذي خرج من غرفة آسيا في مصحة مجهولة في روسيا وهو يبتسم وأخيرًا نال مراده وانقلبت آسيا تمامًا على فيليب! .. يشعر بنشوة الإنتصار عندما تركها وهي تبكي في غرفتها وتلعن فيليب الذي ينوي أذية ابنها! .. انتبه لهاتفه الذي يُعلن عن وصول رسالة .. قام بفتح الصورة التي وصلته للتو وعقد حاجبيه عندما وجد أنها صورة لشمس زوجة جواد أمام قصر فيليب! .. آتتة معلومة حالية انتبه لها وهي:
- صوفيا قريبة السيد فيليب.
شعر ماتيوس بالغضب الشديد حيث أن وجود تلك الفتاة بالقرب من فيليب دليلًا على نهايته لأنها من الممكن أن تتذكر كل شيء.. أجرى إتصالا هاتفيًا لرجاله الذين يراقبونها وأمرهم:
- أقتلوها، فورًا!
ثم أغلق الهاتف وهو ينتظر خبر وفاتها على أحَّر من الجمر! وصلت أمام الصالة الرياضية ونزلت من السيارة وودعت سائقها، دلفت إلى الصالة وقامت بتغيير ثيابها في غرفة تبديل الملابس .. ووضعت حقيبتها الخلفية في خزينة صغيرة في الغرفة وأغلقت عليها بالقفل، حملت زجاجة المياة التي تخصها وأخذت هاتفها وهي ترتدي السماعة اللاسلكية تستمع لبعض النغمات الإنجليزية للفنان الذي تحب السماع إليه وأيضًا لفنانة مشهورة أيضًا، وقفت على آلة السير الرياضية وبدأت بالتحرك سريعًا لعدة دقايق بسيطة ثم ركضت عليها وهي تستمع لنغماتها المفضلة منعزلة عن العالم حولها .. ظلت تركض لعدة دقائق ثم أوقفت الآلة عندما انتهت من عدد الدقائق التي حددتها.
أخذت منشقتها تقوم بمسح وجهها وذراعيها وشربت المياة والتفتت لكي تذهب للآلة التي تليها ولكنها انتبهت على خلو الصالة الرياضية من الأشخاص! تعجبت لأنها قبل أن تركض كانت الصالة مليئة بالكثير من الأشخاص، شعرت بالتوتر فهي تشعر أن ذلك الهدوء المفاجئ ليس خيرًا أبدًا، أوقفت الأغاني التي تستمع إليها تحاول أن تدرُس ذلك الهدوء وأخذت تبحث عنهم ولكنهم إختفوا فجأة! .. شعرت بخيفة في نفسها وأن داخلها يخبرها أن تهرب الآن وخاصة عندما سمعت صوت أقدامًا هادئة .. ركضت بسرعة واستطاعت أن تختبئ في غرفة تغيير الملابس وأغلقت الباب خلفها بهدوء .. وأصبحت تتحرك للخلف وهي تطالع باب الغرفة حتى انتبهت لخيالات في الخارج ورجل يتحدث:
- يجب أن نجدها في أسرع وقت ونقتلها.
زاد خوفها لأن إحساسها صحيح! هناك أحدٌ يريد قتلها! ولكن لم؟!!! .. أخذت هاتفها وقامت بمحاولة الإتصال بجواد الذي كان نائمًا بفراشه ولكنه فتح عينيه عندما رن هاتفه وأجاب بنعاس عندما وجدها شمس..
- أيوه يا حبيبتي؟
ولكنها كانت تتحدث بهمس وارتعاش وبالإنجليزية:
- جواد، أنقذني .. إنهم يريدون قتلي!
ولكنها أغلقت بسرعة عندما كان أحدهم يحاول فتح باب الغرفة.
انتفض جواد من فراشه عندما تحدثت هكذا ولم يشعر بنفسه سوى وهو يخرج من القصر بمنامته! ركب سيارته بسرعة وتحرك بسرعة القصر تحت أعين فيليب الذي تعجب من خروجه المفاجئ وأيضًا بمنامته! وأمر رجاله بملاحقته ليعلم ما السبب! .. بعد مرور وقت قصيرٍ جدا وصل جواد إلى الصالة الرياضية في أسرع وقت وأصدرت عجلات سيارته صريرًا عاليا عندما توقف أمامها جعل المُجرمين الذين بداخل الصالة ينتبهون لما يحدث بالخارج، قام بفتح حقيبة السيارة الخلفية وأخرج منها رشاشًا آليًا ودخل الصالة وأصبح يتنقل بداخلها بخفة ... كان يبحث عنهم بعينيه بترقب لكي يجدهم وبالفعل وجد مجموعة منهم يبحثون عن أحدٍ وخمن أنهم يبحثون عن شمسه.
صوب الرشاش على أقدامهم ووقعوا أرضًا وصوت الطلقات جعلت المتبقين بالصالة كلها يقتربون نحوه وإختبأ عندما أطلق أحدهم النيران نحوه وأخذ نفسًا عميقًا يتنقل لكي يُصيبَهم .. حدث عراكٌ وصدامٌ كبيرٌ بينه وبينهم مما جعل رجال فيليب يشتركون معه في تلك المعركة يقاتلون معه وعندما وجد رجال ماتيوس أن عدد العدو أصبحَ كبيرًا بعضهم هرب و الآخرون قاموا بالإنتحار لكي لا يحاول أحدٌ الوصول إلى معرفة مع من يعملون.
لم يهتم لكل ذلك بل كان ما يهمه هو البحث عن شمس .. خائف! نعم خائفُ كثيرًا من فكرة أن بضيبها أذى، أخذ يناديها بقلق وصوتٍ عالٍ قليلًا:
- شمس.
كانت تختبي أسفل إحدى الأرائك الموجودة في غرفة تبديل الملابس ولكنها انتبهت عندما سمعت صوت جواد يناديها بعد هدوء طلقات النيران التي انتشرت فجأة في المكان .. خرجت بلهفة تركض نحوه ببكاء قام بضمها بقوة وهو يتنهد بارتياح .. ظلا هكذا لعدة دقائق لأنهما نسيا العالم من حولهما وفي نفس الوقت يهاجم شمس شيٌ ما بذاكرتها .. شيءٌ مشوش ولكنه يبدو شيطاني .. سوط! .. أدوات تعذيب! .. صرخات تملأ قبوٌ مُظلِم! هل تلك صرخاتها هي؟! استفاقت عندما ابتعد جواد عنها يطالعها في عُمقِ عينيها ..
- إنتِ بخير متقلقيش.
ظلت تطالعه بصدمة شديدة مما حدث لها للتو وأيضًا من تلك الرؤية الغريبة! .. هل تشخيص طبيبها النفسي كان صحيحًا؟ هل عقلها هو من رفض ان يتذكر أي شيء من كثرة المآسي والألم والخذلان التي عاشتهم في حياتها سابقًا والتي لا تتذكر أي شيءً منهم من الأساس! أغمضت عينيها وهي تبكي وعادت تختبئ في أحضانه مرة أخرى، كان يُربِتُ على ظهرها وهو يطالع الأسلحة التي كانت بحوزة الرجال الذين كان يهاجمونه .. كانت أسلحته هو! أسلحته التي قام ببيعها للمافيا الروسية.
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
في المساء:
كان يجلس مع فيليب في مكتبه ويطالعه بهدوء ..
- محتاج نتكلم على المكشوف شويه.
أردف فيليب بتعجب:
- أنا اللي أتكلم على المكشوف!
- أيوه مظبوط .. الأسلحة اللي أنا اديتهالكم .. ليه كانت مع اللي كانوا بيهاجموا شمس!
أردف فيليب ببساطة:
- ماحنا وصلنا قبل كده إن اللي بيعمل الكلام ده جوا المافيا بتاعتي.
أردف جواد بهدوء:
- وليه مدورتش عليه لحد دلوقتي؟ ليه موصلتلوش؟
أردف فيليب بابتسامة:
- إنت بتستجوبني؟
- لا مش بستجوبك أنا عايز أعرف إيه اللي بيحصل! لو كنت اللي بتعمل ده كله قول!
- وأنا قولتلك إن مش أنا اللي بعمل كده
غضب جواد بشدة وأردف بصراخ:
- أومال مين؟؟ هاه؟؟ شخص ليه نفس سُلطتك، يقدر ياخد الأسلحة الخاصة بيكم! يتصرف بيها على هواه! إنت فاكرها لعبة يا فيليب! نوع الأسلحة دي كانت خارجة ليكم إنتوا وبس!! ليكم دي يعني فريقك إنت يا فيليب! وارد يكون أقرب الناس ليك هو اللي بيعمل كده! ممكن يكون أخوك! ممكن يكون أقرب أصدقاءك!
أكمل فيليب بالنيابة عنه:
- وممكن يكون إنت يا جواد.
طالعه جواد بغضب ولكن فيليب أخذ نفسًا عميقًا واستأنف بهدوءٍ قاتل:
- فاهم وجهة نظرك، إن الخيانة ممكن تيجي من أقرب الناس ليك .. متقلقش! من جهة الأسلحة فأنا عارف إن فريقنا هو اللي شغال بيها، بالنسبة للناس اللي هاجموكم أنا هعرف هويتهم في أقرب وقت عشان أوصل للي عمل كده في شمس.
عقد جواد حاجبيه بضيق من طريقة حديثه تلك وكاد أن يخرج من مكتبه:
- جواد.
التفت يطالعه بضيق، ولكن فيليب أردف بتنبيه:
- المهمة بعد يومين .. الفريق بيجهز خلاص هتتعرف عليهم في بداية المهمة وبعدها ولا كإنكم تعرفوا بعض.
طالعه جواد بهدوء ثم خرج من الغرفة دون أن يوجه إليه أي كلمة إضافية.
كانت ترتعش وهي تجلس بفراشها تحاول أن تتذكر ماضيها ولكنها لا تتذكر أي شيء! .. تلك الصور المُخيفة التي لا تترك عقلها هل عاشتها بالفعل؟! انتبهت عندما دخل جواد للغرفة وجلس بجانبها على فراشها وقام بضمها يربت على ظهرها بهدوء ..
- متخافيش خلاص عدا
- لا معداش .. مفيش حاجة عدت! حاسة إني بتسحب للظلام أكتر ... مباقتش حاسة بالأمان طول مانا بتنفس.
ابتعد عنها مسافات قليلة ليطالعها في عمق عينيها:
- قولتلك، متقلقيش طول مانا معاكِ يا شمس.
ولكنها ظلت صامته وحزينة انتبه لتوترها ذلك وأردف بابتسامة هادئة:
- ايه رأيك، أعملنا نعناع يروق أعصابنا شويه؟
هزت رأسها وخرج من الغرفة وبعد عدة دقائق عاد مرة أخرى وأعطاها كوبها عندما جلس بجانبها على الفراش وأخذ يشرب كوبه ..
أردفت باستفسار:
- كنت بتعمل إيه عند فيليب؟
أردف جواد بتنهيدة:
- بيبلغني بميعاد المهمة.
- إمتى؟
- بعد يومين.
طالعته بتأثر ولكنه أردف بابتسامة:
- متقلقيش هتعدي.
يوم المهمة:
فوق قمة أحد الجبال في روسيا بالقرب من مكان السرقة:
كان جواد يقف أمام مجموعة من الأشخاص مختلفي الجنسيات من الدول العربية والدول الأجنبية .. يبدو أن الأوغاد قد استولوا على العالم بالفعل! وبالطبع على ذكر ذلك فوالده هو أكبر وغد لأنه زعيم تلك المافيا الغبية! ... أغمض عينيه بضيق يحاول منعَ نفسه من إلقاء السُباب في حق والده لأن ذلك لا يجوز يتذكر دائمًا قول الله تعالى "وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" الإسراء {23}
انتبه لقرب أحدهم نحوه يقدم يده له ليصافحه كان يبدو عليه أنه شابٌ عربي.
- مرحبًا أنا أُدعى إيهاب!
صافحه جواد بالمقابل وأردف:
- جواد.
تحدث إيهاب بدهشة:
- يا لطيف إنتِ عربي؟!
تحدث جواد بابتسامة:
- لا، أنا مصري!
عقد إيهاب حاجبيه بعدم فهم وأردف:
-المصري يعني عربي ياخَي عَ كِل حال اتشرفت بمعرفتك، أنا خيّك من لبنان.
- أهلا بيك.
أخذ جواد نفسًا عميقًا يحاول التحكم بتوتره لأنه من المفترض أن ينتبه لنجاح تلك المهمة فهو من سيُشرِف عليهم .. نظر لجميع الشاحنات المُلتفين حول الجبل كل شاحنة تخص زعيمًا في كل دولة تخص كل شخص هنا .. وبالطبع شاحنة فيليب كانت موجودة أمامه ويفكر كثيرًا بالاستسلام والعودة.
- إذا، ماذا سنفعل الآن؟
تحدث بتلك الجملة شخصٌ إيطالي يُدعَى *إنزو* .. طالع ساعة يده ثم أردف:
- الآن!.
توزع الجميع كل واحدٌ على شاحنته وبجانب كل شخص سائق الشاحنة لأن المطلوب من كل شخصٍ مسئولٌ عن شاحنته البقاء داخل الشاحنة من الخلف مع الذهب الذي سيتم سرقته!
كانت شمس قلقة كثيرًا منذ خروج جواد فقلبها يؤلمها بشدة .. خرجت من غرفتها لتشرب القليل من المياة وانتبهت لدخول فيليب لقاعة الإجتماعات وخلفه أندريه! تعجبت هل يُدِير إجتماعًا الآن!! .. ولكنها لم تهتم بسبب قلقها على جواد .. دخلت المطبخ وشربت كوبًا من الماء وبدلًا من أن تصعد ظلت جالسة به تُهدئ من روعها وتتمنى أن كل شيء سيكون على مايرام مثلما طمأنها زوجها!.
كان المكان كما أخبره فيليب .. المكان هادئ الحراسة موجودة ولكنهم كلاب المافيا وليسوا من الأمن الوطني! ولذلك سمحوا لهم بالمرور .. قاموا بفتح غرف الخزائن الخاصة بالذهب وكانت غرفًا ضخمة جدا بداخلها الكثير من أطنان الذهب! .. ذُهِل الجميع عدا جواد بحجم الذهب الذي بتلك الغرف! وقاموا جميعا بمحاولة حمل الذهب على الناقلات الصغيرة التي معهم .. كل شخص يجمع نصيب زعيمه من الذهب وبعد إن انتهوا وضعوا الذهب بالشاحنات .. وبالطبع كان فيليب يراقب كل مايحدث من خلال الكاميرات المزروعة في الشاحنات والمكان أيضًا فقد إخترق كاميرات المكان بواسطة هاكر عالمي! كان يجلس مع أندريه في قاعة الإجتماعات التي بها شاشة عرضٍ ضخمة ويتحدث بهدوء:
- لقد اقتربنا.
تحركت الشاحنات ماعدا شاحنة فيليب التي كان بها مشكلة في قِفل الباب الخلفي والذي انكسَرَ فجأة ..
- جواد صاير شي؟
ذلك ماتحدث به إيهاب وهو يصعد لشاحنته من الخلف، هز جواد رأسه وأكمل عمله يحاول إصلاح ذلك القفل، خرج إيهاب من الشاحنة واقترب نحوه يساعده ..
- مالهوش داعي.
- نحنا إخوات يا زلمي!
- هيدا مكسور وما بيتصلح، معي بديل!
عاد لشاحنته وأعطاه قفلٌ آخر:
- شوف معي، هيدا القفل مارَح يسكر معك كتير منيح متل الأصلي بس بيفي بالغرض.
هز جواد رأسه وعاد إيهاب ليصعد إلى شاحنته من الخلف ويغلق على نفسه من الداخل وتحركت شاحنته.. تنهد جواد وطالع القفل الموجود معه وكاد أن يصعد للشاحنة في ذات الوقت ابتسم فيليب بشر وضغط على زرٍ جعل صافرات الإنذار تنطلق من ذلك المكان .. عقد جواد حاجبيه بضيق مما حدث للتو! ولكنه صعد بسرعة عندما اقترب جيش الأمن نحو المكان بأسلحتهم .. أغلق على نفسه من الداخل مثلما فعل الآخرين وتحركت الشاحنة بأقصى سرعة .. كان فيليب يضحك وكان أندريه يطالعه بهدوء لا يُعجبه الأمر تمامًا ولكن يجب أن يحدث ذلك فجواد خائن، خرجت شمس من المطبخ وأثناء صعودها لغرفتها انتبهت لضحكات فيليب المستمرة مما جعلها تنزل على الدرج مرة أخرى واقتربت من قاعة الإجتماعات لكي ترى ما يحدث! ..قامت بفتح الباب فتحاتٍ بسيطة لتراقب ما يفعلون .. انتبهت لتلك الشاشة الضخمة التي تتوسط القاعة .. وظهور جواد بها .. ذُهلت مما رأته إنه يراقبهم!! رأت مطاردة الأمن القومي للشاحنة التي بها جواد ولكن السائق كان ماهرًا بالهرب واستطاع الإبتعاد عنهم كثيرًا.
تنهد جواد بعمق فتلك المهمة صعبة جدا وأخذت منه كامل طاقته، يكفي الأثقال التي حملها والتوتر الذي عاشه بداخل تلك المهمة! والأهم أنه لم يعلم أحدٌ هويته لو كانوا رأوه لكان في كارثة حقًا! انتبه عندما حدثه فيليب من خلال اللاسلكي الموجود بسترته ..
- جواد! المهمة ماشية تمام؟؟
زفر جواد بتوتر وأردف وهو يلتقط اللاسلكي:
- يعتبر خلصنا.
قهقه فيليب بقوة وتعجب جواد من ضحكاته تلك:
- في إيه؟ إيه اللي يضحك مش فاهم؟
أردف فيليب بابتسامة:
- في حاجة مهمة جدًا عايزك تعرفها وهي إن نهاية المهمة دي عبارة عن نهايتك .. مع السلامة يا جواد
زادت ضربات قلبه يشعر أن هناك من قام بطعنه في ظهره بقوة للتو وأردف بصدمة وعدم فهم:
-فيليب! تقصد إيه!!
ولكن لا يوجد أي رد من فيليب الذي اختفي صوته تمامًا، وفجأة إهتزت الشاحنة التي كان موجودًا بها بعدما سمع تفجيرًا بأحد عجلاتها الخلفية وانقلبت الشاحنة رأسًا على عقب حتى وقعت في بحيرة عميقة جدا!
في تلك اللحظة دخلت شمس الغرفة وهي تصرخ ..
- لا تفعل ذلك أرجوك!
تحدث أندريه بحدة:
- صوفيا ابتعدي لا دخل لكِ بذلك.
بدأت شمس بالبكاء:
- أرجوكم، إنه لا يستحق كل ذلك!
ثم التفتت إلى فيليب الذي كان يطالعها بابتسامة:
- أرجوك عمي! إن جواد لا يستحق!
اقترب منها فيليب وتحدث بقوة:
- لا إنه يستحق الأسوأ .. الخائن نهايته الموت ولكن بطريقتي أنا.
انهمرت عبراتها من مقلتيها لقد وعدت جواد أنها ستحفظ سره ولكنها لا تستطيع أن تتركه للموت وأردفت ببكاء:
- كيف لأبٍ أن يقتل ابنه؟ كيف تفعل ذلك بطفلك الذي أنجبته من صُلبك؟
طالعها فيليب بعدم فهم وتشتت في آنٍ واحد! ..
- ماذا تقولين؟!
أردفت ببكاء شديد:
- إن جواد يكون ابنك.
شعر أنه سيُجَن! أمسكها بقوة من كتفيها يصرخ بها..
- من أين جئتِ بتلك الترهات صوفيا؟َ!، إنني لم أكن بعلاقة قط سوى مع زوجتي الراحلة والتي لم تُنجب أبدًا.
ظلت صامته وهي تبكي يجب أن تخبره كل شيء:
- لا، إن زوجتك على قيد الحياة فيليب.
في تلك الأثناء كان جواد يصارع أسفل المياة داخل الشاحنة من الخلف والتي بدأت المياة تدخل إليها شيئًا فشيئًا .. كان يطرق على الزجاج الفاصل بينه وبين مقعد السائق ولكن السائق لا يستجيب تأكد جواد بأنه فقد حياته أخذ جواد إحدى سبائك الذهب الثقيلة يحاول أن يكسر بها ذلك الزجاج المتين ولكن مع الأسف هو لاينكسر، حاول أن يكسر القُفل ولكنه كان لا ينكسر ولا يستطيع أن يجد مفتاح القفل لأنه وقع منه أسفل المياة .. حمل اللاسلكي مرة أخرى وهو ينادي:
- فيليب! رد عليا!
ظل ينتظر إجابته ولكنه لم يُجِبه .. انتبه فيليب على صوت جواد الذي عاد مرة أخرى وهو يناديه ولكنه كان متجمدًا ... لا يفهم شيئًا يحاول ربط الأحداث لكن لا يوجد أي سبب منطقي لحياة زوجته !! على الرغم من وجود تشابه قوي بينه وبين جواد.
انتبه مرة أخرى على صوت جواد والذي تلك المرة تحدث بهدوء:
- فيليب.
ترك فيليب كتفي شمس التي تبكي بقهر على زوجها وعاد للاسلكي يحمله بارتعاش ولا يفهم ماذا يحدث يشعر أنه قد شُلَّ تمامًا، وتلك المرة اشتعلت مشاعر الأبوة بداخله عندما سمع جواد مرة أخرى:
- بابا، سامعني!
↚
تحدث جواد بتلك الجملة عندما شعر أن تلك آخر مرة سيتحدث بها مع والده فاض به الكيل وهويطالع إرتفاع منسوب المياة في الشاحنة من الخلف أثناء جلوسه على مرتفع عالٍ من سبائك الذهب وذلك لكي يكون لديه وقتٌ أطول في البقاء على قيد الحياة .. كان فيليب يتمسك بقوة باللاسلكي ولم يخرج من صدمته حتى الآن .. فقط مشاعر مضطربة بداخله، يقوم بتجميع الأحداث من الماضي حتى الآن .. بدايةً من حريق المنزل! .. انتبه عندما أخذ أندريه اللاسلكي من يديه ..
- جواد.
انتبه جواد لمن يتحدث..
- معاك أندريه، حاول تدور حواليك على أي مصدر خروج!
أردف جواد باستسلام:
- مفيش أي مصدر خروج.
قام أندريه بالضغط على عدة أزرار فهو يعلم تمامًا الطريقة التي صُمِمت بها تلك الأقفال ثم أردف بعدما انتهى:
- قِفل العربية يا جواد هيفتح ببصمة إبهامك! جرب دلوقتي.
أغمض جواد عينيه بقوة ثم قام بفتحهما:
- القفل اللي كان معايا اتكسر مش عارف ازاي! خلصنا كل حاجة وخرجت لقيته مكسور! كان سليم لما وصلت المكان!
أردف أندريه باستفسار:
- أومال الباب مقفول بإيه؟!
ابتلع جواد غصته عندما أدرك الفخ الذي وقع به! لقد قام أحدهم بكسر القفل عمدًا!، وأردف بمرارة:
- قِفل عادي، بس المفتاح مش لاقيه وقع في المياه.
أردف أندريه بهدوء وهو يحدق في وجه فيليب الشاحب:
- حاول تنزل تدور عليه .. أنا عارف إنها صعبة بس هتلاقيه.
قام جواد بإغلاق اللاسلكي وهو يطالع الشاحنة التي إمتلأ نصفها بالمياة .. نزل ببطئ للأسفل وقام بالسباحة يبحث بعينيه عن المفتاح وانتبه لوجوده في فراغات موجودة بين بعض السبائك .. سبح للأسفل وأخذه بيده وصعد للأعلى لكي يلتقط أنفاسه ثم قام بحبسها مرة أخرى وسبح أسفل المياة مرة أخرى ليقوم بفتح القفل ولكن للمفاجأة! القفل لم يُفتَح! غضب جواد بشدة ثم عاد للسطح مرة أخرى ليجلس حيث كان .. وفي تلك الأثناء
كان ماتيوس يبتسم بشر وهو يتحدث بالهاتف مع إيهاب:
- لا تقلق، اعتبره في عداد الأموات فقد أعطيته المفتاح الخاطئ.
قهقه ماتيوس بشر ثم أردف:
- إن لك مفاجأة كبيرة جدا عندي! لقد فعلت ما رفضه بنو جنسك وأنت تستحق هديتك!
أردف إيهاب بابتسامة شرير:
- وأنا في انتظارها!
عند جواد:
أمسك باللاسلكي مرة أخرى لكي يتحدث مع أندريه:
- أندريه، لقيت المفتاح بس مبيفتحش!
في تلك الأثناء اقتربت شمس تلتقط اللاسلكي من أندريه وهي تبكي:
- جواد حبيبي، حاول تخرج من هناك بأي طريقة .. مينفعش ده يحصل مينفعش دي تبقى النهاية بينا.
أردف جواد بحب:
- متقلقيش يا شمس هخرج من هنا بأي طريقة، أنا وعدتك وأنا قد وعدي.
- سامحني يا جواد .. انا قولت لفيليب على كل حاجة.
صمت جواد ثم أردف بابتسامة:
- مفيش مشكلة يا حبيبتي، متقلقيش عليا هجيلك تاني.
هزت رأسها كأنه يراها ثم صمت جواد قليلًا وهو يُطالع الشاحنة حوله بتركيز ثم وقعت عينيه على شيءٍ ما بالخارج، ثم أردف:
- بابا؟!
ارتجف قلب فيليب حينما سمع تلك الكلمة منه مرة أخرى .. ولكنه كان متسمرًا غير قادرًا على الحراك!
- فيليب سامعني!
اقترب يمسك باللاسلكي بارتعاش وأخيرًا تحدث:
- نعم؟
ابتسم جواد بهدوء وهو يطالع الشاحنة حوله ثم أردف:
- الأحبال دي متينة قد إيه؟
تحدث فيليب بهدوء:
- مش فاهم سؤالك.
توقف جواد راكعًا في مجلسه لأنه وصل لسقف الشاحنة وهو يُخرج سكينًا حادًا صغيرًا من جيبة (مطوه) ويقترب من أحد الأحبال التي تمسك جيدًا وتمنع السبائك من الوقوع ..
- يعني لو حبيت أقطع الأحبال اللي ماسكة السبايك هتتقطع بسكينه عاديه؟
أجاب فيليب بهدوء:
- أيوه بس حاول تركز عليها بقوتك شويه! الأحبال دي صعبة.
- متقلقش.
- هتعمل إيه يا جواد؟
ولكن جواد تجاهل سؤاله ثم أردف بابتسامة كأنه يراه:
- شويه وراجعلك.
ثم أغلق جواد اللاسلكي واقترب نحو جهة من الأحبال وقام بمحاولة قطعها بإستخدام أقصى طاقته بذراعيه الإثنتين مما جعل عروقه تبرز بقسوة ..وبعد صعوبة قام بتقطيع جُزء وتبقى جُزء أخير وهو الجزء الأسهل! .. لأن ما يُحكم ثبات تلك السبائك العديدة كانوا جهتين والآن انقطعت واحدة وتبقت الأخرى حيث أنها هي الجهة الوحيدة الآن التي تُمسك بالسبائك، سبح نحوها وذلك نظرًا لإمتلاء الشاحنة بالمياء وتَبَقى رُبعُها تقريبًا .. كان هناك سهولة في تقطيع الجهة المتبقيه وأمسك جواد بقوة بسلاسل حديدية موجود في أعلى سقيفة الشاحنة وبمجرد إنفلات الأحبال الأخيرة تفككت السبائك والتي كانت تعتبر معلقة في الشاحنة .. ولكن قوة سقوطها تلك سحبت الشاحنة لأسفل البحيرة بقوة ما سبب إصطدامٌ قويٌ جدًا في الشاحنة من الخلف بسبب صخرة كبيرة موجودة أسفل المياة ونتج عن ذلك الإصطدام تَحَطُّم باب الشاحنة! .. سبح جواد بقوة في المياة بعدما خرج من الشاحنة .. ثم ارتفع لسطح المياة ليلتقط أنفاسه بقوة كأنه قد عاد للحياة مرة أخرى! ... حاول أن يتنفس بعمق وهو ينظر في أعماق البحيرة ثم أخذ يسبح بداخلها مرة أخرى ليقترب نحو السائق المتوفى داخل الشاحنة لكي يقوم بإخراج جثته من المياة، قام بفتح بابه بصعوبة وأمسك بالسائق وصعد به لسطح المياة، ثم خرج بصعوبة من البحيرة وذلك بعدما أمسك بأحد جذور الأشجار القريبة منها لكي يصعد للخارج من خلالها وبعدما صعد ارتمى وهو يتنفس بعمق نظرًا للمجهود الذي قام به وبجانبه جثة السائق المتوفى، اعتدل وقام بوضع الجثة جانبًا لجعلها تستند على أحد الأشجار ثم أخد يركض بقوة في الطريق الذي هو به لكي يذهب للطريق الخارجي لكي يستقل أي سيارة ستقابله وبالفعل ركب مع إحدى العائلات لكي يأخذوه في طريقهم! .. كانوا جالسين يُطالعون اللاسلكي بذهول متعجبين من تأخيره بحديثه معهم! هل ... هل .. هل حدث له شيئٌ سيء .. لما كلهم متسمرين هكذا في أماكنهم؟ أمِن حجم المفاجآت والصدمات التي عاشوا بها للتو؟ كان فيليب يداه ترتعشان ثم ارتمى على كرسيه يحاول أن يلتقط أنفاسه يقوم بتعديل رابطة عنقه! يشعر أنه سيموت! .. كيف يفعل ذلك؟ لماذا يؤنبه ضميره هكذا؟ .. لا لا لا .. إنه ليس إبنه .. لا لا يمكن أن يكون كذلك ولكن شمس قالت أن آسيا على قيد الحياة .. بكى بنحيب عندما تذكر يوم وفاتها .. اليوم الذي مات فيه معنويًا .. لقد تحول من سيءٍ إلى أسوأ! حاول أن يهدأ يمكن أن يكون هُناك عدم توضيح في شيءٍ ما لا يُمكن أن يكون كل ماعاشه مجرد رماد! .. لقد مرت سبعة وثلاثون عامًا على وفاتها أو هو من ظن ذلك .. طالع يديه الإثنتين بعدم فهم وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه انتبه أندريه لحالته تلك وأسقاهُ كوبًا من المياه بهدوء .. كان حقًا يرتعش ربت أندريه بهدوء على ذراعيه .. أما شمس كانت تبكي بهيستريا وهي تُطالعهما .. كل مايهمها الآن هو أن يعود أن جواد والآن! لا تستطيع أن تتخيل حياتها بدونه! لا .. بعد أن هدأ فيليب قليلًا من حالته تلك طالع شمس بأعين حمراء من البكاء وأردف وهو يقترب منها بوهن:
- أرجوكِ صوفيا، حبًا بالله إذا كنتِ تعلمين أين توجد آسيا أخبريني.
ظلت تطالعه وهي تبكي ولكنها لم تتحدث وجن جنون فيليب وأردف بغضب وهو يمسك ذراعها بقوة:
- أخبريني أين هي؟؟! أم أن تلك حيلة منكِ أنتِ وجواد لكي أتراجع عن فكرة قتله؟!
أمسكه أندريه من ذراعه يبعده بقوة عنوة عنه وأردف:
- إهدأ فيليب! أنت لست بحالة جيدة.
أردف فيليب بغضب وهو يسحب ذراعه منه بقوة:
- أصمت أنت! إن حديثي معها.
عاد يمسكها مرة أخرى بقوة قد آلمتها ولكنها أردفت وهي تبكي بقهر:
- أنا لا أتذكر.
طالعها بعدم فهم وذهول من إجابتها تلك! وأردف بتشتت:
- ماذا تعنين بأنكِ لا تتذكرين؟؟!
أردف ببكاء:
- كل ما أعلمه أنها من أنقذتني لكي أهرب مِن مَن قَام بخطفي، لقد كانت في ذات المكان الذي كنتُ أنا به.
صُعِق! نعم صُعِق هل هي مخطوفة! هل كل ماتقوله صوفيا صحيح!! .. كادت أن تتحدث ولكنهم جميعًا انتبهوا لدخول جواد للقصر بثيابه المبتلة! صرخت شمس بإسمه عندما رأته وركضت نحوه حتى استقرت بين ذراعيه تضمه بقوة .. كانت تبكي بقهر وهي تضمه بقوة ..
- ماتسبنيش تاني يا جواد! أنا مش هقدر أعيش من غيرك.
ربَت جواد على شعرها بحب وفي ذات الوقت يُطالع فيليب الذي يطالعه في المقابل بغضب لا يُمكن التحكُم به .. ابتعدت عنه تطالعه بحب لتطمئن أنه بخير ..
- متقلقيش يا حبيبتي أنا كويس.
قال تلك الجملة وهو يلتمس ذقنها برقة بابتسامة لطيفة ولكن بملامح مرهقة نظرًا للمجهود القاسي الذي قام به أسفل المياة.
ابتعدت شمس قليلًا جانبًا عندما رأت نظرات جواد وفيليب لبعضهما .. وكل ما تحدث به فيليب كان:
- آسيا فين؟
طالعه جواد بهدوء لا يعلم كيف يُجيبه على سؤاله هذا! ولكنه أردف بهدوء:
- معرفش.
اقترب فيليب نحوه بغضب ولكن أندريه توقف بسرعة بينهما في المنتصف ..
- ابعد أندريه.
أردف أندريه بغضب مكتوم من تصرف أخيه:
- إهدى يا فيليب وفكر بعقل!
أردف بغضب شديد:
- هما خلوا فيها عقل!!! مراتي اللي بقالها سبعة وتلاتين سنة ميته وفجأة يقولولي إنها عايشه؟! ومش بس كده ده بيقولوا إن ده ... *أشار على جواد* .. يبقى ابني أنا! .. عايزني أتصرف إزاي وإنت مش في مكاني!!
كاد أندريه أن يتحدث ولكن جواد من تحدث بدلا عنه:
- نقدر نعمل تحليل DNA زي مانا عملت لما شكيت في الموضوع .. تعالي نعمل التحليل عشان تتأكد.
طالعه فيليب بغضب ولكنه أردف بكلمات آلمت قلب جواد:
- ميهمنيش، اللي يهمني إني أعرف مراتي فين طالما هي لسه عايشه، ده اللي يهمني وبس! عايز أعرف مين اللي عمل فيها كده وأنا هخليه يتمنى الموت بدل المرة مليون مرة بس مش هناولهاله.
أردف جواد بعد صمت دامَ لعدة ثوانٍ يحاول إستيعاب وَقعَ الكلام على آذانه:
- آخر مرة خطفوها مني في الفيلا ومن وقتها مش بلاقيها بس انا قربت و.....
- دورك انتهى لحد كده أنا هوصل لآسيا بطريقتي .. أنا هحرق الأرض كلها عشان ألاقيها.
ثم صعد فيليب لغرفته ليقوم بتجهيز نفسه لكي يخرج ويجد طريقة ليجد بها آسيا .. كان جواد يمكانه غير مستوعب ماحدث كان يتوقع تصرفًا آخر عندما يعلم فيليب أنه ابنه ولكنه قد خذله! ولكنه برر أن صدمة معرفته بالحقيقة قد جعلته يتصرف هكذا وأكيد عندما يهدأ سيضمه ويربت على كتفه ويقول له مرحبًا بك بني.
"رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات"
هبطت عبرة من مقلتي جواد جاهد أن يُخفيها ولكنه لم يستطع وقام بمسحها بسرعة لكي لا ينتبه له حد .. التفت أندريه يطالع جواد ثم أردف:
- كان في حاجة جوايا بتقولي إنك من لحمي ودمي بس أنا كنت غبي ماسمعتش للي جوايا لإن ببساطة فيليب محبش غير آسيا ومتجوزش غير آسيا وملمسش غيرها! الموضوع بالنسبالنا مش منطقي، اعذر فيليب يا جواد هو بس في صدمة إن آسيا لسه عايشه بس صدقني لما يفوق هياخدك في حضنه.
ظل جواد يُطالعه بهدوء وهز رأسه بهدوء وربت أندريه على كتفه بابتسامة:
- Welcome to our crazy family
ابتسم له جواد ابتسامة سطحية وانتبه الجميع عندما نزل فيليب على أدراج القصر وكاد أن يخرج منه أردف جواد بهدوء:
- مش هتلاقيها
التفت فيليب له يطالعه بغضب:
- أنا مش إنت!
ابتسم جواد بإرهاق وأردف:
- تعرف إيه أنا معرفوش؟
- أنا أعرف كتير! وأعرف مين اللي ليه مصلحة في إنه ياخد مراتي مني، الموضوع قديم بس هو لسه صاحي جواه وانا هوريه!
جواد باستفسار هادئ:
- مين؟
أردف فيليب بابتسامة شيطانية مجنونة:
- مش مهم مين! المهم إن أنا هقدر أجيبها! وهوصل لمكانها انت متعرفش أي حاجة عن حياتي أنا ومراتي فماتتدخلش.
- أنا ابنها وده حقي.
أردف فيليب بغضب:
- وأنا جوزها
أردفت شمس بغضب من طريقة فيليب:
- إنت إزاي كده!! إزاي بتعامل إبنك كده كإنه جاي من الشارع؟؟
أردف أندريه بصرامة:
- صوفيا، صوتك ميعلاش على عمك.
صرخت شمس في وجهه وهي تطالعه:
- هو مش عمي! .. وانت مش أبويا! .. انتوا كتر خيركم قعدتوني عندكم لكن أنا .. انا ماليش غير جواد البني آدم اللي هو بيعامله وحش!
- ده انتوا طابخينها سوا بقا؟ طلعتي عارفة تتكلمي مصري وطلعتي عارفة إنه جوزك.
ذلك ماتحدث به فيليب وهو يطالعها بغضب هي وجواد ..
- مسمحلكش.
ذلك ما أردف به جواد بهدوء وهو يطالعه واستأنف بتوضيح:
- شمس عرفت كل حاجة من يومين بس وكانت عايزة تحكيلك بس أنا اللي رفضت كنت مدي لنفسي وعد إني أجيبلك آسيا لحد عندك!
ذلك ما أردف به جواد بصوت مهزوز وهو يطالع والده الذي يطالعه ببرود لثوانٍ معدودة، التفت فيليب لشمس يُجيب على سؤالها:
- عايزة إجابة لسؤالك؟ اللي هو إزاي بعامل إبني كإنه جاي من الشارع؟ أنا هجاوبك .. ببساطة ومش هتكسف منكم، أنا كنت بتمنى أعيش إحساس لما مراتي تيجي تقولي إنها حامل! أو إني أروح معاها عند الدكتور نتابع الحمل! أو إني أشيله بين إيديا بعد ماتولده وأشوفه بيكبر قدامي عيوني! .. *ثم تحدث بغضب كبير* .. انتوا متخيلين إنتوا طالبين مني إيه؟؟ طالبين مني أصدق إن شاب في السن ده يبقى إبني .. لا مش شاب ده داخل على الأربعينات! ومش بس كده! ده الشخص اللي خان ثقتي فيه وسلمني للبوليس وهو بيضحك في وشي!! إنتوا مستوعبين!، دلوقتي أنا مطلوب مني إيه؟؟!!! مطلوب مني أتخلي عن كل أحلامي اللي اتمنيت اعيشها مع مراتي ومبادئي اللي عشت عليها سنين كتير وأصدق وأتعامل إنه ابني وأخده في حضني! ده اللي انتوا متوقعينه!!!!
هز فيليب رأسه بيأس وإرهاق وقام بمسح عبرة خرجت من مقلتيه رغمًا ثم أردف بهدوء:
- أنا آسف يا جواد ماتستناش مني أكون الأب اللي كنت تتمناه! في أقرب وقت لِم حاجتك وارجع لمصر انت ومراتك ..مبقاش مرحب بيكم هنا! أما بالنسبة لآسيا؛فأنا هرجعها بطريقت.
ثم خرج من القصر واستقل سيارته ولاحقه أغلب رجاله الذين يقومون بحراسة القصر .. تنهد أندريه بضيق ثم أردف وهو يُطالع جواد:
- متصدقش كلامه، ده الدمعة فرِّت من عينه بجد؟ هو بس محتاج يهدى ويستوعِب حجم الصدمة اللي هو مش مصدقها أصلا! إنت متخيل من صدمته مصممش يعمل تحليل DNA؟! ده راح جري يدور على آسيا!
ظل جواد يُطالعه بهدوء ثم وجه حديثه لشمس:
- يلا نمشي ياشمس، أنا حاجز أوضة في فندق و....
قاطعه أندريه بإصرار:
- مفيش الكلام ده! متتضايقش من كلمتين فيليب قالهم! اطلعوا بس وارتاحوا متقلقوش شويه وفيليب هيبقى كويس.
هز جواد رأسه وأخبره بمكان وجود جثة السائِق ثم قام أندريه بإرسال باقي الرجال المتواجدين في القصر ليُخفوا آثار الجثة .. صعد جواد وشمس لغرفته وجلس بفراشه وهي بجانبه تُمسك بيده؛ أما هو فقد كان ينظر للفراغ .. لم يكُن يتوقع أن يحدث كل ذلك ولكنه مُحق حتى هو لا يعلم كيف سيتعامل والده فيما بعد أو كيف ستكون الحياة بينهما .. لم يعيشا لحظاتٍ أبوية سعيدة من قبل! .. لديه كل الحق! كيف سيتعامل فيليب معه على أنه ابنه؟ .. تنهد جواد بصعوبة وتقابلت عينيه مع شمس التي وضعت يدها تلتمس وجنته وتبتسم بحب وهي تطالعه وأردفت بهدوء:
- معلش هو بس مصدوم! ده فيليب.
أردف جواد بابتسامة هادئ وأردف:
- لحقتي تقعدي معاه سنة وحفظتيه.
هزت رأسها وأردفت:
- هو حقيقي من أحسن الشخصيات اللي ممكن تقابلها هو بس في حالة صدمة متزعلش منه.
- وأنا مش زعلان .. أنا بس بفكر.
أردفت بحيرة:
- بتفكر في إيه؟
إحتدت ملامح جواد وهو ينظر للفراغ مرة أخرى:
- بفكر آخد حقي إزاي في اللي حبسني تحت المياة.
اعتدل من جلسته وأردف:
- أنا هروح مشوار مهم، هحتاجك تكوني مع أندريه وأنا على أما أرجع يكون فيليب رجع هو كمان.
تحدث بتلك الجملة وهو يقترب من خزانة ملابسه ويخرج ثيابًا نظيفة ليستحم ..
- تمام.
تحركت ببطئ وهدوء نحو باب الغرفة ولكنه أمسكها من ذراعها يقربها نحوها ليقبلها من مُقدمة رأسها ثم أردف:
- متقلقيش عليا أنا كويس.
استندت برأسها على صدره وأغمضت عينيها وبعد عدة دقائق ابتعدت وهي تبتسم بهدوء:
- هستناك.
- مش هتأخر، أوعدك.
خرجت من الغرفة بابتسامة جميلة؛ أما هو فقد دخل الحمام ليأخذ حمامًا منعشًا وبعدها قام بارتداء ثيابه وتحرك بسيارته من أمام القصر .. كانت شمس جالسة مع أندريه الذي يُطالعها بهدوء .. وكانت مُحرجَةً كثيرًا منه وأردفت باعتذار:
- أنا آسفة لو عليت صوتي عليكم .. أنا مستحملتش أشوفه بيعامله كده مهما كان السبب إيه.
ابتسم أندريه وهو يُربت على يدها بحنان أبوي:
- ماتقلقيش هو الموقف نفسه صعب علينا كلنا .. فكل ردود الأفعال اللي حصلت النهاردة دي مش هتفرق قد ما عيلتنا اكتملت.
ابتسمت له بامتنان بينما أندريه تحدث:
- تعرفي ياصوفيا...
طالعته بتنبيه .. وحمحم مستأنفًا:
- تسمحيلي أناديكي بصوفيا.
أردفت بابتسامة:
- مفيش مشكلة، اتفضل.
استأنف أندريه وهو يُطالعها:
- أنا مبسوط جدا من اللي حصل ده، متستغربيش .. بس أنا مبسوط عشان هبقى معاكِ دايمًا.
طالعته بعدم فهم ولكنه أردف مستأنفًا محاولًا التحكم في حزنه:
- أنا لما عاملتك كإنك بنتي فده كان فعلا نابع من جوايا، أنا كان عندي بنتي كانت جميلة زيك كده كانت في سنين حياتها الأولى، بس هي ماتت بسبب مرض خطير! .. ولما شوفتك فكرتيني بيها وقتها حسيت إن بنتي رجعتلي وإني لقيت عوضي فيكِ، فاتمسكت بيكِ كإنِك نجاتي في الحياة، وده الجانب المُظلِم اللي جوايا واللي مش قادر أحكي لحد عنه، بس أنا حكيتلك.
كادت عبراته أن تنزل ولكنه تحكم في ذلك بل كان متأثرًا فقط بالماضي واستأنف:
- عشان كده أنا فاهم إحساس فيليب .. اللحظة اللي حد قريب منك يطلع عايش بعد ما تكوني عيشتي على كذبه إنه مات وأخد روحك معاه بتلاقي نفسك اتجننتي كإنك كنتِ على أمل إنه يبقى عايش فعلا!
هزت شمس رأسها وأردفت:
- فهمت حضرتك.
اعتدل أندريه وأردف:
- أنا محتاج أطلع أوضتي شويه وهنزل على الغداء.
هزت رأسها وبالفعل تركها وصعد لغرفته أما بالنسبة لشمس فقد كانت تشعر بالضيق بسبب ماحدث اليوم بالكامل، تنهدت بثقلٍ وأمسكت برأسها تشعر بألم في رأسها وفي ذات الوقت تفكر في طريقة تساعد فيليب وجواد أن يكونا على وفاق، استفاقت من شرودها ذلك عندما انتبهة على صوت هاتفها يُصدرُ رنينًا مستمر، وأجابت على الهاتف:
- ألو.
- آنسة صوفيا؟
- نعم هذه أنا، من معي؟
- كان هناك طلبًا طلبتيه عبر الإنترنت منذ عدة أيام .. أنا الآن أمام القصر للتسليم.
- حسنًا سأخرج.
خرجت من القصر وأخذت تبحث عن من ينتظرها بعينيها ولكنها لم تجده .. خرجت خارج بوابة القصر تبحث عنه وجدته يقف على بعد مسافة يبدو أنه يتحدث بالهاتف أشارت له واقتربت نحوه وحينما كانت على بُعد خطواتٍ منه .. خرج بعض الرجال من بين الأشجار وقاموا بتكميم فمها حاولت أن تصرخ وتقاومهم ولكن خارت قواها وفقد وعيها.
...............................................
كان جواد يُطرق على باب شقة مجهولٌ صاحبها حتى قام بفتح باب الشقة للطارق وتفاجأ بلكمة قويةً في وجهه، اعتدل إيهاب وهو يُطالع جواد بعدم استيعاب:
- إنت بعدك عايش لهلّق؟!
اقترب جواد منه بغضب وهو يغلق باب الشقة خلفه:
- مفاجأة مش كده؟ مين اللي بعتك يا كلب عشان تخلص مني؟
ولكن إيهاب لم يتحدث وظل يبتعد خطوات للوراء، ولكن جواد اقترب منه يُمسكه من تلابيبه متحدثًا بغضب جحيمي وهو يلكمه مرة أخرى:
- مين؟!!
ولكنه لم يُجِبه وقام جواد بضربه بقوة حتى أصدر إيهاب أنينًا..
- مين؟!!!
ذلك ما هدر به جواد بغضبٍ وصراخٍ مرة أخرى..
أردف إيهاب بألم وهو يٌغمض عينيه:
- ما بقدر إحكي… رح يقتلني إذا عرف إني قلتلك.
- وأنا هقتلك قبله لو ماقولتليش هو مين.
تنهد إيهاب بألم وأردف بنبرة مرتجفة:
- ماتيوس هو اللي كان بدّو يقتلك… واللي فهمتو إنّو ناوي يقتلكن كلكن.
ظل جواد يُطالعه عندما سمع إسم ذلك الشخص! صديق فيليب هو من فعل ذلك!! ... لحظة! إثنان!! ثلاثة!!! حتى استوعب ما فعله ... ماذا فعل؟؟ إن رجال فيليب ليسوا بالقصر! حيث أنهم لاحقوه حيث ذهب! والباقي ذهبوا تبعًا لأوامر أندريه، وشمس وأندريه همُ الوحيدين الموجودين هناك!! لم يُشعر بنفسه سوى وهو يركض خارج الشقة يركض بأقصى سرعته ليركب سيارته ليذهب إلى قصر فيليب.
في ذات الوقت:
كان فيليب يقف أمام قصر ماتيوس يُطالعه بهدوء .. وكان رجاله يحيطون القصر بسرية تامة .. يُملي عليهم حرصهم على مراقبته جيدًا في الفترة القادمة، حيث أنه قد وصل للتو بعدما خرج ماتيوس من قصره مباشرة! .. أغمض فيليب عينيه يتذكر جيدًا اليوم الذي تقابل فيه مع شمس لأول مرة .. طريق الغابة، حيث أن بداية ذلك الطريق يؤدي الى المدينة التي يوجد بها قصر ماتيوس .. أغمض عينيه بقوة يحاول التحكم بغضبه من أن يقتل ماتيوس .. إنه الوحيد المشكوك به الآن لأن يوجد بينهما موقفٌ قديمٌ لم ينساه سيُريه من العذاب ألوان ولكن ليس قبل أن يجد آسيا! .. انتبه عندما آتته مكاملة هاتفيه من أحد رجاله ..
- وصل السيد ماتيوس إلى مكانٍ مجهول الهوية يبدو أنها مصحة نفسية، ولكن أتاه خبرٌ ما حيث لم يُكمل خمس دقائق في ذلك المكان وخرج منه مُسرِعًا.
- أعطِني العنوان.
وبعد عدة دقائق:
كان فيليب يقف أمام تلك المصحة يطالعها بريبة! أمن الممكن أن يجد شيئًا هُنا ذات صِلةٍ بآسيا؟ أخذَ نفسًا عميقًا ودخل المكان يبحث بعينيه عن شيءٍ يَدُلُه عليها.
أخذ يفتح كل أبواب الغرف الموجودة بتلك المصحة ولكنه لم يجد أي شيء! .. صعد للطابق العُلوي وأخذ يبحث في الغرف التي به أيضًا ولكن لا يوجد بها شيء! كلهم مرضى نفسيين بالفطرة! ولكنه انتبه لغرفة متبقية في نهاية الرواق اقترب نحو الغرفة ببطئ شديد ووقع قلبه في قدمه عندما سمع صوت دندنة يعلمها جيدًا .. دق قلبه بعنف وهو يفتح باب الغرفة خائفًا مما سيراه! ... كانت تجلس على كرسيها تنظر للفراغ بملامحها الباهته والتي شاخَت باكرًا عن المعتاد! بسبب ما رأته بحياتها وسوء التغذية كان هو العامل الأساسي لما حدث لها، كانت تدتدن دندنتها المُفضلة والتي حفظتها منذ الصغر .. تلك الدندنه كانت تغنيها قبل رحيلها عنه! .. هو يتذكرها جيدًا يتذكر ضمتها الأخيرة له .. وقعت عينيه عليها ولم يصدق .. إنها هي! إن آسيا موجودة أمامه!! يا الله إن هذا حقيقي!! ارتعش فيليب وهو يقترب بخطوات هادئة لم تنتبه لها حتى توقف بالقرب منها وهو يُطالِعُها بذهول! .. أردف بهمس سمعته .. تعلم صوته جيدًا صوته الذي لم يَغِب تمامًا عن عقلها!
- آسيا.
صُدِمَت عندما سمعته ورفعت رأسها ببطئ وطالعته وأردفت بعدم استيعاب:
- فيليب!
↚
كان يقف أمامها مشدوهًا لا يصدق أنها حية!! كانا يطالعان بعضهما بتعجب وذهول! .. وفي ثانية! مرت ذكرياتهما أمام عينيهما! .. رقصاتهما، ضحكاتهما! وأيضًا تواجدهما بين ذراعي بعضهما .. لم يستطع فيليب أن يسيطر على عبراته التي خرجت من مقلتيه بهدوء وهو يطالع هيئتها تلك، هيئتها الحزينة والضعيفة! .. ماذا حدث لها؟ لماذا جسدها هزيلًا؟! آخر مرة كانا سويًا كانت صغيرة لطيفة جميلة وكثيرة الضحك! .. والآن هي مازالت جميلة ولكنها شاحبة! .. اختفت لمعة عينيها واشراقتها، اقترب فيليب بخطوة نحوها ولكنها اعتدلت بإرهاق من الكرسي حتى توقفت وابتعدت خطوة مماثلة للخلف نحو الفراش بخوف شديد مما جعله يتعجب من ردة فعلها تلك! ولكنه لم يأبه لذلك واقترب أكثر ولكنها صفته بقوة على وجهه ولكنها كانت ضعيفة بالنسبة إليه، وأردفت بصراخ:
- إبعد عني.
توقف ثانية يحاول أن يستوعب مافعلته ولكنه لم يهمه ذلك الأمر، واقترب رغمًا عنها ويضمها بقوة بين ذراعيه لترتفع قدماها على الأرض، كاد فيليب أن يكسر ضلوعها بسبب اشتياقه لها، لأول مرة كان يبكي كالطفل الصغير بنحيب عالٍ:
- آسيا.
ذلك ما أردف به بين بكاءه؛ أما هي فقد كانت تبكي بنحيب وفي ذات الوقت تحاول أن تبتعد عنه ولكنه له يترك لها أي فرصة للخروج من بين ذراعيه لأنه لم يشعر بالعالم حوله، يشعر أنه قد غاب عن العالم عندما ضم الإنسانة الوحيدة التي طالما تمنى أن يراها .. أخد يستنشق عبيرها (يَشتَّمُ رائحتها) وأردف بصوت ضعيف ومُرهق:
– وحشتيني أوي، أنا كنت بموت من بعدك .. محدش يعرف أبدًا اللي أنا مريت بيه في حياتي يا آسيا .. أنا حياتي كانت وحشة أوي من غيرك .. متبعديش تاني أرجوكِ مش هقدر أستحمل أعيش نفس الحياة اللي أنا كنت فيها دي من غيرك .. اااه .. أنا كبرت يا آسيا .. كبرت من غيرك.
لم تتحدث وظلت صامته تبكي في صمت فقط تُعيد ذكرياتها التي مرت سابقًا على مخيلتها من بعد اختطافها وأخذ عقلها يترجم كل ماحدث لها، والذي كان سببه الرئيسي فيليب! زعيم المافيا الروسية!، أغمضت عينيها بقوة تقوم بجمع قوتها .. حينما هدأت موجة المشاعر تلك بداخله ابتعد بوجهه عنها ليطالعها تقابلت نظراتهما .. كان يطالعها بعشق أما هي كانت تطالعه بغضب .. عَقِد حاجبيه بتعجب من ردة فعلها تلك وكاد أن يتحدث ولكنها دفعته للخلف ليبتعد عنها بجسده واستطاعت فعل ذلك وأرفت:
- إنت عايز مني إيه!!!
تعجب من كلماتها تلك! ألا يجدر بها أن تبادله هي أيضًا؟ .. ألا يجب أن تخبره أنها أيضًا اشتاقت إليه؟ .. انتبه عندما استأنفت بصراخ:
- فين ابني؟
طالعها بعدم فهم ولكنها استأنفت بصراخ:
- فين جواد ابني؟؟ عملت إيه في ابني يا فيليب؟
لم يجد فيليب الكلمات المناسبة لكي يتحدث بها لأنه يحاول استيعاب مايحدث في حياته .. الآن زوجته على قيد الحياة! ولكنها تتحدث الآن عن جواد والذي تصفه بابنها! متى أنجبته؟؟ هل هو والده حقًا كما كان يَزعُم من دقائق؟ استفاق من شروده ذلك عندما قامت بضربه بقوة على صدره لعله يجيبها ويُريح قلبها .. قلب الأم المكلوم على ابنها! ..
- انطق عملت في ابني إيه؟
كانت في حالة هيستيريا بسبب غضبها وخوفها على ابنها ولكنه أمسك كفي يديها بقوة يمنعها من استمرارها في ضربها له .. وأردف بعدم فهم:
- آسيا .. في إيه؟
ولكنها نظرت في عينيه بقوة وأردفت بصراخ:
- أنا بكرهك .. ابعد عني متلمسنيش!
صُدِم! نعم صُدِمَ من كلماتها تلك حاول أن تُخرِجَ يداها من قبضته ولكنها لم تستطع لأنه كان قويًا عنها ..
- آسيا، اسمعيني.
تجاهلت كلماته تلك، وأردفت بانهيار:
- أرجوك! سيب ابني عايش أنا مليش غيره .. خد حياتي قصاد حياته .. لكن جواد لازم يعيش.
كان يتعجب من طريقة حديثها تلك .. منذ متى وهي تتحدث هكذا؟ ولماذا تتحدث بتلك النبرة؟ يأخذ حياتها مقابل حياة جواد!! ماذا تظنه؟ ألا تدري أن قلبه عاد ينبض بالحياة لمجرد سماعه أنها على قيد الحياة؟؟ انتبه عندما وضعت مقدمة رأسها على صدره بهدوء وهي تبكي لأنها شعرت بالدوار وقدماها لم تعد تحملانها! .. لقد خارت قواها وجسدها قد خانها وأغمضت عينيها وهي بين ذراعيه
حاوطها بذراعيه لكي لا تقع، طالعها بحُزن بسبب حالتها تلك! .. طالع جسدها الضعيف الهش مرة أخرى! واشتعلت نيران الغضب بداخله بسبب حالتها تلك ومافعله ماتيوس به وبها ويقسم أنه سيذيقه أشد أنواع العذاب لدرجة أنه سيتمنى الموت ولكنه لن يناله.
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
.........................
صعد جواد لسيارته مسرعًا وتحرك من أمام المبنى الذي يبقى به إيهاب وأثناء تحركه كان يحاول الإتصال بشمس ولكنهم لم تُجِب .. تفاجأ باتصال أندريه .. وأجاب بلهفة:
- ألو .. أندريه ..شمس كويسه؟
ولكن أندريه تحدث وهو يلهث:
- في ناس خطفوها من قدام القصر يا جواد! وأنا بجري وراهم بالعربية حاول انت بس تيجي لطريق ****
هز جواد رأسه وتحرك صوب المكان الذي أخبره أندريه به .. كان أندريه يقود سيارته بسرعةٍ كبيرةٍ وهو يلاحق السيارة التي بها شمس .. لا يستطيع أن يفسر المشاعر التي شعر بها عندما انتبه وهو في غرفته أن شيئًا مايحدث خارج القصر ورأى أن شمس يتم إختطافها .. شعر أن ابنته تموت مرة أخرى أمام عينيه لا .. لن يسمح بذلك أبدًا ضغطَ على بدّالة الوقود بقوة فانطلقت السيارة بسرعة حتى أصبح بجانب السيارة التي توجد بها شمس .. طالع السائق بغضب واتجه نحوه لكي يصدمه بسيارته وبالفعل اصطدمت السيارة ولكن السائق تحكم بها وطالع أندريه بغضب وأصبح الإثنان يتسابقان ولكن أندريه أخرج عياره الناري وأخذ يطلق على السائق طلقات متعددة ولكن السائق كان يتفاداها بتحركاته بالسيارة .. تفاجأ أندريه بالسيارات السوداء التي خرجت في منتصف الطريق وأصبحوا يلاحقونه هو .. استطاع السائق أن يبتعد بالسيارة عن أندريه الذي كان ينظر لكل السيارات التي تحاول أن تحيطه .. تقدمت سيارة لتصبح أمام أندريه وواحدة بجانبه الأيمن وأخرى عند جانبه الأيسر وواحدة رابعة خلفه .. يشعر أنه قد حُوصِرَ تمامًا .. فكر بضيق قليلًا ثم قام بمد ذراعه اليُمنى للمقعد الخلفي لكي يحمل أحد بنادقه يضعها على بدالة الوقود ويثبت وقوفها على البدالة من خلال كرسيه، وقام بأخذ أحد الأربطة وقام بربطها بعجلة القيادة وبجزءٍ من السيارة لكي يقوم بتثبيت السيارة على الطريق لكي لا تنحرف .. انتقل من كرسي القيادة وقام بتدخين سيجاره البُنِي وابتسم وهو يحمل رشاشين بيديه وصعد لسقيفة السياره بمنتصف جسده وذلك عندما فتح نافذتها العلوية، أخذ يطلق النيران على السيارات من حوله وأيضًا كان يُصيبُ الرجال الذين يحاولون إطلاق النار عليه .. كان صامدًا وهو يقوم بتفجير السيارة التي كانت تسير خلفه، ابتسم بشر والسيجار في فمه وعاد يقوم بإطلاق النيران على الرجال الذين يحاولون قتله في السيارات الأخرى ولكنهم لم يصمدوا وانحرفت السيارات عن الطريق بسبب موت سائقيها وانفجرت إحداهما أيضًا والثالثة انقلبت رأسا على على عقب بعدما انحرفت عن الطريق أيضًا .. التفت أندريه وهو يطالع السيارة التي تسير أمامه والتي تبقت بعد أن سارت مسافة بعيدة عن السيارات المتبقية .. كاد أن يُطلق النيران عليها ولكنه انتبه للسيارة التي خرجت من طريق جانبي وأخذت تسير في الطريق بجانب سيارته .. كان بها طفلين يجلسان في المقعد الخلفي ويبدو أن والدتهم من كانت تقود السيارة كانت جميلة! بأعينها الدامعتين تلك! فيروزتيها رائعتين .. شعرها الأسود كان يطير خلفها بسبب الهواء .. طالعها أندريه أثناء سير سيارتها بجانبه وانتبهت له وهو يبتسم لها ويقوم بالإشارة لها بيده بـ*مرحبًا*، كان الأطفال يُطالعانه بانبهار فقد كان ذلك الرجل في هيئة بطلٍ من أحد الأفلام الأكشن التي يشاهدونها:
- يا الله إن لديه عضلات ضخمة! أريد أن أُصبح مثل هذا الرجل يا أمي.
كانت تُطالعه بين عبراتها ولكنها لم تهتم وأغلقت زجاج سيارتها استفاق أندريه عندما أطلق أحد الرجال الرصاص على سيارته .. جز على أسنانه بغضب والسيجار في فمه وخاصة عندما رأى أن الأطفال قد انتبهوا لما يحدث، رفع رشاشَهُ مرة أخرى وقام بالتصويب على الرجل وأصابه في كتفه، وبسبب صوت طلقات النيران تلك خرجت السيارة التي كان بها الأطفال عن الطريق خوفًا مما يحدث .. وتوقفت الأم بالسيارة بجانب الطريق تُطالعه بذهول وخوف.
أردف أندريه بصوت عالٍ بجملة يقصد وهو يرفع ذراعًا لها يودعها:
- سأعود بعد قليلٍ يا جميلة!
تحدثت بذهول وعدم فهم:
- يا الله ... لقد كَثُرَ المخلتون عقليًا تلك الأيام!
وعاد أندريه يُطلق النيران على السيارة التي تسير أمامه حتى انحرفت عن الطريق وانفجرت ..أخرج السيجار من فمه وهو يأخذ نفسًا عميقًا .. وطالع الطريق حوله كانت السيارة التي بها شمس قد اختفت تمامًا، الأوغاد! .. لقد ألهوه تمامًا عن اللحاق بها.
نزل من سقيفة السيارة وعاد لعجلة القيادة يُزيل البندقة وأيضًا الأربطة وأخذ يُهدئ سُرعة السيارة رويدًا رويدًا .. وعاد بالسيارة مرة أخرى حيث يوجد أحد الرجال الذي استطاعوا الخروج من السيارة الأخيرة قبل أن تتفجر بصعوبة وتوقف أمام الرجل المُلقى أرضًا ويلفظ آخر أنفاسه .. وضع أندريه السيجار في فمه مرة أخرى وحرك جسده بقدمة لكي يصبح على ظهره وتحدث:
- إلى أين تأخذونها؟
كان الرجل يطالع السماء بصمت لا يجيب؛ فزمجر أندريه بغضب:
- هيا يا أحمق، إفعل شيئًا صحيحًا قبل أن تموت؟!
ولكن الرجل التقط آخر أنفاسه ولم يُخبره عن أي شيء .. أغمض أندريه عينيه بغيظ وهو يزمجر:
- أوغاد!
انتبه لهاتفه الذي يُصدِرُ رنينًا عاليًا:
- أيوه يا جواد! اطلع قدام شويه هتلاقيني علطول.
انتبه أندريه للسيدة التي تقف وبجانبها طفليها وتتحدث في الهاتف يبدو أنها تطلب النجدة .. عَقِدَ أندريه وتساءل:
- هل ضايقها أحدٌ في شيء؟!
اقترب نحوها ووجدها تعود للخلف وهي تقوم بإخفاء أطفالها المبهورين به خلفها، أخذت شيئًا ما بالسيارة وأمسكت بعصا بيسبول تلوح بها بخوف حقيقي:
- لا تقترب! سأقوم بضربك!
طالع أندريه عصا البيسبول بسخرية ثم طالع الرشاش الذي بيده وأردف وأخفاه خلف ظهره:
- لا تقلقي يا جميلة! إن حربي ليست معكِ.
خرج طفل من خلفها وهو يقول بحماسٍ شديد:
- أمي، إن هذا الرجل رائع أريدُ أن أُصبِحَ مثله!
ابتسم أندريه وغمز له بعينيه مردفًا:
- إذًا ستُصبح بطلًا في المستقبل يا صغيري ولكن إحذر أن تقترب من المسدسات والرشاشات إنها خطيرة للغاية فهي ليست لعبه!.
عاد أندريه للسيارة عندما انتبه لاقتراب جواد نحوه وقبل أن يركب التفت لها مرة أخيرة وقال بابتسامة جانبية:
- في المرة القادمة عندما نتقابل ستكون الزهور بيدي وليست الأسلحة يا جميلة!
تحرك بسيارته وهو يشير لجواد أن يلاحقه .. حتى توقفا أمام مفترق طٌرق .. قام أندريه بفتح نافذة سيارته وتحدث بصوتٍ عالٍ لكي يسمعه جيدًا:
- أنا واقف هنا مش عارف أنهي طريق اللي العربية دخلت منه.
كانت ملامح جواد غاضبه بسبب ماحدث! ...
- هروح أنا الطريق ده وانت روح التاني.
هز أندريه رأسه وتحرك الإثنان في الطريقان المختلفان لعلهما يجدا شمس.
....................................
كان فيليب يجلس في سيارته في المقعد الخلفي وبين ذراعيه آسيا الغائبة عن الوعي، كان يضمها بقوة ويملس على وجهها برفق .. يُقرب أنفه من أنفها ليتنفس أنفاسها .. أغمض عينينه وهو يستند بجبهته على خاصتها وأردف بتنهيدة مؤلمة:
- اه يا آسيا!
أمسك بهاتفه ليسأل رجاله عن مكان ماتيوس ولكنهم أخبروه بأنه لا يوجد له أثر! لقد اختفى أثناء مراقبتهم له .. حاول التحكم بغضبه ولكنه لم يستطع وألقى السُبَاب بحقه وأصبح يُقسم بالكثير حينما يتقابلان .. وذلك سيكون قريبًا جدًا فلن يهرب منه ماتيوس طويلًا! انتبه عندما وجد الكثير من محاولات الإتصال التي آتته وجدها من أندريه! قام بالإتصال به وصُدم عندما علم بما حدث لشمس .. فرك وجهه بضيق وطالع آسيا مرة أخرى ولكن بحزن!
......................
في المساء:
ظلام! مكانٌ هادئٌ يسوده الظلام فقط ولكن يخترق ذلك الهدوء صرخات شمس القوية لكي يسمعها أحد ولكن لا حياة لمن تنادي!
لم تكن تستطيع أن ترى أمامها فالمكان مُظلِمٌ كثيرًا، تحاول أن تُحرر قيدها من تلك السلاسل الحديدية التي هي مقيدة بها ولكن يبدو أنها مُغلقة بإحكام! .. سمعت صوت أقدام تقترب نحوها ولكنها لا تعلم من أين تأتي تلك الأقدام، تفاجأت بالباب الذي فُتِحَ في سقيفة الغرفة ونزل على أدراجه رجل يبد أنه في الستين من عمره! وأردف عندما أصبح أمامها بعدما أضاء مصباحًا صغيرًا في الغرفة مما أظهرلها أنها موجودة في قبو!
أردف ماتيوس بابتسامة:
- مرحبًا بكِ صوفيا .. أو أقول مرحبًا بعودتكِ شمس!
طالعته بعدم فهم فهي لم تراه قبلًا! حاولت أن تعصر ذاكرتها قليلًا وتذكرت أنها رأته قبلًا في صورة مع فيليب منذ الصغر! هل .. هل يكون صديقه! .. ابتسم ماتيوس بشر عندما لاحظ نظراتها المرعوبة تلك! .. وأردف:
- هل تتذكرين ما كان بيننا، عزيزتي؟!
كان تُطالعه دون فهم! لا تستطيع أن تتحدث فهي مذهولة من تلك الصدمة! لقد خطفها صديق فيليب! ..
- يبدو أنكِ لا تتذكرين ولكن لا بأس سأقوم بتذكيرك.
ذلك ما أردف به ماتيوس وهو يُخرِجُ جهازًا صغيرًا من جيب قميصه ..
- أحب أن أُعرفك بأحدث أجهزة المخابرات الروسية! .. جهازٌ قادرٌ أن ينسيكِ من أنتِ وقادرٌ على إعادتها لكِ أيضًا.
همهم ماتيوس مُخبرًا إياها:
- بالطبع لديه بعض العيوب هو أنه يترك بعض الومضات في العقل الباطن ولكن لا بأس فهو يعمل بشكل جيد! وأنتِ كنتِ أول تجربة أخوضها بهذا الجهاز! كانت أفضل سرقة سرقتها من أحد ضباط المخابرات الذين قتلهم بيداي!.
ثم طالعها بخبث وأردف:
- حان الآن وقت استرجاع ذاكرتك، عزيزتي!
ظلت تصرخ وهو يقرب الجهاز منها حتى وضعه أمام عينيها وقام بتشغيله على وضع معين! توقفت للحظات تسترجع كل ذكرياتها بداية من طفولتها حتى يوم محوه لذاكرتها بذلك الجهاز أيضًا .. ابتسم ماتيوس بشر عندما رأى نظرة الخوف والرعب عادت لعينيها مثل آخر مرة تقابلا بها وأردف:
- حسنًا عزيزتي فلنُكمل ما كُنا قد توقفنا عنده سابقًا منذ سنة!
بكيت بقهر وصرخت بقوة:
- لا .. لا .. لا .. جواد!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
↚
وصل جواد الى نهاية الطريق الذي سلَكَهُ ولكنه لم يجد أي أثرٍ لها! .. انتبه لرنين هاتفه وكان أندريه المُتصِل:
- لقيتها؟؟
تحدث جواد بخيبة أمل:
- لا ملقتهاش!
تنهد أندريه وهو يغمض عينيه بضيق وأردف:
- أنا جايلك طيب.
أغلق جواد معه وقام بضرب المقود بغضب كبير، يشعر العجز لأنه لا يستطيع إيجادها هو حتى لا يعلم أين يُمكن أن تكون! .. أتى على باله فكرة ثم قام بالتواصل مرة أخرى مع أندريه:
- أنا خلاص مقرب عليك.
ولكن جواد تحدث:
- إيه الأماكن الخاصة بماتيوس ده؟ يعني ممكن يبقى موجود فين؟
صمت أندريه يفكر قليلًا ثم أردف:
- مش عارف، بس فيليب هو كان أقرب حد لماتيوس .. ممكن يبقى عنده إجابة السؤال ده بس فيليب مش بيرد عليا من ساعة ماكلمته آخر مرة فمش عارف أوصله!
- خلينا طيب نجرب نروح بيته؟
- تمام يلا بينا.
قام جواد بقيادة سيارته ليتقابل مع أندريه في الطريق ويذهبا سويًا لمنزل ماتيوس؛ أما بالنسبة لفيليب فقد كان يجلس بجوار آسيا بفراشه في القصر يُطالع ملامحها جيدًا وأيضًا يُطالع هزل جسدها لا يصدق حتى الآن أنها أمامه! .. اقترب نحوها بهدوء وقام بلمس وجنتيها بيده يعبر عن إشتياقه لها ولنعومتها اقترب بأصابعه نحو شفاهها الزرقاء والتي كانتا ذات لونٍ زهري في الماضي! .. طالعها بحسرة لا يفهم شيء فقد توقف عقله تمامًا يريد أن يعلم منها كل شيء .. استفاق من شروده على انتفاضة من آسيا وهي تبتعد عنه عندما شعرت بلمساته وأردفت:
- ابعد عني.
أردف فيليب وهو يرفع يديها الإثنين يعبر عن استسلامه:
- أنا مش هعمل حاجة! انتي بس وحشاني.
ظلت تُطالعه بغضب مكتوم ولكنه كان يطالعها بحزن وأردف:
- إيه اللي حصل يا آسيا؟ أنا مش فاهم حاجة، أنا حاسس إني تايه.
- كل اللي حصلي ده بسببك أنت .. أنا وجواد حياتنا باقت كده بسببك إنت يا فيليب.
ذلك ماتحدثت به آسيا بصراخ .. لم يكن يستوعب ما تقول ولكنها استأنفت حديثها:
- عايز تعرف إيه اللي حصل بالظبط؟؟؟ أنا هحكيلك يمكن أوجعك لكن وجعك عمره ماهييجي حاجة قصاد وجعي السنين دي كلها.
وأخذت تسرُدُ عليه ماحدث منذ أن قام ماتيوس بخطفها من شقتهما بعدما ذهب لعمله المزعوم .. حتى وجدها! .. ظلت تُخبره بقصتها لكي يتألم فقط .. وقد حققت مرادها! فقد تألم فيليب ولكن ألمه كان يفوق ألمها .. بداية من إحساسه بالذنب وخيانة صديقه له وأيضًا بالعذاب الذي تلقته طيلة حياتها .. وما كسر ظهره أكثر هو علمه باغتصاب ماتيوس لها عدة مرات ولكن لم يكفه ذلك بل كان يريد تعذيب جواد طفله الرضيع ولكن آسيا من قامت بحمايته بجسدها وأخذت كل العذاب بدلًا عنه .. بكى! كان فيليب يبكي بقهر لا يستطيع أن يتخيل المزيد من المعاناة التي عاشتها آسيا والتي كانت تُطالعه وهي تبكي وأردفت بصوت مهزوز:
- عرفت خلاص؟ أنا عايزة ابني .. فين جواد؟
لم يستطِع فيليب أن يتحدث أو حتى ينظُر في عينيها لقد شعر أنه حقيرٌ جدا فكل ذلك حدث بسببه .. اعتدل من فراشه وكاد أن يخرج من الغرفة ولكن آسيا أردفت بصراخ:
- ابني فين يا فيليب؟! عملت فيه إيه؟
ولكن تحدث وهو يُعطيها ظهره:
- متقلقيش ابنك عايش.
ثم خرج من الغرفة والغضب الشديد يرتسم على ملامحه..
في القبو:
شهقت لكي تلتقط أنفاسها بعدما أخرج رأسها من دورق المياة وأردفت برجاء:
- أرجوك!
ولكنه لم يستمع لرجائها وعاد يُغرق رأسها في المياة مرة أخرى .. لم تستطع أن تُحرر نفسها لأنه مُقيدة الجسد تمامًا .. ظل ماتيوس يتصفح هاتفه بيد واليد الأخرى تُمسك رأسها بقوة تُغرقها في المياة .. قام بالتقاط صورة لها وهي في هذا الوضع وأرسلها إلى فيليب وتلك المرة لعب ماتيوس على المكشوف لأنه وصلته أخبارًا أن فيليب قد وجد آسيا وبالطبع علم كل شيء .. أرسل صورتها تلك على رقم فيليب ومكتوب بعدها:
"سأعطيك شمس مقابل آسيا، إنني أنتظر قرارك"
انتبه عندما هزت شمس رأسها بقوة أسفل المياة وأخرج رأسها وهي تشهق بقوة وقرب رأسه منها:
- لماذا تُعافرين في تلك الحياة يا صغيرة؟ إنها لا تستحق كل ذلك.
كانت تلتقط أنفاسها بقوة لأنه لو كان تأخر ثانية واحدة لكانت فقدت حياتها.
- يكفي ذلك اليوم من المياة .. لندخل على مرحلة التعذيب بالكهرباء.
فتحت عينيها على وسعيهما! وسحبها خلفه عنوة عنها حتى توقف أمام كُرسيٌ بالكهرباء .. وقام بفك قيد يدها المعقودة خلف ظهرها وفي تلك اللحظة أمسكت شمس به تلف ذراعها حول رقبته في نية لقتله! .. ضحك ماتيوس بهيستيريا وهو يحاول الفُكاك من قبضتها الضعيفة تلك .. وبالفعل استطاع ذلك وابتعد عنها عدة خطوة .. اما هي ابتعدت بهدوء بقدميها المعقودتان تستند على أحد جُدران القبو .. تحاول فك ربط عقدتهما بيد والآخرى تستند بها على الحائط وهي تُطالعه .. ابتسم ماتيوس بهدوء وهو يُطالعها وأردف:
- لقد أصبحتِ مُختلفة شمس.
كانت تُطالعه وهي تتنفس بسرعة تحاول فك قيدها بسرعة لكي تخرج من ذاك المكان المقزز بأية طريقة .. طالعها وهي تقوم بفك ربط عقدة قدمها بيد واحدة ثم توققت باعتدال تجهز نفسها لوضع الهجوم عليه .. اقترب الإثنان لكي يتقاتلا بيديهما .. كانت شمس ماهرة في الفنون القتالية .. أردف ماتيوس بضحك وهو يتفادى ضرباتها:
- ذاك الأحمق أندريه قام بتدريبكِ جيدًا! إنني منبهرٌ حقًا، ألا تعلمين أنني أكره التحدي يا فتاة؟
- وأنا أكره القذارة مثلك.
أردفت بتلك الجملة وهي ترفع قدمها اليُسرى لتسدد ضربة مباشرة إلى وجهه بكل ما أوتيت من قوة، لكنه أمسك بقدمها واتسعت ابتسماته ببطء وأردف بهدوء:
- ألا يوجد عندكِ ذرة إحترامٍ للكبار يا صغيرة؟؟! كيف ترفعين قدمكِ في وجهي؟
حاولت أن تُحرر قدمها ولكن قبضته كانت كالفولاذ وفجأة سحب قدمها المرفوعة في الهواء بقوة مما جعلها ترتطم أرضًا وارتج جسدها وارتفع أنين مكتوم من بين شفتيها، ثم جاءتها ضربة قاسية على رأسها أدت إلى نزيف قوي في رأسها.
- حقيرة!
تحدث ماتيوس بتلك الكلمة وهو يرمي عصا الهوكي جانبًا وقام بسحب جسدها أرضًا وهو يُمسك ذراعها حتى وصل إلى كرسي الكهرباء وضعها على الكُرسي وقام بتقييدها مرة .. ووضع الجهاز حول رأسها وأمسك بجهاز التشغيل وقام بتشغيله صرخت وهي تستيقظ من غفلتها التي كانت فيها تحاول التماسك .. تقابلت نظراتهما .. كانت تحاول أن تقاوم الكهرباء التي تتعرض لها دماغها وبعد عدة دقائق قام ماتيوس بإطفاء الجهاز مما جعلها تُخفض رأسها .. التمس ذقنها ليرفع وجهها المليء بدمائها .. كانت عينيها خاملة! تتألم؟ نعم تتألم! لقد أرهقها ذلك الحقير .. تشعر أنها شِبهُ مُخدرة بسبب ماتعرضت له من تعذيب .. تحدث ماتيوس بهمس:
- كان ساجد مُحِقَّا، أنتِ تُيقظين السادية التي بداخل الجميع يا صغيرة.
بصقت شمس في وجهه مما جعله يغمض عينيه بتقزز وأردف وهو يُمسك شعرها بقوة مُتجاهلًا صرخاتها وتأوهاتها وأردف بغضب:
- والآن أنتِ تثيرين بداخلي غريزة قتلك.
وقام بضرب رأسها بالكرسي مما جعلها تفقد الوعي وتركها مُكبلة بالكرسي ثم خرج من القبو وأغلق الباب خلفه .. دقائق .. فقط دقائق استيقظت وهي تُطالع غرفة القبو بشرود تتذكر جيدًا هذا المكان .. المكان الذي شهد على تعذيبها مرارًا وتكرارًا منذ أن تم خطفها في يوم زفافها، كانت فتاةً سعيدة لأنها وأخيرًا تزوجت من جواد! .. أغمضت عينيها بحسرة متذكرة حديث أندريه لها منذ سنة!..
منذ سنة وفي ذات القبو:
كانت شمس مُكبلة بسلاسل حديدية في أحد جُدران القبو وشعرها الكستنائي يُخفي نصف وجهها، ولكنها كانت خائفة .. تبكي .. تصرخ فقط بإسم جواد! انتبهت عندما نزل ماتيوس من الأعلى وأردفت بالمصرية:
- أرجوك! خرجني من هنا..
كانت تترجاه ببكاء طفلة .. تحدث ماتيوس بالإنجليزية:
- لا أفهم المصرية يا صغيرة.
تحدثت شمس مرة أخرى بالإنجليزية:
- أرجوك أخرجني من هُنا.
ضحك ماتيوس بهيستيريا وأردف:
- لا أستطيع مع الأسف، يوجد ثأر قديمٌ بيني وبين زوجكِ العزيز جواد وأريد أن أراه يبكي من الألم على فقدانكِ.
أردفت شمس ببكاء:
- ماذا فعل جواد لك؟ إنه ليس شخصٌ سيء.
- فعل الكثير مثل والده عزيزتي لقد أخذا مني كل ما أملك.
طالعته بعدم فهم وكادت أن تتحدث ولكنه استأنف:
- ألا تعلمين يا صغيرة أن جواد يخدعك؟ ألم يُخبركِ عن والدته؟
صُدِمَت عندما أخبرها بذلك ضحك ماتيوس بشر وهو يُطالع ملامحها المصدومة تلك ..
- مسكينة.
اقترب منها أكثر يلتمس وجنتها، حاولت أن تبتعد بوجهها عنه ولكنها لم تستطع لأنها مُكبَلة .. أمسك بوجهها بقوة وأردف:
- هل تعلمين أيضًا أن كل ماحدث لكِ بسبب زوجك؟
كانت تًطالعه بخوف وبكاء واستأنف حديثه وهو يطالعها جمالها:
- كان ساجد محقًا عندما أخبرني أنكِ جميلة.
وسعت عينيها بدهشة عندما سمعت اسم طليقها منه .. ضحك ماتيوس بقوة وأردف:
- ألا تعلمين يا صغيرة أنني أنا من أمرتُ روما وساجد بالتقرب منكِ؟ وذلك ليس لأجلكِ بالطبع ولا حتى لأجل والدكِ طيب القلب، أنا كنتُ أريدُ تدمير أي شيء يخصُ فيليب فأنتِ زوجة ابنه الذي لا يعلم بوجوده من الأساس، أو بمعنى آخر كنتِ أنتِ الفتاة التي أحبها طيلة حياته فلما لا أؤلمه قليلًا عليكِ؟
لم تستطع أن تتحدث لأنها تشعر أنها في متاهة دائرية بسبب الحقائق التي تستمع إليها الآن .. تنهد ماتيوس وأردف:
- غيبة روما، تلك الفتاة عاطفتها كانت تؤثر على عملنا فأمرتُ بقتلها لأنني شعرت أنها ستجعلني أخسر ما خططت له لسنوات .. ولكن ساجد طليقُكِ العزيز لم يخذلني أبدًا لقد اخترت أنسب رجالي لكِ يا صغيرة!.
كانت تبكي دون أن تتحدث فكل تلك صدمات كثيرة تتوالي فوق رأسها .. هل كُلُ ما عاشته بسبب جواد! .. تحدث ماتيوس كأنه يقرأ أفكارها:
- بالطبع زوجكِ هو سبب ماحدث لكِ، يكفي أنه ابن فيليب وليس ذلك فقط .. بل أخذ آسيا مني! فقررت أن أُذيقه المر أيضًا بفقدانك.
أغمضت عينيها وهي تتذكر كم تعذبت على يد ذلك المهووس من جلد بالسوطٍ وصعق بالكهرباء .. لقد أذاقها ألوان العذاب وليس ذلك فقط بل لم تكن تأكل! سوى مرتين أسبوعيًا .. كان ذلك المجنون قاسيًا جدًا معها .. كانت في حالة ذُعرٍ دائمًا .. استندت برأسها على الكرسي وشعرها الأسود ملتصق بوجهها بسبب دمائها التي جفت، انهمرت عبرة من مقلتيها وحمدت الله أنها مازالت على قيد الحياة.
كان جواد وأندريه يقفان أمام قصر ماتيوس الخالي حيث لا يوجد أي مخلوقٌ به! ..
أردف أندريه:
- من الواضح إن المجنون ده عرف إننا جايين!
طالعه جواد بغضب ثم طالعا الإثنان المنطقة جيدًا ولكن لا يوجد أثر حتى بعدما دخلا القصر وتفحصاه جيدًا بعدما انتهى الإثنان من البحث انتبها على اقتراب فيليب نحوهما وتلك المرة .. كان غاضبًا! غاضبًا كثيرًا ..
وأردف بهدوء شيطاني:
- أين ماتيوس؟
لم يُجبهُ جواد ولكن أندريه هو من تحدث:
- لا يوجد أحدٌ هنا
أشار فيليب لأحدٍ من رجالة الذين كانوا يراقبون القصر بسرية تامة وتساءل:
- ألم يأت بعدما ذهبت من هنا.
- لا سيد فيليب .. لم يأت وما تفاجأنا به هو أن كل من يعمل بالقصر قاموا بجمع أشيائهم وأخذنا نراقبهم لعل أحدهم يرشدنا إلى مكان تواجده ولكن اتضح لنا أن الكل ترك العمل في القصر .. ظل فيليب واقفًا أمام بملامح مبهمة وظل يفكر في أين يمكن أن يكون .. طالَعَ المنطقة حوله كانت فارغة .. حاول أن يتذكر أي شيء أو أي معلومة ولكن لا لم يستطع .. كان جواد صامتًا لا يتحدث إليه ولم ينظر إليه حتى كل ماكان يهمه هو البحث عن مكان شمس، قلبه كان يعتصر لأنه يشعر أنها تُناديه لكي يأتي إليها ولكنه كان عاجزًا عن فعل ذلك ..
- هنعمل إيه يافيليب؟
ذلك ماتحدث به أندريه وهو يُطالعه ولكن فيليب كان غارقًا في تفكيره .. يتذكر الطريق الذي تقابل به مع شمس منذ عام حينما صدمها بسيارته .. لا بُد أنها مُحتجزة في ذات المكان الذي اختطفت به سابقًا ولكن أين؟ .. اقترب من سيارته وتبعه أندريه الذي أمسك بذراع جواد وأردف:
- مش وقته قَمص دلوقتي! مراتك مخطوفة ولازم نلاقيها.
ركبا سيارة فيليب وتركا سياراتهما، قاد فيليب السيارة بأقصى سُرعة لكي يذهب إلى الطريق المنشود وبعد عدة دقائق توقف بسيارته عندما وصل إلى وجهته وكان بعضًا من رجاله خلفه يستعدون لأي مواجهة من الممكن أن تحدث .. نزل فيليب من السيارة وتبعه جواد وأندريه يسيرون خلفه بين الغابات .. حتى توقف فيليب فجأة عندما رأى الكثير من الرجال يقومون بحراسة منطقةٍ ما بين الغابات! .. اختبأ الثلاثة وهم يراقبونهم .. شغل جواد بالغضب عندما لَمَحَ ماتيوس يتحدث مع أحد رجاله ولكن أندريه أمسك ذراعه يمنعه من الإقتراب .. أما فيليب فكانت حالته مختلفة! كان يُريد شيئًا آخر! إسودت عيناه وهو يُطالع ماتيوس الذي عاد لداخل منزله الموجود بين الغابات .. عاد مرة أخرى وخلفة أندريه وجواد الغاضب والذي لم يتحدث معه بكلمة حتى الآن .. قام فيليب بتجميع رجاله يتحدث في خطةٍ ما ثم عاد يُطالع أندريه وجواد مرة أخرى وأردف بملامح مبهمة:
- هنتحرك يلا.
جهز الجميع أسلحتهم ودخلوا الغابة مرة أخرى يقتربون نحو منزل ماتيوس مرة وقاموا بإطلاق النيران على رجاله وحصلت طلق ناري متبادل مع باقي الرجال المُتبقين وأثناء حربهم تلك نزل ماتيوس للقبو يُحرر شمس من الكُرسي ليُمسك بها ويوجه سلاحه على رأسها .. كانت مغيبة لا تستطيع الوقوف ولكنه كان يُمسكها بإحكام ينتظر نزولهم بابتسامة .. انتهت حرب المسدسات بينهم وبين الحرس وأخذوا يبحثون عن ماتيوس ولكنهم لم يجدونه في المنزل! عقِدَ فيليب حاجبيه بغضب شديد:
- راح فين؟! كان هنا!
- بحثوا عنه في جميع أرجاء المنزل ولكنهم لم يجدوا له أي أثر .. خرج فيليب من المكان غاضبًا وهو يضغط على مسدسه بقوة وتبعه أندريه للخارج أما جواد فقد كان يقف بالداخل ينظر للمكان حوله قلبه يخبره أنها هنا .. إن زوجته وحبيبته هنا قلبه لن يُخطئَ أبدًا .. تحرك بهدوء داخل المكان لعل يوجد به ممر سري خلف الحائط ولكنه لم يجد أي شيء .. تحرك ببطئ في المكان حتى توقف على أرضية فارغة! .. ضغط بقدمه بهدوء وجد تلك الأرضية عبارة عن خشبًا فقط وليست مثل باقي الأرضية في الغرفة .. ضغط بقدمة على الأرصدة مرة أخرى وتأكد بالفعل أن هناك ممر أسفل المنزل! أخذ يبحث في الأرضية عن وجودِ باب خفيٌ به .. حتى وجد مقبضًا صغير بأحد جوانب المنزل .. التفت للخلف ينظر لفيليب الذي يتحدث مع أندريه ولكنه تجاهلهما وقام بفتح باب القبو بهدوء ونزل بداخله وتفاجأ بوجود ماتيوس أمامه وهو يمسك شمس يقوم بتصويب المسدس على رأسها..
- مرحبًا بكَ سيد جواد!
- اتركها.
ذلك ماتحدث به جواد بتحذير ولكنه لم يستمع إليه وظل على نفس وضعه، أردف جواد بغضب شديد:
- أنزل سلاحك ماتيوس.
- لن أفعل.
ذلك ماتحدث به ماتيوس بابتسامة مستفزة وأردف:
- كانت أيامًا جميلة عشناها أنا وشمس سويًا .. واليوم أعدنا الذكريات عندما عادت ذاكرتها، أليس كذلك عزيزتي؟
أردف بتلك الجملة بهمسٍ مسموع ونظراته تتقابل مع نظرات جواد الذي شعر بالغضب ينمو بداخله أكثر ..
همست شمس بصعوبة وهي تطالع جواد:
- جواد، أنا خايفة.
كانت عينيها دامعتان تطالعه بنفس نظراتها عندما كانت صغيرة .. كانت كالطفلة الصغيرة الذي لا يوجد لها سواه ..
انتبهوا عندما نزل فيليب وأندريه للقبو وأردف أندريه بضيق:
- أُترك إبنتي ماتيوس.
هز ماتيوس رأسه نافيًا وأردف وهو يُطالع فيليب:
- أين آسيا فيليب لكي نقوم بالمبادلة؟
في تلك اللحظة طالع الجميع فيليب الذي يُطالعه بهدوء شديد ولكنه لم يُجِبه أردف ماتيوس بغضب:
- قُلت لك أين آسيا؟
- في جَيْبِي!
ذلك ما أردف به فيليب باستهزاء وهو يُطالعه أردف ماتيوس بغضب:
- حسنًا إذا أنتَ منِ إخترت!
دفع شمس أمامه بقوة مما جعلها قريبة منهم وكادت أن تركض نحو جواد الذي ترك سلاحه واقترب نحوها ليضمها بقوة بين ذراعيه ولكن ماتيوس قام بإطلاق النار عليها دون تردد .. ثانية .. كانت ثانية واحدة .. وكان أندريه هو من تأهب لأخذ الرصاصة بدلًا عنها وبالفعل أصابته في صدره وقع أرضًا واقترب فيليب منه بغضب وأخذ يقوم بضربه بقوة دون أن يشعر بالعالم من حوله حتى كاد أن يموت بيديه ولكنه توقف وأمسكه من تلابيبه يتحدث بغضب شديد:
- أُقسم بمن أحلَّ القسم لأجعلنَّك تتمنى الموت في كلِ ثانيةٍ تَمُرُ عليك!
ثم قام بضربه في رأسه جعلته يفقد الوعي ثم ركض فيليب نحو أندريه الذي أُصيبَ في صدره ويحاول أن يتنفس بصعوبة كانت شمس تبكي بجانبه وجواد يحاول أن يساعده على الوقوف اقترب فيليب نحوه أيضًا واستطاعوا أن يجعلوه يقف على قدميه..
فيليب لشمس:
- اطلعي نادي على الرجالة فوق.
هزت رأسها بدون وعي وصعدت للأعلى وأتى الرجال بعد عد ثوانٍ ليحملوا أندريه ليخرجوه من القبو أما بالنسبة لماتيوس فقد قام الرجال بتقييده في أحد جُدران الغرفة بناءًا على أوامر فيليب ..
................................
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
بعد مرور عدة دقائق:
كان فيليب يركض هو وجواد بجانب النقالة التي تحمل جسد أندريه الغائب عن وعيه حتى دخل غرفة العمليات .. وكانت شمس تهرول خلفهم تحاول أن تُجاريهم، توقف الإثنان بالخارج بتوتر وقلق! وأيضًا شمس كانت في مثل حالتهم تلك .. انتبه جواد لحالتها تلك واقترب منها يتحدث بقلق:
- شمس راسك.
ولكنها أردفت بهدوء لتطمئنة:
- متقلقش ياجواد أنا كويسه .. أنا بس قلقانه على أندريه.
- متقلقيش هيبقى كويس، تعالي بس أطمن على جرحك.
هزت رأسها وذهب الإثنان من أمام غرفة العمليات أما بالنسبة لفيليب فقد كان يُطالعهما وخاصة جواد ولكنه التفت مرة أُخرى ينتظر أن يطمئن على أخيه .. يعلم أنها بسيطة ولكنه يريد أن يطمئن عليه لكي لا يتشتت أثناء وجوده مع ماتيوس في الفترة القادمة!
..............................
بعد مرور عدة دقائق:
كانت الممرضات يقُمنَ بتنظيف جرح رأسها وقمن بإلصاق لاصقٍ طبي عليه، تحدث جواد بعد أن خرجت الممرضات من الغرفة:
- ماتيوس قال إن الذاكرة رجعتلك، الكلام ده صح؟
أماءت وأردف جواد بقلق وهو يُطالعها:
- إنتِ كويسه؟
أماءت مرة أخرى بهدوء ثم أردفت وهي تضغط بيدها على يده:
- الحمدلله إني قدرت أتحكم في أعصابي لإني لو معرفتش كان زماني اتجننت لما افتكرت كل حاجة .. زي مايكون أخدت فترة نقاهة في السنة اللي فقدت فيها الذاكرة دي، أنا شوفت اللي يشيب الراس.
أردف برجاء وهو يُطالعها في عٌمقِ عينيها:
- عمل فيكِ حاجة؟
نفت برأسها، قرب يدها نحو قمه ليقبلها وأردف بحزن:
- أتمنى تسامحيني! أنا السبب في كل اللي حصلك.
ظلت تُطالعه بهدوء ثم أردفت:
- مش ذنبك يا جواد .. مش ذنبك.
كاد أن يتحدث ولكن انتبه الإثنان للباب الذي فُتِحَ وكان فيليب من يقف عند الباب:
- مالهوش لازمة وجودكم هنا في المستشفى، أنا هكون هنا جنب أندريه وانتوا خليكم في البيت ..
صمت قليلًا ثم أستأنف بنبرة يملؤها الخذلان:
- مع آسيا.
ثم خرج من الغرفة دون أن يُضيف كلمة أخرى وذهب ينتظر أمام غرف أندريه.. كان جواد يحاول أن يستوعب أن والدته الآن موجودة في قصر والده .. شعر بالتوتر كيف سيقابلها بعد تلك السنوات؟ هل ستَقبلَهُ كما هو؟ هو لم يَعُد طفلها البريء الذي رأته سابقًا انتبه على شمس التي أمسكت بيده وأردفت:
- أنا حاسة بقلقك وتوترك ده .. اللي حصل مكنش بإيدك يا جواد .. تعالى نروح ونطمن على ماما آسيا.
هز رأسه واعتدل بهدوء يمسك بيدها لكي يخرجا من الغرفة تقابلت نظرات جواد مع فيليب الذي كان يقف في آخر الممر الذي هم فيه .. وركبا سيارة أتت لتوصلهما إلى القصر .. كانت تبكي بقوة بسبب ماحدث بينها وبين فيليب .. كيف يفعل بها ذلك؟ طوال تلك السنوات كانت تعيش مخلصة له .. تحبه فقط .. ولكن الآن اكتشفت أنها لم تكن تعرفه قبلًا إنه الآن شخصٌ مختلف .. إنه زعيم المافيا الروسية!
انتبهت عندما دخلت فتاةٌ شابةٌ جميلة إلى الغرفة طالعتها آسيا بهدوء وابتسمت ابتسامة شاحبة عندما تذكرتها:
- عزيزتي! هل أنتِ بخير؟
اقتربت منها شمس وهي تضُمُّها بقوة ..
- أنا كويسه.
ابتسمت شمس وهي تُطالعها وتتحدث المصرية بطلاقة ..
- إنتِ مصرية؟
ذلك ماتحدثت به آسيا بتعجب ثم أردفت عندما استوعبت أنها هنا في قصر فيليب:
- إنتي ليكِ علاقة بفيليب؟ تعرفيه؟
كانت شمس تُطالعها وابتسمت وهي تُمسك بيدها:
- اه .. ليا علاقة بيه من قريب كمان.
طالعتها آسيا باستفسار ولكنها استأنفت:
- أبقى مرات ابنه.
عقدت آسيا مابين حاجبيها تحاول أن تستوعب ماتقوله الفتاة .. ولكن قطع تشتتها ذلك هو دخول جواد للغرفة.
- ماما.
انتفض قلب آسيا ينبض بقوة على إثر تلك الكلمة التي لم تسمعها منذ مايقرب الثلاثون عامًا وأخيرًا سمعتها مرة أخرى! .. التفتت تُطالعه بلهفة أمٍ تريد أن تضم ابنها بقوة وقد كان اقترب جواد منها يضمها بقوة .. بكت آسيا قهرًا وهي تبادله بقوة أيضًا ..
- جواد حبيبي
↚
ظلا هكذا لوقتٍ طويل كُلاً منهما يضم الآخر بقوة .. يضُمُ والدته التي حُرِم منها منذُ الصغر وهي تَضم طفلها وعزيزها الوحيد الذي حملته في بطنها تسعة أشهر .. ابتعدت عنه مسافات بسيطة تُطالع ملامحه وجسده لقد كَبُر وأصبحَ رجلاً قويا، وهي تُطالعه هكذا .. بكت .. بكت بقهرٍ وضمته لها مرة أخرى .. كانت تتمنى أن تراه وهو يكبر .. كانت تتمنى أن تحضر كل شيء في حياته! .. دمعت عيناه وهو يضم جسدها الضعيف يا الله لم يَكُن يتخيل أن ذلك اليوم سيأتي وقا قد أتى .. ابتعد عنها بهدوء يقوم بمسح عِبراتها ويقبل يدها ومقدمة رأسها وأردف وهو يطالعها في عمق عينيها:
- ماتبكيش يا أمي، كل حاجة هتكون تمام إحنا خلاص مع بعض ومحدش هيفرقنا تاني.
أردفت ببكاء:
- كنت بتمنى أعيش معاك كل مراحل حياتك يا حبيبي، كنت بتمنى أشوفك وانت بتدخل المدرسة وبعدها الكلية، وتاخدني بإيدي لحد بيت البنت اللي اختارتها عشان نتقدملها، حتى إكليلك! كنت بتمنى أحضره.
صمت جواد يُطالعها بهدوء ثم طالع شمس التي تقف جانبًا وتبكي في صمت ثم اد يطالع والدته مرة أخرى:
- إن شاء الله هعمل فرح قريب نرجع بس مصر بعد ما نظبط كل حاجة هنا وبعدها هتعيشي حاجات جديدة معايا أنا وشمس يا أمي.
أماءت أثناء بكائها، وأخرج جواد صليبها الموجود بجيبه ووضعه على كف يدها..
- كنتِ سبتيه معايا لحد مانتقابل تاني وأديني أهوه برجعهولك، أي نعم معرفتش أرجعهولك في البداية لإني كُنت مُحرج أقولك إن أنا جواد.
طالعته بحب ثم طالعت الصليب وأردفت:
- خليه معاك يا حبيبي.
ابتسم جواد ابتسامة بسيطة وأردف:
- صدقيني مش محتاجُه، ده بتاعك إنتِ وكان أمانه عندي ولازم يرجعلك.
طالعته بعدم فِهم وأخذت تُمسك بيديه تبحث عن شيءٍ ما ولكنها لم تجده أخذت تبحث في رقبته عن أي علامات صليب بها ولكنها لم تجدها أيضًا وأردفت بعدم فِهم:
- أومال فين صليبك؟!
صمت جواد قليلًا ثم أردف بابتسامة هادئة بعدما قبَّل يدها:
- أنا اخترت يا أمي طريقي من البداية .. اخترت الطريق اللي شايف نفسي فيه.
ظلت تُطالعه لدقائق معدودة لا تفهم مايقول ولكنه استأنف:
- في زياراتي المتقطعة لجدتي اللي متعرفش أصلا إني حفيدها كانت دايما بتحكيلي عن بنتها المتوفية وإنها قد إيه عنيده .. وحرة في إختياراتها طالما ده مش هيأذيها .. كانت بتحكيلي قد إيه إنتي حرة في أفكارك وبتعرفي تقرري وتختاري وأظن إني ورثت ده منك يا أمي، عشان كده بتمنى تتقبلي إختياري اللي استحاله يكون في نقاش فيه.
ظلت تطالعه بهدوء ولكنها ابتسمت بحب وقامت بضمه مرة أخرى وأردفت:
- أنا فخورة بيك.
تنهد بارتياح وبعد ثوانٍ ابتعدت عنه وتساءلت بابتسامة وعينيها تلمع ببريقٍ يتذكره جيدًا:
- ماما كويسه وخيلانك كويسين؟
أردف بحب وهو يُطالعها:
- الحمدلله، إنتي بس وحشاهم ولازم نفاجئهم .. لازم يشوفوكي قُدامهم.
أماءت ثم عادت تُطالِعُ شمس التي كانت تقف جانبًا وأشارت لها بالإقتراب وجلست أمامها وقامت آسيا بضمهما بقوة.
..............................
مرت الأيام ومنذ حادث أندريه لم يَعُد فيليب إلى القصر بل كان يبقى بجوار أخيه في المشفى حيث كان في غيبوبة وظل بجانبه حتى استفاق أندريه وأصبح بخير .. كان فيليب يجلس على كرسي بجانب سرير أخيه في المشفى والممرضة تضع الطعام بجانب فراشه وكادت أن تخرج أردف أندريه بمزاح:
- تعالي أطعميني صغيرتي.
التفتت الممرضة له وأردفت بابتسامة:
- أعتذر أنا لا أُطعِمُ الأطفال.
ثم خرجت من الغرفة وأردف أندريه بضيق:
- كيف تتحدث معي هكذا؟
كان فيليب يُطالع أخيه بابتسامة ولم يتحدث:
- لماذا تضحك الآن فيليب؟! هل أعجبتك مُزحتها؟؟
تحدث فيليب بابتسامة:
- عزيزي لماذا تشعر بالضيق هكذا؟ رفقًا بأعصابك يمكن لمكان الرصاصة أن يُفتح والأطباء مشغولون تلك الفترة لن يقوموا بمعالجتك مرة أخرى.
ظل أندريه يُطالعه وهو مضيق عينيه نحوه ولكن أردف:
- كيف حال الجميع؟
أردف فيليب بلامبالاة:
- أعتقد هُم بِخير، كانت صوفيا تأتي أثناء غيبوبتك لتطمئن عليك وترحل هي وزوجها.
صمت أندريه قليلاً ثم استأنف:
- وذاك الحقير؟
طالعه فيليب بهدوء ولكنه لم يُجِبه..
- أجبني أخي، أين ذلك الحقير؟
- إن ذلك الحقير سيعيش نفس ماعاشته آسيا .. من الممكن أن أبدأ عملي معه اليوم أو غدًا.
- لماذا تبدو هادئًا هكذا أخي؟
أردف فيليب بابتسامة شيطانية:
- لأنني لن أرحمه.
أماء أندريه بهدوء ثم انتبه لدخول أحدٍ للغرفة .. كانت هي! نفس السيدة التي كان معها طفلين عندما كان رجال ماتيوس يُطاردونه
- أنتِ هي!
ذلك ما تحدث به وهو يُطالعها بذهول ولكن تلك المرة كانت ترتدي زيًا طبيًا هل هي طبيبة؟! ولكنها لم تُعطِ أي ردة فعل عندما رأته واقتربت نحوه تقوم بفحص جرحه .. وكان فيليب يُطالع ذهول أخيه عندما رأى الطبيبة .. التفتت الطبيبة عندما لفيليب تتحدث إليه:
- إنه بخير يمكنه أن يخرج في أي وقت سيد فيليب.
أماء فيليب بهدوء وخرجت الطبيبة من الغرفة .. أردف أندريه بضيق:
- لقد تجاهلتني!
أردف فيليب باستفسار:
- من أين تعرف الطبيبة ماري؟
سرد عليه أندريه ما حدث بالتفصيل أثناء لقاءهما وضحك فيليب بشدة من ماحدث ..
- أضحكتني! ماري تفعل بك كل ذلك أخي!
عقد أندريه حاجبيه وأردف:
- أنا لي حق السؤال الآن، من أين تعرف أنت ماري؟
صمت فيليب قليلًا ثم أردف:
- أتعرف أنطوان؟
فكر أندريه قليلًا وأردف بتذكر:
- ذلك الحقير الذي أعطته المافيا الروسية ديونًا طائلة ثم هرب وترك كل شيء على عاتق زوجته وأطفاله!
أماء فيليب بهدوء وأستأنف أندريه بعدم استيعاب:
- مهلا! هل تلك هي زوجته؟!!!
- أصبت عزيزي.
غضب أندريه وأردف بضيق:
- لا .. لا ديون بعد اليوم على عاتقها .. سأجده وأقتله وأتزوجها بعد ذلك وأنا أعدُك بهذا أخي.
ابتسم فيليب وأردف:
- لا تقلق لقد أزحت الديون عنها وحسابُنا فقط مع زوجها الحقير.
ثم اعتدل فيليب من مقعده وأردف:
- هيا بنا لنخرج من تلك المشفى لقد آلمني ظهري بسبب المكوث بجوارك أصبحت كالعجائز بسببك أخي.
قهقه أندريه وأردف:
- أنت من العجائز بالفعل لكن أنا لا زلتُ شابًا وجميع السيدات يرتمين تحت قدمي .. ولن أرحل من تلك المشفى حتى تُخبرني ماري أنها تحبني.
ابتسم فيليب نصف ابتسامة وأردف بهمس:
- أخرق.
تحدث أندريه وهو يغلق إحدى عينيه ويطالعه بالعين الأخرى:
- لقد سمعتك.
أخذ فيليب يقوم بجمع اشياءه من غرفة أخيه ولكن أندريه أوقفه باستفسار:
- لما لم تًعُد إلى منزلك؟ لماذا بقيت بجانبي؟
التفت فيليب يُطالعه:
- أنت أخي! كيف لي أن أتركك.
قهقه أندريه وأردف:
- فيليب لا يليق بك الكذب! لماذا لا تريد أن تذهب إلى القصر؟
صمت قليلًا ولكنه أردف:
- أنا لستُ جاهزًا لكي أبقى مع كلاهما بعد كل ماحدث .. أنا فقط أحتاجُ المزيد من الوقت، أراك قريبًا.
ثم خرج من الغرفة وهو يحمل حقيبته تحت أعين أندريه الذي يُطالعه بهدوء..
.............................
رواية / ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
كان ماتيوس يصرخ بالقبو لا أحد يُجيبه، كان مُكبلًا بالقيود الحديدية على أحد جُدران القبو، كان يبدو عَطِشًا وجائعًا لقد تركوه هنا لأيام طويلة لم يستطع حسابها بسبب الظلام المنتشر حوله .. انتبه عندما سمع خطوات أحدٍ تقترب نحو باب القبو ..
- أنا هُنا .. أخرجوني من هُنا.
وبالفعل فُتِحَ باب القبو ونزل منه أحدٌ ما وقام بإضاءة غرفة القبو ... تفاجأ ماتيوس بوقوف فيليب أمامه يبتسم له بشيطانية ..
- فيليب!
- مرحبًا بك عزيزي في أسوأ كوابيسك.
حاول ماتيوس ان يقوم بتحرير قيوده ولكنه لم يستطع .. وأردف بصعوبة:
- فيليب أرجوك حررني وسأعطيك ثروتي كلها.
ولكن فيليب ظل يُطالعه بهدوء ولم يُجِبه ولم تتغير ملامحه أيضًا.
- فيليب لا تصدق آسيا .. لقد هربت معي .. هي من أخبرتني بذلك .. إنها لا تُحبُك صدقني .. وهي من تركت جواد وحده لأنها لم تُرد أن يذكرها أي شيء بك .. صدقني فيليب هي من خططت لكل ذلك.
أردف فيليب بهدوء قاتل:
- لا يهمني.
طالعه ماتيوس بصدمه ولم يستطع التحدث ولكن بعد عدة ثوانٍ أردف بعجزٍ ووهن:
- يبدو أنك لا تصدقني ولكن يجب أن تعلم أنني جائع وأشعر بالعطش .. والأكيد أنك لن تترك صديقك هكذا صحيح؟
ظل فيليب يُطالعه بابتسامته تلك ثم أردف:
- بالطبع عزيزي يجب أن تتغذى جيدًا لكي يقوى جسدك على تحمل ما ستراه.
ثم قام فيليب بالتصفيق بيده بهدوء جعل أحد الرجال ينزل للقبو بيده كوب ماء وصحنٌ به طعامٌ قليلٌ جدًا، ووضع الرجل كل ذلك على الأرض أمامه.
أردف فيليب بنصف ابتسامة:
- فلتأكل.
- قم بفك قيودي لكي أستطيع أن أأكل.
- لا فلتأكل كالكلاب عزيزي .. حاول أن تقرب فمك من الصحن والمياة ولا تقلق فإن القيود طويلة كفاية لكي تجعلك تتحرك في مكانك بحرية.
طالعه ماتيوس ولكنه لم يتحدث وظل ينظر للطعام القليل والمياة التي في الكوب قليلًا ولم يتحمل جوعه وعطشه ورضخ ونزل يقوم بلعق المياة والطعام .. ابتسم فيليب بشر عندما حقق أول انتقام في بحر الإنتقام الذي يريد تنفيذه في حق ذلك الحقير الذي دمر حياته وأخذ منه أعز مايملك .. عندما انتهى ماتيوس من الطعام اعتدل في وقفته وأردف فيليب بابتسامة هادئة وهو يُشمر عن ساعدية:
- والآن لنريحك قليلًا.
كاد ماتيوس أن يتحدث ولكن أوقفه لكمة فيليب القوية له وظل يلكمه في وجهه ويسدد الضربات في جسده حتى معدته مما جعل ماتيوس يتقيأ ما أكله منذ لحظات أمسك فيليب بثيابه يقوم بجعله يعتدل ليقف قبالته وأردف بسخرية:
- من أين نبدأ الآن! لم يُعُد في وجهك مكان يمكنني أن أقوم بضربك فيه! فلننتقل إذًا للجزء المحبب على قلبك ماتيوس والذي تفعله مع جميع ضحاياك.
اقترب نحو سوطٍ مُعلقٌ على الحائط وأردف بإعجاب زائف:
- سوطٌ مصنوع من أرقى أنواع الجلد في العالم يالك من سادي مخبول أيها الحقير.
آخر كلمة تلك خرجت منه بنيرة غاضبة وقام بجلدة بقوة على جسده ولم يحسب عدد الجلدات بل قام بجلده يريد أن يُخرِجَ مشاهد تعذيبه لزوجته من عقله ولكن لا .. إن الأمر يزيده إصرارًا في تعذيبه أكثر.
- سأجعلك تتمنى الموت ماتيوس ولكنك لن تناله أبدًا.
كان ماتيوس يصرخ بقوة من ألم جسده بسبب السوط الذي يصيب كل أجزاء جسده حتى وجهه وبعد عدة دقائق كان فيليب يتنفس بصعوبة بسبب المجهود الذي قام به .. ورمى السوط حانبًا عندما رأي أن ماتيوس كاد يفقد الوعي، اقترب منه وهو يصفعه على وجهه صفعات خفيفة:
- لا لا استيقظ عزيزي .. نحن فقط في البداية .. أنت لم ترى شيء بعد.
قام ماتيوس بفتح عينيه وأردف بصوت متقطع:
- إنها تكذب فيليب، أتصدق فتاة تعرفت عليها وتزوجتها خلال أشهرٍ بسيطة! .. أما أنا صديقك منذ مايقرب أربعين عامًا لا تُصدقني؟
أردف فيليب بغضب شديد جدا:
- لا أريد الإستماع لحديثك عن الماضي إنما أريدُ فقط الإستمتاع برؤيتك تتعذب ماتيوس والآن.
أمسك برأسه ليجعله يعتدل في وقفته وأخذ ينظر حوله ووجد دلوًا كبيرًا من المياة وقرب رأسه من ذلك الدلو يُغرقه فيه .. ظل مثبتًا يده على عنقه يمنعه من رفع رأسه حتى شعر أنه يموت سحبه ليرفع رأسه من المياة وهو يتنفس بصعوبة ويسعل بشدة .. كاد أن يموت حقًا وأردف بصوت متقطع:
- فيليب .. أرجوك! صدقني .. سأفعل كل ماتريد ولكن اتركني.
- لا لا لا عزيزي ماتيوس! كيف لي أن أترك صديقي الذي بيننا سنواتٍ كثيرةٍ هكذا بعد الذي فعله بزوجتي؟!
واستأنف بغضب شديد:
- هل نسيت نفسك يا هذا.
وقام بإغراقه مرة أخرى في الدلو وظل فيليب يعذبه هكذا حتى انتبه لنزول أحدٍ في القبو ولم يكن سوى جواد الذي تحدث بضيق:
- أظن كفاية عليك كده.
طالعه فيليب بغضب وكاد أن يتحدث ولكن جواد قاطعه بابتسامة:
- الدور عليا.
كان جواد يُمسِك في يده سكينًا وابتعد فيليب عن ماتيوس الذي رفع رأسه من المياة يتنفس بصعوبة ويُطالع جواد الذي يقترب نحوه وهو يُمسك بالسكين ..
- لطالما أردتُ قتلك ياحقير بسبب ماجعلتني أشعر به ولكن لا .. إن قتلك لن يُفيدني بشيء بل يجب أن تبقى على قيد الحياة لكي أجعلك تُعاني.
كاد ماتيوس أن يتحدث ولكن جواد قام بقطع أصابع يده اليُمنى وطعنه عدة طعنات في قدمه ورمى السكين جانبًا وقام بضربه بقوة وهو يتخيل عذابه لشمس وصرخاتها بإسمه أثناء غيابه ظل هكذا يقوم بضربه بقوة في جميع أنحاء جسده حتى فقد وعيه وابتعد عنه جواد وهو يلهث بقوة وتقابلت نظراته مع فيليب الهادئ.
- بتبصلي كده ليه؟
- إيه اللي جابك؟
- جاي آخد حقي.
ظل فيليب صامتًا يُطالعه:
- بس أنا مش مرحب بيك هنا! .. ده حقي أنا ... حقي أنا وبس! .. حقي على السنين اللي ضاعت دي كلها وعلى الحياة اللي راحت مني! وعلى كل حاجة المفروض كنت أعيشها مع مراتي وابني .. اتفضل يا جواد ارجع أقعد مع مامتك أكيد هي محتاجالك.
أردف جواد بغضب:
- أنا مش عيل صغير عشان تؤمرني!
طالعه فيليب بهدوء وأردف:
- عندك حق! إنت فعلا مش عيل صغير .. أنت راجل كبير وعاقل؛ فبراحتك .. اعمل اللي تعمله.
ثم التقط فيليب السكين وقرب الدلو أكثر نحو ماتيوس.
- هتعمل إيه؟
ذلك ما تساءل به جواد عندما رأى أن فيليب يرمي بالمياه التي في الدلو على ماتيوس .. مما جعله يفتح عينيه برعب أردف فيليب بابتسامة هادئة وهو يُمسك بالسكين بقوة يُقرِبُها نحو ماتيوس:
- أتمنى يعجبك العرض يا جواد!
أردف ماتيوس بثقل:
- فيليب .. ماذا ستفعل؟! يا صديقي اتركني، أرجوك.
أردف فيليب بنظرة شيطيانية وهو يُطالع ماتيوس في منطقة ما من جسده:
- حقيقةً سأجعلك مخنثًا يا عزيزي .. سأمحي علامة الذكورة الوحيدة بك!
صرخ ماتيوس وهو يحرك جسده كثيرًا يمنع فيليب من الوصول إلى ما يُريد
- يا حُراس!
ذلك ما أردف به فيليب بصوتٍ عالٍ مما جعل العديد من الرجال ينزلون للقبو مسرعين إمتثالاً لأوامره وقاموا بتثبيت ماتيوس يمنعون تحركه:
- أريدك أن تشعر بذلك جيدًا يا عزيزي .. بدون مُخدر .. بدون أي شي! فقط سكين يقطع أعز ماتملك وأنت بكامل وعيك.
أعطى فيليب السكين لأحد رجاله ووقف بجانب جواد يشاهد ما يحدث أما بالنسبة لجواد فقد شعر بالتقزز وهو يرى مايحدث أمامه! .. صرخ ماتيوس بقوة عندما نفذ الرجل ماطلبه منه فيليب وظل يصرخ بقهر وكان ينزف بغزارة
- ارحلوا.
ذلك ماتحدث به فيليب مما جعل رجاله يخرجون من القبو، كان ماتيوس يتلوى من الألم وفيليب يقترب منه بهدوء..
- سأتركك هكذا تتعذب على فقدان أغلى ماتملك حتى أعود لكي أقوم باستكمال عملي معك.
خرج فيليب من القبو وتبعه جواد الذي طالع ماتيوس لمرة أخيرة ..
ذهب فيليب ليشرب كأس ماءٍ بداخل منزل الغابة الخاص بماتيوس واقترب منه جواد الذي أردف بهدوء:
- مش هترجع قصرك؟
طالعه فيليب بلامبالاة وهو يشرب كأس الماء ووضعه بمكانه وظل صامتًا.
- فيليب أنا بتكلم!
- وأنا سامعك مش أطرش.
- أنا محتاج أصلح علاقتك إنت وماما ببعض.
أردف فيليب بتقزز:
- بلاش الأسلوب ده كلمة ماما على آسيا دي مش لطيفة منك أبدًا!
- ممكن أعرف انت ليه بتعمل فيا كده؟
أخذ فيليب نفسًا عميقًا تحدث بهدوء:
- أظن إني جاوبت على سؤالك ده قبل كده.. عشان أنا مش مقتنع بيك كإبن ليا يا جواد! .. أنا معشتش تفاصيل الحياة اللي تخليني أبقى ملهوف عليك! إنت كنت مُجرد صديق أو معرفة إتعرفت عليك في الفترة الأخيرة من حياتي .. بس بعد كده بقيت عدوي يا جواد! لإنك خُنتني، وكمان متطلبش مني أكون أب ليك بعد اللي شوفته منك لإن صعب أنسى خيانتك دي، إنت تحمد ربك إنك لسه عايش.
ظل جواد يُطالعه بهدوء وكاد أن يتحدث ولكن فيليب أوقفه بإشارة من يده وأردف:
- مش حابب أتكلم أكتر من كده! إتفضل ارجع لآسيا ومراتك.
ظل جوا د يُطالعه بهدوء ثم أردف ببرود:
- أنا فعلا مش هتكلم معاك تاني في أي تفاصيل تخص حياتي أو تخصك عمومًا! إنت متستحقش تكون والدي أنا كل اللي يهمني في الموضوع ده والدتي.
ثم خرج جواد من المنزل تحت أعين فيليب الذي قام بكسر الكأس بقوة حينما قام بقذفه بقوة نحو الحائط الذي أمامه ..
..............................
في المساء:
عاد جواد للقصر وبداخله غضبٌ شديد بسبب حديث فيليب له يبدو أنه قد خسر والده بالفعل! لم يكن يعلم أنه والده حقًا لو كان يعلم ذلك لما سلم كل الملفات التي تُدينه إلى الشرطة! .. صعد إلى غرفته يقوم بتجهبز أغراضه لكي يعود إلى مصر ويجبر والدته وزوجته على الرحيل من تلك الدولة!
↚
كانت شمس جالسة في المشفى بغرفة أندريه تُطالعه بهدوء وهو يتناول طعامه .. لا تصدق أن رجلًا بينها وبينه عِشرة سنةٍ واحدة يُمكن أن يُضحي بحياته لأجلها .. ولكنه لم يكن مجرد شخصًا عاديًا بل كان أبًا لها .. على مدار السنة الماضية لم يبخل أندريه بمشاعره الأبوية نحوها وكان يخاف عليها كثيرًا من أي ذئبٍ بشري من الممكن أن يُضايقها .. علمها فنون القتال وأيضًا كيفية استخدام الأسلحة وأيضًا ساعدها على تعلم الكثير من اللغات ..
- غيرتي لون شعرك.
استفاقت من شرودها على كلماته تلك! وأردف بابتسامة هادئة:
- رجعته للونه الأصلي.
همهم واستأنف:
- كده أحلى.
ابتسمت بامتنان ثم قالت:
- شكرا لحضرتك على اللي عملته معايا.
عقد أندريه حاجبيه ورمقها بنصف عين:
- شكرًا! وحضرتك! واحنا من إمتى في بينا الكلام ده؟
- لا مانا خلاص عرفت إن حضرتك مش والدي الحقيقي .. والدي الله يرحمه توفي من سنة.
اختفت ابتسامتها لفقدانها والدها، رمقها بضيق وتحدث بهدوء:
- ماهو من بدري يا شمس وإنتِ عارفه إني مش والدك الحقيقي بس عيشتي معانا على أساس إني باباكي الحقيقي .. ليه متكمليش في كده؟ ولا خلاص عايزة تسيبيني وتمشي!
حمحمت بإحراج:
- هو أنا ممكن أمشي فعلا مع جواد ونرجع مصر.
- مش فاهم؟
قالت بتوضيح:
- جواد بعتلي رسالة من شويه إني أرجع في خلال دقايق عشان هو خلاص قرر إننا هنسافر النهاردة.
ظل أندريه يُطالعها في صمت .. انتبهت للمعة عينيه تلك! .. يا الله هل هو حزين؟ من الطبيعي أو المعروف أن أندريه لا يستطيع التعبير عن مشاعره كل مايعرفه في حياته هو العنف والقتل والمُزاح فقط ليس إلا ..
- برحتك مش همنعك .. من حقك إنك إنتِ وجوزك تعيشوا حياة طبيعية .. بس آسيا المفروض هتفضل هنا مع فيليب صح؟
نفت شمس برأسها مما جعل أندريه يشعر بالضيق الشديد وأردف بالروسية:
- ذلك الحقير، إنه يخسر عائلته.
لم تُعلق شمس على حديثه ولكنها تحدثت معه في ذلك الأمر:
- أنا زعلانة جدا زي مانت زعلان ويمكن أكتر كمان .. جواد عاش حياة صعبة من وهو صغير ومن حقه إنه يعيش مع عيلته بس ده النصيب!
صمتت قليلًا وثامت بتغيير مجردى الحديث عندما رأته قد انشغل بتفكيره قليلاً:
- هتخرج إمتى؟ بيقولوا إنك بقيت كويس.
انتبه أندريه لحديثها ومثَّلَ المرض وتحدث بإرهاق مصطنع:
- لا مين قال كده؟ ده أنا تعبان أوي .. تعبان جدا .. تعبان خالص، حتى بصي...
وضغط على زِرٍ بجانب فراشه مما أطلق أصوات إنذارٍ بالمشفى وأردف بتعجب:
- حلو الإختراع ده! هبقى أستخدمه في البيت عشان لو إتأخروا عليا في الأكل هزعجهم بيه.
قهقهت بسبب حديثه المُضحِك ذلك وانتبهت لدخول فتاة شابة كانت ترتدي زيًا طبيًا ولكنها لم تكن قلقة عليه بل كانت ترمقه بغضبٍ واضح:
- ماذا هُناك سيد أندريه؟!
تحدث أندريه بهيام:
- قوليها ثانيةً.
ولكنها لم تقم بإجابته.. تحدث بجدية زائفة:
- إن جرحي يؤلمني.
رمقته بغيظٍ وأردفت:
- مُزعِج.
ثم اقتربت منه تقوم بفحص جرحه في ذات الوقت أشار أندريه لشمس بالرحيل وتحدث بالمصرية:
- إمشي إنتِ دلوقتي.
قهقهت وهي تعتدل وتحدثت:
- سلام.
خرجت من الغرفة أما ماري فقد كانت تقوم بفحص جرحه والذي قد شُفي تمامًا وتحدثت بضيق:
- لا يوجد شيء أنت بخير .. سوف أُخرِجُ هذا الجهاز من غرفتك.
كادت أن تتحرك ولكنه أمسك بيدها يمنعها ..
- ماري.
التفتت إليه ترمقه بضيق واضح ولم تتحدث ولكن أندريه استأنف حديثه بنبرة هادئة وابتسامة لطيفة:
- لماذا كنتِ تبكين في ذلك اليوم؟
ظلت تُطالعه لثوانٍ معدودة وتحدثت:
- ليس من شأنِك.
- لا شأنكِ من شأني، أنا أعلم قصتكِ جيدًا من أخي وصدقيني إن زوجكِ الأخرق ذلك سينال عقابه مني.
كانت شاردة في حديثه وفي قصتها الحزينة تلك واستفاقت عندما شعرت أن لمسته ليدها ليست لمسة عادية بل كانت كُلها شاعرية! .. نظراته تلك كانت لامعة .. لقد رأت تلك النظرات قبلًا .. عقدت حاجبيها وأبعدت يدها عنه بقوة وتحدثت:
- أعتذر، لدي عملٌ آخر يجب أن أذهب.
لم تترك له مجال للحديث وخرجت من الغرفة؛ أما بالنسبة لأندريه فقد تنهد بارتياح وأردف:
- يومًا ما عزيزتي ستكونين بين ذراعاي أغرقكِ بالكثير من الكلمات العذبة وأحميكِ من أي شيء سيقوم بأذيتك.
ثم اعتدل من فراشه واقترب من شُرفة الغرفة وهو يقوم بالإتصال على أحدٍ ما ..
- جُوِي عزيزي، لم نتحدث منذ وقتٍ طويل .. أعلم أنني لا أتحدث معك سوى في المصالح الشخصية .. أنا أريدُ منك خدمة وأنا على يقينٍ تامٍ أنك ستقوم بها.
ابتسم بلؤمٍ عندما نطق بآخر كلمة .. دخلت غرفة جواد بالقصر واقتربت نحوه وهو يقوم بتجهيز ثيابه ..
- إيه اللي غيَّر قرارك؟
التفت إليها يُطالعها:
- كلامه ليا عبارة عن لُوم! كإني السبب في كل اللي حصل.
اقتربت تجلس بجانبه على فِراشه وأمسكت بيده:
- ممكن تعذره؟ هو واحد في يوم وليلة إكتشف إن مراته اللي كان فاكرها ميته من 37 سنة طلعت عايشه! لا ومش بس كده ده طلع عنده إبن داخل على الأربعينات فطبيعي يبقى مُتفاجيء ومش مستوعب اللي بيحصل.
تنهد بقوة وتحدث بحيرة:
- اقترحي عليا طيب أعمل إيه؟ أنا مش عارف أحسِّن علاقتهم ببعض.
تحدث شمس ببساطة وهي تبتسم:
- تيجي نتكلم مع آسيا نحاول نقنعها يمكن دماغها من ناحيته يلين ونعرفها أسبابه.
ظل يُطالعها لعدة ثوانٍ ثم أومأ ..
- طب يلا بينا.
كادت أن تخرج من الغرفة ولكنه أمسك بيدها يقربها نحوه .. شعرت بالخجل الشديد عندما اعتدل من مكانه وظهر فرق الطول بينهما أمسك بذقنها الناعم ينظر في عينيها ..
- وحشتيني .. أُعذريني لو بقالي فترة مشغول هو بس رجوع أمي شغلني بيها وبهتم بيها ونسيت أهتم.
- أنا عارفة إنت بتحبني قد إيه ومش زعلانة مقدرة اللي انت فيه وطبعا لازم تهتم بيها يعني .. أومال ربنا سبحانه وتعالى هيباركلنا في علاقتنا إزاي؟
كانت عينيه تلمع وتحدث:
- تعرفي .. نفسي نتجوز.
عقدت حاجبيها بتعجب وتحدت:
- ماحنا متجوزين.
- لا .. قصدي نتمم جوازنا.
أصبح وجهها أحمرًا مثل لون ثمرة البندوره وتحدثت بتوتر:
- مش انت قولت قدام آسيا إننا هنعمل فرحنا لما نرجع مصر؟ ممكن نستنى لبعد الفرح.
شعر بخجلها وتحدث:
- أنا كده كده هعمل فرح .. بس ممكن نتمم جوازنا دلوقتي! حاولت أن تبتعد عنه ولكنه أمسك بها بقوة وتحدث بحزن عميق:
- أنا محتاجِك يا شمس، محتاجِك تخففي عني العبء اللي أنا حاسس بيه ده.
وما كان لها سوى أن تخضع لرغبة زوجها لعلها تُخفف عنه قليلًا واستسلمت له قلبًا وقالبًا .. ثم سُحِب الستار برفق، ليحجب ضوء العالم من حولهما.
الليل مرّ طويلًا... هادئًا... لم يكن صخبًا، بل طمأنينة دافئة امتدت بين نظراتٍ مطمئنة، ولمساتٍ تحمل ميثاقًا لا يُقال، ووعدًا أعمق من الكلمات.
وفي آخر الليل، كانت "شمس" تستند إلى صدر "جواد"، تغمض عينيها بطمأنينةٍ وقلبها ينبض لأول مرة بشعورٍ لم تعرف اسمه من قبل... لكنه يشبه أن تجد وطنك بعد طول غربة ... وتلك كانت هي مشاعر جواد أيضًا الذي وأخيرًا ارتاح لأن حبيبته شمس أصبحت بين ذراعيه بعد سنواتٍ كثيرةٍ من المعاناه! تنهد بارتياح وهو يراقب ملامحها الهادئة أثناء نومها كانت تنام بسلام، شفتيها مفترقتين قليلًا، ونَفَسها المنتظم يدغدغ عنقه. .. كم تمنى تلك اللحظة فقط! أن يراها وهي نائمة بين ذراعيه! وها قد تحققت أمنيته .. لم يستطع كبح ابتسامته وهو يطالع وجهها القريب رفع يده ببطء وأزاح خصلة شعرٍ سقطت على وجنتها، ثم تمتم بصوت خافت يشبه الهمس:
- مش مصدق إنك بقيتي ليا!
ظل هكذا يُطالعها بهدوء حتى نام باستسلام وسكينة لأول مرةٍ منذ سنوات كثيرة.
في ظهيرة اليوم التالي:
استيقظت شمس على صوت خافت ينبعث من الخارج، رائحة قهوة طازجة امتزجت برائحة الخبز المحمص؛ ففتحت عينيها ببطء وهي تتحسس الفراش بجوارها ولكنها لم تجده.
اعتدلت في جلستها وشعرها الكستنائي منسدل بخفة على كتفيها، ووجهها لا يزال يحمل آثار النوم ولكنها ابتسمت بخفة عندما جلس جواد أمامها وكان يرتدي قميصًا رماديًا بسيطًا بأكمامٍ مرفوعة، وشعره مبللٌ قليلًا كأنه أنهى استحمامه للتو وأمسك بيدها يقبلها:
- صباحية مباركة يا عروسة .. مش هما بيقولوا كده صح؟
ابتسمت بخجل وتحدثت:
- اه بيقولوا كده.
- طب يلا بينا نفطر يا أحلى عروسة في الدنيا.
طالعت الطاولة الصغيرة الموجودة بداخل الشُرفة، وتحدثت بشهية مقتوحة:
- ده الفطار اللي أنا بحبه.
قبَّل يدها مرة أخرى:
- وهي دي حاجة تفوتني برده! عارفك بتحبي تفاصيل معينة في الفطار فماحبتش أفوتها خالص.
لمعت عينيها وهي تنظر إليه وتحدثت بصوت مهزوز:
- شكرا يا جواد .. شكرا.
قلق جواد من نبرتها تلك وتحدث:
- مالك! إنتِ كويسه؟
أومأت بسرعة وتحدثت:
- اه اه أنا كويسه .. بس ده كتيرعليا.
- دي أقل حاجة أعملها عشانك.
ثم أمسك بيدها ووضعها على موضع قلبه وتحدث:
- اه لو تعرفي القلب ده فضل يحبك قد إيه مش هتصدقي .. بس هتشوفي كل ده الفترة الجاية .. أنا مش هخليكِ محتاجة حاجة.
- توعدني إنك متبعدش عني يا جواد؟
تحدث بصدق:
- عمري ماهبعد عنك يا شمس، أنا مصدقت لقيت روحي.
دخلت بين ذراعيه وهو ضمها بقوة وبعد عدة ثوانٍ تحدث:
- يلا عشان الفطار هيبرد.
ابتعدت عنه وهي تقوم بمسح عبراتها ولكنه قام بمسحها بدلًا عنها وتحدث:
- إياكِ أشوف دموعك دي لإنها غالية عليا أوي.
ثم أمسك بيدها واعتدلت وجلسا بالشرفة يتناولان طعام الفطور وهما يدردشان بسعادة لأول مرةٍ خلال سنوات متناسيان جميع المشاكل لحياتهما فهما اليوم فقط قررا أن يرميا الماضي خلفهما ولو قليلًا .. كان فيليب يقف في مطبخ منزل الغابة الخاص بماتيوس يتناول بعض الطعام ويتجهز ليقوم بتعذيب ماتيوس مجددًا ولكنه انتبه على رنين هاتفه المستمر وأتاه خبر جعله يركض خارج المنزل ذاهبًا في طريقه إلى القصر ..
بعد مرور وقت طويل .. كانت الإثنان يجلسان أمام آسيا يُطعمانها طعام الغداء وهي تتحدث بملل:
- أنا خلاص شبعت مش قادرة آكل أكتر من كده.
عقد جواد حاجبيه وتحدث:
- أمي، إنتِ ما أكلتيش غير كام معلقة.
- معلش يا حبيبي، أنا مش متعودة على طريقة الأكل دي.
تدخلت شمس متحدثة بوجهها المُشرِق:
- إحنا عاوزينك تتغذي كويس .. فلازم تتعودي كل يوم على كمية زيادة عن اللي قبلها.
أمسكت بطنها وتحدثت:
- مش قادرة أكمل صدقوني.
- طب يا أمي آخر معلقة طيب؟
رمقته قليلًا ثم قربت فمها من الملعقة وأطعمها جواد إياها ..
- شطورة.
ذلك ما تحدثت به شمس بابتسامة وابتسمت لها آسيا في المقابل ووجهت حديثها لجواد:
- هنمشي إمتى من هنا؟؟ أنا مش حابة أفضل هنا خالص مش طايقة المكان.
تنهد جواد باستسلام ثم أردف:
- أمي .. أنا محتاج أتكلم معاكِ شويه.
تحدثت بقلق وهي تلتمس وجنتيه:
- انت كويس يابني؟ فيك حاجة؟
تحدث بابتسامة يطمئنها:
- أنا كويس يا حبيبتي متقلقيش بس أنا حابب أتكلم معاكِ عن علاقتك بفيليب.
وهنا حمحمت شمس وتحدثت:
- هستأذن انا.
ولكن آسيا منعتها من أن تخرج..
- خليكِ يا شمس! إنتِ واحدة من العيلة يعني بنتي.
ابتسم جواد بامتنان لحديث والدته وجلست شمس بجانبه مرة أخرى ..
- أنا محتاج أصلح علاقتكم ببعض
ولكن آسيا تحدثت برفضٍ تام:
- لا استحالة .. مش عايزة أبقى مع البني آدم ده .. هو السبب في كل اللي أنا عشته هو السبب في كل اللي حصلنا يا جواد.
حاول جواد تهدأتها وتحدث:
- أنا فاهم اللي حضرتك بتقوليه ده بس هو برده عاش حوالي 38 سنة متعذب! عاش من غيرنا! تخيلي قسوة العذاب اللي عاشهم ده غير إحساسه بالذنب لما عرف إنه السبب في كل ده!!
كادت أن تتحدث ولكنه تحدث بدلًا عنها..
- أمي، أنا لحد دلوقتي ضميري بيأنبني بسبب إن شمس عاشت كل ده من البداية عشان أنا ابنه!! أنا حته منه على الرغم إني معرفهوش ولا هو يعرفني .. إنتِ متخيله حجم اللي أنا فيه!! بس أنا مضطر أتعايش مع الوضع ده! أتعايش مع فكرة إن أبويا هو سبب تدمير حياتي! أنا مراتي اتعذبت وشافت كتير سواء في جوازتها المتدبرة من الزفت ماتيوس! وكمان لما اتخطفت وهو عذبها .. وده في شهور! فيما بالك إنتِ بقا يا أمي .. إنتِ اتعذبتي لمدة سنين! تخيلي إنتِ بقا هو إحساسه عامل إزاي؟؟ أنا مكنتش بنام الليل في غياب شمس يا أمي .. طب هو عمل إيه؟ أو بقى إيه؟ جربي تسألي نفسك وأنا متأكد إنك هتلاقي الإجابة .. فكري شويه وقرري أنا مش هضغط عليكِ نهائي وفي النهاية قرارك يرجعلك ولو عايزة نسافر مصر ونمشي من هنا يبقى من دلوقتي لو تحبي.
ظل ينتظر جوابها ولكنها ظلت صامتة وشاردة في حديثه .. تنهد وأمسك بيد شمس لكي يخرجا من الغرفة ويتركاها تفكر جيدًا .. وعندما خرجا من الغرفة وأوقفته شمس بحزن:
- جواد.
التفت إليها يطالعها ..
- أنا مسامحاك .. أنا عارفة إن إللي حصل مكنش ليك يد فيه .. مش عايزاك تأنب ضميرك أكتر من كده.
طالعها قليلًا ثم تحدث:
- غصب عني ياشمس.
اقتربت منه أكثر تحاول الوقوف على أطراف أصابع قدميها لكي لتُصبح بطوله ولكن كان هناك فرقٌ ايًا وأمسكت بوجنتيه:
- أنا كويسه .. وبخير مش عايزين نفكر في اللي فات وده كان اتفاقنا من النهاردة خلينا نعيش اللي جاي يا جواد ... انا مصدقت إننا بقينا سوا.
كاد أن يتحدث ولكنه انتبه إلى دخول فيليب للقصر وهو يتحدث بقلق وتوتر:
- آسيا فين؟!
لم يستطع جواد أن يُجيبَهُ حيث تم إقتحام القصر من خلال الشرطة الروسية ...
- ارفعوا أيديكم جميعًا.
تعجب فيليب وجواد وشمس مما يحدث وخرجت آسيا من غرفتها عندما سمعت أصوات سيارات الشرطة وأيضًا أصواتهم بداخل القصر، تقدّمت بخطوات بطيئة وقد بدا عليها الذهول من رؤيتهم بينما أحد رجال الشرطة يُلقي بالاتهام نحو فيليب وجواد:
- أنتما الآن رهن الإعتقال بتهمة التورط في قضايا دولية تمسّ أمن الدولة الروسية.
تبادلت شمس النظرات مع جواد بصدمة، بينما عقد فيليب حاجبيه بضيق:
- ما هذا الهراء؟! نحن لا علاقة لنا بأي شيء دولي! هل لديكم إذن قضائي؟! هل تعلم من أنا يا هذا؟!!
لكن الضابط تجاهله وأشار للجنود:
- اصمت أيها العجوز! كبّلوهما.
تقدمت شمس بخوف وحاولت أن تمسك بذراع جواد:
- لا... لا تلمسوه! أنتم لا تفهمون شيء، هو بريء!
لكن أحد الضباط دفعها جانبًا بعنف، مما جعلها تترنح للخلف. صرخ جواد بغضب وهو يتقدم نحوها:
- لا تلمسوها! سأذهب معكم، فقط لا تؤذوها!
صرخ الضابط:
- إلى السيارة حالًا... قبل أن نصعّب الأمور.
صرخت آسيا برعب:
- لا .. لا اتركوا بُني ... اتركوه .. إن بُنَي لم يفعل شيء .. حاولت أن تقترب منهم ولكن دفعها أحد الجنود بعنف مما أوقعها أرضًا صرخ فيليب بغضب وهو يبتعد عن الجنود الممسكون به:
- أيها الحقير.
ثم اقترب من الجُندي وقام بضربه ضربًا مُبرحًا حتى على الرغم من محاولات الجنود الآخرين في إبعاده عنه .. وبعد معاناة وصعوبة أبعدوه عن ذلك الجُندي وهم يكبلون يديه تحت رفضه التام ..
- سأقتله! اتركوني.
صرخ الضابط به:
- أصمت وإلا سأنسب إليك أيضًا تهمة الإعتداء على رجال الأمن.
أخذوهما بصعوبة على الرغم من محاولتهما من الفكاك منهم! .. كانت شمس وآسيا تبكيان بقهر وهما يتابعان خروجهما من القصر ..
أردفت شمس بصراخ وبكاء:
- جواد، ماتسبنيش.
خرج رجال الأمن من القصر وتحركوا بسياراتهم ومعهم جواد و فيليب الصامتين تمامًا بسبب مايحدث.
أخذت شمس هاتفها وهي تضم آسيا أثناء بكائها وأخذت تتصل بأندريه وقامت بإخباره بكل ماحدث لكي يتصرف.
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
....................................
في المساء:
كان فيليب و جواد يجلسان في مقرّ الشرطة، محبوسَين خلف القضبان الحديدية، في صمتٍ ثقيل...
أردف فيليب بغضب وهو يحدّق في جواد بأعينٍ متّقدة:
- شوفت إنت عملت إيه فينا؟!! خيانتك ليا كان ليها تمن... وهو إنك تتحبس معايا!
رفع جواد نظره نحوه ببطء، وعيناه ممتلئتان بالدهشة والوجع،
هل يقصد أن عاصم سلّم الأوراق فعلًا؟! مستحيل!
إنه صديقه، شقيقه الذي لم تلده أمّه، عشرة العمر منذ الطفولة... حتى لو دبت بينهما الخلافات، لا يمكن أن يطعنه عاصم في قلبه هكذا!
ظلّ صامتًا، عاجزًا عن النطق، نظراته معلّقة في الفراغ بشرودٍ قاتل، وكأن روحه تُنتزع ببطء.
أما فيليب؛ فكان يتحرك داخل الزنزانة ذهابًا وإيابًا كوحشٍ محبوس، قبضتاه مشدودتان، وعيناه تشتعلان بالنار.
كبح رغبته في لكمِ جواد مرارًا، لكن صور آسيا لا تفارقه...
لحظة سقوطها على الأرض حينما دفعها الجندي كانت كافية لتمزق قلبه.
زفر بعنف، وأغمض عينيه بقوة يحاول أن يتحكم في غضبه ..
انتبه الإثنان على اقتراب أحد ضباط الشرطة نحوهما.
- هيا فلتخرجا سيتم ترحيلكما إلى السجن.
- بدون مُحاكمة؟!
ذلك ما تحدث به فيليب بترقب وأجابه جواد بسخرية:
- بيقولك بنهدد الأمن الروسي يبقى لازم من غير محكمة.
- اصمتا أنتما الإثنين.
ذلك ماتحدث به الشرطي بصرامه وأخرجهما الجنود من الزنزانة وركبا سيارة السجناء وتم ترحيلهم إلى أحد السجون الروسية المُشددة وتم حبسهما سويًا في غرفة واحدة!
مرت الأيام وظل الإثنان حبيسان داخل ذلك السجن المشدد الحصين الذي لا يفهمان حتى الآن سبب دخولهما إياه! ولم يتحدثا سويًا بل كانا متخاصِمَين .. حاولت شمس الوصول بأي طريقة لهما، لكي تُخرجهما من السجن والتي لا تعلم أين مكانه حتى الآن ولكن لها طريقتها وستستطيع إيجادهما بها .. في يومٍ ما .. كان جواد يأكل طعامه في قاعة الطعام بالسجن بين السجناء وكان فيليب يجلس بمكانٍ آخرٍ غير مكانه يراقبه بهدوء أثناء تناوله للطعام انتبه عندما اعتدل جواد وانتبه أنه قد فرغ من صحنه وكان يبدو أنه مازال جائعًا تابعه عندما تحرك ليُعطي صحنه الفارغ للسجَّان لكي يقوم بوضح المزيد من الطعام به ولكنه اصطدم بأحدهم ..
- ألا ترى أمامك!
رمقه جواد بهدوء وأردف:
- أعتذر.
- لم أقبل اعتذارك.
تجاهله جواد وأكمل سيره ولكن ذاك الشخص اقترب نحوه ..
- أنا أتحدث معك يا هذا!
تجاهله جواد أيضًا، اقترب ذلك السجين ليلكمه ولكن استطاع جواد أن يتفادى لكمته وأخذ الإثنان يتقاتلا وتحمس السجناء بداخل ذلك السجن وأخذوا يطرقون على طاولات الطعام بداخل القاعة .. ولكن لم يكن هناك توافق جسدي تمامًا، حيث أن من يقاتل جواد هو شخصٌ ضخم جدا! كان جواد يحاول فقط أن يتفادى ضرباته .. حيث أن الشخص يقترب ليلكمه بقوة ولكن جواد يبتعد للخلف بسرعه لكي لا يتلقى أي ضربة .. شعر الرجل الذي يهاجمه بالغضب بسبب تفادي جواد لضرباته المستمرة واقترب نحوه يعتمد على بنية جسده وثقله في هزيمة جواد وقام بلكمه بقوة وعلى إثرها نزف فم جواد والذي أعطاه بعد ذلك بعض اللكمات والركلات في معدته ولكن عجبًا ذلك السجين لم يتأثر بأي شيء!! بل كان يقهقه ..
- أنت تدغدغني.
عقِدَ جواد حاجبيه بضيق وكاد الرجل أن يقوم بلكمه صعد جواد بسرعة على إحدى الطاولات بسرعة مما زاد حماس المسجونين صعد ذلك الرجل خلفه وكاد أن يقترب منه ولكن أوقفه صحن فارغ قد قُذِفَ نحوه ..
وأحدهم تحدث بغضب:
- أنت أيها الحقير .. أُتركه وشأنه.
ولم يكن سوى فيليب من فعل ذلك ..
التفت السجين الضخم يُطالعه بغضب:
- أنت أيها العجوز من قمت بفعل ذلك؟
تحدث فيليب وهو يرمقه بغيظ واستفزاز:
- أتتحدث معي أنا يا هذا؟
- ومن غيرك العجوز هنا؟
قهقه فيليب بسخرية:
- سأُريك ماذا سيفعل بك العجوز الآن أيُها الفتى الوقح!
بدأ السجناء يصرخون بحماسة أكبر حينما تقدم فيليب إلى وسط الدائرة التي يُحيطها السجناء المشاهدين، وقد بدا عليه الهدوء المريب، ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة. كانت عيناه مثبتتين على الرجل الضخم، لا يرمش، لا يتراجع.
تقدّم الرجل بخطوات متثاقلة نحو فيليب، وقال بازدراء:
- وماذا ستفعل؟ تكاد عظامك أن تتحطم من نسمة هواء!
لكن فيليب لم يردّ، بل بسط ذراعيه، واستعدّ... ثم أردف بهدوء قاتل:
· جربني إن كنت تجرؤ.
باغته الرجل بلكمة سريعة حينما اقترب منه ولكن فيليب مالَ بجسده الرشيق والممتلئ بالعضلات في ذات الوقت جانبًا متفاديًا الضربة، ثم استدار بسرعة خاطفة ولكمه تحت ذراعه مباشرة في موضعٍ دقيق. تأوه الرجل وارتبك للحظة؛ فاستغل فيليب الفرصة ولكمه مرةً أخرى في صدره، ثم لكمه بقبضة قوية في وجهه، مما جعله يترنح إلى الخلف.
شهق السجناء بدهشة، وبدأوا يصفقون على الطاولات ويلوّحون بأذرعهم في الهواء، وكأنهم يشاهدون نزالًا أسطوريًا.
انضم جواد إلى النزاع مرة أخرى وهو يمسح دماءه من فمه ووقف الإثنان بجانب بعضهما البعض متحفزان لإكمال القتال سويًا .. اقترب السجين بغضب شديد نحوهما متحدثًا بوعيدٍ شديد:
- سأسحقكما سويًا.
لكن في اللحظة التي همّ فيها بالانقضاض، ارتدّت قدماه عن الأرض (أي ارتفعت عن الأرض قليلاً) بفعل ركلة مزدوجة من فيليب وجواد، كانت متقنة وموجهة إلى صدره مباشرة، كأنها جاءت بتنسيقٍ صامت بينهما، فسقط أرضًا مترنحًا وسط ذهول الحاضرين .. اقترب فيليب من ذلك الشخص الذي فقد وعيه وأردف بهدوء:
- ذلك جزاء من يفكر أن يؤذي من يخصني.
ثم التفت لجواد وتحدث:
- إنت لسه جعان؟
لم ينتظر رده وذهب يأخذ صحنًا نظيفًا ويُبعد الرجل الذي يُعطي الطعام للسجناء عنوة عنه، ووضع الطعام بكثرة في الصحن الذي بيده وقدمه لجواد ..
- كمل أكلك.
ثم عاد ليُكمل طعامه هو الآخر في وسط ذهول الحاضرين وبعدها تدخل الضباط في إنهاء ذلك الجمع وجعل الجميع يجلسون أماكنهم .. انتبه فيليب عندما جلس جواد بجانبه وحمحم بهدوء:
- شكرًا.
لم يُجِبه بل ظل صامتًا ولكنه فتح عينيه نصف فتحة وأردف:
- إعدل لياقتك.
قام جواد بضبط ياقته وأكمل طعامه بهدوء وفي ذات الوقت يحاول كتم ابتسامته وكان فيليب أيضًا يفعل ذلك ولكنهما لم يستطيعا وقهقها سويًا لهدة لحظات ثم نظرا لبعضٍ قليلًا وكاد أن يتحدث فيليب ولكن قاطعهما تحدث أحد الضباط:
- السجين جواد، آتتكَ زيارة.
رفع جواد حاجبيه بعدم فهم وفيليب أيضًا فلم يستطيعا أن يصلا لأحد خلال الآونة الأخيرة لأنهما فهما أنهما معزولان عن العالم تمامًا! من ذلك الذي استطاع أن يصل إلى جواد!
اعتدل وتبعهم وكان فيليب يتابعه بعينيه حيث يذهب .. دخل جواد غرفة الزيارة الصغيرة تلك وتفاجأ بوجود عاصم أمامه وتحدث بغضب:
- إنت بتعمل إيه هنا؟
رفع عاصم حاجبيه بدهشة من طريقته تلك وتحدث:
- إنت بتكلمني كده ليه؟
اقترب جواد يمسكه من ياقته بقوة متحدثًا بغضب:
- إنت هتستعبطني؟؟ إنت اللي جايبني هنا يا عاصم .. برده نفذت اللي في دماغك وضريتني!
أبعده عاصم عنه بصعوبة وهو يهندم ملابسه مرة أخرى وتحدث بضيق شديد:
- إنت بتقول إيه! مهما كانت الخلافات بينا يا جواد عمري ما أعمل كده.
- أومال تفسر وجودي هنا إيه؟
- مانا ده اللي جاي عشان أفهمه بعد ما شمس وصلتلي عن طريق صباح دورت عليك من خلال الوزارة ووصلتلك هنا، اللي نفسي أفهمه!! طالما متحاكمتش إزاي يحبسوك هنا!! المفروض تترحل لمصر لو عملت حاجة؟ إنت حبسوك عشان إيه يا جواد؟
دُهِش جواد من حديثه لا يستوعب ما يقول .. إن أغلب كلامه صحيح ثم أردف:
- هما بيقولوا إننا بنهدد الأمن
- عملتوا إيه يعني عشان تبقوا كده؟
ظل يفكر كثيرًا ولكنه لم يجد إجابة .. وأخذ يحدث نفسه ..
- المفروض إن حتى المهمة الأخيرة دي محدش عرف بيها لإن لو حد عرف بيها المفروض كله يكون مقبوض عليه دلوقتي.
ثم رفع رأسه يتساءل وهو ينظر لعاصم:
- أومال مين اللي ليه مصلحة إنه يحبسني أنا وفيليب.
في مكانٍ آخر في روسيا وفي ذات الوقت:
نزل من سيارته وهو يتحدث في الهاتف في بعض الأشياء ..
- حسنًا حسنًا .. ذلك رائع يمكنكَ إخراجهما من الغد إذا .. هل الرجل الذي أبرحاه ضربًا مازال حيًا؟
ذلك ماتحدث به أندريه بانشغال وهو يُخرج باقة ضخمة من الزهور من حقيبة السيارة الخلفية ..
- أوتش! .. أتمنى أن يكون بخير سوف أضطر لدفع مبلغًا طائلًا إذًا .. أتمنى ألا يقتلني فيليب على فعلتي تلك .. شكرًا لك عزيزي جُوِّي سنتذكرك في الأفراح دائمًا صديقي، إلى اللقاء.
وألقاكم على خيرٍ في الخاتمة أعزائي القُراء
↚
الخاتمة
تنهد بعمق بعدما أنهى مكالمته الهاتفية ثم ابتسم بهدوء وهو يقترب من المنزل الصغير الذي تشتعل أضواءه بين المنازل الموجودة في ذلك الشارع الذي يقف فيه .. دق جرس المنزل وبعد ثوانٍ تحدثت من خلف الباب باستفسار:
- من؟
- هذا أنا أندريه.
وقف ثوانٍ ينتظرها لكي تفتح له باب المنزل وبالفعل قامت بفتحه وطالعها بابتسامة عذبة وقدم لها باقة الورود التي بيده ..
- ماذا تُريد؟
ذلك ماتحدثت بضيق يغزو ملامحها ولم تأخذ منه الباقة حتى، بل ظلت يده معلقة في الهواء تقدم لها الباقة.
تحدث بابتسامة:
- جئت لكي أخبركِ أننا سنتزوج.
عقدت حاجبيها بغضب من طريقته البسيطة والسهلة في الحديث التي تُثير استفزازها:
- ماذا؟! ألا تدري أنني متزوجة يا هذا؟
تحدث أندريه بابتسامة:
- لقد طلقتكِ منه.
عقدَت حاجبيها باستفسار .. أخرج من جيب سُترته البيضاء ورقة مطوية ناولها إياها بيده الأخرى .. التقطتها منه وبدأت بقراءتها وذُهِلَت عندما رأت توقيع زوجها!
- متبقٍ فقط توقيعكِ عزيزتي.
تحدثت بذهول:
- كيف؟! كيف وصلت إليه؟
ابتسم أندريه وقام بفتح هاتفه يبحث في شيءٍ ما ثم وضع هاتفه أمام عينيها، ذُهِلّت عندما رأت صورة زوجها أمامها .. كان مكَبَلًا ووجهه مليءٌ بالكدمات ..
- متبقٍ فقط كلماتكِ يا عزيزتي .. أخبريني! ماذا تريدين أن تفعلي به! تريدين أن أقتله لكِ؟ سأفعلها أم أقوم بمعاقبته ليتمنى الموت ولا يناله؟ سأفعلها ايضًا، أنتِ فقط صاحبة القرار وأنا سأفعل ما تريدين، فقط أخبريني.
كانت تُطالعه وتحاول التحكم في عبراتها كيف يكون هكذا؟ انتبه لرعشة يدها وأمسك بيدها متحدثًا وهو ينظر في عمق عينيها:
- أنا هنا ماري لأحقق لكِ ماتتمنين! لا بُكاءَ بعد اليوم حتى ولو احتجتي للبكاء يومًا ستكون ذراعاي ملجأكِ الوحيد.
هبطت عبراتها وأردف بصوت مهزوز:
- ماذا تريدُ مني؟
كررها مرة ثانية:
- أريدُ أن أتزوجكِ.
كانت تُطالعه بصمت تام وهو يقدم لها باقة الزهور مرة أخرى .. حتى أخذتها منه وابتسم أندريه باتساع ..
- هل الأطفال مستيقظون؟
- أجل.
- هل من الممكن أن أتعرف عليهم؟ وأنا أعدكِ أنني سأكون أبًا جيدًا لهم.
ذلك ما تحدث به أندريه بتأثر وهو ينظر في عمق عينيها .. هزت رأسها وهي تضم باقة الزهور والورقة المطوية سويًا بين ذراعيها وفسحت له المجال لكي يدخل إلى المنزل الصغير الدافئ والذي جعل قلبه يرتعش من دفئه العجيب ذلك .. شعر أن هذا منزله الذي يفتقده كثيرًا..
كان جواد يقف مع عاصم في غرفة الزيارة ويتحدث باستفسار:
- أومال مين اللي ليه مصلحة إنه يحبسني أنا وفيليب بس؟!
طالعه عاصم بتفكير قليلًا ثم أردف:
- هو فيليب عرف إنه باباك؟
- أيوه.
صمت عاصم قليلًا يفكر ثم أردف:
- رد فعله كان إزاي؟
- مكنش في أي رد فعل مع الأسف .. مش حابب أحكي تفاصيل الموضوع، وبعدين أنا في إيه ولا في إيه عشان أحكيلك قصة حياتي في الأيام اللي فاتت دي؟ عاصم الله يكرمك أنا مش طايق نفسي.
طالع عاصم الكدمات الموجودة في وجهه ثم تحدث:
- مين اللي ضاربك؟
- حد من المساجين اللي جوا.
ذلك ماتحدث به جواد بتأفف ثم استأنف بفضول:
- إنت ليه مقدمتش الورق اللي يدين فيليب؟
أردف عاصم بلامبالاة:
- لما لقيت إن الموضوع ده هيأثر على علاقتي بصاحبي .. قررت إني أخلي الوزارة تصرف نظر عن القضية لإني وضحتلهم إن صعب نوصل لفيليب لإنه محمي من الشرطة الفاسدة في دولته، وفي النهاية دولته هتحميه بأي شكل ده مش أي حد يعني .. وده حقيقي فعلا أنا مجبتش حاجة من عندي.
ظل جواد يُطالعه لا يستطيع أن يفسر مشاعره هل يخبره كم هو سعيدٌ بذلك؟! .. يا الله إنه صديقه الوفي.
- هترجع مصر إمتى؟
تحدث جواد بضيق وهو يُطالع المكان حوله:
- لما أخلص المصيف اللي أنا فيه ده وبعدها هبقى أجي مصر .. إنت بتهزر يا عاصم! أنا مسجون عارف يعني إيه؟
تحدث عاصم بإحباط:
- طيب أنا هحاول أشوف الموضوع ده.
هز جواد رأسه وكاد عاصم أن يرحل ولكن أوقفه جواد:
- عاصم.
التفت عاصم يرمقه بهدوء وتحدث جواد بامتنان:
- شكرًا على وقوفك جنبي يا صاحبي.
تحدث عاصم بابتسامة:
- العفو معملتش غير شغلي .. هستناك ترجع مصر يا جواد.
ثم خرج من المكان تاركًا جواد مبتسمًا بامتنان ثم عاد لغرفة الطعام يجلس بجوار فيليب ليُكمل تناول طعامه البسيط المتبقي ووجده دافئًا كما هو.
- الأكل لسه سُخن!
- مانا لما لقيته برد حطيتلك غيره سُخن.
ابتسم جواد بهدوء ثم تحدث:
- شكرا.
ثم عاد يُكمل طعامه وبعد أن انتهى انتبه لحديث فيليب:
- بتوجعك؟!
انتبه عندما وجد فيليب يشير نحو الكدمة الموجودة بجوار فمه ثم أردف:
- مش هتفرق يومين وهتخف.
همهم فيليب وعاد الإثنان لغرفتهما بالسجن .. وقام جواد بآداء فريضة العشاء بعد أن توضأ تحت أعين فيليب الذي يُطالعه بهدوء وبعد أن انتهى .. تحدث فيليب:
- ليه دينك مختلف عني أنا ومامتك؟
رمقه جواد بهدوء ثم تحدث:
- عشان إخترت طريقي .. كل واحد في الحياة دي بيختار اللي يناسبه زي مانت اخترت طريقك في عالم المافيا من البداية.
صمت فيليب لأن جواد يتحدث بمنطقية ثم استأنف:
- مامتك علقت على ده لما عرفت؟
- اه طبعا .. قالت إنها فخورة بيا.
ذلك ماتحدث به جواد بابتسامة وهمهم فيليب ثم أردف ببعض الكلمات الروسية وهو يُطالع جواد الذي لم يفهم شيء:
- وأنا أيضًا عزيزي.
ثم استأنف بالمصرية:
- مين اللي جالك زيارة؟
- عاصم.
ذلك ماتحدث به جواد بلامبالاة وهو يلقي بجسده على فراشه الصغير ..
- الخاين!
تحدث جواد بهدوء وهو يطالع سقف الغرفة بشرود:
- مش هو اللي جابنا.
قهقه فيليب ثم أردف بضيق:
- أكيد كذب عليك.
- لا أنا مصدقُه.
- إيه اللي يثبت إنه صح؟
رمقه جواد فيليب وتحدث بهدوء:
- إثباتي الوحيد إنه صاحب عمري .. أخويا اللي أمي مخلفتهوش .. عشرة عُمري .. صاحبي عمره ما هيأذيني.
- مفيش ثقة حتى في الأصحاب .. بص صاحبي عمل فيا إيه!
جواد بتوضيح:
- في عالم المافيا إنتم بتحقدوا على بعض واللي بيعصي أوامركم بتقتلوه حتى لو كان الشخص ده من صلبكم!، لكن إحنا المصريين بنسامح وبنعفو ودايمًا عارفين إن كل فعل وليه سبب وراه مش زيكم ماشيين بمبدأ لكل فعل رد فعل .. إنت العالم بتاعك مختلف .. إنت عشت في ترف ونعيم ومنصب لكن كل اللي حواليك كانوا بيحقدوا عليك ... لكن أنا! .. أنا شوفت كتير من صُغري بس قابلت صاحبي اللي مسك بإيدي من غير ما يعرف أنا مين! شوفت الفرق بيني وبينك؟
صمت فيليب وظل يُطالعه بهدوء ولكن جواد قام بإراحة جسده على الفراش حتى غفى .. ظل فيليب يُفكر إذا كان عاصم ليس الفاعل فمن إذًا قام بالإبلاغ عنهما وسجنهما؟! بل ووضعهما في غرفة واحدة في السجن؟! ظل طوال الليل مستيقظًا يُفكر حتى وصل للنتيجة واستوعب ماتوصل إليه ثم أردف بغضب جحيمي:
- أندريه!!!!!!!
في صباح اليوم التالي:
كانت شمس ترتدي ثياب الصلاة تقوم بمسح فمها بالمياه أمام حوض المياة بعد أن تقيأت للمرة التي لا تستطيع عددها .. عندما خرجت من المرحاض ووجدت آسيا تقف أمامها بملامح مرتعبة ...
- إيه حصل تاني؟
- معرفش كنت بخلص صلاة وحسيت بدوخه يادوب جريت على الحمام بسرعة.
أردفت آسيا بسعادة:
- طب مايمكن تكوني حامل؟!
طالعتها شمس لوهلة بعدم فهم ثم استوعبت ماتقول يبدو أنها مُحقة! لأن تلك الأعراض هي أعراض الحمل فعلا ولكنها كانت تعتقد أن ذلك التقيؤ بسبب الطعام الذي أصبحت تأكله بكميات كثيرة عن المعتاد في الآونة الاخيرة والذي يكون جزءًا أيضًا من علامات الحمل عند البعض .. هرولت بسرعة لغرفتها وهرولت آسيا خلفها وأخذت شمس تبحث عن شيءٍ ما حتى وجدته، تحدثت آسيا بعدم فهم عندما رأت ذلك الجهاز بيد شمس:
- إيه ده يا شمس؟
- ده إختبار حمل.
تحدثت بعدم فهم:
- يعني مش هتعملي تحاليل؟
- هشوف ده الأول هيقول إيه.
همهمت آسيا بعدم فهم .. وقامت شمس بتغيير ثياب الصلاة وارتدت منامتها واقتربت من الحمام وتبعتها آسيا وكادت أن تدخل الحمام خلفها ولكن شمس توقفت وطالعتها ..
- أنا هدخل الحمام.
آسيا بعدم فهم:
- أيوه .. مش انتي هتشغلي ده؟
وأشارت إلى الجهاز .. ابتسمت شمس بتفهم لعدم فهمها التكنولوجيا المتطورة في تلك الأيام وأخذت تشرح لها كيفية عمل الجهاز، احمر وجه آسيا خجلًا عندما استوعبت ماكانت ستُقدم عليه واعتذرت لشمس التي ابتسمت لكي ترفع عنها الحرج ثم دخلت الحمام وانتظرتها آسيا بلهفة شديدة يبدو أن ذلك أتى في الوقت المناسب لكي يخفف عنهما الإثنان ماشعرا به في غياب جواد ... وفيليب! ...
بعد عدة دقائق خرجت شمس من الحمام وهي تنظر للنتيجة أمامها بعدم استيعاب.
- في إيه؟
ذلك ما تحدثت به آسيا وهي تنظر للجهاز لكي تعرف نتيجته كما شرحت لها شمس مسبقًا .. ولم تشعر بنفسها سوى وهي تُطلِقُ زغرودة كسيدة مصرية أصيلة! .. ضمتها بقوة وهي تبكي:
- ألف مبروك يا شمس .. ألف مبروك ياحبيبتي.
بكت آسيا لأنها تذكرت علامات الحمل التي شعرت بها عندما كانت حاملًا في جواد وأيضًا قبل إختطافها من فيليب! بكت شمس هي الأخرى بعدم تصديق وكانت تتمنى أن يكون جواد أمامها لكي تخبره بذلك الخبر السعيد الذي شفى ألم قلبها قليلًا والذي صار بسبب غيابه عنها! .. انتبهت الإثنتان عندما دخل أندريه الغرفة يُطالعهما بتعجب:
- بتعيطوا ليه؟ وبعدين مين اللي كان بيعمل الصوت الغريب ده؟
ابتعدت آسيا عن شمس وتحديث بسعادة أثناء بكاءها:
- شمس حامل يا أندريه.
- نعم! يعني إيه؟ يعني أنا هبقى جدو! إزاي! ده أنا لسه كنت بقولها إمبارح إني هكون أب كويس! لا كبرتوني بدري مينفعش كده.
رمقاه بعدم فهم ولكنه ابتسم ابتسامة كبيرة وتحدث:
- أنا أمزح عزيزاتي.
ثم نظر لبطن شمس وتحدث بمرح:
- مين حبيب جدو.
قهقهت الإثنتان وهو شاركهما الضحك وتمنى أن تظل ضحكتهما مرسومةً على وجهيهما فلقد عانى كثيرًا في غياب جواد وفيليب حيث أنه كان متحفزًا دائمًا لمحاولة إخراجهما من الإكتئاب الذي كانتا تعيشان به وحمدا لله لقد ساعده الطفل القادم في ذلك كثيرًا .. انتقل بتفكيره نحو فيليب وجواد واللذان من المفترض أن يخرجا الآن من السجن .. يحاول أن يفكر بطريقة ليهرب من فيليب ولكن يبدو أنه قد حان وقت المواجهة، سيقتله حتمًا.
............................................
كان الإثنان يجلسان في غرفتهما وانتبها حينما دخل أحدهم للغرفة وكان جُنديًا وأخبرهما أن اليوم هو موعد خروجهما من السجن .. تعجب جواد من ذلك أما فيليب فلم يتعجب بالطبع فلقد توصل إلى ما كان يريد أخيه! خرجا من السجن بعدما قاما بأخذ أشياءهما وذهبا إلى القصر .. كان أندريه يجلس في باحة القصر بهدوء ينتظر دخولهما في أي ثانية .. وبالفعل دخل فيليب وخلفه جواد للقصر وابتسم أندريه ابتسامة كبيرة وتحدث بالإنجليزية:
- مرحبًا بعودتك أخي.
ذلك ما تحدث به أندريه ولكنه لم يتفاجأ بالطبع بما فعله فيليب حيث لكمه بقوة جعلته يتأوه ألمًا ولكنه تعجب من الخطوة التالية حيث قام فيليب بضمه هل خرف فيليب؟! يضربه ثم يقوم بضمه.
- وحشتني يا أندريه.
زاد تعجب أندريه من حديثه ثم ابتعد عنه وطالعه بابتسامة:
- فيليب، إنت كويس؟ حد ضربك على راسك؟
- أنا كويس.
كان جواد يُطالع ما يحدث لم يكن لديه أي ردة فعل حيث أن شيئًا ما بداخله كان ممتنًا كثيرًا لأندريه لما فعله ..ثم خذ يبحث بعينيه عن شمس حبيبته والتي اشتاق لها كثيرًا انتبه لها عندما رآها تنزل على أدراج القصر بسرعة عندما رأته ولكن آسيا على الرغم من سعادتها بعودتهما إلا أنها كانت تمنعها من حركتها السريعة على أدراج القصر لم يفهم السبب ولكنه لم يشعر بنفسه سوى وهو يركض نحوها وقام بضمها بقوة بين ذراعيه لدرجة أنه كاد أن يكسر ضلوعها ..
- جواد، براحة عليها شويه .. شمس حامل.
فتح عينيه بذهول عندما سمع ذلك الخبر وابتعد عنها بهدوء وهو يُطالعها .. كانت مبتسمة بإشراق وهي تنظر إليه..
- الكلام ده بجد؟؟!
أومأت وقام بضمها مرة أخرى ولكن ليس بقوة خوفًا .. كان فيليب ينظرلثلاثتهم بهدوءٍ غير مفهوم وخاصة عندما سمع بخبر حمل شمس .. شعر بشيءٍ غريبٍ في داخله .. قلبه ينبض بقوة! ولكنه استفاق واقترب من آسيا التي كانت تقف بجانبهما وتبتسم لهما بحُب ووقف أمامها وهو يُطالعها بهدوء تقابلت نظراتها معه .. وتلك المرة كانت هادئة ثم تحدثت:
- إنت كويس؟
هز رأسه بهدوء وهو يُطالعها وظلا هكذا لبعض الوقت نظراتهما تتحدث بالكثير من الذكريات والمعاني اقترب آسيا خطوة منها فقط! كانت خطوة واحدة جعلت فيليب يُقصر المسافة التي كانت بينهما ليضمها بقوة وبادلته أيضًا .. وبكى الإثنان كثيرًا.
- وحشتيني يا آسيا.
- وانت كمان وحشتني أوي يا فيليب.
شمس وجواد كانا يراقبانهما بابتسامة وأخيرًا كل شيء أصبح بخير.
- طب على فكرة بقا أنا كمان عندي واحدة بحبها .. بلاش تخلوني أحِس بجفاف عاطفي.
ذلك ماتحدث به أندريه بمزاح وهو ينظر إليهم وقهقه الجميع.
..........................
رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات
بعد مرور يومين:
كان ماتيوس شاحبَ الوجه فلقد تركه فيليب منذ أيامٍ وأسابيع ولم يأكل أي شيء! أو يشرب حتى .. أصابه الجفاف .. وأصبح جسده ضعيفًا للغاية .. ولكنه انتفض عندما سمع صوت خطوات في الأعلى وعندما رأى فيليب:
- فيليب .. أنا جائع .. أرجوك .. أطعمني .. أنا أموت فيليب.
ظل فيليب ُطالعه بابتسامة هادئة يراه وهو يتلوى من العطش والجوع ثم تحدث كأنه يتحدث إلى أنثى:
- مرحبًا عزيزتي، هل أصبحتِ بخير؟ أتريدين المزيد؟
ابتلع ماتيوس غصته ثم تحدث:
- لا أرجوك فيليب يكفي ذلك .. أرجوك حررني وأطعمني.
اقترب فيليب منه وتفاجأ ماتيوس بأنه ضمه إليه وربت على ظهره وتحدث فيليب بهمسٍ مسموع:
- لا لن أفعل ... لأن تلك نهايتكِ عزيزتي.
- ماذا؟!
تفاجأ بطعنة في ظهره صرخ على إثرها وأيضًا طعنات متفرقة بجسدة لا يستطيع أن يبتعد عنه لأن قبضة فيليب قوية على جسده.
أردف فيليب بغضب شديد وتلك المرة يتحدث مع ماتيوس بصيغة المُذكر:
- هيا أريدك أن تشعر بألم كل طعنة شعرتُ أنا بها أثناء فقداني لزوجتي! وأيضًا لطعناتك لي طوال ذلك الوقت.
ظل يطعنه حتى فقد ماتيوس حياته وأصبح جثة هامدة ورمى جثته أرضًا .. ثم خرج من القبو وأمر رجاله بحرق جثته وإخبار المافيا الروسية أن ماتيوس خائن ونال عقابه وهو الموت على يد فيليب زعيم المافيا الروسية السابق وذلك قبل تركه للزعامة مباشرة ونقلها لأندريه أخيه.
............................
في مساء اليوم بالقاهرة:
كان ساجد يتناول الكثير من الممنوعات في إحدى الحفلات التي أقيمت في ملهىً ليلِّي وبعد أن انتهى، خرج من المكان وركب من سيارته وعندما قام بتشغيل المقود انفجرت سيارته وهو بداخلها .. وتلك كانت نهاية خائن المافيا الروسية أيضًا.
..................................
في صباح اليوم الذي يليه وفي مدينة الإسكندرية:
كانت آسيا تقف بإتجاه منزل والدتها قلبها يدق بعنف لأنها وأخيرًا ستراها، كان فيليب بجانبها يُمسكُ بيدها؛ أما جواد فقد كان يقف أمام باب المنزل وبجانبه شمس أخذ يدق على جرس المنزل وانتظر قليلًا حتى فتحت جدته الباب ..
- جواد! إزيك؟! تعالى يابني اتفضل إنت كنت واحشني .. مش بتيجي بقالك كتير..
ثم رمقت شمس بانبهار:
- إيه ده؟ دي القمورة بتاعتك؟ إزيك يا جميل؟
- أنا الحمدلله، حضرتك إزيك؟
- الحمدلله يا حبيبتي.
تحدث جواد بابتسامة:
- أنا بخير شكرا يا مدام كريستين .. أنا بس عندي ليكِ مفاجأة.
طالعته بعدم فهم وأشار لمكان ما بجانب المنزل لم تنتبه لوجود أحد يقف به بسبب انشغالها برؤية جواد وحبيبته التي طالما تحدث عنها معها .. شهقت وارتجف قلبها عندما رأت ابنتها آسيا تقف هُناك .. إنها حية! إنها هنا!
- ماما.
ذلك ماتحدثت به آسيا وهي تبكي وتركت يد فيليب وهرولت نحو والدتها وقامت بضمها بقوة .. بكت كريستين وهي تضم ابنتها بقوة يا الله لقد عادت روحها إلى الحياة وأخيرًا تحققت أمنيتها وهو أن ترى ابنتها مرة أخرى .. بكت الإثنتان بنحيبٍ عالٍ وظلا هكذا لمدة طويلة أمام المنزل.
بمرور الوقت:
كانت كريستين تُطالع جواد بعدم استيعاب لمعرفتها بكونه حفيدها الأول! ..
- أنا حسيت .. حسيت بيك حسيت إن في حاجة فعلا .. قلبي كل مرة كان بيشوفك فيها كان بيدق ومكنتش عارفة إيه السبب.
اقترب منها وقام بتقبيل يدها ولكنها قامت بضمه بقوة وكان فيليب وآسيا مبتسمان وهما يراقبان سعادتها .. ثم التفتت كريستين لشمس الذي كانت تبتسم لهما وأشارت لها بأن تقترب هي الأخرى وقامت بضمها هي وجواد معًا .. لم يصدق إخوة آسيا أنها حية في البداية عندما سمعا الخبر من والدتهما ولكنهما صدَقَا حينما رأوها حية أمامهما .. ويا الله كم اشتاقا لأختهما الصغيرة كثيرًا .. تعرفت آسيا على أبناء أخواتها وتعرفوا على جواد أيضًا ورحبوا به كثيرًا في عائلتهم .. ولقد تقبلوا جميعًا إختلاف عقيدة جواد عن عقيدتهم لأنه ذكرهم بآسيا التي تنفذ قراراتها مهمًا تكن؛ ففي النهاية كان يتضح أن قرارها يصُبُ في مصلحتها الشخصية.
................................
كانت تقف أمام مرآتها وهي تُطالع فستان زفافها .. كانت تبكي وتتمنى أن يكون والدها السيد بهجت معها في يومٍ كهذا إنها تفتقده كثيرًا حقًا .. يؤلمها قلبها على غيابه لقد مر أكثر من عام على وفاته وقلبها مازال ينزف دمًا على فراق والدها ..
- لا لا لا الميك أب هيبوظ ياشمس.
استفاقت عندما تحدثت صباح وهي تقترب منها لكي تقوم بضبط مساحيق التجميل على وجهها ..
- بلاش هرمونات الحمل دي الله يكرمك عايزين الفرح يعدي على خير.
ابتسمت شمس بين دموعها وقامت بضمها بقوة..
- ربنا يخليكي ليا يا صباح ويديم وجودك في حياتي.
ابتسمت صباح بحب وضمتها بقوة وتأثرت:
- وأنا كمان بتمنى كده ... ربنا يعلم أنا بحبك قد إيه ياشمس بجد، يا رب نفضل أصحاب العمر كله.
- يا رب
ثم ابتعدت صباح عنها وتحدثت وهي تقوم بمسح عبراتها التي بدأت في النزول:
- يلا كفاية نكد وعياط بقا .. الفرح هيبوظ مننا.
هزت شمس رأسها وقامت صباح بضبط مساحيق التجميل لها مرة أخرى وأخذت نفسًا عميقًا تتجهز في الخروج من الغرفة ولكنها تفاجأت بدخول أندريه للغرفة:
- شموسة ياقلبي ... إيه الجمدان ده كله؟؟ لا لا لا جمالك يخطف القلب وخطف قلبي.
طالعته صباح بتعجب ثم تحدثت:
- مين الراجل ده؟
أردفت شمس بابتسامةٍ كبيرة:
- ده أندريه بابايا التاني.
عقدت صباح حاجبيها بعدم فهم وأخذت تفكر كثيرًا أندريه وشمس! الإسمان لا يليقان ببعض .. اقترب منها أندريه وأمسك بيدها وتحدث:
- هسلمك لعريسك النهاردة.
ابتسمت بحب ثم أردفت:
- انا متسلمة لعريسي فعلا بس دي شكليات، إنت ناسي إن أنا حامل! إحنا بس عملنا فرح عشان كلنا نتجمع.
- أكيد طبعا عارف ده .. مش ناسي طبعا إن كريستينا حامل
(إفيه من أحد الأفلام المصرية 😃)
وأخذ يقهقه كثيرًا على تلك المُزحة ولكن شمس ظلت ترمقه بضيق ثم حمحم وتحدث:
- آسف.
أما بالنسبة لجواد فقد كان يقف بغرفته وبجانبه آسيا وفيليب يبتسمان وهو يتجهز أخذ نفسًا عميقًا وهو يرى انعكاس صورتهما في المرآة .. يا الله كان فقط يتمنى ذلك والآن قد تحققت جميع آماله .. استفاق عندما اقترب منه فيليب وتحدث بانشغال وهو يقوم بضبط ياقته:
- شُكرًا إنك خليتني أوصل لليوم ده معاك .. دلوقتي عايزك تعرف إني فخور بيك يا جواد .. والأيام اللي جاية هتقربنا من بعض أكتر وهتصلح علاقتنا ببعض.
وبعد أن انتهى من ضبط ياقة جواد ابتسم له بحب أبوي وقام بضمه:
- مبروك يابني.
- الله يبارك فيك يابابا.
تنهد فيليب بارتياح وابتعد وسمح لآسيا التي تبكي بضم جواد هي الأخرى ..
- أنا فرحانة بيك أوي.
- أنا اللي مبسوط وسعيد جدا إنكم أخيرًا معايا في يوم حلو زي ده.
ثم قرروا أن يخرجوا من الغرقة لينزلوا إلى صالة الزفاف لكي يقوموا باستقبال العروس التي خرجت للتو من غرفتها مع أندريه الذي أخذ اليوم دور والدها ليقوم بتسليمها إلى زوجها .. وفي بداية القاعة كان جواد يقف أسفل أدراج الفندق ينتظر أن تقترب شمس نحوه وكان فيليب وآسيا يقفان خلفه يشعران بمشاعره المُختلطة وسعيدان كثيرًا لأجله .. حتى وصل أندريه وشمس له حياه عمه أندريه وقام بضمه وبارك له وسلمه شمس وقام بتقبيل مقدمة رأسها واتجها نحو مقعدهما في القاعة .. أما بالنسبة لعاصم فقد وقف بجانب صباح التي كانت تبكي بتأثر وهي تُطالع العروسان وكزها على كتفها لعلها تنتبه لوجوده بجانبها ..
- في إيه؟
تحدث بابتسامة:
- عقبالنا.
شعرت الخجل والتوتر في آنٍ واحد ثم أتى على بالها سؤالًا ما ..
- في حاجة مش فاهماها.
- قوليلي وأنا هساعدك .. عايزة تفهمي إيه؟
صباح بحيرة:
- بص هي إزاي جدة جواد إسمها كرستين؟ مش جواد مُسلم؟ وإزاي مامته إسمها آسيا طب ماهي كده مسلمة؟ وأبوه اسمه فيليب ده هو كده مسيحي .. وإزاي جواد اتجوز شمس أصلا؟.
قهقه عاصم بشدة:
- ياااه إنتِ جيتي متأخر أوي.
عقدت حاجبيها ثم أردفت:
- مش فاهمة، يعني إيه؟
- هفهمك .. شايفة انتي النُص اللي هناك ده؟
أشار إلى عائلة العريس ..
- اه شايفاهم.
- دول مسيحيين.
طالعته بتعجب ثم عادت تنظر نحوهم ...
- والنص اللي هناك دول مسلمين.
- يعني إيه؟!! يعني جواد مسيحي!! إزاي حراااااااااااااااام.
كادت أن تصرخ ولكن عاصم أوقفها:
- يا مجنونة بتعملي إيه؟ لا طبعا جواد مسلم زينا.
تساءلت بعدم فهم:
- إزاي؟!!!
- ياختاي هو أنا لسه هعيد!
وأخذ يشرح لها القصة كاملة وهي تُطالعهم بتعجب ثم أردفت في النهاية:
- وماله؟ مالها الوحدة الوطنية؟ كلنا حبايب واخوات في بعض.
وأطلقت زغروطة عالية وفي تلك الأثناء تم تشغيل الكثير من الأغاني الشعبية في الزفاف .. وأخد الجميع يرقص بسعادة عليها حتى جدة جواد كانت ترقص بها مع آسيا وفيليب وأمسك أندريه بيد ماري التي كانت ترتدي خاتم خطبتهما وكانت سعيدة للغاية وهي تطالعهم بانبهار ورقص أندريه معها على تلك الأغاني والتي كان الرقص على ألحانها صعبًا في البداية ولكنها اندمجت في الرقص عليها فيما بعد.
..............................
بعد مرور ثلاثة أعوام:
كانت آسيا تركض في قصرٍ ضخم اشتراه فيليب بعما استقر بمصر ليجمع به عائلته الصغيرة، كانت تضحك بقوة وكان فيليب يركض على ركبتيه خلفها لكي يسمع أيضًا قهقهات ذلك الصغير الذي يجلس فوق ظهره .. "يَزن" ..
- تيتا .. تيتا.
فيليب بحماس يشعر أنه أصبح طفلاً هو الآخر:
- يلا يا يزن نجري ورا تيتا بسرعة .. بسرعة.
- بيب بيب
ذلك ما قاله يزن بطفولة وهو يضحك وامتزجت ضحكاته مع ضحكات فيليب وآسيا وكل ذلك يحدث تحت أعين جواد وشمس اللذان يراقبانهم وكانا سعيدين للغاية لأنه وأخيرًا عوض الله فيليب وآسيا عن مافقداه منذ زمن طويل.
تمت بحمدلله