رواية استثنائية في دائرة الرفض كاملة جميع الفصول

رواية استثنائية في دائرة الرفض للكاتبة بتول عبدالرحمن هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية استثنائية في دائرة الرفض، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.

رواية استثنائية في دائرة الرفض كاملة جميع الفصول

رواية استثنائية في دائرة الرفض من الفصل الاول للاخير بقلم بتول عبدالرحمن

نزل من عربيته بشموخ ودخل شركته بس قبل ما يكمل خرج تاني لما لمح كائن غريب بالنسباله، قلع نضارته وبصلها باشمئزاز وبص للأمن اللي جنبه وقال بغضب وحده " دي دخلت هنا ازاي ؟!" 
بصله بتوتر وقال بتردد " قالت إنها مستنيه حد جوه وهتمشي علطول حتى مدخلنهاش جوه " 
قرب منه وقال بتهديد " ولا حتى براها، مش عايز اشوف اي واحده في شركتي أو قريبه منها " 
رجع لورا شويه وبصله بخوف وقال " تحت امرك مش هتتكرر " 
لبس نضارته وسأل بنفس الحده" جايه تبع مين ؟!" 
بص للأرض وقال بصوت واطي" تبع واحد بيقدم للوظيفه الجديده " 
دخل الشركه وطلع مكتبه وطلب من السكرتير بتاعه يبعتله المسؤول عن التوظيف وبعد شويه كان في مكتبه 
بصله باستفسار وقال " حضرتك طلبتني ؟!" 
كان فاتح اللابتوب بيراجع الكاميرات ووقفها على شخص، بصله وقال بهدوء " تعالي يا محمد قرب " 
قرب منه وقال " اتفضل " 
لفله اللابتوب وقال بضيق " الشخص ده جه قدم انهارده ؟!" 
بص للشاشه بتركيز وبصله وقال " ده شكله جديد هنا اكيد كان جاي يقدم اه " 
رجع بضهره على الكرسي وقال بغضب " مش عايزه هنا تاني اعتبره مجاش " 
بصله باستفسار وقال بهدوء " ضايق حضرتك في حاجه ؟" 
قال بضيق حاول يخفيه وبعض الحده" دي حاجه متخصكش ياريت تنفذ اللي قولتهولك مش عايز اشوفه هنا تاني " 
هز راسه بموافقه وقال بعمليه " تمام، تحت امرك يا باشمهندس " 

نروح لمكان تاني، كانت قاعده مع اخوها بتحاول تقنعه وقالت برجاء " عشان خاطري وافق انت عارف المرتب اللي هاخده كام ؟ " 
قال برفض " ولو مليون جنيه برضو لاء، انتي عايزه تنزلي نبطشيه من ٦ المغرب ل ٦ الصبح وكل يوم، انتي بتهزري يا فريده؟! " 
حاولت تقنعه وقالت برجاء" دي فتره مؤقته والله يا اسلام، وبعدين انت عارف ان ده شغلي وموافق عليه من زمان فليه دلوقتي معارض ؟" 
بصلها وقال بحنيه " يا حبيبتي مش حكاية معارض بس الوضع اللي انتي قولتيه نفسه معارض، اولا المكان، بعيد جدا عن هنا وصعب عليا اروح اجيبك يوميا" 
جت تتكلم بس شاورلها تسمعه وكمل كلامه" وثانيا عند ناس احنا مش عارفين هما مين، والأهم من كل ده التوقيت، ازاي من المغرب للفجر وكمان..... "
قاطعته بزهول " اهدي طيب وسيبني اتكلم، خلينا نتكلم بالعقل طيب، دلوقتي ده شغل عادي وساعات بروح نبطشيات في المستشفى عادي بالليل، فاعتبرني بروح المستشفي، وكمان الفلوس اللي هاخدها حلوه جدا وده هيساعدني اعمل كل اللي نفسي فيه، هحقق احلامي كلها، وبعدين الشغل ده اسهل بكتير من المستشفى لأنها حاله مش كذا حاله مع بعض وكمان المشوار اللي انت شايل همه ده ففي سواق، يعني بصراحه الشغل فخم ومفيهوش غلطه وأنا مش فاهمه لحد دلوقتي سبب اعتراضك، انا لما سمعت مميزاته دي كان هاين عليا اوافق وقتي" 
سكت شويه وبعدها قال بعدم اقتناع" مش ضامن يا فريده مش ضامن بصراحه، وبعدين احنا مش ناقصين فلوس يعني، قولتلك كذا مره اي فلوس انت....."  
قاطعته" مش عايزه، انتوا كلكوا عارفين اني عايزه اعتمد على نفسي، وبعدين انت مش موافق علشان انت مش عايز تقتنع، اسلام صدقني الشغل هناك مريح جدا، هو اه هيكون ممل بس ده العيب الوحيد، فاحنا نعمل اسكيب للعيوب البسيطه ونركز في المميزات، وفي الاول وفي الاخر ده شغل يعني "
فكر شويه وهيا كانت متحمسه لرده واستقر على رد اخير " هسأل الأول واشوف وبعدها أقرر " 
ردت باعتراض " بس....." 
قاطعها بحزم" مبسش، هشوف الاول وهرد عليكي بالليل " 
وضحت" كنت هقول الشغل انهارده اساسا" 
بصلها باستنكار " وجايه تقوليلي دلوقتي يا فريده ؟!" 
حركت راسها برفض " مش كده، بس لسه مدير المستشفي معرفني الصبح وقالي ارد عليه بسرعه عشان لو رفضت يشوف غيري " 
قام وقف وقال بهدوء " ساعه وهرن عليكي اقولك ووقتها ابقي عرفي مديرك " وقفت زيه وقالت بابتسامه " اتفقنا يا احلى اخ في حياتي " 
قالها بابتسامه " ماشي يا بكاشه، سلام" 
انسحب وهيا استنت اتصاله بفارغ الصبر وهيا متحمسه لشغلها اللي بتحبه وللمكان الجديد اللي هتروحه، الوقت عدى عليها ببطء لحد ما فونها رن باسم اخوها، ردت بسرعه ولهفه " قول انك موافق "
استغرب لهفتها بس رد بسخريه " وعليكم السلام ورحمه الله" 
تجاهلت سخريته وقالت " اسلام؟ قول بقا قررت ايه ؟!" 
اتنهد وقال " جهزي نفسك، هاجي اوصلك"
اتنططت بفرحه وقالت بابتسامه واسعه " والله مليش غيرك، احلى اخ في حياتي كلها، سلام عشان اقول لمديري اني موافقه " 

قفلت ومستنتش رده وهو ضرب كف علي كف، كلمت مديرها وادته موافقتها وهو اداها رقم البنت اللي هتتواصل معاها، وبعد ما قفل معاها رن عليها، أول ما فتحت الخط رد بترحيب" اهلا يا مدام سالي "
رحبت بيه وسألت بترقب " البنت وافقت؟ "
رد بابتسامه واسعه " هتيجي في ميعادها انهارده إن شاء الله، بس زي ما اتفقنا فهمي فريده الوضع بشكل غير مباشر "
قالت بتفهم " زي ما اتفقت مع حضرتك بالظبط، ويارب المرادي تجيب نتيجه، ومضطرش اتعامل مع دكاتره تانيين " 
رد عليها بإقناع " زي ما قولتلك الطريقه دي فعاله، والمرادي معتمده عليكي بشكل أكبر، مستني اخبار حلوه " 
شكرته وقفلت معاه وهيا بتفكر يا ترى المرادي خطتها هتنجح ولا زي كل مره هتبوء بالفشل، نفضت فكرة الفشل من دماغها وطلعت لأخوها فوق اللي كان قاعد على السرير بملل والممرض جنبه بيغيرله المحلول، قربت منه وقعدت على الكرسي جنبه وسألته باهتمام " عامل ايه انهارده؟ احسن؟ " 
بصلها بملل " اسوء، عايز امشي زهقت من القعده دي، قولي للدكتور يفكلي البتاع ده بقا " 
قالتله بعتاب " كذا مره حذرتك تنتبه على نفسك اكتر من كده بس دايما ترمي بكلامي عرض الحائط، لو سمعت الكلام لمره واحده حتى مش هتشتكي ولا هتضطر تلازم سريرك كل فتره " 
نفخ بضيق وقال"سالي خلاص فكك مني، مش كل مره نفس المحاضره بالله "
بصتله وقالت بجديه " المرادي مش جايه اديك محاضره، عايزه اقولك قرار خدته جديد" 
بصلها بانتباه وسأل بفضول " سامعك " 
بصت للمرض وطلبت منه يسيبهم لوحدهم وهيا قربت منه بكرسيها وقالت بصوت واطي شويه "اللي هيتابع حالتك بالليل هتكون ممرضه مش ممرض" 
بصله بدهشه وقال " ممرضه ؟" 
هزت راسها بتأكيد فسألها بزهول " اللي آخرها تاء مربوطه بتاع التأنيث دي، اللي هيا مؤنث يعني " 
قالت بتأكيد " بالظبط " 
سألها بدهشه " بس ازاي ؟! " 
اتنهدت وقالت بتفكير " الموضوع هيكون صعب بس مش مستحيل، هعمل كل جهدي علشان اخليها تكمل هنا اطول فتره ممكنه ولازم اخلي تيم يتقبل وجودها " 
سكت يحلل كلامها وهيا كملت " وإن شاء الله البنت تتقبل اللي ممكن يحصل لما يشوفها " 
اعترض " بس البنت دي ملهاش ذنب يا سالي، كان لازم تفهميها الوضع الاول " 
بصله بتأكيد " لما تيجي هعرفها بس بطريقه غير مباشره" 
بصت لساعتها وقالت " اصلا زمانها على وصول، هنزل استقبلها " 

أما فريده كانت مع اخوها في عربيته بيوصلها، كان بيمشي ورا اللوكيشن لحد ما وصل لمكان هادي ومفيهوش أي بيوت، بص لأخته بحيره وقال " انتي متأكده من أن اللوكيشن ده صح ؟" 
هزت راسها بتأكيد وهيا بتبص حواليها وقالت " اه هو، مدام سالي كلمتها وبعتتلي اللوكيشن ده، اكلمها طيب ؟" 
وافقها " اه عرفيها أن احنا وصلنا للمكان اللي قالت عليه " 
رنت عليها وهيا ردت بسرعه، قفلت معاها بعد ما فهمتها هتتحرك ازاي، بصت لاخوها وقالت " امشي لآخر الشارع واقف قدام البوابه الكبيره وهتتفتح لوحدها " 
اتحرك بالعربيه زي ما قالت ووصلوا قدام قصر كبير، سألها " هو ده؟!" 
ردت بتأكيد " اه هو اكيد"
قرب للبوابه شويه وبالفعل اتفتحت لوحدها ودخل بعربيته، اتحرك لحد ما شاف واحده قدامه واقفه على جنب، وقف عربيته ونزل هو وفريده وسالي قربت منهم بابتسامه ورحبت بيهم وعرفتهم على نفسها وبعدها بصت لاسلام وحاولت تطمنه " فريده هنا في آمان متقلقش عليها، وأي حاجه هيا هتحتاجها هتكون موجوده، وهيكون ليها سواق خاص ومفيش داعي تيجي توصلها أو حتى تاخدها وتتعب نفسك " 
رد بابتسامه " مفيش داعي، انا هبعتلها سواق من عندنا" 
محبتش تعترض وسابته على راحته، ركب عربيته ومشي بعد ما اتطمن على أخته وقالها لو محتاجه حاجه تكلمه علطول، بمجرد ما مشي سالي بصت لفريده بابتسامه عريضه وقالت " نورتي والله، فرحت جدا لما دكتور سمير كلمني وقالي انك هتيجي " 
ابتسمتلها وسالي قالتلها بحماس " تعالي اعرفك على يونس " 
فريده بصتلها باستغراب فسالي وضحت " يونس اخويا اللي انتي جايه تتابعي حالته " 
هزت راسها بتفهم ومشيت وراها، كانت ماشيه منبهره بالبيت وأساسه ونظامه لحد ما لقت نفسها قدام اوضه مقفوله، سالي بصتلها قبل ما تفتحها وقالت " يونس شخصيه لطيفه وواثقه انك هتعرفي تتعاملي معاه، لكن تيم شخصيته صعبه جدا وصعب التعامل معاه، هو اخويا برضه بس حبيت اقولك علشان تتجنبيه تماما وكده كده انتي مش مضطره تتعاملي معاه " 
هزت راسها بتفهم وسالي فتحت الباب لقت يونس ماسك دراع اللعبه ومندمج في الشاشه اللي قدامه، دخلت سالي ووقفت قدامه فبصلها بغضب وقال " ابعدي كده "
قربت من الشاشه وفصلت الفيشه، كان لسه هيعترض بس قالت " فريده، تعالي واقفه عندك ليه ؟!"
انتبه ورمى الدراع من ايديه، دخلت فريده وسالي بصت ليونس " ممرضتك الجديده " 
بصلها بابتسامه " اهلا بممرضتي الجديده اللي هتشاركني لياليا الكئيبه اهلا " 
ابتسمت بحرج وسالي قالتلها بود " تعالي قربي انتي متكملتيش ليه من ساعة ما جيتي " 
رد يونس بهزار " اوعي تكوني مبتتكلميش"
بصتله بابتسامه وردت بنفي "بتكلم طبعا ولساني طويل كمان بس obsessed بأساس البيت"
" لقينا حد زوقه زي زوق ماما" 
سالي بصتلها وبدأت تشرحلها حالة يونس وتفهمها كل حاجه مطلوبه منها، خلصت كلامها وفريده دخلت تغير هدومها ولبست الاسكراب، اما سالي فخرجت من الاوضه ودعت بصمت الأمور تعدي على خير، بعد شويه سمعت صوت عربيه بره فغمضت عينيها بخوف من اللي هيحصل، وقفت في انتظاره وبمجرد ما دخل استقبلته بابتسامه " انت جاي بدري ولا أنا متهيألي " 
بص في ساعته وقال بجديه " أنا جاي في ميعادي عادي "
سألته بمراوغه " حسيتك مبدر معرفش ليه ؟!" 
بصلها بشك وسأل " وأنا امتى غيرت مواعيدي ؟!" 
" وعلشان كده سألت، انهارده كان يوم مليان شويه فمحسيتش بالوقت وعشان كده سألت " قالت الجمله تحاول تخفي توترها، سابها ومشي فوقفته بسؤالها" انت طالع ليونس ؟!" 
استغرب نبرتها المتوتره وقال بتأكيد " اه طالع اتطمن عليه " 
كمل طريقه وهيا توترها زاد وخاصه بعد ثواني لما نطق اسمها بصوت عالي 
تيم طلع السلم بخطواته الثابتة، وقف قدام أوضة يونس وخبط خبطتين خفاف قبل ما يفتح الباب ويدخل، بس أول ما عينه وقعت على البنت اللي واقفة جنب سرير يونس، حس كأن الدنيا لفت بيه، كور ايده بغضب ونده بصوته كله على اخته، يونس بص لفريده بأسف وهيا بصت للي واقف على الباب ومش فاهمه ماله ولا ليه اتضايق كده، يونس حاول يتدخل بسرعة، رفع إيده بإشارة تهدية وهو بيقول
"تيم، اسمعني بس—"
تيم بصله وقاطعه بتحذير
 " خليك ساكت احسن، خليك ساكت"
سالي طلعت بسرعة، وقلبها بيدق بقوة، بمجرد ما شافها، ثبت نظراته عليها وقال بصوت حاد
" هاااااااا؟ ايه تبريرك المرادي؟!" 
سالي وقفت قدامه، رفعت راسها بشجاعة رغم إنها حاسة بتوتر شديد وقالت 
" مفيش تبرير، فريده هيا الممرضه الجديدة اللي هتكمل مع يونس"
بس كأنها زودت البنزين على النار، لأنه فجأة انفجر بغضب، ضرب الكومودينو اللي جنبه بإيده، وصوته علي أكتر وهو بيقول
" انتي ليه مصممه تخربي البيت ده؟! ايه غرضك قوليلي، عايزه ايه يا سالي هاا؟!" 
يونس حاول يتكلم تاني، لكن تيم بصله بنظرة حاسمة سكتته فورًا.
فريدة كانت لسه مش مستوعبة في ايه وايه اللي بيحصل، بصّت لسالي باستغراب كأنها بتسأل بعينيها "هو في إيه؟!"
لكن سالي كانت ثابتة في مكانها، رغم كل التوتر والغضب اللي في الجو
قال بهدوء مخيف قبل ما يتحرك 
" خلال ١٠ دقايق مش عايز اشوف ضلها في البيت " 
كانت هتتكلم بس سابها ومشي، قربت منها فريده وسألت باستغراب
 " ايه المشكله ؟ هو يقصدني ؟!" 
اتنهدت بضيق وقالتلها 
" متهتميش باللي حصل، كملي شغلك " 
جت تمشي بس فريده وقفتها 
" لاء معلش عايزه افهم، لو في غلط ارتكبته بالرغم من اني م......" 
قاطعتها سالي 
" مفيش غلط ارتكبتيه لاء، بس انا قولتلك ان تيم شخصيه صعبه شويه وخصوصا مع أي بنت يشوفها حتى لو ميعرفهاش ودي مشكله عندنا في البيت، بس لازم يتقبلوا ده، فاتفضلي شوفي شغلك " 

مشيت وسابتها محتاره تعمل ايه، هيا مش فاهمه ايه اللي حصل اصلا، قاطع شرودها صوت يونس بيناديها، لفتله وقربت منه، قالها بأسف
 " انا بجد اسف على اللي تيم قاله " 
بصتله وحاولت تبتسم 
" حصل خير " 
سالي راحت ورا تيم، دخلت اوضته مكانش موجود، سمعت صوت مايه جاي من الحمام فعرفت أنه جوه، قعدت تستناه لحد ما خرج، خرج وشافها قاعده مستنياه، قالها بتمنى 
" ياريت تقفلي الموضوع ده نهائي يا سالي، مش كل فتره تطلعيلي بموضوع جديد وتبوظي النظام بتاع البيت " 
قامت وقفت وقربت منه وقالت بتحدي 
" فريده مش هتمشي يا تيم، هتكمل مع يونس لحد ما يقدر يقوم ويمشي على رجله ومش هجيب ممرض يتابع معاه، والنظام اللي انت فاكرني ببوظه فده بسبب تفكيرك اللي اتغير ١٨٠ درجه، لكن أن بحاول اظبط النظام واخلي حياتنا حياه طبيعيه وعاديه بدل النظام اللي ماما حطته زمان وحضرتك مشيت عليه بحذافيره من ساعة ما بابا سابلك كل حاجه " 
اخد نفس طويل وحاول يداري غضبه من كلامها
 " سالي، بلاش تفتحي الموضوع ده وياريت لو تمشي على نظام البيت، النظام ده عاجب الكل ومش هيتغير " 
قالت بإصرار 
" هيتغير يا تيم، وده لانه مش عاجب الكل، فاكر زمان لما كنا مش طايقين حياتنا بسبب النظام الصارم اللي ماما حطته، دلوقتي بالنسبالك بقا حلو ؟ انت اتغيرت اوي وانا بجد مش عارفه ارجعك، وللاسف بالطريقه دي حياتك هتفضل مملوكه لماما وبس " 
تجاهل كلامها وقال بصرامه
" مشي البنت ومتتدخليش مره تانيه في نظام البيت، واللي مش عاجبه اكيد عارف يعمل ايه " 
سكتت شويه تحاول تتحكم في نفسها وبعدها قالت بتحدي 
" فريده مش هتمشي، ولو مشيت انا كمان همشي، هاخد ابني وهروح بيتي استنى جوزي هناك، قدامك حل من اتنين يا تيم، يا نمشي انا وفريده يا نفضل انا وفريده "
" بلاش الأسلوب ده عشان انتي عارفه أنه مش بينفع معايا " قالها بتحذير خفي فعلت صوتها بغضب" طب اعمل ايه انا، قولتلك حل اهو، رد على الحل يا تيم، يا نمشي يا نفضل " 
" في حل تالت، اني امشي انا، وانتي براحتك بقا اعملي اللي تعمليه" 
قال كلامه ودخل اوضة الدريسنج يلم حاجته فدخلت وراه وحاولت توقفه بس هو تجاهلها، مسكت دراعه تعطله عن اللي بيعمله وقالتله برجاء 
" متتصرفش كده عشان خاطري، بلاش تكبر الأمور بالطريقه دي، لو بجد ليا خاطر عندك هتتجاهل اللي حصل انهارده " 
سحب دراعه وقالها 
" طيب تمام، هنعمل اسكيب ليا، وماما اللي هتيجي بعد اسبوع دي هتعملي معاها ايه ؟ اكيد انتي عارفه رأيها في الموضوع ده وعارفه هتقولك ايه بالظبط" 
حاول يقلدها وقال بتريقه
 " البيت ده ليه نظامه من اكتر من ٢٠ سنه ومش هسمح لأي حد مهما كان أنه يلغي النظام ده... مهما كان " 
رجع لطبيعته وكمل 
" مستعده تواجهيها وتعملي مشكله تانيه، انا ويونس تقبلنا نظامها ومشينا عليه ويشهد عليا ربنا اني ماشي على نظامها ده بما يرضي الله، وانتي الوحيده اللي بتحاولي تغيريه ومقتنعه انك هتقدري، بابا نفسه مش قادر يعترض على كلامها ولا يفتح بوقه، هتيجي انتي تعترضي وكمان تغيريه؟!"
اتكلمت بهدوء ممزوج برجاء
 " سيبني أعمل اللي انا عايزاه ومتوقفش في وشي، ادعمني زي يونس وبس، وأنا عارفه أنك عندك مشكله زي ماما في وجود اي واحده ست قريبه من البيت أو الشركه او اي مكان عندنا، الموضوع ده عاملي عقده نفسيه ومش عارفه ايه وجه اعتراضكوا بجد، حاول تحل مشكلتك يا تيم علشان انا مش هيأس، يا تثبت انك فعلا مش بتعاني من فوبيا من المؤنثات ومعندكش تروما من تعاملهم يا اما تعترف انك مريض فعلا والمرض عمره م....." 
قاطعها بغضب
" قولتلك انا طبيعي ومعنديش اي مشكله، بس انا مش مستعد اضايق ماما في موضوع زي ده" 
ربعت ايديها وقالت
 " يبقى وريني دعمك ليا، ساعدنا نغير النظام اللي خنقنا ده " 
اتنهد بغضب بس استسلم لرغبتها وقال
" تمام يا سالي، براحتك" 
ابتسمت وحضنته وقالت بحب 
" كنت عارفه انك مش هترفضلي طلب " 
بعد عنها وقال بعتاب
" انتي عارفه اللي فيها، وبرغم كده جايه عليا جامد" 
اتنهدت بضيق
" سيب الباقي عليا، وبس كده يا تيم"
خرجت من عنده فرحانه أنه مش هيقف في وشها واول حاجه عملتها راحت ليونس، دخلت بس كان نايم
سألت فريده 
" هو مش كان صاحي ؟!" 
ردت فريده بعمليه 
" لسه واخد مسكن تقيل شويه فنام " 
هزت راسها بتفهم وجت تمشي بس فريده وقفتها بسؤالها 
" هو انا غلطت في حاجه في شغلي ؟!" 
لفتلها وقالت بنفي
 " لاء يفريده محدش قال انك غلطتي " 
سألتها 
" طب واللي حصل من شويه ده كان ايه ؟!"
بصت في ساعتها وقالت بإيجاز
 " لينا قعده مع بعض يا فريده، بس دلوقتي عايزه اكلم ياسين ابني اتطمن عليه واشوفه هيرجع امتى من النادي، بكره إن شاء الله بعد ما يونس ياخد المسكن وينام هفهمك اللي محيرك، اتفقنا ؟!" 
هزت راسها بموافقه وقالت
 " تمام " 
عدى الوقت ببطء وحست بملل قطعه رنة فونها، ابتسامتها وسعت وردت بترحيب
 " هلا باللي نزلت من غيري انهارده هلا "
سألتها
" انا اللي قولتلك عندي شغل جديد صح ؟!"
" متدخلنيش في تفاصيل دلوقتي "
ردت بابتسامه
 " ماشي يا ستي، المهم ايه اخبار وضعك الجديد؟" 
اتنهدت بملل 
" ممل بطريقه اوفر، بس اكيد مريح عن شغل المستشفى بالنسبالي"
قالت بمزاح 
" طول عمرك متعبه، هنعمل ايه بقا"
قبل ما ترد عليها لقت الباب بيخبط، قربت تفتح وبمجرد ما فتحت لقت حد مسكها من دراعها وبيشدها وراه، حاولت تستوعب ايه اللي بيحصل لحد ما لقته دخلها اوضته وقفل الباب، بصتله بعصبية وقالت بغضب 
" ايه اللي حصل ده ؟! انت شكلك مجنون رسمي فعلا " 
تجاهل كلامها وقال بصرامه وحده 
" عايزه كام ؟!" 
بصتله باستغراب وهيا مش فاهمه بيتكلم عن ايه وردت 
" افندم ؟!" 
كرر كلامه 
" عايزه كام ؟ كلامي واضح " 
سألته بعدم فهم
 " مش فاهمه؟ عايز ايه يعني ؟!" 
بص لعينيها مباشرةً وقال بتوضيح 
" انتي جايه تشتغلي هنا عشان الفلوس صح ؟! انا دلوقتي بعرض عليكي تاخدي اي مبلغ انتي محتاجاه بس تمشي من هنا، اختاري مبلغ ايا كان هو كام وزودي الأصفار اللي تحبيها بس في المقابل تمشي من هنا " 
بصتله بصدمه وحاولت تستوعب كلامه وقالت بتلعثم " انت.... انت؟" 
كمل 
" بعرض عليكي عرض عمرك ما حلمتي بيه ولا كنتي بتحلمي، بقولك اي مبلغ تحتاجيه هديهولك، وكمان من غير ما تشتغلي، مش مصدقه نفسك صح ؟!" 
غمضت عينيها بغضب وجت تخرج بس مسك دراعها وقال 
" هتفكري في العرض صح ؟ بس هو مش محتاج تفكير علفكره، يكفي تقولي موافقه بس " 
شدت دراعها وبصتله بغضب، دورت بعينيها على اي حاجه تخبطه بيها وبدون اي مقدمات مسكت ڤازه وحدفتها عليه بس هو تلاشاها، بصتله بغضب وقالت
 " مهزق " 
خرجت بسرعه وفضلت تمشي بسرعه وحست انها تايهه في البيت الكبير ده،مشيت في الرواق الكبير وهي بتلف حوالي نفسها ومش عارفة تروح فين.
المكان فعلاً ضخم وبيتهم مختلف عن أي بيت شافته قبل كده
سمعت صوت خطوات وراها، قلبها دق بسرعة، لفت بفزع… بس لقت واحدة من الشغالات مبتسمة لها وبتسألها بهدوء
"حضرتك محتاجة حاجه؟"
ردت فريده وهي بتحاول تهدي صوتها
"كنت بدور على أوضة يونس… أنا لسه مش متعودة على المكان."
الشغالة ابتسمت وقالت
"تعالي أوصلك" 
مشيت وراها ووصلتها واستأذنت بأدب 

تيم خرج من أوضته وملامحه حاده، نزل السلم بخطوات ثابته، سالي كانت واقفة بتتكلم في التليفون، ضحكتها خافتة، لكن أول ما شافته، عينيها راحت فورًا على الشنطة في إيده.
قفلت المكالمة بسرعة وقالت بقلق
"تيم؟ إيه الشنطة دي؟ رايح فين؟"
بص لها وهو بيحاول يثبت نبرته رغم الرجفة في صوته
"أنا مش قادر أكون هنا... أنا مش هقدر أواجه ماما لما تيجي وأسكت، هتحس إني خذلتها."
سالي قربت منه، صوتها بقى أهدى لكن فيه نبرة رجاء
"بس إحنا اتفقنا يا تيم، أنت وافقت خلاص... ليه بتهرب دلوقتي؟"
هز راسه ببطء وقال
"أنا متفقتش يا سالي، انا سيبتك براحتك، بس مش هقدر ادعمك في حاجه زي دي "
قال كلامه ومشي، انسحب بهدوء، وقفت مكانها، شايفاه وهو بيبعد، قلبها مقبوض، مش عارفة تمنعه ولا حتى تطمنه، بس المرادي لازم تاخد موقف وبجد

عند فريده، الباب خبط تاني، خافت يكون هو بس قربت وفتحت بتوتر، مكانش في حد بس لمحت ورقة صغيرة متعلقة على الباب، مكتوب فيها بخط واضح

" لو فكرتي تكملي هنا، هتشوفي أيام سوده، مش بس هتتعبك، هتخلي كل حاجة حواليكي ضدك، اعتبريها تحذير من حد عارف إزاي يحمّل الكلمة وزنها، البيت ده مش لعب، وأنا مش هسمح لأي حد يتمادى"
وقفت فريدة شايلة الورقة في إيدها، وعينيها بتتحرك على السطور الباردة اللي مكتوبة بخط حاد وواضح
"تهديد؟... أنا لسه داخلة البيت من كام ساعة!"
لفت الورقة بين إيديها بتوتر، مش عارفة تتجاهل ولا تواجه، تمشي؟ ولا تكمل 
قطعت الورقه ورمتها في باسكت الزباله، ده شغلها ومش تهديد زي ده يخليها تفكر اصلا، بس فجأه الباب خبط تاني.
وقف قلبها للحظة، قربت من الباب ببطء، 
فتحت…
بس مفيش حد.
ولا صوت.
ولا حتى خيال بعيد.
بصّت يمين وشمال، الرواق فاضي، والإضاءة خافتة وعاملة ضل غريب على الحيطان،
رجعت تقفل الباب… بس لفت نظرها حاجة على الأرض.
نفس الورقة اللي لسه رامياها، متنية ومرمية قدام الباب.
ركعت بسرعة تشوف الورقة… نفس الخط، نفس الكلمات.
دخلت الاوضه وقفلت الباب بسرعة، فضلت ماسكة الورقة في إيدها، عنيها ثابتة عليها، بس فجأة، أخدت نفس عميق، وقامت بسرعة.
ما ينفعش تفضل خايفة. لازم تلاقي سالي وتعرفها.

فتحت الباب بحذر، خرجت، والبيت ساكت بطريقة غريبة، كأن حتى الأنفاس اتمنعت.
نزلت السلم بخطوات سريعة، بس رجليها كانت بتتهز من التوتر.
كل خطوة بتاخدها بتحس إنها أقرب لحاجة مش مفهومة.
الأنوار خافتة أكتر من العادي…
صوت خفيف جه من وراها، كأن في همسة، بصّت بسرعة وراها…
مفيش حاجة.
سرّعت خطواتها أكتر، قلبها بيدق في ودانها.
وصلت للريسبشن… فاضي.
"سالي؟!"
نادت بصوت مهزوز، حاولت ترفعه شوية.
"سالي، أنتي هنا؟!"
الصمت كان هو الرد الوحيد.
لكن بعد لحظة… سمعت صوت باب بيترزع من بعيد، جاي من المطبخ،
لفت، وبلعت ريقها، مش قادرة تقرر تروح ناحية الصوت… ولا ترجع الاوضه وتقفل الباب
لفت بسرعة لما حست بإيد بتتحط على كتفها، شهقت بقوة، والرعب مسيطر عليها، بس صوت سالي جه يطمنها
"في إيه؟ اهدي، مالك؟"
فريدة قالت وهي بتحاول تلم نفسها
"كنت… كنت بدوّر عليكي."
سالي بصّت لها باستغراب
"ومتوترة ليه كده؟!"
فريدة ردّت بسرعة، وهي لسه قلبها بيدق بعنف
"في حاجة مش طبيعية هنا… في حاجة غريبة بتحصل."
سالي سألت بهدوء
"حاجة زي إيه؟"
فريدة مدت إيدها وادتها الورقة
"بصي الورقة دي… حد خبط فوق، ولما فتحت لقيت دي قدام الباب!"
سالي خدت الورقة منها، فتحتها وبصّت فيها شوية، وبعدين رفعت عينيها لفريدة وقالت باستغراب
"دي ورقة فاضية يا فريدة."
فريدة خدت الورقة بسرعة، وبصّت فيها، صوتها اتقطع من الصدمة
"والله… والله كان مكتوب فيها! كان فيها كلام… وتهديد كمان!"
سالي قالت بهدوء 
"وفين الكلام ده دلوقتي؟"
فريدة بصّت للورقة بحيرة، وقالت بصوت خافت
"معرفش…"
سالي قربت منها وقالت بنبرة فيها حنية
"شكلك تعبانة شوية يا فريدة، اغسلي وشك واهدي، يمكن بس متوترة شوية."
فريدة هزت راسها
"بس أنا كويسة… مش عارفة إيه اللي حصل، وكمان، كان في واحدة هنا، شغالة… وهي اللي ودتني أوضة يونس، مع إنك قلتي إنكوا مش بتشغلوا غير رجالة بس!"
سالي عقدت حواجبها وقالت
"شغالة إيه يا فريدة؟ مفيش أي شغالات ستات هنا، إحنا عندنا ٣ شغالين وكلهم رجالة."
فريدة قالت بحدة ممزوجة بالذعر
"لأ! أنا شفتها بعيني! واحدة ست، وهي اللي خدتني لاوضة يونس "
سالي حطت إيدها على كتفها وقالت بهدوء أكتر
"فريدة، شكلك تعبانة فعلاً… إيه رأيك تغسلي وشك؟ ولو حابة تمشي النهاردة روحي."
فريدة سكتت لحظة، وبعدين قالت بصوت أهدى لكنه مليان شك
"بس أنا بجد بقولك اللي شوفته… ممكن يكون أخوكي اللي بيعمل كده؟ عشان يمشيني من هنا؟"
سالي هزت راسها بالنفي وقالت
"تيم أصلاً مش في البيت، ومش هييجي لحد آخر الأسبوع، يمكن فعلًا تكوني متوترة أو مجهدة."
فريدة اتنهدت وقالت بصوت واطي
"يمكن… عن إذنك."

دخلت فريدة الحمام، والماية الباردة نزلت على وشها تحاول تصحيها من دوامة الرعب اللي حساها، لكن الإحساس بالخطر مبيختفيش…
كل حركة، كل نفس… كأن في عينين بتراقبها.
رفعت راسها وبصّت في المراية، تحاول تشوف ملامحها وتطمن نفسها…
بس فجأة، لمحت انعكاس حد واقف وراها.
حد طويل… واقف ثابت… ساكت.
شهقت، ولفت بسرعة، قلبها بيخبط في صدرها بعنف…
لكن مفيش حد.
الحمام فاضي…
الهدوء مرعب أكتر من الصوت.
بصّت وراها تاني، وبعدين رجعت تبص في المراية…
مافيش أثر لأي حد، كأن اللحظة دي محصلتش.
اتنهدت بعصبية، وتمتمت لنفسها
"أنا لازم أهدى… يمكن فعلاً متوترة…"
خرجت من الحمام بهدوء، عينها بتتحرك في كل زاوية وهي بتدور على أي علامة… أي تفسير، قعدت على الكنبة وهي ضامة نفسها، عينيها بتجري في المكان،
بس عقلها بيجري أسرع، بيراجع كل حاجه
"الورقة، الست اللي شافتها، المراية..."
رفعت عنيها وبصت حوالين الأوضة،
كل حاجة هادية، هادية زيادة عن اللزوم…
لكن الهوا في الأوضة تقيل، حضنت نفسها أكتر، وسندت راسها، لازم تفهم اللي حصل ده" 

اليوم عدى بالعافية عليها،كل لحظة عدت كانت كأنها بتسحب من روحها، أخيرًا وصلت بيتها، طلعت أوضتها بخطوات تقيلة.
البيت كان هادي جدًا، هدوء مريب، بس مختلف عن بيت سالي… هدوء أليف، رغم إن عقلها مش سايبها ترتاح.
قعدت على سريرها، سندت ضهرها، وعينيها سرحانة في السقف "هو أنا اتجننت؟ ولا اللي حصل ده كان حقيقي؟"
قطع أفكارها صوت رنة موبايلها.
بصّت على الشاشة… إسلام بيتصل
فريدة ردت بصوت هادي 
"ألو؟"
إسلام قال بلهجة فيها اهتمام واضح "رجعتي البيت؟"
اتنهدت 
" أيوه، وصلت من شوية… أخيرًا."
قال بابتسامة خفيفة باينة في صوته "حسيت إنك مرهقة، كله تمام؟"
قالت وهيا بتتاوب 
"آه الحمد لله… اليوم كان طويل شوية بس عدى."
غيرت الموضوع وقالت" هيا ماما فين، دورت عليها، مش لاقياها."
إسلام رد باهتمام
" راحت النادي… كانت بتقول هتقابل أصحابها"
ردت بهدوء"تمام…"
سألها بنبرة فضول واهتمام أخوي
"طيب قوليلي، الشغل ماشي إزاي؟ مرتاحه؟!"
كان نفسها تحكيله كل حاجة، تقوله على الورقة، والباب اللي خبط، والشغالة الغريبة، بس هيا مش عايزة تسمع جملة "يمكن تكوني متوترة".
هي مش متوترة… هي شافت اللي شافته.
قالت بإيجاز" كويس "
قالها بابتسامه "طيب لو احتجتي حاجة كلميني، خدي بالك من نفسك."
قفلت معاه، وسكتت للحظة، صوت نفسها بس هو اللي مالي الأوضة.
قامت، غيرت هدومها، ووقفت قدام المراية… عمرها ما اتهيألها اي حاجه، اشمعنا امبارح
قعدت تكتب شوية ملاحظات في النوت عندها… تفاصيل الشغالة، شكل الورقة، كلام سالي، توقيت الأصوات.
كل حاجة.

حاولت تنام بعد وقت طويل من التفكير، وأخيرًا غلبها النوم، فاقت على صوت المنبه، فتحت عينيها ببطء وهي حاسة إنها لسه مرهقة، بس قامت بسرعة تجهز نفسها للشغل، خرجت من أوضتها وندهت على مامتها
"ماما؟!"
لكن محدش رد.
خرجت واحدة من المطبخ، كانت لابسة لبس شغالة وقالت بهدوء
"مفيش حد في البيت."
فريدة هزت راسها بتفهم وسكتت، خدت شنطتها وخرجت، لقت السواق مستنيها قدام الباب، ركبِت العربية، بعد شويه وفونها رن…
كانت صاحبتها
"إيه يا يسر؟" قالتها فريدة وهي بتحاول تفوق.
يسر قالت بانفعال
"برن عليكي مش بتردي ليه؟!"
ردت فريدة
"كنت نايمة، في حاجة مهمة؟!"
يسر سألتها 
"مش هتيجي معايا؟ هنزل أشوف دريس النهارده."
فريدة اعتذرت
"طب خليها بكرة الساعة ٤ مثلًا، إنتي عارفة شغلي الجديد."
يسر قالت بنبرة فيها عتاب بسيط
"عارفة، وعشان كده كنت برن بدري شوية، أنتي عارفة كتب الكتاب يوم الخميس."
فريدة قالت
"عارفة، بس لسه في وقت، بصي، سلام دلوقتي، هكلمك بالليل لما أكون فاضية."
قفلت معاها، والعربية وقفت قدام الفيلا، نزلت فريدة وسلّمت على سالي وبعدها وطلعت على أوضة يونس.
دخلت وهي بتقول بابتسامة
"مساء الخير."
يونس رد بنفس الحماس
"مساء الفل، مش مصدق إني شوفتك تاني."
ضحكت وسألته
"ليه يعني؟!"
قال
"بصراحة… مفيش واحدة جت هنا يوم ورجعت تاني، فمستغرب شوية، خصوصًا إنك امبارح كنتي متوترة وسرحانة، لما صحيت بالليل شوفتك قاعدة سرحانة على الآخر… حب جديد ده ولا إيه؟"
فريدة ضحكت وقالت
"حب إيه بس، أنا بس كنت زهقانة."
رد وقال
"بصراحة لما لقيتك كده، كملت نوم وقلت بلاش أتطفل… أسيبك براحتك أحسن."
ابتسمت وسابته، دخلت تغير هدومها في الحمام، وهي بتبص حواليها، كل حاجة شكلها طبيعي، مفيش أي حاجة غريبة… الجو هادي، مريح… بس جواها، كانت لسه مش مرتاحة.

خرجت فريدة من الحمام، لقت يونس قاعد في الأوضة قدام التلفزيون، ماسك دراع البلاي ستيشن ومركز جدًا في اللعبة.
قربت منه وسألته بنبرة فيها فضول
"إيه سبب اللي إنت فيه ده؟!"
بصلها يونس بسرعة وقال
"حادثة."
فريدة قربت أكتر، وقالت باستغراب
"حادثة؟! إزاي يعني؟ حصل إيه؟"
يونس سكت لحظة، عيونه كانت على الشاشة وقال
" حادثه عاديه، كنت راجع البيت بالليل بالموتوسيكل وهوب فوقت لقيت نفسي زي ما انتي شايفه كده" 
فريدة قعدت جنبه وسألته باهتمام
"يعني كنت راكب موتوسيكل وقت الحادثة؟"
ابتسم يونس وقال بنبرة فيها تهكم على نفسه
"طبعًا، هو أنا بعرف أمشي من غيره؟!"
فريدة قالت
"بس انت شكلك متهور جدًا… سمعت إنك بتحب الموتسيكلات وعندك كتير."
رد وهو بيرفع حاجبه
"أيوه… دي أكتر حاجة بحبها في الدنيا، بس المرة دي كنت ماشي بالعقل، والله… بس القدر بيلعب لعبته."
فريدة بصت له وقالت بنبرة فيها مزيج من قلق واهتمام
"بس اللي حصل كان ممكن ينتهي بأسوأ من كده… ليه بتجازف بروحك؟"
قال بهدوء
"السرعة بالنسبالي حرية… بس الظاهر إن الحرية ساعات بتدفع تمنها غالي."
الباب خبط ودخلت سالي سألت باهتمام " ايه الاخبار؟!" 
يونس قالها بملل " أبو ام ده سؤال...." 
سالي ضحكت وقالت
" طب يا عم مساء الفل كده كويس؟!"
يونس رد وهو بيكمل اللعب
"لا يا شيخة، قوليلي مساء الحوادث والجبس والهموم."
فريدة ضحكت وقالت
"واضح إنك بتستمتع بالتنكيد يا يونس."
سالي قربت منهم وقالت
"هو كده من يومه، بس معلش، هتخف وترجع تجري على الموتسيكلات تاني، وتعمل حوادث تاني"
يونس قال وهو بيغمز
"أهو ده الأمل اللي عايش عشانه."
فريده قالت بزهول " حوادث؟!" 
سالي وضحت " البيه كل شويه ييجي متدغدغ، انبهه يبني ارحم نفسك بس لا حياة لمن تنادي " 
فريده قالت بسخريه " لاء شاطر"
سالي بصّت لفريدة وقالت بنبرة هادية
"لما تدي يونس المسكن، ابقي انزلي اتكلم معاكي شوية."
يونس اتنهد وهو بيعدل وضعه على السرير وقال بنبرة متضرره 
"أهو كل يوم المسكن ده… بمجرد ما بتحطّي الحقنة في الكانولا، بحس إن روحي بتطلع!"
فريدة ابتسمت له وقالت
"علشان هو مسكن قوي، ومينفعش يتاخد مع بنج، لأنه هيبطل مفعوله، معلش، كلها كام يوم وتكون أحسن."
سالي ابتسمت ليهم بلطف وخرجت من الأوضة

يونس بص لفريدة بنظرة طفولية وقال بنبرة شبه متوسلة
"تلاعبيني؟!"
فريدة ضحكت وقالت وهي بترفع حاجبها
"بلاش هغلبك."
قال بثقه
"عيب عليكي، تعالي لاعبيني بدل ما أنا حاسس إني هنفجر من الملل."
فريدة ضحكت وقالت وهي بتقرب منه
"طب ماشي، بس لو غلبتك متزعلش."
يونس ابتسم وقال
"ده لو عرفتي تغلبيني أصلاً!"
قعدت جنبه، خدت الكنترولر وبدأت اللعبة، في الأول كانت بتحاول تركز، بس واضح إنها مبتدئه، فكان يونس كل شوية يضحك وهو بيقول
"ده إنتي محتاجالك كورس تدريب قبل ما تلعبي معايا."
فريدة قالت بإصرار
"استنى بس، أنا لسه بسخن."
الجو مرح، فضلت تلعب معاه لحد ما جه وقت المسكن 

يونس أخد المسكن وسند راسه على المخدة وهو بيقول بنبرة نعسانه
"مش قادر أقاوم الحقنة دي... خمس دقايق وهكون نايم في سابع نومة."
فريدة ابتسمت وقالت بهدوء
"نام وارتاح... أنا هفضل هنا شوية."
سكتت الدنيا، والهدوء بقى تقيل في الاوضة. يونس نام فعلا، وفريدة قعدت على الكرسي، بتحاول تهدى، لكن عقلها مش ساكت.
فجأة، وهي قاعدة، لمحت في المراية الصغيرة اللي على التسريحة…
فيه انعكاس حد وراها.
شخص واقف، ساكن، مش بيتحرك.
قلبها وقع، لفّت بسرعة…
مفيش حد.
رجعت تبص في المراية…
الانعكاس اختفى.
وقبل ما تلحق تستوعب، اللمبة اللي فوقها بدأت تنور وتطفي بسرعة
"تكتكتكتك…"
الصوت عالي والإضاءة مرعبة.
فريدة وقفت بسرعة، بصت للسقف، بتهمس لنفسها
"في إيه؟! إيه اللي بيحصل؟!"
وبعدين…
صوت أنين خفيف بدأ ييجي من الدولاب.
أنين مكتوم… وكأنه في حد جوه.
فريدة بصت للدولاب، رجليها تقلّت، بس قربت، بإيد بترتعش فتحته
فتحت الدولاب، قلبها بيدق بخوف، لكن أول ما فتحته…
كل اللي شافته كان هدوم متعلقة زي ما هي، وشنطة تحت على الرف.
الأنين اختفى.
فضلت واقفة لحظة، بتتأكد بعينيها إن مفيش حاجة غريبة،
بعدها اتنفست بعمق، وسندت راسها على باب الدولاب المفتوح، رجعت قفلت الباب، ببطء، ولمحت اللمبة بدأت تثبت نورها تاني.
راحت قعدت على الكرسي ومدت إيديها على وشها، تحاول تهدى، هيا حاسه ان في حد بيحاول يلعب بأعصابها، جواها يقين إن تيم هو اللي ورا كل ده، يمكن بيحاول يخوفها علشان تمشي من نفسها، لكن مش هتستسلم، خدت القرار تنزل وتقعد مع سالي ومتديش للموضوع اكبر من حجمه 

نزلت الصالون لسالي، وهناك شافتها، سالي أول ما دخلت، ابتسمت لها ابتسامة خفيفة، وفريدة قعدت جنبها، سالي بدأت الكلام، بنبرة فيها دفا واهتمام 
"عاملة إيه دلوقتي؟"
فريدة ردت بهدوء
"الحمد لله."
سالي أخدت نفس، وبصت لها بنظرة جدية وقالت
"بصي يا فريدة… تيم شخصية هادية جدًا، بيحب النظام بشكل مبالغ فيه، ومنظم لدرجة الوسواس، فعلاً عنده وسواس قهري، وبيحب ماما أكتر حد في الكون، أي حاجة تطلبها بينفذها من غير نقاش، مهما كانت صعبة أو غريبة، وماما من زمان مانعة أي بنت تدخل البيت، أو تشتغل في الشركة، منع نهائي، أنا نفسي مش عارفة السبب، بس متأكدة إن تيم يعرفه، وعلشان كده، انتي مش أول بنت تيجي هنا، في غيرك كتير جربوا، بس محدش كمل، وأنا متأكدة إن السبب في ده هو تيم، هو اللي بيخليهم يبعدوا."
فريدة سألتها 
"البنات دول بيمشوا ليه؟!"
سالي ردت
"علشان تيم بيعرض عليهم فلوس من نفسه، من غير ما يقول لحد، أنا لما رحت المستشفى عندكم كنت بدور على ممرضة مناسبة، ودكتور سامي رشحك ليا بنفسه، وقالي إنك قد المسؤولية، وشكلك فعلاً طلعتؤ قدها… وإلا ما كنتيش لسه هنا لحد دلوقتي."
فريدة رفعت راسها، وقالت بثقة
"أنا فعلاً قدها… ومش ناوية أمشي، غير لما يونس يقوم على رجليه ويكون كويس، حتى لو اللي بيحصل حواليا كله بيقولي امشي."
سالي ابتسمت وقالت
"إنتي أثبتتي ده… بس، هل انتي مستعدة تفضلي حتى بعد ما ماما ترجع؟"
فريدة بصتلها بثبات وقالت
"مستعدة… متقلقيش، مش همشي."

من زاوية عالية في ركن الصاله، كاميرا صغيرة بالكاد تُلاحظ كانت بتسجل كل حاجة، هو كان قاعد قدام الشاشة، بيراقبهم، وصوتهم واصله بوضوح، سمع كل كلمة اتقالت، وشايف كل حاجه، لما فريدة قالت بصوت ثابت "مش همشي" شد قبضة إيده بغضب، عض على شفايفه 
هي مش ناوية تمشي بالرغم من كل اللي عمله؟!
هو حاول بكل الطرق يخوفها… يوترها… يخلّيها تسيب المكان من نفسها.
بس شكلها… عنيدة.
عنيدة أكتر مما كان متوقع.
ودي حاجه بتستفزه
لازم ياخد قرار جديد، أو يعرف حتي نقطة ضعفها 

تاني يوم، فريدة صحيت على صوت الموبايل بيرن، مدّت إيدها بتكاسل وبصت… يسر.
ردت وهي لسه صوتها نايم
"ألو؟"
يسر قالت بسرعة
"يلا يا فريدة، متنسيش هتنزلي معايا النهارده."
فريدة مسحت وشها وقالت بنبرة كسوله
"عارفة والله… أول ما اجهز هكلمك "
يسر قالت
"تمام… هستناكي أنا وياسمين."
فريد قالت بضيق
"ما بلاش تجيبيها معاكي… أنا عارفة إنها أختك، بس بلاش يا يسر، اليوم مش ناقص توتر."
يسر اتلخبطت وقالت
"هي اللي قالتلي عايزة تيجي وماما قالتلي خديها ، أعمل إيه؟"
فريدة قالت بحدة خفيفة
"انتي أدرى، بس بقولك اهو… بلاش."
يسر تنهدت وقالت
"معلش… كلها كام يوم وهمشي."

قفلت فريدة المكالمة، قامت من السرير، خدت شاور وغيرت هدومها ونزلت تحت.
أول ما دخلت الصالون، لقت مامتها قاعدة.
ابتسمت، قربت منها بسرعة وحضنتها جامد
"وحشتيني يا ماما."
مامتها بعد ما حضنتها شوية، قالت بنبرة فيها عتاب
"انتي يا جزمة! نايمة طول النهار ورايحة تشتغلي بالليل؟!"
فريدة ضحكت وقالت
"ما هو غصب عني، وبعدين انتي طول الوقت يا مش في البيت يا قافلة على نفسك في أوضتك… ليه كده؟ ليه مش معانا زي زمان؟"
أمها سكتت ثواني، كأن الكلام وجعها، وبعدين غيرت الموضوع وسألتها
 "الشغل عامل إيه؟"
فريدة قالت بابتسامة صغيرة
 "حلو… ومريح… الحمد لله."
فريدة بعد ما خلصت كلام مع مامتها شويه، خرجت من البيت، وصلت عند الكافيه اللي اتفقت تقابل يسر فيه، دخلت وهي بتبص حواليها، لقت يسر قاعدة… وياسمين جنبها طبعًا.
قربت عليهم ويسر أول ما شافتها قامت تسلم عليها
"أخيرًا يا بنتي!"
فريدة سلمت عليها وقالت بفتور وهي تبص لياسمين
"أهو جيت خلاص، عاملة إيه؟"
ياسمين ابتسمت ابتسامة متصنعة وقالت
"الحمد لله… وانتي؟"
فريدة قالت وهي بتقعد
 "الحمد لله… ماشية."
كان في شوية توتر بين فريدة وياسمين، يسر حست بيه كالعادة، فحاولت تغيّر الجو بسرعة
" ايه يا فريده، الشغل خدك خلاص "
فريدة ردت بسرعة 
"الشغل واخدني شوية… وانتي عارفة، مواعيده صعبة."
يسر بصتلها وقالت
 "بس باين إن في حاجه تانية… احكيلي."
فريدة هزت كتافها وقالت وهي بتحاول تبين إنها تمام
"كل حاجة تمام… بس في شوية حاجات بتحصل هناك مش فاهمة تفسيرها."
ياسمين قالت بنظرة فضولية
"يعني إيه؟!"
فريدة بصتلها وقالت بنبرة واضحة
"يعني حاجات مش مهمة ليكي، متقلقيش."
سكتت ياسمين، وبان الغيظ في وشها، ويسر حاولت تلطف الجو شويه

خرجوا من الكافيه واتحركوا على الأتيليه، الجو كان حر شوية، وفريدة ماشية جنب يسر وبيتكلموا، وياسمين ماشية وراهم بتبص حواليها ومفيش كلمة طالعة منها.
دخلوا الأتيليه، وفريدة قالت وهي بتبص حواليها
"حلو المكان… أهو أشيك من اللي كنا فيه قبل كده."
يسر ابتسمت وقالت بحماس
"أنا متحمسة بجد، نفسي ألاقي حاجة حلوة النهارده."
البنت اللي شغالة في الأتيليه سلمت عليهم بابتسامة وقالت ليسر
"تحبي تبدأي تشوفي الموديلات الجاهزة؟!"
يسر قالت بحماس 
" اكيد "
دخلت يسر وبدأت تقيس الفساتين، فريدة قاعدة برا على الكنبة وياسمين قاعدة جنبها مستنيين يسر
لبست يسر أول فستان وخرجت،
كان بسيط أوي، لونه باهت ومافيهوش تفاصيل كتير، سمبل جدا 
فريدة أول ما شافتها قالت
 "لاء مش حلو، مش لمناسبة زي دي "
بس ياسمين بسرعة قالت
"إيه الكلام ده؟ بالعكس، شكلك زي القمر فيه!"
يسر وقفت قدام المراية وبتبص لنفسها بحيره، رجعت ولبست فستان تاني، ده كان تحفة… قماشه ناعم ومضبوط على جسمها، ألوانه مبهجة وفعلاً حلو
فريدة أول ما شافتها قالت باندهاش
 " والله انتي اللي حلتيه"
لكن ياسمين قالت وهي بتلف وشها
"ممم… مش لايق، فيه حاجة غلط، حساه مديكي حجم أكبر شوية."
يسر بصتلها باستغراب وقالت "بجد؟ أنا حبيته… مش وحش برضو"
فريدة قالت وهي كاتمه غيظها
"متسمعيش كلامها، الفستان حلو جدًا"
ياسمين قالت بنبرة شبه باردة
 "أنا بقول رأيي بس، براحتكم طبعًا."
فريدة لاحظت إن كل ما يسر تلبس حاجة حلوة، ياسمين ترفضها، ولما تلبس حاجة مش قد كده، تمدحها… ابتسمت لنفسها وهيا عارفه أنها اكيد غيرانه 
يسر دخلت تجرّب فستان تاني، كان منفوش شوية وفيه لمعة واضحة، أول ما خرجت بيه، فريدة ضحكت وقالت
 "ده لو دخلتي بيه قاعة كتب الكتاب، الناس هتفتكر إنك رايحة تصوري إعلان!"
يسر بصّت لنفسها في المراية وقالت وهي بتضحك
 "آه فعلاً، حاساه تقيل وكأنه فستان سندريلا."
لكن ياسمين قالت
 "بالعكس، ده شيك جدًا ومميز، مخليكي باينة ومش تقليدية."
فريدة رفعت حواجبها وقالت
 "شيك إيه يا شيخة؟ ده هيوقعها وهي داخلة"
يسر ضحكت وقالت
 "مش ده خالص… خليني أجرب ده."
دخلت تاني ولبست فستان تاني ، ده كان بسيط، سادة، وفيه لمسة دانتيل على الأطراف.
خرجت بيه وقالت
"إيه رأيكم؟"
فريدة بصّت وقالت
 "ده حلو… لايق عليكي وناعم."
أما ياسمين، فرمشت بسرعة وقالت
 "ممم… مش حلو، لونه باهت ومش مديكي أي لمعة."
يسر بصّت لفريدة، وفريدة ابتسمت وقالت بهدوء
"ده ذوقك، بس أنا شايفاه شيك وبسيط، وانتي أصلاً مش محتاجة بهرجة."
جربت كمان فستان تاني، كان مجنون شوية، ألوانه خارجة عن المألوف وتصميمه غريب.
خرجت وقالت بضحكة
 "ده أنا نفسي مش فاهماني فيه!"
فريدة ضحكت وقالت
 "هو ده بقى اللي لو لبستيه، الناس هتمشي واولهم خطيبك المبجل "
ياسمين قالت في عالم موازي
 " بس جرئ... حبيته"
فريدة بصتلها وقالت بصوت واطي
"واضح إنك بتحبي كل حاجة غريبة ومش مناسبة لأختك."
ياسمين ردت ببرود
 "أنا بحب الحاجات اللي مش تقليدية، مش غلط."
فريدة مردتش، بس عينيها قالت كتير…
الغيرة كانت باينة، وياسمين مش قادرة تخبيها
البنت اللي شغالة في الأتيليه قربت منها وهي متحمسة وقالت
 "بصي، في دريس لسه واصل امبارح، جديد جدًا، جاي من بره، وفي منه نسخة واحدة بس… بصراحة حساه هيبقى تحفة عليكي، بس انتي قولتيلي عايزة حاجه سعرها معقول."
فريدة مستنتش ولا لحظة، ردت بسرعة
 "هاتيه… ملكيش دعوة بالأسعار!"
يسر اتفاجئت وقالت بنبرة اعتراض
 "بس يا فريدة إحنا قولنا…"
فريدة قطعتها وقالت بحزم
 "قلتلك ملكيش دعوة… سيبيني أنا أتصرف."
البنت راحت جابت الفستان، وكان فعلاً حاجة تانية، تحفة بكل المقاييس، قماشه ناعم، والقصّة بتاعته فخمة، وفيه لمعة بسيطة كده تدّي رُقي من غير ما تكون مبهرجة، يسر دخلت تقيسه، وبعد شوية خرجت…
التلاته انبهروا
فريدة بصّتلها وقالت بعيون بتلمع
"يا نهار أبيض! هو ده… ده الفستان اللي يخطف!"
حتى البنت اللي شغالة قالت وهي مبتسمة
"هو معمول ليكي بالظبط… يجنن عليكي."
يسر كانت فرحانة، بس بتحاول تبين إنها هادية.
أما ياسمين، فكانت واقفة، عينيها بتتحرك بسرعة من الفستان لوش أختها… هو عاجبها بس قالت ببرود
 "يعني… مش عارفة، مش حاسة إنه مميز أوي."
فريدة بصتلها من فوق لتحت وقالت
 "مش مهم تحسي، إحنا حسينا وخلاص…"
وبعدين بصّت للبنت اللي شغالة وقالت
 "احجزيه، ده اللي هايتاخد."
ياسمين لسه بتحاول تعترض وقالت
 "بس إحنا قولنا مش هنجيب حاجات غالية كده!"
فريدة ردت وهي بتزق الكلام
 "قلتلك ملكيش دعوة… انتي بس خليكِ ساكتة."
وبالفعل حجزوا الدريس وخرجوا من الاتيليه والفرحه باينه على وش يسر، فريدة بصّت في ساعتها وقالت " هخلع انا، يدوب الحق اوصل
سلموا على بعض، وفريدة وقفت تاكسي وركبت، وهي في الطريق كانت بتفكر في يسر، وسعادتها، وفي ياسمين اللي غيرتها كانت واضحة جدًا… بس دماغها سابت كل ده لما افتكرت إنها رايحة شغل، والشغل هناك مش طبيعي.
وصلت الفيلا، دخلت وهي بتحاول تهدي نفسها، حست بخنقة أول ما دخلت الفيلا، كأن الجو نفسه بيضغط على صدرها… بس قالت لنفسها إنها المرة دي مش هتسكت، لازم تفهم كل حاجة، وتواجه اللي بيحصل، خصوصًا بعد ما بدأت تشك إن تيم هو اللي ورا كل ده.

دخلت أوضة يونس، وبعد ما خد المسكن ونام، بدأت تبص حواليها… كل حاجة طبيعية، الأوضة زي ما هي، مفيش حاجة غريبة، بس الإحساس اللي جواها بيقول عكس كده.
مسكت موبايلها وشغلت قرآن بصوت واطي ، علشان لو فيه أي حاجة مش طبيعية تحصل، تبقى متأكدة إن تيم هو السبب، وده يزود يقينها إنه بيراقبها.
بدأت تفكر… هو بيعرف منين إنها لوحدها؟
إزاي كل مرة تحس بالخوف تلاقي حاجة بتحصل فجأة؟
أكيد بيراقب البيت، بس افتكرت أن سالي قالت إن تيم بيكره حد يدخل أوضته، طيب تمام… هي هتجرب تدخل أوضته، ولو حد منعها أو الخدم ظهر فجأة، يبقى فعلاً في مراقبة.
بخطوات هاديه خرجت من أوضة يونس، وبدأت تدور على أوضة تيم، فضلت تمشي في الممرات لحد ما لقتها، وقفت شوية قدام الباب، قلبها بيدق بسرعة، بس فتحت الباب ودخلت.
الأوضة كانت كبيرة جداً… منظمة لدرجة مزعجة، كأن كل حاجة محطوطة بمسطرة.
كل حاجة فيها بتقول إن الشخص اللي ساكن هنا بيكره الفوضى بجنون.
فريدة ابتسمت لنفسها وقالت
 "وماله… نقلبها فوضى."
دخلت ناحية الدريسينج، وكانت خلاص هتفتح الدولاب، لكن فجأة…
 "حضرتك محتاجة حاجة؟"
الصوت جه من وراها، هادي لكن حازم.
لفت بسرعة، وابتسمت بانتصار وهي شايفة واحد من الشغالين واقف قدامها.
قربت منه وسألته وهي رافعة حاجبها "إنت عرفت منين إن أنا هنا؟!"
اتوتر شوية وقال
 "تيم بيه قبل ما يمشي نبهني أخد بالي من أوضته."
فريدة بصّتله بتركيز وسألته
 "يعني إنت بتراقب الأوضه ٢٤ ساعة، صح؟"
قال بسرعة
 "الأوضة متوصلة بإنذار، حضرتك… لو حد دخلها بعرف على طول."
فريدة قربت خطوة تانية، وقالت وهي بتفكر بصوت عالي
 "أنا حاسة إني شوفتك قبل كده… مع إن دي أول مرة اشوفك"
 قال بابتسامة خفيفة
 "جايز تكوني شوفتيني، حضرتك بقالك ٣ أيام هنا وانا شغال هنا"
فريدة هزت راسها ببطء وقالت
"تؤ تؤ، أنا مش شوفتك أنت… أنا شوفت واحدة ست شبهك بالظبط من ٣ أيام."
اتجمد مكانه، وقال بسرعة
 "مفيش ستات هنا يا فندم."
فريدة ضيقت عينيها وقالت بهدوء مرعب
 " ما أنا عارفة، بس تفتكر ده معناه إيه؟"
سكت فقالت وهي ماسكة أعصابها بالعافية
"وريني جهاز الإنذار ده، عايزة أشوفه بعيني."
اتلخبط وبصلها بحذر
"حضرتك محتاجة إيه؟"
بصتله بحدة، لهجتها اتحولت لتهديد صريح
 "أنا مش همشي من هنا، لو قلبتوا البيت ده مقبرة مش همشي! أنا عارفة إنكم بتتعاونوا سوا علشان تعيشوني في جو الرعب ده، بس خلّي بالك… أنا مبخافش، ومفيش حاجة هتمشيني من هنا غير بمزاجي، فاهم؟!"
قالت كلامها ومشيت من قدامه بخطوات ثابتة.
وقبل ما تخرج راحت ناحية التسريحة المنظمة بعناية مبالغ فيها، مدت إيدها وقلبت البرفانات كلها على الأرض، اتكسر بعضها، والباقي وقع واتبهدل، وريحة قوية ملت المكان.
بصّتله وقالت بسخرية
"أكتر حاجة بيكرهها الفوضى… صح؟ وماله، يدوّق."
خرجت من الاوضه بخطوات واثقه وسابته واقف مكانه 

من ورا الكاميرات، تيم كان قاعد، عينيه مش بتفارق الشاشة اللي قدامه، بيراقب كل حركة فريدة عملتها، شافها وهي بتواجه العامل، شافها وهي بتقلب الأوضة وبتبهدل التسريحة.
شد قبضة إيده بعصبية، عض على شفايفه بقهر
الضيق باين على وشه، ملامحه اتغيرت، العروق في رقبته بدأت توضح، وكل حاجة فيه كانت بتغلي.
مش مصدق إن فيه واحدة لسه مصممة تكمّل، ومش بس كده، دي بتستفزه كمان!
لف الكرسي بعصبية، قام واقف، وركل الكرسي برجله بقوة، فوقع على الأرض بخبطة عالية

فريدة كانت قاعدة جنب يونس في الأوضة، بس عقلها مشغول وملهوف على فنجان قهوة يصحصحها ويفوقها شويه، قامت بهدوء وخرجت من الأوضة، نزلت ودخلت المطبخ، لقت فيه اتنين من الخدم بيشتغلوا بهدوء، رفعت صوتها شوية وقالت بابتسامة بسيطة
"مساء الخير."
بصولها وردوا بأدب
"مساء النور، حضرتك محتاجة حاجة؟"
قالت وهي بتقرب ناحية الرخامة
 "آه، كنت عايزة أعمل قهوة."
واحد رد بسرعة
"حضرتك اقعدي وإحنا نعملها لحضرتك."
لكن فريدة هزت راسها برفض واضح وقالت بنبرة فيها لطف بس حسم
"لا متشغلوش نفسكم، أنا بس عايزة أعرف فين الكوفي وأنا أتعامل."
الخدم بصوا لبعض ثواني، وبعدين واحد منهم شاور على الضلفة اللي فيها حاجات القهوة، وفريدة ابتسمت وشكرتهم، وبدأت تجهز قهوتها بنفسها

خرجت من المطبخ بخطوات ثابتة، بس وقفت فجأة وشافته
تيم كان واقف قدامها بالظبط، ملامحه متجمدة، عينيه فيها غضب واضح، وبيشد في عضلات وشه كأن بينه وبين الهدوء عداوة.
كان واقف وبيبصلها بنظرة جامدة، فيها كره واضح… كأنه بيقول من غير ما ينطق "كفاية، ولازم أحطلك حد."
فريدة رفعت حاجبها ببرود، مسكت الكوباية كويس، وفضلت ساكتة، مستنية يشيل الصمت بكلمة، أو حتى بانفجار، لكن هو فضل ساكت… وسكوتهم كان مليان تحدي.
تيم قرب من فريده بغضب وقال من بين اسنانه
"إنتي دخلتي أوضتي؟"
فريدة رفعت حاجبها وقالت ببرود
"آه، عندك مانع؟"
تيم قرب ناحيتها خطوتين بسرعة، صوته عالي وباين عليه الغضب، مفيهوش أي تهذيب
"عندك مانع؟! دي أوضتي، دي حدودي! وأنا آخر حد تقربي من خصوصيته، فاهمة؟!"
فريدة وقفت مكانها، ماسكة الفنجان، وقالت بنبرة متحدّية
"إنت اللي بتخليني أعمل كده… كل شوية ترعبني كأنك شبح في البيت ده، فـكان لازم أفهم إيه بيحصل."
تيم ضحك ضحكة قصيرة فيها غضب أكتر من السخرية، وبصوت واطي بس مرعب
"تفهمي؟! على حساب خصوصيتي؟! تخشي أوضتي؟! وتبوّظي حاجتي؟! وتقفي قدامي دلوقتي وبتتكلمي عن فهم؟"
قرب منها أكتر، وقال بصوت واطي، لكنه مليان نار
"أقسم بالله، لو لمستِ حاجة تخصني تاني، هتندمي… ندم يخليكي تتمني مكنتيش جيتي هنا من الأساس."
فريدة بصتله من فوق لتحت وقالت
"أنا أصلاً ندمانة… بس مش خايفة، لا منك ولا من تهديدك"
سكت ثانية، عينيه بتغلي، صدره بيطلع وينزل من شدة العصبية، قال بحدة 
"هتلمّي حاجتك وتخرجي من البيت ده حالًا."
فريدة شربت من القهوة براحتها، كأنها سمعاه بيقول تقرير عادي
ردت ببرود
"مش همشي."
شد فكّه، قرب خطوة كمان، صوته اتعمّق وبقى أخطر
"أنا مش باخد رأيك، أنا بقول امشي."
قالت بهدوء قاتل، وعينيها ثابته عليه
"لو آخر حاجة أعملها قبل ما أموت… إني أخرج من هنا، برضو مش هيحصل."
تيم اتحرك بسرعة، خبط بإيده على الكومود قدامه جامد، بس فريدة ما رمشتش حتى.
صرخ فيها
"إنتي بتتعمدي تستفزيني؟! عايزة توصلي لإيه؟!"
قالت بنفس النبرة الهادية، كأنها بتحكي عن فيلم
"إني أعرف أنت ليه مصر تعيشني في كابوس… وإزاي بتعرف كل مره أبقى فيها لوحدي… أنا مش همشي ، بالعكس، كل ما تغضب أكتر، هثبت أكتر."
سكت ثانية، عينيه مبتتحركش من عنيها، بيقيس كلامها.
قال بصوت واطي، بس في لُبّه تهديد 
"هتدفعي تمن ده غالي… غالي أوي."
فريدة رفعت حاجبها، ورشفت آخر بق من القهوة، وقالت
"هستنى الفاتورة… بس مش همشي برضو" 
تيم قرب منها أكتر، صوته كان حاد ومليان سيطرة
"هتفضلي تحت عيني طول ما انتي هنا… خليكي واثقة إنك علطول تحت المراقبة، ومش هتعرفي تاخدي راحتك أبدًا في البيت ده."
ضحكت بسخريه كأنها مش سامعة التهديد اللي في صوته، وبصّتله بثبات وقالت
"عادي… أنا مش بعمل حاجة غلط."
حطّت الكوباية بهدوء على الكاونتر اللي وراها وكملت
"أنا مش هتأذي، بالعكس… إنت اللي هتتأذي، راقبني براحتك وشقلب يومك بسببي، وريني قد ايه انا مضايقاك بوجودي"
نظراتها كانت فيها تحدي، فيها برود مستفز، وهو كان واقف قدامها، ناره بتغلي، ومش قادر يرد من كتر الغضب اللي مش لاقي ليه مخرج.
هي فضلت ثابته… وهو اتحرك أخيرًا، ومشي بخطوات تقيلة، كأن كل خطوة بيكتم فيها انفجار.
وسابها واقفة، مبتسمة بثقة.

الصبح، فريدة خرجت من الحمام بعد ما غيرت هدومها، لقت يونس صاحي ومتحمس
قالت وهي بتضحك
"إيه الحماس ده؟ كل ده عشان قولتلك هحاول أمرنك شوية؟"
رد وهو عامل فيه اللي مكفيه
"انتي مش عارفة أنا جضيت إزاي من أم القعدة دي! ده أنا عملت افلام رعب لوحدي في دماغي."
ضحكت وقالت وهي بتقرب منه
"معلش، خلاص بقا… إنت بتتحسن، وهكلم الممرض بتاعك يمرنك النهارده، ولما أرجع بالليل عايزة أسمع نتايج حلوة، وهكمل معاك"
قال وهو بيعمل إيده زي اللي بيدعي
"يارب، بس لو حصل ووقفت… هاخد سيلفي وأنزلك بوست شكر!"
فريدة ضحكت وقالت بتحذير
"بس بعد التدريب، أوعى... اوعى تحاول تحرك رجلك لوحدك."
قال وهو بيبص لرجله بغيظ
"هو أنا عارف أحركها أصلاً؟! أنا رسمي بقيت شبه مشلول، بلاش الأمل الزايد ده!"
قالت له بحزم بس بهزار
"بعد الشر عليك، شوية صبر بس… وكام يوم كمان هتمشي بعكاز، وبعدها هترجع تجري."
رد بسرعة وبنبرة درامية
"لاء سايبنهولكوا العكاز ده، أنا مش همشي بعكاز انا"
قالت وهي بتضحك
"تؤتؤ يا أستاذ، لازم تحافظ على رجلك، وخلي بالك على نفسك شوية، مش كل حاجة تاخدها هزار."
قال وهو بيحط إيده على قلبه بشكل درامي 
"أعدي بس الأيام دي… وبعد كده ربنا يحلها من عنده، وهاخد من هنا لباريس جوله بسميره" 
سألته 
" سميره مين ؟!" 
قالها بجديه 
" الموتوسيكله بتاعتي طبعا، دي انا مخليها لبعد الحوادث "
قالت وهي خارجة من الأوضة
"إن شاء الله يا ابو سميره، يلا باي يا يويو، هشوفك بالليل."
بص لها بصدمة مصطنعة وقال بصوت مبحوح
"يويو؟! يا نهار أبيض… دي عيلت خالص، أنا فقدت كرامتي في اللحظة دي."
ضحكت فريدة وهي بتقفل الباب وقالت
"خلاص يا يويو… اقعد هادي وفكّر في سيلفي البوست بتاع الشكر!"
وسابته قاعد بيضحك وهو بيهز رأسه ويقول
"يا ربي على المصايب اللي بتيجيلي في شكل ستات!"

فريده بعد ما قفلت باب اوضة يونس ولفت تنزل لقت تيم نازل من السلم المقابل، اتجمدت لحظة وهي شايفاه قدامها، لابس طقم رياضي أسود، تيشيرت بسيط وبنطلون رياضي، شعره مرفوع سنة بستايل عملي، وسماعات في ودنه كأنه رايح الجيم أو نازل يجري.
بصّلها لحظة، النظرة كانت سريعة بس فيها نفس التحدي اللي بقى شبه دائم بينهم، وبعدها كمل طريقه من غير ولا كلمة، كأنه شايفها مجرد هوا

فاقت من شرودها على رنة فونها، فتحته لقت السواق الخاص بيها وصل تحت ومستني فنزلت بسرعه 

فريده وصلت البيت، ولسه هتدخل بس ظهر أخوها إسلام خارج في نفس اللحظة.
ابتسمت أول ما شافته، وقالت بحفاوة
"يا صباح الفل يا سيدي، ماشي كده من غير ما أشوفك؟!"
رد وهو بيبتسم وبيفتح دراعه يحضنها
" وهو انا اقدر اعدي يومي من غير ما اشوفك، مستنيكي اصلا ولما سمعت صوت العربيه وصلت فنزلت استقبلك بنفسي"
حضنته وهي بتضحك، وسألته
"رايح فين كده؟"
قال بتأكيد 
"الشغل طبعًا، وانتي؟ هتاخدي اليوم كله نوم طبعا"
قالت
" اكيد، هو في احلى من النوم"
إسلام هز راسه وهو بيتمتم بنص صوت
"ربنا يعينك…"
سألته 
"ماما صحيت؟"
"لسه نايمة في أوضتها، بس ما تقلقيش أنا شوفتها الصبح كانت كويسة."
هزت راسها، بصلها وقال بنبرة فيها حنية
"بس انتي معرفتيش شغلك ده مستمر لحد إمتى؟ عايز أخرج معاكي بليل، البيت وحش من غيرك."
ضحكت وقالت وهي بتعدل شنطتها
"معلش هانت، غالبًا لآخر الشهر، وبعدها هظبط جدولي ونقعد مع بعض براحتنا."
هز دماغه وقال وهو بيضحك بخفة
"أنا أصلاً غلطان إني وافقت من الأول تشتغلي في شغل ياخدك مني كده!"
قالت وهي بتهزر معاه
"قصدك غلطان إنك وافقت تخليني أعتمد على نفسي؟! اندم للصبح بقا"
ضحكوا هما الاتنين، وبعدها ودّعها بسرعة

فريده طلعت أوضتها، رمت نفسها على السرير بتعب، فكرت في البيت اللي كانت فيه من شويه، تيم الشخصيه الصعبه العصبيه، ويونس المرح، ازاي دول اخوات اصلا، ليه يونس متقبلها عادي بس تيم لاء، طيب ليه اصلا، هيا عايزه تعرف السبب بأي طريقه، فضلت تفكر وتخطط، لحد ما افتكرت إنها فاضلها يومين بالكثير وتشوف مامتهم، يا ترى هتكون عامله ازاي؟، ايه اللي ممكن يحصل والقدر مخبيلها ايه؟!!
فجأه افتكرت مامتها، قامت بسرعة وراحت على أوضتها.
خبطت خبطة خفيفة، ولما دخلت، لقتها قاعدة على السرير، وبتتكلم في التليفون بصوت واطي.
فريده دخلت وقالت بنبرة خفيفة
"بتكلمي بابا؟"
مامتها اتفاجئت بوجودها وقفلت المكالمة بسرعة وقالت
"لاء... دي واحدة صاحبتي، معرِفة قديمة."
فريده قربت وقعدت على طرف السرير.
قالت وهي بتبص في الأرض
"ماما، انتي كويسة؟ حاسة إنك مش زي الأول… حتى لما ببقى في البيت مش بلاقيكي، نفسي أقعد معاكي زي زمان، نحكي ونضحك، نطبخ سوا، أو حتى نتفرج على فيلم… بس مش لاقياكي، مش حاسة بوجودك."
مامتها بصتلها بحنان، بس في لمعة غريبة في عنيها… لمعة خوف أو حزن، فريده معرفتش تحدد بالظبط 
مامتها فتحت دراعتها وفريده حضنتها جامد

بالليل، الأوضة كانت فيها هدوء غير صوت أنين يونس الخفيف كل ما فريدة تحاول تمرنه على تحريك رجله، كانت واقفه قدامه، بتحاول تمسك رجله بحذر.
قالت وهي بتحرك رجله بلُطف
"استحمل يا يونس، شوية بس… جسمك لازم يفتكر الحركة."
يونس كتم صوته بالعافية وقال وهو بيكشر من الوجع
"ده مش تدريب، ده انتقام."
فريدة ضحكت وقالت
"ده انت اللي عامل نفسك بطل، ووقت الجد بتعيط زي الأطفال."
فجأة الباب اتفتح على اخره، ودخل ياسين، طفل صغير مش أكبر من خمس سنين، بيجري بخطوات سريعة وصوته مليان براءة وهو بيقول بصوت عالى
"خالوووو!"
فريدة ويونس لفوا في نفس اللحظة، ويونس وشه نور وقال
"حبيبي! تعالى عندي يا ياسين."
ياسين جري عليه وراح طالع على السرير بصعوبة، قعد جنب خاله وباسه في خده وهو بيقول
"ماما قالت إنك لسه عيان، أنا جبتلك رسمة عملتها النهارده."
وطلع من ورا ضهره ورقة فيها رسمه وحروف ملخبطة كاتب فيها "خالو يونس بحبك".
يونس خده اتحمر من الفرحة وقال وهو بيحضنه بإيد واحدة
"إيه ده؟ دي أحلى رسمة في الدنيا يا فنان!"
فريدة كانت بتبص عليهم وابتسامتها مليانة حنية، وقالت لياسين
"يعني مجبتليش أنا كمان رسمة؟"
ياسين بصلها بعين بريئة وقال
"لاء… علشان إنتي بتوجعيه."
ضحك يونس بصوت عالي وقال
"شايفه؟ حتى الأطفال شايفين العذاب اللي أنا فيه!"
فريدة خبطته على كتفه بخفة وقالت لياسين
" علشان يخف يا حبيبي، ايه رأيك تدربه معايا"
ياسين فتح عينه بحماس وقال
"أيوه! وأنا هجيب الصفارة زي الكابتن!"
فضلوا يضحكوا، ياسين قال 
"ماما قالتلي لو خلصت مذاكرتي هقعد معاك شوية… وأنا خلصت كله!"
يونس ضحك وقال وهو بيهز راسه
"أمك دي مفتريه… أقسم بالله! تحطلك شرط عشان تشوف خالك المريض؟"
فريدة ضحكت وهي بتبص لياسين وقالت
"روحت المدرسة النهارده يا عم ياسين؟"
هز راسه بقوة وقال
"أيوه! وكان في ولد وقع من على الكرسي، وكل الفصل ضحك، بس أنا لاء… روحت ساعدته!"
يونس عمل حركة بإيده كأنه منبهر وقال
" تربيتي ده "
فريدة بصت ليونس بسخريه بس بصت لياسين وقال 
"ما شاء الله، أخدت إيه بقى النهارده؟"
قال وهو بيعد على صوابعه
"أخدت maths، و science، french… بس نسيت الpencel بتاعي عند كريم!"
كان بيحكي بحماس عن يومه وفريده متابعاه باهتمام، سابت ياسين مع يونس وقررت تنزل لسالي شويه 

فريده نزلت لسالي، ملامحها متوترة بس بتحاول تبان عادي، بعد شوية كلام هادي، قالتها بنبرة شبه معتذرة 
"أنا مش هقدر أجي الخميس، ممكن اجيب زميل ليا يومها"
سالي بصتلها بذهول وسألت بسرعة
"ليه؟ هتمشي؟!"
فريده هزت راسها بنفي سريع وقالت بحسم
"لاء طبعًا، يوم واحد بس، هرجع تاني عادي بس عندي كتب كتاب صاحبتي، كتب الكتاب ده مهم جدًا بالنسبالي، لازم أكون موجودة."
سالي ابتسمت وقالت بود
"مبروك لصاحبتك، أكيد يوم زي ده مينفعش يتفوت."
اتكلموا شوية مع بعض، الجو كان هادي، بس سالي سألتها بفضول
"اشمعنى دخلتي تمريض؟"
فريده ردت ببساطة، بس في صوتها إصرار
"مجموعي جاب الكلية دي وأنا كنت عايزه حاجه طبيه، بس دخلتها عن قناعة، كنت ممكن أختار طريق أسهل، بس حبيت أثبت لنفسي إني أقدر أحقق حاجة بمجهودي، مش بفلوس أو واسطة."
سالي ابتسمت بإعجاب وقالت
"أنا بحترم النوع ده من الناس جدًا."
 قاطعهم تيم بدخوله، وشه ملامحه متشددة، وقال لسالي بنبرة جافة
"أنا ماشي."
سالي استغربت وقالت بقلق
"ليه بقا؟!"
رد من غير ما يبص لفريده حتى
"انتي عارفة السبب."
فريده رفعت عينيها وبصتله 
سالي حاولت تهديه وقالت
"لو ماما جت، مش هتبقى مشكلتك، هتبقى مشكلتي، أنا اللي قررت مش انت، صدقني."
رد بحدة وهو بيبص بعيد عنها
"سالي، أنا بقولك إني ماشي، مش باخد رأيك."
سكتت، استسملت قدام إصراره 
تيم خرج من البيت وركب عربيته، لكن قبل ما يحركها لمح فريده واقفة قدام عربيته.
عينه جت في عينيها، لحظة صمت كأن الزمن وقف، ملامحه جامدة، وهي وقفت بثبات.
قبل ما يستوعب وجودها قدامه، لقاها بتفتح الباب اللي جنبه وتقعد بكل بساطة، بصلها بذهول وقال بحدة
"مين سمحلك تفتحي عربيتي وتدخلي تقعدي؟"
ردت بمنتهى الهدوء وهي بتبص قدامها
"محدش."
قال بغضب وهو بيفتح باب العربيه جنبها بعنف
"وركبتي ليه لما هو محدش؟ انتي عبيطة؟"
قالت وهي بتعدل قعدتها وبتقفل الباب اللي فتحه
"عايزاك توصلني مشوار وندردش شويه."
اتنهد وهو بيبصلها كأنها كارثة نزلت عليه وقال
"ليه؟ هو أنا كنت السواق بتاعك؟"
ردت بسرعة وهي باصه قدامها 
"لو كنت السواق بتاعي، كنت ركبت ورا مش قدام، إيه، مش هتتحرك؟"
قال بعند وهو لسه ماسك الدريكسيون من غير ما يحركه
"لاء طبعًا مش هتحرك، انتي تنزلي دلوقتي حالًا من عربيتي."
قالت وهي بترفع حاجبها باستفزاز بسيط
"ولو منزلتش؟"
قال وهو بيجز على أسنانه
"أنا مش عايز أتعامل معاكي بأسلوب مش كويس."
ردت بمنتهى البرود
"طيب يلا اتحرك بقا، عايزه ألحق أروح مشواري."
قال بعصبية
"أنا مالي بمشاويرك أنا؟ روحي مشاويرك بعيد عني."
قالت وهي بتبتسم لنفسها
"مالك إزاي بقا؟ أنا عايزاك معايا، محتاجة رأيك طبعًا، مش يلا؟ عايزة ألحق أرجع علشان أدي يونس المسكن."
فضل ساكت شوية، بص قدامه، مش عارف يتصرف، واضح عليه الارتباك… يعمل ايه معاها
قالت بصوت خافت بعد ما ميلت عليه شويه
"يلا، بلاش تردد."
اتنهد وقال بجمود
"وأنا مش هتحرك غير لما تنزلي… أنا مالي بيكي اصلا ؟"
قالت وهي بتبصله بهدوء لكن عينيها فيها لمعة حزن مش واضحة
"عايزة أتكلم معاك شوية… ولا دي كمان ممنوعة؟"
سكت تيم، عينيه راحت على المفتاح… وبعدين على الطريق… وبعدين عليها.
لف المفتاح، والعربية اشتغلت.
قالت فريدة وهي بتبص قدامها
"برافو… ولد مهذب"

خرج تيم من المنطقة، والصمت كان مالي العربية،
فريدة كانت قاعدة عينيها على الطريق، لكن عقلها مشغول بيه، بيه وباللي شافته من أول يوم دخلت فيه البيت ده.
قطعت الصمت بصوت هادي لكنه فيه نغمة استغراب
"إنتوا عيلة غريبة جدا بالنسبالي... يعني أول مرة أشوف عيلة زيكوا، إزاي حياتكوا كلها صنف واحد بس من البشر؟ دي حاجة غريبة جدًا بالنسبالي."
سكتت لحظة، وبعدين كملت، نبرتها بقت أهدى لكن فيها مرارة خفيفة
"والأغرب... عدائك ليا بالرغم إني معملتش حاجة ليك. يعني... أنا مش عارفاك أصلاً، ولا إنت تعرفني."
تيم كان سايق بصمت، ملامحه جامدة كأنه مش سامعها، بس ضيق عينه البسيط وطريقة ضغطه على الدريكسيون قالت كل حاجة... هو سمعها، بس فضَّل الصمت 
قالت فريدة وهي بتبص قدامها ونبرتها مش خالية من التهكم
"يعني يونس وإنت أبعد ما تكونوا عن الإخوات، مش فاهمة بيتكوا ده، ده غير إنه في آخر الدنيا حرفيًا، كل حاجه غريبه عندكوا"
رد تيم وهو بيزفر بزهق واضح
"انتي مش بتفهمي، فهُوَفّر كلامي أحسن."
فريدة رفعت حاجبها وقالت بنبرة متحدية
"بقى أنا مش بفهم؟ وهتوفّر كلامك؟ على فكرة أنا ممكن أضايقك دلوقتي وأبهدل عربيتك دي، فبلاش تتحداني"
بصلها تيم ورفع حاجبه بنظرة كلها تحدي، فقالت بسرعة وهي بتشاور بإيدها
"إنت اللي بدأت."
قال بحدة وهو مركز في السواقة
"أنا منسيتش اللي عملتيه امبارح في أوضتي."
قالت بنبرة فيها غيظ واضح
"بالرعب اللي عيشتني فيه يومين ده؟ حقي، أقل حاجة أعملها فيك."
رد بجفاف
"انتي ملكيش أي حق في بيت إنتي مش مرغوبه فيه."
رفعت صوتها سنة وقالت
"ومين اللي مش راغب وجودي؟ إنت؟!"
رد من غير ما يبص ليها
"ومش أنا لوحدي… ماما نفسها مستحيل تتقبلك، ولو أنا مش عايزك تكوني موجودة، فده حماية ليكي من ماما، هي الشخص الوحيد اللي مسيطر على البيت وكلامها اللي بيمشي، وجودك مؤقت لبعد يومين مثلا، لما ترجع هتعرفي قصدي، ده لو فضلتي أصلًا."
فريدة بصتله باستغراب وسألته
"طيب… مامتك عرفنا إنها مش عايزة أي بنات عندكم وهيا اللي حطت القوانين دي، وانت؟ إيه السبب؟ سالي بتقول إن عندك فوبيا… هل دي حقيقة؟"
رد ببرود
"سالي تقول اللي هي عايزاه… لكن أنا اللي أقرر."
سألته مباشرة
"وانت مقرّر إيه؟"
قال بجمود
"دي حاجة متخصكيش، ركّزي في شغلك وبس."
ردت وهي بتحاول تحافظ على هدوئها
"أنا عايزة أفهم… إنت ليه عايزني أمشي؟ إنت كـ تيم، ليه مش متقبلني؟ إيه السبب؟ لو قلتلي السبب الحقيقي، همشي دلوقتي ومش هرجع أبدًا."
وقف العربية على جنب، وبصلها من غير أي تردد وقال
"أنا حر… مش قابلك، عادي، لما حد يكون مش قابلك، بتسأليه عن السبب؟ عدم قبول كده بالظبط."
فريدة بصتله بثبات وقالت
"أنا متأكدة إن مش ده السبب، إنت هاجمتني قبل حتى ما تشوفني، أنا عارفة ده كويس."
تيم سكت لحظة، وبعدين غير الموضوع فجأة، كأنه بيهرب من كلامها
"إنتي رايحة فين؟"
قالت بنبرة غامضة وهي بتبص قدامها
"هتعرف لما نوصل."
رفع حاجبه، وبصلها من طرف عينه بريبة
"هو في إيه؟ رايحة فين؟"
قالت وهي بتحاول تبان عادية
"مشوار بسيط، خمس دقايق مش هطول"
رد بتهكم
" اتمنى، انا مالي ومال القرف ده"
بصتله من فوق لتحت وقالت 
" مكانش مشوار هو "
وصلوا قدام أتيليه كبير، وقف تيم العربية وبص للمكان باستغراب وقال
"ده؟!"
هزت فريدة راسها وقالت بهدوء
"آه… مش هتنزل معايا؟"
رفع حواجبه وقال بتهكم
"أنا؟! وانا مالي؟"
قالت وهي بتفتح باب العربية
"انزل وهقولك مالك دلوقتي."
رد وهو لسه قاعد مكانه
"لما أفهم الأول!"
ردت وهي بتنزل وتلف حوالين العربية
"يلا يا تيم اخلص، ولا نسيت؟ تلاقيك مش عارف ده إيه أصلاً، حياتكوا كلها بِدل أكيد، بس ده رجالي كمان علفكره؟"
نزل من العربية بضيق وقال
"بطّلي استظراف."
قالت وهي داخلة الأتيليه وبتضحك
"موعدكش"
دخل وراها، والبنت اللي شغّالة في المكان رحّبت بفريدة بابتسامة، فريده طلبت منها حاجه راحت تجيبها
تيم فضل واقف، باصص حواليه باستغراب، واضح عليه عدم الارتياح.
بصلها وقال
"وبعدين؟ عايزة إيه؟"
ردت وهي بتبصله بهدوء
"كتب كتاب صاحبتي بعد بكرة، ولسه مجبتش فستان، وكنت محتاجة رأي حد… زيك مثلًا."
عيونه وسعت بدهشة وقال
"أنا؟! انا؟!"
قالت ببساطة
"أيوه، محتاجة حد يقولي الفستان لايق ولا لاء، وقلت أستغل وجودك، اهو يبقى ليك لازمه حتى"
قال وهو بيحط إيده في جيبه
"يعني أنا بقيت بتاع فساتين على اخر الزمن؟"
ردت وهي بتمسك فستان أول ما البنت جابته
"لاء، حد رأيه مختلف… وده اللي محتاجاه."
فضل ساكت، واضح إنه مش مقتنع بس فضوله خلاه يفضل، وهيا دخلت جوه علشان تقيّس أول فستان…

فريدة دخلت غرفة القياس ومعاها فستان لونه أحمر أنيق، قماشته ناعمه وبينحني على الجسم بنعومة، تفاصيله بسيطة لكن فيها لمسة أنوثة طاغية،لبسته ووقفت قدام المراية، فكت شعرها الطويل اللي نزل على كتفها بانسيابية، وحطت روج نفس لون الفستان
خرجت بخطوات هادية وواثقة، أول ما طلعت من الباب كان تيم واقف بره، زهقان وواضح عليه الملل، إيده في جيبه، وعينه مشغولة بالسقف، لكنه أول ما لمحها، وقعت عينيه عليها.
فضل باصصلها، عينه اتحركت بتأنّي من فوق لتحت بانبهار خافي
فريدة وقفت قدامه وسألته بابتسامة بسيطة، شبه خجولة
"ها؟ إيه رأيك؟"
سكت لحظة، وبعدين قال بجفاف مصطنع
"واضح إنه... فستان."
ضحكت وقالت بسخريه
" بجد والله، مش عارفه لو مقولتش أنه فستان كنت عرفت منين، ده راي ده بالذمه؟"
رفع حاجبه وقال
"أهو حاجة بتتلبس، لونه أحمر، وغالي شكله."
قالت بضحكة خفيفة
"يعني موافق؟ عجبك"
قال بنبرة باردة مصطنعة
"انتي اللي رايحة كتب كتاب، مش أنا، اختاري اللي يريحك."
ضحكت وقالت
"بس قولت آخد رأي حد دمه ناشف."
قال وهو بيحاول يبعد عينه عنها
"شكلك… معقول."
قالت وهي بتكتم ضحكتها
"ده أحسن كومبليمنت منك؟ شكلي معقول؟ بجد والله؟!"
مردش، بس ملامحه لانت، كأنه مش عايز يعترف إنه فعلاً اتأثر، أو إن شكلها عجبه.
قالت وهي داخله تاني تغير هدومها
"طيب استناني، هجرب فستان تاني… بس متزهقش."
رد بسرعة من وراها
"اتأخري، يمكن أمشي."
قالت من جوه
" مش هتقدر، بالرغم من برودك ورخامتك بس متعملهاش"
ضحك رغماً عنه، بس بسرعة اخفى ضحكته

رجعت فريدة لجوة، الضحكه لسه مرسومة على شفايفها
بعد دقايق، الباب اتفتح تاني بهدوء… وطلعت فريدة.
المرة دي كانت لابسة فستان تاني، طويل، لونه نبيتي غامق، قماشته من حرير مطفي، وبينسدل بانسيابية على جسمها، فيه فتحة صغيرة في الكتف، ولمعة خفيفة على أطراف القماش، بتدي إيحاء بالوقار والجاذبية في وقت واحد.
شعرها لسه سايب، بس المرة دي لفته على ناحية واحدة، وسابت خصلة ناعمة تنزل على خدها، ملامحها كانت هادية، لكن في عينيها لمعة واثقه...
تيم بصلها، سكت، بس نظرته كانت بتتكلم، ثابتة، متفحصة، وفيها حاجة شبه الذهول، بس بيقاومها بعناده المعتاد.
فريدة رفعت حواجبها وقالت بنبرة خفيفه
"طب ده أحلى؟ ولا الأول؟"
اتردد لحظة، وبعدها قال بنبرة حاول يخليها عادية "اللي يريحك، الاتنين... مختلفين."
قالت وهي بتعدل طرف الفستان بإيدها
"بس رأيك انت ايه، عايزة أبقى مميزة في اليوم ده."
قال من غير ما يبصلها بصوت خافت
"هتبقي مميزة... أكيد."
سكتت لحظة، وبعدين ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت " هشوف التالت" 

رجعت تاني بعد شوية، بس المرة دي كانت لابسة فستان مختلف تمامًا، لونه بينك فاتح هادي، بسيط في تصميمه بس في منتهى الأناقة، الجزء العلوي من الدانتيل الناعم، بأكمام شفافة طويلة، والجزء السفلي نازل ناعم لحد الأرض، بيتموج مع كل خطوة بتخطيها
شعرها لسه مفكوك، بس لمّته كله على جنب واحد، والروج اتحول للون وردي ناعم زادها رقة، ملامحها كانت هادية، بس في عينيها نظرة منتظرة… منتظرة رد فعله.
تيم كان واقف في نفس المكان، بيقلب في موبايله، لكن أول ما سمع خطواتها ورفع عينه، سكت، فضل باصصلها، مش قادر يخفي الدهشة ولا الانبهار اللي ظهر في نظرته من غير ما يقصد.
فريدة وقفت قدامه، وقالت بنبرة أخف من الأول، فيها حاجة شبه الخجل
"ده أحلى ولا التانيين؟"
اتأخر في الرد، كأنه بيحاول يلم أفكاره، وقال بعد ثواني
"ده… شكله مختلف."
قالت وهي بتعدل خصلتين من شعرها
"يعني عاجبك؟"
قال وهو بيحول نظره بعيد عنها
"يعني… شكله لايق اكتر"
ابتسمت بخفة وقالت
"عرفت أختار برضو، ها؟"
قال بنبرة متعمدة تكون باردة، بس نبرته كانت أهدى من العادة
"مش وحش."
قالت وهي راجعة ناحيه المرايا
"لو ده وصفك لما تعجبك حاجة، فده يعتبر مدح."
فضل ساكت، مش بيرد، بس عينيه مسابتش انعكاسها في المراية، كانت كل مرة بتدخل بيها بتبهره، شكلها فعلا مميز 

دخلت تجرب الفستان الأخير، وقالتله قبل ما تدخل
"فاضل واحد، ووقتها هشوف إيه أكتر حاجة عجبتك."
اكتفى بهز راسه، مش قادر يرد بكلمة، يمكن علشان ميبانش عليه إنه منتظر يشوفها.
عدت دقايق وبعدها خرجت
ولما خرجت…
وقف مكانه، مترقب
كانت لابسة فستان أسود، بسيط بس فيه فخامة. قماشته ناعمه، مفتوح من تحت شويه، وفيه كم واحد بنص، تفاصيله تحفه، كأن كل تفصيلة فيه اتفصلت على قدها.
لامه شعرها فوق بشكل غير متكلف، فيه شياكة وفيه عفوية، ومن غير ما تقصد، شكلها كان حلو بغباء.
تيم عينيه اتعلقت عليها، كأنها لوحه مش حقيقه
فريدة رفعت حاجبها لما شافته ساكت وقالت بنعومة فيها دلال
" عجبتك؟!
بلع ريقه بصعوبة، قال من غير تفكير
"ده."
سألته
"يعني ده اللي عجبك أكتر؟"
هز راسه ببطء، وقال بصوت أخفت من العادة
"أكتر من اللي كنت متوقعه بصراحه."
ضحكت وقالت وهي بتلف قدام المراية
"يبقى كده خلاص… هو ده"
تيم بلع ريقه، وبص بعيد عنها لحظة، كأنه بيحاول يلم نفسه، وبعدين رجع يبصلها وقال بصوت فيه توتر مش ظاهر، لكنه واضح في نبرته
"لاء"
سكتت لحظة، وبعدين قالت بنفس الهدوء
"ليه لاء؟"
خد نفس قصير، وقال بسرعة
"مش لمناسبة زي دي… بلاش."
قالت بنبرة أهدى، وبصوت فيه لمعة بسيطه من التحدي
"بس هو عاجبني جدًا."
بصلها تاني، وكأنه بيقاوم تأثيرها وبيحاول يرجع لنفسه
"اللي قبله أحلى… ده ملفت أوي، بلاش."
ابتسمت وقالت " ده رايك يعني؟!" 
هز راسه فقالت " يبقي اللي قبل ده" 
فريده دخلت تغير هدومها وخرجت وهيا شايلة الفستان اللي اختارته في إيدها، قربت من الكاونتر وادته للبنت وقالت وهي بتفتح شنطتها 
"تمام كده، قوليلي الحساب كام؟"
البنت ابتسمت وقالت وهي بتبص في الشاشة
"الدفع تم خلاص… الفاتورة طلعت باسم الأستاذ."
فريدة وقفت في مكانها، لفّت ببطء ناحية تيم اللي كان واقف على جنب حاطط إيده في جيبه، وبيبص لها بنظرة ولا كأن في حاجة حصلت.
قالتله وهي مبحلقة فيه
"يعني إيه الدفع تم؟!"
رد من غير ما يرمش حتى
"يعني خلصنا… مفيش داعي للكلام."
قالت بحدة وهي واقفه قدامه
"لا، في داعي جدً، أنا اللي جايبة الفستان، يعني أنا اللي هدفع."
رد ببرود
" مستنيكي بره"
خرج وركب عربيته، اتنهدت وخرجت وراه، ركبت جنبه ومدت إيدها وطلعت الفلوس من شنطتها بسرعة، بس هو بص للفلوس كأنها ورق فاضي وقال
"حافظي عليهم… يمكن تحتاجيهم وأنتي راجعة البيت اللي في اخر الدنيا "
قالت وهي بتشد نفسها أكتر
"مش بحب حد يصرف عليا، فلو سمحت"
قال بهدوء
"وأنا مش بحب أسيب واحدة… مهما كانت، تحاسب قدامي."
اتحرك بالعربيه وهيا كانت متضايقه، بعد شويه قطعت الصمت وقالت بنبرة خفيفة
"ممكن تنزل تجيبلي مايه؟ عطشانة جدًا."
بص قدامه وهو ساكت، وبعد ثانيتين ركن على جنب قدام سوبر ماركت صغير وقال
"ماشي، استني."
نزل بهدوء، دخل السوبر ماركت، وهي في اللحظة دي فتحت التابلوه بهدوء، طلعت الفلوس اللي كانت ناوية ترجعهاله، وحطتها جوه التابلوه وقفلته تاني كأنها معملتش حاجة.
رجع بعد دقايق بسيطة، فتح الباب وركب، معاه كيس صغير فيه حاجات اداهولها
مدّت إيدها تاخد المايه، وبصت في الكيس كان في عصاير كمان قالت بزهول
"إيه ده؟! أنا طلبت مايه بس!"
بصلها وهو بيقفل الباب وقال ببساطة
"وفيها إيه؟ جبت عصير كمان… يمكن تحبي."
قالت وهي بتبصله باندهاش
"أنا قولتلك مايه… مش هموت من العطش يعني للدرجادي"
رفع حاجبه وسألها 
"وهو العصير في قانون بيمنع نشربه؟! "
ساق تيم العربية بصمت، وشغل مزيكا خفيفة في الخلفية كانت عاملة جو مريح شوية… الجو بينه وبين فريدة فيه هدوء متوتر
فريدة فضلت تبص من الشباك، وبعد لحظة قالت وهي لسه عينيها على الطريق
"هو غريب… إنك تكون شخص متحفظ أوي كده… وفى نفس الوقت، لما بتقرر تساعد، بتعمل ده من غير ما تبين أي مشاعر."
بصلها تيم بسرعة، وبعدين رجع يبص للطريق وقال بنبرة هادية
"وإنتي غريبة إنك مش بتسكتي أبدا… حتى في لحظة هدوء لازم تطلعي منها بكلام."
ضحكت وهي بتعدل شعرها
"دي طريقتي… بتعامل مع الناس بالكلام، بس إنت واضح إنك بتتعامل بالصمت."
قال بسخرية خفيفة
"الصمت أذكى كتير من الكلام أوقات."
قالت
"بس مش أدفى."
سكت فكملت
"وبعدين… مش لازم تكون كل حاجة فيها حسابات وعقل، ساعات الكلمة الطيبة بتفرق، حتى لو كانت صغيرة."
قال وهو بيهدي السرعة شوية
"أنا مش طيب… ومش بقول حاجات ملهاش لازمة."
قالت وهي بتبصله بتركيز
"بس ساعدتني أختار فستان، ودفعت الحساب، وجبت عصير، رغم إني طلبت مايه… وكل ده من غير ما تبرره بكلمة، يبقى إنت مش زي ما بتحاول تبان."
رد وهو بيوقف العربية قدام بوابة الفيلا
"دي مش طيبه، دي اساسيات عادي، أو واجب، سميها زي ما تحبي"
قالت وهي بتفك حزام الأمان وبتبتسم
" مش قادره افهمك، بس اللي متأكده منه انك مش وحش ابدا، لذيذ وتتحب "
بصلها لحظة، لكنها فتحت الباب ونزلت بسرعة، كأنها كانت عايزة تهرب قبل ما تسمع ردّه أو حتى يبصلها أكتر.
وقف لحظة مكانه… وبعدين قال بصوت واطي وهو لسه ماسك الدريكسيون
"يا ريت أعرف أهرب زيك..."

طلعت فريدة فوق بهدوء، وأول ما فتحت باب أوضة يونس، لقت نظرته متعلقة بيها، رفع حاجبه وسألها بنبرة فيها تساؤل وعتاب
"كنتي فين كل ده؟"
فريدة سكتت لحظه، فكرت ترد بإيه، بعدين قالت " كنت بجيب حاجات من الشارع نقصاني"
يونس بصلها باستغراب وهو بيعدل نفسه على السرير وقال
" كنتي بعتتي حد يجبلك اللي محتاجاه"
ردت وهي بتحضر الحقنه
"بحب اجيب حاجتي بنفسي "
خدت نفس وهي بتقربله وبتحط الحقنه في الكانيولا وقالت بنبرة خفيفة
" ارتاح شويه، شكلك مرهق وتعبان "
يونس غمض عينيه بألم واستسلم للنوم

يوم كتب الكتاب، اليوم كان هادي وبسيط، فريده مع يسر في اوضتها في البيت، كل حاجه بسيطه جدا، مفيش ميكب ارتيست مفيش حد غير يسر وفريده ومعاهم ياسمين قاعده بعيد شويه بتبرد ضوافرها كان في توتر واضح على يسر، فريدة كانت قاعدة جنب يسر، بتحاول تهديها بلُطف وهي ماسكه ايديها، يسر وشها كان مشدود، بتعض شفايفها ومش قادرة تركز في حاجة حواليها بالرغم من فرحتها بس كانت متوتره 
قالت فريدة بهدوء وهي بتبتسم
"مش معقول كده يا يسر، ده يومك، خليكي هادية شويه، ده مش امتحان."
يسر أخدت نفس عميق وحاولت تبتسم، بس عينيها فضلت تلمع من التوتر
"مش قادرة… مش مستوعبة إن النهاردة فعلاً اليوم ده، حاسة إن في مليون حاجة ممكن تبوظ."
ياسمين قالت بنبرة فيها لمحة سخرية وهي بتبصلها
"هو كتب كتاب مش حفلة ملك إنجلترا يعني، مفيش داعي للدراما دي كلها."
فريدة بصتلها بسرعة، لكنها فضلت محافظة على هدوئها، رجعت تبص ليسر وقالت بلُطف
"سيبيك من الكلام ده، كل حاجة هتمشي زي ما انتي مخططة، وكلنا معاكي."
ردت وهي بتحاول تضحك
"أنا بس خايفة يحصل حاجة تعكنن عليا، أنا متوترة من غير سبب."
ياسمين اتكلمت تاني، المرة دي بنبرة أهدى 
"انتي بس بتكبرى المواضيع، كتب كتاب عادي في البيت يعني، مش اول واحده تتجوز"
فريدة لمحت الضيق في كلام ياسمين، وقررت تغير الموضوع بسرعة، قالت وهي بتقف
"يلا نقوم نجهز شعرك، لازم تخلصي بدري علشان نلحق نصور صور حلوة قبل الزحمة."
يسر قامت ببطء، لسه في نغزة قلق جواها، وفريدة حطت إيديها على كتفها وقالت بابتسامة
"أنا معاكي، مش هسيبك لحظة."
موبايل ياسمين رن فجأة، الصوت قطع الكلام اللي كان داير في الأوضة.
يسر بصتلها وسألت ببساطة
"مين؟"
ياسمين اتوترت جدًا، نظرتها اتغيرت وقالت بسرعة وهي بتحاول تخبي ارتباكها
"واحدة صاحبتي... هخرج أرد."
خرجت من الأوضة وقفلت الباب وراها، قلبها بيخبط في صدرها، وبصت على الاسم 
ردت وقالت بصوت واطي فيه قلق
"نعم؟"
جالها صوته من الناحية التانية، صوته هادي وهو بيقول
"انتي كويسة؟"
قالت وهي بتحاول تسيطر على صوتها المرتعش
"هبقى كويسة ازاي وكتب كتابك على أختي النهاردة؟"
قال بسرعة، وكأنه بيحاول يلحق حاجة بتضيع منه
"ياسمين... أنا بحبك انتي... وانتي عارفة ده."
ضحكت ضحكة قصيرة مليانة قهر وقالت
"آه طبعًا... عشان كده اتجوزت أختي!"
قال بسرعه
"انتي عارفة إن ده غصب عني، وإن قلبي معاكي من الأول... أنا بحبك انتي، مش هي."
قالت بصوت واطي بس فيه غضب مكبوت
"وعايز إيه يعني؟ دلوقتي خلاص، انتهى الموضوع."
قال
"انتي اللي كلمتيني يوم الخطوبة، وقلتيلي انك مش قادرة تنسيني، افتكري."
سكتت لحظة، وبعدين قالت
"اليوم ده عدى خلاص، والنهاردة كتب كتابك."
رد بنبرة فيها إصرار
"وأنا مش عايز كتب الكتاب ده، عايزك انتي."
قالت بدهشة
"قصدك إيه؟"
قال ببطء، كأن كل كلمة فيها قرار
"يعني لو انتي طلبتي مني مجيش، مش هاجي. قدامك حلين، يا تيجي انتي ونهرب سوا وهتجوزك بعيد عن الكل ، يا إما هاجي كتب الكتاب، ووقتها هتضطري تحضري فرحي على أختك."
سكتت، صوت أنفاسها بس هو اللي باين، وبعدين قالت بارتباك
"مش هينفع أهرب معاك... انت بتهزر؟"
قال بنبرة أهدى بس حاسمه
"شايفة حل تاني؟ الخيار في إيدك."
قالت بصوت مهزوز
"مش عارفة..."
قال
"يبقى فهمت، سلام يا ياسمين."
قالت بسرعة وهي بتحاول توقفه
"لاء! لاء، استنى!"
قال بخبث
"إيه؟"
قالت وقلبها بيدق 
"هجيلك... خلاص، أنا كمان بحبك."
رد وهو بياخد نفس
"حلو... هستناكي، اول ما اوصل تحت البيت هديكي رنه تنزلي"
قفلت المكالمة، وفضلت واقفة ثواني، بتحاول تستوعب اللي حصل، وبعدها رجعت الأوضة.

يســر كانت قاعدة قدام المراية، إيديها بتترعش وهي بتظبط تسريحه جايباها من الانستجرام وحبت تعملها
فريدة كانت واقفة وراها، بتعدل في التفاصيل الصغيرة، وبتحاول تهديها بكلام خفيف
"متحركيش إيدك كده، هتبوّظي اللي عملناه كله… بصيلي، أنتي زي القمر، متقلقيش."
يسر خدت نفس عميق، وقالت بصوت خافت
"حاسّة إني مخنوقة… مش عارفة ليه، بس قلبي مقبوض."
فريدة لمحت توترها، فمسكت إيدها وقالت
"ده طبيعي، كل البنات بتتوتر يوم كتب كتابهم… ده خوف من التغيير، مش أكتر، بس انتي هتبقي تمام، صدقيني."
في اللحظة دي دخلت ياسمين، ملامحها متماسكة بس عينيها فيها ارتباك واضح
فريدة قالت
"أهو ياسمين جت، تعالي شغلي اغاني على زوقك وغيري الجو"
ياسمين ابتسمت ابتسامة باهتة وقالت
"أكيد…"
راحت وقعدت على طرف السرير، بتبص على يسر من بعيد، بس دماغها في حتة تانية خالص.
كانت كل كلمة قالها لسه بتلف في دماغها
"لو طلبتي مني، مش هاجي."
”أنا بحبك.”
“قدامك حلين.”
يسر بصتلها وقالت
"انتي كويسة؟ حسيت إنك اتأخرتي في المكالمة."
ياسمين بسرعة قالت وهي بتحاول تتحكم في صوتها
"آه… آه، عادي،دي واحدة صاحبتي ."
فريدة بصّت لياسمين بسرعة، لاحظت حاجة في نبرة صوتها، بس سكتت.
يسر قالت بحذر
"متحمسة ولا متوترة زينا؟"
ياسمين قالت
"أنا؟ لاء، عادي... انتي اللي هتتجوزي مش انا"
يســر هزت راسها وقالت
"صح، خايفه اقول المأذون لاء بدل موافقه"
فريده ضحكت وقالت 
" متعمليهاش لاء، وبعدين خدتي التوتر كله انهارده، سيبي شويه للفرح"
فجأة موبايل ياسمين نّور تاني، بس سحبته بسرعة وحطته على الصامت 
خلاص… هي أخدت قرار.
وبين اللحظة والتانية، كانت بتبص ليسر، وكل مرة عينها تتملى دموع ومتلحقش تنزل.
هي بتحب أختها… بس بتحبه أكتر.
والساعة بتجري.
والاتفاق اتقال.
وهو مستني.

ياسمين قامت من مكانها بهدوء، قلبها بيخبط في صدرها كأن في طبول حرب، قربت من يسر، ضمتها من ضهرها وهي قاعدة قدام المراية وقالت
"أنا بحبك قوي… عارفة كده؟"
يسر بصتلها باستغراب من المراية
"حبيبتي وأنا كمان… مالك؟"
هزت راسها وقالت بابتسامة مصطنعة
"ولا حاجة… هخرج أتنفس شوية وارجعلك."
يسر قالت
"متتأخريش… حساني لوحدي."
خرجت ياسمين بسرعة، مشيت في الطرقة وكأن رجليها بتجري لوحدها، قلبها بيصرخ، عقلها بيمنعها بس هيا خلاص خدت القرار 
وصلت للباب الخارجي، بصت حواليها، لقت العربية واقفة بعيد على جنب، وهو جوّاها.
نزل بسرعة أول ما شافها، فتح الباب وقال
" اتأخرتي ليه، فكرتك مش جايه
قالت بصوت مبحوح
"لو مفروض أكون مع حد… فهو إنت."
ركبت جنبه، قفل الباب، والعربية اتحركت.

وفي نفس اللحظة، جوه البيت…
يسر كانت بتنده على ياسمين، وفريدة بتدور حواليها،
فريدة خرجت للطُرقة تنادي
"ياسمين؟!… ياسمين؟!"
بس مفيش رد.
دخلت الأوضة تاني، وقالت 
" ملقتهاش"
يسر بصتلها وقالت
" مش تحت، قالت هتيجي علطول"
الباب خبط، وفتحت فريده بسرعه وهيا بتقول 
" جت"
فتحت بس لقت يوسف اخو يسر وقف قدام الباب، مبتسم ابتسامة خفيفة وقال بصوته الهادي
"إيه يا بنات؟ المأذون وصل."
يسر اتجمدت لحظة، وبعدين بصت لفريده، وببطء وقفت وقالت بصوت بيرتعش
"أنا متوترة أوي…"
يوسف قرب منها، وبحب كبير باس جبينها وقال
"ده طبيعي، أنهارده حياتك هتتغير."
فريده ابتسمت وهي بتبص ليهم، المشهد كله دافي ومليان مشاعر
يوسف بص في ساعته، وبعدين قال بنبرة قلق خفيف
"رني على محمد، المفروض يكون جه."
يسر رفعت حاجبها باستغراب وقالت
"هو لسه مجاش؟"
هز راسه وقال
"لاء، مجاش… رني عليه بسرعة، اكيد في الطريق"
فتحت يسر موبايلها بسرعة، قلبها بدأ يدق أسرع، ضغطت على اسمه ورنت، لكن بعد لحظات قصيرة، بصت ليوسف وقالت بصوت فيه قلق
"فونه مقفول…"
لحظة صمت قصيرة مرت، قبل ما فريده تقول بقلق
" ياسمين مش موجوده؟! وهو فونه مقفول؟!" 
يسر قالت وهيا مستغربه 
" وايه العلاقه؟" 
فريده قالت بسرعه
" رني على ياسمين" 
يسر سألتها بخوف
" في ايه يا فريده، ايه اللي تعرفيه قولي "
فريده اخدت نفس عميق وقالت
"فاكرة لما قولتلك إنّي شفتهم مع بعض؟ وجيت أقولك، بس انتي وقفتي الكلام وقتها وقلتيلي إنها أختك، وإنها مستحيل تبص لخطيبك؟"
سكتت لحظة وكملت
"أنا كنت شاكّة يا يسر... الشك قتلني، علشان الوضع اللي شفتهم فيه مكنش طبيعي، قولتلك انهم كانوا متوترين بشكل غريب، بس لما حاولت ألمّحلك قولتيلي أكيد عادي... بس هو مكنش عادي."
يوسف كان واقف، متجمد مكانه، وقال بنبرة جادة فيها توتر ظاهر
"قصدك إيه يا فريده؟ أنتي عارفة إن الكلام ده خطر؟! أنتي بتقولي إن خطيب أختي... وأختي؟! أنتي مدركة؟!"
فريده بصّتله، ملامحها فيها ألم وحيرة
"أنا مكنتش عايزه أتحط في موقف زي ده يا يوسف، صدقني، بس أنا حكيت اللي شوفته... مزودتش ولا نقصت، ويمكن أكون غلطانة، وبتمني، بس للأسف"
يسر مقدرتش تستوعب، اتسندت على أول كرسي جنبها وقعدت، عيونها تاهت في الفراغ، والدموع بدأت تلمع فيها وهي بتفتح موبايلها بتوتر.
رنت على ياسمين...
لكن الفون مقفول.
بصت لفريده، وبصوت مش مسموع تقريبًا قالت
"مقفول... فونها مقفول..."
نظرة يأس وخوف ظهرت على وشها، وكأن اللحظة اللي كانت مستنياها طول عمرها اتحولت لكابوس،
أما يوسف، فكان واقف، وإيده متشنجة، وصوته طالع من بين اسنانه بغضب
" مش حقيقي، مستحيل يكون حقيقي" 
يوسف خرج من الأوضة بسرعة، ملامحه مش واضحة، بس خطواته كانت عنيفة كأن الأرض مش شايلاه.
يسر فضلت قاعدة، عينيها متعلقة بالباب اللي خرج منه، مش مستوعبة، مش مصدقة، كل حاجة حواليها بقت ضباب.
بصّت لفريده، صوتها مكسور وكل كلمه فيها رجاء
"قولي إنك بتكدبي... علشان خاطري يا فريده، دي أختي... وهو كان هيكون جوزي كمان كام دقيقة."
فريده قربت منها بهدوء، ونزلت لمستواها، عينيها فيها حزن، وقالت بصوت ناعم
"أنا آسفه يا يسر... بس ياريت فعلاً أكون غلطانة."
يسر خدت نفس متقطع، وقالت وهي بتحاول تقنع نفسها
"أعمل إيه؟ إزاي؟... هي هتيجي دلوقتي، صدقيني... ياسمين مستحيل تعمل فيا كده... دي أختي!"
عيونها دمعت وهي بتفتكر، وقالت بصوت واطي مهزوز
"قبل ما تخرج... جت حضنتني وقالتلي إنها بتحبني..."
سكتت لحظة، كأنها بتربط الأحداث، وبعدين قالت
"لما فونها رن... كان هو، بعدها اتوترت، وكانت غريبة... أكيد ضحك عليها... هي لسه صغيرة."
فريده مدّت إيدها بهدوء، لمست إيد يسر وقالت بلطف وهي بتحاول تهديها
"اهدي يا يسر... اهدي يا حبيبتي... أنا هنا، مش هسيبك."
يسر اتكلمت بخفوت، كأنها بتحكي لنفسها
"كان ممكن أكون دلوقتي مراته... كنت هبقى مراته، ويا ربي كنت ناوية أعيش معاه العمر كله...
وهي، أختي... كانت بتبصله، كانت بتاخده مني، وأنا بحبها وعمري ما شكيت."
سندت وشها بين ايديها وقالت 
"ليه يا فريدة؟ ليه مقلتيش وقتها؟ ليه سكتي؟ ليه مقولتيش بوضوح "
فريدة حاولت توضح
" حاولت بس انتي مكنتيش مصدقه، قولتلك فقولتيلي اكيد بيتكلموا عادي" 
يسر بصتلها، والدموع نازله على خدها
" لاني واثقه فيهم، اشك في مين، دول اقرب اتنين ليا"

الباب خبط مرتين قبل ما يتفتح، ويدخل أبو يسر بصوت فيه نبرة فرحة مش عارف إنها هتتقطع في لحظة 
"إيه يا يسر يا حبي..."
بس وقف مكانه لما شافها قاعدة على الكرسي، ملامحها باهتة، بتعيط ، وشكلها باين عليه الصدمه 
وفريده قاعدة جنبها، ملامحها مشوشة ما بين القلق، والشفقة، والعجز.
امها دخلت ووقفت ورا جوزها
"في إيه؟ إنتو كويسين؟!"
أبو يسر كرر بصوت هادي
"يسر، مالك؟ بتعيطي ليه؟!"
يسر مردتش، خدت نفسها بالعافية وكأنها بتقاوم اللي بيحصل، فريده حطت إيدها على كتف يسر تحاول تهديها، بس مقالتش حاجة.
باباها قرب، سألها 
"حد يرد عليا؟! في إيه؟!"
يوسف دخل فجأة، الباب اتفتح بعنف، ووشه كان شاحب، وعينيه مليانة غضب مكسور
"مفيش كتب كتاب يا بابا."
مامتها ردت باستغراب 
"إيه؟! بتقول إيه يا يوسف؟!"
باباه قرب منه وهو بيقول 
" يعني ايه يا ابني، ما تفهموني"
يوسف عض على شفايفه، صوته طلع مبحوح
"ياسمين... ياسمين هربت... مع محمد."
لحظة صمت... كأن الزمن وقف.
الام اتسمرت مكانها، وإيدها اتحركت لا إراديًا ناحيه صدرها، الاب حس بصدمه وقال وهو مش مصدق
" يعني ايه؟ انت بتقول ايه؟!"
يسر قالت بصوت عالي نسبياً 
"يعني خانتني يا بابا... هي وهو... سابوني في اليوم اللي المفروض أكون فيه عروسة!"
باباها بدأ يرجع خطوة لورا، وشه شِحب، وابتدى يتكلم بصوت مخنوق
"مش ممكن... مش ممكن... بنتي؟!"
وفجأة، رجله خانته، وقع على الأرض.
الام صرخت بصوت عالي باسمه 
يوسف جري عليه وهو بيزعق
"بابا!!! بابا رد عليا!!"
الأب مكانش بيرد، صدره بيطلع وينزل بصعوبة، والعرق مغرق وشه.
الأم قعدت جنبه وهي بتنهار ومش عارفه تعمل ايه 

تيم رجع البيت بعد ما الراجل اللي بينضف عربيته قاله إنه لقى فلوس في التابلوه، قعد يفكر شوية، ولما ربط الأحداث، فهم إنهم من فريدة.
دخل الفيلا، وكانت سالي قاعدة في الجنينة، أول ما شافته، قامت بسرعة وقالت
"تيم، أخيرًا جيت."
رد عليها وهو ماشي ناحيتها
"جاي آخد حاجة وماشي."
قالت بنبرة فيها وجع
"برضو؟"
رد ببرود
"خلاص هانت، ماما جاية بكره الساعة ٧:٤٥ دقيقة، وأنا هجيبها من المطار بنفسي، وهعرفها إني مش قاعد في البيت."
سالي قالت وهي بتحاول تبين إنها متضايقة
"ماشي يا تيم، إنت حر... محدش قادر يفهمني منكوا اساسا"
بصّلها وقال بنبرة قاسية
"حرام عليكي تأذي غيرك يا سالي، إنتي عارفة إن ماما هتمشيها، ياريت تفكري وتبقي تشغلي عقلك شويه، ياريت بجد "
سالي ردت بثقة
"أنا عارفة أنا بعمل إيه... شكرًا على النصيحة."
سابها وطلع على أوضة يونس، خبط قبل ما يدخل، ولما فتح الباب، لقى ممرض قاعد مع يونس، دخل وقال بصدمه 
"إنت جديد هنا؟!"
يونس ضحك وقال
"إيه يا عم تيم، عاش من شافك!"
تيم قال وهو بيبتسم
"أومال أنا جاي لمين دلوقتي؟"
يونس قال بمزح
"بعد إيه بقى... ما خلاص."
تيم سأل وهو بيبص حواليه
"فريدة فين؟ مش المفروض تكون هنا دلوقتي؟"
يونس قال ببساطة
"ما هي مشيت... بس جابت بدالها محمود."
كان محمود بيحاول يتكلم، بس يونس غمزله بسرعة.
تيم قال بدهشة
"يعني مشيت؟!"
يونس أكد
"آه، عايز حاجة منها ولا إيه؟!"
تيم هز راسه وقال بنبرة هروب
"لاء... وهعوز منها إيه أنا؟ بس بسأل، كويس إنها جت منها، بس إيه السبب؟ كانت رافضة تمشي يعني."
يونس قال بنفي
"مش عارف والله."
تيم سأله بشك
"حد ضايقها يعني؟"
يونس بسرعة قال
"أبدًا، محصلش."
تيم بص على محمود وسأله
"هي شغالة في نفس المستشفى اللي إنت فيها؟"
محمود هز راسه
"آه، إحنا صحاب أصلًا."
تيم اتنهد وغير الموضوع
"وإنت عامل إيه؟"
يونس قال وهو مبتسم ابتسامة حزينة
"وحش والله من غير فريدة، تحسها هي المسكن، والله."
تيم قال بحده
"في إيه، ما تتظبط بقا."
يونس رد وهو بيبص لفوق
"يا عم البنات رقيقة... مش زي اللي بتعامل معاهم."
بص على محمود وقال
"لا مؤاخذة يا محمود."
محمود ضحك وقال
"ولا يهمك يا حبيبي."
تيم وقف وقال
"أنا ماشي... سلام."
يونس نده عليه
"هتمشي لأوضتك ولا هتمشي هتمشي؟"
تيم قال وهو بيزفر
"مش عارف... لسه."
يونس قال بمكر
"بس فريدة مشيت... ملكش حجة."
تيم وقف لحظة، وبعدين قال
" هشوف لسه قولت"

في عربية الإسعاف، صوت جهاز نبض القلب بيطّمنهم إنه لسه عايش... لكن الكل ساكت.
الأم قاعدة جنب جوزها، ماسكة إيده، ودموعها بتنزل من غير صوت، يوسف قاعد قصادهم، لا يقل وجع عنهم، بس متماسك، لازم يكون قوي. 
وصلوا المستشفى.
الدكاترة جريوا بيه على الطوارئ، وقالوا
"واضح إنه جاله جلطة حادة، ادعوله، بنعمل اللي نقدر عليه"
في صالة الانتظار، الجو خانق، يوسف واقف، بيتمشى رايح جاي.
الأم قعدت على الكرسي وهي بتردد
"يارب ما يجراله حاجة... يارب ما يجراله حاجة."
يسر كانت قاعدة بعد ما جت هيا وفريده وراهم، وشها شاحب وعينيها ثابتة على الأرض.
فريده قالت بهدوء
"يسر... اشربي العصير ده يهديكي شويه"
يسر هزت راسها برفض، وبصوت واطي جدًا قالت
"أنا السبب... أنا السبب."
يوسف سمعها وقال وهو بيقرب منها
"انتي مش السبب، متلوميش نفسك، محدش كان يتوقع اللي حصل ده."
بس صوته كان مكسور... حتى هو مش مصدق الكلام اللي بيقوله.

بعد شوية، الدكتور خرج وقال
"الحمد لله، عدّى مرحلة الخطر... بس لازم يرتاح تمامًا، ممنوع أي ضغط نفسي عليه."
يوسف قال بسرعة
"ينفع ندخله؟"
الدكتور هز راسه
"واحد بس، ويفضل يبقى في هدوء تام."
الأم دخلت، وسابوها لحظة معاه، يوسف وقف ساند على الحيطة، بيحاول يجمّع نفسه.
قال لفريده
"أنا مش عارف هعمل إيه... هقول للناس إيه؟ هقابل أختي إزاي لو شفتها؟"
فريده قالت بصوت واطي
" سيبها على ربنا، الناس فهمت أن عمو تعب، ناس كتير هتيجي تتطمن عليه دلوقتي، متبينش اني في حاجه"
يوسف قال
" اعملها ازاي، ازاي قدرت تعمل حاجه زي دي، ليه فكرت في نفسها وبس" 

تيم كان قاعد في أوضته على طرف السرير بيفكر وبيسأل نفسه
"ليه مشيت؟"
فضل يسأل نفسه السؤال ده كذا مرة، كأنه بيحاول يلاقي إجابة من الفراغ.

"هي ليه مشيت؟ أنا قلت حاجه ضايقتها؟ ولا حصلها حاجه؟"
عمال يردد نفس الكلام وفجأة افتكر إن فريدة كانت قايله قبل كده إن عندها كتب كتاب صاحبتها.
نسي خالص بالرغم من أنه جاي اصلا ومعاه فلوس الفستان اللي هيا حطتهم في التابلوه، حس نفسه غبي شويه، وشه اتبدل، حس إن يونس خدعه، قام بسرعة وخرج من أوضته وراح على أوضة يونس، كان محمود لسه بيحطله المسكن.
تيم قال بنبرة سريعة
"ثانية واحدة."
محمود بصله مستغرب، وكمان يونس رفع حاجبه كأنه بيقول "في إيه؟"
تيم دخل الأوضة، واقف قدام يونس وقال بعصبية
"إنت كدّاب يا زفت."
يونس فتح عينه من الصدمة
"كدّاب في إيه؟!"
تيم قال وهو بيقرب منه
"فريدة ممشيتش… فريدة راحت كتب كتاب صاحبتها، وبتكدب عليا"
يونس قال بارتباك وهو بيحاول يخفف التوتر
"إيه ده؟! انت عرفت إزاي؟"
تيم قال وهو بيجز على سنانه
"حاجة متخصكش… يا كداب."
يونس ضحك بخفة وقال
"يا عم بهزر معاك، متبقاش تقيل كده...بس شاغل بالك ليه؟"
تيم بصله بحدة وقال
"ومشغلهوش ليه؟ طبيعي أشغل بالي، اصلا مفيش حاجه شاغله بالي غير الموضوع ده، وخصوصا بكره"
يونس قاله 
" وانت متضايق ليه، مش انت خرجت نفسك منها، اهرب يلا كعادتك" 
سكت شويه كأنه كان هيقول حاجه
يونس سأله 
" عايز تقول ايه ؟!" 
تيم لف وشه وقال بسرعة
"ولا حاجه… أنا ماشي."
وسابه وخرج والغضب باين على وشه

في شقة مفروشة صغيرة، كانت ياسمين قاعدة على طرف السرير، عينيها سرحانة في الأرض، ملامحها جامدة، بس عقلها بيغلي، مش بتعيط، ومش بتتكلم، بس كل تفاصيل وشها كانت بتقول إنها مش مرتاحة… فيه حاجة تقيلة على قلبها.
محمد كان واقف جنب الشباك، بيبص عليها من بعيد، وبيحاول يقرا اللي جواها، قرب منها وقال بهدوء
"ياسمين، متخافيش… أنا معاكي، ومش هسيبك."
مردتش.
قرب أكتر، وقعد جنبها وقال
"أنا عارف إنك مش بتتكلمي، بس شايفك… شايف إنك مش مرتاحة."
اتنهدت، وقالت بصوت واطي
"أنا مش ندمانة، بس... بابا لما يعرف، هيعمل إيه؟ ماما، يوسف، يسر..."
صوتها اتكسر في الآخر، لكنها شدت نفسها، ورجعت لسكونها.
محمد قال بسرعة
" ملناش دعوه يا ياسمين، خلاص انسيهم، مش هينفع نرجع، مفيهاش رجوع"
ياسمين بصتله، عينيها مفيهاش دموع، بس مليانة خوف 
قال بهدوء
"انتي مش لوحدك، انا معاكي، احنا خدنا قرارنا سوا ونفذناه سوا، وهنعيش باقي حياتنا مع بعض"
ياسمين قالت 
"أنا خايفة... بس مش منهم، من نفسي، مش مصدقه اللي عملته"
محمد قرب منها وحط إيده على كتفها، وقال
"أنا معاكي، صدقيني، كل حاجة هتتصلح… حتى لو أخدت وقت."
كان واضح إنها بتحاول تصدّقه، بس جواها في حرب.

عند فريدة، كانت قاعدة مع يسر في أوضتها، الجو هادي بس كله توتر وألم.
فريدة قالت بنبرة هادية وهي بتحاول تطمنها
"أنا هفضل معاكي النهارده، كلمت إسلام وقلتله إني هكون معاكي."
يسر كانت نايمة على جنبها، ولفت الغطا حواليها، ردت بصوت واطي مليان خيبة
"مفيش داعي يا فريدة... لو عايزة تروحي، روحي."
فريدة قربت منها أكتر وقالت بصدق
"يسر، بجد أنا مش عارفة أهون عليكي إزاي... مش عارفة أصلاً إحساسك، بس أكيد اللي حصل خير، يعني... كويس إنك متجوزتهوش."
يسر اتعدلت وقعدت، عينيها فيها تساؤل وألم وقالت
"طب وياسمين يا فريدة؟ دي أختي الصغيرة... إزاي قدر يضحك عليها؟ وهي صدقته إزاي؟"
فريدة حطت إيدها على كتفها وقالت بنبرة فيها أمل
"ياسمين هترجع، أكيد، لما تعرف إنه إنسان مش كويس هترجع، صدقيني، هترجع وهتفهم غلطها... هو غلط كبير، عارفة، بس هتفهم، هي لسه صغيرة ومش فاهمة."
يسر قالت بصوت مكسور
"وبابا وماما... ويوسف؟"
فريدة اخدت نفس وقالت
"محدش هيعرف يا يسر، كتب الكتاب محصلش علشان باباكي تعب، الناس كلها عارفة كده، أما أهل خطيبك، فهما زيكوا... ابنهم هرب برضو وصغّرهم قدام الناس."
يسر قالت بإحساس عميق بالخذلان
"بس البنت غير الولد يا فريدة... بنت تهرب دي كارثة."
فريدة هزت راسها وقالت بإصرار
"الاثنين غلطوا نفس الغلط، مينفعش نقول إنها لوحدها الغلطانة أو إنها غلطت أكتر."
يسر سكتت لحظة وبعدين قالت وهي بتبص في الفراغ
"أنا بس اللي شاغل تفكيري... هو جه اتقدملـي أنا ليه؟ ما كان ييجي ليها هيا! ليه يعمل كده؟"
فريدة قربت منها أكتر، وقالت بحنية
"خلاص يا يسر... اللي حصل حصل، المهم دلوقتي ترتاحي... ومتفكريش."
ساد الصمت في المكان، بس صمت مزعج مليان جروح والم 

الصبح، كانت فريدة صاحيَة من بدري، أو يمكن منامتش أصلًا
يسر برضو كانت في حالة تانية، نايمة بعين وصاحية بعين، مش قادرة تصدق اللي حصل، لسه جواها أمل بسيط إنها تصحى تلاقي كل ده كابوس، بس الواقع كان بيشدها كل شوية ويقولها "لاء... حقيقي".
قامت من على السرير بهدوء، كانت حركتها بطيئة، كأنها مش حابة تواجه اللي ورا الباب، فريدة سألتها، صوتها كان واطي لكن قلقان
"رايحة فين؟"
يسر ردت
"هطمن على بابا."
فريدة قالت بسرعه
"استني… هاجي معاكي."
خرجوا سوا من الأوضة، مشيهم كان بطيء، كأن رجليهم تقيلة 
وصلوا قدام الاوضه، الباب كان مفتوح، فدخلوا بهدوء.
أم يسر كانت قاعدة على سجادة الصلاة، عينيها كلها دموع، وشها شاحب وبتعيط في صمت، كانت باينة مكسورة.
باباها كان نايم على السرير، ملامحه تعبانة جدًا، النوم مش مريح، والهم واضح على ملامحه.
اول ما شافتهم أم يسر، قامت بسرعة وراحت لبنتها، حضنتها حضن طويل كأنه محاولة تعويض عن وجع الليلة اللي فاتت.
يسر حست حضن أمها وكأنه بيهزّها من جوه، حضن دافي لكنه مليان وجع، وقالت بصوت مخنوق
"بابا عامل إيه؟"
أمها مسحت دموعها بسرعة وقالت
"الحمد لله… أحسن من بالليل شوية."
سكتت لحظة، وبصت لبنتها وسألتها
"وإنتي… إنتي عاملة إيه؟"
يسر عضّت شفايفها، وعنيها نزلت دمعة واحدة وهي بترد
"هكون عاملة إيه يعني يا ماما؟ حاسة إني في كابوس… ونفسي أفوق منه ومش عارفة."
أمها حضنتها تاني، وكأنها بتحاول تحوش عنها وجع الدنيا كلها، وقالت وهي بتحاول تثبت صوتها
"ربنا كبير يا يسر… اللي حصل مش سهل، بس إحنا أقوى، ربنا معانا، ربنا معانا يا بنتي"
يسر سكتت، كانت بتفكر في كل كلمة، بس عقلها لسه مش مستوعب.
بصّت على باباها، وكان نايم بعيون مقفولة وتنهيدة تقيلة طالعة منه، كأن قلبه بيتكلم من غير صوت.
قالت وهي بتقرب منه وتمسك إيده
"أنا السبب… أنا كنت شايفة حاجات ومطنشاها، كنت واثقه فيهم، بس هما خانوني"
أمها قربت منها وقعدت جنبها، قالت بهدوء
"إنتي مش السبب يا بنتي، محدش كان يتوقع اللي حصل… لا أنا، ولا أبوكي، ولا حد اتوقع ده"
فريدة كانت واقفة وراهم، بتحاول تسيطر على دموعها، بس عينيها فضحتها.
جه صوت أبو يسر، واطي بس حاد
"مش عايز أسمع اسمها في البيت ده تاني… أنا بنتي ماتت، مش عايز أسمع سيرتها."
أم يسر بصتله بدموع ووجع، وقالت بتحاول تلطف الكلام
"بس..."
قطع كلامها بنظرة مليانة كسر وتعب، وقال بصوت مبحوح من الوجع
"معنديش بنات كده، اعتبروها ماتت."
الكلمات نزلت تقيلة على الكل، بس محدش هيقدر يعترض اصلا 

فريده بعد ما سابت يسر نايمه، روحت البيت، أول ما دخلت لقت إسلام أخوها في الصالة.
بصتلُه، ولقيت نفسها بتجري عليه وتحضنه، حضن الأمان اللي كانت محتاجاه 
حضنها بقوة، وقال بهدوء
"اهدي يا حبيبتي... اهدي"
فريدة كانت بتعيط، قالت وهي بتحاول تمسك دموعها
"زعلانة أوي على يسر، مكانتش تستاهل اللي حصل… بس أنا نبهتها، نبهتها بطريقه غير مباشرة، وقلتلها تاخد بالها، وهي مصدقتش."
إسلام رد عليها وهو بيطبطب على ضهرها
"فريدة، انتي عملتي اللي عليكي، وهي كبيرة وعاقلة، واللي حصل ده… كويس إنه حصل قبل الجواز مش بعده."
فريدة هزت راسها وقالت
"قولتلها كده برضو… بس هناك، حالتهم كلهم وحشة، يسر وباباها، ويوسف، ومامتها… متخيل اللي حصل؟"
إسلام قال بهدوء
"عارف، بس الوقت هيهديهم، وكل واحد فيهم هيلاقي طريقه يتعامل بيها مع الوجع، انتي بس خليكي جنبها، وجودك بيفرق."
هزت راسها وقالت 
" اخدت مسكن علشان تعرف تنام، بتعيط طول الليل فحاولت اديها حاجه تريحها" 

على آخر النهار، وصلت فريدة بيت يونس، كانت ماشية بخطوات هادية، لكن تعبانة من جو اليوم كله، أول ما دخلت، يونس شافها وابتسم بارتياح واضح وقال
"ياااه، حمد الله على السلامة."
فريدة ردّت وهي بتخلع الشنطة من على كتفها
"متأفورش، ده هو يوم."
ضحك يونس وقال بنبرة خفيفة
"والله كأنه سنة… يوم تقيل."
فريدة رمقته بنظرة فيها نص جد ونص هزار وقالت
"وقبل ما أجي؟"
قال 
"كانت أيام تقيلة برضو."
فريدة غيرت الموضوع وسألته بنبرة هادية
"وامبارح… محمود كان كويس؟"
يونس هزّ راسه وقال
"كويس عادي، بس… انتي غير، أخدت عليكي، مرتاح معاكي."
فريدة بصّتله وقالت بخفوت
"كويس."
يونس حس إنها مش فريده اللي متعود عليها، فسألها
"مالك؟ حاسس إنك متضايقة."
فريدة ردّت بسرعة وهي بتحاول تخبي أي مشاعر
"عادي."
يونس قال وهو بيحاول يفكّ لغز الحالة اللي فيها
"المفروض إنك كنتي في كتب كتاب صاحبتك… تبقي مبسوطة."
سكتت لحظة، وبعدين قالت بنبرة هادية لكن فيها حزن مكتوم
"مكانش في كتب كتاب."
يونس استغرب وسألها
"أومال انتي كنتي فين؟"
فريدة اتنهدت وقالت بصوت فيه وجع
"أبوها تعب… وراح المستشفى."
يونس سكت، وعينيه بقت فيها لمعة تعاطف حقيقي، 
وبعدين قال بهدوء
"خير؟ هو كويس دلوقتي؟"
فريدة أومأت براسها وقالت بصوت واطي
"أه… الحمد لله أحسن"
حس أن في حاجه تانيه بس محبش يضغط عليها ويتطفل فسابها على راحتها

فريدة دخلت تغير هدومها، وبعد دقايق خرجت... أول ما خرجت شافت يونس بيحاول يحرك رجله لوحده، قربت عليه بسرعة وقالت بقلق
"انت بتعمل إيه؟!"
يونس بصلها وهو بيحاول يثبت نفسه وقال بابتسامة باهتة
"بقيت أعرف أحركها شوية."
قالت وهي بتقرب أكتر وملامحها فيها توتر
"بس كده غلط يا يونس! أنا مسمحتلكش تغير الوضعية ولا تتحرك كده من نفسك."
قال بصوت هادي لكن متألم
"مش قادر أستنى… نفسي أحس إني بتحسن، اتحرك، أرجع طبيعي."
قبل ما تكمل كلامها، الباب خبط خبطة خفيفة ودخلت سالي وهي بتقول بسرعة
"ماما في الطريق… وجاية."
"ماما في الطريق... وجاية"
يونس اتوتر فجأة وقال بصوت شبه هامس 
"استخبي! استخبي بسرعه!"
فريدة وسالي بصوله باستغراب، 
سالي قالت وهي رافعة حواجبها
"إيه الهبل ده يا يونس؟"
وبعدين كملت
"تيم كلمني وقالي إنه لسه مقالش ليها حاجه، وإنها متعرفش أي حاجه لحد دلوقتي."
فريدة بصتلها باستغراب وقالت بهدوء
"هيحصل إيه يعني لما تعرف؟ أو انتي عايزاني أتصرف ازاي؟"
يونس رد وهو بيحرك راسه بقلق
"هتطردنا كلنا بس!"
سالي قالت بنبرة فيها توتر وصدق
"هتمشيكي يا فريدة... بس أنا مش عايزة كده، هتقولك في الأول تمشي بهدوء، وبعدها... معرفش، المرحلة الجاية ممكن تكون إيه، تيم بس اللي يعرف،
زمان، كانت في واحدة شغالة هنا، بابا اللي جايبها، ورفضت تمشي، بس اختفت بعدها، معرفناش مشيت ازاي، كنا صغيرين وقتها."
فريدة سكتت لحظة، وبعدين قالت بهدوء ونظرتها فيها تسليم
"تمام، لما تيجي هنشوف، فاتحيها وشوفي رد فعلها... بس بعدها، إيه اللي هيحصل؟"
سالي قالت بخفوت
"مش عارفة."
فريدة قالت
"يبقى سيبيها على ربنا، يمكن تقولكم السبب اللي مخليها رافضة تعاملاتكم مع أي مؤنث... أو وجود أي مؤنث قريب من البيت."
يونس وضح
"إحنا مش ماشي علينا القوانين أوي... يعني هي رافضة وجود أي بنت في البيت أو الشركة أو المصنع، بس مش بتجبرنا نمنع التعامل معاهم برا، يعني طول ما إحنا بره البيت أو الشغل، تمام."
فريدة هزت راسها وقالت بنبرة تفكير
"مش هتفرق... المبدأ واحد، حتى لو في البيت بس، وانتوا مش عارفين السبب، وتيم رافض يقول، وده حقكم."

وقفت عربية سودا فخمة قدام البيت.
الباب اتفتح، ونزل تيم الأول، وقف جنب العربية، لحد ما نزلت هي.
طلّت من العربية بهدوء، لابسة اسود بسيط وأنيق وشيك، وقفت بثبات ووقار وهي بتبص حواليها، ملامحها كانت ساكنة.
نزل واحد من البودي جاردات بهدوء وفتح باب تاني للعربية... وخرج منه كرسي متحرك، عليه راجل باين عليه التعب، لكن باين كمان إن ليه مكانته.
سالي كانت واقفة على باب البيت، وأول ما شافتهم نزلت بسرعه وياسين أول ما لمح جده وجدته، سبقها وجرى بأقصى سرعته وهو بيهتف
"تييييييييييتة! جدووووووو!"
ابتسمتله ابتسامة صغيرة دافية، حضنته بحنية، وبصّت لتيم اللي واقف جنبها، وقالتله بصوتها الهادي اللي دايمًا واثق
"وحشتوني يا ولاد."
سالي حضنتها وباستها
"حمد لله على السلامة، نورتوا البيت."
ردّت وهي بتطبطب على وشها
"البيت منور بيكوا."
بصّت لتيم بعدها، وقالت بهدوء وهي بتحط إيدها على دراعه
"ساكت ليه ومش عايز تتكلم"
قال بإيجاز
" عادي، مفيش حاجه اقولها" 
قالتله 
" هنشوف "
دخلوا كلهم سوا، وسكتت لحظة وهي بتبص للبيت… بتحب بيتها حتى لو بعدت عنه ساعه بيوحشها
سألت بهدوء
"يونس عامل ايه ؟!"
سالي ردت بسرعة
"هو كويس… صاحي دلوقتي."
قالت بنبرة ثابتة
"كويس، هطلع أشوفه."
سالي اترددت شوية وقالت
"بس كنت عايزه أقولك حاجه قبل ما تشوفيه."
ردت وهي بتتحرك ناحية السلم
"لما أشوفه ابقي قولي اللي عايزه تقوليه."
قالت سالي بتوتر وهي بتحاول توقفها
"لاء قبل ما تطلعي… عايزه أقولك."
سالي بصت لتيم اللي اكتفى إنه يرفع كتفه وبعدين بصت لمامتها وقالت
"أنا جبت ممرضة تانية مع يونس."
سكتت لحظة، وبعدين بصت لسليمان " شغال في البيت" وقالت بنبرة واضحة
"طلع نصر أوضته يا سليمان."
استنت لحد ما اخده وبعدها بصّت لسالي وقالت بهدوء قاتل
"يبقى تمشي يا سالي… من برا برا، متتكررش تاني يا حبيبتي علشان منخسرش بعض."
سالي اتنفضت وقالت
"بس المرادي يا ماما مش هتمشي، أنا عايزاها في البيت، ويونس اتعلّق بيها و..."
قاطعتها بحسم
"سالي، خليني هادية... مشيها ومحدش تاني ييجي، أحسن ما تضطريني أعمل حاجات مش هتعجبك."
سالي قالت بإصرار ممزوج بدموع على طرف عنيها
"طب ليه؟ يعني إيه السبب يا ماما؟ أنا بجد زهقت، نفسي أقعد هنا بس بحس إني لوحدي، مانعه أي بنت تيجي ليه؟ بجد؟"
ردت بثبات
"دي حاجه تخصني أنا بس، ده بيتي، وأنا حرة أحط القوانين اللي تعجبني، ولو مش عاجبك… يبقى خليكي في بيتك وجيبي اللي يعجبك."
سالي قالت بانفعال
"يعني يا ماما تمنعيني من وجودي هنا في الآخر؟!"
نفت
"بيتك ومطرحك طبعًا، بس لو عايزه تبقي هنا… احترمي القوانين اللي حطاها، واللي مش عاجبه… عارف هو يعمل إيه."
بصت لتيم، وقالت
"ولا إيه يا تيم؟"
تيم قال بنبرة باردة
"أكيد يا ماما، أنا مليش دعوه، أنا عرفتك إني مش في البيت أصلاً."
سالي قالت بانكسار
"بقى كده يا تيم؟ كلكوا بقيتوا ضدي يعني؟"
تيم قال بنفي
"أنا مش ضد حد، بس هي حرة… تعمل اللي هي عايزاه."
سالي قالت بصوت بدأ يعلى
"بس أنا من حقي أعرف إيه السبب اللي مانع وجود أي بنت هنا؟ ليه مانعين من زمان؟ حتى صحابي كنت أنا اللي بروحلهم هما ميجوش، ليه يا ماما؟! هتبقي تعملي إيه مع مراتات يونس وتيم؟ ولا مش هتجوزيهم؟"
قالت بنبرة قاطعة
"لما ييجي وقت الكلام ده نبقى نشوف يا سالي، دلوقتي اسمعي الكلام، هروح آخد شاور واشوف نصر، هتكوني مشتيها، ولما أرجع… ملاقيهاش."
سالي قالت بنبرة متحدية
"ولو ممشيتش؟ هتعملي إيه؟ تخيلي كلنا وقفنا ضدك ورفضنا مبدأك… هتعملي إيه وقتها؟"
تيم اتدخل
"سالي، خدي بالك من كلامك لو سمحتي."
سالي بصتله وقالت بغضب
"انت تسكت خالص! أنت سبب كبير في اللي إحنا فيه أصلاً، دايمًا موافقها على كل كلامها حتى لو كان غلط! وأنا عايزه أعرف دلوقتي بقا، ليه مفيش بنات بتخش هنا؟ ليه القانون ده؟ من حقي أعرف!"
تيم رد بهدوء 
"مش من حقك طبعًا، ومش من حق حد يعرف، البيت ده بيتها، وتعمل اللي هي عايزاه من غير ما نسألها، حقك ده لما تمنعك، لكن هي ما منعتكيش."
سالي علت صوتها أكتر، وقالت بحزم موجوع
"لِعلمكوا بقى… أنا لو مشيت، والله ما هعتب البيت ده أبدًا، مش هتشوفوا وشي تاني، ويبقى القانون بحق وحقيقي، ومفيش أي واحدة تدخل البيت ده، حتى أنا! صدقوني، لو خرجت… مش هرجع أبدًا، انسوني… واعتبروني متّ!"
سادت لحظة صمت تقيلة، محدش نطق، بصتلها بحدة، نظرة مفيهاش اي تردد، وبهدوء مرّ قالت
"خلاص يا سالي… لو دي رغبتك، يبقى براحتك."
سالي اتفاجئت، متوقعتش كده ابدا، ليه الرفض ده لدرجة أنها تتخلي عنها، تيم بص لمامته، وبعدين بص لأخته، عايز يتكلم، يخفف، بس سالي كانت بصاله بعتاب ميتحملوش

وسط الجو المشحون ده، نزلت فريدة بخطوات هادية، هيا سمعت كل كلمه اتقالت وحست أن كده الأمور بتخرج عن السيطره فقررت تتدخل
أول ما دخلت الصالون، بصّت على الموجودين وقالت بنبرة مهذبة وواثقة
"مساء الخير."
الكل لف ناحيتها، بس فريدة… أول ما عنيها وقعت على مامت تيم، اتجمدت.
مفيش نفس… مفيش كلمة… كل اللي في وشها كان صدمة وبس
رجعت خطوتين لورا، وإيدها خبطت في ترابيزه جانبية، كل حاجة عليها وقعت واتكسرت 
سالي بصت لفريده بقلق وقالت
"فريدة؟ مالك؟"
بس فريدة مكانتش سامعة اي كلمه، كانت بتبص للست اللي قدامها بصدمه ومش مستوعبه
مامت تيم ( صابرين) بصّتلها هي كمان، ملامحها اتجمّدت.
تيم قال بصوت هادي، لكن فيه نبرة حذر
"فريدة، في حاجة؟"
فريدة ردت بصوت واطي جدًا، أشبه بهمس
"هي..."
صابرين كانت واقفة مكانها، حركت شفايفها بهمس مش واضح...
"إيناس؟"
فريدة قالت بصوت فيه رهبة ودهشة
"مش معقول..."
صابرين قربت خطوة، باصة ليها بتركيز غريب، وقالت بانفعال مكبوت
"إزاي؟! انتي... انتي؟"
سالي وتيم واقفين مش فاهمين أي حاجة،
تيم باصص لفريده وبعدين بص لمامته 
وبعدين الاتنين بصوا لبعض، ملامحهم كلها استغراب وقلق.
صابرين وقفت قدام فريدة، عنيها بتدور في ملامحها وكأنها بتفتّش عن ذكرى قديمة، وقالت بانبهار
"نفس العيون... نفس الملامح... انتي مين؟"
فريدة هزّت راسها وقالت بهدوء فيه رهبة
"أنا فريدة... بنت إيناس."
صابرين اتصدمت وتيم كمان مصدقش
صابرين قالت بصوت مبحوح
"بنتها؟!"
هزت فريدة راسها بتأكيد، وقالت بنبرة دافيه
"ماما دايمًا بتتكلم عنك، صورك معاها على طول، وبتحكيلي عنكوا... نفسها تشوفك أوي."
دمعة نزلت على خد صابرين، وراحت حاضنة فريدة بقوة، حضن دافي كأنها بتحضن اختها
سالي كانت واقفة مصدومة، مش مستوعبة اللي بيحصل، قربت خطوة وقالت
"ماما؟ انتي تعرفيها؟!"
صابرين وهي لسه حاضنة فريدة، قالت بصوت مبحوح
"دي بنت أختي... أختي اللي الظروف فرقتنا سنين، ومعرفش عنها حاجه"
تيم كان واقف، عينيه مش قادرة تتحول عن فريدة، مش مصدق إن فريده بنت خالته
صابرين قعدت فجأة على أقرب كرسي، وسحبت فريدة تقعد جنبها وقالت
"احكيلي... احكيلي عنها، عنك، عن حياتها... هي كويسة؟ اتجوزت مين؟ عندك إخوات؟ انتي الكبيرة؟ ولا الصغيرة؟
سكتت لحظة، وبصت لفريدة كأنها مش مصدقة، وقالت
" أنا فعلاً قدامي بنت إيناس؟!"
فريدة ضحكت وسط دموعها وقالت
" أيوه، بنتها... ماما اتجوزت بعدك بسنه، عندي اسلام اكبر مني ب 3 سنين"
بصّت في الأرض وقالت
"ماما دايمًا بتتكلم عنك، وتقولي إنك كنتي كل حياتها، وإنك فجأة اختفيتي، وإنهم خدّوكي منها... من يومها وهي بتدعي إن ربنا يجمعكم"
صابرين دمعت تاني، وقالت بصوت مبحوح
"وأنا كمان... كنت بدعي، كنت علطول بدعي"
بصّت لفريدة تاني وقالت
" بس وجودك دلوقتي زي حلم... أنا مش مصدقة..."
دموعها بدأت تلمع في عينيها وهي بتتمتم
" فريدة... انتي شبهها... شبهها بالظبط..."
رفعت إيديها بتردد، كأنها مش مصدقة ولمست وش فريدة بإيد بتترعش
قالت بصوت مخنوق
"إيناس... أختي اتجوزت؟!"
سكتت لحظة وكملت وهي بتحاول تبتسم وسط دموعها
"وعندها بنت؟! وولد؟!"
فريدة ابتسمت وقالت بهدوء
"عندها بنت، ودايمًا بتحكيلها عنك، كانت بتعيط وهي بتوريني صورك، وبتقولي إنها مشتاقالك من سنين..."
بصت في عينيها وكملت
"كانت نفسها تضمك ولو دقيقة."
صابرين سألتها بصوت مكسور
"إيناس فين دلوقتي؟ عايزة أشوفها، لازم أشوفها..."
فريدة هزت راسها وقالت
"هتشوفيها... هتفرح اوي لو شافتك" 
وفي اللحظة دي، قررت تروح تشوف اختها، قامت وقالت لتيم
" يلا يا تيم، لازم اروح اشوفها" 
تيم هز راسه وقال
" حاضر يا ماما، يلا"
لكن قبل ما يخرجوا، سالي فجأة قالت بقلق
"يونس؟!"
فريده بصت في ساعتها وقالت بهدوء
"يونس، معاد حقنته عدى."
صابرين بسرعة قالت
" اطلعي اديهاله بسرعه."
فريده طلعت بسرعة، وصابرين وراها، دخلت عند يونس اللي كان واضح عليه التوتر وسأل
"ايه اللي حصل؟"
صابرين دخلت تتطمن عليه، وهو مستغرب جدًا من وجود فريدة مع والدته في نفس الوقت، فريدة كانت بتحضر الحقنة، ويونس سألها بدهشة
" هو في ايه؟ فهموني، اللي انا شايفه ده ازاي ؟!"
فريدة قربت من الكانيولا، وهي بتثبت الحقنة، وقالتله بنبرة حازمة
" مش وقته دلوقتي، هتفهم كل حاجة بعدين، ممكن؟!"
صابرين قربت منه وسألته 
" انت كويس ؟!" 
قالها بتعب 
" حاسس اني ضارب حقنه اقسم بالله" 

كان تيم واقف مع سالي، وسالي قالت بذهول
"إزاي؟ يعني ماما عندها أخت وإحنا منعرفش عنها أي حاجة؟"
تيم كان ساكت، فسالي بصتلّه باستغراب وقالت
"إنت كنت عارف؟"
رد عليها فورًا
"لاء طبعًا، وهعرف منين؟"
سالي قالت بحدة
"ماما بتقولك كل حاجة، وكمان شايفاك متفاجئتش اوي يعني"
قال بهدوء
"مش دايمًا"
سالي اتنهدت وقالت بمرارة
"إنت تعرف كل حاجة هنا، أصلًا إنت الوحيد هنا اللي ليك قيمة، لكن لا أنا ولا يونس حد بيعملنا قيمة... وده آخر يوم ليا هنا، مش هعتب البيت ده تاني."
تيم قال وهو بيحاول يهدّيها
"سالي، بطلي هبل، متشخصنيش الأمور."
بصلته بوجع وقالت
"طبعًا، ما إنت مش مكاني عشان تحس بيا."
فريده وصابرين نزلوا، وخرجوا كلهم ما عدا سالي اللي رفضت تروح وركبوا العربية واتحركوا على بيت فريدة.
ولما وصلوا، نزلوا من العربية، وفريدة قالت بحماس
"ماما مش هتصدق لما تشوفك بجد... يا رب تكون في البيت، هطلع أشوفها."
استنوا تحت وهي طلعت بسرعة، فتحت الباب ودخلت بسرعه، كانت مامتها بتتكلم في التليفون.
فريدة دخلت بسرعة وقالت بلهفة
"ماما، مش هتصدقي!"
قالت باستغراب
"في إيه يا فريدة؟"
فريدة شدت إيدها وهي بتضحك ومتوترة وقالت
"قومي، انزلي معايا! عندي ليكي مفاجأة حلوة جدًا."
قالت باستغراب وهي لسه قاعدة
"مش قادرة أنزل يا فريدة، في إيه؟"
فريدة ردّت بإصرار
"يا ماما، يلا بس بسرعة!"
إيناس سابت الموبايل على السرير وقامت بتردد، قلبها بدأ يدق بسرعة وهي شايفة الحماس اللي في عيون بنتها، وقالت وهي بتمشي وراها
"فريدة، هو في إيه؟ خوفتيني."
فريدة ابتسمت وقالت وهي ماسكة إيدها
"هتعرفي دلوقتي... بس بلاش تسألي، تعالي بس."
نزلوا مع بعض، وكل خطوة كانت بتقربهم من تحت وقلب إيناس بيخبط كأنها داخلة على حاجة مش قادرة تتخيلها، نزلوا تحت وصابرين كانت واقفه منتظره بلهفه
إيناس وقفت مكانها، وسابت إيد فريدة من الصدمة، وشها اتغير، قربت خطوة وقالت بصوت مبحوح
"صـ... صابرين؟!"
صابرين ابتسمت ابتسامة مهزوزة، وقالت وهي بتخطي خطوة ناحيتها
"إيناس... إيناس أختي!"
إيناس عينيها دمعت فورًا، مش مصدقة، قربت منها وقالت
"مش معقول... دي إنتي؟ فعلاً إنتي؟"
صابرين مدت إيديها، وهم الاتنين حضنوا بعض حضن عمره سنين، سنين من البُعد، من الوجع، من الشوق، حضن فيه كل اللي مفيش كلام ممكن يوصفه.
فضلوا كده لحظات، من غير ولا كلمة، بس الدموع كانت بتتكلم بدالهم.
فريدة واقفة شايفاهم وحست بفرحه، مامتها طول عمرها بتحلم باللحظه دي، اما تيم فكان واقف بعيد وحاطط أيده في جيبه وهو بيبصلهم
صابرين وهي لسه في حضن أختها همست
"وحشتيني أوي، كنت فاكرة إني مش هشوفك تاني طول عمري."
إيناس قالت بصوت متكسر
"أنا كمان... كنت بدعي لربنا يخليني أشوفك ولو مرة واحدة بس... كنت نفسي أحضنك زي كده."
بعدوا عن بعض شوية، بس إيديهم لسه في إيدين بعض، مش عايزين يسيبوا اللحظة.
فريدة ابتسمت وعيونها بتلمع، وقالت بهدوء وهي باصة لصابرين وإيناس
"يعتبر أنا السبب في إنكموا تتجمعوا من تاني... وده أحلى سبب حصل في حياتي."
صابرين قالت بفرحه 
" بحمد ربنا من كل قلبي أنه بعتك"
صابرين بصّت حوالين المكان، وبنبرة فيها لهفة نادت
"تيم... تعالى سلّم على خالتك."
تيم كان واقف على جنب، متابع بصمت، قرب بخطوات بطيئة، وسلّم على إيناس بإيده وهو بيقول باقتضاب
"أهلاً وسهلاً."
بس قبل ما يرجع مكانه، إيناس مدت إيديها وشدّته في حضنها، حضن صادق ومليان شوق، تيم اتفاجئ، مرفعش إيديه، بس منسحبش، فضّل مكانه، ساكت
إيناس ابتسمت وقالت بتأثر واضح
"أنا فرحانة إني شوفتكوا... فرحانة أكتر مما كنت متخيّلة."
قعدت جنب اختها، الجو كان مليان مشاعر لسه بتتشكل، بين دموع فرحة وابتسامات مش مصدقة اللي بيحصل.
صوتهم هادي لكن عيونهم بتتكلم أكتر من لسانهم، حنين سنين كتير كان بيطلع في كل كلمه.
فريدة كانت واقفة على جنب، بصّت لتيم اللي واقف مكانه ساكت كعادته، وقربت منه وهي بتشده بلطافة
"تعالى معايا."
بصلها باستغراب وقال بجفاف
"فين؟"
ردت وهي بترفع حواجبها
"اقف معايا، هعملهم حاجة يشربوها."
قال ببرود
"وأنا مالي؟"
زفرت وقالت 
"إنت مش حافظ غير الكلمة دي يعني؟"
شدّته من دراعه وهي بتقول
"تعالى بدل ما انت واقف كده ملكش لازمة."
اتنحنح وقال وهو بيبصلها
"أنا مليش لازمة؟!"
ردت بسرعة وهي بتهزر
"أومال أنا؟!"
شدّته تاني، وهو في الآخر استسلم ومشي وراها من غير ما يقول كلمة تانية.
دخلوا المطبخ، وكان فيه واحدة من الخدامين بتنضف الرخامه، فريدة ابتسمت وقالت بنبرة ودودة
"مساء الفل."
الخدامة ردت بابتسامة
"مساء النور يا حبيبتي، هتعملي حاجة؟"
قالت فريدة
"آه، هعمل عصير."
ردت الخدامة بلطافة
"طيب، هسيبك براحتك."
خرجت وسابتهم لوحدهم، فريدة فتحت التلاجة، طلعت مانجا وعلبة عصير جاهز، ولفت لتيم وسألته
"أعمل عصير ولا أصب الجاهز؟"
قال من غير ما يبصلها
"وأنا مالي؟ انتي اللي هتعملي."
ردّت وهي بتزفر بإحباط
"نفسي أخد منك عقّاد نافع بجد."
رفع حاجبه وقال
"يعني إيه؟"
هزت راسها وقالت باستخفاف
"ولا حاجة."
سكتت لحظة وهي بتقشر المانجا، وبعدها بصّتله تاني وقالت بنبرة فيها تأمل
"يعني في الآخر طلعنا قرايب... شوف الصدف."
ردّ وهو بيهز كتفه
"مش مقتنع أساسًا."
قال له وهي مبتسمة بسماجه
"عنك ما اقتنعت، أنا مقتنعة تمامًا... يمكن علشان من وأنا صغيرة عارفة إن عندي خالة، وعارفة شكلها كمان، بس انها تكون مامتك ده اللي متوقعتهوش، حسيتها شريره من كلامكوا"
بصلها للحظة، لكن مردش، كأنه مسمعهاش اصلا 

فريدة بدأت تقطع المانجا وهي مركزة في اللي بتعمله، وتيم واقف جنبها ساكت، إيده في جيبه، وملامحه زي ما هي... مفيش حاجة بتتحرك غير عينه اللي بتتابعها من غير ما تحس.
قالت وهي بتحط المانجا في الخلاط
"عارف؟ طول عمري عندي أمل إن اليوم ده ييجي، بس مكنتش متخيلة إنه هييجي فعلاً."
مردش، بس فضل يبص لها.
كملت وهي بتشغّل الخلاط وعلت صوتها
"وأكتر حاجة كنت عايزاها إن ماما تقابل أختها... كانت دايمًا بتتكلم عنها وهي بتعيط... أنا كنت حافظة شكلها من صور قديمة جدًا
الخلاط خلّص، وقفلته، بدأت تصب العصير في الكوبايات.
جابت كيكه وبدأت تقطعها، قالتله
"علفكره، أنا اللي عامله الكيكه دي"
قطعتله قطعة صغيرة وحطتها قدامه
"دوقها وقول رأيك."
تيم اتردد وقال
"مش عايز، شكراً."
ابتسمت وقالتله بتهكم
"براحتك، أنت الخسران."
بعدها قسمت الكيكة في أطباق صغيرة، وحطتهم على رخامه تانيه ومسحت الرخامة اللي اشتغلت عليها بسرعة
فونها رن، طلعت التليفون من جيبها، كان إسلام على الطرف التاني.
ردت بسرعة، وعيونها مليانة حماس
"أنت فين؟! برن عليك بقالي ساعة يا أستاذ."
قال إسلام بنبرة مشغولة
"إيه يا فريدة؟ مشغول ومش قادر أرد، في حاجة مهمة؟"
قالت له بجدية
"مهمة جدًا، مش هتصدقها بجد."
سأل بقلق
"في إيه؟"
ردت عليه بحماس
"مش هتتوقع!"
قال وهو بيحاول يركز معاها
"فريدة، والله مشغول."
ردت عليه بلهفة
"يعني مش هتيجي؟ لازم تيجي دلوقتي."
قال
"قدامي ساعه مثلا"
قالت وهي مش قادرة تخفي توترها
"خلاص يبقى لما تيجي، ولو إني مش قادرة أصبر وعايزة أقولك."
قال بحسم
"طب ما تقولي، ولو مش هتقولي مضطر أقفل."
ضحكت فريدة بخفة وقالت
"لما تيجي، سلام."
وقفلت المكالمة، وحطت التليفون في جيبها وغسلت إيديها بسرعه
تيم كان واقف بيبصلها، متابعها وسأل
"ده مين؟"
فريدة بصتله وقالت بابتسامة خفيفة
"ده ابن خالتك."
تيم رفع حاجبه وقال
"ابن خالتي؟!"
فريدة ضحكت وقالت بتلاعب
"لقب جديد بس هتاخد عليه، دونت ووري."
تيم سألها
"يعني أخوكي؟ صح كده؟"
ردت بثقة
"صح كده، طول عمرك لماح ومركز."
مدت له صنية العصير وقالت
"خد، شيل معايا."
قالها 
"يعني إنتي جايباني أساعدك؟"
ردت بكل برود
"تساعدني في إيه؟ أنت عملت حاجة؟"
أخذ الصنية وهو بيقول 
"أمال ده إيه؟!"
ابتسمت وقالت بخفة
"سميها زي ما تحب."
شالت أطباق الكيكة ومشيت قدامه، وهو مشي وراها 

فريدة خرجت من المطبخ، حطت طبق الكيكة على الترابيزة، وخدت صينية العصير من تيم، حطتها جنبها وقالت بنبرة فيها شوية صدق وشوية ارتباك
"حاجة جديدة عليّا بجد... عايزة وقت أستوعب."
إيناس ابتسمت وقالت
"أومال أنا أقول إيه؟!"
صابرين بصتلهم، صوتها هادي لكن فيه وجع سنين
"أنا عشت حياتي كلها وحيدة... مكانش ليا حد، وكان نفسي أشوفك، بس مكنتش عارفة إزاي... ربنا يسامحهم اللي كانوا السبب."
فريدة لمحت تيم واقف، قالتله
"إنت واقف ليه؟ تعالِ اقعد."
رد بهدوء
"أنا مرتاح كده."
إيناس بصتله بابتسامة كلها حنين
"تعالَ يا حبيبي اقعد... تعالَ ده انت من ريحة الغالية."
هز راسه وقال بلطف
"شكرًا... أنا مرتاح كده."
بدأوا يتكلموا تاني وفريدة كانت سامعاهم وكل كلمة بتدخل قلبها، قامت وخدت طبق فيه كيك، وقفت جنبه، مدّته له وقالت بخفة
"برضو مش هتقولّي رأيك؟"
بصلها وسألها
"وإنتي عايزة رأيي في إيه؟"
قالت وهي بتحاول تخفي توترها
"عادي... بحب آخد آراء الناس."
أخد حتة صغيرة، داقها وقال بعند
"مش حلوة."
اتشدت وقالت
"بجد؟!"
قال بمراوغه
"يعني مش قد كده... في أحسن من كده."
قالت بنغمة فيها برود ظاهري
"ده رأيك يعني؟"
رد ببساطة
"إنتي اللي طلبتي."
هزّت كتفها وقالت
"عادي، مش بزعل أصلًا... كل واحد وليه رأيه."
سكتوا شويه، لحد ما كسر هو الصمت وسألها بنبرة فضولية
"حضرتي كتب كتاب صاحبتك؟"
سكتت للحظة كأنها بتفكر ترد تقول إيه، وبعدين قالت
"مكانش في كتب كتاب."
رفع حاجبه وسأل
"ليه؟ مش قولتي إن في؟"
قالت وهي بتحاول تحافظ على تماسكها
"باباها تعب."
سأل باهتمام
"اتأجل يعني؟"
قالت بصراحة 
"لاء، اتلغى."
حس إن الكلام واقف عند الحد ده، وإنها مش حابة تكمل، فسكت شوية، وبعدين قال
"لقيت في عربيتي فلوس... أكيد بتوعك؟"
قالت وهي بتبعد 
"لاء... مش بتوعي."
سألها 
"يعني مش إنتي اللي حطاهم؟"
ردت بهدوء وهيا ماشيه من قدامه
"لاء... معرفش عنهم حاجة."
تيم بص لمامته وسألها
"لسه هتقعدي؟"
صابرين بصتله وقالت
"زهقت؟ لو زهقت روح إنت، أنا لسه قاعدة."
إيناس دخلت في الكلام وقالت
"لسه مشفتوش إسلام ابني... زمانه جاي."
فريدة قالت 
"قدامه ساعة."
صابرين سألت ببساطة
"وجوزك؟"
إيناس ردت بهدوء
"مسافر... بييجي من السنة للسنة."
فريدة قامت وسابتهم، خرجت من البيت، سحبت موبايلها من جيبها، ورنت على يسر
فريدة قالت بسرعة ولهفة
"عاملة إيه دلوقتي؟"
يسر من الناحية التانية صوتها تعبان
"هكون عاملة إيه يا فريدة؟"
فريدة سألتها بهدوء
"يعني... الأوضاع إيه عندك؟"
يسر ردّت 
"زي ما سبتيها يا فريدة... مفيش جديد."
يسر سكتت شوية، وبعدين قالت
"كل ما بفتكر اللي حصل، قلبي بيتكسر أكتر... مش قادرة أصدق إن كل ده حصل"
فريدة قالت بحزن
"ولا أنا... بس خليني أقولك حاجة... اللي بيخسر إنسانة زيك، هو اللي خسران، حتى لو كنتي شايفة العكس دلوقتي."
يسر قالت بمرارة
"نفسي أصدق... بس الوجع أكبر من أي عزاء دلوقتي."
فريدة قالت بحنان
"هتعدي يا يسر، أنا عارفة إنك مش شايفة كده دلوقتي، بس كل حاجة بتحصل لحكمة... وكل حاجة صعبة بتعلمنا حاجة."
يسر سكتت شوية، وبعدين قالت
مش عايزة أتعلم حاجة، أنا تعبت خلاص."
فريدة قالت بابتسامة بسيطة بتحاول تخفف عنها
"خديها واحدة واحدة، متحاوليش تقعدي في البيت، انزلي الشغل واشغلي نفسك، حاولي تنسي، مجرد محاوله"
يسر قالت بصوت مكسور
"مش قادرة أعمل حاجة... بس شكراً يا فريدة إني لسه لما بكلمك بحس إني مش لوحدي."
فريدة قالت بلطف وهيا بتنهي المكالمه
"وأنتي عمرِك ما هتكوني لوحدِك... طيب أنا هسيبك ترتاحي شوية، ولو احتجتي أي حاجة أنا جنبك على طول، ماشي؟"
قفلت معاها، دخلت البيت تاني، بس قابلت تيم خارج
رفعت حاجبها وسألته باستغراب
"رايح فين؟!"
رد بزهق
"هستنى بره، مليت."
ضحكت وقالت 
"والله أنا كمان ملانه... بس بما إني هخرج أجيب شوية حاجات من السوبر ماركت، تعال معايا؟!"
بصلها وهو بيبص في ساعته كأنه بيحسب الزمن وقال
"معقول، قبل الساعة ١٢، عشان ده معاد نومي."
ردّت وهي بتمشي من قدامه
"ثواني هطلع أغيّر هدومي وهاجي على طول."
قال باستعجال
"طيب، متتأخريش."
ردّت بصوت خفيف 
"عيب عليك."
ابتسم ابتسامة صغيرة مش باينة، وخرج فعلاً وقف قدام البيت مستني.
أما فريدة، فطلعت بسرعة على أوضتها بحماس، فتحت فونها ورنت على سالي، اول ما ردت قالتلها 
" معتقدش أن تيم عنده جينوفوبيا زي ما قولتي" صابرين سألت ببساطة
"وجوزك؟"
إيناس ردت بهدوء
"مسافر... بييجي من السنة للسنة."
فريدة قامت وسابتهم، خرجت من البيت، سحبت موبايلها من جيبها، ورنت على يسر
فريدة قالت بسرعة ولهفة
"عاملة إيه دلوقتي؟"
يسر من الناحية التانية صوتها تعبان
"هكون عاملة إيه يا فريدة؟"
فريدة سألتها بهدوء
"يعني... الأوضاع إيه عندك؟"
يسر ردّت 
"زي ما سبتيها يا فريدة... مفيش جديد."
يسر سكتت شوية، وبعدين قالت
"كل ما بفتكر اللي حصل، قلبي بيتكسر أكتر... مش قادرة أصدق إن كل ده حصل"
فريدة قالت بحزن
"ولا أنا... بس خليني أقولك حاجة... اللي بيخسر إنسانة زيك، هو اللي خسران، حتى لو كنتي شايفة العكس دلوقتي."
يسر قالت بمرارة
"نفسي أصدق... بس الوجع أكبر من أي عزاء دلوقتي."
فريدة قالت بحنان
"هتعدي يا يسر، أنا عارفة إنك مش شايفة كده دلوقتي، بس كل حاجة بتحصل لحكمة... وكل حاجة صعبة بتعلمنا حاجة."
يسر سكتت شوية، وبعدين قالت
"مش عايزة أتعلم حاجة، أنا تعبت خلاص."
فريدة قالت بابتسامة بسيطة بتحاول تخفف عنها
"خديها واحدة واحدة، متحاوليش تقعدي في البيت، انزلي الشغل واشغلي نفسك، حاولي تنسي، مجرد محاوله"
يسر قالت بصوت مكسور
"مش قادرة أعمل حاجة... بس شكراً يا فريدة إني لسه لما بكلمك بحس إني مش لوحدي."
فريدة قالت بلطف وهيا بتنهي المكالمه
"وأنتي عمرِك ما هتكوني لوحدِك... طيب أنا هسيبك ترتاحي شوية، ولو احتجتي أي حاجة أنا جنبك على طول، ماشي؟"
قفلت معاها، دخلت البيت تاني، بس قابلت تيم خارج
رفعت حاجبها وسألته باستغراب
"رايح فين؟!"
رد بزهق
"هستنى بره، مليت."
ضحكت وقالت 
"والله أنا كمان ملانه... بس بما إني هخرج أجيب شوية حاجات من السوبر ماركت، تعال معايا؟!"
بصلها وهو بيبص في ساعته كأنه بيحسب الزمن وقال
"معقول، قبل الساعة ١٢، عشان ده معاد نومي."
ردّت وهي بتمشي من قدامه
"ثواني هطلع أغيّر هدومي وهاجي على طول."
قال باستعجال
"طيب، متتأخريش."
ردّت بصوت خفيف 
"عيب عليك."
ابتسم ابتسامة صغيرة مش باينة، وخرج فعلاً وقف قدام البيت مستني.
أما فريدة، فطلعت بسرعة على أوضتها بحماس، فتحت فونها ورنت على سالي، اول ما ردت قالتلها 
" معتقدش أن تيم عنده جينوفوبيا زي ما قولتي"
رنّ تليفون سالي، فردّت بسرعة، فسمعت صوت فريدة بيقول بحماس
"معتقدش إن تيم عنده جينوفوبيا زي ما قولتي."
سالي سكتت لحظة وقالت بنبرة فيها حيرة
"أنا كنت مفكّرة كده يا فريدة، بس عرفت مؤخرًا لما شُفته معاكي كذا مرة، تصرفاته متناقضة ومش فاهماه... ونفسي أفهمها."
فريدة ردّت وهي بتفتح الدولاب تجهّز هدومها
"أنا مش عارفة إذا كنت هفهمه ولا لاء، بس أوعدك إني هحاول... بحاول أفهم شخصيته وأعرف أصنّف مرضه... وعلاجه كمان."
سالي قالت بنبرة فيها نوع من القلق
"وابقي طمّنينى أول بأول... أنا مش هبقى موجودة في البيت خالص الفترة اللي جاية."
فريدة وقفت لحظة وقالت باعتذار
"آسفة على تدخلي، بس مامتك متقصدش يا سالي... إديها عذر، هيّا روحها فيكوا كلكوا، وممكن يكون تيم أقرب حد ليها مش أكتر، أو يمكن هو اللي بيفهمها."
سالي ردّت بجفاف واضح
"خلاص يا فريدة... اللي حصل حصل، هيّا فرضت قوانينها وأنا مش قابلاها... هيّا حرة آه... بس أنا كمان حرة."
فريدة قالت بإصرار 
"متغيبيش... دي مهما كانت مامتك."
سالي اتنهدت وقالت بهدوء
"تمام يا فريدة... شكرًا."
قفلوا المكالمة، وفريدة بسرعة غيرت هدومها ونزلت لتيم.
خرجت من البيت، لقته واقف ساند على عربيته، فاتح فونه، وباين عليه مستني.
قربت منه بابتسامة خفيفة وقالت
"يلا؟"
بصلها من فوق لتحت وقال بنبرة هادية
"ما لسه بدري."
قالت وهي بتعدل شنطتها
"متأخرتش على فكرة."
فتح باب العربيه وقال 
"طيب، يلا."
قالت وهي واقفة مكانها
"لاء... مش بالعربية، المكان قريب يعني."
بصلها لحظة، وبعدين قفل الباب وشاورلها
"اتفضلي."
ابتسمت ومشيت، وهو مشي جنبها. 
مشيوا شويه في صمت، فريدة قررت تكسر الصمت وقالت
"ساكت ليه؟!"
مردش فعلّت صوتها شويه
"تيم؟!!!"
بصلها باستفهام، فقالت وهي بترفع حاجبها
"بكلمك على فكرة."
رفع إيده وشال الإيربودز من ودنه وقال ببرود
"بتقولي إيه؟!"
بصتله بحدة وقالت
"ما تقول إنك بتسمع ميوزك؟!"
رد وهو بيحط السماعة في جيبه
"ليه؟"
قالتله بحدة
"هو إيه اللي ليه؟"
قال بجفاف
"أقولك ليه يعني؟ وانتي مالك؟"
ردّت 
"علشان بكلمك وانت مش بترد..."
قال وهو بيبص قدامه
"ده علشان انتي فصيلة بس مش أكتر"
قالت بتهكم
"والله إنك واحد... ممل."
سألها ببرود
"عايزة تقولي إيه؟"
قالت وهي بتتكلم بسخرية واضحة
"اسمع أغاني يا تيم... اسمع."
مشي تيم جنبها ساكت، وبعد فترة قال بنبرة ملل
"هو إحنا مش بنوصل ليه؟ إنتي مش قولتي قريب؟"
ردت فريدة وهي باصه قدامها
"خلاص قربنا."
قال وهو بيبص قدامه ببرود
"بعد كل ده ولسه قربنا؟"
ردت بنفَس البرود
"في إيه ما تجمد كده؟ أنا دايمًا بمشيها."
قال بنبرة فيها ضيق واضح
"بس عايز أرجع بدري... عايز أروح."
قالت وهي بترفع حاجبها
"وهتعمل إيه يعني لما تروح."
رد وهو بيبصلها 
"هنام، قولتلك معاد نومي جه."
هزّت راسها وقالت بسخرية
"ده إيه الحياة المملة دي؟ كل حاجة عندك بمواعيد!"
قال ببروده المعتاد
"طبعًا، كل حاجة وليها وقتها."
قالت بنبرة فيها هجوم ناعم
"ماعدا حاجات... في حاجات عندك إنت لاغيها أصلًا."
بصّلها باستغراب وقال
"قصدك إيه؟"
قالت وهي بتتكلم بهدوء بس نظرتها فيها تحدّي
"يعني... في حاجات أساسية موجودة في حياة أي بني آدم، بس إنت لاء، وكل ده ليه؟ معرفش."
رد وهو بيحاول ينهى الحوار
"دي حياتي وأنا حر فيها."
قالتله بجدية أكتر
"ده مرض"
رد بسرعة وعصبية مكبوتة
"مش كل حاجة تكون مش عاجباكي تشخّصيها على إنها مرض، لو كده، يبقى إنتي كمان مريضة."
قالت بثبات
"بس إنت فعلاً مريض، ولو أي حد شاف حالتك، هيفهم إنك مريض."
هنا وقف تيم فجأة، وقال بنبرة متحدية
"مالها حالتي؟ وبعدين، اللي يقول يقول... الناس دي مش أهم من مامتي."
قالت وهي بتحاول تفهم
"ومين دخل مامتك في الموضوع؟ هو مرضك ليه علاقة بيها؟"
قال بنبرة قاطعة
"قولتلك أنا مش مريض، وبعدين أنا بساند ماما في أي موضوع، ولو هي قالت مش عايزة ومش حابة، يبقى انا كمان مش حابب ومش عايز... ومن غير ليه، لو سمحتي."
قالتله بانفعال مكتوم
"يعني إنت بِعت حياتك لمامتك؟"
بصلها وقال بحِدّة
"أديكي قولتي... مامتي."
وبعدين غيّر الموضوع فجأة، كأنه بينكر كل حاجة، وقال وهو بيبص حواليه
"هو في إيه؟ إحنا مش بنوصل ليه؟"
قالت وهي بتقف مكانها وبصت قدامها
"لاء، وصلنا أهو... آخر الشارع"
وقفوا قدام باب السوبر ماركت، فريدة كانت هتدخل، لكن تيم وقف وقال
"أنا هستناكي هنا."
بصّتله باستغراب وقالت
"إزاي يعني؟! تعالَ معايا."
رد بسرعة وهو بيرجع خطوة
"لاء مش عايز، هستناكي هنا."
من غير ما تناقشه كتير، دخلت وسحبت سلة، وخرجتله بيها ومدّتهاله وهي بتقول
"علشان ننجز بس، بدل ما أأخرك."
بصلها شوية وقال
"هو يوم باين من أوله أساسًا."
دخلوا مع بعض، هي قدامه وهو وراها ماشي بهدوء وهو شايل السلة.
بدأت تعدّي على الرفوف، تاخد الحاجات اللي هيا محتاجاها، وبعدين رفعت علبة مكرونة وسألته
"بتاكل دي؟"
قال وهو بيهز راسه
"لاء."
قالت وهي بترجعها مكانها
"آه، توقعت كده، علشان الكربوهيدرات أكيد."
سكتت لحظة وبعدين سألته وهي بتاخد كيس خضار مجمد
"أومّال بتاكل إيه؟"
قال ببساطة
"سلطات... خضار وفاكهة، ولحوم، وساعات سمك."
ردّت وهي بتبصله من فوق لتحت بنظرة سريعة
"آه، حاجات صحية يعني... ما هو باين على جسمك."
ابتسم بخفة وقال
"مش من الأكل بس... الرياضة كمان مهمة."
قالتله باستنكار 
"رياضة إيه؟ أنت مكنتش قادر تمشي من البيت للسوبر ماركت!"
قال بهدوء
"بمشي عادي، أنا كل يوم بمشي ساعة إلا ربع الصبح."
ردّت وهي بترفع حاجبها
" ساعه الا ربع؟ وبتعدهم كمان، لاء نظام نظام يعني "
قال
" بمشي مسافة محددة على التراك، فعارف الوقت بالضبط."
هزّت راسها وقالت
" اممممم، نظام ووقت نظام ووقت"
رد من غير ما يبصلها
"كل حاجة ليها وقتها ونظامها."
مشيت قدامه وكملت وهو ماشي وراها بصبر

وصلوا عند الكاشير، فريدة بدأت تطلع الحاجات من السلة واحدة واحدة، وتيم واقف جنبها ساكت.
الكاشير بدأ يحاسب، وفريدة كانت بتطلع الفلوس من شنطتها لكن تيم مدّ إيده بسرعة وطلّع بطاقته.
قال بهدوء
"سيبي أنا هحاسب."
فريدة بصّتله بحدة بسيطة
"ليه يعني؟ لاء طبعا، دي حاجتي انا "
قال بإصرار وهو بيبص للكاشير
"أنا اللي هدفع خلاص."
الكاشير وقف محرج، بيبص للاتنين مش عارف ياخد من مين.
فريدة خدت نفس وقالت
"تيم... دي حاجتي انا، انا اللي جبتها، يبقى طبيعي أنا اللي ادفع "
قال بإصرار 
" مش مهم كل ده، سمعيني سكاتك "
قالت بنبرة حاسمة
"كل واحد مسؤول عن نفسه، ماشي؟!"
سكت على مضض، ولسه هيرد، لكن فريدة بسرعة دفعت للكاشير وقالت بابتسامة هادية
"خلاص، يلا "
خرجوا من السوبر ماركت، تيم مكانش بيتكلم وكان واضح عليه الضيق، ومشي بخطوات سريعة شوية، ففريدة لحقته وقالت باستغراب
"مالك؟!"
رد وهو بيبص قدامه ببرود ممزوج بنفاد صبر
"مش بحب حد يحرجني"
رفعت حاجبها وقالت
"أحرجك في إيه؟! معلش يعني، أنت مين عشان تدفعلي؟ دي حاجتي أنا، والمفروض أنا اللي أدفع!"
وقف لحظة وبصلها، صوته كان ثابت لكنه مشبع بالغضب المكبوت
"بس من الجَنتلة إني ما اسيبش واحدة ست تدفع وهي معايا، مهما كان... بجد، بندم إني جيت معاكي"
ضحكت وقالت وهي بتعدل شنطتها على كتفها
"متبقاش قفوش كده بقى!"
قال بحزم
"مش هتتكرر أساساً."
قالت بهدوء وبنبرة متحدّية شوية
"هنبقى نشوف."
رد وهو بيكمل مشيه
"نشوف."
قالتله
"هات شنطة أشيلها عنك."
رد ببرود
"لاء"
ضحكت وقالت بسخرية خفيفة
"من الجَنتلة دي كمان؟!"
قال من غير ما يبص ليها
"امشي وانتي ساكتة… خليني أخلص"
مشيت جنبه، وهيا بتكتم ضحكتها 

اتمشوا في صمت شوية، لحد ما فريدة قطعت السكوت وقالت بصوت هادي بس فيه لمحة شك وتساؤل
"يا ترى هيبقى مسموحلي أكمل شغلي، ولا برضو مش مسموح؟ أكيد انت أدرى."
تيم مبصّش ليها حتى، وقال بنبرة باردة
"مش عارف."
رفعت حاجبها بدهشة وقالت
"إزاي بقى؟! أنت عارف كل حاجة."
رد من غير ما يغير نبرة صوته
"قولت مش عارف… خلصنا."
قالت بإصرار، وهي بتحاول تسيطر على أعصابها
"وأنا بقولك عارف، وعايزة أعرف."
وقف لحظة، وبصلها بنظرة فيها نفور وقال
"أنا بتمنى إنك ما تكمليش… بس مش عارف، في حالتك دي ماما ممكن تعمل إيه."
اتشدت ملامحها وقالت بحدة
"وأنت مش عايزني أكمل ليه؟!"
بصلها بجمود، ونبرته كانت حادة وباردة 
"مبحبّش وجودك... ومش عارف انتي طلعتي منين، بس كل اللي عارفه إنك متطفلة وغلسة، وعايزك تبعدي عني وتبطلي حك... وملكيش دعوة بيا أبدًا... ولو أنا مريض زي ما بتقولي، دي حاجة تخصني.
أنتي مجرد ممرضة لأخويا وبس، وملكيش مكان أكبر من كده."
وقفت فريدة مكانها، الكلام نزل عليها زي صدمة باردة.
بس مردّتش، ملقتش كلام تقوله اصلا 
جرحها؟
آه… جرحها. جرحها بكلامه جدًا.

فضلوا ماشيين وصوت خطواتهم كان هو الوحيد اللي مسموع، لحد ما وصلوا للبيت.
تيم وقف، وعيونه بتتحاشى تبص ناحيتها، ملامحه لسه متصلبة.
فريدة مدت إيدها وخدت منه الشنط بهدوء، كانت ماسكة نفسها بصعوبة، سحبت الشنط بسرعه وانسحبت… مشيت بسرعة من قدامه من غير أي كلمه

دخلت البيت وهي بتحاول تثبت ملامحها بس ابتسمت لصابرين وهي بتقول بهدوء
"تيم مستني بره."
صابرين بصتلها بنعومة وقالت
"الوقت اتأخر، وهو أكيد عايز ينام"
صابرين بصت ناحية أختها، بصتلها بحب واضح وقالت
"أنا مشبعتش من قعدتك، ومش هبطل أجي… هاتي رقمك، هشوفك بكرة."
فريده سابتهم ودخلت المطبخ بخطوات سريعة، حطت الأكياس اللي كانت شايلها على الرخامة، وبنبرة هادية قالت للخدامة
"رصّي الحاجات دي في أماكنها"
الخدامة هزّت راسها بهدوء وبدأت تشتغل، وفريدة طلعت من المطبخ بس قبل ما تطلع اوضتها سمعت صوت صابرين بيناديها بهدوء
"فريدة…"
فريدة بصتلها، فصابرين ابتسمت وقالت بنبرة فيها دفا وصدق
"هتيجي بُكره؟!"
فريدة ردت بهزار خفيف 
"وهتدخليني؟!"
صابرين بصتلها بنظرة حنونة وقالت بصوت هادي
"انتي بنتي… زي سالي بالظبط، هستناكي."
فريدة سكتت لحظة، ابتسمت بهدوء وهزت راسها علامة الموافقة، وبعين فيها حيرة وامتنان، طلعت أوضتها.
صابرين قالت لإيناس 
" بكره هنتقابل وهقضي معاكي اليوم كله" 
ودعوا بعض مؤقتا وإيناس خرجت معاها لبره 

فريدة كانت قاعدة في اوضتها على طرف السرير، حاطة رجل على رجل وسرحانة بتفكر في اللي حصل طول اليوم، الباب خبط خبطتين خفاف، سمحت بالدخول ودخلت الخدامة وهي شايلة حاجة في إيدها.
فريدة رفعت عينيها وسألتها بنبرة هادية
"في إيه؟"
الخدامة قربت منها ومدت إيدها بفلوس وقالت
"لقيت دول، كانوا في كيس من اللي حضرتك اديتهولي أرص الحاجات اللي فيه."
فريدة خدت الفلوس وبصت فيهم باستغراب، بصتلها وقالت
"كيس إيه؟"
الخدامة ردت بهدوء
"اللي حضرتك لسه مدياني من شوية أرصه في المطبخ، كانوا محشورين بين الحاجات، يمكن وقعوا منك."
فريدة قلبت الفلوس في إيدها شوية وقالت
"تمام… شكراً إنك جبتيهم."
الخدامة ابتسمت وقالت
"العفو "
وطلعت من الأوضة وقفلت الباب وراها بهدوء.
فريدة فضلت تبص للفلوس شوية، مش فاهمه ايه دول وجم منين، عدتهم ولما عدتهم فهمت 
قالت بهمس لنفسها
"دي الفلوس اللي كنت حطاهم لتيم…!"
سندت بضهرها على السرير، وابتدت تسأل نفسها
هو رجعهم إمتى؟
إزاي حطهم في الكيس من غير ما تحس؟
ليه عمل كده أصلاً؟
راحت حطت الفلوس في درجها، وقفلته بهدوء.

تاني يوم، صحيت فريدة على صوت مامتها وهي بتفتح الباب وتقول بنعومة
"فريدة، قومي يا حبيبتي."
فريدة فتحت عينيها بتكاسل وقالت بصوت مبحوح من النوم
"في إيه يا ماما؟"
مامتها سألتها
"هروح لصابرين… مش هتيجي معايا؟"
ردت فريدة وهي بتدفن وشها في المخدة تاني
"لاء، هنام، عندي شغل بالليل."
أمها قالت بهدوء
"براحتك يا حبيبتي."
وسابتها وخرجت من الأوضة.

بعدها بدقايق، الباب خبط تاني، ودخل إسلام.
قرب منها وصحاها.
قالت بانزعاج
" في ايه؟!!"
قال وهو بيقعد جنبها على طرف السرير
"صح اللي أنا سمعته؟"
فريدة اتعدلّت وقالتله ببرود خفيف
"وانت سمعت إيه؟"
قال وهو باصصلها
"اللي كنتي عايزة تقوليه امبارح."
ابتسمت بسخرية وقالت 
"آه، بس سيادتك اتأخرت امبارح أساسًا."
قال وهو بيحاول يبرر 
"كان عندي شغل مهم بجد."
ردت بسرعة وكلامها في سخريه
"آه، والشغل المهم ده حبيبة قلبك؟"
قال وهو بيهز راسه بنفي
"لاء، كان شغل بجد."
قالت وهي مش مقتنعة
"شغل إيه ده اللي الساعة عشرة بالليل؟"
قال وهو بيحاول يغير الموضوع
"كان ميتينج مهم… فكك دلوقتي، إزاي ماما لقت أختها؟"
فريدة اتنهدت، وقالت وهي بتبعد شعرها عن وشها وبتحاول ترتب أفكارها
"هحكيلك..."
وبدأت تحكيله كل حاجة وهو بيسمعها باهتمام حقيقي.
وفي نهاية كلامها، بعد ما حكيتله كل اللي حصل، قالتله وهي بتبتسم
"وبس يا سيدي… ده كل اللي حصل."
إسلام هز راسه وقال بنبرة مستغربة
"حاجة غريبة فعلًا…"
فريدة قامت من مكانها بهدوء، وهي رايحة ناحية الحمام
"يمكن بالنسبالك… ومش عايزة أقولك عندك ولاد خالة إيه… شُفت إنت سالي؟"
إسلام ابتسم وقال
"آه… بس حاسس إنك محكيتيش كل حاجة بالتفصيل."
فريدة فتحت باب الحمام، ولفتله وهي بتضحك وقالت
"جَيالك أهو… وهقولك اللي إنت عايزه."

يونس كان قاعد على سريره، الموبايل في إيده، وصوته فيه ذهول
"يعني… فريدة بنت خالتي؟"
ردت سالي من الطرف التاني، صوتها هادي بس فيه حسم
"آه… والباقي ممكن تسأل تيم عنه، هو عنده تفاصيل أكتر."
يونس مسح وشه بإيده وقال بنبرة شبه متوسلة
"سالي تعالي، أنا بكون لوحدي… وإنتِ اللي بتونسيني."
قالت بحزم
"مش هاجي… مش عاجباني العيشة دي يا يونس."
قالها بإحباط وهو بيبص للسقف
"وهيا تعجب حد أصلًا؟ بس معلش… أنا خلاص قربت اخف."
سالي سكتت لحظة، وبعدين قالت بصوت متوتر
"لاء... مش هاجي، سيبني كده شوية أهدى… حاسة بخنقة."
قالها بحذر
"هي… فريدة هتيجي طيب؟"
ردت بهدوء
"آه، هتيجي… قالتلي إنها هتكمل عادي."
قال وهو بيتنهّد براحة
"الحمد لله… كنت شايل هم، بحب وجودها… طب وإنتِ؟ هتعملي إيه؟"
سالي قالت بصوت متوتر بس فيه نبرة تحدي
"مش هسكت على الوضع ده… هجيب بنات تانيين في البيت، ومش ههدى غير لما أعرف السبب الحقيقي لكل اللي بيحصل."
وفجأة، الباب اتفتح، وتيم دخل من غير ما يخبط.
يونس بسرعة قال
"هكلمك تاني."
وقفل المكالمة، وبص لتيم اللي دخل بنظرة استغراب
"إنت مش المفروض تكون في شغلك؟"
تيم قفل الباب ووقف قدامه وقال بهدوء بس فيه حاجة مضايقاه
"جيت أطلب منك طلب."
يونس اتعدل في قعدته وقال
"قول."
تيم بص له بعين ثابتة وقال
"عايزك تقول لماما إنك مش عايز فريدة في البيت."
تيم بص له بعين ثابتة وقال
"عايزك تقول لماما إنك مش عايز فريدة في البيت."
يونس رفع حاجبه ببطء وسأله 
"إيه؟! بتقول إيه انت؟"
تيم قال بنفس النبرة الباردة
"زي ما سمعت… قولها إنك مش مرتاح لوجودها، ومش عايزها تفضل هنا."
يونس هز راسه وهو مش مصدق
"ليه؟ فريدة عملتلك إيه؟"
تيم بصله بحدة
"أنا مش مرتاح ليها... وجودها بيضايقني، مش عايز اشوفها تاني"
يونس قال ببطء 
" بس هيا موجوده هنا علشاني أنا مش علشانك إنت."
تيم قال
"وإنت تقدر تطلب أي حد تاني... بس هي لاء."
يونس بصله بتركيز وقال
"هي مش بس ممرضة… هي بنت خالتنا، ده يخليني أتمسك بيها أكتر، مش أطردها."
تيم ضرب كفه في كفه بعصبية وقال
"حتى لو! أنا مش عايزها هنا، مش حابب اشوفها
يونس قال بجديّة
" يبقى إنت اللي عندك مشكلة، مش هي... فريده وجودها بالنسبالي مهم، ولو مش عاجبك روح قول لماما بنفسك"
تيم بصله وقال 
" يونس… اسمع الكلام وقولها انت، وهيا هتمشي هييجي غيرها"
يونس قال بنبرة شبه متحدية
"لاء، مش هقول كده، بالعكس… أنا هقولها إني عايزها معايا كل يوم، فريده حد مريح… وجودها بيهون، وانا بقيت بحبها بجد كأخت وصاحبة"
تيم اتضايق من كلامه ورفضه بس تمالك نفسه وقال بنبرة باردة مصطنعة
"خلاص، براحتك"
ولف وخرج من الأوضه بغضب 

فريدة خرجت من بيتها بدري شوية بعد ما قعدت مع إسلام وحكتله كل حاجة كان محتاج يفهمها.
وبعدها، قررت تروح ليَسر تتطمن عليها
وصلت عند بيتهم، وخبطت على الباب.
فتحت مامت يسر، وشها كان باين عليه ملامح إرهاق، فريده قالتلها بابتسامه خفيفه
"إزيك يا طنط؟"
"أهلا يا بنتي، نورتينا… اتفضلي."
سلمت فريدة عليها بحرارة، وسألتها باهتمام
"عاملة إيه؟ طمنيني عليكي."
اتنهدت وقالت بحزن
"بنحاول نتأقلم بصعوبة، بس بنحاول، البيت اتقلب، ويَسر مش بتخرج من أوضتها خالص."
سكتت لحظة، وبصّت لفريدة بعيون حزينه وقالت
"أنا مش فاهمة إزاي ياسمين تعمل فينا كده ويا ترى دلوقتي عايشه إزاي؟ بتنام إزاي؟ "
فريدة قربت منها، ومدت إيدها تطبطب على كفها
"أنا عارفة إن اللي حصل كبير، وصعب يتصدق، بس يسر قوية… وهتعدي، وهتكون أحسن من الأول، أما ياسمين فهتفهم غلطها وتصلحه"
مامت يسر قالت بنبرة متلغبطة بين الرجاء والحزن
"أنا عايزة أطمن عليها، عايزة أكلمها… شوفيلي طريقة، وصليني بيها... عايزه اتطمن"
فريدة سكتت شوية، بصّت في الأرض بتفكير، وبعدها رفعت عينيها وقالت بهدوء
"هحاول أوصلها، وهطمنك عليها، أوعدك."
فرحت الست بشكل واضح، وقالت من قلبها
"ربنا يريح قلبك زي ما بتحاولي تريحي قلوب الناس، يا بنتي."
ابتسمت فريدة بهدوء وقالت
"هطلع أشوف يَسر."

فريدة طلعت السلم بهدوء، وصلت قدام الباب، خبطت خبطة خفيفة.
مفيش رد.
خبطت تاني… وبرضو مفيش صوت.
فتحت الباب بهدوء، ودخلت.
كان في نور خفيف داخل من الشباك اللي نصه مقفول، ويَسر قاعدة على طرف السرير، لافة نفسها بشال خفيف، رفعت عينيها ببطء لما شافت فريدة… مفيش كلمة، بس الدموع في عينيها قالت كتير.
فريدة قفلت الباب وقرّبت منها، قعدت جنبها وسألت بهمس
"عاملة إيه؟"
يسر قالت بصوت باين فيه انكسار حاد
"بدأت أستوعب يا فريدة… ومش عايزة أستوعب."
سكتت لحظة، وبصت في الأرض
"أنا كنت بجهز علشان اتجوز واكون معاه، وهيا كانت معايا هنا "
دموعها نزلت تاني.
"بس هربت! في يوم كتب كتابي، مع خطيبي… اللي أنا كنت فاكرة إنه بيحبني، وكنت بصدق كل كلمة بيقولها... وأنا الغبية كنت بدافع عنه قدام الناس، حتى قدام نفسي!"
فريدة مدّت إيدها، مسكت إيد يسر وضغطت عليها بحنان
"مش غلطتك… ولا ضعف منك، الناس الوحشة بتستخبى في وشوش طيبة، لحد ما ييجي وقتهم الحقيقي... وبيبانوا"
يسر شهقت شهقة صغيرة، ومسحت دموعها بعصبية
" أنا جوّايا منهارة، أنا مش فاهمة أنا بعيط عشان خطيبي، ولا عشان أختي، ولا عشان نفسي اللي اتكسرت من اللي اتنين."
فريدة قربت أكتر، حضنتها جامد وقالت
"عيّطي براحتك، وعيشي وجعك، لأنك لازم تطلّعيه، بس بعد كده، قومي، لأن محدش يستاهل تنزلي دموعك عليه."
فضلت فريدة حاضنة يسر، وإيدها بتطبطب على ضهرها، بس قلبها بيتقطع عليها
يسر رفعت وشها بعد لحظة، وعينيها حمره، وقالت بصوت خافت
"أنا مش عايزة أعيش كده، كل حاجة حواليا سودة"
سكتت شوية، وبعدين قالت 
"حاسّة إن مفيش لازمة لوجودي."
فريده مسكت وش يسر بإيديها، وبصت في عنيها وقالت بحدة فيها خوف
"متقوليش كده تاني أبداً! إنتي مهمة، ومحبوبة، ولو إنتي مش شايفة كده دلوقتي… فده لأنك موجوعة، مش لأنك قليلة، أو ملكيش لازمة."
يسر كانت بتبصلها، بس واضح إنها مش قادره تصدق
قالت بهمس
"أنا معرفتش أكون أخت كويسة، ولا كنت خطيبة صاحية، حاسة إني فاشلة في كل دور كان المفروض أكونه."
فريدة قربت منها أكتر، بصوت حنون قالت
"اللي حصل مش دليل على فشل... ده دليل إنك كنتي بتحبي بصدق، اللي حصل غدر مش تقصير، مش ذنبك إن اللي حواليكي اختاروا يدمروكي بدل ما يحمُّوكي."
يسر سكتت، بس دموعها نزلت تاني 
فريدة كملت
"أنا مش هسيبك كده، انتي مش لوحدك، احنا كلنا حواليكي، وأنا معاكي لحد ما تقومي من الوجع ده على رجليكي تاني."
يسر قالت بصوت واطي
"أنا تعبت… تعبت أوي."
فريدة شدت البطانية وغطّتها بيها، وقعدت جنبها
"نامي دلوقتي… وريّحي، وحاولي تنسي شويه، عارفه أنه صعب بس لازم تتخطي علشان تعيشي"

في شقة محمد، بعد المغرب بشوية، النور خافت، والتلفزيون شغال بصوت واطي 
ياسمين قاعدة على الكنبة، حاضنه رجليها بإيدها، وبتبص في الأرض من غير ما تتكلم.
محمد كان واقف في المطبخ بيحاول يعمل كوباية شاي، بس عينه عليها كل شوية.
خرج بالكوباية وقعد جنبها وقال بهدوء
"مش هتشربي معايا؟"
ردّت وهي بتهز راسها بنفي
"مش قادرة… نفسي مسدودة."
سكت لحظة وبعدين قال
"حاسس إنك مش مبسوطة... ومتوتره"
قالت بسرعة، وكأنها كانت مستنياه يسألها
"مش متوترة… أنا مرعوبة يا محمد."
بصلها واستغرب
"مرعوبة؟ من إيه؟"
"من بكره...من الجواز...من اللي احنا دخلنا عليه من غير ما نكون جاهزين، إنت شايف إحنا في ظروف تسمح؟ شايف إنك تقدر تفتح بيت بالمنظر ده؟!"
محمد اتنفس بصعوبة، حط الكوباية على الترابيزة قدامه وقال
"ببص حواليّا كل يوم، بلاقي ناس ظروفها أصعب وبيكملوا... وإحنا على الأقل عندنا شغل، ومع بعض"
قالت بيأس
"أنا معاك، بس التعب مش بيخلص، والخوف بيزيد، وأنا حاسة إني ماشية في طريق غامض، مش شايفة آخره، حاسه بخوف"
قرب منها شوية ومسك إيدها وقال
"وعد… وعد من قلبي، إني هفضل جنبك، وهبذل كل اللي أقدر عليه علشان متخافيش تاني… حتى لو اضطرينا نبدأ من الصفر."
ياسمين فضلت ساكتة، لكن مسحبتش إيدها… والسكوت كان فيه قبول رغم القلق.

فريدة دخلت أوضة يونس بهدوء بعد ما خبطت على باب الاوضه، يونس كان نايم على السرير، ولما شافها ابتسم
"فريدة! حمد الله على السلامة، قلقت لما اتأخرتي."
ردت بابتسامة خفيفة باهتة
"كنت مضغوطة شوية… آسفة لو اتأخرت."
قال بفرحه
"ولا يهمك، أنا مرتاح إنك كملتِ، متعرفيش فرحان ازاي انك طلعتي بنت خالتي وكمان انك هتكملي"
ردت وهي بتحط جهاز على دراعه
"طبعًا… ما إنت توقعت إني مش هكمل، وعمرك ما تخيلت اكون قريبتك"
يونس ابتسم وقال
"بس كنت مستعد أحارب ماما علشان تفضلي موجودة."
ابتسمت ابتسامة سريعة، وسحبت ملف من جنبه على الكومود، فتحته وقالت
"إيه ده؟"
رد
"الدكتور كان عندي النهارده… ده الكشف على حالتي دلوقتي."
فريدة فتحت الملف وبصت فيه بدقة، وبصوت مهني قالت
"كويس… في تحسّن، ياريت لو تسمع كلام الدكاترة والممرضين بتوعك، هتتحسّن أكتر، وتاخد بالك من نفسك كويس، ماشي؟"
قبل ما يرد، الباب خبط خبطتين خفاف، واتفتح.
تيم دخل، عينيه أول ما دخل راحت عليها، وقف عند الباب، صوته هادي لكن مشاعره مكبوتة
"كنت جاي أشوفك… محتاج حاجة؟"
يونس رفع عينه لتيم وقال بنبرة فيها مغزى
"أنا كويس… فريدة لسه جاية، هتتابع معايا زي ما كنا."
تيم بص لفريدة، مستني أي حاجة… كلمة، لمحة، حتى نظرة.
لكن فريدة كانت واقفة ثابتة، عينيها لسه على الملف، ملامحها زي ما هي، متحركتش، مبصتلوش، ولا كأن في حد دخل.
تيم فضل واقف، أما هي...فمكملة في شغلها، بنبرة عملية قالت
"ضغطك تمام… بس لازم ترتاح النهارده ومتتعبش نفسك بأي تفكير."
يونس حاول يكسر التوتر وقال لتيم
" تيم؟ عايز تقول حاجه؟!"
تيم مردش، وبعد ثواني تقيلة، لف وساب الأوضة، وقفل الباب وراه بهدوء.
فريدة لسه مركزه في اللي بتعمله ، ويونس كان شايف اللي حصل كله.
كان بيراقبها، ومن وقت للتاني بيبص لباب الأوضة اللي تيم خرج منه
قال بهدوء
"زعلانة منه؟"
فريدة رفعت عينيها ليه بسرعة وقالت
"أنا؟ لاء... هزعل ليه يعني؟"
يونس ابتسم ابتسامة صغيرة وقال
"إنتي مش بتعرفي تمثّلي."
سكتت، بس ملامحها اتشدت شوية.
يونس كمل بنبرة أخف
"ومش بتعرفي تكدبي"
فريدة قالت بصوت فيه نبرة دفاعية
"يونس… من فضلك، خلينا في شغلي وصحتك"
يونس اتفاجئ من حدتها وفريده اخدت بالها انها علت صوتها فقالت بنبرة واضحة لكن ناعمة
"يونس… أنا هنا علشان شغلي… ومش عايزة أي حاجة تتفهم غلط."
هز راسه باحترام وقال
"أنا آسف لو كلامي اتفهم بشكل تاني… أنا فعلًا مقدّر تعبك ووقفتك معايا."
فريدة نزلت عينيها وقالت بلطف
"وأنا مش قصدي أحرجك… بس لازم كل حاجة تفضل واضحة."
يونس ابتسم ابتسامة هادية وقال
"واضحة يا فريدة… ووعد إنك مش هتلاقي مني غير التقدير."
ردت 
"شكرًا يا يونس… ده هيريّحني جدًا."
بدأت تكمل شغلها وعدى شوية صمت
سألته 
 "أنا هنزل أعمل قهوة، تحب أعملك معايا؟"
يونس ابتسم وقال بحماس
 "ياريت! وبعدين تعالي احكيلي اللي حصل امبارح بقا."
ضحكت فريدة بخفة وهي بتلف تخرج
 "مكتوب عليا أحكي بس!"
رد بسرعة وهو بيعدل نفسه في السرير
"ليه، حكيتي لمين تاني يعني؟"
ردت وهي واقفه على الباب
"لإسلام."
ابتسم يونس وقال 
"آه، يبقى أنا وإسلام عادي، بما إنهم في البيت بيعاملوني على إني لسه صغير… أكمني أصغر واحد فيهم يعني!"
فريدة رفعت حاجبها بمرح وسألته
"بس سالي قالتلي إنك أصلاً مش بتقعد في البيت، دايمًا بره؟"
رد بضحكة قصيرة فيها نبرة سخرية خفيفة
"وده بيت يتقعد فيه! لولا اللي أنا فيه، مكنش حد شاف وشي والله."
ضحكت وهي بتهز راسها وقالت له
"هانت خلاص… على آخر الشهر هتبدأ تمشي بعكاز، لحد ما تتحسن على الآخر."
وقبل ما يكمل كلامه، سبقته وقالت بسرعة
"أو براحتك يعني… علشان انت لمض وهتقوللي عكاز إيه بس!"
ضحك يونس بصوت واضح وقال
"برافو عليكي، سبقتيني في الرد!"
قالت وهي خارجة من الأوضة
"هروح أعمل القهوة بقى."

بعد مرور أسبوع…

كل حاجة على وضعها، يمكن مفيش جديد، فريده احترمت رغبة تيم ومش بتقرب منه ابدا ولو شافته صدفه بتلف وترجع مطرح ما كانت، وهو جواه صراع، مش عارف هو عايز ايه بالظبط، وهل كده هو مرتاح ولا لاء

فريده بعد ما يونس نام والساعه عدت ١٢ نزلت المطبخ بهدوء، النور كان مطفي والدنيا هاديه
دخلت وفتحت النور
بس اتفاجئت لما لقت تيم واقف جوه لوحده قدّام الحوض، ضهره ليها، مخدش باله إنها دخلت.
بس لما فتحت النور هو لف بسرعه، نظراتهم اتقابلت، بس وشه كان باين عليه الإجهاد.
فريدة اتجمدت في مكانها، يمكن لأنها متوقعتش انها تشوفه دلوقتي.
لفت وكانت هتنسحب بهدوء بس تيم قال بصوت جاف
"مش لازم تهربي كده كل مرة تشوفيني."
فريدة ردت 
 "أنا مش بهرب، إنت اللي مش عايزني أكون موجوده في مكان انت موجود فيه"
سكت لحظة...وبعدين بص بعيد، كأنه مش قادر يواجهها
"أنا مش عايز أشوفك… علشان لما بشوفك،
ببقى مش عارف أتحكم في نفسي، بكون مش أنا"
كلامه دخل قلبها زي السهم، بس عقلها رفض يصدق 
فضلت ساكتة، لكنه كمل بصوت أهدى كأنه اعترف غصب عنه وهو بيميل شويه
"كل مرة تبقي قريبة... بحس إن كل حاجة حواليا متلغبطه وانك بتغيري كل حاجه"
بصّتله وقالت وهيا مش فاهماه
"بس أنا مش قريبة، ومش بقرب منك زي ما طلبت،
أنا هنا بقوم بشغلي اللي خلاص قرب يخلص،
وساعتها؟
مش هتشوف وشي تاني... أبدًا."
كان هيميل أكتر، وكأنه هيفقد توازنه.
فريده اتحركت ناحيته بسرعة مسكته من دراعه وقالت بقلق
"تيم! إنت كويس؟!"
" تيم، انت كويس ؟!" 
حاول يبعد إيده، بس كان ضعيف، وهيا ما سابتهوش
"وشك شاحب، إنت كنت واقف هنا لوحدك من امتى؟!"
مردش علطول، شكله كان تعبان، تايه، ضايع.
قال بصوت واطي
"معرفتش أنام، نزلت أشرب مية بس."
قالت بنبرة أهدى، وهي لسه ماسكة دراعه
"اقعد طيب، هجيبلك مايه"
جابتله كوباية مايه وادتهاله، اخدها بس ايديه كانت بتترعش، شرب بق واحد بس وسابها على الترابيزه قدامه، فريدة فضلت واقفة جنبه، حاسة بكل نفس بياخده بالعافية.
كان بيحاول يتماسك، بس عينيه بتقفل غصب عنه
قالت بنبرة فيها حزم وقلق
"شكلك سخن، اخدت برد؟"
مردش، بس كان بيتنفس بصعوبه،
حطت إيدها على جبينه بدون تفكير، كان سخن فعلًا.
سحبت إيدها بسرعة، كأنها اتلسعت بس مش من حرارته، من اللحظة نفسها.
قالت وهي بتكتم اضطرابها
"إنت سخن فعلًا، ازاي محدش خد باله، تعالي اطلعك اوضتك"
قال بصوت مبحوح
" هعرف امشي لوحدي."
قالت برفض قاطع 
"لاء، مش هتمشي لوحدك، كفاية عناد، تعالي"
مدتله إيدها...
اتردد، وبعدين مسكها...
إيده كانت سقعة جدا وكانت بترتجف
طلعوا السلم سوا، خطوة بخطوة وهو كان بيترنح 
وصلوا أوضته، فتحت الباب، دخلته، وساعدته يقعد.
"ارتاح... هجيبلك دوا ولمون سخن"
قال بنبرة صوتها مبحوح من التعب
"أنا مش محتاج لكل ده"
بصتله وهي بتفتح الدولاب تدور على بطانية
"ممكن متكونش محتاجني انا... بس مش هقدر اسيبك في الحاله دي"
ساعدته يتسطح وغطته، وبعدين نزلت تجيبله اللي محتاجه
رجعت بصنية فيها كوباية لمون سخنة، ودوا خافض حرارة.
وهو نايم على ضهره، مغمض عينه بتعب
مدتله الكوباية
"اشرب"
"أنا مش قادر…"
"ماشي، ثواني"
ساعدته يتعدل وقربت الكوباية من شفايفه، وساعدته يشرب، وبعدها ساعدته يرجع ينام تاني
وقفت وهي بتبصله لحظة، كان نايم على السرير، عرقه غرق المخده، نفسه مش منتظم، ووشه شاحب جدًا.
همست وهي بتغطيه أكتر
"معلش، بس مش هقدر أسيبك كده، حتى لو كنت مش عايزني حواليك"
بهدوء خرجت من الأوضة، مشيت بسرعة في الطُرقه بقلق، وصلت عند أوضة صابرين، خبطت بهدوء وهي بتحاول تتحكم في صوتها، لكن كان واضح عليها التوتر.
صوت صابرين جه من جوه
"مين؟"
ردت فريدة
"أنا...فريدة."
فتحت الباب بسرعة، كانت لابسة روب خفيف وعلى وشها آثار قلق أول ما شافتها.
"في إيه يا فريدة؟ في حاجة؟"
قالت فريدة وهي بتحاول تحافظ على هدوئها
"تيم تعبان جدًا...حرارته عالية، وبيهلوس...شكله واخد دور برد شديد"
صابرين حست بقلق فعلا وقالت وهيا بتخرج من الاوضه
"يعني إيه؟! إزاي؟! كان كويس النهاردة..."
فريده قالت
"لقيته في المطبخ كان شكله باين تعبان... أنا نيمته وغطّيته، بس لازم دكتور يشوفه فورًا."
مشيوا بسرعة سوا وصابرين باين عليها قلق، دخلت بسرعه الأوضه وقربت منه، كان نايم على السرير، ملامحه شاحبة ووشه محمّر من الحرارة، نفسه متقطع وبيتكلم بكلام مش مفهوم، فريدة واقفة بعيد عينيها عليه، وصابرين قعدت جنبه ومسكت أيده برعب واضح
"تيم… تيم، رد عليا يا حبيبي"
لكن هو كان بيهذي بكلام مش مفهوم، جسمه بيتحرّك بخفة من السخونية، وعينه مغمضة ومش مستجيب.
فريدة قالت وهي بتخرج الفون من جيبها
"فيه دكتور أنا بشتغل معاه في الطوارئ، هكلمه دلوقتي وييجي يشوفه"
صابرين هزت راسها وفريده خرجت تكلمه وبعد كده دخلت وقالت 
"جاي في الطريق... بس لازم نجهزله حاجات لحد ما يوصل، سخونية زي دي ممكن تعمل مضاعفات."
صابرين بصتلها بقلق
"قوليلي أعمل إيه؟"
" انا اللي هعمل، خليكي انتي جنبه"
صابرين هزت راسها، وفريده نزلت تجيب فوطة وميه ورجعت.
دخلت الأوضة وهي شايلة كل حاجة، حطّت الصينية، وبدأت بهدوء واحتراف تعمل الكمادات، وكل شوية كانت بتلمس جبينه تتابع الحرارة.
"لازم نخلّي حرارته تنزل شويه، عاليه جدا"
صابرين كانت قاعدة جنبها، بتساعدها وهي بتحاول تتمالك أعصابها، بس واضح إنها خايفه 
مرت حوالي تلت ساعة... تيم بدأ يفتح عنيه بصعوبة.
قال بصوت متكسر وهو بيكح
" مش قا..در"
ردت فريدة بهدوء
"عارفة... هو دور برد تقيل، بس خليك معانا، متنامش تاني."
فضلت تتابع حالته لحد ما وصل الدكتور، دخل بسرعة، فرد أدواته، وبدأ يكشف عليه.
حط السماعة، قاس الحرارة، قاس الضغط، شاف صدره، سأل أسئلة لصابرين عن الأعراض
"من إمتى بدأت الحرارة؟"
قالت
"أنا لسه عارفه من شوية...فريدة هي اللي لحقته وشافته كده، قالتلي إنه كان بيهلوس ووقع تقريبًا."
بص الدكتور لفريدة، قال بهدوء
"هو كان بيعرّق كتير؟ جسمه بيترعش؟"
قالت
"أيوه، وكان بيقول كلام مش مترتب... ووشه كان مرهق جدًا."
الدكتور خرج حقنة من شنطته، وبدأ يجهزها
"واضح إنه واخد دور برد شديد جدًا، مع إجهاد نفسي، الحرارة وصلت ٤٠، ودي مرحلة خطيرة، لازم نبدأ في خفض الحرارة فورًا"
صابرين قالت بخوف
"هنوديه مستشفى؟"
رد بهدوء
"لسه مفيش داعي، ندي الحقنة دي، ونبدأ كمادات، ولازم يفضل على السوائل والراحة التامة، لو الحرارة ما نزلتش خلال ساعات، هنتحرك فورًا."
اداله الحقنه وفريدة قامت جابت فوطة مبلولة وبدأت تمسح وشه بهدوء.
الدكتور قال وهو بيقف
"هعدي عليه الصبح أطمن، بس لو في أي تغير سلبي، كلموني فورًا."
فريده قالت
"أنا هفضل معاه... هتابع الحرارة وأديه العلاج أول بأول."
الدكتور بصّلها بتقدير
" هيبقى افضل يا فريده، انا عارف تأثيرك على المرضي كويس"
بصتله بامتنان وابتسمت
صابرين قالت وهي بتشكره
"شكرًا...متشكرة جدًا."
الدكتور خرج وهيا خرجت معاه 
بعد شويه صابرين رجعت، فريده قالتلها
"لو حابة تروحي ترتاحي شوية، أنا هكمل معاه."
قالت برفض
"لا...أنا هفضل معاه، مش هسيبه في الحالة دي، اتطمن أنه بقى كويس الأول" 
كملت
"هبعت سليمان يجيب الأدويه اللي في الرشته"
خرجت بسرعة من الأوضة، وفريدة فضلت قاعدة جنب السرير، بتحط الكمادات بهدوء، لمست إيده اللي كانت سخنة جدًا.
تيم مكانش واعي، بس ملامحه بدأت تهدى شوية.

عدى اربع ايام، فريده بين يونس وتيم، بس المعظم مع تيم اللي طول الوقت نايم وتعبان 
حرارته بدأت تنزل، بس جسمه مرهق جدًا ولسه مش قادر يقوم لوحده.
صابرين بتدخل تطمن عليه كل شوية، فريده رسميه جدًا، وبتتصرف كأنها مجرد ممرضة وبس

فريدة كانت مع يونس، كانت مستنيه معاد علاج تيم ييجي، ولما الوقت جه قامت فورًا تدخل أوضة تيم تطمن عليه وتديله العلاج كالعادة.
لكن أول ما دخلت، اتفاجئت إن السرير فاضي وهو مش موجود
بصّت حوالين الأوضة بقلق ونادت
"تيم؟"
مفيش رد.
نادت تاني، صوتها أعلى شوية
"تيم؟! إنت فين؟"
سمعت صوت مايه شغالة من جوا الحمام.
وقفت مكانها لحظة، خدت نفس طويل
قربت من الباب بهدوء، خبطت على الباب بسرعة، وقالت بقلق
"تيم! إنت كويس؟! "
مفيش رد
خبطت تاني، أقوى
"تيم، لو مفتحتش هضطر أنده لحد!"
لحظة وسمعت صوته جاي من جوه، مرهق جدًا، مخنوق شوية
"أنا... كويس..."
قالت بحزم
"لو كنت فعلاً كويس، اطلع فورًا وخليني أتطمن، أنت حتى مش قادر تمشي، إزاي تاخد شاور لوحدك؟!"
سمعت صوت المايه بيخف تدريجيا، وبعدها سمعت صوته بيقول بخفوت
"كنت محتاج أفوق... بس الدنيا بتلف، مش شايف كويس."
فريده فورًا قالت بقلق
"افتح الباب، دلوقتي."
فتح الباب بهدوء، كان واقف بالعافيه، ساند على الحيطة، وشه مبلول، شعره مبلول، ووشه باين عليه التعب بوضوح.
فريده دخلت بسرعة، سندته لحد السرير، ساعدته يقعد.
قال بصوت واطي وهو بيحاول يثبت صوته
"أنا خلاص بقيت كويس."
ردّت بدون ما تبصله
"الحمد لله إنك اتحسنت، بس مش معنى كده انك تهمل في نفسك."
قال بنفس النبرة 
"أنا مش بهمل في نفسي."
ردت بنبرة عملية
"حاول ترتاح لحد ما تخف كليا، إنت كنت تعبان جدًا الأيام اللي فاتت، وما صدّقت إنك بقيت أحسن، لو احتاجت حاجة… قولي." 
سكت، بدأت تديله العلاج، وقفت مكانها لحظة، بتراقب المؤشر الرقمي لحرارته وقالت 
" الحمد لله نزل عن الأول كتير"
بعدين بصت عليه، كان مغمض عينه، بس نفسه مش منتظم.
قالت بهدوء
"هحطلك كمادة تانية، لسه جسمك محتاج تبريد بسيط."
مستنتش رد منه، ولا هو حاول يقول حاجة.
جابت الفوطة، بلّتها، وبدأت تحطها على جبهته بلطف.
فتح عنيه ببطء، عينه وقعت عليها، لكنها مبصّتش له، كانت مركزة في شغلها وبس
قال بنبرة باردة 
"أنا ممكن أعمل ده لوحدي."
ردّت ببساطة
"وأنا موجودة علشان اعمله انا"
سادت لحظة صمت، رجّع عينه للسقف، وهي فضلت تحط الكمادة لحد ما خلصت 
رنّ تليفون فريدة، لمّحت الاسم على الشاشة
"إسلام"
بص لتيم بسرعة وقالت بنبرة سريعة بس هادية
" الف سلامه، خد بالك من نفسك."
وسابت الأوضة بهدوء.
خرجت، وردّت بسرعة وهي ماشية في الطُرقة
"ألو؟"
إسلام قال بهدوء
" عامله ايه؟! والكل عندك عامل ايه ؟! تيم بقا كويس؟!" 
ردّت وهي بتحاول توازن بين التعب اللي في صوتها والهدوء المعتاد
"آه، الحمد لله احسن"
سكتت لحظة وبعدين قالت
" عرفت حاجه عن ياسمين، كل ما أروح ليسر، طنط بتسألني عنها."
إسلام ردّ بهدوء
"أيوه... وصلتلها، خلاص."
قالت بدهشة مفاجئة
"بجد؟!"
رد
"آه... كتبوا الكتاب خلاص، وعايشين في بيت صغير بعيد عن الأنظار."
فريدة سكتت لحظة، كانت بتحاول تستوعب الكلام، وبعدين قالت بصوت واطي
" انت متاكد يا اسلام ؟!"
قال 
"هو ده اللي حصل، خليني أحكيلك بالتفصيل بعدين، بس حبيت أعرفك دلوقتي باختصار يعني"
سكتت وبعدين قالت بهدوء
"تمام... باي" 

تاني يوم…
فريدة كانت واقفة قدام باب بيت يسر، خبطت بلطف، وبعد لحظات الباب اتفتح.
يسر فتحت، كانت عينيها فيها إرهاق بس بتحاول تبان طبيعية.
ابتسمت فريدة ابتسامة بسيطة وقالت
"صباح الخير."
يسر رجّعت خطوة لورا وهي بتفتح الباب أكتر
"صباح النور، ادخلي."
دخلت فريدة وسلّمت عليها وقعدت على الكنبة.
سادت لحظة صمت خفيفة، فريدة قطعتها بهدوء
" عامله ايه ؟!"
يسر قعدت قصادها وقالت بصوت هادي، باين عليه التعب
"أنا كويسة... يعني، بحاول أكون كويسة."
فريدة بصتلها لحظة وقالت برقة خفيفة
"عارفة... وخدتي خطوة كبيرة لما نزلتي الشغل تاني، ده لوحده حاجة محترمة."
يسر حاولت تبتسم، لكن التعب كان ظاهر أكتر
"الشغل هو الحاجة الوحيدة اللي بتشغلني عن التفكير، بس أول ما برجع البيت كل حاجة بتفتكرني باللي حصل."
فريدة بصتلها بحزن، لكن قالت بنبرة ثابتة
" بس خليكي فاكره انك مش لوحدك وان كلنا معاكي"
يسر نزلت عينيها وقالت بصوت واطي
"هو مفيش أي خبر؟ متعرفيش عنهم حاجة؟"
اترددت فريدة ثواني، بس قالت بحذر وهي بتبص في الأرض
" اكيد معرفش، وانتي متحاوليش تعرفي، فكك منهم "
يسر هزّت راسها، وقالت وهي بتحاول تتحكم في صوتها
" عايزه، بس مش عارفه، الحوار صعب اوي "
فريدة مالت ناحيتها شوية وقالت بلطف
" وانتي اخدتي وقتك وزعلتي، دلوقتي حاولي تتعايشي، لسه الحياه قدامك، ولسه هتتعلمي، ولازم تكوني قويه"
قبل ما يسر ترد، مامتها جت، وشها باين عليه التعب.
ابتسمت وهي بتقرب
"إزيك يا فريدة يا حبيبتي، منورة."
فريدة قامت بسرعة وسلّمت عليها
"إزي حضرتك يا طنط؟ عامله ايه؟!"
الست بصّت على يسر وقالت
"قومي يا يسر شوفي باباكي، كان عايز يشرب شاي وطلب مني اقولك ."
يسر ردّت
"حاضر يا ماما"
وقامت وها بتقول لفريده
" اعملك شاي ؟! ولا عايزه حاجه تانيه؟!" 
فريده قالت بلطف 
" شاي ماشي"
مشيت واول ما اختفت من قدامهم، الست قعدت جنب فريدة وقالت بصوت واطي فيه رجفه
"مفيش أي خبر؟"
فريدة خدت نفس، بصّت في الأرض، وقالت بهدوء حريص
"يعني... اسلام عرف يوصل لاخبارهم الأخيره"
الست اتشدت قدامها وقالت
"طب قوليلي بسرعه هيا راحت فين؟! عايشة إزاي؟! محمد خدها فين؟!"
فريدة قالت بسرعة تحاول تهديها
"طنط...واحدة واحدة بس... مش عايزاكي تتخضي، أنا جيالك مخصوص علشان أقولك اللي عرفته."
الست همست
"قوليلي... بالله عليكي."
فريدة بصّت في عينيها وقالت بنبرة بطيئة واضحة
"همّا اتجوزوا، كتبوا الكتاب خلاص، وساكنين في بيت صغير، بعيد عن هنا"
الست جحظت عينيها، ضربت بإيدها على صدرها، كأن نفسها اتكتم 
"اتجوزوا؟!"
فريدة أومأت
"أه... بس انا معرفش مكانهم فين بالظبط"
الست حطت إيديها على وشها، وبدأت دموعها تنزل، بدون صوت.
فريدة قربت، مسكت إيديها، وقالت بهدوء
"أنا عارفة إن الخبر صعب، وأنا آسفة… بس قولت لازم حضرتك تعرفي، ويسر مش لازم تعرف اي حاجة" 
الست بصّتلها، الدموع في عينيها، وقالت بصوت مكسور
"أنا مش قادرة أصدق... بنتي تعمل كده؟! تسيب البيت وتروح تتجوز في السر؟! وخطيب اختها؟!"
فريدة شدّت على إيدها بلطف
" انا اسفه مكنتش حابه اقولك بس اكيد مش هتبطلي تسألي عنها، المهم دلوقتي محدش يعرف علشان ميحصلش مشاكل"
الست مسحت دموعها بسرعة لما سمعت صوت يسر جاية، وفريدة رجعت تقعد في مكانها كأن محصلش حاجة.
دخلت يسر بابتسامة بسيطه
"بابا بيقولك كلميه عايزك"
ردّت وهي بتحاول تخفي ارتباكها
"جايه يا حبيبتي."
خرجت، وفريدة فضلت قاعدة مكانها، قلبها تقيل من اللي حصل وبيحصل

رجعت فريدة البيت آخر اليوم، مجهَدة ومشوشة،
دخلت بهدوء، طلعت على أوضتها الأول، وبعدها راحت ناحية أوضة مامتها تطمن عليها.
خبطت خبطتين خفيفين وقالت بهمس
"ماما؟"
مفيش رد.
فتحت الباب بحذر، دخلت...الأوضة كانت فاضية، لكن صوت المياه كان شغال من الحمام.
فهمت إنها جوه، فقررت تستناها لحد ما تخرج.
قعدت على طرف السرير، لما طولت كانت ناوية تقوم تخرج، لكن صوت رنة موبايل فجأة شدّها.
بصّت حوالين الأوضة، لقت الفون على التسريحة بيرِن.
قربت تلقائيًا تبص، بصّت للموبايل... مكانش عليه اسم، بس بعدها على طول وصلت رسالة.
الشاشة نورت، وبشكل لا إرادي، عنيها وقعت على الكلمات
"كان يوم طويل، وكل لحظة فيه كنت بفكر فيكي،
مشتاق أتكلم معاكي براحتنا، من غير خوف ولا حسابات، بكرة الساعة 7، نفس المكان؟"
فريدة اتسمرت مكانها، صوت الميّه في الحمام كان شغال، وكل حاجة حواليها بقت مش واضحة.
قعدت على الكرسي، حطت إيدها على بقها، مش مصدقة...
حسّت إن الأرض بتتهز تحتها.
"ماما؟!"
الست اللي طول عمرها شايفاها ملاك؟...
دقيقة، اتنين...والمياه اتقفلت.
قامت بسرعة، خدت نفسها بالعافية، خرجت من الأوضة، وهي حاسه انها مش قادره تتنفس كويس 

دخلت فريدة أوضتها وهي بتحاول تمسك أعصابها، قلبها بيدق بسرعة، وكل خطوة بتحسسها إنها ماشية على نار.
قعدت على السرير، وشها بين إيديها، بتسأل نفسها بصوت واطي
"يعني إيه؟... ممكن أكون فاهمة غلط؟ يمكن الرسالة مش ليها أصلاً؟"
لكن صوت جواها بيرد بقسوه
"بس ده فونها...والرسالة جاية حالًا..."
قامت وقعدت قدام اللابتوب بتاعها، وهي مش متأكدة هي بتعمل إيه أصلًا، بس عقلها مش راضي يسكت.
فاكرة إن زمان كانت مامتها دايمًا بتطلب منها تبص على إعدادات الجهاز أو تبعت حاجة من حساب فيسبوك كان مفتوح، أو واتساب ويب.
فكرة خبيثة لمعت في دماغها...
"ممكن تكون حساباتها لسه محفوظة؟"
فتحت المتصفح...
فتحت فيسبوك...
وضغطت على الحسابات المحفوظة.
قلبها كان بيخبط وحاسه بتوتر
لحظة صمت، بعدها ضغطت علي الحساب
فتح بدون كلمة مرور.
عينيها لمعت بدموع، مش عارفة إذا كانت عايزة تكمّل ولا لاء.
فتحت الرسايل...
دورت شوية أو كتير وايديها بترتجف
لحد ما قدرت تلاقي كلام بين مامتها وشخص مجهول، كلام عن اشتياق، عن لقاءات، عن أيام فاتت.
فيهم نبرة حب مش ممكن تتفهم غلط.
قفلت اللاب بسرعة مقدرتش تكمل، وقامت من مكانها، وشها شاحب...
مش قادرة تصدق اللي شافته.
ولا حتى قادره تقتنع
حست انها في كابوس 
ازاي مامتها الست اللي دايما قدوتها تخون باباها.

تاني يوم، فريدة راحت ليونس 
كان الجو هادي 
دخلت، لقت يونس قاعد على الكنبة في اوضته، رجله ممدودة قدامه، والعكاز جنبه، بس ملامحه كانت مختلفة... باين عليه إنه بيتحسن فعلًا.
ابتسم أول ما شافها وقال
" بجد كل مره تدخلي فيها بحس أن انا كويس"
قعدت قدامه، حاولت تخفي التوتر اللي جوّاها، بس عينيها كانت فيها أثر سهرة منامتش فيها كويس.
يونس لاحظ، قال بنبرة فيها نوع من المزاح الخفيف
"إيه؟ مالك كده؟!"
ردّت بسرعة
"أنا كويسة... بس ضغط شغل."
سكت لحظة، وبعدين قال بهدوء أكتر
"لو في حاجة مضايقاكي، ممكن تقولي."
فريدة بصتله وقالت
" مفيش حاجه اكيد"
ابتسم يونس وقال 
" لو حبيتي غيري رأيك انا موجود" 
ابتسمت ابتسامه متخطتش شفايفها.
يونس حاول يخفف التوتر اللي في الجو وكان بيحكي عن التمارين الجديدة اللي بدأ يعملها، بس لاحظ إنها مش بترد، ولا حتى بتعلّق بكلمة أو ابتسامة.
سكت شوية، وبعدين قال
"فريدة؟"
رفعت عينيها عليه فجأة، كأنها كانت في حتة تانية خالص.
"ها؟"
قال 
"إنتي مش مركزة خالص، في حاجة؟"
هزّت راسها بسرعة، وقالت بصوت واطي 
"لا، لا... معلش، بس مرهقة شوية."
رد عليها بهدوء
" شكل الموضوع اكبر من مجرد إرهاق"
هيا معلّقتش، بس ملامحها اتشدت أكتر.
قال بلطف وهو بيحاول يغير الجو
"طب تعالي نشرب حاجة طيب، ايه رأيك تنادي حد من اللي تحت يعمل ايس كوفي "
ابتسمت ابتسامة باهتة، وقالت
" طيب هنزل اعملك" 
قال 
" خلاص خليكي شكلك مش عايزه اصلا"
فريدة رفعت راسها ليه بسرعة، كأنها كانت سرحانة في عالم تاني، وبعدين قالت بسرعة
"لا لا عادي طبعًا، أعملهالك حالًا."
قامت من مكانها، وخرجت من الأوضة باتجاه المطبخ. خطواتها كانت بطيئة، مرهقة، وملامحها شاحبه

تيم كان قاعد في الريسيبشن مع صاحبه، الترابيزة قدامه عليها أوراق وتقارير محطوطه بنظام، واللابتوب مفتوح، وعينيه بتتحرك بسرعه بين السطور، صاحبه قاعد جنبه وقاله وهو بيشاور على جزء معين في ورقه
"بص، الجزء ده محتاج يتراجع، الأرقام هنا مش متطابقة مع التقرير اللي طلع."
تيم أخد الورقه، بص فيها لحظة وقال بنبرة متوترة شويّة
 "علشان كده قلتلك مستحيل أسلّم حاجة من غير ما أراجعها بنفسي، غيابي الأيام اللي فاتت عمل لخبطة كبيرة."
كان بيكلمه ومستني رده، لكن فجأة لاحظ إنه سرح، عينه مش عليه، باصص في اتجاه السلم، لف وشه بشك، وبص على نفس الاتجاه… لقاه مركز معاها، نازلة بسرعة من على السلم، ماشية بخطوات سريعة كأنها مستعجلة، ودخلت المطبخ من غير ما تاخد بالها إن في حد اصلا
بصله بحدة وقال بضيق واضح
"حسام، ركز معايا هنا، أنا بكلمك."
حسام فاق من شروده، رمش كذا مرة وقال وهو بيحاول يضحك
"هي مين دي؟ أول مرة أشوفها هنا."
قال بنبرة حادة فيها غيرة محبش يعترف بيها حتى لنفسه
"إنت جاي تشتغل ولا تبص على أهل البيت؟"
حسام لسه بيفتح بُقه علشان يرد، لكن فجأة سمعوا صوت خبط جامد جاي من المطبخ
تيم قام فورًا من مكانه، جري ناحية المطبخ من غير ما حتى يبص لحسام.
دخل بسرعة، لقا فريدة على الأرض، الإزاز مكسور حواليها، بتلمه بسرعه بايديها اللي اتعورت
وشها شاحب، وعنيها مش مركزة غير في الازاز اللي بتلمه بسرعه
قال بقلق واضح
"فريدة!"
قرب بسرعة، ركع جنبها، مسك إيدها بلطف لكنه كان متوتر جدًا، عينيه سابت الإزاز وركزت على كفها اللي اتعور
"إيه اللي حصل؟! إنتي كويسة؟!"
قالها بنبرة فيها خوف مش متعود عليها،
هي كانت بتحاول تتكلم، بس صوتها كان واطي ومبحوح
"الكوبايه وقعت اتكسرت، غصب عني معر..."
قاطعها بحدة
" مش مهم فداكي مش مشكله"
وقف ووقفها ونادي 
" محمد، تعالي نضف الأرض بسرعه "
محمد دخل بسرعة وتيم بص له بنبرة حاسمة
"شيل كل ده بسرعة، خلِّي بالك وإنت بتنضف."
بعدين رجع عينيه على فريدة، كانت واقفة بصعوبة، باين عليها إنها مش قادرة تركز.
بصلها وبنبرة هادية بس مليانة اهتمام قال
"تعالي، إقعدي شويه في الجنينة... شكلك مش تمام."
مستناش موافقتها، وخرج بيها من المطبخ ناحية الجنينة.
قعدها على كرسي، وقعد جنبها، إيده لسه ماسكة طرف إيدها التانية.
طلع منديل من جيبه ومسح ايديها براحه وسألها، وصوته كان واطي 
"إيه اللي مضايقك؟"
هزت راسها بنفي، وسكتت.
قال بنبرة هادية لكنها ثابتة
"مفيش حاجة تستاهل زعلك ده"
بصلها لحظة، شاف في ملامحها حاجة مش طبيعية... تعب، شرود، كأنها مش هنا.
قال وهو بيعدل قعدته قدامها
"واضح إنك مش تمام."
سكت ثواني، وبعدين كمل 
" بس اكيد مش هضغط عليكي"
كانت فريدة باصه له، بس مش عارفة تقول حاجة.
شال عينه عنها، وقال بجملة مختصرة وهو بيقف
"هجيبلك مايه، إقعدي مكانك."
ومشي

رجع من جوا البيت ومعاه إزازة مايّه، بس قبل ما يخرج لقاها قدامه
مشيت ناحيته بخطوات أهدى من أول، وقفوا قصاد بعض لحظة.
قالت بصوت هادي، فيه نبرة امتنان مكبوتة
"أنا كويسة، شكراً على اهتمامك."
سكت ثانية، بصلها من غير ما يرد فورًا، وبعدين قال بنبرة فيها برود
"مش اهتمام... بس ماينفعش أشوفك كده وأسكت."
عدى جنبها بهدوء، ومدّ لها الإزازة
وقال بهدوء
"اشربي."
وسابها وكمل طريقه، كأن ما حصلش حاجة...

فريدة دخلت المطبخ، طلبت من واحد من اللي جوه يحضر طلب يونس.
وقفت لحظات تتابع تحضيره، وبعد ما خلص، شكرته وأخدت الصينية وخرجت.
في الوقت ده، كان تيم رجع لقعدة الشغل.
قعد على الكرسي من غير ما يتكلم، حاول يركز في الورق قدامه.
حسام بصله وسأله
"إيه اللي حصل؟"
رد تيم وهو بيقلب في ورقة قدامه، من غير ما يرفع عينه
" مفيش حاجه مهمه"
سكت حسام لحظة، وبعدين قال وهو موطي صوته
"هي مين دي؟ أول مرّة أشوف واحدة ست هنا أصلاً."
تيم بصله بسرعة، وبنبرة قصيرة قال
"ممرضة يونس... ماما اللي جابتها."
حسام رفع حواجبه باستغراب واضح
"مامتك جابت بنت؟ تدخل البيت؟ مش غريبة دي؟"
تيم ساب الورقة اللي في إيده وقال ببرود
"مش مهم، نركّز في الشغل؟!"
وبص تاني على اللابتوب قدامه، كأن الحوار انتهى تمامًا.

فريدة كانت طالعة، شايلة صينية فيها الآيس كوفي، وشكلها أهدى شوية من قبل كده، بس ما زال عليها أثر التعب.
تيم رفع عينه ليها لحظة، بس بسرعة رجّع نظره على اللابتوب
حسام قال بصوت وطي فيه هزار
"هاي ميس نيرس."
تيم رفع نظره لحسام، نبرته كانت واطية لكنها قاطعة
" ركز يا حسام في شغلك مش هقولك تاني " 
حسام قال بضحكة خفيفة
"ما تعرفني عليها؟ البت حلوة."
تيم بصله بنظرة جامدة، ملامحه مبتتحركش.
نبرة صوته طالعة رخيمة، فيها غيظ مكتوم
"ركز في شغلك، ملكش دعوه بيها"
حسام ضحك وقال بنص جد
"يا عم إهدى، بهزر."
تيم قال ببرود
"وأنا مبهزرش"

فريده دخلت أوضة يونس وهي شايله صنية الايس كوفي، حطتها على الكومود بلُطف.
يونس كان قاعد على الكنبه فارد رجله 
قال بهزار
"يا سلام! تسلم ايدك"
فريدة ابتسمت بخفوت 
"بالهنا"
فريدة قعدت على الكرسي اللي جنبه، ملامحها كانت هادية بس فيها لمحة شرود خفيف.
يونس لاحظ، وبصلها شوية، وبعدين قال بنبرة أخوية فيها دفء
"أخبارك إيه بقى؟ شكلك مش على بعضك."
فريدة قالت بهروب
"أنا؟ لا عادي... اليوم طويل بس."
يونس قال بهدوء
"طيب بجد لو متضايقه وعايزه تحكي، فأنا هكون مستمع جيد"
فريدة ابتسمت ابتسامة باهتة، وقالت
"مفيش حكايات، يعني مضغوطه اليومين دول شويه"
بونس قال بمزح
"هو أنا اللي مضغوط مش إنتي، بس واضح إني محتاج أتعالج جسديا وانتي محتاجة أجازة."
ضحكت خفيفة خرجت منها غصب عنها، وقالت بنبرة أهدى
"إحنا الاتنين هنحتفل لما نخرج من هنا متقلقش"
يونس قال بابتسامة خفيفة وهو بيبصلها
"يعني انتي بجد هتمشي؟"
فريدة قال بهدوء وابتسامة
"الحمد لله انت بقيت أحسن."
يونس بص قدامه وقال بنبرة شبه تمثيلية
"لا تصدقي... حاسس إني مش قادر أحرّك رجلي... لسه محتاجه شويه وقت"
فريدة ضحكت
"هبقى أجي متقلقش، ده احنا ولاد خاله يعني"
يونس رجع يبصلها
"بس مش هتيجي كل يوم زي دلوقتي"
فريدة سألته
"يعني انت بعد ما تكون احسن هتقعد في بيتكوا بعد الحبسه دي كلها يعني؟!" 
يونس قال بضحكة خفيفة
"أكيد لاء... سميرة وحشتني!"
في اللحظة دي موبايل فريدة رن، طلعته وبصت على الاسم، كان مامتها 
فضلت تبص عليه كام ثانية، وبعدها قفلت الصوت من غير ما ترد.
يونس لمح اللي حصل، لكنه معلقش.

بعد شوية...
باب أوضة يونس خبط خبطتين خفاف، وبعدها دخل تيم
تيم بص على يونس وسأله بنبرته العملية المعتادة
"عامل إيه؟ محتاج حاجة؟"
يونس هز رأسه بابتسامة بسيطة
"كله تمام"
تيم بص بسرعة ناحية فريدة، كانت قاعدة في نفس الوضع، ملامحها لسه هادية.
عينه فضلت عليها لحظة، وبعدين قال بنبرة أهدى من المعتاد
"بقيتي أحسن؟"
فريدة رفعت عينيها له، وقالت بهدوء
"آه، الحمدلله."
تيم اكتفى بإيماءة
بعدين وجّه كلامه ليونس تاني
" ده دوا بدل اللي قرب يخلص، لسه واصل دلوقتي "
يونس قال
"تمام، شكراً."
تيم كان هيخرج بعد ما حط الكيس، لكن بص على فريدة مرة أخيرة، ومن غير ما يتكلم، وبعدها خرج وقفل الباب وراه

فريدة خرجت من أوضة يونس، وقفت شوية في الطرقة، خدت نفسها، وبعدين طلعت موبايلها وكلمت إسلام
"إسلام...ممكن تيجي تاخدني؟"
صوته كان باين عليه القلق
"حصل حاجة؟"
"لاء، بس... مش قادرة أكمل، تعبت شوية "
"خلاص، جاي حالًا."
قفلت وهي بتحاول تتماسك

دخلت قعدت جنب يونس، ساكتة.
يونس كان بيهرّج كعادته، بيحاول يضحّكها، بس لما سكتت فجأة، وبصّتله من غير ولا كلمة، فهم انها مش في المود 
بصلها شوية، وبعدين قال بهدوء
"مالك؟"
هزت راسها وقالت بصوت واطي، وهي بتحاول متبانش متضايقة
"مش هقدر أكمل اليوم... عايزه امشي."
سكت، بصّلها لحظة، وبعدين ابتسم ابتسامة خفيفة وقال
"تمام، مفيش مشكلة... واضح إنك محتاجة ترتاحي."
بصتله وهي بتحاول ترد الضحكة اللي اختفت منها من بدري، بس طلعت ابتسامة خفيفة جدًا.
بعد شويه فونها رن وكان اسلام، قالها أنه خلاص قرب، قفلت معاه وضحكت ضحكة صغيرة ليونس وقالتله
"هشوفك بكره...لو احتجت حاجة، كلمني."
هز راسه، وبص للسقف وهو بيقول
"خلي بالك على نفسك."
ابتمست وخرجت من الأوضة بخطوات هادية.

نزلت تحت واستنت، دقيقة وظهر إسلام، أول ما شافته، جريت عليه، حضنته بقوة كأنها بتدور على أمانها، هو حاوطها من غير كلام، ووشه باين عليه إنه حاسس إنها مكسورة.
قال بهدوء وهو بيطبطب عليه
"مالِك يا فريدة؟"
"مفيش بس كنت محتاجة الحضن ده."
وفي اللحظة دي، تيم كان واقف في أوضته، جنب الشباك، وعينه فضلت متعلقة بيهم... متأكد انها مش كويسه بس ملهوش أنه يتدخل

بعد ثواني، سمعها بتقول بصوت مبحوح مخنوق
" اسلام...أنا مش قادرة... مش قادرة أكتم أكتر من كده."
سحبها من حضنه وهو ماسك كتفها بإيده، وبص في عينيها بتوتر
"فريدة! مالك؟ في إيه؟!"
هزت راسها ببطء، وعنيها كانت مليانة دموع محبوسة وقالت بصوت واطي
"مش قادرة."
"طيب... اركبي، تعالي نروح أي مكان هادي"
ركبوا العربيه، وهو فضل يبصلها كل شوية، كانت ساكتة ووشها متغير.
بس محبش يضغط عليها.
بعد حوالي تلت ساعة، وصلوا عند مكان هادي.
ركن العربية، وفتح الباب، وخرج...استناها تخرج، وهي فعلاً فتحت الباب وخرجت ووقفت جنبه، ساكتة.
بصلها وقال
"تعالي نقعد هنا، وقوليلي ايه مضايقك اوي كده"
دخلوا قعدوا جوا، سكتت شويه وهو محبش يضغط عليها، سألها براحتها، بس مستناش اكتر وسألها ووشه مليان قلق 
"فريدة، قوليلي في إيه؟ مالك؟ شكلك مش طبيعي خالص."
نزلت عينيها، كانت بتشد في كمها بتوتر، بتدوّر على أي صيغة تهوّن بيها الكلام، بس لقت نفسها بتنهار من جوه أكتر.
قالت بصوت مهزوز
"مش عارفة أبدأ منين... مش عارفة حتى أقولك إزاي."
قالها بتشجيع 
"متخافيش، قولي اللي جواكي وطلعيه، يمكن ترتاحي."
بصّتله، وفي عنيها نظرة مخلوطة بين الخوف والحزن والكسرة
"الموضوع كبير... وأنا مش عارفه أستوعبه حتى، ومش عايزه أكون غلطانة... بس..."
سكتت، خدت نفس طويل، وكملت بصوت مكسور "بس أنا شفت حاجه… حاجه كسرتني…"
قالها بقلق 
"فريدة ركزي معايا، قوليلي إيه اللي حصل من غير مقدمات"
دمعة نزلت على خدها، بصّت في الأرض وقالت بنبرة مكسورة
"ماما…"
لفت وشها بسرعة وهو بصلها باستغراب
"ماما؟! مالها؟"
"ماما بتخون بابا يا إسلام...."
"ماما بتخون بابا يا إسلام...." 
إسلام فضّل ساكت لحظة بعد كلامها، ملامحه ما بين التوتر والحزن، سكوته خنقها فبصّتله وقالت بصوت متوتر
"إنت مش مصدقني، صح؟"
بصّلها بسرعة، وقال بهدوء 
"مصدقك يا فريدة، مصدقك طبعًا... بس كويس إنك فتحتي الموضوع."
فريدة وشها اتشد، ملامحها اتغيرت، وبصّتله بذهول
"إنت... إنت كنت عارف؟!"
إسلام أخد نفس عميق وقال بهدوء
"فريدة، اهدي... أنا عايز أشرحلك الموضوع من أوله، وأفهمك كل حاجه، بس الأول... قوليلي، إنتي شايفة الموضوع ازاي؟ فهمتي إيه؟"
فريدة صوتها كان بيترعش وهي بتتكلم، حركت راسها ببطء وقالت
"شايفه إيه؟ فهمت إيه؟... أنا شفت بعيني... شفت رسايل مش قادرة أنساها، مقدرتش أكمل اصلا، كنت مصدومة، وقلبي... قلبي كان مقهور، إزاي تعمل كده؟ طب بابا ذنبه إيه؟ ليه؟ دي كانت أكبر قدوة ليا، إزاي مفكّرتش فيا وفيك؟ فينا كلنا؟"
إسلام كان باصصلها بهدوء وقال بصوت فيه حنية
"فريدة... إنتي حكمتي باللي شُفتيه، بالظاهر... بس في حاجات كتير إنتي مش عارفاها، مش كل حاجة بنشوفها بتكون حقيقية، عايزك تهدي وتسمعي، تحاولي تفهمي وتعذريها."
فريدة بصتله بصدمه وقالت بصوت مبحوح
"إنت بتهزر، صح؟ أكيد بتهزر... إنت إزاي أصلاً متقبل حاجة زي دي؟"
إسلام سكت لحظة، وبعدين قال جملة واحدة كانت كفيلة تهز كيانها
"علشان اللي إنتي عرفتيه مش صدمة... الصدمة الحقيقية إن بابا متجوز على ماما... ومخلف كمان."
كأن الزمن اتشق نصين.
الهوا اتسحب من المكان، والصوت كله اتكتم، حتى نبضها وقف لحظة.
مش مستوعبة اللي سمعته... وشها اتجمد، وكأن الروح انسحبت منه.
شفايفها مفتوحة بصمت، بتدور على النفس... على كلمة... على أي حاجة تتقال.
بس مفيش.
كأن قلبها وقع على الأرض واتكسر، اتفتت لقطع
إيديها اترعشت ودموعها نزلت بصمت
قالها بصوت هادي بس حاسس بصدمتها
"فريده... أنا كنت مستني اقولك بس مش قادر،
كان لازم تعرفي، بس مكنتش حابب اوجعك واصدمك، بس غصب عني، كده كده كنتي هتعرفي"
فضلت ساكتة، صوتها مبحوح، وصدمتها لسه ماسكة في ملامحها، مش قادرة ترد
كمل
"عارفه قد إيه ماما استحملت؟
عارفه إن من سنين، وهي عارفه إنه متجوز؟
بس مطلبتش الطلاق علشاننا، علشان البيت، علشان إحنا نفضل سوا."
بص في الأرض، بيحاول يلم أعصابه
"بس أنا مش هسكت، هقولها كفايه لحد كده، لازم تشوف حياتها، لازم تفكر في نفسها شويه، مش هي اللي غلطانه، واللي حصل معاها غصب عنها...
وعلي بنفسه كلمني، وعرفني أنه عايز يتجوزها، وفهمني قد ايه هيا مضغوطه بس مش حابه تبين ده "
فريده أخيرًا نطقت، وبصوت مهزوز قالت وهيا بتحاول تبرر
"بابا...يمكن... يمكن كان لوحده، محتاج حد معاه، ويمكن... هو أصلًا مش مهم اوي بالنسبالي، أنا مش...."
قاطعها بسرعة، بصوت عالي شوية
"لا! ده مش مبرر يا فريده!
هو اللي اختار يبعد، كان ممكن يشتغل هنا، يعيش هنا، جنب ولاده...
بس هو اختار نفسه، اختار حياته الجديدة، وسابنا احنا."
سكت لحظة، وبعدين قال بهدوء
"انتي شوفتيه كام مرة في حياتك؟
كلمك كام مره؟
حسسك يوم إنه سند؟ إنه موجود؟"
الدموع نزلت من عنيها، بسبب حجم الحقيقة اللي ادركتها 
قالها بنبرة فيها حنية
"أنا عاذرك، عارف إنها صدمة كبيرة...
بس كنت حابب تفضلي فاكراه نضيف، كنت خايف تتصدمي فيه بس ده اللي حصل، فريده الحياه مش دايما وردي، ولسه فيها صدمات، مش كل حاجه هتتمنيها هتتحقق، لازم طول ما انتي عايشه تاخدي صدمات وتتعلمي "
دموعها نزلت وقالت بصوت مكسور
"هو لسه في صدمات تانيه؟
أنا في شهر واحد اكتشفت إن عندي ولاد خاله، واخوات، ومرات أب... وجوز أم مستقبلي
لسه في حاجه تاني معرفتهاش؟ عايزه اعرفهم كلهم مره واحده علشان الحق استوعب"
سكتت ثواني ومسحت دموعها بسرعة وبصتله بنظرة موجوعة
"وانت هتتجوز...
وماما هتتجوز بعد ما تتطلق...
وفي ثواني بقينا من عيله صغيرة فيها أب وأم وولد وبنت... لعيله متفرقه وكل واحد في حته."
قرب منها، حط إيده على كتفها بلطف، وقال بصوت هادي
"بس أنا معاكي، وهفضل معاكي يا فريده، مهما حصل..."
هزت راسها برفض، وقالت بنبرة فيها وجع
"بس أنا مش هكون معاك... انت هتتجوز، وهتبقى في بيت تاني، وحياتك مع حد تاني، وأنا... هبقى لوحدي."
قالها بحسم
"مش هسيبك...احنا هنفضل مع بعض، في بيتنا، أنا وانتي وماما، زي ما احنا، بس لازم تفهمي، ماما تعبت كتير، وشالت كتير، وكانت لوحدها، بابا؟ كل اللي بيعمله إنه يبعت فلوس كل أول شهر وخلاص...
بس هو مش معانا، مبيشاركناش أي حاجة،
وهي اللي شايله، بتتوجع وبتسكت، وبتضحك، وكل ده علشاننا."
فضلت ساكته، بتحاول تهضم كل كلمه، وهو كمل
"وانتي عارفه إن الجواز ده مش بإيدها من الأول...
هي مختارتش تتجوزه أصلاً، اتجبرت تعيش معاه، واتجبرت تفضل معاه، بس عمرها ما خلتنا نحس، عمرها ما اشتكت...دلوقتي بس قررت تشوف نفسها، هي تعبانة نفسياً، بس بتخبي علشانا "
فريده كانت ساكتة، عينيها بتلمع بدموع، بس وشها كان باين عليه الإصرار، وصوتها طلع في نبرة وجع وغضب مكبوت 
"معلش يا إسلام...
أنا مقدرش أبلّع اللي بتقوله ده...
تعبت؟ طب ما كلنا تعبنا! وبنتعب
بس ده يديها الحق تعمل كده؟
أنا مش ضد إنها تعيش وتفرح، بس متخونش!
هي عارفة إنه لسه جوزها...
طب مطلبتش الطلاق ليه؟ لو مش هتطلب الطلاق يبقى متخونش، لأنها هتفضل خيانه"
سكتت لحظة، وبصّت بعيد كأنها مش قادرة تبص في عينه
"أنا كنت شايفاها قدوه...
بس دلوقتي؟
مش قادرة أشوفها زي الأول، مش قادرة أصدق إن دي نفس الست اللي ربتنا على الصح، بتعمل الغلط بنفسها 
دلوقتي أنا اللي مش فاهمة؟
لاء... هي اللي غلطانة، ومهما بررت... غلطانة."
إسلام سكت، خد نفس عميق وهو باصصلها، حس إنها مصمّمة على موقفها، وإن أي كلمة منه دلوقتي مش هتوصل لقلبها ولا لعقلها.
قال بهدوء فيه لمحة تعب
"قومي نروح... واضح إنك مش هتقتنعي،
ولا أنا هعرف أشرح أكتر من كده."
مستناش رد، قام بهدوء وخرج، وفريده مشيت وراه من غير ما تنطق، خطواتها تقيلة، وعنيها في الأرض.
ركبوا العربية، وقعدوا في صمت تام، مفيش صوت غير صوت الماتور، وكل واحد فيهم غرقان في أفكاره.

رجعوا البيت، أول ما دخلوا لقوا إيناس قاعدة في الريسيبشن، أول ما شافتهم دخلوا، قامت فورًا وقالت بلهفة
"كنتوا فين؟ برن عليكوا من بدري مش بتردوا ليه؟!"
فريدة مردتش، عدّت جنبها من غير ما تبصلها، وطلعت السلالم بسرعة وهي بتقول بصوت واطي
"تعبانة... طالعة أوضتي."
لكن إسلام وقفها قبل ما تكمل طريقها وقال بنبرة فيها إصرار
"لاء.. إحنا لازم نتكلم دلوقتي... كلنا."
فريدة وقفت وبصّتله، بس قبل ما تعترض قال برجاء 
" لو سمحتي يا فريده، لازم نتكلم" 
أخدت نفس عميق وقالت
"خلاص... ماشي."
رجعت ونزلت، قعدت على الكنبة، وإيناس واقفة مش فاهمة بس قلبها مقبوض.
إسلام بصلهم الاتنين وبدأ يتكلم بهدوء
"أنا عارف كل حاجة...عارف بعلاقتك بعلي، وعارف إنك بتحاولي تخبي علينا... بس إحنا كبرنا كفاية، ومينفعش يبقى في حاجه زي دي من ورانا."
إيناس بصتله بصدمة، جسمها اتشد، وقالت بصوت عالي
"إسلام! انت بتقول إيه؟!"
قال بهدوء وهو بيبصلها
"أنا مش بتهمك، أنا فاهمك كويس، بس عايزك تتكلمي مع فريده"
سكتوا كلهم لحظة، فريدة قاعدة ووشها محايد، بس عينيها كانت بتقول كل حاجة...صدمة، جرح، وعدم تصديق.
إيناس قربت منها، وقعدت جنبها على الكنبة، وقالت بنبرة فيها رجاء
"بصي يا فريدة...
أنا مش عارفة أبدأ منين، بس هقولك الحقيقة...
علي كان بيجي معايا ندوة كل فترة، وكان دايمًا بيسألني في حاجات تخص شغله، وكنا بنتكلم، كل مرة كلامنا يزيد، وكل فتره يكلمني يتطمن عليّا."
سكتت لحظة ومسحت على إيد فريدة اللي متحركتش، وقالت
"أنا كنت لوحدي، أبوك بعيد عني من سنين، بقى مجرد اسم، ولا عمره سأل فيا، ولا حسيت إن في حد شايفني، بس علي اهتم، وفضل يسأل، وحسيت إني موجودة فعلا واني متشافه، حاولت أبعد كتير، بس كنت كل مرة برجعلُه من غير ما أحس..."
بصّت لفريدة والدموع في عنيها
"مكنتش عايزة أخد خطوة غلط... بس ضعفت، وكل مرة كنت أقول خلاص، بس مقدرتش."
فريدة فضلت قاعدة مكانها، باصة قدامها من غير أي تعبير.
إسلام خد نفس طويل، وبص لإيناس بنظرة فيها هدوء وقال
"بصي يا ماما، أنا مش بلومك، ولا هقدر، انتي ستّ ضحيتي كتير، ومن حقك تعيشي وتفرحي."
إيناس كانت باصه له بتوتر وقالت وعينيها مليانه دموع 
" انتوا اهم حاجه في حياتي"
بصت لفريده وكملت 
"أنتوا روحي يا فريدة... أنا عمري ما كنت أقدر أسيبكوا، ولا أفكر أسيبكوا، ده أنتو حياتي كلها."
إسلام قال بهدوء 
"احنا عارفين إن بابا متجوز..."
إيناس اتجمدت، وبصت لهم بنظرة مصدومة
"عرفتوا...؟ عرفتوا منين؟"
إسلام هز راسه وقال
"مش مهم عرفنا منين، المهم انتي كنتي عارفة وساكتة ليه؟"
ردت بنبرة مهزوزة، بس فيها صدق
"علشانكوا… علشان انتوا عندي بالدنيا.
مكنتش عايزة أكبر الحكاية... مكنتش عايزة أحطكوا في موقف إنكوا تبقوا أولاد عيلة منفصلة رسميًا، حتى لو احنا كنا منفصلين فعليًا بقالنا سنين."
سكتت لحظة ومسحت دموعها وكملت
"هو ميعرفش اني عارفة... وأنا بحاول أتعامل معاه عادي زي زمان، رغم إنه بيتحجج دايمًا بالشغل ومبيجيش كتير، بس كنت بقول مش مهم... المهم انتوا."
بصّت لفريدة، صوتها بقى مكسور أكتر
"أنا مش وحشة يا فريدة، غصب عني والله، مكنش في راجل يفهمني ولا يحس بيا، كنت دايمًا شايلة همّي لوحدي، وأول ما حسيت إن حد بيسأل، بيتطمن، مهتم بيا... اتشديت... غصب عني، بعدت مره واتنين، بس هو كان دايمًا بيرجعلي، وكنت بضعف."
مسكت إيد فريدة وهي بتعيط 
"أنا مقدرتش أفكر في نفسي أبدًا، بس لقيت نفسي فجأة مخنوقة، وبتخنق أكتر كل يوم،
وفجأة... لقيت نفسي بعمل حاجة عمري ما تخيلت أعملها."
وشها كان باين عليه الانهيار وهي بتبص لفريدة نظرة كلها رجاء ووجع.
فريدة قالت وهي باين عليها الزعل
"بس انتي دايمًا كنتي معايا... وبعدتي.
أنا بقيت مشغولة اه، بس كل ما أجي أقولك ارجعي زي زمان... مش بتوافقي."
إيناس ردت بنبرة فيها وجع
"مش بإيدي... كنت حاسه ان الدنيا ضلمت مرة واحدة
أوعدك، أوعدك يا فريدة، مش هكلمه تاني...
مش مهم انا، المهم انتي عندي."
إسلام قال
"بس يا ماما انتي من حقك تعيشي زي ما هو عايش،
اتطلقي، وخليكي مع اللي يقدرك، وملكيش دعوه بينا."
إيناس ردت بحسم
"لاء يا حبيبي، انتوا أهم، مش هتطلق علشانكوا... علشان لما تتقدم لعروستك ميقولوش إن أمك وأبوك متطلقين."
قرب منها وقال بنبرة حنونة وواثقة
"ميهمنيش حد، اللي يهمني سعادتك وراحتك.
و على فكرة، هو كلمني، كلمني وقالي إنه عايز يتقدملك، عارف إنك متعرفيش، بس أنا بنفسي هطلقك من بابا وهجوزك، كفاية لحد كده"
قالت وهي عينيها مليانة دموع
"لاء يا إسلام، مقدرش أسيبكوا."
قالها وهو بيبتسم بحنان
"ومين قالك إنك هتسيبينا؟
إحنا هنفضل زي ما إحنا."
بص لفريدة وسألها
"ولا إيه يا فريدة؟"
فريدة وقفت وقالت بهدوء
"عن إذنكوا"

مشيت من قدامهم وطلعت اوضتها بسرعه
إسلام بص لأمه وقال بهدوء
"هي لسه مش مستوعبة، بس هتستوعب... اديلها وقتها."
إيناس هزت راسها وقالت
"أنا مش هقدر أعمل حاجة تزعلكوا يا إسلام... أنا مليش غيركوا."
قالها بحنية وهو ماسك إيدها
"ومش هتفضلي طول عمرك عايشة كده...من حقك تعيشي حياتك.
هييجي يوم ونتجوز، وقتها انتي هتكوني لوحدك يعني ؟ وبعدين هو شخص محترم... يبقى ليه لاء؟"
سكتت لحظة وقالت وهي بتقوم
"هطلع لفريدة أتكلم معاها... ومتفتحش الموضوع ده تاني يا إسلام."

عند تيم 
كان قاعد على طرف السرير، سرحان وبيفكر
الباب اتفتح بهدوء، ودخلت صابرين، بصتله شوية وسألته بقلق
"لسه صاحي؟ الوقت اتأخر يا تيم، مش عوايدك تسهر لدلوقتي"
بصلها بسرعة وقال بتوتر
"مفيش...كنت بس بفكر شوية في الشغل... انتي عارفه اني منزلتش بقالي اسبوع"
قربت منه شوية، وقعدت على الكرسي اللي جنب السرير وقالت بهدوء وهي مركزه في ملامحه
"تيم... أنا أمك، وفاهماك كويس، أنت مش بتفكر في الشغل، في حاجة مضايقاك، مش كده؟"
سكت لحظة، وبعدها قال 
"أنا كويس يا ماما بجد، متقلقيش."
صابرين فضلت ساكتة لحظة وهي بتراقبه بس محبتش تضغط عليه، قالت أخيرًا وهي بتقوم
"لو احتجت تتكلم، أنا هنا يا تيم، تصبح على خير."
قبل ما تخرج من الاوضه، صوته جه فجأة من وراها، هادي لكن فيه تردد
"ماما؟"
لفّت ناحيته، حاجبها مرفوع، ونظرتها فيها قلق ناعم
"نعم يا حبيبي؟"
سكت لحظة، عينيه مكانتش فيها الجرأة المعتادة، وبص بعيد عنها شوية، وبصوت خافت سأل
"لو في يوم... حبيت واحدة... هتسمحيلي؟"
" لو في يوم... حبيت واحده... هتسمحيلي؟"
صابرين وقفت مكانها، بصتله بتركيز، لكن ملامحها كانت مشوشة بلحظة صمت طويلة، كأن السؤال خبط في قلبها.
مقالتش حاجة، بص ناحيتها بسرعة، كأنه خاف من سكوتها، وكمل وهو بيحاول يرميها بنبرة عادية
"يعني، مجرد سؤال... مش أكتر."
سابت الباب، ومشيت خطوات بسيطة ناحيته، وقالت وهي بتقرب، نبرة صوتها ما بين الحنية والوجع
"وأنت هتسمح لنفسك الأول يا تيم؟"
سابت السؤال يترن في ودنه وخرجت من الأوضة.

إيناس طلعت بهدوء على أوضة فريدة، خبطت خبطتين خفاف، وفتحت الباب، دخلت لقتها قاعدة على السرير، ضامة رجليها ليها، وباصّة في الأرض، ملامحها مقفولة.
إيناس قربت وقعدت جنبها، وقالت بلطف
"أنا عارفة إنك مش مرتاحة، وعارفة إنك زعلانة، بس حبيت أقولك إني بحبك، إنتي وإسلام أهم حاجة في حياتي."
فريدة بصتلها من غير كلام، وعينيها فيها عتاب، قالت بصوت واطي بس واضح فيه الغيرة والحزن
"مش عايزة حد يشاركني فيكي، مش عايزة حد يقاسمك معايا، أنا بحبك أكتر من أي حد، أكتر من بابا كمان، ومش عايزاكي تتجوزي، مش عايزاكي تسيبيني، وكمان مش عايزاكي تعملي حاجه غلط"
إيناس سكتت، قلبها بيتشد، بس كانت بتحاول تثبت، مش باين عليها، بس من جواها وجع كبير، عينها غصب عنها نزلت منها دمعة وهي بتحاول تخبيها.
فريده كملت
"أنا مش عايزة غيرك... أنا حتى مش عايزة أتجوز، أنا عايزاكي معايا على طول، زي زمان، زي ما كنتي ليا أنا بس."
إيناس خدت نفس عميق، وبصتلها، وقالت بصوت فيه غصة
"أنا عمري ما كنت هسيبك... ولا هخلي حد يشاركك فيا، متخافيش، أنا مش هتجوز حد، ومش هكلمه تاني، ولا حتى هروح النادي تاني لو ده هيريحك."
فريدة رفعت وشها بسرعة وقالت
"بجد؟"
ردت إيناس بابتسامة صغيرة فيها وجع
"طبعًا... معنديش أغلى منك إنتي وإسلام."
فريدة قربت منها وحضنتها، حضن طويل وهيا فرحانه، هيا عايزه مامتها ليها هيا وبس 

تاني يوم الصبح، كانت فريدة في أوضتها، بتجهز شنطتها وبتظبط شكلها في المراية، وشها متغير، شكله هادي بس مش مرتاح.
خرجت من أوضتها وراحت ناحية الباب، لقِت إسلام واقف في وشّها، وملامحه باينه فيها عتاب مكتوم.
قال بنبرة حادة وهو بيبصلها
"يعني انتي ناوية تمشي كده عادي؟"
فريدة ردت ببرود وهي بتحاول تمشي
"رايحة شغلي، في حاجه؟"
وقف قدامها ومنعها تمشي
"في حاجه؟ آه في... أنانيتك دي مش طبيعية يا فريدة."
وقفت مكانها، رفعت حاجبها باستغراب
"أنا أنانية؟ عشان عايزة أمي تبقى معايا؟ عشان بمنعها من الغلط"
رد بعصبية
"لاء، علشان شايفة نفسك بس! شايفة إن وجود مامتك جنبك أهم من إنها تعيش، تحب، تتحب! هي تستاهل فرصة، تستاهل تبقى مرتاحة! وبعدين انتي اصلا عندك شغل، واخد كل وقتك، وكذلك انا مشغول، فايه المانع تشوف حياتها، تعيش حياتها وتصلح غلطها"
قالت ببرود أكتر
"هي مرتاحة معانا، وأنا مش هقبل النوع ده من الشغل تاني، كده كده كلها يومين وهسيب يونس، وهرجع لشغلي في المستشفى، وهقضي وقت أكتر معاها."
هز راسه وقال
"يعني هتفضلي أنانية، حرمتِ أمك من حب حقيقي، وافتكري كلمتي، في يوم هتقعي في الحب وهتتحرمي منه بنفس الطريقة."
ضحكت بسخرية وهي بتلف وشها الناحية التانية
"أنا؟ أحب؟ وأتجوز؟ مستحيل، أنا مش محتاجة الكلام ده، كفاية عليا أمي، ولو حتي حصل فأنا مش متجوزه"
بصلها بصدمة وسكت لحظة، وقال بنبرة أهدى
"انتي مش شايفة غير نفسك، بس الزمن هيخليكي تشوفي..."
فريده ضحكت وقالت بسخريه
" لسه الزمن هيخليني اشوف؟ اسلام انت بتقول ايه ولا بتبرر ايه؟ ماما غلطت وهتفضل غلطانه ولما تقولي اني انانيه أو تحاول تفهمني اني غلطانه مش هقتنع، انا كبيره كفايه وعارفه الصح من الغلط، ولك أن تتخيل مين اللي علمني الصح من الغلط، ماما اللي علمتني، اه وقعت في الغلط بس دورنا نبدل الأدوار ونفهمها انها غلط، مش نشجعها تكمل فيه" 
قال بصوت عالي 
" وطبيعي تغلط، بس غلطها سهل يتصلح، وناتج عن وحده، أو ضعف أو أيا كان، وبعدين الكل بيغلط، وهيا ده غلطها، لو كل واحد اترفع عنه الستر محدش هيبص في وش التاني، لو ده غلطها الوحيد يبقى انا قابله عادي، طالما هيتصلح، ولعلمك هخليها تتطلق، حتى لو متجوزتش، كفايه لحد كده"
فريدة سابته ومشيت، وإن كانت الكلمات فضلِت بتزنّ في دماغها... بس مكابرتها كانت أقوى من أي صوت تاني جواها.

بعد يومين...
فريده وصلت بيت يونس، دخلت الريسيبشن، لقت صابرين قاعدة بتتفرج على التلفزيون ويونس قاعد جنبها، رجله ممدودة شوية، بس واضح إنه بيتحسن، وبيتحرك براحة.
أول ما شافها، ابتسم وقال
"ديدا، ممرضتي الجميله اللي بحبها"
ضحكت فريدة وقالت وهي بتقعد قدامه
"أنا ضيفه النهاردة... مش ممرضة، جاية أودّعك."
يونس هز دماغه وقال بنبرة فيها حزن خفيف
"ما توقعتش اليوم ده ييجي بسرعة كده... كنت فاكر هتفضلي لحد ما أجري ماراثون."
ضحكت صابرين وقالت
"وداع ايه بس يا فريده، البيت بيتك تيجي في اي وقت، مفيش وداع"
فريدة ابتسمت وقالت
" وداع كممرضه، مش هنشوف بعض زي الأول"
يونس قال بسرعة
" يعني نرجع تاني للفيتامينات والمسكنات والتمارين؟"
ضحكت وقالت
"لا لا، كفاية عليك كده، اكيد هشوفك برضو، بس بعيدا عن التعب وكده"
ضحكت صابرين، وقالت
"طب خدو صورة سوا بالمرة."
فريدة قالت 
" فكره حلوه والله" 
يونس طلع فونه وهيا قربت منه، خدوا صوره سيلفي لذيذه قبل ما تمشي.

خرجت للجنينة، الجو كان هادي، وتيم واقف بعيد، ضهره ليها، باصص على الزرع وسرحان.
قربت بخطوات هادية، وقالت وهي واقفة وراه
"أنا خلاص همشي..."
لف ناحيتها بهدوء، ملامحه جامدة وقال
"عارف."
سكتت لحظة وقالت
"يعني مبقاش في داعي تتضايق من وجودي... مش هتشوفني تاني."
حس بغُصة حاول يخفيها وهو بيقول
"ربنا يوفقك."
ابتسمت بسمة باهتة وقالت
"مش هتحتفل إنك هتتخلص مني؟ يعني كنت مش متقبل وجودي من الأساس."
قال بنبرة واضحة
"أه، مكنتش قابله... ومازلت، بس ده ميخلنيش أكرهلك التوفيق."
بصتله لحظة وقالت
"ممكن اتوقع منك أي حاجه فعلاً."
سكت شويه وبعدين قال 
" عموما شكرا" 
قالت باستغراب 
" على ايه ؟!" 
قالها 
" على اهتمامك بيا لما كنت تعبان، اول مره حد يهتم بيا ويخاف عليا غير ماما" 
بصتله شويه وبعدين قالت ببرود مزيف
" انا بقوم بشغلي وبس، انا مجرد ممرضه" 
بصلها بصدمه شويه، يمكن متوقعش ردها بس هيا بسرعه قالت بابتسامة خفيفه
" بهزر، حاولت اتعامل معاك بطريقتك، عموما بعض الديون لا ترد" 
مردش، بس نظرته كانت فيها حاجة مختلفة، كأنه نفسه يقول حاجه، بس ساكت.
قالت بهدوء
"خلي بالك على نفسك."
هز راسه من غير ما يقول حاجة، وبص بعيد تاني كأنه بيهرب.
فريدة وقفت ثواني، كأنها مش عايزة تمشي فعلًا... كأن في حاجة رابطاها....
وبخطوات هادية، بدأت تمشي بعيد، وهو فضل واقف في مكانه، عينيه بتلاحقها من بعيد

قبل ما تخرج من البوابه، قابلت حسام داخل في وشها، قبل ما تكمل طريقها قال 
"استني لحظه... أنتي فريدة صح؟"
بصّتله بدهشة وقالت
"أيوه... حضرتك تعرفني؟"
مد إيده وقال بابتسامة لذيذة
"أنا حسام، صاحب تيم، شوفتك كذا مره بس معرفناش بعض، الحقيقة أنا كنت عايز أقولك من زمان إن شكلك... يعني... جذاب جدًا."
ضحكت بخجل وقالت
"شكرًا، ده من زوقك حضرتك."
قال بمزاح
"سيبيكِ من حضرتك دي..."
قالت وهي بتضحك
"طب يا حسام... اتشرفت بمعرفتك"
كانت هتمشي بس وقفها بسرعة
" ثواني مستعجله ليه؟!" 
قالت 
" اتفضل عايز تقول ايه؟!" 
رد بسرعه
"بصراحة... أنا عندي شركة، وكنا بندوّر على حد بالشخصية دي واللباقة دي، فـلو تسمحي، تحبي أبعَتلك التفاصيل ؟"
قالتله بهدوء
"أنا آسفة، مش هقدر أقبل حاجة دلوقتي... عندي ظروف خاصة."
قال وهو بيهز دماغه
"طبعًا، مقدّر ده جدًا... بس فكري، العرض قائم الي ما لا نهايه، مش هضغط عليكي "
قالت بابتسامه
" موعدكش، بس حاضر"
ابتسم وقال
"تمام يا فريده، فرصه سعيده"
قالت بود
" انا اسعد، عن اذنك"
ومشيت، وهو واقف بيبصلها وهي بتبعد.
دخل لتيم اللي كان واقف من بعيد، شايف كل حاجة، ملامحه متغيرة، ضيقه واضح في وشه، وبيشد في طرف التيشيرت من العصبية.
حسام دخل عليه وقال وهو بيضحك
"إيه يا عم، عامل ايه؟"
تيم مردش، باصصله بس.
حسام قال وهو بيضحك
" شوفت فريده دلوقتي، أنا عرفتها بيا يعني، بصراحه... البنت دي عاجباني جدًا، مش عارف ليه بس مش راضيه تخرج من دماغي من ساعة ما شوفتها... بسبوسه"
تيم شد نَفَسه، عينيه فيها نار، بس كاتم كل حاجه جواه

بعد ما فريدة خرجت من بيت تيم، راحت تقابل سالي زي ما كانوا متفقين.
سلموا على بعض، وقعدوا في كافيه هادي، على ترابيزة في الركن.
فريدة ابتسمت وقالت وهي بتشرب عصيرها
"أنا مشوفتش أعند منك والله."
سالي ردت وهي رافعة حواجبها بشوية حِدّة لذيذة
"مش عند، بس أنا مش هرتاح غير لما أفهم، أنا فرد من العيلة، ولازم أفهم اللي بيحصل حواليا، خصوصا لو كنت فضوليه"
فريدة أخدت نفس وقالت
"بس دي حريتها الشخصية، يعني انتي ليكي حياتك، وهي ليها حياتها، مجبرتش حد يعمل حاجه مش عايزها، وبعدين أنا متأكدة إن مامتك عمرها ما هتوافق إن أي واحدة تدخل البيت غير اللي هي تسمح بيها، لأنها غالبا شايفاهم ممكن يهددوا استقرار البيت"
سالي استغربت، قطبت حواجبها وقالت
"ليه يعني؟ ليه أي بنت ممكن تأثر على استقرار البيت؟ يعني أنا لو جبت شغالة في البيت، أو حتى ميس لياسين، هتأثر على الاستقرار؟ ده اللي هو ازاي يعني؟"
فريدة قالت بهدوء وهي بتفكر بصوت عالي
"من وجهة نظرها... أيوه، بصي، أنا مش بفهم أوي في الحاجات دي، بس أنا وصفت لصاحبتي اللي هي دكتورة نفسية حالة مامتك وتيم بالظبط، من غير ما أقول أسامي ولا أوضح أوي، وهي قدرت تفهم وتوصفلي حالتهم"
سالي قربت بفضول وسألت
" طب قولي قالت ايه؟!" 
فريدة بصّت قدامها كأنها بتفتكر كلام صاحبتها وقالت بهدوء
"بصي، صاحبتي قالتلي إن مامتك غالبًا عندها PTSD، حاجة شبه اضطراب ما بعد الصدمة بس مش بالطريقة اللي بنشوفها في الأفلام... يعني هي عندها خوف مفرط من أي عنصر خارجي ممكن يهدد استقرار بيتها أو حياتها، وده ناتج من تجربة قديمة أو ضغط نفسي كبير، غالبًا بسبب اللي حصل بينها وبين أهلها زمان أو حاجه حصلت في حياتها بعدها خلاها كده، خصوصا انها مش ضعيفه"
سالي كانت مركزة جدًا، ففريدة كملت
"وقالتلي كمان إن الناس اللي بيمروا بتجارب فقد أو تخلّي أو عيشة فيها قمع، ساعات بيبنوا حوالين نفسهم جدران... بيبقوا عندهم وساوس حامية، يعني دايمًا متوقعين الأسوأ، فبيرفضوا أي حاجة جديدة أو مختلفة، وليه البنات؟... لإن البنات بالنسبالها خطر مش لأنهم بنات، لكن عشان ممكن يغيّروا شكل البيت أو يأثروا على ولادها اللي هما مركز حياتها، أو لأن في حاجه حصلت قديمه عقلها هيئ لها أنهم السبب"
سالي سألت
"طب وتيم؟"
فريدة قالت بتنهيدة
"تيم حالة تانية خالص... هي قالتلي إن اللي أنا وصفته عنه يشبه نوع من أنواع الرهاب الاجتماعي المرتبط بالتجارب المؤلمة من الجنس الآخر، غالبًا تيم مرّ بحاجة خلت علاقته بأي بنت تكون مربوطة بالتوتر، وده بيخليه يبان عدواني أو بارد... بس الحقيقة إن دي طريقة دفاع، صاحبتي قالتلي إنه محتاج مساحة آمنة عشان يقدر يثق، بس هو مش بيدي فرصة لحد، وعشان كده مش بيخف."
سالي فضلت ساكتة شوية، ملامحها بقت أهدى، كأن الصورة بدأت توضح.
فريده أخدت نفس خفيف وكملت كلامها وهي بتحاول توضح أكتر
"أنا لما وصفت حالة تيم، وصفتها بالظبط، يعني ردود فعله، طريقته مع الناس، تصرفاته اللي مش مفهومة ساعات... هي قالتلي إن ده غالبًا نتيجة صدمة نفسية قوية، وخصوصًا لو الصدمة دي مرتبطة بحد قريب منه جدًا... وده تقريبا حصل معاه، بس اكيد انا معرفش اي حصل بالظبط."
سالي كانت مركزة معاها، وقالت باستغراب
"بس هو بيبان جامد من بره، وبيزعق وبيتحكم وبيطرد أي بنت، يعني شكله مش ضعيف خالص."
فريده ابتسمت ابتسامة باهتة وقالت
"ده المظهر بس، لكن الحقيقة إن شخصيته مهزوزة جدًا من جوه، هو مش واثق في حد، ومش واثق في نفسه كمان."
سالي اتشدت أكتر وقالت
"طب ليه؟ يعني ايه وصله لكده؟!"
فريده بصت لها نظرة فيها ثقل وقالت بصوت واطي
" يمكن مثلا ارتباطه بمامته، بيعملها حساب وحاطط لنفسه قيود، مش علشان هو مش عايز، علشان هو مجبر، هو قدم حياته لمامته وبس، مش عايش حياته زي ما هو عايز، وبعدين ربنا وحده يعلم هو يعرف ايه عن البنات، أو ايه الصوره اللي مامته وصلتهاله في يوم من الايام"
سالي اتنهدت وقالت
"طب ده يخوف... بس هو مش المفروض يتعالج؟"
فريده هزت راسها وقالت
"هو مش شايف إنه مريض... هو شايف إن تصرفاته طبيعية، هو بيحاول يسيطر على أي حاجة حواليه علشان مفيش حاجة تخرج عن إيده... ولما أي بنت تدخل البيت، بيحس إن في حد هيخربله نظامه، أو هتشكل تهديد، وده ناتج عنه احتمالين، يا اما بيخاف منهم أو بيخاف عليهم"
سالي قالت
"يعني دي حاجه نفسيه معقده؟"
فريده ردت
"جداً، والدكتورة قالتلي إنه غالبًا مصاب بحاجة شبه اضطراب ما بعد الصدمة، بس متطور معاه على شكل اضطراب في الشخصية، زي اضطراب الشخصية المرتابة أو الحدية، لأنه بيبالغ احيانا في ردود فعله."
سالي كانت مذهولة وقالت
"معقول كل ده جواه؟! "
فريده كملت
"وبصراحة... تيم مش بارد، هو مفيهوش برود بجد، هو مكبوت... يعني مش بيعرف يعبّر عن اللي جواه، يمكن عشان عمره ما اتعلّم إنه يعبّر، أو يمكن محدّش شافه وهو بيقع فساعده، في حاجة في عينيه دايمًا بتقول إنه بيكتم حاجات، كتير، بس عمره ما بيطلّع ده على هيئة ضعف... بيطلّعه على هيئة تحكم، أو جفاء، أو عصبية زيادة."
سالي حركت شعرها بعصبية وقالت
"طب وانا أعمل ايه يعني؟ أنا عايزة أعرف، نفسي أفهم، مش هرتاح غير لما أفهم أوي... مش طبيعي اللي بيحصل في البيت، ومش طبيعي تصرفاتهم، وأنا بجد تعبت من كتر ما بفكر."
فريدة بصّتلها بهدوء وقالت
"بصي... لو بجد عايزة تعرفي، يبقى لازم تقربي من تيم... تقربي من غير ما تبيني إنك بتحاولي تعرفي حاجة، يعني تحسسيه إنك جنبه، وتحاولي تجسي نبضه، يمكن وقتها يفتحلك قلبه، أو يلمّح بحاجة، أو حتى يسيبلك طرف خيط."
سالي قالت بتنهيدة
"تيم؟! ده مبيبصش في وش حد أصلاً، بيكلم الناس كأنهم موظفين عنده، حتى أنا! ابن أمه في كل حاجه."
فريدة قالت بابتسامة باهتة
"ما هو ده تيم... كل حاجه فيه مقفولة، بس انتي قلتي إن مامتك مش بتخبي عنه حاجة، صح؟ سرها معاه، وبيشاركها في حاجات حتى انتي مش عارفاها... يعني بنسبة كبيرة هو عارف كل حاجه، أو على الأقل شايف أكتر مننا بكتير."
سالي سألتها بقلق
"ده شايف وموافق كمان "
فريدة هزّت راسها
"معتقدش، بس هو متربي على كده، متربي على السكات، على السيطرة، على إن مش كل حاجه تتقال... بس في حاجه حصلت له أكيد، حاجه خلته يبقى بالشكل ده، شخصيته مش طبيعية، فيها عقدة خوف، فيها كبت... تيم أصلاً لازم يتعالج، أنا متأكدة إنه لو راح لدكتور نفسي محترم هيفهم نفسه، ويفك اللي جواه شويه."
سالي سكتت، وفضلت تبص لفريدة بتفكير، واضح إنها بتفكر في الكلام ده لأول مرة بجدية
فريدة كملت وهي بتبص لها بتركيز
"لو عرفتي توصلي لنقطة ضعف تيم، انتي هتوصلي للي انتي عايزاه... تيم المفتاح يا سالي."
سالي قالت بنبرة فيها رجاء واضح
"يبقى انتي يا فريدة اللي لازم تقربي منه... لازم تكوني معاه" 
" يبقي انتي يا فريده اللي لازم تقربي منه... تكوني معاه... مش أنا... انتي فاهماه أكتر، وعرفتي شخصيته بالتحديد، وأنا حاولت كتير جدًا وفشلت، لكن انتي... لو حاولتي، هتقدري توصلي لأي حاجة."
فريدة بصتلها باستغراب وقالت بنبرة هادية
"بس أنا خلاص خلصت شغلي... يعني لو شُفته مش هيكون زي الأول، مجرد زيارات كده كل فترة، وبعدين انتي ناسية؟ هو أصلاً دايمًا كان بيتهرب مني، مش عايزني في البيت... أكيد أنا الشخص الغلط."
سالي هزت راسها بسرعة وقالت بإصرار
"بالعكس! انتي أكتر شخص صح يا فريدة، يمكن هو بيتهرب علشان خايف، أو يمكن علشان شايف فيكي حاجه بيحاول يهرب منها... بس اللي أنا متأكدة منه، إنك أكتر واحدة ممكن توصليله، ومتقلقيش، أنا هتصرف، وهخليكي تقربي منه، بس علشان خاطري يا فريدة، خليكي معايا للآخر، أنا مش هرتاح غير لما أفهم السبب."
فريدة خدت نفس وقالت بنبرة فيها تفهم
"تمام، بس دلوقتي ارجعي البيت... واسمعي كلام مامتك، بلاش تعاندي أكتر، خلي الدنيا تهدى شوية."
"هرجع... ومؤقتًا هحاول أسمع الكلام."

يوم جديد
قاعدة هادية جمعت صابرين بإيناس، لكن صابرين بسرعة لاحظت إن في حاجة مش مظبوطة، إيناس مش على بعضها، بتسرح وتضطرب، وتتنهد كل شوية.
صابرين قالت بقلق 
"إيناس، في إيه؟ مالك؟"
إيناس اتوترت، وبصت في الأرض، وقالت وهي بتلف في الكلام
"مش عارفة... مش متأكدة لو المفروض أقولك ولا لاء..."
صابرين قربت منها، مسكت إيدها وقالت بحزم ودفا
"يا بنتي قولي، إحنا خوات، وسرك في بير زي ما بيقولوا، متخبيش عني."
سكتت إيناس لحظة، وبعدين بدأت تحكي، الكلام طلع من قلبها كأنه انفجار مشاعر مكبوتة، حكت عن جوزها، وإنه اتجوز عليها من وراها، وحكت كمان عن "علي"، زميلها، اللي بدأت تتعلق بيه، ورد فعل اسلام وفريده 
صابرين شهقت
"إيييييييييييه؟! اتجوز عليكي؟! وانتي ازاي سكتيله؟! ازاي سمحتي لواحدة تفرق ما بينكوا كده؟!"
إيناس بحزن
"والله ما كنت أعرف، هو خبى عليا، وانا عرفت بالصدفة، مكانش بإيدي أعمل حاجة..."
صابرين زادت عصبيتها وهي مصدومة أكتر
"يعني مش بس سكتيله، لا، ده فوق كل ده كمان روحتي تتعرفي على راجل تاني؟! بدل ما تحاولي ترجعي جوزك؟!"
إيناس بسرعة حاولت توضح، دموعها في عينيها
"كان زميلي في النادي، وهو اللي بدأ الأول، أنا عارفة إني غلطت، بس غصب عني، لقيت اهتمام، أنا عمري ما سمعت كلمة حلوة، عمري! ولما لقيت حد يسمعني ويهتم، حبيته... بس بعدت، والله بعدت، حاولت كتير أقاوم، بس قوليلي أعمل إيه؟"
صابرين هزت راسها، مش مصدقة اللي بتسمعه، وقالت بانفعال
"تعملي إيه؟! كنتي تقدري تعملي كتير جدا، كنتي تهزأي جوزك ده، ده خاين! اتجوز عليكي من ورا ضهرك! كنتي لازم توقفيه عند حده، ترجعيه بالعقل، بالذوق أو بالعافيه، أو لو انتي مش عايزاه، كنتي تتطلقي وتشوفي حياتك... وتخليه هو اللي يندم!
لكن عايشالي دور المنكسره! انتي بتستهبلي؟! وكمان سمحتي لراجل يدخل حياتك وانتي لسه على ذمة راجل؟
لو ليكي حق فانتي ضيعتيه بغبائك، فريدة معاها حق في كل اللي قالته، بس إسلام... مش عارفه اقولك عليه ايه بصراحه بأفكاره دي... مش قادرة أفهمك، ولا أفهم انتي إزاي عايشة كده أصلاً..."
إيناس نزلت راسها، مش قادرة تبص في عنيها.
صابرين كملت، وهي بتحاول تمسك أعصابها
"كنتي تقدر تعملي كتير يا إيناس... بدل ما تسيبي نفسك للضعف كده، يوم ما عرفتي إنه اتجوز عليكي، كنتي قادرة توقفي وتواجهي، كنتي تقدري ترفعي عليه قضية طلاق للضرر... تقدري تخلي أهله يقفوا معاكي... تقدري تشتغلي وتنجحي، بس بقلب صاحي، مش بقلب تايه... بس لاء، روحتي لزميلك، فتحتيله قلبك، وادي النتيجة."
إيناس بصوت مخنوق
"مكنتش اقدر أعمل حاجة يا صابرين، كنت لوحدي، كنت وحيده، مكانش حد معايا، قررت اعيش عشان اسلام وفريده وبس، لحد ما علي دخل حياتي" 
صابرين قربت منها، مسكت إيديها وقالت بهدوء
"الوحدة فعلاً صعبة، بس مش مبرر... الوحدة بتخلينا نضعف، لكن ما تبررش إننا نغلط"
كملت باصرار
"كنتي تقدري ترفعي نفسك، تكسريه بنجاحك، بحب ولادك ليكي، باحترامك لنفسك، كنت ماشيه كويس في الاول، بس في الاول وفي الاخر سمحتي لحد يدخل قلبك وانتي لسه على ذمة راجل... حتى لو بينكم جفاف، كنتي ترجعيه ليكي ولولادك مش تستسلمي وتديه لواحده غيرك"
ربتت على ايديها وقالت 
"قومي، اقفلي الصفحة دي، واعملي الصح... مش علشان هو يستاهل، لاء... علشان انتي تستاهلي تكوني أحسن."

عند فريده
دخلت المستشفى بهدوء، لبسها بسيط، شعرها مربوط بسرعة، البادج اللي عليه اسمها 
وصلت عند كاونتر التمريض في قسم الطوارئ، ولسه متكلمتش، صاحبتها داليا لمحتها وابتسمت
" فريده؟!"
فريدة ابتسمت وقالت
" دودو، وحشتيني وحشتيني"
داليا فتحت دراعها بحماس وحضنتها جامد"
"أخيرًا رجعتي! كنت فاكرة إنك هتطولي أكتر من كده."
فريدة ضحكت وهي بتفك الحضن
"أنا كمان افتكرت كده... وحشتوني كلكوا."
داليا قالت بفرحه 
" تعالي يلا، لسه الباقيين مجوش، انا هنا من بالليل انا ومروه"
فريده دخلت معاها وكانت مروه جوه، رحبت بيها بحراره، مروه قالت بهزار 
" حد يرجع للمرمطه دي تاني ، كان عندك شغل مريح ومرتب زي الفل."
ضحكت فريدة وقالت
"يعني فكرتكوا دي مبالغ فيها شوية، بس فعلاً كان هادي... مفيش دوشة، ولا عياط أهالي، ولا مريض بيشخط."
داليا قالت وهي بتهزر
"يعني تقصدي إننا هنا بنتهزّأ؟ لاء يا أختي، إحنا هنا بنتمرن على الصبر."
فريده قالت 
" احنا بنتمرن لما يجيلنا الضغط نتعامل ازاي "
وقبل ما يكملوا كلام، دخلت واحده وقالت وهيا بتبص ناحيتهم
"اللي فاضية فيكم تدخل تشوف الحالة اللي في سرير 4... محتاجين متابعة ضغط وسكر حالًا."
فريدة قامت من مكانها وقالت "أنا رايحة... بما انكوا هنا من امبارح"

بالليل، كانت فريدة قاعدة في أوضتها، النور خافت، والهدوء مالي المكان.
رغم تعب الشغل، كانت لسه صاحيه عقلها بيلف، مش قادرة تهرب من فكرة واحدة بتزنّ في دماغها
هل مامتها فعلاً قطعت علاقتها بعلي؟
ولا كانت مجرد كلام وخلاص؟
مدت إيدها وسحبت اللابتوب من على الكومود، فتحته ببطء، وحركت الماوس بإيد شبه مترددة وقلبها بيدق 
قعدت تدور وتتأكد لو لسه في كلام بينهم ولا لاء بس كل حاجه بتأكدلها أن فعلا مامتها عملت بلوك
قعدت لحظة تبص في الشاشة، وبعدين اتنهدت بارتياح
قفلت اللابتوب وهي بتقول لنفسها بصوت واطي
"كويس... كده أنا اتطمنت"
وقبل ما ترجع اللابتوب مكانه، موبايلها رن وكانت سالي
فريدة ردت بنبرة عادية
"ألو؟"
سالي قالت بضحكة خفيفة
"عاملة إيه ؟ حسيت انك زهقانه قولت اكلمك"
فريدة اتنهدت وقالت
"وهو في غير كده؟ يوم طويل شوية بس ماشي... انتي عاملة إيه؟"
سالي ردت
"أنا تمام، بس حبيت أطمن عليكي..."
فريده قالت 
" بس كده؟!" 
سالي ضحكت وقالت 
" انا تحت يا فريده "
فريدة استغربت وقالت بسرعة
"تحت؟! قصدك في البيت؟!"
سالي ردت بنبرة عفوية
"أيوه، أنا وماما... وتيم كمان معانا."
سكتت فريدة لحظة، قلبها دق بسرعه، واتشدت ملامحها من المفاجأة
"تيم؟!"
قالت الكلمة كأنها مش مستوعبة، وبصّت لنفسها بسرعة، لبسها كان بيتي بزيادة، وشعرها مفكوك ومبهدل، قامت من على السرير في لحظة، وهي بتتكلم بسرعة
"طيب... انا هنزل اهو"
فريدة قفلت المكالمه، وبعدين فتحت الدولاب بسرعة، بدأت تختار حاجة بسيطة ولفت شعرها بسرعه 

فريدة نزلت من فوق، ملامحها فيها توتر خفيف متعرفش سببه، دخلت الريسيبشن، لقت صابرين قاعده جنب إيناس وسالي على الكنبه اللي قدامهم، وتيم قاعد جنبها، باين عليه الملل
فريدة قالت بصوت واطي نسبيا
" مساء الخير"
صابرين ابتسمت وقالت
" صباح النور يا حبيبتي"
فريدة قربت، سلّمت عليهم، وقعدت جنب مامتها.
عينها راحت بسرعة لتيم اللي رفع عينه بصّلها ثواني، وبعدين رجع يبص في فونه كأنه مشافهاش.
فريدة بصّت لسالي، وشاورتلها بإيدها من غير ما حد ياخد باله، بنظرة مستغربة اللي هو 
" ماله ده وجه ازاي اصلا؟!"
سالي هزت أكتافها 
فريدة بلعت ريقها، ورجعت تبص قدامها...
قامت فجأة وهي بتقول
"أنا هدخل أعمل حاجة تتشرب، عايزين ايه؟"
سالي قالت
"أنا عايزة نسكافيه... وماما بتحب الشاي بالنعناع، وتيم أكيد قهوه سادة، صح؟"
تيم قال من غير ما يبص
" مش عايز "
فريدة قالت بابتسامة خفيفة
" مش عايز قهوه، ولا مش عايز عموما" 
بصلها وسكت شويه وبعدين قال 
" مش عايز عموما"
قالت ببرود 
" براحتك" 
وانسحبت على المطبخ 

عدي دقيقتين وسالي وقفت وقالت لتيم 
"تيم، روح ساعد فريدة شوية لحد ما أرجع، هرد ع الفون"
ومشيت بسرعة من غير ما تديه فرصة يرفض، حس بملل بس قام ودخل لقاها واقفة مركزة في اللي بتعمله.
وقف على الباب ثواني، ساكت، بيبصلها وهي مش واخدة بالها، ولما حست بيه رفعت عينيها فجأة وقالت بنبرة فيها اندهاش خفيف
" انت هنا من امتى؟" 
رد وهو بيقرب خطوه 
" لسه جاي"
قالتله 
"متوقعتش أشوفك بالسرعة دي، بصراحة."
رد ببرود
"ولا أنا... بس اتجبرت."
رفعت حاجبها وهي بتقول
"ومين ممكن يجبرك يعني؟ أنت مش بتعمل حاجة غير بمزاجك."
رد وهو بيبص بعيد
"ده الظاهر."
كلمته كانت بسيطة، بس تقيلة... فريدة حست بيها، بس كتمت فضولها، قررت تمشيها بهدوء.
مدتله كوباية قهوة وقالت بابتسامة بسيطة
"مدام كده كده اتجبرت، خد اشرب قهوه بالإجبار كمان"
خد الكوباية، وبص فيها، وسكت، وهي قررت تسيب المساحة مفتوحة... علشان لو قرر يتكلم، يحس إن المكان آمن
بعد لحظة صمت قالت
"لو طلبت منك نكون صحاب... هتوافق؟"
تيم سكت... ثواني تقيلة عدت كأن الزمن وقف، ساب الكوباية على الرخامة، بص ناحيتها ببطء، بعد كده قال بهدوء
"صحاب؟"
فريدة ابتسمت ابتسامة خفيفة وهيا بتخبي ارتباكها
"يعني... اه، نكون صحاب"
تيم رجع يبص بعيد، خبط صوابعه بخفة على الرخامة وقال
"أنا مش من النوع اللي بيعرف يكون صاحب حد."
فريدة بصتله بصمت، مش هتضغط عليه، مستنية يكمل.
تيم كمل وهو لسه باصص بعيد
" علشان الصحوبية معناها إنك تفتحي قلبك... وأنا قلبي معمول عليه 100 قفل."
سكت لحظة، وبعدين ضحك ضحكة باهتة وقال
"أنا مش بس مقفول... أنا حتى بنسى المفاتيح فين."
فريدة بصتله بثبات وعينيها فيها لمعة تحدي خفيف
"ولو أنا اللي عايزة أفتح قلبي؟ مش أنت؟"
بصلها، استغرب من الرد... مش متوقعها ترد كده
سكت شوية، وبعدين قال بنبرة فيها مزيج بين الاندهاش 
" يعني انتي مش عندك صحاب بتفتحيلهم قلبك؟!" 
فريدة رفعت حواجبها بخفة وقالت
" تؤ، مش كلهم اقدر افتحلهم قلبي، بس انت شايل كتير في قلبك، معاك اسرار كتير مش بتطلعها"
ضحكة صغيرة خرجت من تيم، أول مرة تبان على وشه، لكنها اختفت بسرعة، ورجع للهدوء اللي متعود عليه، وقال بصوت واطي
"يعني... لو قررت تفتحي قلبك، اكيد مش هقفلك الباب، بس انا بحسك بتشكلي خطر عليا، من ساعة ما عرفتك وانا مش انا"
فريدة بصتله، قلبها بيدق بس ملامحها هادية وقالت
"ولو...، اصلا محدش هيقدر يقفل باب أنا ناوية أعدي منه."
تيم سكت، عينيه ثابتة عليها، كأن بينه وبين نفسه في صراع.
فريده بصتله لحظة، وبعدين رجعت تبص للصينية وكملت تحط الكوبايات.
قالت بنبرة هادية وهي بتحاول تكسر الصمت
"مش لازم تجاوب دلوقتي... بس فكر فيها، يمكن تلاقي نفسك محتاج تقول حاجه في يوم، وقتها هكون بسمعك."
تيم اتحرك خطوة بسيطة ناحيتها، قال بصوت واطي جدًا، كأنه بيكلم نفسه
"أنا عمري ما هفتح قلبي لأي حد مهما كان هو مين، حطي تحت الكلام ده 100 خط أحمر"
فريدة وقفت، وبصتله بهدوء، وقالت بنبرة أهدى 
"أنا مش أي حد يا تيم... وجربني لما تحب، مش لما تضطر."
لحظة صمت عدت بينهم، فيها ألف كلمة متقالتش، بس اتفهمت.
قاطعهم صوت خطوات سالي وهي داخلة المطبخ بسرعة
"أنا آسفة اتأخرت، الموبايل كان بيرن ولازم ارد"
بصّت لتيم وقالت بنبرة مرحة
" ساعدتها ولا كنت واقف تتفرج؟"
تيم قال بهدوء وهو بيعدّل من وقفته
" لو هيا محتاجه مساعده كانت قالت اصلا"
سالي ضحكت، وفريدة شالت الصينية وقالت
"يلا بينا قبل ما الحاجه تبرد."
وخرجوا من المطبخ، بس نظرة تيم الأخيرة لفريدة كانت مختلفة... فيها تساؤل، يمكن أول لمحة من الفضول أو الرغبة إنه يجرّب يسمع، حتى لو جزء صغير...
فريدة بصّت بسرعة لسالي وسألت بنبرة فضول خفيف
"يونس مجاش ليه هو كمان؟!"
سالي ردت بسخريه
"يونس؟ ده بقاله يومين مش بيبات في البيت اصلا."
فريدة ابتسمت نص ابتسامة، وهزت راسها بتفهم، وقالت بهدوء
" توقعت "

إيناس كانت قاعدة على الكنبة، عينيها فيها لمعة حزن، وصابرين قصادها، بتبص عليها بنظرة فيها مزيج بين العتاب والخوف عليها.
صابرين سألتها بنبره مهتمه
"قررتي إيه؟"
إيناس اتنهدت وقالت بنبرة مستسلمة
"مقررتش حاجة... كل حاجة زي ما كانت، هعيش لولادي وبس."
صابرين رفعت حاجبها وقالت باستنكار
"بس ده مش صح يا إيناس، يا تتطلقي وتشوفي حياتك، يا توصلي مع جوزك لحل، لكن الوضع ده مش نافع."
إيناس بصّت بعيد وقالت بحسم
"بس أنا مش هتطلق، ومش هتجوز تاني، خلاص، سيبيني زي ما أنا عايزه..."
صابرين بصتلها، مش قادرة تستوعب
"بس دي مش حياة! إنتي لسه صغيرة، عندك فرصة تبدأي من جديد."
إيناس ردت بسرعة بنبرة فيها حسم
"لاء... أنا مش صغيرة، عندي بنت وولد على وش جواز"
صابرين بصتلها بنظرة فيها لوم وقالت
"ومفكرتيش فيهم ليه لما كنتي بتكلمي علي؟"
إيناس خدت نفس طويل وقالت بصوت مبحوح
"علي كان غلطة... لحظة ضعف، وانتهت، فوقت وفهمت غلطي، وقررت أعيش في سلام، من غير أي راجل في حياتي، ده قراري وخلاص."
صابرين هزت راسها، ولسه هترد، بس قاطعها دخول فريده وسالي وتيم
دخلت فريدة وهي شايلة صينية عليها الكوبايات، وراها سالي، وتيم دخل بعدهم بخطوات هادية، ملامحه شبه محايدة.
فريدة وزعت الكوبايات عليهم، وبعدين راحت وقعدت جنب سالي.

سالي قربت من فريدة وهمست بصوت واطي
"اتكلمتي معاه؟"
فريدة هزت راسها بخفة، وقالت 
"حاولت... جسيت نبضه شوية، بس عارفة؟ تيم علشان يتكلم مع حد، ده شئ شبه مستحيل، لازم يكون بيثق فيه ثقة عمياء."
سالي سألت باستغراب وهمس
"يعني؟"
فريدة ردت بنبرة فيها حزن بسيط وتفهم
"يعني مش أنا الشخص المناسب اللي ممكن تيم يثق فيه."
سالي عضت شفايفها وقالت بتفكير
"بس أنا مش حاسة كده... جربي، مش هتخسري."
فريدة هزت كتفها وقالت بنبرة هادية لكن محبطة شوية
"صعب جدًا يا سالي، بجد الحوار صعب... شخصية تيم من النوع المستحيل اللي ممكن يقول حاجه زي دي... هل هيتكلم مستقبلًا؟ الله أعلم."
سالي قالت بتشجيع
"ولو حاولتي؟ يمكن يجيب معاكي نتيجة إيجابية..."
فريدة سكتت لحظة، وبعدين سألت باستغراب خفيف
"هو إزاي جه أصلاً؟ يعني متوقعتش ييجي."
سالي ردت ببساطة وهي بتعدل قعدتها
"ماما اللي قالتله... وهو بصراحة معترضش."
فريدة بصت لها باستغراب أكبر وقالت
"معرفش ليه استغربت."
سالي ابتسمت وقالت بنبرة خفيفة
"يمكن علشان الساعة عدت 12؟ بس تيم نومه مبقاش متظبط خالص، مش عارف يظبطه، حتى بقى يصحى يادوب على معاد الشغل... يعني أنا كمان مستغربة، لأنه كان منظم جدًا... خصوصًا في مواعيده."
فريدة رفعت عينها ناحيته تلقائي، لاقته باصصلها...
لكن أول ما شافها بصّتله، بسرعة بص بعيد عنها... 

صابرين كانت بتتكلم عن حاجة وسكتت فجأة لما سمعت صوت الباب الخارجي بيتفتح وقالت باستغراب
"هو في حد جاي؟"
ايناس ردّت بسرعه
"لاء خالص... مفيش حد وإسلام في أوضته."
سالي بصّت ناحية الباب من بعيد وقالت
"طب مين اللي فتح الباب؟!"
الكل سكت، نظراتهم رايحة ناحية المدخل، الخطوات رجولية، تقيلة وواثقة.
دخل راجل في الخمسينات، طويل، أنيق جدًا، لابس بدلة كلاسيك غامقة، ريحته فخمة، ونظرة عينه قوية وواضحة، وقف في أول الريسيبشن.
الراجل مقالش ولا كلمة، عينيه راحت على إيناس، اللي كانت قاعده مكانها واتسمرت.
إيناس شهقت بهدوء، ووشها اتغير تمامًا ومقدرتش تقول أي كلمه
فريدة وقفت ببطء، وكل جسمها اتشد، وبصّتله بذهول وهي بتقول بصوت مهزوز
"بابا؟!"
فريده وقفت ببطء، وكل جسمها اتشد، وبصتله بذهول وهيا بتقول بصوت مهزوز
" بابا؟!" 
بصلها وابتسم
"إزيك يا فريدة؟"
إيناس بصت للأرض، ملامحها جامدة، كأن قلبها بيتشد ما بين وجع قديم وهدوء مصطنع.
صابرين لمّا استوعبت الموقف، قامت فورًا، وخدت خطوة ورا، بصت لإيناس وسألتها بصوت واطي
"ده جوزك؟!"
إيناس أومأت من غير ما ترفع عينيها.
صابرين بصّت لتيم وسالي وقالت
"يلا بينا يا ولاد نسيبهم دلوقتي... أكيد محتاجين يقعدوا سوا."
سالي وتيم قاموا وصابرين قالت لايناس 
"هكلمك، ماشي؟"
ايناس هزت راسها وصابرين مشيت ورا سالي وتيم اللي سبقوا
ابو فريده (هاني) ابتسم لفريده، وبهدوء مد إيده يسلم عليها،
"إزيك يا حبيبتي؟ وحشتيني."
فريده حضنته بسرعة، وهي لسه مش مصدقة إنه واقف قدامها.
لكن إيناس كانت ساكتة، ملامحها جامدة، مش قادرة تبصله.
فريدة كانت ملامحها متوترة، وعينيها رايحة جاية ما بين باباها ومامتها
الجو تقيل، كله ترقب وصمت مشحون… زي الهدنة اللي قبل العاصفة.
إيناس بصوت هادي لكن واضح فيه حيرة قالت
"رجعت ليه؟"
هاني خلع الجاكيت بهدوء، وحطه على طرف الكنبة، وقعد كأنه لسه صاحب المكان
"جيت علشان أسمع، مش أتكلم... إسلام قالي إنك عايزة تتطلقي."
فريده همست بصدمة
"إسلام؟!"
وفجأة، خطوات تقيلة نازلة من السلم، إسلام ظهر،
وقف جنب أمه، وصوته كان هادي، لكن واضح فيه الإصرار
"أنا اللي كلمته... علشان ماما محتاجة تاخد قرار،
ومينفعش القرار ده يتاخد وإنت مش موجود."
هاني بص لإيناس، نبرته ما بين التحدي والاستنكار
"يعني بعد السنين دي، قررتي فجأة إنك عايزة تتطلقي؟"
إيناس اتجمدت، الدهشة مغطية وشها
"أتطلق؟! انت اللي قولت كده؟"
إسلام رد وهو بيبص لأبوه بثبات
"أه... لأنك لازم تعيشي حياتك زيه، هو اختار حياته وانتي لازم تعملي زيه "
إيناس قالت بسرعة وبصوت فيه قهر
"إسلام، أنا قولتلك متفتحش الموضوع ده تاني."
إسلام قال وهو بيكتم غضبه
"بس حرام تفضلي عايشة كده."
هاني قام وقف، عينيه فيها نار، وبص لابنه وقال بحدة
"وانت ازاي تتدخل في حاجة زي دي؟ من إمتى الصغيرين بيتدخلوا في أمور الكبار؟"
إسلام رد بنبرة قوية
"لما أشوف الوضع ده قدامي، يبقى لازم أتدخل...
انت سيبتنا ومشيت، كمل جميلك وطلّقها وامشي!"
إيناس قالت بصوت عالي وهي بتبص لإسلام بدموع في عنيها
"إسلام، كفاية... كفايه، أنا مطلبتش منك تتدخل وتتكلم بدالي، أنا اللي عايشه... وأنا اللي هقرر، مش إنت، أنا اللي هتحمل النتيجة لوحدي."
إسلام حاول يفتح بُقه يرد، لكن قبل ما الكلمة تطلع،
إيناس قاطعته بنبرة حازمة وصوتها بدأ يعلى أكتر
"ولا كلمة! لو سمحت."
سادت لحظة صمت تقيلة...
هاني كان واقف، وشه مش باين عليه أي تأثر، لكن صوته جه حاد وواضح
"لازم نتكلم يا إيناس."
إيناس وقفت بثبات، وعينيها فيها تحدي 
"مفيش كلام بينا، معنديش كلام أقوله ليك،
إحنا معادش بينا لا كلام... ولا حياة، اللي بيربط بينا ولادك وبس، غير كده انسى إن ليك زوجة وحَتى لو مطلقتنيش رسمي، أنا بعتبر نفسي مطلقه اصلا ومش فارقه معايا، وياريت ترجع مكان ما جيت،عشان ملكش مكان هنا."
هاني لف ناحيّة فريدة، ونبرته أخدت لهجة شبه آمرة
"فريدة، معلش يا بابا... ممكن تسيبينا لوحدنا، إنتي وأخوكي؟"
لكن قبل ما فريدة تتحرك، إيناس رفعت إيدها وقالت بحسم أكتر
"لو في حاجة هتتقال، يبقى قدامهم... قولتلك مفيش بينا كلام."
هاني عضّ على شفايفه، لفّ بعينه ناحيّة فريدة تاني، وقال بنبرة هادية بس ضاغطة
"يلا يا بابا..."
فريدة بصّت لمامتها لحظة، وبعدين هزت راسها بخفة، وشدّت إيد إسلام اللي كان واقف زي التمثال، رافض يسيب أمه لوحدها.
"يلا يا إسلام…"
قالتها بهمس وهي بتسحبه براحه
إسلام بصّ لأمه، وبعدين لأبوه…
بس في الآخر مشي معاها.

هاني وقف في نص الصالة، عينيه عليها، لكن ملامحه جامده وقال بهدوء 
"أنا عارف إنك موجوعة... ويمكن شايفة إنك بتنتقمي لما ترفضي حتى تسمعيني، بس اللي بينا عمره ما كان بسيط، ومينفعش ينتهي بصمتك ده."
إيناس ردت بنبرة باردة
"اللي بينا انتهى من زمان، من أول ما قررت تكون لحد تاني، وسبتني أواجه الدنيا لوحدي."
هاني قال وهو بيقرب خطوة
"أنا مكنتش ناوي أبعد، كنت بس... بدور على فرصة، على استقرار، على أمان."
ضحكت إيناس ضحكة قصيرة وموجوعة
"فرصة؟
سفرك ده كان فرصة؟
وجوازك من غيري كان أمان؟
ياريت تسكت احسن، كلامك بيجيب مشاكل اكتر"
سكت... بس ملامحه اتشدت، كملت بوجع اكتر
" معرفش اي اللي جابك اصلا وبعد ايه، كنت مستنياك بس ده من زمان، دلوقتي خلاص انت اتنسيت"
هاني رفع عينه، ونبرة صوته اتبدلت
"أنا غلطت عارف بس أنا جيت أرمم، مش أهد."
إيناس ردت بنبرة حاسمة"
"أنا اللي اتهديت،
سنين وأنا بسأل نفسي...
أنا ناقصة إيه؟
كنت مراتك، وأم ولادك، وسندك...
وفي الآخر اخترت تبعد،
تبني بيت تاني بعيد عننا."
سكتت لحظة، وختمت
"البيت ده اتكسر... وأنا رممته لوحدي.
فـمتجيش دلوقتي تقولي برمم، لو فاكر اني لسه البنت الضعيفه اللي كانت مبتقدرش تبعد عنك تبقى غلطان، انا اتعلمت دروس كتير قوي وبقيت اعيش من غيرك خلاص"
هاني قرب خطوة، بس صوتها وقفه
"خطوة كمان وهتفقد آخر ذرة احترام فضلتلك جوايا"
سكت، معندوش حاجه يقولها، أو لو اتكلم هيزود الطين بَله 
إيناس وقفت في وشه، كلامها كان ثابت
قالتله بصوت واضح وقاطع
"ياريت ترجع مطرح ما كنت... علشان مبقاش ليك مكان هنا، لو طلقتني، تكون شاكر، ولو مش ناوي، يبقى اتفضل، وأنا قولتلك قبل كده...أنا اعتبرت نفسي مطلقة من زمان."
لف وشه لحظة، حاول يخبي مشاعره، رجع يبصلها وهو بيقول بنبرة واطيه بس فيها وجع
"يعني خلاص؟
كل اللي بينا انتهى كده؟"
إيناس ردت بقوه
"انتهى من يوم ما قررت تختار غيري، بعد ما قولتلك مش مهم تسافر وخليك معانا وانا كنت حاسه انك مش هترجعلي تاني، وده اللي حصل فعلا، قولتلك أيامها انا بستقوى بوجودك بس قولتلي الشغل، روح لشغلك يلا وكمل حياتك زي ما كنت، أنا عشت كل لحظة فاتت لوحدي، واقدر اعيش اللي جاي كمان لوحدي، اتمني تكون دي اخر مره اشوفك فيها"
قالت كلامها وانسحبت من قدامه، كانت ماشيه بخطوات سريعة، وهي طالعة السلم، لمحت فريدة وإسلام واقفين على الجنب، سامعين كل كلمة، ملامحهم مصدومه، بس ساكتين
بصتلهم لحظة، وكملت لأوضتها، ولما وصلت لباب أوضتها… فتحته بسرعة، ورزعته وراها بكل القوة اللي جواها
فريدة راحت وراها وفتحِت الباب بحذر ودخلت بهدوء، لقتها قاعدة على طرف السرير، ضهرها ليها، وكتفها بيتهز من عياطها.
فريدة قربت، قعدت جنبها من غير كلام، بس بهدوء 
مدت إيدها بهدوء ولمست كفها، وقالت بنبرة دافية
"ماما"
إيناس مسحت دموعها بسرعة، كأنها مش عايزة تتشاف ضعيفة، وقالت بصوت مبحوح
"أنا كويسة يا فريدة... روحي انتي."
فريدة شدت على إيدها وقالت وهي بتحاول تبص في عينيها
"لا مش هسيبك...مش وإنتي كده، أنا مش صغيرة يا ماما...أنا شايفة وسامعة، وبفهم، بس طول عمري سايبة ليكي القرار، علشان عارفة إنك بتستحملي أكتر من اللي يستحمله أي حد."
إيناس بصتلها أخيرًا، بعين فيها ألم سنين، وقالت بصوت مهزوز
"هو كسرني يا فريدة، أنا استنيته سنين، مش شهور،
كنت بقول هيرجع، هيفهم، هيفتكرنا، بس رجع بإيده فاضية وقلب مش لينا."
فريدة حطت راسها على ركبتها، وقالت بصوت واطي
"وانتي تستاهلي قلبك يتحب مش يتكسر، بس صدقيني، إحنا معاكي، أنا وإسلام، وإنتي أقوى من كده بكتير."
لحظة صمت عدت، وإيناس مسكت إيد بنتها بقوة، كأنها بتاخد منها أمان كانت محتاجاه من زمان، وهمست
"أنا خلصت اللي جوايا من ناحيته، ومش ناوية أرجع، حتى لو فضل اسمي على اسمه."
فريده سكتت لحظه وبعدين قالت
" اطلبي منه يطلقك لو ده هيريحك، واحنا معاكي، معاكي في أي حاجه"
إيناس ضمت فريدة ليها، حضن طويل، دافي، مليان كسر ووجع وحب.
كانت بتعيط، بس عياط هادي وقالت بصوت مبحوح 
"أنا تعبت يا فريدة، أنا تعبت أوي."
فريدة قالت بصوت ثابت
"وأنا معاكي يا ماما، مش هسيبك لوحدك أبدا."

تحت في الصالون
هاني كان واقف، بيبص قدامه بشرود، بس من جواه كان بركان.
إسلام نزل من فوق، خطواته سريعة، ومفيهاش أي احترام.
وقف قدامه وقال بنبرة فيها احتقار واضح
"مش شايف إنك خلصت دورك هنا؟
مش شايف إنك جيت في وقت محدش عايزك فيه؟"
هاني بصله بحدة، لكنه سكت، مستني يسمع اللي في قلبه، بس إسلام مسكتش، كمل بنبرة تقيلة
"أنا شفت أمي بتتكسر حرفيًا قدامي...كل يوم بسببك."
قرب خطوة وكمل بتهكم واضح
"سنين طويلة واحنا بنتلمّ ونتفرّق، وهي مستنياك،
وانت؟
جيت دلوقتي، بعد ما بنيتلك حياة تانية، وافتكرت إنك ممكن تدخل هنا كأنك لسه الراجل اللي ليه احترامه."
هاني قال بنبرة جافة
"أنا أبوك، وده بيتي."
إسلام رد بسرعة وسخريه
"أبويا؟ لاء طبعا، أبويا الحقيقي مات أول ما قرر يسيب أمي ويتجوز غيرها، واللي يسيب مراته وولاده ويمشي، ميستحقش يكون اسمه أب."
هاني بصله بحدة وقال
"كبرت ونسيت نفسك، إنت بتكلمني أنا كده؟"
إسلام ضحك بسخرية وكمل
"أنا فاكر نفسي كويس جدًا، فاكرني وأنا صغير بسأل على أب مش موجود، فاكر أمي وهي بتخبّي دموعها علشان تضحكلنا، فاكرك... بس وأنت مش هنا."
قرب منه أكتر وقال بصوت ثابت
"فلو عندك شوية دم، طلقها وارجع لحياتك،
وافتكر إنك عمرك ما كنت جزء من حياتنا."
سابه وطلع من غير ما يستنى رد.
وهاني فضل واقف مكانه، متجمد، مكنش متوقع الهجوم ده، بس مش هييأس، هيحاول مره اخيره

عند سالي
كانت قاعدة جنب تيم، بتتكلم وهي باينة عليها القلق
"فريدة حالتها مش أحسن الأيام دي، أنا ملاحظة من فترة إنها متضايقة بس مش بتبين... يمكن يكون في مشكله بين مامتها و باباها"
تيم بصّلها بس مردش، سالي كملت وهي بتقوله
"رصيدي خلص، ممكن اكلمها من فونك؟!"
تيم بصّلها لحظة، وبعدين اداها الموبايل من غير ما يقول أي كلمه 
سالي بسرعة كتبت رقم فريدة واتصلت، فضلت ترن، بس فريدة مردتش.
ادته الفون وهيا بتقول
"مردتش... شكلها مشغولة، خلاص هبقى أكلمها بعدين"
فضل تيم ماسك الموبايل، عينه ثابتة على الرقم اللي ظاهر قدامه، متشتت، بيفكر، هل يمسح الرقم، ولا يسيبه؟
حس إنه مش قادر يمسحه، لقى نفسه بيسجل الرقم عنده، بص للاسم بعد ما اتحفظ، وقفل الموبايل بسرعة.

عند ايناس
فريده خرجت بعد ما ايناس طلبت منها تسيبها لوحدها شويه، وبعد شويه رن موبايل إيناس، كان اسم صابرين ظاهر على الشاشة، اترددت لحظة قبل ما ترد، صوتها كان باين فيه التعب وهي بتقول
"ألو؟"
صابرين كان صوتها قلقان وقالت
"إيناس، إيه اللي حصل؟ إنتي كويسة؟"
إيناس سكتت ثواني، وبصت قدامها بشرود قبل ما تقول بصوت هادي
"معرفش... معرفش أنا جبت القوة دي منين، لقيت نفسي بتكلم وبتكلم، مش قادرة أسكت، مش قادرة أتحمل أكتر."
صابرين قالت بهدوء
"دي مش قوة جديدة، دي كانت جواكي من زمان، بس إنتي كنتي خايفة تظهريها علشان فريده واسلام" 
إيناس قالت بصوت متقطع
"أنا حتى مش عارفة قلت إيه ولا إزاي... كل اللي كنت حاسة بيه خرج مني، لقيت نفسي بقول إني خلاص، مش عايزة أعيش معاه ابدا"
صابرين قالت
"عملتي الصح، محدش يستاهل يعيش مكسور يا إيناس، حتى لو علشان العيال، هما محتاجين يشوفوكي واقفة، مش ضعيفة."
إيناس قالت وهي بتاخد نفس عميق
"بس خايفة يا صابرين... خايفة أكون بضيّع استقرارهم لو طلقني"
صابرين ردت بسرعة
"انتي مش بتضيعي استقرارهم، انتي بتحمي نفسك وبتحميهم من حياة كلها كسر وقهر... اللي عملتيه ده قوة مش ضعف."
إيناس فضلت ساكتة لحظة وقالت
"أنا مش هرجع في كلامي خلاص... حتى لو النتيجة إيه."
صابرين قالت بنبرة داعمة
"وأنا معاكي، لو احتجتي أي حاجة، أنا معاكي."
إيناس قفلت المكالمة، وقعدت على طرف السرير، عينيها فيها دموع لكنها حست وكأن حِمل تقيل كان على قلبها واتشال.

تاني يوم، فريدة خرجت من اوضتها، بصّت على باب أوضة مامتها، اترددت تخبط عليها، لكن اتراجعت، وقالت لنفسها بصوت واطي "خليها ترتاح..."
نزلت بخطوات هادية، عينيها مجهدة من قلة النوم، ولما نزلت شافت هاني قاعد، كان ماسك فنجان قهوة، وبصلها أول ما شافها.
قال بصوت هادي
"صباح الخير يا فريدة."
ردت وهي واقفة
"صباح الخير."
شاور على الكرسي اللي قدامه
"تعالي اقعدي معايا شوية."
اترددت لحظة، وبعدين مشيت وقعدت قدامه، ملامحها جادة.
هاني شرب من القهوة وقال
"إيه الأخبار هنا؟... عاملين إيه؟"
ردت فريدة بنبرة جافة بس فيها احترام
"تمام... كله ماشي."
هاني بصّلها شوية وقال
"مامتك... عاملة إيه؟"
اتشدت ملامحها شوية، وقالت وهي بتبص ناحية الأرض
"كويسة... او بتحاول"
فضل ساكت لحظه وبعدين قال
"وإسلام؟"
ردت وهي بتتنهد
"كلنا بخير وعايشين عادي"
هاني حرك راسه ببطء، وقال بنبرة فيها محاولة للتقرب
"فريدة... أنا عارف إني قصّرت كتير... وعارف إن وجودي مش سهل عليكم."
رفعت عينيها وبصتله وقالت بهدوء
"إحنا اتعودنا يا بابا... وبنتعامل."
كلمة "بابا" خرجت منها بصعوبة، لكنها قالتها، وبان في عينيها لمعة سريعة.
هاني ابتسم ابتسامة باهتة
"أنا مقدّر اللي مامتك شالته طول السنين دي... ومقدّر إنكوا كبرتوا لوحدكوا."
فريدة سكتت، مش عارفة ترد، لكنها اكتفت بهزة راس بسيطة.
قال بعد لحظة
"أنا... مش جاي أزعلكم، ولا أعكّر عليكم حياتكم... أنا بس جيت..."
قاطعت كلامه بسرعة "عارفة."
سكتت لحظة، وبصتله وقالت بنبرة فيها حنية ضعيفة وسط الجفاء
"بس ياريت متوجعهاش تاني... بلاش... كفايه"
بصّلها وهو بيحاول يبتسم وقال
"هحاول يا فريدة... هحاول"
فضل يبصلها، شايف قد إيه كبرت واتغيرت.
عدل قعدته، بص لفنجان القهوة اللي في إيده، وقال بنبرة هادية
"زمان... كنتِ لما بشوفك بعد السفر، بتجري عليّا... دلوقتي حتى الكلام بينا بقا قليل"
فريدة بصتله، ملامحها ثابتة، بس في لمعة حزن في عينيها
"كبرنا."
ابتسم ابتسامة صغيرة باهتة
"آه... كبرتوا فعلاً."
سكت لحظة وقال 
"بس أنا مهما حصل... أبوكوا."
فريدة قالت بصوت واطي
"عارفة."
رجع يبصلها وقال
"إنتِ شايفة إيه يا فريدة؟ شايفة الوضع إزاي؟"
سكتت شوية، وكأنها بتختار كلامها، وقالت بهدوء 
"إحنا... اتعودنا نعيش من غيرك... اتعودنا إن كل واحد فينا يشيل نفسه... وماما دايما معانا وساندانا"
سألها
"وأنا؟"
ردت بعد تردد
"إنت... كنت بعيد... وأوقات البُعد بيكون أريح من القرب... حتى لو القرب ده من أغلى الناس."
اتشدت ملامحه وقال
"أريح؟"
هزت راسها بهدوء
"أيوه... أريح."
فضل ساكت شوية، ففريدة قالت بنبرة فيها حنية لكنها حازمه
"بصراحة يا بابا... ماما كانت قوية جدًا علشان تكمّل... يمكن لو في راحة ليها دلوقتي... تكون إن كل واحد يعرف مكانه الحقيقي في حياتها."
قال بحدة خافتة
"تقصدي إيه يا فريدة؟"
ردت وهي بتحاول تخلي صوتها ثابت 
"مفيش قصد... بس أوقات الحل بيكون في البُعد... حتى لو البُعد ده صعب، بس انا عارفه أنه مش صعب ابدا عليك"
اتنهد هاني ومرر إيده على وشه وقال
"يعني شايفة إن الانسحاب أحسن؟"
فريدة بصتله وقالت
"لو الحل ده هيريّح الكل... يبقى أيوه."
فضل باصص لها لحظة، وشاف في عينيها خوف وحب وحزن وقال "متغيرتيش... لسه قلبك طيب."
قالت بسرعة
"أنا مش عايزة أشوف ماما موجوعة تاني."
فضل ساكت، بصلها، وقال بهدوء 
"أنا همشي، بس هحاول محاوله اخيره"
فريدة سكتت شويه وبعدين بصتله وسألت بنبرة هادية فيها تردد
"هتطلقها؟"
هاني رفع عينه ليها وقال
"انتي شايفة إيه يا فريدة؟"
سكتت فريدة شويه، وبصت ناحية الأرض، وأفكارها بتلف بسرعة في دماغها...
لو مامتها اتطلقت، ساعتها هيكون في فرصه تتجوز علي، لكن لو مامتها لسه على ذمة باباها، محدش هيقدر يفتح الموضوع، وهيكون كده اتقفل نهائيا، خاصة أن باباها لو مشي مش هيرجع تاني.
رفعت عينيها بعد تردد، وقالت بنبرة هادية، بس جواها صوت بيحارب
"شايفة... إنك متطلقهاش."
هاني بصّلها، مستني تكمل، فقالت
"على الأقل... طول عمرنا قدام الناس... بنقول إنك مسافر شغل، وإنك سايبنا علشان ظروف السفر وشغلك... مش إنك سايبنا عدم تحمل مسؤوليه... كده بيكون شكلنا وشكلك أحسن قدام الناس، وقدام نفسنا."
سكتت لحظة وكملت
"وكده... على الأقل ماما هتفضل معانا، ومحدش هيتدخل في حياتها."
هاني بصلها بصه طويلة، وقال بهدوء
"يعني شايفة إن وجودي كزوج، حتى لو بعيد... أحسن."
هزت فريدة راسها وقالت
"أيوه... أريح للكل."
رجع يبص لفنجانه، وحس إن اللي بينه وبينهم انتهى، حتى لو اسمه هيفضل في البطاقة... بس هو خلاص بقي ضيف في حياتهم، ومش هياخد مكانه أكبر من كده.

على اخر النهار فريده كانت في شغلها، بتراجع ملف في أيديها، رنّ تليفون الاستقبال الداخلي، ردّت فريدة بسرعة وهي مركزه في الورق اللي قدامها
"أيوه، فريدة معاك."
صوت موظف الاستقبال جه واضح
"فريدة، في حالة هنا، محتاجينك تيجي فورًا."
فريدة قالت بسرعة وهي مشغولة
"معلش، أنا مشغولة دلوقتي، هبعت أي حد من زمايلي."
سكت لحظة وقال
"مش هينفع... الشخص اللي مستني قال إنه مش هيكشف غير معاكي، طالبك بالاسم."
رفعت فريدة وشها ببطء، عينيها لمعت باستغراب، وقلبها دق بسرعة، سابت الورق من إيدها، وقامت بخطوات ثابتة وهي بتسأل نفسها
" مين اللي ممكن يطلبها بالاسم؟ وليه؟"
خرجت من القسم، ودخلت الاوضه اللي الشخص ده فيها وشافته
فريده خرجت من القسم، ودخلت الاوضه اللي الشخص ده فيها وشافته، كان حسام صاحب تيم 
اتفاجأت بس بسرعة ابتسمت وقالت
"حسام؟! إيه المفاجأة دي!"
ابتسم وقال 
"إيه رأيك؟"
رفعت حاجبها وقالت وهي بتدخل وتقفل الباب وراها
"عرفت إزاي إني بشتغل هنا؟! و... طالبني بالاسم كمان؟"
قال وهو بيعدل قعدته
"بالصدفة... أنا كل فترة باجي أقيس ضغط وسكر ونسبته في الدم، أتطمن على صحتي يعني."
راحت ناحية الأجهزة وهي بتقول بخفة
"آه... وبعدين؟"
قال وهو بيبصلها
"بصراحة لما عرفت بالصدفة إنك بتشتغلي هنا... قلت لنفسي، ليه لاء؟ طلبتك بالاسم، بس كده."
رفعت عينيها ليه وقالت وهي بتشغل الجهاز
"بس كده؟ يعني أنت على طول بتيجي هنا؟"
ابتسم وقال وهو بيحك دماغه
"يعني... كذا مره مش كتير بصراحه، علشان مكونش كداب."
خلصت أول قراءة، رفعت عينيها وقالت بنبرة عملية
"تمام، ماشاء الله... مظبوط."
رد بسرعة وهو بيضحك
"علشان شوفتك... اتظبط"
كشرت وقالت بسرعة
"نعم؟!"
اتلغبط وقال بسرعة
"قصدي... يعني برتاح نفسيًا لما..."
معرفش يقول ايه فقال
" هو أنا دايمًا مظبوط كده"
ضحكت بخفة وهي بترجع الجهاز مكانه وقالت
"ألف سلامة، نكمل؟!" 
قال بسرعه 
" اه طبعا طبعا، اتفضلي"
بدأت تكمل شغلها بتركيز، سألها وهو بيبصلها
"إنتي بتشتغلي هنا بقالك كتير؟"
ردت ببساطة وهي مركزه 
"آه، من ساعة ما اتخرجت."
ابتسم وهو بيقول
"طب... فكرتي في عرضي؟"
بصتله وقالت بجدية هادية
"امممم....فكرت، وزي ما قولتلك... مش مستعدة دلوقتي أشتغل بره المستشفى نهائي، بس لو محتاج حد، ممكن أقول لحد من صحابي، وهيرحب جدًا."
اتغيرت ملامحه بسرعة وقال بجدية
"لاء طبعًا... العرض ليكي إنتي بس، يعني أنا قولتلك إنتي وبثق فيكي إنتي."
رفعت حاجبها وقالت بابتسامة خفيفة
"حسام، أنا دي تاني مرة أشوفك فيها... بتثق فيا إزاي بقى؟"
ضحك بخفة وقال وهو بيبصلها 
"أنا بعرف الناس دايمًا، وقلبي قالي إنك إنسانة يتوثق فيها."
سكتت وكملت وبعد ما خلصت قالتله 
" ماشاء الله كله تمام، الف سلامه" 
ابتسم وقال
" الله يسلمك، تسلم ايدك"
فتح فونه ومده ليها وقال
"ممكن رقمك؟"
بصتله باستغراب، فابتسم وقال
"هرنلك... عشان رقمي يبقى معاكي لو احتجتي حاجة، أو أنا ممكن أحتاجك في يوم."
خدت الفون، كتبت رقمها بسرعة، ورنت على نفسها، رجّعتله الفون وقالت بهدوء
"تمام."
ابتسم وقال وهو بيقف
"فرصة سعيدة يا فريدة."
قالت بابتسامه
"أنا الأسعد"
ومشي من قدامها، وهيا مش فاهمه في ايه ولا ليه جه، وهل فعلا زي ما قال ولا بيحور، بس مفكرتش كتير وخرجت من الاوضه تكمل باقي شغلها 

عند تيم 
بعد ما رجع البيت من شغله، قعد في الجنينة، كان قاعد على الكرسي باصص للزرع قدامه، وسرحان، ملامحه كانت هادية بس باين عليها التعب، إيده كانت بتلعب في ساعته من غير ما ياخد باله.
مامته خرجت وهي ماسكة كوباية شاي بالنعناع، وقفت قدامه وقالت بصوت هادي
"مالك يا تيم؟"
رفع عينه ليها بسرعة وقال
"أنا كويس... مفيش حاجة."
هزت راسها وقالت وهي بتقعد على الكرسي اللي جنبه 
"أنت عمرك ما خبيت حاجة عني."
قال وهو بيبص بعيد
"بس أنا مش مخبي حاجة."
قالت وهي بتبصله بتركيز
"وإيه اللي واكل عقلك للدرجة دي؟"
سكت لحظة وقال بنبرة مبحوحه
"بفكر شوية في الشغل... عادي يعني."
سابت الشاي على الترابيزة الصغيرة اللي قدامها وقالت بهدوء 
"بقالك فترة مش على بعضك... أنت مش تيم اللي أنا أعرفه... مبقتش تهتم بنفسك زي الأول حتي"
كان بيلعب في الساعة وهو ساكت، وبعدين قال 
"مش عارف... من ساعة ما تعبت وحياتي باظت شوية... بس هظبطها إن شاء الله."
سكتت شويه تدرس مدى صدق كلامه وبعدين قالت
 "أنا هسيبك براحتك، متتكلمش لو مش عايز... بس أنت عارف لما تحب تتكلم، تتكلم مع مين."
بصلها بسرعة، عينه فيها لمعة امتنان 
قالت وهي بتبتسم بحنان
"أنا موجودة، وطول ما أنا عايشة، متتكلمش مع غيري."
سكت، بصلها وحرك راسه بهدوء، وهي قامت بهدوء وسابته، وهو رجع يبص للزرع تاني وسرح تاني

عند ايناس 
كانت قاعدة في أوضتها، القعدة بقت طويلة، من ساعة ما عرفت إن هاني لسه موجود تحت وهي مش قادرة تفتح الباب وتخرج، كانت قاعدة على طرف السرير، حاسه بملل وكبت بس عامله زي المحبوسه، مش قادره تعمل حاجه، وهيا قاعده فونها رن، بصّت للشاشة، كان رقم غريب، قلبها دق بسرعة، اترددت ترد ولا لاء، بس في الآخر ردت
حطت الفون على ودنها وقالت بصوت واطي
 "ألو؟"
جالها صوته، صوته اللي بيدخل لقلبها من غير ما تستأذن
"إيناس..."
غمضت عينيها بقوة، وحست بكهربا بتعدي في جسمها، مردتش، بس هو كمل، صوته كان فيه عتاب واشتياق
"ليه بتبعدي؟ ليه مش عايزة تديني فرصة أكون معاكي...؟ إيناس، أنا بجد بحبك، وعايز أتجوزك، وعايزك في حياتي... أنا صادق ومش هسيبك."
دمعة نزلت من عينيها غصب عنها، مسحتها بسرعة، وحاولت ترد، بس الكلام طلع بصعوبة
 "علي... بلاش... لو سمحت..."
قال بصوت مكسور لكنه مصمم
"لو سمحت إيه؟ إيناس أنا مش عيل، وأنا واخد قراري، أنا مش قادر أنساكي، ومش قادر أتجاهل اللي بينا، انتي ليكي مكان جوة قلبي مش هيتشال، حتى لو حاولتي تبعدي، هفضل وراكي، انا شاري"
غيرت مكانها وإيديها بترتعش وهي ماسكة الفون، قالت بصوت مبحوح
"علي... الموضوع مش سهل... مش بالبساطة دي..."
رد بسرعه
"أنا عارف إنه مش سهل... بس ده مش معناه إنه مستحيل، أنا مش هسيبك، ومش هبطل أحبك، حتى لو هتفضلي تقفلي كل حاجه في وشي، كل حاجه وليها حل"
حست إن قلبها بينقبض، والدنيا بتلف حواليها، حاولت تاخد نفس، وقالت بصوت شبه هامس
 "كفاية يا علي... بلاش الكلام ده دلوقتي... أنا... مش قادرة."
سكت لحظة وقال 
"هستناكي، مهما طال الوقت، هستناكي، هفضل مستني لحد ما أموت"
مردتش، قفلت المكالمة بسرعة، ورمت التليفون بعيد عنها على السرير، وحطت وشها في إيديها، والدموع نزلت من غير ما تقدر توقفها، قلبها كان بينادي عليه، بس عقلها بيرفض، قلبها رايد بس كل حاجه متقفله في وشها

عند فريده
خرجت هيا ويسر من المستشفى، وقفوا تاكسي 
فريدة بصّت ليسر وقالت
"يلا يا قلبي روحي، ابقي كلميني لما تروحي."
يسر سألتها
"طب وانتي؟"
ردت فريدة
"إسلام جاي ياخدني، هستناه هنا."
حضنتها يسر بسرعة وقالت
"خلي بالك من نفسك يا فريدة."
ردت فريدة
"وانتي كمان، يلا باي"
" باي"
ركبت ومشيت وفريدة وقفت مكانها تستنى، وهيا واقفه فونها رن، بصّت عليه ولما شافت الاسم ابتسامة خفيفة ظهرت على وشها، ردت بسرعة
 "والله؟ لسه جاي تفتكر يعني يا زفت؟! أنا مش رانه عليك من بدري."
ضحك يونس على الطرف التاني وقال
"غصب عني يا مزه، آسف، كنت على الريس مش سامع، ودوشة موت، أول ما فتحت فوني رنيت."
فريدة ضحكت وقالت
"يا ابني مبتحرمش، ارحم شوية، مش ناقصين."
قال يونس وهو بيضحك
 "لاء بالله ما تدخليش على شغل سالي بقى، كفاية عليا واحدة!"
ضحكت وقالت
"بنخاف عليك يبني، انت متهور ومش فارق معاك نفسك، معرفش بتعمل في نفسك كده ليه؟!"
رد يونس بسرعة
 " بس مغامرة تستاهل، ادمااان"
قبل ما ترد عليه، لمحت عربية إسلام وقفت قدامها، وزمر لها كلاكس خفيف، فابتسمت وقالت بسرعة 
"ربنا يهديك، سلام دلوقتي، انا في الشارع وكده، هبقي اكلمك ورد عليا."
رد بسرعة
"عنينا للمزه، عندنا كام ديدا يعني"
ضحكت وقالت
"يلا باي"
قفلت المكالمة، وخدت نفس عميق قبل ما تروح ناحية العربية، وركبت جنب إسلام، اتحرك بالعربية وهو باين عليه متضايق، سايق بسرعة هادية بس إيده مش ثابتة على الدريكسيون.
بصّتله وقالت بهدوء 
"مالك؟ في إيه؟"
رد عليها بسخرية وهو باصص قدامه
"منا زي الفل اهو."
سكتت لحظة وقالت وهي بتبص من الشباك
"هو بابا لسه في البيت؟!"
رد وهو بيزفر بضيق
"ياريت يكون مشي... بس بعد ما يطلق."
بصّت له بسرعة وقالت
"وانت عايزها تتطلق ليه؟ علشان تتجوز علي؟!"
قال وهو لسه سايق وعينيه في الطريق
"حتى لو متجوزتش، مينفعش تبقى على ذمته أصلًا... بس بجد بتمنى تتجوز علي، راجل محترم وشاريها، وكلمني كذا مرة إنه هيفضل معاها للآخر وعمره ما هيسيبها، أنا عن نفسي بحترمه"
اتضايقت فريدة، لهجتها بقت هادية بس فيها عتاب
"وليه تتجوز أصلًا؟ ما احنا كنا حلوين وهي معانا من غير حد، طول عمرنا كده... فيها إيه لو كملنا كده كمان؟"
إسلام شد نفسه، وقال بانفعال وهو بيبص قدامه
"كفاية أنانية بقا! لقت حد يحبها ويحترمها ويقدرها... يبقى ليه لاء؟! إنتي بتفكري في نفسك وبس يا فريدة، فكري فيها زي ما هي بتفكر فينا!"
سكتت فريدة، وبصّت قدامها، عينيها لمعت بدموع وهيا بتفكر في كلامه بس مردتش 

وصلوا قدام البيت، إسلام ركن العربية بعصبية، وفضل ساكت لحظة قبل ما يفتح الباب وينزل بسرعة.
فريدة نزلت وراه، كان ماشي بسرعه وفريده وراه 
فتح الباب ودخل بسرعة، لقا هاني قاعد في الصالون.
هاني أول ما شاف إسلام داخل كده، قال بحدة
"مالك داخل زي العاصفة كده؟!"
إسلام بصله، وقال بصوت عالي
"إنت لسه هنا؟! مش كنت ماشي؟!"
هاني وقف، وملامحه بقت قاسيه
"إسلام، خلي بالك من أسلوبك معايا."
إسلام ضحك بسخرية
"أسلوبي؟! من إمتى بتهتم بأسلوب حد فينا أصلا؟!"
هاني زعق
"إسلام!"
إسلام قرب منه خطوة، صوته علي
"إنت جيت هنا ليه؟! عايز إيه تاني؟! مش كفاية اللي عملته؟!"
هاني قال بعصبيه
"احترم نفسك، انا ابوك"
إسلام قال بحدة
"أبوك؟! أبويا اللي سبنا ومشي وساب أمي تشيل لوحدها؟! أبويا اللي فكر في نفسه بس؟! انت عبيط ولا بتستعبط؟!"
هاني صرخ
 "كفاية! انت مش متربي"
إسلام رد بسرعة
"لاء، مش كفاية! إنت عايز إيه دلوقتي؟! عايز ترجعلنا أب مثالي فجأة بعد العمر ده؟! إحنا مش محتاجينك!"
فريدة حاولت تدخل بينهم
"إسلام، خلاص! كفاية بقى!"
بس إسلام كان منفعل جدًا، كمل
"إنت لو عندك دم، كنت طلّقتها من زمان وسبتها تعيش حياتها، لكن حتى ده مش قادر تعمله!"
هاني قرب منه، وصوته بقا واطي بس مليان غضب
"لو مكنتش ابني، كان زماني..."
إسلام قطع كلامه وهو بيبصله بحدة
"كان زمانك عملت إيه؟! انا متشرفش اكون ابنك اصلا، فاللي عايز تعمله اعمله، يلا؟! اتفضل! وريني "
سادت لحظة صمت تقيله جدًا، فريدة كانت واقفة، عينيها مليانة دموع وهي بتبص بين أبوها وأخوها، هاني كان بيحاول يسيطر على نفسه، بس وشه احمر من الغضب، وقال بصوت عالي
 "أنا هفضل أبوكوا غصب عن أي حد، وأنا اللي بصرف عليكم!"
إسلام ضحك بسخرية، ضحكة قصيرة تقيلة، وقال وهو باصصله باستهزاء
"ومين ضحك عليك وقالك كده؟"
هاني بصله بحدة، لكن إسلام كمل
"أي حاجة بتبعتها محدش بيمد إيده عليها أصلاً ولا كأنها جت، فريده معتمدة على نفسها وبتصرف على نفسها من شغلها، وأنا عندي شغل كويس جدًا يخليني افتح ١٠٠ بيت، بس انا احتراما لمراتي اللي هتجوزها هفتح بيت واحد بس، لأنها متستاهلش اني اعمل فيها كده واحسسها انها ملهاش لازمه لما ابص لغيرها، ومش محتاجين منك حاجة، وماما شغالة وبتصرف على نفسها، وكانت من كام سنه بتصرف علينا ولوحدها"
هاني حاول يتكلم بس إسلام رفع إيده وقال
"لو فاكر إن ليك لازمة في حياتنا، تبقى غلطان، إنت ملكش أي لازمة، ولا بتأثر على حياتنا أصلاً."
هاني صرخ
"إسلام!"
إسلام بصله بنظرة كلها وجع وغضب وقال
"إنت كأنك ميت بالظبط... إحنا عايشين من غيرك من زمان."
هاني مكنش مصدق الكلام ولا متوقع أنه ممكن يسمعه فيوم، عياله اللي كانوا صغيرين كبروا، كبروا وبقوا فاهمين كل حاجه، كان واقف مصدوم، وإسلام كمل بصوت عالي
"أنا لما كلمتك كلمتك علشان تيجي تطلق ماما وتمشي، لكن بلاش دور المصلح والضحية ده علشان خلاص، إحنا زهقنا!"
إسلام اخد نَفَسه وقال بحدة وهو بيشاور بأيده
"وكلنا هنا... بنكرهك!"

ايناس كانت واقفة على السلم، سامعة كل كلمة إسلام بيقولها، قلبها كان بيدق، نفسها تتكلم وتصرخ، بس نزلت بخطوات بطيئة، لحد ما وقفت قدام هاني، عينيها كانت مليانة دموع، بس ملامحها ثابتة، وكل اللي قالته بصوت واطي لكنه واضح
"طلّقني."
هاني بصّلها، وشه كان متشدّد، سكت لحظة وعينيه بتتحرك بين وش ايناس ووش إسلام، وبعدين قال بصوت مليان غضب
"مش هطلّق يا ايناس... طلاق؟ مش هطلّق، وهسيبك كده زي البيت الواقف... وفعلاً كنت غلطان إني مشيت من الأول."
بصّ على إسلام بنظرة كلها غضب وقال
"كان لازم أربيك."
إسلام ضحك بسخرية، ضحكة قصيرة تقيلة، وقال بثبات وهو باصص في عينه
"أنا متربي من ست بميت راجل، تربيتها أحسن من تربية عشرة زيك."
هاني عضّ على شفايفه بغضب، قرب منه ومسكه من قميصه بغيظ وقال وهو بيرفع صوته
"إنت فاكر نفسك مين عشان تكلمني كده؟! مين اداك الحق انك تتكلم كده اصلا؟!"
إسلام زقه بإيده بعيد وهو بيقول بحدة
" بلاش نجيب سيرة الحق، علشان لو كملت هتستحقر نفسك اكتر من كده، ولو مش هتطلقها قبل ما تمشي، أنا اللي هقف في وشك، وهرفع عليك قضية، وهنشوف هتعمل إيه في الآخر."
هاني ضحك ضحكة كلها سخرية وقال
"أعلى ما في خيلك اركبه، فاكرني هخاف منك يعني؟!"
إسلام زعق فيه، صوته عالي 
"أنا بس بفهمك وبعرفك... أن اللي ما قدرتش تعمله طول عمرك، أنا هعمله!"
فريده كانت واقفة بعيد، عينيها بتدمع وهي شايفة الدنيا بتولع قدامها، إيديها كانت بتترعش، قلبها كان بيدق بسرعة، مش قادرة تتحمل الكلام اللي بيتقال، بصّالهم بصدمة، دموعها نزلت من غير ما تاخد بالها، خرجت بسرعة من البيت، دموعها بتنزل غصب عنها، إيدها بتترعش وهي بتحاول تمسح دموعها بسرعة.
ايناس ندهت عليها بصوت مهزوز
"فريدة! استني...!"
لكن فريدة كملت، كأنها مش سامعة، إسلام بص لمامته بسرعة، شاف ملامحها اللي مكسورة وندمانة، وبعدين جري ورا فريده، خرج بسرعة من البيت وهو بينادي
"فريدة! استني! فريدة!"
فريدة كانت ماشية بسرعة، خرجت للشارع بسرعه وهيا بتجري، نفسها بيتقطع، الدموع مغرقاها ومش قادرة تشوف قدامها كويس، كانت بتحاول تلم نفسها لكنها فشلت، فضلت بتجري واسلام بيجري وراها، صوته وراها كان بيتكرر
"فريدة! استني! بالله عليكي استني!"
لكن هي مش سامعة، أو يمكن مش عايزة تسمع، كل اللي كانت حاسة بيه إنها عايزة تهرب... تهرب من البيت، من الذكريات، من وجع مامتها، من انهيارها، من كلام أبوها... من كل حاجة.
وهي بتجري، كانت بتعدي الشارع بسرعة، دموعها مغيمة عنيها، سمعت صوت فرامل شديد... وصوت كلاكس بيعلى...
لفت بسرعة، عينيها قفلت وهي شايفه نور العربية جاي عليها، وقفت مكانها، رجليها تقيلة، معرفتش تتحرك...
اللحظة دي كانت بطيئة جدًا... صوت الفرامل... صوت قلبها وهو بيصرخ جواها... عينيها الواسعة اللي دموعها نازلة منها... وإيديها اللي اترفعت قدامها لا إرادي.
وفي ثانية، سمعت صوت خبطة عنيف، جسمها اتحدف لقدام، مكانتش حاسه بأي حاجه وكأن جسمها نمِّل...
إسلام شافها بتتخبط... قدامه.
صوت الخبطة دوّى في ودانه، وكأن الدنيا وقفت، وقف فجأة، رجليه اتجمّدت، قلبه وقع مكانه.
فريده قدّامه...مرمية على الأرض.
صرخ بصوت عالي وهو مش مستوعب
"فريدة!!!"
جري ناحيتها، قلبه بينهار وهو شايفها مرمية، الناس حواليها دم كتير... جسمها مبيتحركش... إيدها مفكوكه ومرخيه، وقع على الأرض جنبها، صوته بيترعش وهو بينادي
"فريدة... فريدة لا... بالله عليكي لا..."
إيده كانت بتتهز وهو بيشيل راسها بإيده، بس الدم كان ملى إيده وهدومه، بص حواليه، الناس واقفين، حد بيكلم الإسعاف، الراجل اللي خبطها قرب وهو مرتبك، وقال بصوت متوتر
"أنا كلمت الإسعاف... في الطريق!"
إسلام بصله بعيون مولعة
"مش هستنى الإسعاف أنا!! أختي بتموت!!"
الراجل قرب وقال
"خلاص، تعال نشيلها بسرعة على عربيتي، نوصلها أقرب مستشفى."
إسلام حاول يشيلها، بس إيده كانت بتتهز، وحس إنه مش قادر يشيلها، كان خايف.
الناس حواليهم قالوا
"إحنا هنشيلها احنا" 
شالوها بالراحه وإسلام كان صوته بيترعش، ودموعه نازلة وهو بيقول 
"بالراحة... بالله عليكم، متوجعوهاش اكتر... بالله عليكم..."
شالوها بالراحه حطوها في العربيه وبسرعه وصلوا لأقرب مستشفى
نزل المسعفين بسرعة،إسلام رفع عينه فيهم وبيصرخ
"الحقوها! بتنزف كتير، بسرعه"
حطوها على الترولي، والدم بينزل من دراعها وراسها،
وهو بيجري جنبهم، إيده ماسكة إيدها رغم محاولاتهم يبعدوه
قال بقهر
"أنا معاها! مش هسيبها! افتحي عينيكي يا فريدة... افتحي عينيكي بس!!"
وصلوا لغرفة العمليات ودخلوها وهما بيمنعوا اسلام بالعافيه، لقا الممرض بيقفل الباب في وشه، مد إيده بسرعة قبل ما الباب يتقفل
"لو سمحت... بالله عليك... طمني... بالله عليك!"
الممرض بصله 
" الحاله حرجه، ادعيلها"
الباب اتقفل وهو رجع خطوتين، حاسس أنه هيتجنن، كان واقف قدام الباب بيتنفس بسرعة، قرب منه راجل كبير في السن وست باين عليهم الخضة ومتوترين، والست ماسكة إيد الراجل بقوة وعينيها باين فيها الندم والخوف.
الراجل قال 
" يبني، انا مكنتش قاصد... انا لقيتها في وشي مره واحده وحاولت اوقف بس العربية فلتت مني... احنا مستعدين نتحمل أي حاجه "
إسلام رفع عينه للراجل، نظرته كلها وجع وانكسار، ملامحه مكسوره، نفسه سريع وعينيه حمره
بصله بنظرة مطفية وقال
"أنا... أنا مش عايز منك حاجة... لو حصلها حاجة... لو حصلها حاجة أنا... أنا..."
صوته اختفى، الدموع غرقت وشه، إيده كانت بتترعش، مش عارف يعمل إيه، حاسس بالعجز
الست قربت خطوة، صوتها كان بيترعش
"والله ما كنا قاصدين... والله ما كنا قاصدين..."
لف حواليه زي التايه، عنيه بتدور على أي حد، عايز يتطمن، نفسه مش قادر ياخده، صدره بيتحشرج، كأنه بيتخانق مع الهوا علشان يتنفسه
الراجل قال بصوت مكسور
"احنا هنا... مش هنمشي... هنفضل هنا لحد ما نطمن عليها، ومستعدين نتحمل أي حاجة."
الست قربت خطوة تانية، مدّت إيدها تلمس دراع إسلام وبتقول
"حقك عليا يا ابني... ان شاء الله هتكون بخير "
رجع يبص للباب تاني، وبيتحرك لقدام ولورا، زي اللي مش عارف يقعد ولا يقف، صوت الصفارات جوة بيكسر قلبه أكتر،
الراجل والست قعدوا على كرسي بعيد، الست بتستغفر، والراجل حاطط وشه في إيده وبيدعي تكون بخير 

عند ايناس
كانت قاعدة على الكنبة في حالة هدوء غريب، عينيها ثابتة على الباب اللي اتقفل بعد ما هاني خرج اخيرا وقرر يمشي بدون رجعه، قلبها كان مقبوض، فريده خرجت وبعدها اسلام ولسه مرجهوش، كانت بتسأل نفسها هما فين، اخدت فونها ورنت على اسلام، رن كتير، وإسلام رد أخيرًا، صوته كان مبحوح ومخنوق
"أيوه يا ماما..."
قالها بهدوء وهو بيحاول يبان طبيعي
"إسلام... إنتو فين؟ فريدة راحت فين؟ إنتو مجيتوش ليه لدلوقتي؟"
سكت، نفسه بس اللي مسموع في السماعة، مش عارف يبدأ منين، مش عايز يقولها، بس مش هينفع يخبي عنها
قال بصوت هادي على قد ما يقدر
"ماما... اسمعيني... مش عايزك تقلقي"
صوته خلاها تقف من مكانها فجأة وهيا بتقول بقلق 
"في إيه يا إسلام؟ في إيه؟!!"
قال بسرعة
"ماما بالله عليكي... اهدى... فريدة... فريدة ، عملت حادثه بس هتكون كويسه"
ايناس حست الأرض بتتهز تحت رجليها، قالت بصدمه
"حادثه؟! يعني إيه حادثه؟! فريدة فين يا إسلام؟!! فريدة فين؟!! بنتي حصلها ايه رد عليا؟!!"
صوته كان بيرتعش وهو بيتكلم
"انا مستني حد يطلع يطمني عليها، إحنا في المستشفى اللي قريبه من البيت، انتي بالله عليكي اهدي... فريدة هتكون بخير إن شاء الله..."
قفلت مع إسلام بسرعه، وخرجت بسرعه من البيت وهي بتدعي أن فريده تكون بخير
وقفت اول تاكسي قابلها بسرعه وركبت وهيا حاسه ان قلبها هيطلع من مكانه، قربت توصل، الموبايل في إيديها، اتصلت بإسلام وهي في التاكسي، صوتها كان مبحوح
"إسلام... فين بالظبط يا إسلام؟!"
رد عليها بسرعة 
"عند باب الطوارئ يا ماما..."
قالت 
" انا خلاص وصلت، خليك عندك"
قفلت بسرعة وهي بتحاول تاخد نفسها، التاكسي وقف قدام المستشفى، نزلت بسرعة وهي مش شايفة قدامها من الدموع، جريت ناحية باب الطوارئ، شافت إسلام واقف قدام الباب، هدومه كلها دم...
وقفت مكانها ثانية، شهقة خرجت منها غصب عنها، وبعدين جريت عليه وهي بتقول بصوت عالي
"إسلام!!!"
بص لها إسلام بعينين حمرا من كتر الدموع، مش قادر يتكلم، شفايفه بتتهز.
مسكته من دراعه
"فين فريدة يا إسلام؟!! ده دمها... دمها ده؟!! رد عليا يا إسلام!!!"
إسلام حاول يهديها وهو بيترعش
"ماما... بالله عليكي... اهدى... فريدة جوة في العمليات... بيحاولوا... بس... بس هتكون بخير إن شاء الله... هتكون بخير يا ماما..."
صرخت بصوت عالي
"عايزة أشوفها... عايزة أشوفها دلوقتي!!!"
قال وهو بيحاول يمسك إيديها اللي بتترعش
"مش هينفع دلوقتي... الدكتور قال الحالة حرجة... ادعيلها بس يا ماما... بالله عليكي... ادعيلها..."
إيناس انهارت، دموعها نازلة، مسكت وشها بإيديها وهي بتدعي ربنا بقهر
قعدت على الكرسي اللي جنب الباب، باصه للباب، كل ثانية بتمر كانت نار، وكل اللي في قلبها دعاء

الدقايق كانت بتمر ببطء، كل شوية عينهم تتحرك للباب، وكل ما الباب يفتح يقفوا بسرعة وبعدين يكتشفوا انها ممرضه او ممرض خارجين عادي
إيناس كانت قاعدة على الكرسي، ماسكة إيد إسلام وهيا بتدعي، وبعد شويه الباب اتفتح وخرج الدكتور، وشه باين عليه الإرهاق والجدية.
إيناس وقفت بسرعة، عينيها مليانة دموع، قالت بسرعه
"بنتي عاملة إيه؟! طمني بالله عليك!!"
إسلام كان واقف جمبها، عينيه مركزة في الدكتور مستنيه يتكلم وقلبه بيدق جامد
الراجل والست اللي خبطوا فريدة قربوا يسمعوا الدكتور، كانوا واقفين بحرج، باين عليهم التوتر
الدكتور بصلهم بهدوء وقال
"الحالة حرجة جدًا... النزيف كان شديد جدًا... حاولنا نوقف النزيف وفعلاً وقفناه، بس..."
إيناس قالت برعب
"بس إيه؟!!!"
الدكتور أخد نفس وقال
"فقدت كمية دم كبيرة جدًا... محتاجين دم بشكل عاجل، ودمنا هنا مش كافي، عندنا كيس واحد بس، ومش هيكفي."
إسلام مسك شعره بعصبية
"طيب نجيب دم منين؟!! قول نعمل إيه؟!! اروح اجيب منين طيب"
الدكتور قال
"لو في حد من العيلة نفس الفصيلة، محتاجينه يتبرع فورًا... ضروري جدًا وبسرعه"
إيناس قالت بسرعه
"أنا... أنا نفس فصيلتها... خدوا مني... خدوا مني الدم كله لو عايزين... المهم بنتي تعيش... خدوا مني بالله عليكم!!"
الست قربت وقالت
"إحنا ممكن نساعد بأي حاجة... هنتبرع"
الدكتور رفع عينه وقال
"جزاكم الله خير، بس لازم نعرف فصيلة دمكم علشان لو مطابقة نسحب"
الراجل قال بسرعة
"فصيلتي O+، وهيا كمان O+."
الدكتور هز راسه وقال بأسف 
"للأسف مش متطابقة "
ايناس قالت بلهفه
" انا متطابقة يا دكتور"
الدكتور حاول يهدّيها
"هنسحب منك يا مدام، بس مش هنقدر نسحب كميات كبيرة."
إيناس بصت له بترجّي
"مفيش حاجة أهم من فريدة... خد مني اللي تقدر عليه"
الممرضة جت بسرعة، خدت إيناس علشان تدخل غرفة التبرع.
إيناس كانت قاعدة على الكرسي، إيديها بتترعش، والممرضة بتحاول تهديها وهي بتربط الدراع علشان تسحب الدم.
الممرضة قالت بهدوء
"مدام حاولى تهدي، ان شاء الله هتكون كويسه"
الممرضة بدأت تسحب، ولما خلصت، الممرضة ساعدتها تقف، أدّتلها عصير وقالتلها
"اتفضلي اشربي، محتاجه تعوضي دم"
خرجت إيناس من غرفة التبرع، راحت ناحية غرفة العمليات، اسلام راحلها وقال بصوت متوتر 
"انتي كويسة يا ماما؟!"
إيناس هزت راسها 
"أنا كويسة... كويسه المهم فريده"
خرج الدكتور من باب العمليات، رفع نظره ناحية إيناس وإسلام وقال بصوت جدي
"إحنا محتاجين ٦ أكياس دم ومفيش دلوقتي غير ٢، لازم نجيب ٤ كمان ضروري"
إيناس قربت بسرعة وقالت 
"طب ما أنا اتبرعت، خدوا مني تاني، خدوا مني لحد ما تبقى كويسة."
الدكتور هز راسه وقال بصوت هادي
"مينفعش يا مدام، إحنا أخدنا منك كيس، مينفعش ناخد أكتر، ده خطر على صحتك."
سكت لحظة وقال
"لازم تجيبوا ٤ أشخاص بنفس فصيلتها بسرعة علشان نتدارك الوضع، قدامكم ساعة بالكتير، لازم نلحقها."
مشي الدكتور وسابهم واقفين، ايناس قلبها وقع في رجلها، هل ممكن بنتها تروح منها علشان شوية دم؟!
إسلام قرب منها بسرعة، كان صوته متوتر لكنه حاول يثبت نفسه 
"ماما، أنا هكلم كل صحابي، اكيد هلاقي حد نفس الفصيلة، بالله عليكي اهدي."
إيناس مسحت دموعها بسرعة وقالت وهي بتحاول تلم نفسها
"وأنا هكلم صابرين... أكيد حد من ولادها نفس الفصيلة..."
اخدت نفس طويل ورفعت الموبايل، دورت على رقم صابرين بسرعة ورنت 
لحظات وصابرين ردت
"ألو... إيناس؟"
إيناس صوتها كان بيترعش
"صابرين... فريدة... فريدة عملت حادثة... حالتها حرجة... في العمليات دلوقتي... محتاجه دم بسرعه، اكيد حد عندك نفس الفصيله بتاعتها اكيد"
صابرين اتصدمت وقامت وقفت وقالت
"إيه؟! إنتوا فين دلوقتي يا إيناس؟!"
إيناس خدت نفس وقالت بسرعة
"إحنا في المستشفى اللي جنب البيت عندنا... بس... بس يا صابرين، فريدة محتاجة نقل دم ضروري... بسرعة..."
صابرين قالت بسرعة
"طب فصيلة دمها إيه يا إيناس؟!"
إيناس بلعت ريقها وقالتلها فصيلتها
صابرين ردت بسرعة
"تيم ويونس نفس الفصيلة!"
إيناس قالت براحه "الحمد لله... الحمد لله..."
صابرين قالت بحسم
"هجيب تيم وهكلم يونس، وهنيجي حالًا، مسافة الطريق يا إيناس... اثبتي... اثبتي فريدة هتعدي منها بإذن الله."
إيناس قالت
"مستنياكي يا صابرين... بالله عليكي بسرعة..."

صابرين بسرعه رنت على يونس وهي بتاخد نفس عميق كل شوية علشان تقدر تتكلم.
يونس رد في الآخر 
"ألو... أيوة يا ماما؟"
صابرين صوتها خرج متلغبط وهي بتحاول تسيطر على نفسها
"يونس... يونس يا حبيبي... فريدة... فريدة عملت حادثة..."
يونس قال بسرعه
 "إيه؟! حادثة إيه يا ماما؟! إنتي بتقولي إيه؟! انا لسه مكلمها من شويه "
صابرين قالت بسرعة
"عملت حادثة وحالتها حرجة... هيا في المستشفى دلوقتي..."
يونس قال بصوت متوتر
"فين؟! فين يا ماما؟! إنتي معاهم؟!"
صابرين قالت 
"لا... لسه، إيناس مكلماني، في المستشفى اللي جنب بيتهم... والدكتور بيقول محتاجة دم ضروري."
يونس قال بسرعة
"طب فصيلتها إيه؟! محتاجة دم قد إيه؟!"
صابرين قالت
" زيك انت وتيم، نفس الفصيله "
يونس أخد نفس وقال
"طب خلاص، أنا هروح المستشفى على طول... وإنتي قولي لتيم وخلّيه يروح، إحنا هنلحقها بإذن الله."
صابرين قالت بسرعة
"أنا هقوله حالًا... متتأخرش يا يونس بالله عليك."
يونس قال
 "خلاص يا ماما، مسافة الطريق."

صابرين خرجت بسرعة من أوضتها بعد ما قفلت مع يونس، قلبها كان بيدق بعنف، خطواتها كانت سريعه وهي رايحه ناحية أوضة مكتب تيم اللي كان قاعد على مكتبه، عينيه مجهدة، بيحاول يركز على قد ما يقدر.
فتحت الباب بسرعة، وهو رفع عينه ليها باستغراب، قال ببرود 
"خير؟ في إيه يا ماما؟"
قالت بسرعه
"تيم... فريدة... فريدة عملت حادثة يا تيم..."
سكت، كأنه مسمعهاش، الورقة اللي في إيده وقعت، ايده بقت بتترعش وهو مش مستوعب، رفع وشه، نفسُه اتسحب بقوة، صوت قلبه بقى مسموع جوا ودانه، وقف بسرعة، الكرسي وقع وراه وهو بيقول بصدمه
"إيه... إيه اللي بتقوليه ده؟ حادثة إيه؟! ازاي؟!"
صابرين قربت منه وقالت 
" فريدة في المستشفى، حالتها حرجة... محتاجة دم... والدكتور قال لازم حد يتبرع بسرعة... إنت ويونس نفس فصيلتها يا تيم..."
تيم اتجمد مكانه لحظة، وكان حاسس بإحساس عمره ما حسه قبل كده، اتحرك بسرعة رهيبة، فتح درج مكتبه بسرعة وطلع مفاتيح عربيته، وقع المفتاح من إيده، أخده تاني بسرعه وخرج بسرعة بدون ما يغير هدومه حتى، صابرين خرجت وراه بسرعه تحاول تلحقه، ركبت جنبه بسرعة قبل ما يتحرك
داس بنزين بأقصى سرعة، صابرين مسكت طرف الكرسي بخوف وهي بتقول
"تيم، في ايه للسرعه دي اهدى شويه "
تيم كان سايق بأقصى سرعة فعلا، العربية بتطير على الطريق، صوت الموتور عالي، وصابرين ماسكه طرف الكرسي بقوة، بتحاول تمسك أعصابها، كل شوية تبصله، بس هو باصص قدامه، نفسه بيطلع وينزل بسرعة، إيده ماسكة الدريكسيون بقوة لدرجة أن عروقه كانت بارزه.
وصلوا قدام المستشفى، لسه العربية موقفتش كويس، تيم نزل منها بسرعة رهيبة، الباب خبط في الرصيف وهو بيفتحه بعنف، وصابرين نزلت وراه وهي بتناديله، دخل المستشفى بسرعه، عينيه بتدور في المكان لحد ما شاف إسلام واقف بعيد، قرب بسرعة وهو بيقول بصوت عالي، صوته فيه حدة ولهفة
"فريدة فين؟! هي فين؟! هيا كويسه"
إسلام رفع عينه حاول يرد
"لسه... لسه في العمليات... الدكتور قال محتاجين دم... المفروض ناقص ٤ أكياس، انت كيس ويونس كيس واتنين من صحابي جايين بعد شويه"
تيم بص حواليه، وقال بصوت خشن
"فين... فين المكان اللي هتبرع فيه؟!"
إسلام نده للممرضة، تيم راح وراها بخطوات سريعة، شمر دراعه وهو بيبص للأرض، مفيش ذرة تردد. 
الممرضة جهزت الإبرة، وهو شمر دراعه ومده ليها بعنف
"يلا... بسرعة."
بدأت تسحب، بصت للعداد وقالت
"مش هنقدر نسحب أكتر من كده."
تيم رفع عينه بسرعة، صوته عالي ووشه متعصب
" مفيش حاجه اسمها مش هتقدري، اسحبي لحد ما تكفي الدم اللي هيا محتاجاه"
الممرضة قالت بصوت حازم
"كده غلط عليك! مش علشان ننقذ حد نخسر حد تاني!"
اتشنج، نفسه بقى عالي، وقال بغضب
"ملكيش دعوة... اسحبي وخلاص!"
باب الاوضه اتفتح بسرعة، يونس دخل وهو بينهج، عيونه مليانة خوف ووشه متوتر، قال بصوت عالي
"أنا هنا! أنا هتبرع..."
الممرضة بصتله بسرعة وقالت
"اسمك إيه وفصيلتك؟"
يونس قال وهو بيحاول يلم نفسه
"يونس... فصيلتي نفس فصيلتها..."
الممرضة قالت
"لازم تحليل سريع قبل السحب."
يونس مد دراعه بسرعة وقال
"يلا... بس بسرعة بالله عليكي..."
جهزت الإبرة وخدت منه العينة بسرعة، واتحركت بسرعة ناحية الجهاز، وقفت لحظات، صوت الجهاز بيطلع وهي بتبص للنتيجة، وشها اتغير، بصت ليونس وقالت بصوت واطي بس حازم
"مينفعش نسحب منك دلوقتي."
يونس اتجمد وقال بصوت متقطع
"إيه؟! ليه؟!"
الممرضة قالت وهي بتتنهد
"في نسبة كحول عالية في جسمك، مينفعش نسحب منك دم، هيكون خطر عليها"
يونس فتح عينه بذهول، رجع خطوة لورا
قال بصوت مبحوح
" طب اتصرفي، لو هينفع اي حاجه حتى"
الممرضة هزت راسها وقالت
"مش بإيدي، مينفعش، دي حياة بني آدم."
يونس بص لتيم، لقا تيم بيبصله بنظرة كلها لوم، قال بصوت واطي، صوته جامد بس مهزوز
"جدع... جدع اوي..."
تيم رجع راسه لورا وهو قاعد على الكرسي، يونس خرج من الاوضه وهو حاسس بندم
تيم بص للممرضه وقال 
" اسحبي مني، انا هكمل الباقي"
رفضت وقالت
"مقدرش! سحبنا كفايه، أكتر من كده خطر عليك."
تيم بصلها بنظرة كلها تهديد، صوته كان جامد وهو بيقول ببطء
"قولتلك... اسحبي... انا مش فارق معايا."
الممرضة اتوترت وقالت
"مش هقدر، والله مش بإيدي..."
تيم قام من على الكرسي، ضرب الكرسي برجله بعيد وقال بصوت عالي
" وانا بقولك اسحبي، انتي مالك انتي "
الممرضة اتوترت، خرجت بسرعه ندهت بصوت عالي 
"دكتور! دكتور لو سمحت!"
الدكتور دخل بسرعة، قال بصوت هادي
" في ايه؟!"
الممرضة قالت بسرعة
"هو مصمم نسحب منه تاني... ومش راضي يفهم أن ده خطر!"
تيم بص للدكتور، عينيه كلها إصرار وقال بصوت خشن
" انا حر، محدش ليه دعوه"
الدكتور قرب خطوه، قال بهدوء
"لو ده قرارك، لازم تمضي إقرار إنك المسؤول لو حصل أي حاجة... المستشفى مش مسؤولة."
تيم قال بسرعه 
" موافق، همضي"
الدكتور بص للممرضة، وهي جابت ورقة بسرعة، إيد تيم كانت بتترعش وهو بيمضي اسمه بخط مهزوز
الدكتور أخد الورقة وقال للممرضة
" تمام"
تيم رجع قعد على الكرسي وهو بيتنفس بسرعة، الممرضة بدأت تسحب الدم ، تيم حس الدنيا بتلف بيه، الرؤية بتتهز قدامه، بس كان مسك طرف الكرسي بقوة.
سحبت لحد ما الجهاز بيّن إن جسمه بدأ ينهار، جابتله عصير بسرعة
"اشرب... اشرب حالًا"
تيم أخد العصير بإيده اللي كانت بتتهز، بص للعلبه لحظة وهو بيتنفس بسرعة، شرب كميه صغيره ،كان باين عليه الدوخة وهو بيرجع ضهره للكرسي.
الممرضة قالت بهدوء
"هتحتاج تقعد شوية هنا لحد ما جسمك يستقر، متقومش دلوقتي."
تيم بصلها بنظرة ثابتة وقال بصوت واطي 
"كفاية كده؟... كده الدم هيكفي؟"
الممرضة أخدت نفس وقالت 
"إن شاء الله، خلاص، دي الكمية اللي نقدر نسحبها، متقلقش هتكفي"
تيم قعد ساكت، بيحاول ينظم نفسه، حس برجليه تقيلة وراسه اتقل، عضلاته كانت مرخية.
بعد شويه قام وقف ببطء، الممرضة قالت بسرعة 
"استنى... إنت مش مستقر، لازم تقعد أكتر وتشرب العصير كله."
تيم قال بصوت هادي
"عايز اتطمن عليها"
قالتله بلطف
" لسه شويه، لو حصل حاجه هقولك
اتنهد، شرب باقي العصير، وشه كان باين عليه التعب، عينه مغمضة وهو بيحاول يتنفس.
الممرضة بصتله وقالت 
"استنى 10 دقايق، بعد كده تقدر تخرج"
تيم مردش، بس اكتفى بهزة خفيفة.
فضل قاعد مكانه، مغمض عينه، بيحاول يسيطر على الدوخه اللي حاسس بيها

يونس خرج من أوضة التبرع، لقا صابرين واقفة مستنيه جنب ايناس، عينيها مليانة قلق ولهفة، قربت منه بسرعة وقالت بصوت متوتر
"يونس؟! طمني... اتبرعت؟!"
يونس وقف مكانه لحظة، بص بعيد وهو بياخد نفس، وقال بصوت واطي
"مخدوش مني..."
صابرين بصتله بصدمة، سألته
"ليه؟!"
يونس عض شفايفه وقال وهو بيحرك إيده بعصبية 
"في كحول...قالوا مينفعش... لو اتسحب مني ممكن يضرها..."
صابرين بصتله لحظة، وقالت وهي بتحاول تتمالك نفسها
"يا يونس... يا يونس..."
يونس قال بسرعة، صوته مبحوح
"ماما... والله ما كنت أعرف... كنت فاكركوا مش هتحتاجوني... والله ما كان قصدي اكيد... اعرف منين انا..."
صابرين مدت إيدها ولمست دراعه بلطف وقالت 
"خلاص يا حبيبي... مش وقته دلوقتي... المهم نلاقي حد غيرك"

خرج تيم، خطواته كانت تقيلة، عينيه شايفة الناس بس مش شايفاهم بوضوح، الرؤية مهزوزة، شد نفسه، وقف في مكانه بياخد نفس عميق، حس إنه مش قادر يملى صدره بالهوا كويس، إيده كانت بتترعش وهو بيحطها في جيبه، عايز يخبي أي علامة تعب على وشه.
مشى ببطء ناحية الكراسي اللي قدام العمليات، محدش واخد باله إنه مش ماشي ثابت.
قرب منهم، صابرين أول ما شافته بصتله وقالت 
"اتبرعت؟"
هز راسه بهدوء وهو بيحاول يثبت نفسه، قال بصوت مبحوح
"آه... خلصت."
مد إيده وسند نفسه على الحيطة من غير ما حد يلاحظ، حس برجليه بتضعف تحته، بس رفض يقعد، حاسس لو قعد مش هيقدر يقوم تاني.
نبضه كان عالي وبيخبط في ودانه، حاسس أن الدنيا بتلف حواليه، والأصوات بقت بعيدة شوية، حاول يركز نظره على الأرض علشان ميزغللش.
إسلام قرب منه وقال 
" شكرا يا تيم... والله ما عارف أقولك إيه."
تيم ابتسم ابتسامة باهتة، مردش، بس رفع إيده، وقال بصوت واطي
"المهم تبقى كويسة..."

دخلوا اتنين من صحاب إسلام بسرعة، كان باين عليهم القلق، اسلام قرب منهم بلهفه وهما كانوا مستعدين يتبرعوا، اسلام نده للمرضه.
الممرضة بصتلهم وقالت بهدوء
"مفيش داعي خلاص... مش محتاجين تبرعات تانية."
كلهم بصوا لبعض باستغراب، صاحب اسلام قال 
"إزاي يعني؟! ما أنتوا كنتوا محتاجين دم ضروري!"
إسلام قرب منها وقال وهو متوتر 
"ليه؟! مش كنتوا بتقولوا محتاجين أربع أكياس؟!"
الممرضة بصت لتيم بسرعة، وبعدين رجعت تبص لإسلام وقالت
"الأستاذ اتبرع بالكميّة كلها."
الكلام وقع في المكان زي الصدمة، صابرين اتجمدت مكانها، بصت لتيم بذهول، قالت بسرعه 
"تيم... إيه؟! إنت عملت ايه؟"
إسلام بص لتيم، وشه اتشد وقال
"إنت اتبرعت... لوحدك؟! إنت مجنون؟!"
تيم كان واقف ناحية الحيطة، نفسه سريع، راسه بقت تقيلة، وكل جسمه بيترعش، حاول يرد بصوت واطي
"مكانش في وقت... كان لازم."
رجليه بدأت تضعف، حط إيده على الحيطة علشان يسند نفسه، بس حس إن الحيطة بتتحرك قدامه، العرق كان سايح على وشه، عينه بقت تغمض وتفتح، وكل الأصوات حواليه بقت متقطعة.
حاول ياخد نفس عميق، بس النفس اتحبس في صدره، رفع عينه يبص لصابرين، شاف ملامحها اللي مليانة قلق، بس صوته طلع واطي جدًا
"م... ما تقلقيش... انا كويس"
حس إن رجليه خلاص مش شايلاه، وقع على ركبته، حاول يقوم بس معرفش
إسلام جري عليه بسرعة وهو بيقول
"تيم! تيم فوق! حد يجيب دكتور بسرعة!"
بس تيم كان فقد وعيه تماما....
إسلام قرب منه، هز كتفه يحاول يفوقه، صابرين كانت حاسه انها هتتجنن
الممرضة دخلت بسرعة ومعاها جهاز قياس الضغط، قاست ضغطه بسرعة وكان واطي جدًا، بصتلهم وقالت
"هو فقد وعيه بسبب انخفاض الضغط... محتاج محلول فورًا."
جابوا ترولي بسرعة، شالوه عليه، وصلّوا المحلول في إيده، اتنقل لغرفة الملاحظة، كان نايم ووشه شاحب جدًا، إيده متعلقة فيها المحلول، وبيتنفس ببطء.
صابرين قربت من الباب تبص عليه، قلبها واجعها وهي شايفاه بالمنظر ده، بس الممرضة طمّنتهم 
"هيفوق بعد ما ضغطه يتحسن بإذن الله، هو بس محتاج وقت وسوائل تعويض، الكميه اللي اتبرع بيها كانت كبيره "
صابرين فضلت واقفه قدام باب أوضة الملاحظة، عينيها مليانة قلق وهي بتبص على تيم، شافته وهو نايم ووشه شاحب جدًا، المحلول متعلق في إيده، وكان بيتهز بخفة مع نفسه البطيء.
إيناس قربت منها، لمست دراعها بخفة وقالت بصوت هادي
"هيبقى كويس إن شاء الله... محدش بيعمل اللي عمله ده غير وهو قلبه كبير."
صابرين أخدت نفس طويل، وحاولت تمنع دموعها تنزل، وقالت بصوت مبحوح
" ربنا يستر "

بعد ساعة، تيم كان فاق، المحلول خلص، والدكتور دخل يطمن عليه، بص للمؤشرات وقال
"تمام كده، الضغط رجع طبيعي، بس بلاش تقوم بسرعة أحسن ليك"
تيم اكتفى بهزة راس بسيطة.
خرج الدكتور من غرفة الملاحظة، شاف صابرين واقفة قدام الباب، قربت منه بسرعة، صوتها كله قلق ولهفة
"دكتور... طمني، تيم عامل إيه؟!"
الدكتور ابتسم ابتسامة بسيطة وقال بهدوء
"اطمني يا مدام، هو كويس الحمد لله، الضغط رجع طبيعي، لو عايزة تدخليله اتفضلي."
صابرين قالت بسرعة
"شكرًا يا دكتور."
دخلت الأوضة بسرعة، لقت تيم قاعد على السرير، المحلول خلاص اتفصل، شكله تعبان شوية، أول ما شافها حاول يظبط قعدته وقال بهدوء
"ماما..."
صابرين وقفت قدامه، بصتله بحدة وقالت بصوت مخنوق
"إيه اللي عملته في نفسك ده يا تيم؟! ليه كده؟!"
تيم حول نظره بعيد عنها وقال بنبرة هادية وهو بيحاول يقفل الكلام
"مفيش يا ماما، الموضوع خلص... حد محتاج وأنا كنت أقدر أساعد، خلاص."
صابرين قربت خطوة وقالت
" بس ده غلط عليك، كان ممكن تحصل مضاعفات اكتر من كده"
تيم رجع يبصلها وقال بنبرة ثابتة
"بس محصلش، وأنا كويس أهو... سيبي الموضوع يعدي."
حاول يقوم من على السرير، هي مدت إيدها تمنعه وهيا بتقول
"استنى يا تيم، الدكتور قال خليك شويه"
رفع عينه ليها وقال بهدوء
"أنا كويس يا ماما، خلاص... عايز أخرج."
مشي على مهله ناحية الباب، فتح الباب وخرج، أخد نفس عميق وهو بيبص للممر، مشي بخطوات ثابتة ناحيتهم، أول ما شافوه واقف، كلهّم وقفوا بسرعة، ايناس قربت وقالت
"إنت كويس يا حبيبي؟"
اسلام قرب وقال بصوت هادي
"عامل إيه دلوقتي؟ كويس؟"
تيم وقف مكانه، نظرهم كلهم عليه، هو مش بيحب يكون محور اهتمام أو شفقة، عدل وقفته وقال بنبرة جافة، صوته هادي بس قاطع
"أنا بخير... مفيش داعي لكل ده."
بص على إسلام وهو بيكمل بنفس النبرة
"ركز في أختك، هي اللي محتاجة الاهتمام دلوقتي."
قاطعهم خروج الدكتور من غرفة العمليات، إيناس قربت بسرعة وقالت 
"دكتور... طمني... فريدة؟"
الدكتور أخد نفس وقال
"الوضع استقر الحمد لله، وقفنا النزيف، وهي عدت مرحلة الخطر."
إيناس دموعها نزلت بسرعة، قالت
"الحمد لله... الحمد لله يا رب."
إسلام قرب خطوة وقال
"ممكن نشوفها؟"
الدكتور هز رأسه وقال بنبرة هادية
"لسه مش دلوقتي، هي تحت تأثير البنج ومش هتفوق دلوقتي، خلوها ترتاح، وأول ما تصحى هندخلكم واحدة واحدة، إحنا دلوقتي هننقلها اوضه عاديه "

فريـدة اتنقلت أوضة عادية.
لحظة ما خرجت من العمليات، تيم شافها، عينه ثبتت عليها، قلبه رق بطريقة غريبة وهو شايفها على السرير، وشها كان شاحب، وأنفاسها هادية، شاف الدم اللي على ضمادتها، واتنقل جواه إحساس غريب معرفش يشرحه.
إيناس جريت عليها بسرعة، كانت عايزة تمسك إيدها، بس الممرضين منعوها، قالتلهم بصوت متوسل
"ثواني بس... عايزة أطمن عليها."
بس الممرض قال
"مينفعش دلوقتي."
اتنقلت الأوضة، والدكتور قال إنها ممكن تفوق على الصبح
تيم كان واقف باصص من الشباك عليها، مش قادر يبعد عينه عنها، عايزها تفتح عينيها وتكون بخير
إسلام كان واقف بعيد بيراقبه، ومش فاهم ليه تيم قلقان عليها بالشكل ده، بس قرر إنه ميشغلش باله دلوقتي، كل اللي يهمه دلوقتي إن أخته تبقى بخير.

جه الصبح أخيرا، لسه الوضع زي ما هو باستثناء صحاب فريده اللي جم اول ما عرفوا، وحسام اللي عرف وقرر يكون موجود، وسالي
الكُل كان موجود.
إيناس قاعدة على الكرسي قدام باب الاوضه، شكلها مرهق جدًا وصابرين قاعده جنبها.
إسلام قاعد على الأرض جنبهم وتيم كان واقف بعيد ويونس واقف جنبه ومعاهم حسام
سالي كانت قاعدة جنب إيناس وصابرين
أصحاب فريدة كانوا واقفين بعيد والكل مستني والجو مشحون
خرج الدكتور وقال بصوت ثابت
"مفيش داعي للزحمة دي، خلّوا عيلتها بس تفضل، الباقي ممكن ييجوا في وقت تاني على مدار اليوم"
صحاب فريدة بصوا لبعض، كانت نظراتهم كلها قلق، بس فهموا وسابوا المكان بهدوء، يسر كانت واقفة مترددة، باصة لفريدة من بعيد، مش عايزة تمشي.
إسلام قرب منها وقال بصوت هادي
"مفيش داعي يا يسر... لما تفوق إن شاء الله هكلمك على طول."
يسـر بصتله شوية بس هزت رسها ومشيت مع الباقي.
صابرين بصت لتيم ويونس وقالت 
"خدوا سالي وامشوا، انتوا هنا من بالليل"
تيم رفع عينه بسرعة وقال بحدة
"لاء"
صابرين بصتله باستغراب بس سكتت، قالت ليونس بصوت واضح
"امشي انتي يا يونس مع سالي."
يونس قال 
" لما تفوق يا ماما حتى، نتطمن عليها وبعد كده نمشي"
أما حسام، فكان واقف، مش عارف يتصرف، كان عايز يفضل، لكن إسلام قرب منه وقال
"مفيش داعي لوجودك، شكراً إنك جيت، هبقى اطمن الكل لما تفوق"
حسام هز راسه ومشي مضطر

تيم واقف لسه عند الشباك، يونس قرب منه وقال
" بقالك كتير واقف، متعبتش؟!"
تيم قاله بإيجاز
" لاء"
يونس قاله باستغراب
" وواقف ليه اصلا؟ ايه اللي جابرك؟!" 
تيم بصله وقال بحده
" لما تفوق ابقي وقتها اقعد، بطل رغي بقا"
يونس زفر وقال
"ومن إمتى يهمك يعني؟ ده إنت حتى مش بتحبها ولا بتقبل وجودها."
تيم رفع عينه ليونس وقال بنبرة هادية
"مش وقته الكلام ده."
يونس سابه ورجع يقعد، أما تيم فضل واقف، وكل ما حد يقوله يقعد، كان بيرد بنفس الإجابه 
" انا كده مرتاح"
مرت لحظات من الصمت، فريدة حركت إيدها ببطء على السرير، روموشها اتحركت وعينيها فتحت شوية، غمضتهم وفتحتهم تاني وهي بتاخد نفس بسيط كأنها بتحاول تستوعب المكان.
تيم شافها بتفوق، قلبه دق بسرعه وقال بصوت واضح
"فاقت."
الكل رفع راسه بسرعة، ايناس قامت بلهفه، إسلام قرب للباب، بيحاول يشوفها كويس من ورا الإزاز، وقال بصوت هادي
"الحمد لله يا رب."
الممرضة عدت جنبهم وقالت
"ممكن تدخلوا تشوفوها، بس ٥ دقايق بس"
إيناس دخلت الأول بسرعه، كانت خطواتها سريعة، قربت من السرير، إيدها لمست إيد فريدة بهدوء، وقالت بصوت ناعم
"حمد لله على السلامة يا قلبي."
فريدة بصتلها بنظرة مرهقة، صوتها كان واطي جدًا وهي بتقول
"ماما..."
إيناس ابتسمت ابتسامة فيها راحة، حركت إيدها على شعر فريدة بحنان.
إسلام دخل وراها، قرب منها وقال
" وقعتي قلبي عليكي، كنت حاسس اني هموت"
فريدة ابتسمت بخفة، غمضت عينيها تاني وهي بتحاول تريح نفسها
يونس قرب منها، وقف عند طرف السرير وقال بخفة وهو بيرفع حاجبه
"ايه يا ديدا، عملتي حادثة علشان نجيلك زيارة جماعية ولا إيه؟"
فريدة ابتسمت بخفة، وقالت بصوت واطي وهي بتحاول تضحك
"عشان أعرف مين بيحبني فعلاً."
سالي وقفت جنب إيناس، قالت بابتسامة
"حمد لله على السلامة يا فريدة."
صابرين قربت شوية وقالت
"ربنا يحميكي يا بنتي ويقومك بألف سلامة."
تيم كان واقف بره، إيده في جيبه، باصص عليهم من الشباك، ملامحه عادية، بس عينه كانت ثابتة عليها، دخل بهدوء بس وقف عند الباب، ساند ضهره على الحيطه وايده في جيبه، عينيه ثابته عليها، كان بيراقبها وهي بتتكلم مع الكل، وهي كانت مركزة معاهم ومش واخدة بالها إنه موجود أصلًا.
إسلام كان واقف جنبها، سألها بهدوء 
" في حاجه بتوجعك؟!!حاسه بتعب؟!!"
فريدة حركت راسها بنفي وقالت
"أنا كويسة... متقلقوش."
وسط الكلام والضحك الخفيف، فريدة لفت عينيها في الأوضة، نظراتها وقعت على تيم اللي كان واقف في آخر الأوضة، ساند نفسه على الحيطة وعينيه عليها.
لما شافته، ابتسمت بخفة، ابتسامة هادية جدًا
تيم حس إنها أخيرًا شافته، اتحرك من مكانه خطوة صغيرة، حمحم بخفة وقال بصوته الهادي 
"حمد لله على سلامتك."
وبعدين لف وخرج من الأوضة بهدوء، وقفل الباب وراه.

فريدة فضلت باصة ناحية الباب اللي خرج منه لحظة، ابتسامتها لسه موجودة على وشها، بس كانت ابتسامة خفيفة، رجعت تبص للي حواليها بسرعة علشان محدش ياخد باله، بس قلبها دق جامد للحظة، مش قادرة تنكر إنها كانت مستنية تشوفه وأنها كانت بتدور عليه بعينيها
وهي مركزة مع كلام إسلام ويونس حواليها، رجعت تبص ناحية الباب تاني يمكن يدخل
رجعت تنفخ بهدوء، وركزت مع باقي الموجودين.

لما تيم خرج من الأوضة، وقف شوية في الكوريدور، أخد نفس عميق، وحس إنه مش فاهم نفسه.
مرر إيده في شعره بتوتر، وهو حاسس بقلبه بيدق بسرعة غريبة، محصلتش معاه قبل كده.
حاول يقنع نفسه إنه طبيعي، بس في الحقيقة، كان جواه صراع ملهوش ملامح واضحة، حاجة مش عارف يفسرها ولا يسميها.
مشاعر متلغبطة، مش عايز يعترف إنها موجودة أصلًا.
حس إنه محتاج يهرب من المكان ده شوية، خرج من الكوريدور، راح عند الكافيتريا، طلب قهوة وهو مش مركز يمكن تفوقه شويه

عند فريده 
الدكتور دخل الأوضة بعد شوية، بص عليهم وهم حوالين السرير وقال بنبرة هادية لكن حاسمة
"كفاية كده يا جماعة... هيا محتاجة ترتاح دلوقتي، ممكن ترجعولها بالليل، بس لازم دلوقتي تسيبوها ترتاح."
إيناس قالت بسرعة
"حاضر يا دكتور."
إسلام قرب من فريدة وقال بابتسامة
"هجيلك بالليل إن شاء الله، خلي بالك من نفسك يا دودو."
فريدة ابتسمت وقالت بصوت واطي
"حاضر."
سالي قربت منها وقالت
"هجيلك بكرة."
فريده هزت راسها وايناس باستها قبل ما يخرجوا من الأوضة، صابرين كانت بتدور على تيم بس مش موجود، طلعت موبايلها بسرعة ورنت عليه
رد بصوته الهادي
"أيوه يا ماما."
قالت
" إنت فين يا تيم؟!"
قال بهدوء
"أنا بره، قدام الاستقبال."
قالت
"تمام، استنى عندك هننزل دلوقتي."
يونس وسالي سابقوا، صابرين ودعت إيناس وقالت
" هاجي بالليل" 
ايناس هزت راسها وقالت
" انا هكون موجوده"
صابرين مشيت واسلام خد ايناس وروحوا 
صابرين نزلت كانوا تيم ويونس وسالي واقفين قدام عربية تيم مستنيينها
يونس قال وهو بيتحرك ناحية موتسيكله
" انا هسبق انا، هاجي بسميره"
صابرين قالت بابتسامه بسيطه
"ماشي يا حبيبي، خلي بالك بلاش تهور"
سالي قالت وهيا بتبص لصابرين
"أنا هرجع مع عمو سليمان، هتيجي معايا ولا مع تيم؟!"
صابرين قالت وهيا بتحط ايديها على كتف سالي 
"روحي انتي، انا هروح مع تيم"
سالي هزت راسها وقالت
" تمام"
ركبت صابرين جنب تيم في العربية، قفلت الباب وهو كان بيشغل العربية، سكتوا لحظة، صوت المكيف هو اللي مالي العربية، كانوا ساكتين، الطريق هادي وتيم سايق وعينيه قدام، بس عقله في مكان تاني.
صابرين بصت عليه، شافت إيده اللي بتشد وترخي على الدريكسيون، وصدره اللي بيتحرك بسرعة وهو بيحاول يتحكم في نفسه، أخدت نفس، قررت تفتح الكلام، بصوت هادي جدًا قالت
"تيم..."
رد وهو مركز قدامه
"هممم"
سكتت لحظه، وبعدين قالت
"أنا عارفه... عارفه إنك بتحب فريدة"
إيده اتجمدت على الدركسيون، قلبه دق بسرعه جدا، حس بجفاف في حلقه، حاول يرد، بس مفيش كلمة طلعت،
هو نفسه مش فاهم إيه اللي بيحسه كل ما يشوفها، كل ما تكون قريبه منه او حتى سيرتها تيجي
صابرين كملت بصوت هادي
"أنت مش عارف تقول إيه دلوقتي... صح؟ مش عارف حتى اللي جواك ده إيه... بس أنا عارفاه."
كان ماسك الدريكسيون بإيد جامدة، قال بصوت واطي وهو بيحاول ينكر
"مفيش حاجة يا ماما."
صابرين بصت من الشباك وقالت بثبات 
"تيم"
سكتت شويه وبعدين قالت
" كل دي مشاعر حب، إنت بتحبها فعلا يا تيم."
كان بيتنفس ببطء، وشه مفيهوش أي تعبير، قال بجمود
"مش... مش قصدي."
ردت بسرعة
"أنا عارفة... بس ده بيحصل غصب عنك، علشان كده لازم توقفه قبل ما يكبر أكتر، مينفعش يا تيم... مينفعش تدّخل أي واحدة حياتك، إنت عارف السبب، وإنت مش من حقك تحب... ومش من حقك تدي حد أمل أو حتى تدي نفسك أمل، وجود أي واحده في حياتك ده خطر، خطر على الكل وأولهم عليا انا"
تيم حس إن الكلام بيدخل في قلبه زي المسمار البارد، هو عارف... وعارف السبب، بس مش قادر، ليه بيحس إنه محتاج يشوفها كل يوم؟ ليه كل الأحاسيس الغريبه دي، ضغط برجله جامد على البنزين غصب عنه، العربية زودت سرعتها ثواني وبعدين هدى تاني، قال بصوت مبحوح وهو لسه باصص قدامه
"عارف..."
صابرين قالت بحزم
"لو كنت أعرف إنك هتتعلق بيها كده، أو هتحبه مكنتش سمحتلها تدخل البيت أصلا... فريدة مينفعش تبقى في حياتك يا تيم... مهما كان."
بلع ريقه بصعوبة وقال رغما عنه
"مش هشوفها تاني."
كلمه قالها ومش عارف تأثيرها ممكن يكون إيه عليه، هل هو فعلا مش هيشوفها تاني؟ هل هيقدر يرجع يعيش حياته تاني؟ 
بس دلوقتي... كان لازم يختفي.
كان لازم يبعد.

عند فريده 
الممرضه عندها بتتطمن عليها قبل ما تديها مسكناتها
الممرضة سألتها فجأة
"انتي متجوزة؟"
فريدة هزت راسها وقالت بصوت واطي
"لاء"
الممرضة سألتها تاني
" طب مخطوبة؟"
فريدة استغربت وسألتها
"لاء...ليه؟"
الممرضة قالتلها
"أصل في واحد اتبرعلك بلترين دم، قولت اكيد انتي مراته مثلا عشان التضحيه دي"
فريدة رفعت راسها بسرعة وقالت بزهول
"إزاي لترين؟ دي كمية كبيرة جدًا، انتي أكيد غلطانة."
بصتلها وقالت ببساطة
"اتبرع بأربع أكياس دم ليكي لوحدك ولوحده، شكله بيحبك أوي."
فريدة اتصدمت وقالت بتفكير
"إسلام... أخويا؟"
سكتت لحظة، وبعدين همست
"بس إسلام مش نفس فصيلتي..."
بصت للممرضة وقالت
"اسمه يونس؟"
الممرضة هزت راسها وقالت
"لاء، يونس معرفش يتبرع... اللي اتبرع اسمه تيم... أو تميم باين "
فريده اتسمرت، وبصت للسقف وهي مش قادرة تستوعب، تيم اتبرع عشانها بلترين دم؟ ليه؟ ليه يعمل كده؟ ده ممكن يعرضه للخطر
الممرضة قالتلها 
"كان كل شوية يسأل عليكي، وأصر نسحب منه علشان نلحقك بالرغم من تحذير الدكاتره ليه"
فريدة فضلت ساكتة، عقلها مليان أسئلة، ليه تيم يعمل كده؟ ازاي اصلا؟
قاطع شرودها خبط الباب بهدوء، دخل حسام وهو شايل بوكيه ورد، ملامحه باين عليها التوتر وقال بصوت واطي
"ينفع أدخل؟"
فريدة رفعت عينيها ليه، ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت
"طبعا"
دخل بخطوات هادية، كان ماسك بوكيه ورد صغير، قرب شوية وقال بابتسامة وهو بيديهولها
"حمد الله على السلامة."
ردت وهي بتاخده بابتسامه
"شكرا."
وقف لحظه وبعدين قال بحرج
"لما عرفت إنك عملتي حادثة جيت على طول... بس قالولنا نمشي، فاستنيت بصراحة برة لحد ما كلهم مشيوا... وجيت أهو، مكنتش هقدر أمشي قبل ما أتطمن عليكي.... بصراحه يعني"
بصتله لحظة وقالت 
"بجد؟!... شكرا يا حسام."
هز راسه بخفة، عينيه اتحركت ناحية الأرض وبعدين رفعها ليها وسألها
"إنتي عاملة إيه دلوقتي يعني؟"
قالت بابتسامة هادية
"الحمد لله... أحسن."
سكتوا شوية، اللحظة كانت هادية وفيها لمحة ارتباك، حسام عدل وقفته وقال
"طيب... حمد الله على سلامتك مرة كمان، لو احتاجتي أي حاجة... معاكي رقمي، أي حاجة تحتاجيها، كلميني هكون عندك."
ابتسمت فريدة وهزت راسها بخفة وقال
"إن شاء الله."
ابتسم هو كمان، وبعد لحظة صمت قصيرة، رجع خطوتين لورا وقال
"سلام"
هزت راسها تاني، وهو طلع من الأوضة بهدوء، والجو رجع لسكونه.

اليوم كان مليان زيارات لفريدة، كتير جم يتطمنوا عليها ويشوفوها.
بالليل
كانت إيناس قاعدة جنب فريدة في الأوضة، النور خافت وفريده نايمه، موبايل إيناس رن برقم غريب، بصتله وفصلته بسرعة بس الموبايل رن تاني، فصلته فرن تالت... نفس الرقم.
إيناس أخدت نفس، بصت لفريدة وخرجت بهدوء
ردت وهي متحفزة
"ألو؟"
سمعت صوته اللي عارفاه وحافظاه كويس، صوته كان هادي وفيه تردد
"إيناس... أنا في المستشفى"
إيناس اتشدت، ووشها اتغير وقالت
"إيه اللي جابك هنا يا علي؟!"
علي قال بصوت هادي، كأنه بيحاول يهديها
"جيت أتطمن على فريدة"
إيناس عضت شفايفها، بصت بعيد وقالت بحدة وهي بتحاول تسيطر على صوتها
"علي، مش هينفع فريدة تشوفك دلوقتي، مش وقت زيارتك دي."
علي سكت لحظة، وبعدين قال بصوت متردد
"إديها فرصة تعرفني... يمكن تتقبل علاقتنا، يمكن يكون ده الوقت المناسب."
إيناس بصت في الأرض، سكتت شويه بس رفعت راسها وقالت بحسم
"مش وقته... لو سمحت يا علي، امشي دلوقتي، أرجوك."
علي حاول يرد، لكن صوت إيناس كان قاطع، فيه رجاء 
"امشي بجد يا علي، مش دلوقتي."
فضل ساكت لحظة، وبعدين قال بصوت واطي
"ماشي، هسمع كلامك دلوقتي بس"
قفل المكالمه وإيناس فضلت واقفة مكانها تاخد نفس قبل ما ترجع تفتح باب الأوضة وتدخل لفريدة تاني.

عدّت الأيام بسرعة، فريده خرجت من المستشفى، رجعت البيت، كانت بتتحسن يوم عن يوم، أما تيم فاختفى تماما، مظهرش ابدا من اخر مره، وكأنه انسحب من حياتها بهدوء، بس سايبها في حالة تساؤل مش قادرة تهرب منها.

كانت سالي قاعدة مع فريده
الجو كان هادي، بس سالي كسرت الهدوء وقالت وهي بتبصلها
"فريدة... عايزه اقول حاجه بس متردده" 
فريده قالت بعد ما اتعدلت
" قولي، في ايه؟!"
سالي قالت 
" تيم؟ تفتكري ليه عمل كده؟!"
فريدة قالت باستغراب
"عمل إيه؟"
سالي زفرت وقالت بهدوء
"اتبرع ليكي بالدم واتوتر جدا وكان عاوز يطمن عليكي بأي طريقه... انتي فاكرة ان ده عادي؟"
فريده سكتت لحظه، هيا نفسها عايزه تعرف إجابة الاسئلة اللي في دماغها، اصلا مش بتفكر غير في كده، بس غيابه الايام اللي فاتت برضو مخليها مستغربه، مش قادره تفهمه بالظبط بس حركت راسها وقالت 
"متهيألي كان بيساعد... يعني أي حد مكانه كان عمل كده..."
سالي ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت
"لاء يا فريدة... تيم لو كان عايز يساعد كان ممكن يتبرع مثلا بكيس، مش ب ٤ ويعرض حياته للخطر"
فريده قالت 
" قصدك ايه يعني؟!"
سالي قالت بخبث
" قصدي أن تيم، احتمال كبير يكون حبك"
"قصدي أن تيم، احتمال كبير يكون حبك"
الكلمه وقعت على قلب فريده بشكل غريب، خلت أنفاسها تهرب للحظة، وبصت ناحية الأرض وقالت بسرعه، بعفويه وهيا رافعه إيديها بتوتر
"أنا؟! إنتي بتقولي إيه يا سالي؟! أنا أصلًا... لا، إنتي فاهمه غلط، لاء طبعا، معرفش حتى ايه اللي خلاكي تقولي كده"
سالي ردت بسرعه وهي رافعه حواجبها
" كتير، كتير اوي يا فريده، يمكن انتي مش هتفهمي ايه اللي مخليني أقول كده بس انا عارفه تيم، هو بيهرب، انتي مش شايفه إنه دايمًا بيهرب من أي حاجه ممكن تهدد استقراره، تيم مش بيعرف يعبر عن اللي جواه، بس أنا شوفت بعيني، شوفت خوفه عليكي، شوفت نظرته ليكي، شوفت حاجات اول مره يعملها"
فريدة فضلت ساكته، بس قلبها دق بسرعه غصب عنها، وقالت بصوت واطي
"ومعنى كده إيه يعني؟ مش شرط حب زي ما انتي فاكره "
سالي قربت منها وقالت
" حتى لو اعجاب، هيتحول لحب، وقتها هتقدري تقربي منه اكتر وتفهمي ليه ماما مانعه اي بنت تدخل البيت، بس هو مش هيتكلم، لو استنتيه، مش هييجي، لازم انتي اللي تقربي"
فريدة رفعت عينها ليها، وقالت بنبره متردده
"أنا مش بشوفه أصلًا... و... مش عارفه، وبعدين أنا مشوفتهوش خالص كل الأيام اللي فاتت دي، انتي غلطانه يا سالي، يمكن انتي عايزه تشوفي كده " 
سالي قالت وهيا بتحاول تقنعها
" قولتلك بيهرب، انتي بجد مشوفتيش لهفته عليكي كانت عامله ازاي يوم الحادثه، ده كان خايف عليكي اكتر مننا كلنا ومش ببالغ صدقيني" 
فريده سكتت شويه وبعدين قالت
" والمفروض اعمل ايه يعني؟" 
سالي ابتسمت وقالت
" كده الفرصه بقت اكبر علشان تقدري تقربي منه" 
فريده سكتت لحظه وقالت بتردد
" احتمال كبير تيم ميتكلمش أبدا اصلا، ده اولا، ثانيا أنا اصلا هحس بالذنب اكتر لو قربت منه عشان استدرجه واستغل حاجه زي دي لو كلامك صح"
قاطعتها سالي وقالت
"فريده... احنا محتاجين نعرف الحقيقه، انتي قولتي في الأول خالص انك مستعده تساعديني للآخر، فبلاش تتراجعي، دلوقتي، في فرصه تقدري تقربي بيها من تيم، يبقى ليه لاء؟!" 
فريدة رفعت عينيها وقالت
"أنا حتى مش بشوفه... يبقى إزاي يعني؟!"
سالي زفرت وقالت بابتسامه
"هديكي رقمه، وكلميه... حتى لو برساله، قولي أي حاجة بسيطة، حاولي تشوفيه وتفهميه أكتر"
سالي فتحت فونها وأدت فريده الرقم وقالت وهي بتقوم
"لو مش عاوزه، متكلمهوش حاليا حتى، بس خلي الرقم معاكي... وحطي الموضوع في دماغك "
سالي ودعتها وخرجت، وسابت فريده قاعده، مش عارفه تاخد الخطوه، ومش قادره تنسحب، هيا فعلا عايزه تكلمه بأي حجه حتى

قاطع شرودها دخول إسلام، دخل الأوضه وهو بيبتسم، بص عليها وهي قاعده على السرير باصه في فونها، قال بصوت دافي
"إيه الأخبار يا ديدا"
رفعت عينيها ليه وابتسمت بخفه
"الحمد لله، أحسن."
قرب وقعد على الكرسي اللي جنب السرير، سكت لحظه وبعدين قال
"كنت عايز أطمن عليكي قبل ما أخرج"
هزت راسها وقالت بهدوء
"أنا كويسه"
مر لحظة صمت، كانت فريدة بتفكر، وبعدين رفعت عينيها وقالت بتردد
"إسلام... هو... انت فعلاً رفعت قضيه على بابا؟"
وش إسلام شد شويه، بص بعيد، وبعدين رجع يبصلها وقال بهدوء
"آه... رفعت، كان لازم أعمل كده يا فريده ومن زمان"
سكتت، ملامحها اتغيرت، اتضايقت، بس مقالتش حاجة، بعد لحظة بلعت ريقها وحركت راسها بخفه
 "ماشي... اللي تشوفوه اكيد صح"
إسلام غيّر الموضوع بسرعه، وقال بابتسامه صغيره
 "هترجعي شغلك إمتى؟"
ردت وهي بتحاول ترجع لهدوئها
"هبدأ من بكره إن شاء الله."
قال بسرعه وهو بيحذرها بنبره أخويه
"خلي بالك من نفسك يا فريده"
كان هيقوم يمشي، بس ندهت عليه
"إسلام..."
لف وبصلها باستغراب
"نعم؟"
قالت بخجل وتردد
"كنت... بفكر أجيب عربيه خلاص"
ابتسم وقال
"أخيرًا! خلاص جمعتي تمنها؟"
هزت راسها بخفه وقالت
"آه..."
قال بحماس
"طب خلاص، هاجي معاكي، إمتى هتروحي؟"
ردت بتوتر، عينيها بعدت عنه
"هو... أنا لسه مقررتش إمتى، بس... أنا هروح مع حد تاني."
اتغيرت ملامحه وقال بنبرة مستغربه
"حد تاني؟ مين يعني؟"
قالت بسرعه وهي بتحاول تنهي الحوار
"هبقى أقولك بعدين... ممكن؟"
اتنهد وقال
"المهم تقولي يا فريدة... أي حاجة تحتاجيها، قوليلي."
خرج من الأوضة، فريدة فضلت قاعدة مكانها، ماسكةفونها، عينيها على الرقم وقررت ترن، إيدها كانت بتتهز وهي متردده ترن ولا لاء، قلبها كان بيدق بسرعة، كان في حاجة جواها بتشدها، وحاجة تانية بتشدها للعكس.
فضلت لحظة، بتاخد نفس عميق، عينيها ثابتة على الرقم، إيديها قربت تضغط على اتصال
ضغطت، بدأ يدي جرس، حست انها ممكن تقفل لو رد من كتر التوتر

تيم كان قاعد في مكتبه، ملفات كتير قدامه، وإيده بتقلب في الملفات من غير تركيز، عينيه كل شوية تروح على الساعه وفجأه فونه رن
بص عليه بسرعة، عينه وقعت على الاسم
"فريده"
استغرب جدًا، رفع حاجبه، بص للرقم فترة، متردد، يفصل؟ يرد؟ ليه بتتصل أصلا؟
بعد لحظة تردد، ضغط على رد، وحاول يحافظ على نبرته البارده
"ألو؟ مين؟"
جه صوتها الخافت في السماعه
"أنا... فريده"
اتجمد لحظة بالرغم من أنه عارف ان هيا، بس مسح أي ملامح من وشه بسرعة، وقال بنبرة عملية
"عايزة إيه؟"
صوت تنفسها كان واضح، وبعدين قالت بسخريه
"أنا كويسة الحمد لله، انت عامل إيه؟"
ابتسامة خفيفة ظهرت على شفايفه للحظة، بسرعة أخفاها وقال بجفاف
"في حاجة يا فريدة؟ بترني ليه؟"
قالت بتوتر
"مبتسألش... قولت أسأل أنا... فينك كده؟"
رجع بضهره على الكرسي وقال بصوت حاد 
"وإنتي مالك؟ حاجة متخصكيش."
سكتت لحظة، كان سامع صوت انفاسها، بعدين صوتها جه واطي
"شكلي غلطانة إني كلمتك... وانت الشخص الغلط اللي هطلب منه طلب محتاجاه"
كان هيتكلم، بس هي كملت بسرعة
"لما قولت قبل كده إنك مش بتتقبلني، شكله كان من قلبك بجد... بس بجد كنت فاكرة دي طبيعتك مع الكل..."
سند على مكتبه، صوته مكتوم وهو بيحاول يرد، بس هيا كملت قبل ما يقدر يتكلم
"عموما يا سيدي أنا آسفة، ومش هكلمك تاني زي ما انت حابب... بما إنك فعلا مش عايز تتكلم."
وفي لحظة، قبل ما يرد حتى، كانت قفلت الخط.
شال الفون من على ودنه، وبص للشاشة اللي رجعت للقفل، سأل نفسه
هي كانت عايزة إيه؟
ليه اتصلت أصلا؟
وأي الطلب اللي كانت هتطلبه؟
هو بيحاول يبعد عنها... ليه هي بترجعه تاني لنفس الدوامة؟
اتحركت إيده لا إراديًا ناحية التليفون، كان هيرن عليها، لكن في اللحظة دي، خبط حد على الباب، ودخل واحد من الشغل بملف في إيده، وطلب منه يوقع أوراق

عند فريده 
كانت متضايقة بعد المكالمة، حاولت تلهي نفسها في أي حاجة، لكن في الاخر نامت وهي لسه حاسة بوجع صغير جوه قلبها مش عارفة سببه.
في نص الليل، صحيت على صوت فونها بيرن، فتحت عينيها ببطء، بصت على الشاشة باستغراب، لقا اسم تيم منور قدامها.
خدت نفس، اترددت لحظة، وبعدين ردت بصوت ناعس
"ألو…"
صوته جه هادي، مفيهوش أي مقدمات
"صحيتك؟"
قالت وهي بتحاول تصحصح
"لا لا، كنت هصحى أساسًا… في إيه؟"
سكت لحظة وبعدين قال
"كنتي عايزة إيه؟ انتي قولتي كنتي هتطلبي حاجة مني الصبح"
اتنهدت بخفة وقالت
"إنت لسه فاكر؟!… خلاص مش مهم، شكراً، مش عايزة حاجة… مش هقدر أزعجك."
رد بهدوء، نبرته أقل حدة 
"مكانش قصدي أتكلم ببرود... كنت مضغوط شوية... قولي، كنتي عايزة إيه؟"
سكتت لحظة، وبعدين قالت
"خلاص، غيرت رأيي... إنت مستحيل توافق أصلاً"
قال بنفس الثبات
"اعرف الأول، وبعدها أقرر إذا كنت هوافق ولا لاء"
بلعت ريقها وقالت بصراحة وهي بتجمع شجاعتها
"كنت... كنت بصراحة عايزة أشتري عربية، وكنت بدور على حد أروح معاه... قولت أكلمك وأسألك لو ممكن تيجي معايا... مش إحنا صحاب؟"
سكت لحظة، هي سمعت أنفاسه في التليفون، وبعدين قال بصراح
"لاء، إحنا مش صحاب عامةً"
اتشد قلبها للحظة، بس قبل ما تقول حاجة، كمل بنفس هدوءه
"بس لو طلبتي حاجة زي دي ومش معاكي حد تروحي معاه، أكيد مش هقولك لاء"
ابتسامة صغيرة ظهرت على شفايفها وقالت
"بجد؟ يعني انت موافق؟"
قال بهدوء
"آه، أكيد موافق"
اتنفست بارتياح وقالت
"تمام، اتفقنا… هبقى أكلمك وأقولك إمتى"
رد قبل ما يقفل
"تمام."
قفل الخط، وهي فضلت ماسكة الفون لحظة، بتبص عليه وهي مش عارفة إذا كانت فرحانة إنه وافق... ولا خايفة من اللي ممكن يحصل بعد كده، خاصة أنها حاسه انه مخطط لحاجه
لسه كانت هتحط الفون على الكومود، لقته بيرن تاني، بصت بسرعة، بس المرة دي كان حسام
اترددت لحظة، وبعدين ردت بصوت هادي
"ألو"
صوته جه دافي كعادته
"إزيك يا فريدة؟ حبيت أطمن عليكي قبل ما أنام... أخبارك إيه دلوقتي؟"
ابتسمت بخفة وقالت
"الحمد لله، أنا أحسن كتير… شكراً على سؤالك"
قال بعد لحظة صمت
"كنت بفكر، لو حابة نخرج نتعشى أو نشرب حاجة بكره، تغيير جو يعني، إيه رأيك؟"
سكتت لحظة وبعدين قالت بلطف
"والله يا حسام أنا اسفه جدا، بس بجد أنا محتاجة أخلص كام حاجه ورايا، ومش هقدر أخرج الفترة دي"
قال بنبرة هادية متقبله
"ولا يهمك... أهم حاجة تكوني بخير، ولو احتاجتي أي حاجة أنا موجود"
قالت بابتسامه خفيفه
"شكراً يا حسام، ربنا يخليك."
قال بهدوء
"تصبحي على خير."
ردت بهدوء
"وأنت من أهله."
قفلت معاه، سابت الفون على الكومود أخيراً، أخدت نفس عميق، فكرت ولسه مش عارفة، ليه تيم وافق يروح معاها… وبيخطط لإيه بما إنه وافق

تاني يوم
فريدة كانت في المستشفى، في استراحة صغيرة، رنت على تيم تعرفه امتى هيروحوا، كان بيرن بس مفيش رد، رنت تاني بس نفس النتيجه، زفرت نفس طويل وهي حاسه إن اللي حصل امبارح كانت مجرد لحظة اندفاع منه، وإنه رجع في كلامه، رجعت تكمل شغلها، بس عقلها بيفكر في أسئله ملهاش إجابات

على آخر النهار
فريدة خلصت شغلها وكانت بتجهز نفسها تمشي وفونها رن، بصت للشاشة، قلبها دق غصب عنها لما لقته تيم
ردت بسرعة وهي بتحاول تخلي صوتها عادي
"ألو؟"
صوته جه هادي، بس فيه نبرة رسميه
" رنيتي عليا الصبح... معرفتش أرد، كنت في ميعاد وكان الموبايل سايلنت"
قالت بسرعة وهي بتحاول تخفي ارتباكها
"مفيش مشكلة"
اتكلم تاني
"حددتي معاد؟"
اترددت ثانية وقالت
"اه... كنت هقولك، ممكن بكرة الساعة سته؟"
سكت لحظة وبعدين قال
"تمام… هكون موجود الساعة ستة عند بيتك بكره"
قالت بخفه
"أوكي، اتفقنا"
قال ببرود
" تمام"
وقفل السكه على طول، من غير أي كلمه زياده.
فريدة فضلت ماسكه الفون لحظه، بتبص للشاشة اللي رجعت تاني لسكونها، وهي لسه بتفكر في رد للأسئله اللي في دماغها

تاني يوم
فريدة كانت بتجهز نفسها قدام المرايه، كان لسه قدامها شويه وتجهز، فونها رن 
بصت للشاشه كان تيم 
ردت بسرعه
"ألو؟"
سمعت صوته، كان واضح إنه مستعجل
"إنتي فين؟!"
اتلغبطت لحظه وقالت وهي بتبص من الشباك
"ثواني... قدامي شويه"
قال بغضب
"وليه التأخير يعني؟ مش قولتلك الساعة ٦"
بصت في الساعة، كانت ٦ بالظبط، قالتله
"ماهو مفيش حد بصراحة دقيق كده في المواعيد، هو ٦ يعني ٦ بالظبط؟! عموماً... ثواني"
قال بنبره شبه غاضبه
"ثواني ولا دقايق؟"
ضحكت وقالت
"نازله يا تيم... ثواني دي تعبير مجازي يعني."
قفلت معاه، خدت نفس، حاولت تنجز بسرعه وأخدت شنطتها ونزلت، خرجت شافته واقف قدام العربية، واقف وحاطط ايده في جيبه، وعينيه عليها وهي خارجه، قربت منه وقالت بابتسامه خفيفه
"إزيك."
بص في ساعته وقال بنبرة ثابته
"تأخير ربع ساعه"
رفعت حاجبها وقالت
"إنت اللي جيت بدري، أنا بقول سته يعني نمشي سبعه... معروفة يعني"
رد بفتور
"إزاي يعني؟! لازم كل حاجة تكون في وقتها"
ضحكت بخفه وقالت
"أوووه، نسيت إنك منظم جدًا، بس معرفش إن الدقه ممكن توصل للمواعيد كمان."
قال وهو بيمد إيده ناحيتها
"اتفضلي يلا"
قالت وهي بتبص حواليها
"هنروح بأي أوبر، مش هنروح بعربيتك أكيد"
رفع حاجبه وقال
"اشمعنا؟"
ردت وهي بتعدل شنطتها
"لأني رايحة أجيب عربية، وهنرجع بيها"
قال بهدوء
"طيب"
مشيت بخطوات هاديه وهو مشي جنبها، ساكتين، صمت وبس 

وصلوا المعرض، فريدة نزلت من العربية وهي بتبص حواليها، كان المعرض كبير ومنظم، مليان عربيات شيك مصفوفة بترتيب يخلي أي حد يحتار اصلا من اولها، تيم مشي جنبها ودخلوا جوه، استقبلهم واحد في أوائل الأربعينات، شيك وأنيق، ابتسم لتيم وهو بيسلم عليه بحراره
"إزيك يا باشمهندس منور "
تيم ابتسم ابتسامة صغيرة ومد إيده
"إزيك يا سامر، عامل إيه؟
بص لسامر وقال
"دي فريدة، بنت خالتي"
سامر ابتسم وقال
"أهلا وسهلا، شرفتينا يا فريدة"
هزت راسها بخجل وقالت
"شكرًا"
دخلوا مكتب سامر، قعدوا بهدوء وهو فتح التلاجة، طلع كان وفتحها وقدم واحدة لتيم والتانية لفريدة وهو بيبتسم بخفه ورجع يقعد بعد ما فتحله هو كمان واحده ورفعها بخفه وقال
"إيه سبب الزياره الحلوة دي؟"
تيم قال بهدوء
"فريدة محتاجة عربيه كويسه، وقولت مفيش حد أفضل منك يساعدها تختار"
سامر بص لفريده وسألها بلطف
"طيب حابه عربية شكلها يكون إيه؟ استخدامك إيه أكتر؟ المشاوير يومية ولا سفر؟"
فريدة ردت
" يعني مشاوير يومية، حاجة عملية"
سامر ابتسم وقال
" تمام، هتنزل دلوقتي وشوفي اللي يعجبك"
خرجوا معاه، ونزلوا سوا ناحية العربيات، سامر كان بيتكلم عن كل عربية ومميزاتها، وتيم كان ساكت أغلب الوقت، إيده في جيبه وعينه بتتابع فريدة وهي بتبص للعربيات بفرحه
فريدة قربت منه وهم ماشيين بين العربيات وقالت بصوت واطي
"أنا عايزة عربية عادية.... مش واو يعني"
تيم بصلها للحظة وقال بهدوء
"ماشي يا فريدة، اختاري اللي يعجبك"
رفعت عينيها ليه وقالت
"كلهم حلوين، ممكن تختار معايا؟"
قال ببساطة
"طبعًا"
مشيوا سوا وسط العربيات، فريدة كانت معجبه بأكتر من واحده، ألوانهم حلوه وتصاميمها أنيقه، تيم وقف عند عربية معينة وقال
"دي حلوة"
بصت عليها وقالت بابتسامة هادية
"فعلاً.... حلوه جدا"
كانت عربية لونها أسود لامع، شكلها شيك وعملي في نفس الوقت، قربت منها ولمست الباب بخفه وهي بتبص لتيم وقالت بابتسامة واسعة
"دي حلوة جدًا... وأنا مقتنعة بيها فعلًا"
ابتسم وهيا قررت هتاخدها 

سامر وقف جمبهم وقال وهو بيقفل كشف الأسعار
"تمام يا فريدة، مبروك مقدما."
كانت متحمسة، وخاصة لما سمعت سعرها، بصت لتيم بدهشة وقالت
"ده سعرها؟! أنا كنت متوقعة سعر أكبر من كده بكتير!"
تيم رفع كتفه بخفة وقال وهو بيبص بعيد
"عمل حساب ليا فباعها بالسعر ده، متشغليش بالك."
وبعدين غير الموضوع بسرعة وهو بيحط إيده في جيبه
"إنتي بتعرفي تسوق أصلًا؟"
رفعت حواجبها وقالت وهي بتضحك
"هو يعني علشان مكانش معايا عربية أبقى ما بعرفش أسوق؟ انا بعرف اسوق كويس جدا"
تيم ابتسم بخفة وقال
" كويس"
ركبت فريدة العربية وهي فرحانة، ريحة العربية الجديدة خلت قلبها يرف، كانت ماسكة الدريكسيون بحماس، وتيم ركب جنبها وهو ساكت، بصتله وقالت بخفة
"جاهز؟"
قال بنبرة هادية
"يلا."
حركت العربية بهدوء وخرجت بيها من المعرض، كانت مبتسمة طول الطريق، مبسوطة بخطوتها الجديدة، بتسوق بثقة وسعادة، الهوا داخل من الشباك وهي مبسوطة بالإحساس ده، وهو كان ساكت أغلب الطريق، بيبصلها أوقات وهي مبتسمة، وحس بقلبه بيتقبض برضو، فرحتها كانت بتفرحه، بس في نفس الوقت، كان في قلبه حاجة تقيله، لإنه عارف إنه نازل معاها النهاردة علشان يساعدها، وفي نفس الوقت علشان يبعدها عنه... للأبد.

فريدة فضلت تتحرك بالعربية في الشوارع، كانت مبسوطة جدًا وهي بتجرب سرعتها وهدوءها في السواقه، كل شوية تبص لتيم وتبتسم، بس كان بيرد بابتسامة باهتة أو كان ساكت خالص، قررت تقف في مكان هادي على جنب، بصتله وقالت بابتسامة خفيفة
"مش شايف إنها نعمة إن الواحد يكون عنده عربية أخيرًا؟"
رد وهو بيبص قدامه بنبرة هادية
"آه... نعمه"
حاولت تفتح معاه كلام تاني، سألت بخفه
"إنت بتحب اللون الأسود في العربيات؟"
رد وهو لسه باصص بعيد
"عادي"
ابتسمت بخفة رغم البرود وقالت
"أنا حبيته بصراحة، حسيت إنه شيك."
مردش، اكتفى إنه حرك راسه بخفة، كان واضح إنها بتحاول تقرب، وهو كان فاهم الغرض ده، لكن كل ما تحاول تبادر بسؤال أو كلمة، كان يا يرد بجملة قصيرة، يا إما يسكت تمامًا، حست انها مش عارفه تفتح أي كلام ومش زي ما سالي قالت، يمكن هو شخصيته مساعده مش اكتر لكن مش محب
بدأت تحس بالإحراج، ضحكت ضحكة صغيرة وهي بتبص لقدام وقالت
"واضح إن الكلام مش هيطلع منك النهارده..."
لما لقت الصمت ممتد، ابتسمت ابتسامة باهته، ورجعت تدور العربية، واتحركت بيها في الطريق وهي ساكتة، لحد ما وصلت قدام البيت.
وقفت العربية، نزلوا منها وهو كان بيقفل الباب، لفت ناحيته وقالت بخفوت
"شكرًا"
بصلها بجمود وقال بجفاء
"عفوًا، بس متاخديش على كده، دي آخر مره"
فريدة بصتله بدهشه وقالت بصوت واطي
"ولو، برضو شكرًا"
بص بعيد وهو بيشد نفسه علشان ميتهزش قدامها وقال
"ياريت فعلاً تكون آخر مرة، وياريت كمان تمسحي رقمي من عندك، لأني مش ناوي أرد تاني، سبق وقولتلك، أنا مش بحب وجودك، وانتي مصممة تقربي، بس أنا بجد مش بحب وجودك أبدًا"
الكلام وقع عليها زي الصدمه، حست إن قلبها انقبض، وكلامه كان دبش، بس بلعت ريقها بسرعه، عينيها لمعت بالدموع، بس حاولت تسيطر عليها.
وهو كان بيبص بعيد، حس بوجع في قلبه هو كمان، بس كان مضطر، كان لازم يقولها كده، لازم يبعدها بأي شكل، فكمّل بنبرة باردة رغم الوجع
"أنا أي حد بيطلب مني مساعدة، مبترددش لحظه، واظن كذا مرة تطلبي وبنفذلك اللي انتي عايزاه علشان ما بحبش أقول لحد لاء، انتي بالنسبالي مثلاً صاحبة أختي، مش حتى بنت خالتي... لأني مش معترف بيكي أصلًا، ياريت تكون وصلت"
نهى كلامه بسرعه وركب عربيته واتحرك فورًا من غير ما يبص وراه، مش مستعد يشوف صدمتها أو دمعتها، مش مستعد يوجعها، لكن غصب عنه، كان لازم يبعدها... بأي تمن

أما هي، فبعد ما اتحرك بعربيته، وقفت مكانها لحظه، دمعه نزلت غصب عنها، حست إن الأرض بتلف حواليها، وإنه فعلاً كان بيخطط... بس بيخطط يوجعها، يوريها حجمها الحقيقي بالنسباله، مسحت دموعها بسرعه بضهر إيديها، خدت نفس متقطع قبل ما تدخل البيت، طلعت على أوضتها بسرعه، وقلبها بيدق جامد... وفي عينيها دموع، وفي صدرها وجع... مش قادره حتى تلومه، ولا قادرة تلوم نفسها، بس اللي متأكده منه دلوقتي... إنها ندمانه...ندمانه انها قربت منه وبادرت تكلمه، فضلت قاعدة على سريرها شويه وهي ماسكه موبايلها، دموعها نازله غصب عنها وهي مش قادره تهدي قلبها اللي كان بيوجعها وكلامه لسه بيرن في ودانها، خدت نفس عميق وقررت تكلم سالي، رنت عليها وأول ما ردت، فريده قالت بسرعه وبصوت متوتر
"سالي، أنا مش هقدر أساعدك بخصوص تيم، أو حتى لوحدي، انا وانتي مش هنقدر لوحدنا، هكلم صاحبتي اللي قولتلك عليها قبل كده وهيا هتقدر تساعدنا اكتر أو على الأقل تفهمنا حالته اكتر علشان انا مش فاهماه بصراحه، ومتحاوليش تقربيني منه تاني، لو سمحتي"
سالي اتفاجئت من نبرتها وقالت وهي بتحاول تهديها 
"طب في إيه؟ اهدي... مالك يا فريده؟"
فريدة مسحت دموعها بسرعه وقالت بحده ووجع
"اهدي إزاي يا سالي؟! كل ما أكلمه يهزقني ويستقل بيا! سالي، انا عمر حد ما عمل معايا كده، وهو محسسني إني بجري وراه وهو مش معبرني، مسح بكرامتي الأرض... ودي مش أول مره!"
سالي فضلت ساكته لحظه وقالت بهدوء
"طيب خلاص، اهدي... تيم دي شخصيته معلش، عموماً شوفي الدكتوره اللي قولتي عليها قبل كده، ماشي؟ ونتقابل ونشوف هنقدر نعمل إيه."
فريده أخدت نفس وقالت بصوت أهدى
"تمام، هكلمها وهشوف هنتقابل امتى."
سالي قالت 
"تمام... بس قوليلي، مالك؟ عمل ايه ضايقك اوي كده"
فريدة سكتت لحظه، عينيها لسه مليانة دموع وهي مش قادرة تنطق، وكل اللي طالع منها تنهيده طويله وهي ماسكه الموبايل بإيدين بيرتعشوا.

عند تيم
كان في عربيته بيسوق بشرود، عقله مشغول بكلامه معاها، بقا يعمل حاجات هو مش عايز يعملها، بس مضطر.
وصل البيت، طلع أوضته بسرعة وهو بيحاول يسيطر على اللي جواه، قفل الباب ووقف لحظة وهو بيشد نفسه وياخد نفس طويل.
وسط شروده الباب خبط ودخلت صابرين وقالت
"كنت فين؟!"
قال وهو بيحاول يثبت صوته
"كنت مع فريده، زي ما قولتلك فهمتها إني عمري ما شوفتها غير واحدة عاديه وبس."
صابرين قربت منه، كانت هتتكلم، لسه هتفتح بقها، بس قال بسرعه
"ماما، لو سمحتي... عايز أكون لوحدي شويه، لو سمحتي."
صابرين اتشدت ملامحها للحظة وقالت
"بس..."
رفع عينيه ليها، عيونه كانت تعبانة جدًا وهو بيقول بنبره هاديه بس حاسمه
"لو سمحتي، سيبيني دلوقتي."
صابرين وقفت ساكته لحظه، بصتله بحزن وهي بتحاول ترد، لكنها اضطرت تسيبه وتخرج وتقفل الباب وراها بهدوء، تيم لف وشه بعيد، ايه كمية الاحاسيس اللي أول مره يحسها دي، والشعور بالضيق ده مختلف ليه المره دي.

يوم جديد
فريده كانت في المستشفى، بتراجع تحاليل على التابلت قدامها، فونها رن، بصت عليه كان يونس.
ردت بسرعه وقالت بنبرة طبيعيه
"إيه يا يونس؟"
قال بصوت هادي
"فريده، أنا في المستشفى عندك، ممكن تيجي؟"
استغربت وقالت بسرعه
"إيه ده! ليه؟ في إيه؟!"
قال بسرعه 
"تعالي بس، مستنيكي بره."
قفلت بسرعه ونزلت على طول، دورت عليه بعينيها، شافته واقف جنب الحيطه، وشه شاحب، قربت منه بسرعه
قالت بقلق
"في إيه يا يونس؟!"
بصلها وهو بيحاول يرفع دراعه ومقدرش، قال بنبره هاديه
"دراعي... تقريبا مكسور، عايز أجبسه من غير ما حد يعرف، بالله يا فريده"
فريدة قالت وهي متفاجئه 
"إنت أكيد بتهزر يا يونس... تعالي بسرعه ورايا!"
مشي وراها وهي ماشيه قدامه بسرعه وبتلف وشها كل شويه تبصله
دخلته أوضه فاضيه وقفلت الباب، بصت على دراعه وقالت وهي بتنهد
"يونس... بجد مش كفاية تهور؟ إيه اللي عملته المرادي؟!"
قال وهو بيحاول يضحك
"معرفش... بس كنت بجرب حركه جديده بالموتوسيكل... اعمل ايه يعني"
قطعت كلامه بنظره حاده وقالت
"حركة جديدة! إنت هتجنني... مد دراعك هنا."
بدأت تبص على دراعه بحذر وهي بتشوف الورم وقالت
"هسبته بجبيره مؤقته، لحد ما تعمل اشعه وانادي الدكتور "
قال 
" طيب بسرعه مش عارف احركه"
فريده جابت أدوات الجبيره المؤقته بسرعه، ومسكت دراع يونس بحذر
"هتوجعك شويه، استحمل."
قال وهو بيحاول يضحك
"مش جديدة يعني...خدي راحتك"
بدأت تلف الرباط بحرص، ويونس بيشد نفسه، قالت 
"كنت فاكرك اتعلمت من الحوادث اللي قبل كده!"
رد وهو بيتنفس بسرعه 
"اتعلمت إن الحركة فعلاً مش بركة المرادي."
خلصت وقالت
"كده مؤقت، لازم أشعة فورًا يا يونس."
قال وهو بيهز راسه
"ماشي... بس محدش يعرف حاجه"
قالت بسخريه
" على اساس مش هيبان يعني، حضرتك هتجبس دراعك"
قالها بتوسل
" مش هروح البيت لحد ما افكر عادي يعني، المهم ماما مش عايزها تعرف علشان هتقولي خليك في البيت وانا مش هقدر اقعد تاني، مستحيل ابعد عن سميره تاني كل ده" 
رفعت حاجبها وقالتله
" وانت اصلا هتسوق ازاي بدراعك ده؟!" 
قالها 
" بعرف اسوق من غير ايدي الاتنين عادي يعني، المهم بس مقولهاش لحد ما افكه" 
ضحكت بخفه وهيا بتقول 
" تفكه مين يا حبيبي لسه قدامك اكتر من شهر، هخرج اشوف هتعمل الاشعه امتى يا يونس يا خارق"
خرجت فريده وبعد ثواني رجعت معاها يسر اللي سألتها بتوتر
 "في إيه يا فريدة؟!"
فريده قالت وهيا بتفتح الباب
" شوفيلي يونس دراعه بايظ ومحتاج يتصور قبل ما الدكتور ييجي، هروح اشوف الدكتور وانتي ساعديه يروح يعمل اشعه"
فريده مشيت ويسر دخلت، يونس كان مغمض عيونه وساند ضهره، يسر حمحمت بصوت خفيف علشان يصحصح، فتح عيونه وبصلها باستغراب وقال
"فين فريده؟! وانتي مين أصلًا؟!"
يسر ردت وهي ماسكه في إيد السرير
"أنا ممرضة هنا، فريده قالتلي آخدك على غرفة الأشعة وهيا ثواني وهتيجي، فلو سمحت ساعدني وبلاش أسئله دلوقتي."
يونس بصلها بشك وقال
"هيا فريده بتشقطني يعني؟!"
يسر زفرت وقالت بزهق
"لو سمحت، ممكن أقوم بشغلي؟"
يونس قال وهو بيرفع حواجبه
"طب ممكن تنادي فريده يا اسمك إيه إنتي؟"
يسر ردت بملل وهيت بتحاول تفضل هاديه
"اللهم طولك يا روح..."
في اللحظة دي الباب فتح وفريده دخلت بسرعه وهي بتقول
"سوري يا يونس، كنت بعرف الدكتور، مقومتش ليه مع يسر على ما أجي؟"
يونس قال بسخريه وهو بيبص ليسر
"يسر؟! دي يسر دي؟ دي عسر."
يسر بصتله بحده وقالت وهي بتخرج من الأوضه 
"هبعتلك ضحي أو مروه لو محتاجه... عندي حاله تانيه"
يونس بصلها وقال بسخريه
" لاء والنبي خليكي، خليكي والنبي"
تجاهلته تماما وخرجت وقفلت الباب وراها، فريده بصت ليونس وقالت
"طب وليه جرّ الشكل مش فاهمه؟"
يونس رفع إيده السليمه وقال ببرود
"أنا مالي، هي اللي قفل"
فريده قالت وهي بتجهز لنقله
"طالما متعرفش ظروف الناس يبقى تسكت."
يونس قال وهو بيعدل نفسه استعدادًا يقوم
"وإيه ظروفها يعني؟ باباها منع عنها المصروف؟"
فريده قالت بحدة وهي بتمد إيدها تساعده
"يلا يا يونس... اخلص"

خلص يونس الأشعة، وكانت النتيجة كسر محتاج جبس فورًا، رجعوا على الاوضه والدكتورة كانت موجودة بتجهز المعدات وهي بتتكلم مع فريده عن تفاصيل الكسر، وفريده واقفة جنب يونس، بتهديه علشان يقعد ثابت
يونس كان بيحاول يخبي توتره وهو بيقول بفزلكه
"مش كنتوا تحطولي بنج ولا حاجه؟!"
فريده قالت بابتسامة صغيرة
" في بنج اصلا يا يونس "
يونس قال باحراج
"اومال حاسس بوجع ليه برضو"
الدكتورة ضحكت وقالت
"خمس دقايق وهتكون تمام."
بعد دقايق، الباب خبط ودخلت يسر، كانت جاية تدي فريده حاجه طلبتها منها بسرعة، عينيها وقعت على يونس اللي كان قاعد مكشر، رفع عينه وبصلها وقال وهو بيحاول يرخم عليها
"ايه يا عسر، اخدنا من وقتك دقيقتين بقا معلش"
يسر بصتله بجمود وقالت لفريده
" لو احتاجتي حاجه ابقي قولي"
فريده قالت
"شكرًا يا يسر."
فريده بصتله وقالت
" بطل رخامه "
قالها باستظراف
" بكره العصر"
فريده نفخت بضيق وقالت
"يا يونس، والله العظيم لو مبطلتش رخامة هسيبك للدكتورة لوحدك."
قال وهو بيتعدل
"لا لا، استني هنا خلاص"
الدكتورة قالت وهي بتراجع الجبس
"كده تمام يا يونس، متحركش دراعك، وخلي بالك منه، والمتابعة بعد أسبوع إن شاء الله "
يونس رفع عينه بدهشة وقال
"ليه هو أنا مش هشيله بكره؟!"
الدكتورة بصتله وقالت بابتسامة
"لاء طبعًا، إزاي يعني؟"
قال بضيق
"ما أنا مش هفضل بيه كده كتير! أسبوع إيه ده؟!"
الدكتورة قالت بهدوء
"يا أستاذ يونس، المدة اللي هتفضل بالجبس فيها من ٦ لـ ٨ أسابيع على الأقل، حسب التئام الكسر."
يونس فتح عينه بصدمة
"مستحيل كل ده! اخر مره جبست دراعي فيها كان أقل من شهر وفكيته"
الدكتورة قالت بحزم
" وده في حد ذاته مينفعش، لأن غير كده الكسر مش هيلتئم صح."
فريده اتدخلت وقالت بهدوء
"لازم تلتزم يا يونس، أحسن من إنك تخلعه بدري ويرجع يتكسر تاني بسهوله"
يونس نفخ بضيق وقال
"يا سلام يعني، كده أنا اتحكم عليا بالحبس تاني"
فريده ضحكت بخفة وقالت
"حبس إيه بس، ده علشان صحتك يا يويو"
الدكتورة قالت بعد ما خلصت
"تمام كده، خدي يا فريده الأدويه والتعليمات، وانت يا أستاذ يونس متنساش تتابع ضروري"
يونس قال وهو بيقوم بصعوبه
"طب لو عايز أسوق موتوسيكل؟"
فريده بصتله وقالت بسرع
"يونس!!!"
الدكتوره قالت
"ممنوع طبعًا، سيبك من المغامرات دي لحد ما تخف."
يونس عمل نفسه متضايق وقال
" نقطة ضعفي اني مسمعش كلام الدكاتره بجد"
فريده مسكته من دراعه السليم وقالت 
" خد بالك من نفسك بجد وبلاش تهور، ربنا بيسترها كل مره معاك فبلاش تستهون"
قال وهو بيسحب دراعه 
" متكبريش الحوار خلاص، انا واخد على كده اصلا" 
قالت بابتسامه 
" طيب مش هبطل اقولك برضو خلي بالك من نفسك" 
قال 
" طيب حاضر يستي، يلا باي"
ردت 
" باي" 

بالليل فريده كانت قاعدة في أوضتها، فاتحه الموبايل بتسكرول من غير تركيز، وقاطعها فونها اللي رن وكان حسام
ردت بهدوء
"ألو؟"
صوته جه دافي كالمعتاد
"إزيك يا فريده؟ كنت حابب أتطمن عليكي."
ابتسمت ابتسامه بسيطه وقالت
"الحمد لله يا حسام، أنا كويسه"
فضل يسألها عن صحتها، وهي بترد بهدوء، وهو بعد شويه قال بنبره شبه متردده
"بصراحه، كنت عايز أعزمك بكره على الغدا، إيه رأيك؟"
فريدة سكتت لحظه، دي يمكن المره المليون اللي يطلب منها يخرج يعزمها، وفي كل مره كانت بترفض... بس المرادي لقت نفسها بتقوله
"ماشي، موافقه"
صوته اتغير شويه وقال بسرعه
"بجد؟! طيب خلاص، هعدي عليكي في المستشفى بعد الشغل بكره؟ ايه رأيك؟!"
ابتسمت وقالت 
"تمام، ماشي."

عند سالي 
قررت تتكلم مع تيم أخيرًا بعد ما اختفى من قدامها الأيام اللي فاتت، راحت على أوضته، خبطت على الباب بهدوء، ولما محدش رد، فتحت ودخلت
بصت حوالين الأوضه، مكانش موجود ندهت عليه بس مفيش رد، كانت هتخرج بس لقته خارج من غرفة الدريسينج ملامحه كانت مجهدة وعنيه فيها لمعة ضيق.
قال بنبرة بارده
"في إيه؟!"
سالي بصتله وقالت وهي بتحاول تخفف التوتر
"كنت بدور عليك."
مسح بإيده على وشه وقال وهو بيرفع حاجبه 
"عايزه إيه يا سالي؟!"
سالي اخدت نفس وقالت بعتاب هادي
"إنت بتختفي فين؟ مش بشوفك ليه؟! مالك؟"
تيم قال ببرود
"مش لازم تشوفيني يعني"
سالي اتنهدت وقالت
"تيم، بجد؟! يعني إيه مش لازم؟! انت بقالك كتير كده مش طبيعي، مش انت نفسه تيم، ايه اللي مغيرك كده؟!"
بصلها بصه جامده وقال
"سالي، انا كده وهفضل كده، لو جايه تتكلمي عني وتلمحي بإني شخص مريض فلو سمحتي وفري وقتك"
سالي قربت منه وقالت بحده
"تيم! أنا جايه أسأل عنك عشان انت أخويا ومش مرتاحه لوضعك، في حاجه؟!"
اتنهد وهو بيبعد عينيه عنها وقال 
"أنا تمام."
قالت بصوت عالي نسبيا 
" لاء مش تمام، انت بتضحك على مين يعني، تيم انا اختك ومش هسيبك تغرق في اللي انت فيه ده، انت ليه بتحط مسافات كبيره بينك وبين أي حد؟"
فضل ساكت، حاطط إيده في جيبه، باصص بعيد عنها.
سالي قالت بهدوء
"أنا عارفة... عارفة إن في حاجه مضايقاك، وعارفه انك عمرك ما هتقول ايه هيا، بس متنساش اني مش غريبه عنك، انا اختك وبتمنالك السعاده، مش عايزه اشوفك بالوضع ده باقي عمرك، اسمح لنفسك تعيش، علشان انت بجد دافن نفسك، ولو انت هتفضل ساكت انا مش هسكت، هحاول انقذ ما يمكن إنقاذه"
قربت منه لما مردش وقالت
"بس متبعدش كده... بلاش تبعد عننا كلنا يا تيم"
اتكلم أخيرًا، صوته كان واطي
" كل واحد يعمل اللي يريحه"
سالي عضت شفايفها وقالت
" ده لو كان فعلا مريحك يا تيم، صدقني هفضل معاك حتى لو انت مش عايز اي حد يقرب من حصونك اللي انت بنيتها لنفسك، وانت عارف ان انا موجوده وممكن اسمعك في أي وقت"
بصلها أخيرًا، نظرته كانت حزينه وقال
"مش كل حاجة تتقال يا سالي."
هزت راسها وقالت
"ماشي... براحتك...بس متنساش إنك مش لوحدك برضو"
سكت، وبعد لحظة قال بجفاف كعادته
"خلاص، لو خلصتي تقدري تخرجي دلوقتي"
بصتله لحظه وقالت بهدوء
"طيب... تصبح على خير."
خرجت من الأوضة، وهو فضل واقف مكانه، عينيه باصه على الباب اللي خرجت منه، صدره بيتحرك بسرعه وكأنه بيحارب جواه حاجه مش قادر يظهرها.

تاني يوم
فريده خرجت من المستشفى وهي بتتكلم مع سالي في التليفون وبتقول
"أنا خارجه اهو، هاجي علطول"
قفلت معاها وفتحت شنطتها تطلع مفتاح عربيتها، بس قبل ما تكمل سمعت صوت زمارة عربية وراها، لفت بسرعه، لقت حسام واقف بعربيته، بيبصلها وبيبتسم.
فريدة ضربت على دماغها بخفه وقالت لنفسها 
"يا نهار أبيض!"
قربت منه بسرعه، وهو نزل الإزاز، وقال بلطف 
"فريده!"
فريدة بصتله وقالت
"لو حلفتلك إني نسيت أقولك إني خارجه أقابل صحابي دلوقتي، هتصدقني... صح؟"
حسام ضحك وقال
"يعني إيه يا فريدة؟! أنا متفق معاكي من إمبارح، نسيتيني كده بسهولة؟"
قالت وهي بترفع كتفها باعتذار
"والله نسيت، بجد، صحابي مستنين... بجد غصب عني اكيد، وبعدين أنا نسيتهم هما مش انت، خليها مره تانيه"
حسام قال
"طيب خلاص... معنديش مشكله، لو تحبي أوصلك؟"
فريدة ابتسمت بخفه وهزت راسها وقالت
"لاء شكرا... معايا عربيتي."
بصلها لحظه وسكت، وبعدين قال وهو بيحاول يخفف الموقف
"ماشي... خلي بالك على نفسك"
ردت عليه بسرعه
"وأنت كمان."
لوح لها بإيده وهو بيتابعها بعينيه وهي بتمشي بعيد.

فريده ركبت عربيتها وهي بتاخد نفس عميق، قلبها كان متلغبط، بس كملت، وصلت الكافيه اللي متفقه تقابل سالي فيه، نزلت بخطوات هاديه، دخلت، عينيها بتدور بسرعه لحد ما شافت سالي قاعده في الركن، قدامها كوباية عصير نصها فاضي، وهيا قاعده فاتحه فونها ومركزه فيه
فريده قربت منها بابتسامه صغيره، سلمت عليها وقالت
"إزيك يا سالي."
سالي رفعت عينيها ليها بسرعة وابتسمت وقالت 
"عامله إيه؟"
فريدة قعدت وهي بتشيل الشنطه من على كتفها وبتحطها جنبها وقالت بنبرة مرهقه بس بهزار 
"بنحاول نكون كويسين والله."
سالي هزت راسها وقالت وهي بتعدل قعدتها
"عندنا مهمه."
فريده نفخت بخفه وقالت بابتسامه باهته
"مهمة شاقه... جداً"
سالي ضحكت بخفه وقالت 
"الدكتورة فين بقا؟ هيا هتفهم اكتر مننا اكيد"
فريدة بصت في ساعتها وقالت
"قالت قدامها ١٠ دقايق وتكون هنا، مش هتتأخر إن شاء الله"

بعد دقايق، دخلت الدكتوره الكافيه، لمحت فريده فابتسمت وهي جاية ناحيتها، قامت فريده بسرعه سلمت عليها وعرفتهم على بعض 
"دي دكتوره ايه يا سالي"
بصت لايه وقالت 
" ودي سالي"
ايه مدت ايديها بابتسامه هاديه وقالت
"اتشرفت بيكي."
قعدت وهي بتفتح نوته صغيره وقالت وهي بتبص لفريده
"أظن يا فريده حكيتيلي عنه قبل كده، وأنا وصفتلك بالضبط حالته."
فريده قالت بسرعه
"بصي، سالي هتقولك كل حاجة من الأول، هي أدرى بأخوها ومامتها."
بصت لسالي وقالت بنبره جاده
"ها، سامعاكي"
سالي أخدت نفس عميق وقالت
"ماما مانعه أي بنت تدخل البيت نهائي، وأنا معرفش السبب، ولازم أفهم ليه... وليه تيم مساندها في أي حاجة هي بتقولها، ليه لاغي شخصيته كده"
ايه كانت بتسجل الكلام اللي محتاجاه وقالت بهدوء
"هل ده من زمان ولا مؤخرا"
سالي قالت
"من زمان، بس سامحالنا عادي نتعامل مع بنات طول ما إحنا بره البيت، بس بالرغم من إنها سامحه لتيم، عمري ما شوفته بيكلم واحده أو مع واحده"
رفعت ايه عينيها وسألت
"هل هو مش حابب ده؟ ولا مجبر"
سالي قالت بحزن
"مش حابب، لأن كل مره أفتح معاه الموضوع، يقولي إنه حابب كده، ومش عايز وان كل واحد حر في حياته"
ايه سألت بنبره أعمق
"متأكده إن ده بمزاجه مش مجبر مثلًا؟"
سالي قالت وهي بتحاول تشرح
"كل ما أكلمه، وحتى لما أحاول أستفزه وأقوله إنه مريض يقولي إنه مش مريض، وإنه عايز كده"
ابه سألت
"انطوائي؟ عنده صحاب؟"
سالي ردت
"هو انطوائي جدًا، معندوش غير حسام، لأنه بيساعده في الشغل، بس حتى هو وحسام مش صحاب اوي، علاقة شغل بس."
ايه سألت وهي بترفع حواجبها
"عرضتي عليه يروح لدكتور نفسي قبل كده؟"
سالي قالت بتأكيد
"كنت بلمح، بس مقولتهاش دايركت، كنت بقوله إنه مريض وممكن يكون عنده جينوفوبيا."
ايه سألت بسرعه
"ومنظم؟"
سالي هزت راسها وقالت
"جدا، منظم في كل حاجه، ولما قولتله ده وسواس، قالي مش أي حد منظم يبقى عنده وسواس، بينكر كل حاجه، وأنا بجد مش فاهمة إزاي هو عايش كده"
ايه سألت وهي تكتب
"يعنى هو عارف سبب منع دخول البنات البيت؟"
سالي قالت
"اه طبعا عارف، ماما دايمًا بتحكيله أسرارها، وبتقوله كل حاجه، علشان كده عايزين نقرب منه ونفهم إيه السبب، ماما حذرتني متدخلش، بس أنا طرف في العيلة ولازم أتدخل، ومش ههدي غير لما افهم كل حاجه"
ايه قالت بنبره هاديه
"وعلشان كده دخلتي فريده؟!"
سالي قالت وهي بتبص لفريده
"اه، وقبلها كان في كتير جدا، بس محدش فضل، فريده وعدتني إنها هتكون معايا للآخر."
ايه بصت لفريده وسألتها
"تيم بيعاملك إزاي؟"
فريدة اتنهدت وقالت بضيق 
"بلاش أقولك بجد، ده بيحتقرني، وكل ما يشوفني يقولي أنا بكره وجودك، انا مش بحبك، إنتي بوظتي حياتي، محسسني إني بجري وراه وهموت عليه بالرغم من إن في قدامي ناس أحسن منه بكتير بالنسبالي، بس أنا بقرب علشان أستدرجه مش اكتر، بس هو حتى مش بينطق حرف"
ايه سألت بهدوء
"ولما بتتعاملي معاه بتحسي بإيه؟ شخصيته ايه مثلا؟"
فريدة قالت وهي بتبص بعيد
"بصراحه بحسه شخص طيب من جواه، بس بيبين شره، محتاج حد يساعده يخرج من المستنقع اللي هو فيه بس هو عازل نفسه، ورافض يخرج من المستنقع اللي هو فيه، ورافض بقوه ومش محتاج اي حد يتدخل في حياته"
ايه سألت
"قدرتي تقربي منه علشان مامته سمحت، والسبب إنك بنت خالته؟ صح؟"
فريدة قالت بسرعه
"بالظبط، متوقعتش إنها تكون خالتي بصراحه، ولا هو يكون ابن خالتي، ده وفر عليا كتير جدا، لاني كنت محضره كمية سيناريوهات لما تظهر بس ده وفر شوط كبير جدا"
ايه بصت لسالي وسألتها
"لما بيتضايق ممكن يعمل إيه كأقصى حاجه مثلا؟"
سالي قالت بجديه
"ممكن يقلب البيت كله من شدة عصبيته، ودي أكتر حاجة مستغرباها، إزاي شخص منظم بيبهدل الدنيا حواليه بسهوله كده بمجرد أنه يتعصب بالرغم من أنه هادي اصلا "
ايه سكتت لحظه، ورفعت عينيها ليهم وقالت
"تمام، كده فهمت الصورة كامله، وهنبدأ مع بعض خطوه خطوه بس هسأل سؤال اخير الاول "
ايه نقلت نظراتها بين سالي وفريده بتركيز قبل ما تسأل سالي بهدوء
"لو عرضتوا عليه ييجي يتابع معايا؟ هيوافق؟"
سالي هزت راسها بسرعه وقالت
"مستحيل."
ايه بصت لفريده وسألتها نفس السؤال بنظره ثابته 
"وإنتي يا فريده، رأيك؟"
فريده زفرت وقالت
"نفس إجابة سالي طبعا"
ايه اتنهدت ببطء، وبدأت تتكلم بنبرة واضحه وحازمه
"بصراحه، من الواضح إن عندنا حالة عزله اختياريه لكنها ناتجه عن ضغوط تربويه وسلوكيه ممتده من الأم، وفيه رفض داخلي لفكرة أي تواصل عاطفي أو اجتماعي من النوع ده، مع نوبات غضب بتخرج رغم السيطرة الظاهريه وطبعًا، طبعا مفيش أي إنسان يقدر يعيش كده، وأكيد بيفرغ الكبت ده في حاجه زي الكتابه مثلا، ولو سألتوني هل هنعرف منه أي سبب عن الأم أو تفاصيل علاقته بيها، إجابتي هتكون لاء، بل مستحيل... من رابع المستحيلات يتكلم حرف واحد حتى لو كان ده آخر يوم في عمره."
سكتت لحظة، وبصت لفريده بتركيز وقالت
"أما عنك يا فريده، وسبب تعامله معاكي... فده هروب، يمكن بدأ يحس بمشاعر تجاهك، والمشاعر دي مش مؤكده عنده طبعا، وده بيخليه يهرب، وسبب الهروب مجهول لحد دلوقتي، بس ممكن يكون عنده عقده، أو خايف، أو مش مسموح له أصلاً."
فريدة فتحت بوقها تتكلم، بس ايه رفعت ايديها وكملت كلامها بهدوء
"وممكن... ممكن إنتي تكوني السبب اللي يحرره، لما يحس إنك خلاص مبقتيش تكلميه ولا تقربي منه، ويحس إنك هتضيعي، ساعتها ممكن يعترف بمشاعره، لأن مشاعر الحب لما بتكون من طرف واحد، بتكون صعبه وقاسيه لأبعد حد... وساعتها، لو هو فعلاً بيحبك، هيتكلم عن مشاعره، وكلامي واضح هيتكلم عن مشاعره بس"
فريدة شدّت ضهرها وقالت بسرعه وهي بتنفي
"لا لا، أنا مش... مش بحبه أصلًا علشان أزعل إنه بيهرب! أنا كل اللي كان يهمني بس إني أساعده، علشان خاطرك يا سالي، وعلشان هو واضح إنه محتاج حد، لكن حب؟ لاء، ما تقوليش كده مستحيل"
بصّت بعيد بسرعه وهي بتحاول تخفي ارتباكها قبل ما ترجع تبصلهم بجمود.
سالي سألت بسرعه وهي بتبص بين فريدة وايه
" طيب وكده يا دكتوره... نقدر نعرف السبب إزاي؟"
ايه قالت وهي بتبص لسالي
"زي ما قولت، تيم بيفرغ كبته ومشاعره، مستحيل يكون مش بيعمل كده، ودي الطريقة الوحيده اللي هتخليكوا تفهموا أي حاجة إنتوا عايزينها، يمكن يكون بيكتب مثلاً، وكل ده في مكان هو بس اللي عارفه... مكان سري خاص بيه، أو ممكن يكون بيكتب وبيرمي أول بأول كل اللي بيكتبه كطريقة لتفريغ مشاعره مثلا "
بصّت لفريده وقالت بنبره هاديه واضحه
"افهمي مشاعرك صح، وقبلها افهمي كلامي، انا مكنتش بتكلم عنك انتي يا فريده، بس واضح انك فهمتي غلط، افهمي مشاعرك ووقتها هتفهمي كلامي، وخلي بالك إنتِ ممكن تكدبي على الكل، بس أنا... لاء."
قالت كلامها وهي بتقوم وبصّت في ساعتها بسرعه
"دلوقتي هسيبكوا ولينا قعدة تانيه،.. هنتكلم أكتر وتقولولي وصلتوا لإيه" 

بعد ما آية خرجت وسابتهم، فضلت فريده ساكته لحظه، بتبص في المكان اللي كانت قاعده فيه ايه، كلامها لسه بيرن في ودانها.
سالي قطعت الصمت وقالت وهي بتتنهد
"طب إيه؟"
فريده سكتت لحظه وهي بتفكر وبتحرك صوابعها على الترابيزه وقالت
"هيا قالت إنه أكيد بيفرغ كبته ومشاعره... هل تيم بيحتفظ بحاجته فعلا ولا لاء؟!"
سالي زفرت وقالت
"مش عارفه... تيم بجد كل حاجة وعكسها"
فريده فضلت ساكته شويه، وبعدين قالت
"تيم بيكره أي حد يدخل أوضته."
سالي هزت راسها وقالت
"فعلاً، دي أكتر حاجة بتعصبه، أو إن أي حد يقرب من حاجته."
فريده رفعت عينيها ليها وقالت ببطء
"يمكن أوضته هي الإجابه"
سالي عينيها لمعت وقالت بسرعه
"صح، بس... حاطط فيها كاميرات."
فريده قالت بهدوء وهي بتفكر
"أصلًا... علشان كده عرف إني دخلت أوضته قبل كده."
سالي بصتلها باستغراب وقالت
"وإنتي دخلتيها ليه؟!"
فريده رفعت حاجبها وقالت ببرود
"كان وقتها هو بالنسبالي نقطة تساؤل... كان بيخوفني علشان أخرج من البيت، وحبيت أضايقه."
سالي بصتلها وقالت وهي بتضحك بخفه
"والله إنتي مش قليله برضو."
فريده ضحكت وقالت
"عيب عليكي."
سالي رجعت للجديه وقالت
"طب نعمل إيه طيب؟"
فريده زفرت وقالت وهي بتتكلم بتركيز
"قولنا السر في أوضته، ده احتمال كبير، يبقى لازم ندخل أوضته وندور"
سالي بصتلها وقالت بقلق
"مستحيل، ولو دخلت وهو مش موجود بلاقي محمود فوق راسي ويقولي تيم قالي أخد بالي من أوضته"
فريده عقدت حواجبها وقالت وهي بتعد على صوابعها
"يبقى محمود... وكاميرات المراقبه، دول العائق علشان نقدر ندخل أوضة تيم."
سالي قالت وهي بتفكر
"طب محمود ممكن أتصرف معاه... بس الكاميرات؟ أفصلها إزاي الوقت ده من غير ما ياخد باله؟"
فريده قعدت تفكر وقالت
"أكيد في غرفة كنترول أو شاشه رئيسيه، مين اللي بيتابع الكاميرات؟"
سالي قالت
"تيم طبعا، محدش غيره يقدر يشوف الكاميرات دي"
فريده قالت بهدوء
"طيب لو قدرنا نشغله بحاجه، أو نخليه يسيب مكانه شوية، ممكن ندخل ونفصل الكاميرات أو تفصلي الكهربا عن البيت كله، أو حتى نغطي الكاميرات بحاجه، ونخلص قبل ما حد ياخد باله."
سالي قالت بتحذير
"أيوه بس لو تيم عرف، إحنا كده بنلعب بالنار."
فريده بصتلها وقالت
"إحنا أصلًا بنلعب بالنار يا سالي، ومفيش حل تاني، لو عايزين نساعده بجد يبقى لازم نلعب بالنار، غير كده هيفضل زي ما هو ويمكن أسوأ، القرار يرجعلك انا اصلا نفسي انسحب"
سالي سكتت لحظه وقالت
"طيب وإحنا بندور في أوضته، بندور على إيه بالظبط؟"
فريده قالت وهي بتزفر
"أي حاجة، أوراق، دفتر، نوتس، أي حاجة فيها كلام أو حتى صور، أي حاجه هتنفع اكيد"
سالي قالت بهدوء
"طيب وإفترضنا لقينا، هنعمل إيه؟"
فريده قالت بصدق
"لو لقينا، نبقى وقتها نفكر هنعمل إيه... المهم نلاقي الأول"
سالي اتنهدت وقالت
"طيب، يبقى سيبيها عليا وانا هتصرف، انا عارفه انا هتصرف ازاي"
فريده قالت بابتسامه صغيره
" تمام"

يوم جديد
كانت فريدة خارجة من شغلها بدري بعد ما سالي كلمتها وقالتلها تيجي البيت بسرعه، فريدة اتأكدت إن مفيش حد في البيت غير سالي واتحركت فورا
وصلت البيت ونزلت، دخلت وقبل ما تتكلم سالي قالت بقلق
"أخيرًا جيتي."
فريدة قالت وهي بتاخد نفس
"أنا خرجت بدري النهارده من المستشفى علشان أجي، بس الطريق طويل اعمل ايه"
سالي قالت بسرعه
"خايفة منلحقش، أصل تيم قدامه ساعة إلا ربع ويوصل"
فريدة بصتلها وقالت
"طب طمنيني، عملتي إيه؟"
سالي قالت
"مفيش حد خالص في البيت، بابا في أوضته وياسين نايم"
فريدة قالت
"حلو ده، والكاميرات؟"
سالي بصتلها وقالت بسرعه
"كلمت واحد متخصص تهكير، فهمته الوضع، قلتله عايزين ندخل الأوضه من غير ما نعطل الكاميرات أو تبان انها متعطله، قالي هيعمل Loop أول ما أبعتله علطول، بس هيكون قدامنا 20 دقيقة بس... تفتكري هيكفوا؟"
فريدة قالت بحزم
"إن شاء الله هيكفوا، الأوضه منظمه جدًا، ده هيساعد، المهم امشي قبل ما ييجي بالله."
سالي قالت
"طيب يلا، وانا هبعتله حالا"
طلعوا بسرعة أوضة تيم، دخلوا وهما بيحاولوا يكونوا هاديين، بدأوا يدوروا في الأوضه بسرعه، سالي قالت بتوتر
"رجعي كل حاجة مكانها بالضبط"
فريدة قالت وهي بتفتح الأدراج
"متقلقيش، بس خلي بالك من الوقت."
كانوا بيدوروا بسرعه في الأوضه، بس مفيش حاجه واضحه.
سالي قالت وهي بتتنهد
"شكل مفيش حاجة ولا إيه؟"
فريدة قالت
"خلينا للآخر، بلاش يأس"
سالي بصت في ساعتها بسرعه وقالت
"فاضل 7 دقايق."
فريدة كانت بتدور بعنايه، عقلها بيلف بسرعه، بتفكر إيه ممكن يكون الملجأ بتاع تيم.
فريده قالت 
" هدور في الدريسينج، احتمال كبير يكون فيها حاجه" 
سالي قالت
" ممكن، هكمل انا هنا وانتي شوفي جوه"
فريدة دخلت الدريسينج، فضلت تدور في الدولاب، بس لفت انتباهها حاجه، في لون ورا مختلف عن الجنب التاني بدرجه، فريدة شالت كذا بدله بسرعه علشان توسّع مكان، الباب كان جزء من الحيطه كأنه مش موجود، الدهان نفس اللون ونفس الملمس، مندمج بالكامل مع الجدار، واللي يمر قدامه عمره ما يشك إن فيه باب هنا أصلًا الا لو كان بيدور عليه مثلا، والفاصل اللي حواليه كان خيط رفيع جدًا، لا يُرى إلا لو الضوء وقع عليه بزوايا معينه، أو لو حد لمس الحيطة وايديه حسّت بفرق بسيط جدًا في ملمس الخط ده، قلبها دق بسرعه جدا، مكانتش مصدقه اللي شايفاه، ولازم تفتحه..... حالا
فريدة مدت إيديها على الخط الرفيع اللي باين بالكاد على الحيطة، كانت بتتحسسه ببطء، قلبها بيدق بسرعة، وأنفاسها متلاحقة، ضغطت بإيديها عليه كأنها بتدور على أي بروز أو مفتاح، بس الباب مكانش بيتحرك، كان ثابت وكأنه جزء من الحيطة فعلًا.
في اللحظة دي، سالي دخلت بسرعة وهي بتقول بصوت واطي
"فريده؟؟!! بتعملي ايه؟!!!"
فريدة قالت وهي بتبصلها بسرعة
"ده... تقريبًا باب، في باب هنا يا سالي"
سالي قربت ولمست الحيطة وقالت بذهول
"باب؟ بس ازاي؟ مش باين إنه باب أصلًا، ده كأنه حيطة عادية، باب ايه يا فريدة"
فريدة ردت بسرعة وهي بتبلع ريقها
"درجة اللون مختلفة بشعرة، لو ركزتي هتلاقي فرق بسيط، يمكن فرق درجة واحدة، بس واضح للي بيركز، وفي خط رفيع هنا كمان، حطي ايدك"
سالي بصتلها وقالت وهيا بتلمسه 
"إزاي عرفتي؟ الفرق يكاد يكون معدوم اصلا سواء باللمس أو اللون"
فريدة ردت بسرعة 
"شغلي بيعتمد على الملاحظة والدقة، لازم ألاحظ التفاصيل الصغيرة... غير كده انا عارفه الباب ده بس بيكون مختلف، ده احدث بكتير، بس مش وقته دلوقتي، ده بيتفتح إزاي؟"
سالي بصت في ساعتها وقالت بصوت متوتر
"فريدة... فاضل دقيقة! لازم نخرج فورًا."
فريدة بصت للبدل اللي شالتهم وقالت
" طب ساعديني نرجعهم مكانهم بسرعة."
اتحركت بسرعة وهي بترتب البدل في مكانها بدقة، وسالي بتساعدها، صوت أنفاسهم كان عالي، وقلبهم بيدق بسرعة جدًا.
أول ما رجعوا كل حاجة، خرجوا بسرعة من الأوضة، وسحبوا الباب وراهم بهدوء، وهم بيتنفسوا بصعوبة، ونزلوا تحت قعدوا.
سالي قالت وهيا لسه مزهوله
"لو ده باب فعلًا، إحنا قربنا جدًا."
فريدة بصتلها وهي بتحاول تخفي قلقها
"بس بيتفتح إزاي؟ أنا حاولت ومفيش فايده... صعب جدًا."
سالي قالت وهي بتفكر
"أكيد تيم مش هيسيبه يفتح بسهولة يعني، طبيعي يكون في شفرات أو نظام حماية مثلا"
فريدة قالت وهي بتتنهد
"والعمل؟"
سالي رفعت عينيها بسرعة وقالت بحزم
"هنراقبه ونشوفه بيفتحه إزاي."
فريدة هزت راسها وقالت
"ولو مش بيفتحه أصلًا؟ وبعدين هتراقبيه إزاي يا سالي؟"
سالي قالت بإصرار
"هركب كاميرات في الدريسينج وهراقبه، أنا فاضية ومعنديش حاجة، هفضل قاعدة أتابعه، يوم ورا يوم، لازم أعرف بيعمل إيه وهعرف إزاي بيفتحه، هموت من فضولي، مش قادره اصدق اني ممكن اعرف السبب اخيرا بعد كل ده"
فريدة قالت 
"أكيد هنلاقي حل... بس محتاج وقت اكيد وصبر"
سالي ابتسمت وقالت
"وليكن، المهم قدرنا نوصل لحاجة، بجد... عمري ما كنت هاخد بالي، إنتي عبقرية."
فريدة ابتسمت وقالت
"أنا أخدت بالي من فرق الدرجات، قبل ما أدخل الكلية عملولنا اختبار قدرات بيعتمد بنسبة كبيرة على الملاحظة، فكان لازم أركز دايما، الملاحظه في أبسط الحاجات أساس وظيفتنا"
سالي ضحكت وقالت
"بجد كويس، إحنا كده عدينا الجزء الأصعب."
فريدة قالت وهي بتسحب شنطتها
"فاضل المستحيل."
سالي ضربتها بخفة وقالت
"حرام عليكي يا شيخة... ليه تعقديني كده."
فريدة قالت وهي بتستعد تمشي
"والله ما أنا اللي بعقد... أخوكي اصلا أكبر معقد في الدنيا."
سالي قالت وهي بتضحك
"في دي معاكي حق."
فريدة قالت
"أنا همشي دلوقتي قبل ما حد ييجي، وخصوصًا أخوكي، مش عايزة أشوف خلقته تاني."
سالي ودعتها بابتسامة، وفريدة خرجت من البيت وهي بتتنفس بعمق، وقلبها لسه بيدق بسرعة... يمكن اخيرا هتعرف سبب عقدته وليه الشخصيه دي، والأهم ليه بيبعدها عنه.

كانت ماشيه ناحية عربيته بس قبل ما تكمل سمعت صوت باب عربية بيتقفل بهدوء، رفعت عينيها بسرعة وشافته، تيم... كان لسه نازل من عربيته، واقف بيقفل الباب وبيبصلها مباشرة، في اللحظة دي حسّت إن قلبها بيقف، وشه ثابت جدًا، ملامحه صعبة تتفهم، وعينيه السوده كانت مركزة عليها، فريدة بصت بعيد عنه، رفعت شنطتها على كتفها، وكملت بخطوات ثابتة كأنها مش شايفاه أصلًا.
راحت ناحية عربيتها بسرعة، فتحت الباب وركبت، قلبها لسه بيدق، وإيدها بتترعش على الدركسيون، دورت العربية ومشيت، وهو كان واقف مكانه بيبصلها، عينيه بتتابعها لحد ما العربية اختفت من قدامه.

بعد ما مشيت من قدامه دخل البيت، لقا سالي قاعده 
دخل وسأل ببرود وهو بيبص حواليه
"هيا فريدة كانت هنا بتعمل إيه؟"
سالي قالت وهي بتحاول تبان عاديه
"كانت جاية تقعد معايا شويه عادي."
تيم قال وهو بيهز راسه
"طيب."
سالي وقفته قبل ما يطلع أوضته وقالتله بحده بسيطه
"فيها مشكلة يعني؟!"
تيم لفلها بنظرة باردة وقال
"لاء، مجرد سؤال."
سالي قالت وهي مكتفة إيديها
"أوعى تكون ضايقتها بكلامك يا تيم، فريدة كانت جايه ليا أنا."
تيم بص بعيد وقال ببرود
"مليش دعوة بيها أصلاً، كل اللي عايزه إنها تبطل تظهر قدامي مش أكتر."
سالي بصتله وقالت وهي بتحاول تتمالك أعصابها "وهي أصلاً مش قاتلة نفسها عليك، دايمًا بتقولي إنها مش بتحب تتكلم معاك أو تشوفك، بس أوقات بتكون مضطرة، وبسبب شخصيتها الاجتماعية بتعاملك زي أي حد، مش بتتعمد تعاملك إنت بالتحديد"
سكتت لحظة وكملت
"حتى اسأل يونس على معاملتها معاه، وبسبب معاملتك معاها بقت مش حابه تشوفك أبدًا، حتى قبل ما تيجي اتأكدت إنك مش في البيت، ولما قولتلها إنك قربت توصل... مشيت على طول علشان متشوفكش."
تيم وقف مكانه لحظه، ملامحه ثابته ونظراته فضلت ثابتة عليها بدون كلمه.
لكن جواه...
كأن الكلام دخل غصب عنه، حس بضيق جواه، كلامها علق معاه رغم إنه كان دايمًا بيقول لنفسه إنه عايزها تختفي من حياته، بس فكرة إنها بتهرب منه فعلًا... كانت تقيلة على قلبه
شد نفس وهو بيحاول يطرد الأفكار دي من دماغه، عدل وقفته وقال بصوت هادي وبارد كالعاده
"تمام."
قال كلمته ومشي بخطوات ثابتة ناحية أوضته، بس جواه كانت فيه حاجه حاكماه، حاجة عمره ما حب يعترف بيها، حاجة اسمها "خوف من اختفائها فعلًا"
سأل نفسه، ليه بيعمل كده في نفسه، كل مره يحس إن وجودها بيسحبه ناحيتها غصب عنه بيحاول يهرب، يبعد، يخليها تكرهه، بس مش قادر يمنع نفسه من مراقبتها حتى لو من بعيد، مش قادر يمنع قلبه إنه يدق لمجرد إنه يشم ريحتها في المكان.
إيه اللي بيعمله في نفسه ده؟
وليه أصلاً؟
ليه مش عايش ودافن نفسه كده؟ 
كل ده بسبب وعد وعده زمان ومكانش عارف أنه هيتعذب اوي كده علشان يقدر ينفذه؟
شد نفس طويل وهو بيحاول يقنع نفسه إنه مش فارق معاه وجودها من عدمه وإنها لو اختفت مش هتفرق، وإنه عايزها تختفي، بس جواه كان في صوت تاني بيقوله العكس

عند فريده 
كانت في عربيتها لسه، طلعت موبايلها بسرعه ورنت على حسام وبعد ثواني رد بصوته العادي
"أيوه يا فريدة؟"
قالت وهي بتحاول تثبت صوتها
"ازيك يا حسام، أنا جاهزه دلوقتي... ابعتلي اللوكيشن "
سكت لحظة قبل ما يرد
"تمام، هبعتهولك دلوقتي، وهستناكي هناك."
قالت بسرعة قبل ما تقفل
"تمام، هشوفك هناك."
قفلت المكالمة، أخدت نفس طويل، فتحت المابس واتحركت مع اللوكيشن
وصلت فريدة، دخلت لوبي لفندق كبير، الديكور راقي والإضاءة دافية، ناس قليلة حواليها، كل حاجة هادية ومنظمة.
شافت حسام واقف بعيد، ماسك موبايله وهو بيبص عليها أول ما دخلت، ابتسم لها ابتسامة خفيفة وقال
" اخيرا شرفتي المكان، كنت فاكرك هتغيري رأيك في آخر لحظه"
فريدة رفعت حاجبها بخفة وقالت
"انت مكنتش بتزهق اصلا؟"
ضحك وهو بيقول
"لاء أنا مش من الناس اللي بتزهق بسهولة، خاصة لو معاكي"
قادها بهدوء ناحية ترابيزة في ركن هادي، فريدة قعدت وقالت
"المكان شيك أوي."
قال بسرعة وهو بيعدل قميصه 
"اهم حاجة تكوني مرتاحه."
قالتله بهدوء 
" الراحه مش بالأماكن الغاليه بالنسبالي" 
ابتسم وقال 
" مش مهم، ادينا بنعرف بعض"
فتح المنيو وقربه ليها وهو بيقول 
" تحبي تطلبي ايه ؟!" 
رجعتله المنيو بهدوء وهيا بتقول 
" على زوقك" 
ابتسم وقال وعينيه فيها لمعه خفيفه
" تمام، يبقى على زوقي"
اختار طلبه وعرضه عليها 
بصتله بخفة وقالت
"عادي، تمام."
سكتوا لحظة، وهي كانت بتبص حواليها، هو فضل ساكت، بس كانت عينيه عليها باستمرار، ملاحظ كل حركة منها.
قال بابتسامه واسعه
"عارفة... بقالي كتير بتخيل اللحظة دي"
رفعت عيونها وقالت بهدوء
"مفيش داعي تتخيل، إحنا هنا أهو."
ابتسم وقال
"آه... صح."
قعدوا يتكلموا كلام خفيف وحسام كان بيحاول يعرفها اكتر، وهي كانت بتجاوب عادي، وهو كان كل شوية يحاول يفتح كلام تاني، بس بيرجع يغيره بسرعة لو حس إنه هيكون تقيل عليها.
الأكل جه والجرسون حط الأطباق بعناية على الترابيزة.
حسام قال وهو بيشاور على الطبق
"جربتي ده قبل كده؟"
فريدة هزت راسها بالنفي وقالت وهي بتمد إيدها بالشوكة
"لاء، بس ريحته حلوة."
ابتسم وقال
"ده من الحاجات اللي بحبها هنا، لو معجبكيش قوليلي نطلب حاجة تانية."
قالت وهي بتضحك ضحكة خفيفة
"مش للدرجادي يا حسام، مفيش داعي"
ابتسم وهو بيحرك شوكته في طبقه وقال بسرعة وكأنه بيحاول يغير الكلام
"بس بجد، حابب إنك تكوني مرتاحة."
فريدة بدأت تاكل بهدوء، ومرة تبص للأكل ومرة تبص للي حواليها، وهو كان بيبصلها أوقات، وأوقات يبص في طبقه عشان ميحرجهاش، لكن عينيه كانت بتلمع كل مرة يشوف ضحكتها الخفيفة أو نظرتها السريعة له.
حسام قال بعد لحظة صمت
"على فكرة... وجودك هنا النهاردة فرق معايا."
فريدة بصتله، شافت نظرة صادقة في عينيه لكنها بسرعة ردت بابتسامة صغيرة وقالت
"المهم تكون مبسوط، بالرغم من إني نفسي أعرف سبب المقابلة."
اتوترت ملامحه للحظة، بس حاول يخفي توتره وقال بسرعه وهو بيعدل قميصه
"عادي... يعني احنا صحاب زي ما قلتلك قبل كده، وانتي بجد مهمه."
بصتله باستغراب فلحق نفسه بسرعة وقال وهو بيحاول يضحك بخفة
"قصدي، وجودك يعني بيكون مهم، بحس إنك بتدي إينيرجي لكل اللي حواليكي"
ابتسمت ابتسامة خفيفة جدًا، وقالت بصوت دافي
"شكرًا يا حسام بجد."
سكت لحظة، وبص بعيد وهو بيحاول يسيطر على ارتباكه، فضل ساكت بعدها وشوية بشوية رجع يفتح كلام عادي عن شغلها وعن حاجات بسيطة عنها، كان واضح إنه مبسوط، لأنه أخيرًا قابلها بعد كل المحاولات.
بعد شويه فريده بصت في ساعتها وقال
" اتأخرت، بجد شكرا على كل حاجه، كان يوم جميل"
حسام ابتسملها، ونظراته كان فيها حاجة دافية وهو بيقول
"أنا اللي بشكرك إنك وافقتي تيجي، ومبسوط إنه كان يوم حلو بالنسبالك"
خرجوا من المكان، اتمشوا شوية لحد العربية، حسام بصلها وقال
"خلي بالك من نفسك.. وابقى طمنيني لما توصلي."
قالت وهي بتفتح باب العربية
"حاضر... شكرًا يا حسام."
ابتسم وهو بيحاول يثبت ملامحه وقال
"يومك سعيد يا فريدة."
ركبت العربية وقبل ما تتحرك، بصت في المراية الجانبية، لقته واقف لسه في مكانه، بيبص للعربية، فحركت العربية بهدوء ومشيت.

تاني يوم 
فريدة كانت في شغلها، واقفة عند الكاونتر في المستشفى، سرحانة وهي بتقلب ملفات في إيدها من غير تركيز.
جت يسر جنبها وسألتها
"مالك؟ في إيه؟"
فريدة مردتش، لسه سرحانه لحد ما يسر خبطتها في كتفها وقالت بحزم
"فريدة؟"
فريدة رفعت عينيها ليها وقالت بصوت واطي
"إيه؟ بتقولي حاجة؟"
يسر زفرت
"إيه اللي واخد عقلك؟"
قالت وهي بتحاول تبتسم 
"مفيش... كنت بفكر في حاجة، ف إيه؟"
يسر قالت بنظرة قلقة
"شايفاكي من الصبح مش على بعضك."
ضحكت فريدة ضحكة قصيرة وقالت
" مفيش حاجه بجد، سيبك مني دلوقتي... قوليلي، عاملين إيه في البيت؟ وإنتي عاملة إيه؟"
سكتت يسر لحظة، وبصت في الأرض قبل ما تقول
"التفكير مش سايبني في حالي... مفيش أي أخبار عنها، وعدى أكتر من شهرين أهو... محدش قادر يجيب سيرتها في البيت عشاني، بس أنا أصلاً مش ببطل أفكر فيها، وبفكر ليه عملت كده؟ ليه بصتله هو؟ واشمعنا هو؟"
صوتها بدأ يتهز وهي بتكمل
"ولو هو عايزها هيا، ليه مجالهاش هيا من الأول؟ ليه يعملوا فيا كده؟ ويا ترى هي دلوقتي عايشة إزاي؟ هو أصلاً مش مسؤول بما فيه الكفاية، ومستحيل يقدروا يكملوا لوحدهم، وأمه وحشة أوي يا فريدة... مش عارفة إزاي قدرت تعمل كده، خصوصًا لو هي راحِتلها، هتهينها جامد لأنها خلاص معندهاش أهل ممكن يقفوا ليها."
فريدة بصتلها وقالت بهدوء
"طب وإنتِ هتعملي إيه يعني؟ هو إنتي اللي قولتلها تهرب معاه؟ هي مش هتستحمل وهترجع اكيد"
يسر رفعت عينيها بسرعة وقالت
"هترجع إزاي يا فريدة؟ إنتي متخيلة إنها هترجع عادي كده؟ أنا مش عارفة هي ممكن تعمل إيه أصلاً."
قبل ما ترد، سمعت فريدة صوت يونس وراهم بيقول بخفة
"هاااي."
لفت بسرعة وقالت بدهشة
"يونس!"
ابتسم يونس وقال
"فريدة، مش عايز أفضل بالبتاع دي، فكيهالي بقى عشان خاطري."
يسر بصت لفريده وقالتلها
"هسبقك أنا طيب."
يونس بصلها بسرعة وقال 
"إيه ده! عسر! إزيك؟ مخدتش بالي إنك واقفة."
يسر بصتله بقرف ومشيت، فريدة قالتله وهي بتحاول تخفي ضحكتها
"بطل بقى ترخم عليها."
يونس رفع حاجبه وقال
"هي معندهاش لسان ولا إيه؟ مفيش غير نظرات بس!"
فريدة قالت
"فكك منها، قول كنت عايز إيه؟"
قال بسرعة
"عايز أفك البتاع ده، لما ماما شافته عملتلي فيلم، بالرغم إني حاولت أداري والله"
فريدة رفعت حاجبها وقالت
"تشيل إيه يا حبيبي؟ إنت لسه عامله من يومين، بطل هبل."
قالها بتذمر
"مش طايقه يا ستي، أعمل إيه؟"
ردت عليه
"استحمله بقى، بعد شهر ولا حاجة أبقى أفكه."
قال بتنهيدة
"نفسي في جسم ضد الكسر بجد، علشان أقدر أعيش حياتي طبيعي."
ضحكت فريدة وقالت
"إنت مش بتستخدم البروتكتيف بادز اللي بتحطهم قبل ما تسوق يحموك؟"
قال بسرعة
"لاء طبعًا، الحرية غير."
قالت بابتسامة
"هي غير فعلاً، بس كده إنت مش حر بالدرّاع ده."
رد وهو بيغير الموضوع
"فكك مني، مالها صاحبتك دي زهدت الدنيا كده ليه؟"
سألته 
"مين؟ يسر؟"
رد
"آه هي عسر."
ضحكت وقالت
"فاكر صاحبتي اللي كنت رايحة أحضر كتب كتابها قبل كده؟"
يونس فكر شوية وقال
"آه فاكر."
فريدة قالت
"كانت هي."
قال وهو بيحاول يفتكر
"وقولتي إنه متمش؟"
هزت راسها وقالت
"آه متمش... علشان أختها هربت مع خطيبها."
يونس قال بصدمة
"ده بجد؟! قولتي الجمله خبط لزق صدمتني"
قالت وهي بتزفر
"أمم... شوفت بقى ظروف الناس صعبة إزاي؟ يعني لو أخوك مثلاً هرب مع خطيبتك، شوف ممكن تعمل إيه."
ضحك يونس وقال بثقة
"الحمد لله تيم عمره ما يعمل كده، أصلاً مش بيتعامل مع أي بنت، يقوم يوم ما يتعامل، يتعامل مع خطيبتي أنا مثلًا؟"
قالت وهي بتبص بعيد
"كل واحد وظروفه بقى."

عند ياسمين
كانت بتزعق، صوتها عالي وهي واقفة في نص الصالة الصغيرة
"يعني إيه يا محمد؟! أنا مش قادرة أشتغل وظيفتين طول اليوم، وانت رامي كل حاجة عليا!"
محمد كان قاعد على الكنبة، حاطة إيده على راسه، وقال بصوت مخنوق
"هتسيبي الشغل يعني؟ هتسيبي الشغل وإحنا يادوب مكملين الإيجار والأكل بالعافيه؟"
ياسمين قالت بصوت اعلى
"أنا مش هقدر، فاهم؟! مش هقدر، أنا بشتغل شيفتات طويلة وبروح مهدودة، وإنت... إنت مش قادر تكمل في وظيفه حتى، دي مبقتش عيشه "
قال بملل
" هتصرف في البيت يا ستي بس بلاش تسيبي الشغل"
كانت هترد، بس الباب خبط فجأة.
ياسمين بصت للباب بقلق وقالت
"مين ده دلوقتي؟"
قامت تفتح الباب وهي بتزفر، اتصدمت لما شافت أم محمد واقفة قدامها وبتبص لياسمين بنظرة كلها احتقار.
قبل ما ياسمين تلحق تستوعب، أم محمد زقتها ودخلت البيت وقالت ببرود
"وسعيلنا يختي."
ياسمين وقفت مصدومة مكانها، محمد أول ما شاف أمه ابتسم، جري عليها وهيا حضنته بشدة، قالت وهي بتبعد عنه وبتبصله
"إنت خاسس كده ليه يا ضنايا؟ هي مش بتأكلك؟ قول يبني، مش بتاكل كويس؟"
محمد قال بسرعة وهو بيحاول يهدي الموقف
"أنا كويس يا أمي."
أمه بصتلها بقرف وقالت بصوت عالي
"كله من البومة دي، هي السبب في كل اللي إنت فيه!"
ياسمين فتحت بقها علشان ترد، لكن محمد بسرعة قال
"ياسمين...مش هنقدر ندفع إيجار البيت أكتر من كده... هنروح نعيش مع ماما في البيت"
صدمتها كانت فعلا كبيره منه، أمه قالت بشماتة
"وأنت كمان بتعرفها يا ضنايا؟ دي حرمتك مني كل الفترة اللي فاتت، قال ايه؟ مش هتقدر تعيش مع حد، بتشرط عليك، ودلوقتي هتقدر تتكلم أصلًا ولا تعترض؟ مش ناقص غير الفلتانه"
ياسمين قالت بغضب وصوتها بيترعش
" هو في ايه؟ انتي مفكره نفسك مين علش..." 
محمد قاطعها بصوت عالي
" ياسمين؟!"
صرخت ياسمين
"ياسمين إيه وزفت إيه؟! إنت بتقول إيه؟!"
أم محمد قالت بسخرية وهيا بتحط إيدها في وسطها
"اللي سمعتيه يا ضنايا... ولو مش عاجبك، الباب يفوت حمار، ده لو عرفتي تروحي فين أصلًا، مش هتلاقي حد يلمك غير ابني"
فضلت ياسمين واقفة مكانها، ودموعها على وشك النزول، ومفيش غير صوت نفسها العالي اللي كان مالي المكان، ومحمد واقف مش قادر يبص في وشها.

عند فريده 
كانت راجعة البيت، وصلت، وهيا بتركن عربيتها لمحت عربية غريبة راكنة، عرفت أن في حد عندهم.
دخلت البيت بسرعه بس كان في هدوء، دخلت الصاله، بس شافت شخص مكانتش مستعده تشوفه ابدا وحست بالضيق...
دخلت فريده البيت، ولما دخلت الصاله لمحت علي اتشنجت أول ما شافته قاعد على الكنبه، ماسك فنجان قهوه، بيتكلم مع إيناس اللي كانت قاعده جنبه، وإسلام قاعد معاهم بيضحك على حاجه علي قالها، اتسمرت مكانها، ملامحها اتغيرت بسرعه، اتشدت، ضيقت عينيها وهي بتبصلع، ايناس أول ما شافتها قامت بسرعه وقالت بصوت متفاجئ
"فريدة؟ انتي جيتي إمتى؟"
فريدة كانت واقفه، عينها ثابتة على علي، ملامحها مشدوده ومستغربه وجوده
ايناس قالت بتوتر 
" فريده...ده...."
قاطعتها بصوت بارد
"عارفه... علي، اللي عايز ياخدك مننا، صح كده؟!"
علي وقف بسرعه، كان هيتكلم، بس هيا بصتله وقالت
"أكيد أي كلام هتقوله مش هكون مقتنعه بيه، أنا بكرهك من قبل ما أشوفك أصلا فمتحاولش"
إيناس اتلغبطت وقالت بحده
"فريدة؟!"
فريدة بصتلها وقالت بصوت واضح
"متحاوليش توقفيني، أنا مش مستعدة لحاجه زي دي أبدًا."
علي قال بصوت هادي وهو بيبص في عينيها
"أنا عارف إن عندك حق تكوني كرهاني ومش حباني، بس انتي لسه معرفتنيش يا فريده... أنا مش ناوي أبدًا أخد إيناس منك زي ما انتي متخيله، أنا فعلًا بحبها، واستنيتها كل ده علشان تتطلق ومصدقت أخيرًا، وصدقيني... أنا هكون سندها"
فريدة ردت بسرعه وعينيها فيها لمعة غضب
"انت دمرت البيت وبس، ده اللي انت عملته... فمتجيش تحاول تحسن من اللي بتعمله"
إيناس قالت بتوتر
"فريده... بس، بطلي هجوم."
فريده بصتلها وقالت
"حاضر... هبطل هجوم... اشبعوا ببعض"
لفت وسابتهم، طلعت أوضتها بخطوات سريعه، قفلت الباب وراها جامد، وإيناس واقفه مكانها ندمانه انها سمعت كلامه
قالت وهي بتبص لعلي
"قولتلك مش هتتقبل."
إسلام كان واقف وقال وهو بيبص لإيناس
"أنا هطلع أشوفها."
اسلام طلع وعلي قال وهو بيحاول يسيطر على قلقه "إيناس... ده لازم يحصل، هي مش هتتقبل بسهوله بس أكيد هتتقبل... حاولي تتكلمي معاها وتفهميها، أكيد هتقتنع بكلامك مع الوقت"
إيناس قالت بنبرة تعب
"حاولت كذا مرة، بس هي رافضه... قولتلك صعب."
علي قرب منها وقال بنبرة مصممه
"إيناس، انتي لازم تحاولي عشاني... أنا بحرك قضية طلاقك علشان تتم بسرعة، وبمجرد ما عدتك تخلص هنتجوز... صدقيني، مش هقدر أقبل غير كده، في وقت لسه قدامنا تقنعيها."
إيناس قالت بحزن وهي بتبص بعيد
"أتمنى تقتنع... علشان هي لو فضلت مصممه على رفضك، مش هقدر أتجوز... مش هقدر أعمل كده وهيا مش عايزه ده."
علي قال بحسم
"مفيش حاجة اسمها لو... إحنا تعبنا كتير وعايزين نرتاح بقى، مش هقبل أي رفض، في وقت كبير اهو تتقبل فيه، وانتي عارفه بنتك وعارفه هتقنعيها ازاي، واكيد هتتقبلني مع الوقت"
سكتوا هما الاتنين، وإيناس حست بتقل الموقف على قلبها، وبتفكر هتفضل كده لحد امتى؟ 

إسلام طلع بخطوات هاديه، كان متردد يدخلها ولا لاء، بس في الآخر خبط خبطه خفيفة جدًا، وفتح الباب وهو بيقول
"ينفع أدخل؟"
فريدة كانت قاعدة على طرف السرير، ضامه رجليها وباينه عليها إنها بتحاول تهدي أعصابها، رفعت عينيها ليه بسرعه وقالت ببرود
"لو جاي تدافع عنه، متتعبش نفسك."
إسلام دخل وقف قدامها وقال بنبرة هاديه
"مش جاي أدافع عن حد، أنا جيت علشانك إنتي"
اتنفست بسرعه وقالت بحده
"إسلام، مش عايزة أتكلم في حاجه بجد"
قال وهو بيحاول يسيطر على الموقف
"فريده، انتي عارفه إن علي مش شخص وحش... وأنا عارف إنك مش هتقدري تتقبليه بسرعه، بس بلاش تكوني قاسيه أوي على ماما، هيا استحملت كتير."
فريدة بصتله بحده وقالت
"مش شغلي، اللي بيني وبين ماما حاجه، واللي بيني وبين علي حاجة تانية خالص."
سكت إسلام شويه، وبعدين قال بنبرة حنونه
"انتي عارفة إن محدش بياخد ماما منك... حتى علي، مش هيعرف ياخدها، ولو حاول... أنا هبقى أول واحد يوقف ضده، بس ده مش هيحصل"
ابتسمت فريدة بسخرية وقالت
"يا أخي انت طيب أوي."
قال وهو بيحاول يخفف الجو
"وأنتي شريره أوي."
ابتسمت غصب عنها وقالت
"أنا مش شريره، بس مش قادره... مش قادرة أتقبل إن في حد تاني ياخد مكاننا في حياتها."
قعد إسلام جنبها وقال
"ومفيش حد هياخد مكاننا، بس يمكن يكون في مكان جديد بيتفتح ليكي وليها، وممكن... حتى لعلي كمان، فهو كده مخدهاش زي ما انتي فاكره"
رفعت عيونها ليه وقالت بحده
"بس هو أخدها فعليًا، أخد كل حاجه، وأنا مش عايزه أشوفه هنا."
إسلام قال بهدوء
"انتي حتى مش مدياله فرصه، علي مش وحش..."
قاطعته بحده
"مش عايزة أدي فرص لحد، مش عايزة أدي فرص لحد يا إسلام... فاهم؟"
سكت، خد نفس وقال
"طيب على الأقل متعامليهوش كده، بلاش تضايقي ماما كده، حاولي تنزلي وتقعدي معاهم شويه وهتفهمي قصدي"
هزت رأسها وقالت بنبرة قاطعه
"مش هنزل، ومش هغير رأيي."
قرب منها أكتر وقال بصوت واطي
"انتي بتجرحيها كده وانتي مش واخده بالك"
عينيها دمعت بس مسحت عينيها بسرعه وقالت
"أنا مش مسئولة عن اختياراتها، لو هيا عايزة تبقى معاه تتفضل، بس انا مش هقيل ده"
فضل إسلام ساكت ثواني، وبعدها قال بهدوء
"طيب، زي ما تحبي."
لف وخرج من الأوضه، قفل الباب وراه وهي فضلت قاعده مكانها، وبرغم محاولتهم انها تتقبله بس هيا مكانتش ناويه تتقبل وجوده أبدًا، مهما حصل.

عند ياسمين
كانت واقفه في الأوضه، إيدها متشابكه وهي بتبص لمحمد اللي كان بيلم هدومه بسرعه، الغضب باين في عينيها وهي بتقول بعصبيه
"إنت بجد إزاي كده؟ إنت بني آدم غير سوي نفسيًا."
محمد لفلها بسرعه، قال وهو بيحاول يمسك أعصابه "ياسمين، إنتي شايفة الوضع، مش هنقدر نستحمل، هنروح نقعد مع ماما وده هيوفر الإيجار، وإنت تقدري تنزلي وظيفه واحدة بدل اتنين."
اتعصبت جدا وقالت 
"إنت بتستهبل؟ إنت عايزنا نقعد مع امك ومع إخواتك في بيت واحد؟ ده إيه العيشه دي؟ ده أنا كده أنزل أشتغل تلات شيفتات أرحم! أنا مش عايزة أمشي من هنا! فاهم؟!"
محمد قال 
"مش بمزاجي ولا بمزاجك يا ياسمين، إنتي لما جيتي معايا، كنتي عارفة ظروفي إيه."
هزت راسها بمراره وقالت بصوت مكسور
"مكنتش أعرف إنك غير مسؤول كده... كنت معميه... ربنا نجدها يسر."
محمد اتعصب وقال بصوت عالي
"بقولك إيه، مكنتيش وافقتي تهربي معايا؟ كان زماني متجوز من غير مشاكل، بس إنت اللي كنتي بتغيري من أختك وعايزة تاخدي منها كل حاجه! ده مش ذنبي!"
بصتله بكره وقالت
"إنت اللي زنيت عليا، بالرغم من اني كنت تقبلت خلاص جوازك منها، إنت اللي قعدت تزن وتضغط، وكنت فاكرة إنك هتبقى راجل ومسؤول... بس دلوقتي فهمت غلطي لما هربت مع واحد مش مسؤول، بجد انت أحقر واحد شوفته في حياتي، فوق ما جيت تتقدم لأختي عشان تغيظني مسبتنيش في حالي وزنيت عليا، انا بجد بكرهك"
قبل ما يرد، سمعوا صوت مامته من بره وهي بتزعق 
"يلا يا محمد! يلا يا ابني!"
رد بسرعة وهو بيرفع صوته
"حاضر يا ماما!"
بص لياسمين وقال بنبرة حاسمه وهو بيقفل الشنطه 
"لمي هدومك ويلا."
اتأففت، دموع الغيظ في عنيها وهي بتقول بخنقة 
"يارب..."
وسابت مكانها وهي بتزق الباب وخرجت من الأوضه، سايباه واقف لحظه وهو بياخد نفس طويل قبل ما يخرج وراها.

عند فريده 
كانت قاعده لسه في أوضتها، ضامة رجليها ليها وهي بتبص للسقف بشرود بعد ما إسلام خرج، بتحاول تهرب من التفكير، بس دماغها كانت مليانه 
موبايلها رن وكانت سالي، غمضت عينيها لحظة قبل ما ترد
"أيوه يا سالي."
صوت سالي جه متحمس
"فريدة، إحنا جايين دلوقتي، انا وماما... عايزاكي ضروري، هقولك وصلت لايه"
فريدة زفرت وقالت بهدوء
"تمام... مفيش مشكله"
سالي سكتت لحظة قبل ما تسأل
"مالك؟ صوتك مش عاجبني"
فريدة ردت بسرعه وهي بتحاول تسيطر على نبرة صوتها
"مفيش... عادي."
سالي قالت بإصرار
"أنا كده كده جيالك، ومش هسيبك إلا لما أعرف إيه اللي مضايقك."
فريدة هزت راسها بخفة رغم إن سالي مش شايفاها وقالت
" مستنياكي"
قفلت الموبايل وحطته جنبها، وهي بتتنهد بعمق، بتحاول تلم شتات نفسها قبل ما سالي تيجي.

عند سالي
بعد ما قفلت مع فريده، قررت تروح لتيم، وقبل ما توصل لاوضته لقته طالع منها
قال ببرود وهو بيبصلها
"في إيه؟"
قالت بسرعه
"إحنا رايحين عند خالتو شويه"
رفع حاجبه وقال
"طيب؟!"
قالت
"هتيجي معانا؟"
رد 
"لاء، مش هقدر أجي."
سالي اتنهدت وقالت
"ليه يعني؟ إنت طول الوقت قافل على نفسك، تعالى معانا تغير جو."
قال بنبرة ثابت
"مش هقدر، ورايا شغل الصبح."
في اللحظة دي، صابرين خرجت من أوضتها وقالت
"سالي؟، يلا عشان نمشي."
سالي قالت بسرعه وهي بتبص لصابرين 
"قولي لتيم ييجي معانا."
صابرين بصت لتيم وقالت بحسم
"مفيش داعي، خليه هنا"
تيم قال بسرعه وهو بيدخل أوضته
"مش هقدر أروح أصلاً."
وسابهم ودخل الأوضة، وسالي خرجت مع صابرين وهي بتلف وشها بضيق.

عند ايناس 
طلعت على السلم بهدوء، قلبها بيدق وهي بتفكر إزاي تفتح الموضوع مع فريده، خبطت خبطتين خفاف على باب أوضتها، وقالت بصوت هادي
"فريده، ممكن أدخل؟"
ردت بضيق 
"ادخلي."
فتحت إيناس الباب ودخلت، وقفت شوية مش عارفه تفتح معاها الكلام ازاي، في الآخر قالت بهدوء 
"كنت عايزة أتطمن عليكي."
فريدة قالت ببرود وهي مش باصه ليها 
"أنا تمام."
قربت إيناس منها وقالت
"أنا عارفة إنك متضايقه، وعارفة إن وجود علي مش مريحك"
فريدة بصتلها أخيرًا وقالت بحده
"أنا مش بس متضايقه... أنا مش قادرة أتقبل إنك ممكن تروحيله وتسيبينا"
إيناس اخدت نفس وقالت
"بصي يا فريده، أنا مش هاخد خطوه واحده لو إنتي مش متقبله ده... لو إنتي رافضه انا مش هتجوز علي، وهخرجه من حياتنا، فمتقلقيش عمري ما هعمل حاجه غصب عنك"
سكتت فريده لحظه، بس عيونها كانت بتلمع بدموع غيظ وهي بتقول
"بس إنتي عايزاه... حتى لو بتقولي مش هتتجوزيه، إنتي بتحبيه."
إيناس اتصدمت من صراحتها، حاولت ترد بس سكتت لحظه وبعدين قالت بنبرة مكسوره
"أنا مش هكدب عليكي، اه أنا بحبه، بس إنتي أغلى عندي من أي حد في الدنيا، ولو رفضتي أنا مش هكمل، حتى لو كان ده بيوجعني."
دمعة نزلت من عين فريده، مسحتها بعصبيه وقالت
"أنا مش قادره... مش قادره أتقبل، كل حاجة باظت من وقت ما دخل حياتنا"
إيناس مدت إيدها على كتفها وقالت
"خدي وقتك، مش هضغط عليكي، بس عايزاكي تعرفي إني عمري ما هعمل حاجة تكسرك، حتى لو كان ده هيكسرني."
فريدة بعد لحظة قالت بصوت واطي
"سيبيني لوحدي شويه"
هزت إيناس راسها وقالت
"تمام يا قلبي، بس عايزاكي تتطمني، لأني عمري ما هسيبك"
خرجت من الأوضه، وسابت فريده قاعده، عقلها مشوش اكتر، ودلوقتي حيرتها زادت وحست قد ايه انها وحشه وانانيه بس غصب عنها، هيا عايزه عيلتها ليها لوحدها.

عند ياسمين ومحمد
فتح محمد باب البيت وهو شايل شنطتين صغيرين، وياسمين ماشية وراه بتبص حواليها ببرود.
أم محمد دخلت وقالت بصوت عالي
"اتفضل يا سيدي... نورت البيت يا حبيبي"
محمد قال وهو بيحاول يبتسم
"الله يكرمك يا أمي."
اخت محمد الكبيره ( ايه) رفعت عينيها لياسمين من فوق لتحت وقالت بتهكم
"ده النور؟"
ياسمين بصتلها بنظرة مفيهاش ولا كلمه ودخلت بسرعة ورا محمد.
اخته الصغيره ( هدير) خرجت من المطبخ، بصت لياسمين ومحمد وقالت بخفوت
"أهلا..."
ياسمين مردتش، وكانت بتبص بقرف وهيا مش طايقه نفسها
محمد بصلها وقال وهو بيشاور على اوضه
"تعالي... الأوضه دي بتاعتنا."
دخلت الأوضه وهو دخل وراها، حط الشنط على الأرض وهيا بصت حواليها باشمئزاز ومش عاجبها الأوضه
بصت لمحمد وقالت ببرود
"ده اللي عندكوا؟"
محمد قال وهو بيقلع جاكته
"احمدي ربنا... ع الأقل هنقدر نوفر الإيجار."
سمعت صوت أم محمد من بره وهيا بتقول بنبره كلها سم
"على فكرة يا محمد... الأكل مش بيجهز لوحده، الست اللي هتدخل البيت لازم تبقى عارفه إن الشغل هنا مش قليل."
ايه ضحكت وقالت
"ده لو عارفة أصلاً، شكلها كده متعوده على الراحه، بس وماله، تشيل شويه"
محمد بص لياسمين وقال بتوتر 
"ياسمين، معلش، متكبريش الموضوع، إحنا هنا عيله واحده"
ياسمين قالت في سرها 
" لو مفكريني يسر تبقوا غلطانين، والله لاوريكوا ايام سوده"
قعدت على طرف السرير، حطت وشها في إيديها وهي بتاخد نفس طويل، هيا عارفه ازاي هتتصرف مع الأشكال دي

عند فريده
سالي وصلت مع صابرين ورنت على فريدة علشان تنزل، فريدة ردت 
"اطلعيلي فوق يا سالي، مش هقدر أنزل"
سالي طلعت، ولما دخلت الأوضه قالت وهي بتحاول تخفف الجو
"مالك بقا يا ستي؟"
فريدة زفرت وقالت
"فكك مني... كنتي قولتي إنك عايزه تقوليلي حاجه."
سالي قربت منها وقالت بنظره جاده
"قوليلي بس مالك الأول، إيه اللي مضايقك؟"
فريدة بصت بعيد وقالت
"سالي بجد مش عايزة أتكلم في الموضوع ده."
سالي قالت بسرعه وهي شبه متأكده
"يبقى مضايقك موضوع إن مامتك عايزة تتجوز، صح؟"
فريدة بصتلها بحده وقالت
"ودي حاجة متضايقش يعني؟"
سالي ردت
"يمكن انتي مكبرة الموضوع أوي، من حقها تتجوز تاني يا فريده"
فريدة بصت للأرض وقالت بصوت واطي 
"محدش هيحس بيا، فقلة الكلام أحسن."
سالي قعدت جنبها وقالت بهدوء
"فريده، مامتك فضلت عايشه حياتها كلها لوحدها، لو جتلها فرصه إنها تعيش وتكون سعيده بلاش تمنعيها."
فريدة قالت بنبرة متماسكه
"غيري الموضوع يا سالي."
سالي سكتت لحظه وقالت
"طب تعرفي... لما عرفت إن باباكي متجوز على مامتك من زمان وهو مسافر لوحده بره، أنا خوفت."
فريدة بصتلها وقالت باستغراب
"ليه يعني؟"
سالي قالت وهي بتحاول تضحك
"خوفت يكون ياسر عمل معايا كده، وفكرت جدياً أسافرله أنا وياسين."
فريدة ابتسمت ابتسامه خفيفه وقالت
"مش كلهم كده، اللي بيحب بجد مش هيقدر يكسر مراته ويتجوز عليها، وانتي قولتيلي إنه بيحبك."
سالي قالت وهي بتبص قدامها
"وبرغم كده خوفت... مع إني بكلمه يومياً في أوقات فراغه كلها... أصلاً عايزة أسافر، بس أما نخلص حوار تيم الأول."
فريدة قالت
"كنتي هتقولي وصلتي لايه... قولي بقى."
سالي قالت بحماس
"آه، حجزت كاميرا صوت وصوره، حجمها صغير جداً، اصغر من عقلة الصوباع، بس هتيجي بعد شهر علشان طلباها من بره مصر."
فريدة قالت 
"كويس! لو حجمها زي ما بتقولي، مش هياخد باله منها أبداً."
سالي ابتسمت وقالت بفخر
"دي أصغر كاميرا في العالم، دورت كتير جداً لحد ما قدرت ألاقيها"
فريده هزت راسها وقالت 
" كويس"
سالي قالت بقلق
"أنا بس خايفة يا فريده، خايفة ألاقي حاجة أكبر من قدرتي على الاحتمال، بالرغم من اني مستنيه اعرف من سنين، بس مرعوبه "
فريده مسكت إيديها وقالت
"مهما كان اللي ورا الباب ده، هتعرفيه، لانك بتسعي من زمان تعرفي وتفهمي، ولو عايزه تتراجعي ده قرارك"
سالي قالت برفض
" لاء مش بعد ما وصلت لهنا، مهما كان اللي ورا الباب ده انا هكون مستعده"
سكتوا لحظه ،بعدها فريده قالت وهي بتقوم
"يلا ننزل نتمشي تحت شويه، بدل الخنقه دي"
سالي ابتسمت ابتسامه خفيفه وقالت
"أوعديني مهما حصل، متسيبينيش لوحدي."
فريده ضحكت وقالت
" متقلقيش، مش هيحصل"

بعد اسبوع
دخل يونس المستشفى، وقف عند الاستقبال وسأل عن فريده بس كانت في عمليه، زفر بملل وكان هيمشي من غير ما يتابع بس سأل عن يسر وكانت فاضيه، استنى لحظات لحد ما ظهرت وشافته، قربت منه وقالتله بهدوء 
" اتفضل معايا"
دخل معاها الأوضه، كان في دكتور واقف، يونس قعد على الكرسي، وطول ما الدكتور بيكشف، يونس عينيه على يسر، بيحاول يلمح ابتسامه أو أي نظره، بس يسر مكانتش بتبصله أصلاً، الدكتور خلص متابعه وخرج بعد ما اداله نصايح بس يونس مسمعهوش اصلا
قال وهو بيحاول يرخم عليها
"هو انتي دايمًا ساكتة كده؟"
يسر مردتش، مسكت ملفه، وكتبت فيه بهدوء.
اتضايق وقال
"أنا بكلمك."
رفعت عينيها ببطء وقالت ببرود
"في حاجة تخص حالتك؟ لو هتتكلم بخصوص حالتك اتفضل؟ غير كده تقدر تتفضل علشان اقدر اكمل شغلي"
اتصدم للحظه من حدتها، وقال وهو بيضحك بس ضحكه باينة إنها مصطنعه
"لا... بس انتي... مش عارفه يعني..."
ردت وهي بترجع الملف
"لو خلصنا، ممكن تتابع المره الجايه مع دكتور تاني لو الدكتور ده مش مريحك"
يونس سكت وقال 
" مش هتفرق كده كده هفكه اصلا"
يسر قالت ببرود
" حضرتك ادرى" 
وقف عند الباب وبصلها وسأل
"طب فريدة قدامها كتير جوه؟"
يسر رفعت عينيها ليه بسرعه وقالت ببرود
"آه، قدامها كتير... العمليات دي بتاخد وقت طويل."
يونس زفر وقال
"يعني مفيش فايد، كنت عايز أسلم عليها قبل ما أمشي."
يسر رجعت تبص للملف في ايديها وقالت من غير ما ترفع عينيها
" اعتبره وصل" 
سألها بخفه
" هو ايه اللي وصل؟!" 
بصتله وقالت 
" سلامك"
خرج وهو حاسس أنه متضايق، مفيش حد صده قبل كده، اي بنت بيتعامل معاها مش بتكون قفل كده، وهو بيعدي من الاستقبال، لمح حسام واقف على جنب.
يونس بصله وقال وهو بيقرب
"إيه يا عم حسام، إنت هنا بتعمل إيه؟"
حسام اتفاجئ وهو بيرفع عينه بسرعه وقال وهو بيسلم عليه "كنت قريب من هنا فقولت أعدي أتطمن على حد هنا يعني"
يونس رفع حاجبه وهو بيحط إيده السليمه في جيبه
"تتطمن على مين يعني؟"
حسام اتلغبط لحظه وقال
"واحد صاحبي هنا... كان عامل عمليه قبل كده، فقولت أشوفه يعني"
يونس بصله شويه وقال وهو بيبتسم ابتسامه خفيفه
"طيب ماشي... كله تمام معاك يعني؟"
حسام قال بسرعه
"آه تمام... كله كويس، شكلك انت اللي مش تمام"
يونس قال بخفه
" حاجه عاديه يعني، متشغلش بالك" 
حسام قاله 
" الف سلامه عموما"
يونس قال
"الله يسلمك... سلام بقا عشان أنا مستعجل."
حسام ابتسم وقال
"سلام يا يونس."
يونس مشي وحسام فضل واقف مكانه مستني.

عند ياسمين
ياسمين خرجت من الأوضه ودخلت المطبخ تشرب ولقت حماتها واقفه، اول ما شافتها قالت ببرود
"انتي... لمي الغسيل اللي على الحبل، يلا اعمليلك همه كده بدل ما انتي زي قِلتك"
ياسمين شربت المايه ببطء، وبصتلها من فوق لتحت، وقالت بهدوء مميت
" لميه انتي لو عايزه... أنا مش خدامه هنا علشان الم قرفكوا"
ايه دخلت وبصتلها بغيظ وقالت
"انتي بتكلمي أمي انا كده؟"
ياسمين ابتسمت ابتسامه خفيفه وقالت
"آه... بكلمها كده، عندك اعتراض؟"
ايه قالتلها بسخريه
"انتي فاكرة نفسك إيه يا بت؟ دا انتي جايه من الشارع، مفيش حد يلمك غيرنا "
ياسمين بصتلها من فوق لتحت باشمئزاز وقالت
" هقولك انا مين؟ انا اللي هتطردكوا من البيت ده قريب اوي علشان اخلص منكوا، حطيها حلقه في ودنك علشان أما اطردك تقولي ياسمين قالت، هعرفك قيمتك اللي بجد"
ام محمد قالت 
" تطردي مين يا بت، ده احنا اللي نطردك من هنا ومش هتلاقي حد يلمك من الشوارع"
ياسمين قالت 
" فكري تعمليها وهنسى انك واحده كبيره، بلاش انتي مش هتستحملي"
ايه قالت بغيظ
"زودتيها!"
ياسمين بصتلها وقالت ببرود
"لو عايزة تعرفي أنا ممكن أزودها إزاي... جربي تقربي."
في اللحظه دي محمد دخل وقال
"في إيه؟!"
أمه قالت
"مراتك دي انت تلمها بدل ما نلمها ونعلمها الأدب اللي محدش علمهولها"
ياسمين قالت لمحمد
"مراتك دي اللي شقيانه على البيت ده كله وانت قاعد ساكت، وهما فاكرني خدامه... فهمهم يا محمد قبل ما أفهمهم بطريقتي"
محمد وقف ساكت، وياسمين دخلت الأوضه ورزعت الباب جامد 

عند فريده 
خرجت من العمليات، وشها باين عليه علامات الإرهاق، وهي ماشية في الممر، لمحت حسام واقف بعيد، أول ما شافها وقف بسرعه، قرب منها بخطوات ثابته وقال بصوت هادي
"حمد لله على السلامه"
رفعت عينيها ليه وقالت
"انت بتعمل ايه هنا؟"
ابتسم وقال
"كنت مستنيكي... كنت قريب من هنا وقولتك اعدي عليكي"
فضلت ساكته لحظه وهيا بتتنهد، قال بسرعه وهو بيحاول يخفف التوتر
"متخافيش، مش هاخد من وقتك كتير، شكلك تعبان"
رفعت حاجبها وقالت
"طبيعي بعد 6 ساعات عمليات."
وهيا بتبص وراه لمحت شخص واقف بعيد، عرفته علطول، "علي"
الابتسامه اختفت من على وشها، قالت وهيا بتهمس
"هو إيه اللي جابه هنا...؟"
حسام بص وراه بسرعه وقال
"مين ده؟"
فريدة أخدت نفس عميق، وقالت بصوت واطي
" عن اذنك ثواني" 
ومشيت من قدامه وراحت لعلي تشوفه 
فريده قربت من علي، نظراتها كانت حاده، علي اتنهد بهدوء وقال
"ازيك يا فريده."
ردت ببرود
"كنت تمام"
ابتسم ابتسامه صغيره وقال
"جاي أتكلم معاكي."
ردت بسرعه نبرتها واضحه 
"لو هتحاول تقنعني، وفر كلامك."
وقف لحظة وكأنه بيختار كلماته، قال بنبرة هاديه فيها رجوله وثقه
"ولو، برضو عايزك تسمعيني."
اتنهد، عينه كانت ثابته عليها 
"فريده، أنا أرمل... ومش بخلف، مراتي ماتت بدري جدًا، وفضلت لوحدي من ساعتها، كان ممكن أدور على أي حياه سهله، بس معملتش كده، كنت بشتغل وببني نفسي ومش بفكر غير في الشغل وبس"
اتحرك خطوه لقدام وهو بيكمل
"لما شوفت ايناس، شوفت فيها راحه كانت ناقصاني، إنسانه قويه، قدرت تربيكوا لوحدها، فضلت واقفه رغم كل اللي عدى عليها، حبيتها بصدق، مش نزوه ولا لحظة فراغ."
فريده كانت ساكتة، بتبصله ووشها متقفل.
كمل، صوته فيه صدق وهدوء
"انا مش جاى هنا علشان أخدها منك يا فريده... أنا جاي علشان أكون سند ليها، وأكون سند ليكي كمان لو قبلتي، عمري ما هحاول أخد مكانك اكيد زي ما انتي متخيله."
سكت لحظه، اخد نفس طويل قبل ما يرجع يكمل
"لو اتجوزنا... ده مش هيأثر عليكي، لأنك هتيجي تعيشي في بيتي مع ايناس."
بصتله بصدمه بس كمل قبل ما تقاطعه
"وصدقيني، هيكون مرحب بيكي، وهتحبي بيتي كمان، بس بلاش تعاندي وتحرمينا من بعض."
اتنهد وكمل
"ايناس رافضة تتجوزني علشانك إنتي بس، بس احنا تعبنا يا فريده، حطي نفسك مكاننا، لو في يوم حبيتي شخص، ولقيتي نفسك مش قادره توصليله بسبب شخص معين، وقتها هتقدري تفهميني."
رفعت فريده حاجبها بشك واضح
كمل بهدوء
"أنا سمعت عنك كتير، وعارف إنك قويه، وعارف إنك كويسه، ومصدق إنك مش هتعملي حاجة تضر ايناس أو تكسرها."
سكت لحظة قبل ما يبصلها ويقول بصدق
"بصي يا فريده، احنا مش هنتجوز بكره، ولسه قدامنا وقت... وقت تقدري تتقبلي فيه علاقتنا، وتقدري تحسي إن احنا الاتنين مش بناخد منك حاجه... بالعكس، بنحاول نخلق حياه احسن، بس متقفليش الباب أوي... سيبيه موارب."
فريده بصتله بثبات، قالت بصوت واطي لكنه حاد
" انت متخيل أن سهل عليا اوي الموضوع ده، لاء متهيألك، انا مش هقبل أي حاجة تكون سبب في إنها تبعد ماما عني حتى لو كان انت."
اتنهدت وقالت
"انت طيب ومحترم؟ يمكن، مش هقدر أنكر، انت ممكن تكون عوض؟ احتمال... بس مش بالنسبالي."
سكتت لحظة قبل ما تكمل بصوت مهزوز لكنه واضح 
"أنا آسفه، مش هقدر أبصلك غير إنك الراجل اللي جاي ياخد مني أمي، حتى لو مش ده قصدك."
بصتله مره اخيره قبل ما تقول
"خلي أي محاولة تانية إنك تقنعني لنفسك... عشان مهما قلت، مش هقبل."
مشيت من قدامه ورجعت لحسام اللي كان واقف مستني، شاف ملامحها متغيره وعينيها فيها لمعه غريبه، قرب منها بسرعه وقال قلق
"مين ده؟ وفي ايه؟"
فريده بصتله وقالت ببرود
"حد مش مهم... بعد إذنك يا حسام."
عدت من جنبه بخطوات سريعه وهي بتحاول تمسك نفسها، وحسام فضل واقف مكانه، نظراته مش مفهومه.

فريده رجعت البيت، كان هادي بشكل يخنق، وكأن مفيش روح فيه، طلعت أوضتها بخطوات تقيله، قلبها مقبوض، وحاسه بخنقه
بعد شويه إسلام دخل أوضتها بعد ما خبط وهو بيبتسم، قرب منها وقال
"ديدا، عامله إيه يا حبيبتي؟"
فريدة رفعت عينيها وقالت ببرود
"هكون عامله إيه يعني؟ كويسه."
قرب منها أكتر وسألها
" لسه متضايقه؟"
ردت بسرعه وهي بتزفر
" عادي."
قال وهو بيحاول يخفف الجو
"طب هتيجي بدري بكره"
قالت من غير ما تبصله
"أنا مش عايزه أروح معاكو"
ملامحه اتغيرت، قعد جنبها وقال
"فريده، انتي عارفه قد ايه انتي مهمه... وجودك مهم ليا، ومش هقدر أروح من غيرك."
رفعت عينيها ليه وهي حابسه دموعها وقالت
" كلكوا خلاص بتبعدوا... هكون لوحدي لما تمشوا كلكوا"
قرب منها أكتر وقال وهو بيحاول يهديها
"نمشي فين يا فريده؟ صدقيني، انتي فاهمه غلط خالص."
قالت بصوت واطي بس مليان وجع
" انت أهو، هتتجوز... وماما عايزه تتجوز... وأنا هكون لوحدي."
إسلام حاول يضحك ويخفف الكلام وقال
"وإنتي يعني مش هتتجوزي؟ خلاص قررتي تترهبني؟ ده انتي احتمال تتجوزي قبلي يا بت انتي"
سكتت لحظه وبعدين قالت بحده
"مهو بجد... محدش حاسس أنا حاسه بإيه."
إسلام قرب منها أكتر وقال وهو بيحاول يخفف الجو
"بصي بقى يا ست فريده... لو الموضوع مدايقك اوي كده، أنا مستعد أتجوز هنا في البيت لو ده هيرضيكي."
بصتله بدهشه وقالت
"إيه؟!"
ابتسم وهو بيهزر معاها وقال
"اه والله، اللي انتي عايزاه، وبتكلم جد علفكره"
فريدة حاولت تخفي الابتسامه اللي طلعت غصب عنها، بس نظراتها رجعت حزينه وهي بتقول
"مش موضوع جوازك هنا أو برا... الموضوع إنكوا كلكوا خلاص بتمشوا، وكل واحد هيبقى له حياته، وأنا هبقى لوحدي..."
إسلام مسك إيديها بخفه وقال بنبره جاده
"فريده، إحنا مش هنسيبك لوحدك... إنتي فاهمه غلط، إحنا مهما عملنا ومهما اتجوزنا، إنتي مش هتبقي لوحدك، بلاش الفكره دي، أنا حاسس بيكي، بس عايزك تتطمني... انتي مش لوحدك ومش هتكوني لوحدك، ده وعد"
اتنهدت وهي بتبص بعيد، إسلام حس إنه لازم يسيبها تهدى شويه، فقام وهو بيقول بلطف
"هسيبك ترتاحي... بس فكري في كلامي يا ديدا، وأنا مش هروح من غيرك بكره... عشان فرحتي مش هتكمل غير بوجودك"

A FEW DAYS LATER
في وقت العصر.
فريده كانت واقفة عند الشباك في اوضتها، بتبص على الجنينه اللي بدأوا يجهزوها من امبارح، الكراسي البيضه اللي محطوطه بشكل دائري حوالين الترابيزات المستطيله، والورد الفريش اللي متوزع على الترابيزات بترتيب دقيق، الألوان هادية بين الأبيض والبينك الفاتح، والستاره المنسدله عند مدخل الجنينه بتتحرك مع الهوا، كل حاجه كان شكلها حلو والمنظر كان عاجبها لأن كل حاجه كانت من اختيارها، بس حاسه ان فرحتها مش كامله، دي اكتر لحظات كانت خايفه منها واهي بتتحقق قدامها.
إيناس كانت تحت في الجنينه ومعاها صابرين، بتشيك على كل تفصيله وبتشوف لو في حاجه ناقصه وبتتأكد من كل حاجه.

فريده بعد ما وقفت شويه عند الشباك، اتنهدت بهدوء، وبعدين لفت ودخلت تجهز نفسها، لبست فستان سيمي فورمال بسيط لونه سيلفر، مديها شكل أنيق وراقي من غير مبالغه، سابت شعرها بس عملته ويڤي خفيف، والميكاب كان بسيط جدًا بين جمالها بدون مبالغه
نزلت بخطوات هاديه، أول ما نزلت، إيناس رفعت عينيها وشافتها، عينيها وسعت وهي بتقول بدهشه ممزوجه بابتسامه
"يا روحي... طالعه قمر بجد النهارده يا فريده"
فريده ابتسمت بهدوء وقالت
"شكرا يا ماما."
إيناس قربت منها وحضنتها وقالت 
" كل حاجه هتكون كويسه يحبيبتي متقلقيش"
فريده اكتفت بهزه بسيطه وبصت حواليها، الناس بدأت تيجي، راحت بهدوء وقعدت على ترابيزه بعيده شويه علشان تبقى شايفة المكان كله.
الناس بدات تيجي واحده واحده، والمكان بيتملي بهدوء، الصوت كان هادي، موسيقى كلاسيك خفيفه في الخلفيه
لمحت من بعيد حسام وهو داخل، كان شكله مرتب وأنيق، كانت عينيه بتدور عليها وسط الناس، ولما شافها، ابتسم ابتسامه واسعه وهو بيقرب ناحيتها بخطوات ثابته.
وقف قدامها وقال بصوت هادي
"مساء الخير يا أميره"
فريده ابتسمت بخفه وقالت
"مساء النور، نورت."
قعد قدامها وهو بيبصلها وقال
"الدريس يجنن، وانتي... شكلك تحفه بجد، بهرتيني"
ابتسامتها وسعت شويه وقالت 
"شكرا"
قال 
"لو أي حد شافك هيحس إنه بيشوف ملاك نازل من السما بجد"
ضحكت بخفة وقالت
"بطل مجاملات يا حسام."
هز راسه وقال
"مجامله إيه، دي حقيقه."
سكت لحظه وهو بيبصلها، عيونه فيها لمعه خفيفه، لمحت ايناس واقفه مع ناس فقالتله
" تعالى اعرفك على ماما"
مشي معاها بابتسامه واسعه، فريده قالت 
"ماما... ده حسام، زميلي."
إيناس بصتله بابتسامه رقيقه ومدت إيديها
"أهلًا يا حسام، شرفتنا."
حسام رد بابتسامه مهذبه
"الشرف ليا، مبروك"
ردت بابتسامه 
" الله يبارك فيك يحبيبي عقبالك" 
رجع هو وفريده تاني للترابيزه، كانت كل شويه بتضطر تسيبه وبتروح تسلم على اللي بييجوا وترجع تاني تقعد لحظه لحد ما صحابها وصلوا فراحت قعدت معاهم وكانت بتروح لحسام برضو.
شافت سالي داخله ومعاها يونس وتيم، راحتلهم بابتسامه، سالي اول ما شافتها قالت بانبهار
"ايه الحلاوه دي!"
فريده حضنت سالي وقالت بخفه
" تسلمي، منورين"
بصت بعدها على يونس اللي كان واقف مبتسم وقال
" اقسم بالله ما حد منور غيرك، مخبيه الجمال ده كله فين"
قالت بابتسامه واسعه
" طيب يا سيدي شكرا على المجامله" 
قال 
" انتي مشوفتيش نفسك في المرايه ولا ايه؟" 
ضحكت وقالت
" خلاص صدقتك" 
بصت على دراعه وقالت بزهول
"إيه ده! فكيت الجبس؟"
سالي قالت بغيظ
" علشان هو عيل مهزق"
يونس ضحك وقال
" اومال هفضل بيه يعني، خنقني زي ما انتوا خانقني كده"
قالتله 
" طيب خلي بالك بقا، مش عايزه اشوفك تيجي تقولي فريده الحقيني" 
قال وهو بيهز أكتافه 
" مش ضامن"
ضحكت وبصت لتيم اللي كان واقف، بس سحبت نظراتها وكأنها مش شايفاه أصلا بس هو بين أنه مهتمش.
فريده قالت 
"علفكره حسام هنا من بدري."
سالي سألت 
" وجه ليه؟ انتي اللي عازماه" 
هزت راسها وقالت 
" بقا زميل بقا "
تيم كان واقف ساكت، وعينه اتحركت بسرعه ناحية فريده، وبعدين رجع بص قدامه وهو حاسس بالضيق
سالي بصت لتيم وقالت
"تعالى نروح نسلم عليه."
تيم هز راسه
"تمام"
مشيوا التلاته ورا فريده اللي كانت ماشيه بخطوات هاديه لحد ما وصلوا لحسام، أول ما شافهم ابتسم وقال
" اهلا، مستنيكوا من بدري"
يونس سلم عليه وقال
"إيه يا عم، جاي بدري ليه؟"
حسام ضحك وقال 
" علشان اعرف امشي قبل الزحمه" 
سالي سلمت عليه وتيم مد إيده يسلم عليه، إيده كانت تقيله شويه بشكل محسوس، حسام حس بده، وبصله بنظره قويه، الجو بينهم كان فيه توتر خفي، قبل ما حسام يرسم ابتسامه مهذبه، بعدها تيم سحب إيده بسرعه، ونقل نظره بعيد وكأن مفيش حاجة حصلت.

إسلام أخيرًا وصل مع فرح ( خطيبته)
فريده لما شافت إسلام في اللحظه دي، حست انها فرحاناله جدا من جواها، خطواتها كانت سريعه وهي ماشيه ناحيتهم، وصلت عندهم، وقفت لحظه، وبعدين حضنته، حضنته بسرعه، حضن دافي، حضن مليان أمان كانت مفتقداه، إيده لفت حواليها بحركه بسيطه، بعد لحظ سابته وهي بتاخد نفس كان محبوس جواها، عينها راحت على فرح، وقفت قدامها وحضنتها هيا كمان وفرح حضنتها.
فريده اخدت نفس عميق، رجعت خطوة صغيره لورا، وقالتله 
" مبروك يحبيبي " 
قالها بحب 
" عقبالك يا حبيبتي"
بعدت شويه ومسحت دموعها قبل ما تنزل ورجعت تاني مكانها على الترابيزة معاهم.
شويه ولمحت يسر داخله ومعاها يوسف.
ابتسامة ظهرت على وشها بسرعه، وقالت وهي بتتحرك ناحيتهم
"ثواني... صاحبتي جت."
سابت الترابيزة ومشيت ناحيتهم بخطوات سريعه.
يونس بص على "صاحبتها" اللي بتقول انها جت ولقاها يسر.
وشه اتغير لحظة وهو شايفها داخله، لكن عينه اتنقلت بسرعه على يوسف اللي كان ماشي جمبها.
فضل متابعهم، عينيه عليهم، مش عارف مين ده، بس منظرهم مع بعض، الضحكه اللي على وش يسر وهي ماشيه جنبه، خلت حاجه جواه تتشد.
تيم كان قاعد ساكت، عينه راحت على فريده للحظه وهي واقفه بعيد، ورجع بص قدامه تاني لما شاف نظرات سالي.

فريده وصلت ليهم، كانت الفرحة باينه في عينيها وهي بتحضن يسر بحب، بعدها بصت على يوسف، ابتسمتله وهيا بتسلم عليه وهو ابتسملها ابتسامه خفيفه، ومد إيده يسلم عليها، سلمت عليه بسرعه وقالت بصوت واطي
"نورت"
قال بابتسامه 
" بنورك "
يسر قالت 
" الدريس طلع واو عليكي بجد"
فريدة ضحكت وقالت وهيا ماسكه إيد يسر
"تعالي، تعالي، تعالي"
يسر مشيت معاها ويوسف كان ماشي جنبهم وهو ساكت، يونس لسه متابعهم، عينيه بتروح وتيجي بين يسر ويوسف، وسؤال واحد في دماغه 
" مين ده؟!" 

فريده كانت ماسكه إيد يسر وهيا بتشدها بخفه، وجنبهم يوسف، وقفت عند ترابيزه فاضيه قريبه وقالت بابتسامه
" خلينا هنا دلوقتي على ما البنات ييجوا" 
يسر قالت 
" طيب بس خليكي هنا "
فريدة ضحكت وقالت
" هخليني شويه اكيد" 

حسام كان واقف مكانه، بيشرب حاجه خفيفه وهو متابع فريده من بعيد، اول ما لاحظ أن فريده بصت ناحيته، رفع الكوبايه بإيده كأنه بيحييها من بعيد، وابتسم ابتسامه بسيطه قبل ما يلف وشه ناحية الناس اللي داخله علشان ميحرجهاش، فريده ابتسمت وهيا بتحاول ترجّع تركيزها وبصت جنبه لقت تيم، إيده في جيبه، عينيه عليها، وشه مفيهوش ملامح، بيبصلها بنظره طويله، واقف ثابت وعينيه غامقه، بلعت ريقها بهدوء، وبصت بسرعه بعيد، عدلت فستانها وبصت ناحية يسر عشان تكمل كلامها، بس لسه حاسه إن عينيه عليها...

بعد شويه، فريده لسه واقفه مكانها، شافت علي داخل، خطواته كانت هاديه وشكله مرتب، حست بضيق، قلبها وجعها للحظه، ودماغها لفّت، بصت بسرعه على إيناس اللي كانت واقفة بعيد، بتتكلم مع ناس ومش مركزه، مش شايفه أي حاجه، فريدة حست بدموعها اللي هتنزل، حاولت تمسحها بسرعه واخدت نفس عميق ودخلت البيت بسرعه من غير ما حد ياخد باله، بس تيم كان شايفها ومتابعها، عض شفايفه بخفه، وهو بيحول نظره للحظه، كان عايز يعرف مالها، إيه اللي حصل، بس محبش يتدخل.
سالي قربت منه، وقالت بصوت واطي
"هروح أشوف ماما"
هز راسه لها بسكوت وهو بيبص على مكان دخول فريده، فضل واقف في مكانه، عينه ثابته على الباب اللي دخلت منه، مستنيها تخرج، بس هيا طوّلت، بدأ يبص حواليه، وقرر إنه يدخل.

اتحرك خطوه، حسام لاحظ وسأله بسرعه 
"رايح فين؟"
تيم مردش، وكأنه مش مركز اصلا، عينيه تابعت تيم وهو بيبعد عن الترابيزه، شافه وهو بيعدي وسط الناس بخطوات هاديه، لحد ما دخل البيت، اتنفس بعمق وحس بضيق، عينيه على الباب اللي دخل منه تيم، ومش فاهم هو ليه دخل وراها.

تيم دخل البيت بخطوات هاديه، عينه بتدور عليها بس مش عارف هيا فين، كان ماشي بخطوات هاديه لحد ما سمع صوت خطوات نازله على السلم، رفع عينه بسرعه ولقاها نازله ببطء، شكلها مرهق، ووشها باين عليه إنها كانت بتعيط.
لما شافته، وقفت مكانها لحظه، استغربت هو بيعمل ايه هنا، بصلها وعينيه كانت مليانة قلق، قال بصوت واطي
"مالك؟ انتي كويسة؟"
قالت بحده وهي بتحاول تبان قويه
"دي حاجة متخصكش"
تيم وقف مكانه لحظه، خد نفس عميق وقال وهو بيبص في عينيها
"عارف... بس حبيت أتطمن عليكي"
فريده اخدت نفس طويل، حست إنها دايخه للحظه، جسمها مال لقدام، ووشها شحب شويه.
تيم مد إيده بسرعه، مسكها من دراعها قبل ما تقع، نظرته كانت مليانة خوف وهو بيقول
"فريده... في إيه؟ مالك؟"
بصتله بسرعه وسحبت دراعها وقالت بصوت واطي مكسور
"ملكش دعوه... اتفضل اخرج... وسيبني"
تيم بصلها بثبات وقال بهدوء
"لو تحبي... أنادي سالي طيب؟"
بصتله وقالت 
"مفيش داعي... ياريت تخليك في حالك... زي ما انت دايمًا."
مستنتش رده، لفت بسرعه، وخرجت من البيت بخطوات سريعه، قلبها بيدق بسرعة
تيم فضل واقف مكانه، عينيه متعلقه على الباب اللي خرجت منه، اتنهد قبل ما يخرج وراها 

فريده خرجت بسرعه وقبل ما تتحرك لقت حسام واقف قدامها.
بصلها بسرعه، سألها وعينيه كلها قلق
"فريدة، مالك؟"
رفعت عينيها ليه بسرعه، حاولت ترسم ابتسامه خفيفه على وشها، وقالت بصوت هادي
"أنا عادي... مفيش، كنت بظبط الميكاب بتاعي بس مش أكتر."
حسام ضيق عينه وهو بيبصلها وقال
"بس مش حاسس إنك كويسه."
اتنفست بسرعه وقالت وهي بتحاول تتهرب بنظراتها
"يمكن دايخه شويه لأني مأكلتش حاجه من الصبح."
حسام قال بسرعه
"إزاي يعني؟!"
فضل ساكت لحظه وبعدين قال بحزم
"تعالي معايا"
مشي قدامها بخطوات هاديه وثابته وهيا مشيت وراه من غير كلام، لحد ما وصلها لأقرب ترابيزه فاضيه وقعدها عليها،
قال بهدوء
"استني هنا"
ومشي بسرعه ناحية البوفيه، اخدت نفس عميق وهيا بتدور على علي بعينيها، بس قبل ما تشوفه حتى حسام رجع، كان شايل طبق فيه أكل بسيط، ومعاه كوباية عصير، حطهم قدامها على الترابيزه، قال وهو بيبصلها بجديه
"كلي."
بصتله وقالت بصوت هادي وهي بتحاول تبتسم
"حسام... مش لازم."
هز راسه وقال بحزم
"لاء، لازم، كلي يلا"
فضل واقف قدامها، وهيا بصت للطبق قدامها، مدت إيدها بتردد وبدأت تاكل وهو فضل واقف، بيطمن إنها بتاكل. 
يسر جت وقفت جنب فريده، بصتلها وقالت بصوت واطي
"انسحبتي على طول ليه؟"
فريدة ابتسمت بخفه وقالت بصوت واطي
"كنت بظبط الميكاب، لما شوفت علي اتضايقت"
في اللحظه دي، يونس جه ناحية الترابيزه وسأل وهو بيبص حواليه
"هو تيم فين؟ حد شافه؟"
حسام بص ناحية البيت، لمح تيم واقف، شاور بإيده وقال
"هناك أهو."
فريده بصت ليونس بسرعه وسألته
"في إيه إنت كمان؟ مالك؟"
يونس رفع حاجبه وقال
"مفيش... زهقت وعايز أمشي، فقولت أقوله ييجي معايا، مكانش عايز ييجي، وسالي جابته غصب اصلا"
سالي جت وقالت بابتسامه خفيفه
"سمعت حد بيجيب سيرتي."
يونس قال وهو بيحك رقبته
"عايزين نمشي."
سالي رفعت حاجبها وقالت بجديه
"مفيش الكلام ده، هنمشي كلنا مع بعض."
تيم قرب منهم بخطوات هاديه وقال بصوت هادي وهو بيبص ليونس
"أنا زهقت... مش هنمشي."
يونس رفع إيده وقال
"مجبتش حاجه من عندي."
سالي قالت وهي بتتنهد بخفه
"اهدوا يا شباب، في إيه؟ لسه شويه"
فريدة بصتلهم وقالت بضيق
"مش فاهمة يعني... إحنا لسه بنبدأ."
حسام قال بهدوء
"وأنا بصراحه عايز أمشي من بدري، بس الأول... في حاجه كنت عايز أقولها."
الكل ركز معاه، وهو بص على فريده، نظراته كانت ثابته، صوته بقا أخف
"بصراحه كنت عايز أسألك سؤال، بس مش عايز إجابته دلوقتي، كنت عايز أسألك وإحنا لوحدنا، بس معرفتش أفضل معاكي، زي ما إنتي شايفه انتي كنتي مشغوله إزاي."
سالي قالت بابتسامه مشاكسه
"قول يا حسام... إنت بتحمسنا أكتر ولا إيه!"
فريدة بصتله وقالت بهدوء
"اسأل يا حسام، مكانتش محتاجه يعني استنى كل ده"
حسام مد إيده في جيبه وطلع علبه صغيره، حطها قدامها على الترابيزه وفتحها، كان خاتم، شكله حلو جدًا، بيلمع تحت الإضاءه، بصلها وعينيه مليانه صدق، قال بصوت فيه توتر بس واضح وثابت
"تتجوزيني!!"
"تتجوزيني؟!"
صدمة نزلت عليهم كلهم، محدش كان متوقع، مكنوش متوقعين أن حسام هيسأل السؤال ده، ومش أي سؤال، سؤال مصيري
فريده كانت متشددة في مكانها، عينيها راحت على الخاتم اللي قدامها شويه، وبعدين بصت لحسام وشايفه ابتسامته وحست أنها عايزه تجري وتختفي، بس بلاش الموقف ده، عينيها راحت لتيم من غير ما تحس وكأنها عايزه تشوف تعابير وشه، بس كان واقف ثابت، كان باين عليه الهدوء من بره، إيده في جيبه بس كان شادد عليها جامد وكأنها متكتفه، شفايفه عاضضها بغيظ، وعينيه مركزه عليها جامد وكأنه مستنى ردها.
بس من جواه... من جواه كان في حاجه مولعه، إحساس أول مرة يحسه في حياته، مش قادر يحدد هو ايه، خنقه، غيره نار بتاكل في قلبه، نفسه دلوقتي يطلع قلبه من مكانه ويحطه تحت رجليه ويدوس عليه يمكن يخفف الألم اللي مسيطر عليه.
فريدة حاولت تلم نفسها وقالت بصوت متلخبط 
"حسام، أنا... أنا مش عارفة أقول إيه بس..."
قاطعها بهدوء وقال
"عارف إنك اتصدمتي ومكنتيش متوقعه كده، بس أنا مش طالب رأيك دلوقتي، فكري براحتك، مش هضغط عليكي ابدا، هسيبك براحتك حتى لو سنه"
فريدة بصتله، إيديها كانت بترتعش، صدرها بيطلع وبينزل بسرعه، قالت بتوتر
"شكرًا إنك قدرت موقفي... خصوصًا إن ده لا وقته ولا مكانه."
حسام قال وهو بيهز راسه بتفهم
"فاهم طبعًا، أكيد فاهم."
شال العلبه تاني وحطها في جيبه، والجو بقى ساكت للحظه.
تيم بص للأرض وهو بياخد نفس، وبعدين رفع عينه ليونس وسأله
"هتمشي؟"
يونس قال
"اه يلا بينا"
حسام قال بصوت هادي
"خدوني معاكم."
وخرجوا التلاته والجو بقى تقيل جدًا بعد ما مشيوا.

سالي ويسر كانوا واقفين جنب فريده، والصدمة باينه على وشهم، يسر كانت باصة على مكان حسام وبعدين بصت لفريده وقالت بصوت واطي
"هو... هو كان جدي بجد؟"
سالي قربت من فريده وقالت وهي بتحاول تخفف توتر فريده "إيه اللي حصل ده يا بنتي؟! عملتي في الواد ايه؟!"
فريدة مكانتش قادره ترد، خدت نفس عميق، بصت قدامها من غير تركيز، وشها كان متغير وملامحها فيها ارتباك، قالت بصوت واطي
"مش عارفه... والله مش عارفه"
يسر لمست إيد فريده وقالت
"إنتي كويسة؟ وشك شاحب."
فريده ابتسمت ابتسامه صغيره، وقالت
"أنا كويسة... بس الموضوع ده تقيل... تقيل جدًا."
يسر قربت أكتر، وشها فيه قلق حقيقي، وقالت بخفه
"طب إنتي... إنتي هتوافقي؟"
فريدة بصتلها بسرعه وقالت وهي بتاخد نفس
"معرفش... بجد... مش وقته دلوقتي" 
وبدون ما تبص في عيون سالي أو يسر، لفت بسرعه وبعدت، خطواتها كانت سريعه وهيا بتبعد عنهم، عن المكان، عن الأسئله، وعن الخنقة اللي بدأت تحس بيها
يسر رفعت إيدها كأنها هتوقفها
"فريدة..."
سالي بصت ليسر وقالت
"سيبيها... سيبيها دلوقتي."

عند تيم ويونس 
تيم كان سايق بسرعه، عينيه على الطريق وإيده ماسكه الدركسيون بقوه، ساكت وباصص قدامه.
يونس كسر الصمت وقال
"هو حسام يعرف فريدة منين أصلًا؟ يعني اتفاجئت."
تيم مردش، كان سرحان ومش معاه أصلًا.
يونس كمل
"مكنتش أعرف أصلًا إن حسام يعرف فريده، واتفاجئت بوجوده النهارده، وفوق كل ده فاجئني بعرضه! أنت اللي عرفتهم على بعض؟"
تيم لسه ساكت، فـيونس قال بصوت أعلى
"تيم؟!"
تيم رمش كأنه فاق من التفكير وقال
"ها؟"
يونس قال
"بقولك، أنت اللي عرفت فريده وحسام على بعض؟"
تيم هز راسه بالنفي وقال بجمود
"لاء."
يونس قال باستغراب
"أومال إزاي عرفها؟"
تيم قال وهو مركز في الطريق
"لما كانت بتجيلك شافها، وبالصدفه قابلها وهي خارجة من البيت، واتعرف عليها."
يونس قال بعد لحظه
"والله مش قليل وذكي لما بيحط حاجه في دماغه، تفتكر فريده هتوافق؟"
تيم قال بسرعه، بصوت هادي بس مليان جفاف
"ميهمنيش."
يونس ضحك بهدوء وقال
"أنا لسه في وضع الصدمه مود أون، متوقعتهاش بجد، حسام كويس بجد، لو وافقت هتكون محظوظه لانه مضحي في حبه وهو هيكون محظوظ لأن اكيد مفيش احسن من فريده"
تيم قال بحده وهو مركز قدامه
"بس بقى... كفايه كلام عنهم."
يونس بصله باستغراب وقال
"مالك؟ مش فاهم، الموضوع فاجئني..."
تيم مردش، سكت وزود سرعته فجأة، وكأنه بينهي الحوار تمامًا، ووشه كان متوتر.

عند فريده
لفت حوالين المكان شويه من غير هدف، كانت بتتحرك وسط الناس والأنوار والأصوات، بس دماغها مش هنا، دماغها متكتفة بالف سؤال، قلبها كان بيدق بسرعة، وإيديها كانت بتترعش، نفسها كان متلغبط، كل خطوة بتاخدها كانت بتحاول تهرب من الف سؤال بيرن في دماغها.
كانت بتحاول تلهي نفسها بأي حاجه المهم متفكرش، حست ان دماغها هتنفجر خلاص، بس كل شويه دماغها بتهرب، بتفتكر ضحكة حسام وهو بيعرض عليها تتجوزه، ووش تيم اللي كان باصص عليها بنظره غريبه هيا مش قادره تفهمها، ليه كان بيبصلها كده وليه عينيه كانت حاده كده، هزت دماغها بقوه عشان تبعد التفكير، وقالت لنفسها بصوت واطي
 "كفاية، كفاية بقا."
بتحاول تبعد عن التفكير بس من جواها كانت حاسه إن الهروب مش هيطول، وإن القرار مهما بعدت عنه، هيجي ويقف قدامها تاني، ومش هتعرف تهرب منه للأبد.

عند تيم ويونس
وصلوا البيت وتيم نزل من العربيه وهو ساكت، خطواته تقيله، دخل أوضته وقفل الباب وراه بهدوء، بس هدوء ما قبل العاصفه، قعد على السرير، حط كوعه على ركبته وإيده سندت راسه، عينيه ثابتة في الأرض بس دماغه كانت مليانه، صورة فريده اللي عمرها ما غابت من باله، صوت حسام وهو بيقول "تتجوزيني" وابتسامته المستفزه، نظرة فريده وقتها، كل حاجه بتلف في دماغه بسرعه، قلبه كان بيدق بسرعه جدا.
الأفكار كانت كتير، وصوت في دماغه بيزن
هتوافق؟ 
هتكون ليه؟ 
هتتجوزه فعلا؟
مد إيده فجأة وحدف كل اللي كان جنبه على الكمود على الأرض، الكوباية، الموبايل، المفاتيح، كل حاجة وقعت بصوت عالي وكسرت الصمت اللي مالي الأوضه ووقفت أفكاره.
وقف بسرعة، وشه كان أحمر وعيونه مليانة نظرة غريبة، لف عينيه حوالين الأوضة، وشال الأباجورة وحدفها بغيظ، وقع الكراسي، حدف الكتب، كسر كل حاجه، كان بيكسر كل حاجة حواليه مهما كانت، دمر الاوضه، نفسه كان عالي، كان بيحاول يطلع الغضب اللي جواه بس الألم فضل زي ما هو، حتى بعد ما كسر كل حاجه، وقف يتنفس بسرعه، ولما ملقاش حاجة تانية حواليه تتكسر، وقع على الأرض، قعد على ركبته، وحط رأسه بين إيديه، عينيه كانت حمره جدا وعروقه نفره.

خلصت حفلة الخطوبه اخيرا، الفرح والموسيقى اللي كانوا ماليين المكان بدأ يهدى، الوقت اتأخر وكل الناس مشيت.
فريده دخلت اوضتها وقفلت الباب وراها بهدوء، سندت ضهرها على الباب لحظه، خدت نفس عميق وغمضت عينيها وهي بتحاول تفرّغ دماغها من دوشة اليوم.
مشيت ناحية المراية، بصت لنفسها، كانت مبسوطة لاخوها وخطيبته بالرغم من احساسها في أول اليوم، قعدت على طرف السرير، شالت الحلق من ودنها ببطء، ورمته جنبها، لمت شعرها ومسحت الميكب، غيرت هدومها وحدفت نفسها على السرير بتعب، بس تعب نفسي اكتر من جسدي، مدت إيديها واخدت الموبايل، فتحته، فضلت تبص في الشاشة، بس مش عارفة تعمل إيه، لا عايزة تكلم حد ولا حتى عايزة ترد على أي رساله، رمت الموبايل جنبها تاني، لفت على جنبها، حضنت المخده بقوة وغمضت عينيها، كانت بتحاول تنام، بس دماغها مكنتش سايباها في حالها، حاجات كتير كانت بتخبط في بعضها جواها، وفي النص كانت بتسأل نفسها
"أنا عايزة إيه؟"
غمضت عينيها وسابت دماغها تغرق في الصمت اللي كان مالي الأوضه.

صابرين وسالي رجعوا البيت، كان الجو هادي جدًا، سالي دخلت وهي بتبص حواليها وقالت
"الدنيا ضلمة ليه؟"
صابرين حطت شنطتها على الكونسول، مدت إيديها وفتحت النور وقالت وهي بتبص حواليها
"يمكن ناموا... أكيد تيم نايم، ياريت يونس يكون في أوضته هو كمان."
سالي وقالت بخفه
"شوفيه إنتي، وأنا هشوف ياسين."
سالي مشيت وصابرين بصت للسلم، خدت نفس هادي وبدأت تطلع بخطوات بطيئه، وصلت قدام أوضة يونس، خبطت خبطتين خفاف وفتحت الباب
بصت جوا، الأوضه فاضيه كالعاده ومكركبه، اتنهدت وهي بتبص حواليها وقالت لنفسها
"كالعادة..."
قفلت الباب تاني بهدوء ولفت ناحية أوضة تيم، وقفت لحظة قدام الباب، مدت ايديها وفتحته براحه، اتصدمت وهي شايفة الكركبه والحاجات الكتير المكسوره، قلبها وجعها من المنظر، وقالت باستغراب 
"تيم، تيم في إيه المرادي كمان؟ ليه مكسر كل حاجة كده؟"
تيم رفع وشه، كانت عينيه حمرا من الدموع اللي كان بيحاربها، بصلها وقال بصوت مبحوح
"أنا مش عايز أشوف حد... اطلعي."
صابرين قربت خطوه وقالت بقلق وهي بتبص في عينيه
"في إيه حصل؟ قولي إيه اللي حصل يا تيم؟"
تيم صرخ فجأة بصوت عالي، صوته كان مكسور وهو بيقول
"اطلعي!! اطلعي وسيبيني!! اطلعي!!!"
صابرين حاولت تحط إيدها على كتفه بهدوء، لكنه بعد بسرعة عنها ولف وشه، وحط إيده على دماغه وهو بيحاول يسيطر على نفسه.
في اللحظة دي سالي دخلت الأوضة بسرعة وهي مصدومة، بصت حوالين الأوضة وقالت بزهول 
"إيه ده؟ في إيه؟"
تيم قام بسرعة، قال بصوت عالي
"اطلعوا! مش عايز أشوف حد! اطلعوا!"
صابرين بصت لتيم بخوف وبعدين بصت لسالي وقالت بحزم
"يلا يلا، سيبيه دلوقتي."
سالي اتلغبطت وقالت
"از..."
صابرين قاطعتها بسرعه
"مش وقته كلام يا سالي، يلا، اطلعي."
سالي خرجت وهي باصه لتيم بقلق، وصابرين طلعت وراها وقفلت الباب وراهم وسابوه لوحده.

سالي وقفت جنب صابرين في الممر، وكانت لسه مصدومة من اللي شافته، سألتها بصوت واطي وهي بتبص على باب أوضة تيم
"هو إيه اللي حصل يا ماما؟ مش كان كويس! في ايه ضايقه"
صابرين اتنهدت وقالت وهي بتحط إيدها على كتف سالي
"مش عارفة يا سالي... أكيد اتضايق من حاجة ومش عايز يقول"
سالي بصت على الأرض وقالت بهمس
"كان شكله مخضوض أوي... ووشه كان أحمر وعينيه..."
صابرين قطعت كلامها وقالت بنبرة هادية وهي بتحاول تسيطر على قلقها
"بصي، سيبيه دلوقتي... لما يهدا هبقي اشوف ماله، ابعتي حد ينضف الأوضة، عشان مينهارش أكتر."
سالي هزت راسها وقالت
"حاضر..."
بصت ناحية الباب للمرة الأخيرة قبل ما تتحرك، كانت حاسة بقلق جواها، بس اتحركت بهدوء علشان تنزل تبلغ حد ينضف الأوضة.
صابرين بصت لحظة لباب الأوضة وهيا حاسه ان الامور ممكن تخرج عن السيطره.

يوم جديد
كانت فريدة في شغلها، بتحاول تركز بس غصب عنها سرحانه، يسر قربت منها وهيا بتديها قهوه وقالت بخفه
"العروسة سرحانة؟"
فريدة رفعت عينيها بسرعه وقالت باستغراب وهيا بتاخد منها القهوه
"عروسة؟"
يسر ضحكت وقالت وهي بتشرب من قهوتها
"ما إنتِ أكيد بتفكري في الموضوع، ولا أنا خمنت غلط؟"
فريدة زفرت وقالت بصوت هادي
"عايزة أرفض، بس مش عارفة إزاي... يعني هو شخص محترم ومش عايزة أخسره كصديق، بس مش عارفة إزاي ممكن أرفض."
يسر سألتها وهي بتقعد قدامها
"هترفضيه علشان تيم؟"
فريده قالت بسرعه
"تؤ، تيم ملوش علاقة طبعًا"
يسر بصتلها وقالت بهدوء
"بس تيم..."
فريدة قاطعتها وقالت
"تيم أصلاً إنسان مش دوغري، وأنا مليش في اللي مش دوغري يا يسر."
يسر قالت وهي بتبصلها 
"بس حسام دوغري."
فريدة هزت راسها وقالت
"بس مش بحبه... مش هقدر أشوفه حبيب، يعني صعب."
يسر قالت بنبرة متفهمه
"فاهمه يا فريده، بس هو كان بيلمح كتير جدًا، وكان بيحاول يقرب وينبهك إنه موجود، يعني المفروض تكوني عارفه أنه هيعمل كده"
فريدة بصت بعيد وقالت
"عارفة، بس كنت بصده كتير في الأول ومازلت... مش هقدر أتجوز حد مش بحبه، ومش عايزاكي تقوليلي هتحبيه مع الوقت، طالما الشخص مش بحبه يبقى مش هقدر اكمل معاه"
يسر سألت بعد لحظة صمت
"طب... حبيتي تيم أصلًا؟"
فريدة سكتت شوية، أخدت نفس وقالت وهي بتبص على إيديها
"وهو إيه اللي يتحب في واحد سايكو... مريض نفسي ومش معترف حتى بده... معاملتي معاه مش حبًا فيه، بس يمكن كنت بحاول أخرجه من اللي هو فيه، بس انا بفكر بعقلي، فلاء"
يسر قالت بنبرة هاديه
"ولو هو بيحبك؟"
فريدة سكتت فترة أطول، عنيها ثابتة وقالت بهدوء "معتقدش... بس لو ده فعلًا حصل، هاخد بإيده لآخر مره... لو فضل رافض مش هقدر أعمل حاجة أكتر من كده، يمكن يكون في حاجه كبيره مخلياه كده"
يسر سألت
"طب... وحسام؟"
فريدة رفعت عنيها وقالت وهي بتتنهد
"أنا مش عارفه... أنا أول مرة أتحط في موقف زي ده، أنا مشوشه اوي"
في اللحظة دي دخلت عليهم داليا وهي شايله كرسي، قعدت قدامهم وهي بتقول بفضول
"الكلام على إيه؟"
فريدة بصتلها بسرعة وقالت بابتسامه صغيره 
"بنرغي... عادي يعني."
رجعت تبص قدامها، بس عقلها كان مشوش

عند ياسمين 
كانت في أوضتها قاعده على طرف السرير، متوترة ومستنية محمد، أول ما دخل رفعت عينيها بسرعه وقالت بنبرة جديه
"عايزة أتكلم معاك."
محمد قعد قدامها، حط إيده على ركبته وقال ببرود
"في إيه تاني؟"
قالت وهي بتاخد نفس
"أنا سيبت الشغل."
اتعصب، ملامحه اتغيرت وقال بسرعه
"ليه تسيبيه؟ ليه؟"
ردت بهدوء رغم توترها
"هرجع لو عايز... بس بشرط."
بصلها وهو بيشد على كلماته وقال
"إيه شرطك؟"
قالت وهي بتبص في عينيه
"الشقة اللي فوق."
رفع حواجبه وقال
"مالها؟ عايزانا نطلع نقعد فيها؟ مش قولتلك قبل كده ورفضتي."
قالت بنبرة ثابته
"ولسه عند موقفي... أكيد مش هقعد في الشقه اللي أختي كانت هتتجوز فيها يعني."
اتنفس بغيظ وقال 
"وجيبتي سيرتها ليه دلوقتي؟"
قالت بحده
"أمك وأخواتك هما اللي يطلعوا يقعدوا فيها."
محمد بصلها بذهول وقال بنبرة عاليه
"إنتي بتستعبطي؟ يعني إيه اللي بتقوليه ده؟"
قالت وهي بتشد على كلامها
"ده اللي عندي... أنا مش عايزه أبقى محصورة كده ومش واخدة راحتي... إنت أدرى."
محمد قال وهو بيحاول يمسك أعصابه
"بس مش هينفع، دي شقة أمي."
ردت بسرعه
"هو أنا بقولك ارميهم في الشارع؟ أنا بقولك خليهم يطلعوا فوق بس."
قال بغيظ
"وإنتي متخيلة إنهم هيوافقوا يعني؟ مستحيل."
قالت بنبرة حاده وهي بتبصله بدلع
"ده دورك... يا إما كده، يا إما تشوفلك مكان تاني تنام فيه غير الأوضه هنا... وأنا هفضل في أوضتي، مش هخرج منها... ومش هنزل أشتغل، واكون وقتها براحتي"
قامت وقفت، بصتله بنظرة قوية قبل ما تلف، وسابته قاعد في مكانه، عينيه مليانة غضب وحيرة، وهو مش عارف يرد عليها ولا يسيطر على الموقف.

عدى حوالي أسبوع
فريده في أوضتها، سرحانه، بتبص للسقف أحيانًا وللموبايل أحيانًا ، بتفكر ازاي تقول لحسام أنهم لو فضلوا صحاب هيكون احسن، لحد دلوقتي لسه مردتش على عرضه، وهو نفسه مرنش عليها ولا بعتلها رساله حتى وكأنه اختفى، استغربت، إزاي كل ده عدى وهو مكلمهاش؟ معقول رجع في كلامه؟ ولا اتضايق من ردها يومها؟
مسكت الموبايل، اسم حسام كان قدامها، متردده ترن ولا لاء، قبل ما تاخد قرار، شاشة الموبايل نورت، اسم سالي ظهر قدامها 
ردت بسرعه وقالت
"سالي؟"
سالي ردت بصوت متلغبط وسريع
"فريده! تيم فتح الباب أخيرًا... فتحه وفتح فعلًا... وطلع باب بجد!"
فريده قالت بهدوء
"طيب اهدي، ما إحنا عارفين، ده الطبيعي."
سالي صوتها كان بيرتعش
 "لاء... أنا بجد مش مستوعبة... ومش عارفة حاسه بإيه... بس خايفه"
فريدة قالت بهدوء
"ده طبيعي... المهم، فتحه إزاي؟"
سالي قالت بسرعه
"في خاتم... الخاتم اللي مش بيقلعه أبدًا، هو اللي فتح بيه الباب... الخاتم ده جواه شفره بتفتح الباب، وبعدها بتدخلي الباسورد وبيفتح عادي."
فريده سألت بتركيز
"ومعاكي الباسورد؟"
سالي ردت بسرعه
"آه... أكيد اخدته وسجلته عندي... بس ناقص الخاتم نفسه علشان نقدر نفتح الباب."
فريدة قالت بتفكير
"إنتي بتقولي إنه لابسه علطول؟"
سالي قالت
"آه... مش بيقلعه أصلًا."
فريدة زفرت وقالت
"طب والعمل؟"
سالي قالت وهي متوتره
"مش عارفة... حاسه دماغي وقفت."
فريده قالت
"كده لازم تاخدي الخاتم منه، وهو لازم يكون موجود وقتها في البيت، و... هيكون بالليل طبعًا، فكل حاجه هتكون عليكي إنتي."
سالي قالت بسرعه
"فريده.. لاء... مش هدخل من غيرك، مستحيل، هتيجي معايا."
فريدة قالت بصوت هادي
"إزاي يعني؟ الحوار بقى أصعب."
سالي قالت بإصرار
"عادي... هتيجي يا فريده."
فريده قالت
"طيب... نفترض إني هاجي... وتيم ومامتك والخاتم نفسه... وندخل أوضته وهو موجود؟ صدقيني الحوار صعب."
سالي سكتت لحظة وبعدين قالت
"تيم... ممكن أحطله أي منوم قوي، وآخد منه الخاتم وهو مش هيحس بأي حاجه"
فريدة قالت
"فكره... طب ومامتك؟"
سالي قالت بسرعه
"ماما مش مشكلة أصلًا يا فريده... المشكلة كان تيم... وبعدين إحنا محتاجين تلت ساعه، بالكتير نص ساعة مثلا، يعني مش حوار."
فريدة قالت
"تمام... هتخلصي الحوار ده إمتى؟"
سالي قالت
"بكره لو تحبي."
فريدة قالت بعد تفكير
"طيب... اتفقنا، ابقي رني عليا وأنا هاجي."
سالي قالت بنبرة امتنان
"هتعرفي تيجي يعني؟"
فريدة قالت
"آه... عادي، محدش هيقولي حاجة يعني أو يهتم"
وقفلت المكالمه، فريدة رجعت تبص للموبايل، واسم حسام كان لسه ظاهر قدامها بس قفلت الفون، عقلها كان رايح لحاجة أكبر من اللي كان شاغلها من شويه.

يونس كان قاعد مع أصحابه، الجو هزار وضحك كالعاده، صاحبه قال
"يا عم متضحكش علينا… ده حتى في واحده كرفِتلك يعني."
يونس بصله ببرود وقال
"كرفتلي؟ أنا؟"
صحبه قال وهو بيضحك 
"آه يا عم، مفيش حد كرفلك غيرها… شكلها بنت تقيلة عليك."
يونس اتحرك في مكانه وقال بنبرة متحديه
" قصدك على اي بنت؟"
صاحبه قال
"انت مقولتش اسمها، بس اللي شغاله في مستشفى دي"
يونس ضحك بس ضحكة نصها استفزاز وقال
"آه… يسر."
يونس مسك التليفون وفتحه وقال بثقة وهو بيبص في الفون
"بص… مفيش حد بيكرفلي، وأنا لو عايز أجيبها… هجيبها، فاهم؟"
صحبه قال بتحدي
"تجيبها يعني؟ إنت متأكد؟"
يونس مسح على دقنه وقال
"متأكد يا معلم، واعتبر ده تحدي… بس أنا اللي هسحب عليها بعد ما أجيبها، لأنها متستاهلش حد زيي أصلا."
صحبه بصله وهو مبسوط من التحدي وقال
"طب خلاص يا نجم… ورينا شطارتك."
يونس ضحك وهو بيقول
"هتشوف."

تاني يوم
خرجت فريده من المستشفى بعد يوم طويل، وقفت برا وهي بتاخد نفس عميق قبل ما تركب عربيتها، مسكت موبايلها ورنت على إسلام.
رد بسرعة وقال
"ايه يا ديدا؟"
قالت بنبره هاديه بس فيها حده بسيطه
"إسلام، سالي كلمتني وقالت إنها محتاجاني ضروري، وأنا هتأخر شويه"
رد عليها بسرعه وصوته فيه قلق
"إزاي يعني دلوقتي؟ وكمان المكان بعيد يا فريده!"
قالت بنفس النبره
"هيا كلمتني وقالت محتاجاني، وأنا مش هقدر مروحش."
اتنفس بعمق وقال بصوت حاد
"مش هينفع... لاء طبعًا."
اتنرفزت وقالت بسرعه
"بس هي محتاجاني يا إسلام، ساعه بالضبط وهكون مخلصه مش هطول، حاجه مهمه"
قال بهدوء وهو شايف اصرارها
"طيب... بس أنا هاجي أخدك"
قالت بملل
"بس يا إسلام، أنا معايا عربيتي..."
قال بتحذير
"مش شغلي يا فريده، متمشيش من هناك غير لما اجي أخدك بنفسي، مفهوم؟"
سكتت لحظه، وبعدين قالت بهدوء رغم ضيقها
"ماشي."
قفلت معاه وركبت عربيتها ومشيت، كانت سايقه وهي بتحاول تهدي تفكيرها قبل ما توصل لسالي.

في نفس الوقت، تيم كان قاعد في أوضة مكتبه، قدامه اللاب، مركز فيه جدًا وعينيه مش بتتحرك من عليه، مش حاسس بأي حاجة حواليه، سالي دخلت بكوباية عصير وقالت بابتسامه خفيفه 
" جبتلك عصير" 
قال من غير ما يبص
" مش عايز"
قالت وهيا بتقرب
" بس انا عملتهالك انت مخصوص"
قال وهو لسه باصص على اللاب
"قولت مش عايز، أنا مطلبتش حاجة."
قالت وهي بتحط الكوباية قدامه
"خد بس رطب على نفسك، عصير طبيعي ومن غير سكر، إيه بقا."
رفع عينه وبصلها وقال بهدوء
"طيب يا سالي شكرًا، عندي شغل لو خلصتي كلامك."
قالت وهي بتخرج من الأوضه
"العفو... بالهنا."
خرجت سالي، كانت صابرين قاعده في الصالون، لابسة نضارتها وفاتحة التاب وقاعدة بتقرأ، سالي قعدت جنبها وقالت بنبرة فيها هدوء وهيا بتفتح موضوع صابرين مش بتحب تتكلم فيه
"بابا مش هيعمل عملية تانية؟ يعني مش هتحاولي تاني؟"
صابرين بصتلها من فوق النضارة وقالت
"حاولت كذا مره... بس مفيش فايده"
سالي قالت بسرعه
"يعني بابا هيفضل كده؟ أكيد في علاج، الدكتور آخر مرة كان قايل إنه ممكن يتعالج، وإنه اتعرض لجلطه وشلل بسبب حاجة ضايقته... بس إنتي قفلتي على الموضوع."
قامت صابرين من مكانها وقالت بصوت هادي
"أبوكي مش صغير... دي حاجة طبيعيه وبتحصل لناس كتير"
سالي قالت بسرعه وهيا بصالها
"والطبيعي إنه ميكونش بياخد الدوا بتاعه بانتظام؟"
صابرين وقفت لحظة وقالت بهدوء قبل ما تنسحب
"طبعًا بياخده بانتظام... بس يمكن نسيه مره ولا حاجه، تصبحى على خير."
مشيت صابرين وراحت على أوضتها، وسالي فضلت قاعدة في مكانها شويه، سرحانه وعينيها بتتحرك يمين وشمال.
بعد شوية خرج تيم من الاوضه، كان باين عليه التعب، سالي بصتله وقالت
"رايح فين؟"
قال وهو بيضبط ساعة إيده
"هطلع أنام."
قالت وهي بتحاول تخفف الجو
"بدري كده؟!"
قال بهدوء وهو بيبصلها
"عايز أنام... تصبحى على خير."
ردت عليه بسرعه وهي مبتسمه ابتسامه خفيفه
"وأنت من أهله."

بعد شوية وصلت فريده، وقفت قدام الباب ورنت على سالي قبل ما تدخل، سالي ردت بسرعه وقالت
"ادخلي يا فريده مستنياكي"
فريدة دخلت، كان باين عليها التوتر، بصت لسالي اللي كانت واقفه مستنياها وقالت
"إيه الأخبار؟"
سالي ردت بصوت واطي
"الخطه ماشيه... بس بجد أنا خايفه"
فريدة قالت وهي بتتنفس بسرعه
"وأنا مرعوبه."
سالي قالت بتوتر ملحوظ
"طيب هنعمل إيه؟ بصي ايديا بترجف ازاي"
فريدة سألتها بسرعه
"الخاتم فين؟"
سالي قالت
"لسه مجبتوش."
فريده رفعت عينيها وقالت
"طيب... هو تيم فين دلوقتي؟"
سالي ردت
"نايم في أوضته."
فريدة أخدت نفس وقالت وهي بتشد إيد سالي
"يلا نطلع... انتي تجيبي الخاتم، نفتح وندخل... قدامنا تلت ساعه ننجز فيها"
سالي بسرعة بعتت رسالة للهاكر علشان يجمد الكاميرات، وبعد ما جالها التأكيد، اتحركوا هما الاتنين ناحية أوضة تيم بهدوء.
فريدة قالت بصوت واطي بعد ما دخلوا
"هدخل الدريسينج... وانتي جيبي الخاتم."
سالي هزت راسها بخوف، قربت من تيم اللي كان نايم، قلبها كان بيدق بسرعه، شالت الخاتم من إيده وهي بتتشاهد بهمس، إيدها كانت بتترعش بس نجحت تاخده بالعافيه
دخلت بسرعه لفريده اللي كانت واقفة قدام الباب، سالي قربت والخاتم في إيديها، بصوا الاتنين لبعض، وبعدين بصوا للباب اللي قدامهم، نظراتهم كانت مليانة توتر.
سالي مدت إيديها لفريده بالخاتم، فريده اخدته منها وهي بتاخد نفس عميق، فريدة وقفت قدام الباب مباشرة، مسكت الخاتم كويس، قلبها كان بيدق بسرعه، قربت الخاتم من الباب، ودورته في المكان المخصص، سمعت صوت تك خفيف وهي بتلفه، بعدها ظهر مكان صغير علشان تدخل الشفره، الخاتم فتح من الجنب وطلعت منه الشفره الممغنطه، دخلتها في المكان المخصص، وبعد لحظة الباب عمل صوت تكه تانيه، نور صغير أحمر ظهر ومطلوب الباسورد.
فريدة بصت لسالي وقالت بهمس
"الباسورد يا سالي…"
سالي كانت مسجلة الباسورد على موبايلها، فتحته بسرعه وإيدها بتترعش، قالت الرقم بصوت واطي 
فريده بدأت تدخله بسرعه، وكل رقم بتدخله كان قلبها بيدق أسرع، ولما دخلت آخر رقم، لمبة خضرا نورت على القفل، وسمعوا كليك صغيره، والباب فتح بالكامل قدامهم ببطء.
بصوا لبعض بتوتر وخوف، نفسهم محبوس وقلوبهم بيدق جامد، الباب اتفتح.... واخيرا....
الباب اتفتح ببطء قدامهم، بصوا لبعض ودخلوا بهدوء، بخطوات محسوبه، اول حاجه شموها كانت ريحة تيم المميزه، الدنيا كانت ضلمه جدا، دخلوا اكتر
سالي همست بفزع
"مش شايفه حاجه خالص..."
فريده فتحت فلاش الكاميرا بسرعه، ظهر لمحات من الأوضه، لفت الفون يمكن يكون في نور تشغله، كان في زرار على الجنب، فريده مدت إيدها وشغلته، كان نور أبيض واضح، مش مزعج ومريح للعين، كشف المكان بشكل أوضح 

أول حاجة ظهرت قدامهم كانت لوحة كبيرة متعلقة على الحيطة، فريده كانت مرسومة فيها، تفاصيل وشها واضحة بشكل يخض، الملامح، الشعر، حتى اللمعة في عنيها، كانت كأنها صورة متصورة بكاميرا احترافية مش رسمه ابدا 
الاتنين وقفوا مكانهم مصدوومين.
سالي قالت بصوت متلغبط
"دي... دي إنتي يا فريده..."
فريده كانت مزهوله وهيا بتبص للوحه، كانت مصدومه وهي بتقرب بخطوات بطيئة من اللوحة، قلبها كان بيدق بسرعة، مدّت إيدها ولمست اللوحة بخفة، الملمس كان ناعم بس تفاصيل الرسم كانت واقعية بشكل مرعب.
قالت لسالي وهي بتهمس بانبهار
"ده... إزاي؟ التفاصيل دي... كأنها مطبوعة مش مرسومة..."
سالي كانت بتبص حواليها وعينيها بتدور في الأوضة، لمحت مكتب صغير عليه أوراق، قربت وقالت بسرعه
"الحقي يا فريده... هنا كمان!"
فريده سابت اللوحه وجريت عليها، لقت ورق كتير عليه رسومات ليها، أول رسمة شافتها كانت وهي لابسه الفستان اللي لبسته في خطوبة إسلام، التفاصيل كانت دقيقة بشكل يخلّي أي حد يتلغبط إذا كانت صورة ولا رسمة.
قلبت الورق بسرعة، لقت 4 رسومات تانية بفساتين مختلفة، دي نفس الفساتين اللي كانت بتقيسهم وقت ما راحت معاه تختار فستان لكتب كتاب يسر، حتى الإضاءة اللي كانت في المحل وقتها، كانت مرسومة في الخلفية.
فريده وقفت بتبص عليهم بانبهار وخوف، وشها كان بين الدهشة والقلق، وكل رسمة كانت بتوقع قلبها أكتر من اللي قبلها.
قلبت ورقة كمان، لقت رسمة ليها هي وحسام، واقفين جنب بعض في لقطة كانت فريده فاكرة إنها لحظة عابرة، بلعت ريقها بغصة، لمست الصورة بخفة وقالت بصوت واطي
"ده... إمتى رسم دي..."
سالي كانت واقفة جنبها، ووشها مش مصدق، قالت وهي بتبص حواليها
"هو أنا ليه حاسة إني في حلم... أو مش مستوعبة..."
فريده ردت وهي بتاخد نفس عميق
"أكيد مش أكتر مني..."
كانت بتقلب في الورق، لقت رسومات تانية ليها في حالات مختلفه، وهي بتضحك، وهي بتبص بعيد، وهي سرحانة، وهي متضايقة... كل حاجة كانت مرسومة بتفاصيل دقيقة مرعبه
سالي بصت حواليها وقالت
"في كمية أدراج هنا... أكيد فيهم حاجات تانية كتير."
فريده سابت الورق مكانه، وقالت بعد ما لفت حوالين نفسها وهي بتاخد نفس
"طيب... تعالي نشوف..."
سالي وقفت قدام الأدراج، عينيها بتجري على اللزق الأسود اللي مكتوب عليه سنين متتاليه من 2004 لحد 2025، أرقام واضحة ومترتبة بنفس الخط، بنفس الحجم، بنفس الطريقة المنظمة اللي كانت متوقعة من تيم.
سالي قالت بصوت واطي، فيها توتر واستغراب
"إيه الأرقام دي؟"
فريدة ردت وهي بتحاول تخبي ارتباكها
"كل السنين اللي فاتت... غالبًا..."
سالي مدّت إيدها ببطء، فتحت أول درج قابلها، كان مكتوب عليه 2019، سكتت لحظه وبعدين بدأت تقلب في الورق والصور اللي جواه.
أول صورة كانت صورة واضحة لواحده ست اول مره تشوفها، هيا مش عارفاها اصلا، لكن اللي شدّ انتباهها إن على أول صورة كان مكتوب بخط مرتب
رقم (10) وتاريخ 2019.
سالي قلبت الصورة اللي قبلها، كانت صورة بنت مختلفة، ملامحها حزينة شوية، ومكتوب عليها رقم (9) وتاريخ 2017،
واللي قبلها صورة تانية، ورا التانية، كلها بتواريخ مختلفة، كل صورة كان فيها أشخاص بأعمار وأشكال مختلفة، وتواريخ مترتبة، وكانت الأرقام بتنزل كل ما رجعت ورا في الصور بنفس الترتيب
كان فيه صمت غريب، إلا صوت قلبهم اللي بيخبط جوة صدرهم بشده 
سالي قالت بسرعه 
"فريده... صوري الورق ده بسرعة يا فريده"
فريدة طلعت الموبايل بسرعه من جيبها وبدأت تصور، واحدة ورا التانية، إيديها بتترعش بس بتحاول تظبط الكاميرا.
سالي راحت على اول درج اللي مكتوب عليه 2004، فتحته بحذر، أول رسمه شافتها، كانت غريبه، التفاصيل مش واضحة أوي، لكن الشكل العام معروف، الصورة كانت لتيم، ماسك قلبه بإيده وبيديه لصابرين، سالي شافت الرسمه اللي قبلها، لقت تيم قاعد وصابرين قاعدة لمستواه، كأنها بتتكلم معاه أو بتوعده بحاجه، واللي قبلها كانت صابرين بتحاول تلحقه وهو داخل البيت، باين عليه كان صغير وقتها.
سالي وقفت، نفسها بدأ يتقل، قلبها بيخبط، وعايزه تفهم ايه ده، بس قبل ما تشوف الرسمه اللي قبلها الموبايل رن بيعلن عن انتهاء الوقت اللي محددينه واللي رجعهم للواقع بسرعه.

فريده وسالي اتنفضوا من مكانهم في نفس اللحظه، فريده بسرعة قفلت الصوت وهيا بتقول 
" الوقت خلص"
سالي قالت وهي بتاخد نفس سريع
"لازم نخرج دلوقتي... دلوقتي حالًا يا فريدة..."
فريدة قالت وهي بتلم نفسها بسرعه
"استني بس ثانية... ثانية واحدة بس... اخر صوره"
سالي كانت وقفة، مش قادرة تتحرك للحظة، عينيها كانت لسه على صورة تيم وهو ماسك قلبه لصابرين، وبعدين بسرعة شدت نفسها وقالت
"يلا...بسرعه"
فريده كانت لسه بتصور آخر ورقه، قلبها بيدق بسرعة، بصت لسالي وقالت بهمس
"ثانية... بس ثانية أخيرة."
سالي قالت بإصرار وهي بتسحب الموبايل من إيديها
"مفيش ثانيه، يلا نرجع كل حاجة مكانها بسرعة."
قفلوا الأدراج بسرعه وحسّوا إن كل ثانيه بتعدي أطول من اللي قبلها، فريدة قالت وهي بتبص حوالين الأوضة قبل ما تخرج
"اتأكدي من كل حاجه.. متخليش أي أثر لينا..."
سالي عملت مسح سريع بنظرها، وقالت وهي بتخرج من الباب
"تمام كده، يلا"
خرجوا من الأوضة بسرعه، فريده قفلت الباب وراهم بنفس الطريقة اللي فتحته بيها، ايديها بتترعش وقلبها بيدق بسرعه
سالي بصتلها وقالت
"كده تمام؟"
فريده أخدت نفس وقالت
"تمام... يلا"

خرجوا من الدريسينج، سالي قربت بهدوء من تيم اللي كان نايم، بصت عليه وهو نايم، وشه هادي جدًا، ملامحه في هدوء غريب، نفسه منتظم، اللحظة كانت تقيلة على قلب سالي، وفريده كانت واقفة من بعيد، بتبص على تيم، قلبها كان بيتشد ليه، حسّت للحظة إنها عايزة تجري عليه وتحضنه.
بمجرد ما سالي رجعت الخاتم مكانه بنجاح، بصت بسرعة لفريده وقالت بهمس مرتعش
"يلا... بسرعه."
فريده هزت راسها وهي بتاخد نفس طويل مليان خوف وراحة في نفس الوقت، بصت على تيم للمره الأخيرة قبل ما تخرج
خرجوا بسرعة من الأوضه، وبمجرد ما خرجوا اتنهدوا بعمق في نفس اللحظة، كأنهم بيطلعوا كل الخوف اللي كان محبوس جواهم.

نزلوا الصالون، سالي قعدت بسرعه على الكنبة وهي بتاخد نفسها بصعوبة، قالت لفريدة بصوت متوتر
"فريدة... انتي... انتي فهمتي حاجة من اللي شفناه فوق؟ أنا حاسة إني في حلم... أو في فيلم غريب، مش قادرة أستوعب، حاسه في حوار، وحوار كبير"
فريدة قعدت جنبها، بلعت ريقها وقالت
"مش... مش عارفة يا سالي، بس اللي شوفناه فوق حاجه عمري ما توقعتها بجد، واضح أنه مش بني ادم عادي، مش قادره افهم "
سالي رفعت وشها بسرعة وقالت
"إيه الرسومات دي؟ والسنين دي كلها؟ والناس اللي مرسومين... وتاريخهم... ايه كل ده؟ ملحقتش افهم"
فريدة اتنهدت وقالت
"الله أعلم... يمكن كانت طريقته الوحيدة إنه يحتفظ بالحاجات اللي بتحصله... أو يمكن بيحاول يفهم نفسه... أو يمكن..."
سكتت لحظة وقالت
"يمكن الموضوع أكبر من اللي احنا فاكرينه وفي حاجه كبيره شافها في الماضي أثرت عليه ورسم حياته تدريجيا "
سالي قالت بسرعه
"بس... انتي كنتي مرسومة كتير... كتير جدًا يا فريدة... ليه؟"
فريدة رفعت عينيها وبصتلها وقالت بصوت مخنوق
"مش عارفة يا سالي... مش عارفه"
سالي عضت شفايفها وقالت بعد لحظة صمت
"أنا ملحقتش أشوف كل حاجة... كنت لسه عايزة أعرف أكتر."
فريده ردت وهي بتقلب في الموبايل
"أنا صورت الناس اللي مرسومه... بس برضو مين دول؟ أو نقدر نعرف مين دول ازاي؟"
سالي قالت، صوتها مليان توتر
"وبرضو... تيم وهو بيدي قلبه لماما... يعني إيه؟ هيا قالتله إيه خلاه يعمل كده؟ أنا مش فاهمة... وملحقتش حتى أكمل"
فريده رفعت عينيها وقالت
"ده إيه ده؟ ده كمان كان مرسوم؟!"
سالي هزت راسها وقالت
"آه... كنت عايزة أكمل، بس ملحقتش ومكنش ينفع نفضل "
فريده قالت بهدوء
"إنتي عرفتي الطريقة خلاص..."
سالي زفرت وقالت
"بسهولة كده؟! ده أنا كنت بموت من التوتر... كنت حاسة إني بسرق بنك! مش هقدر أعمل كده تاني ولوحدي"
سكتت لحظة وقالت وهي بتبص للأرض
"هل لو قلت لتيم اللي عملناه... ممكن يحكي؟ يمكن لما يعرف إننا شوفنا كل ده..."
فريده قالت وهي بتقفل موبايلها
"هسأل ايه، بس دلوقتي الأول نحاول ندور على الناس دي، يمكن نفهم حاجة."
سالي قالت وهي بتفرك ايديها
"يمكن لو كنا فتحنا الدرج اللي قبله... كنا فهمنا أكتر."
فريده قالت
"بس خلينا في اللي معانا الأول... مين دول؟ وإيه اللي حصلهم؟"
سالي قالت بتردد
"نسأل آيه، هيا أدرى."
فريده قالت وهي بتبص في ساعتها
"طيب... هكلمها بكره ،أنا همشي دلوقتي عشان متأخرش أكتر."
سالي قالت بسرعه
"استني... هخلي السواق يوصلك."
فريده قالت
"معايا عربيتي."
سالي قالت بهدوء
"طيب... خلي بالك."
قبل ما فريده تتحرك، سالي نادتلها بسرعه
"فريده؟!"
فريده بصتلها، فسالي قالت بهدوء
"أظن... صدقتي دلوقتي... إن تيم بيحبك."
سكتت، وبعدين بصت بعيد قبل ما ترد
"تصبحي على خير."

خرجت فريدة من البيت، ركبت عربيتها، وقلبها لسه مشغول بكل اللي شافته، إزاي كان بيرسم ملامحها بالدقة دي؟ للدرجة دي حافظ تفاصيلها؟ للدرجة دي مركز معاها؟
كانت سايقة وسرحانة، في وسط شرودها رن فونها وكان اسلام
ردت بسرعة وقالت
"ألو؟"
إسلام قال بضيق 
"لسه كل ده؟"
قالت وهي بتحاول تكون هاديه
"أنا خلاص مشيت"
صوته علي شويه وقال
"ليه أنا مستني اتصالك؟"
قالت وهيا بتتنهد
"مفيش داعي تيجي، أنا معايا عربيتي خلاص"
إسلام اتنفس بحده وقال بعصبيه
"إنتي بتهزري؟ إزاي تيجي لوحدك من مكان بعيد بالليل؟"
قالت ببرود وهي بتنهي المكالمه
"خلاص يا إسلام"
وفصلت الخط، بس رن تاني، بصت للموبايل بغيظ، ردت ببرود
"نعم؟"
قال بصوت حاسم
"إنتي فين بالظبط؟"
سألت
"ليه؟"
قال بسرعه
"اخلصي إنتي فين؟"
قالت اسم المكان اللي هي فيه، فرد بسرعه
"طيب، هقابلك في الطريق بأوبر"
قالت بنبرة ضيق
"إسلام صدقني، مفيش داعي"
قال بنبره قاطعه
"فريدة، جاي هقابلك في الطريق"
وفصل الخط.
اتنهدت بملل، رمت الموبايل جنبها، ضغطت على دواسة البنزين، وسرّعت عربيتها أكتر، وبرغم هدوء الشارع بس دماغها كانت مليانة دوشة، كل شويه تتخيل الرسومات قدامها وبتسأل نفسها
"إزاي قدر يرسمها كده؟ إزاي حافظ تفاصيلها للدرجة دي؟"
سرّحت عن الطريق ثانية، بس فوقت بسرعه وضغطت فرامل.
في اللحظة دي، رن فونها تاني، بصت ع الاسم وكان اسلام، اتنهدت وردت
"أيوه؟"
إسلام كان صوته هادي بس فيه نبرة جديه
"فينك دلوقتي؟"
قالت وهي بتلف بعربيتها
"عديت على المحطة خلاص، فاضل عشر دقايق وأكون على الطريق الرئيسي"
قال
"تمام، أنا كمان قربت أوصل، خلي بالك"
" سلام"
دخلت على الطريق الرئيسي، وبعد دقايق، لمحت نور أوبر على جنب الطريق، وإسلام واقف مستني.
هدت السرعة، وقفت العربية، نزلت من العربية، اسلام قرب منها وقال بنبرة فيها عتاب خفيف
"هتفضلي تعاندي لحد إمتى، ها؟"
فريدة قالت ببرود 
"خلصنا؟"
إسلام قال وهو بيشاور على العربيه
" اركبي"
ركب مكانها وهيا ركبت جنبه بهدوء، اتحرك بالعربيه وهيا سندت راسها على الإزاز، وعينيها كانت شاخصة على الطريق قدامها.
إسلام بصلها وقال بهدوء
"مالك؟"
ردت بسرعه
"مفيش، عادي."
بص قدامه تاني وسأل
"سالي كانت عايزاكي في إيه؟"
ردت
"حاجة تخصها، مش هقدر أقولها."
إسلام رفع حاجبه وقال 
"بس شكل الحاجة دي مأثرة عليكي جامد اهو."
فريدة قالت بنبرة خافتة
"متهيألك."
إسلام قال بخفه
"يعني أنا مش حافظك مثلاً علشان تكذبي عليا؟"
سكتت، بعد لحظة قال بنبرة هاديه
"فريدة، متسيبيش نفسك للتفكير لوحدك... متنسيش إني موجود، ودايمًا كنتي بتقوليلي كل حاجة بتحصل معاكي... بس للأسف، بقيت كل ما بقرب منك، بتبعدي... عمرك ما كنتي كده."
فضلت ساكتة شوية، وبعدين ردت وهي بتبص من الشباك
"لأني مش فاهماني أصلاً يا إسلام... بس أوعدك، لما أفهم نفسي، هبقى أقولك."
إسلام بص قدامه وقال بنبرة هادية كأنه بيطمنها 
"وأنا مستني."
رجعوا البيت، طلعت أوضتها علطول وهي دماغها لسه مشوشة بكل اللي حصل.
قعدت على مكتبها، فتحت مذكرتها بسرعه، وكتبت في أول صفحة قدامها تيم وطلعت سهمين تحت الاسم وكتبت أوضة سريه والسهم التاني رسومات
قعدت تبص للكلمتين بصمت وقلبها كان بيدق بسرعة، حاسّة إن حياتها كلها لسه هتتقلب بسببهم.

 تاني يوم
فريدة كانت في المستشفى، راحت ليسر وقالت بهدوء
"يسر، ممكن تخبي عليا لحد ما أرجع؟"
يسر بصتلها باستغراب وسألت
"ليه رايحة فين؟"
فريدة ردت بسرعه
"هقولك لما أرجع، المهم دلوقتي أخرج."
يسر قالت بهدوء
"تمام، بس متتأخريش."
فريدة خرجت بسرعة من المستشفى، وركبت اوبر وراحت شركة تيم، لما وصلت هناك حاولت تدخل، لكن الأمن منعها، محدش رضي يدخلها أو حتى يخليها تقرب من الشركه
وقفت قدام البوابة، طلعت موبايلها ورنت عليه.

في نفس الوقت
كان تيم في مكتبه، شغال بتركيز وقاطعه فونه اللي رن باسمها، قلبه دق بسرعه، رد بسرعة جدًا وقال
"فريدة؟!"
ردت، صوتها كان متوتر
"تيم، أنا... أنا تحت."
تيم قال باستغراب
"تحت فين؟!"
قالت
"تحت قدام الشركه... كنت عايزة أدخل بس محدش رضي."
تيم قام من مكانه بسرعة وهو بياخد حاجته وقال 
"مش فاهم... إيه اللي جابك؟"
فريدة قالت
"أكيد مش هقولك على الفون."
تيم قال بسرعه
"طيب، استني، نازل فورًا."
قفل الفون ونزل بسرعة، خرج لقاها واقفة بعيد شويه، قرب منها، ملامحه كان باين عليها القلق وسألها
"إيه اللي جابك هنا؟"
فريدة ردت بسخرية خفيفة وهي بتزفر
"أنا كويسة الحمد لله، وانت؟"
قال بنبرة هادية فيها توتر
"فريدة، جيتي ليه؟"
قالت وهي بتبص في عينيه بثبات
"عايزة أتكلم معاك... ممكن؟"
قبل ما يتكلم، كملت بسرعه
"ودي آخر مرة... وعد... صدقني، دي آخر مرة هكلمك أو حتى هجيلك."
تيم وقف لحظة وهو بياخد نفسه وبعدين قال
"طيب، أكيد مش هنتكلم هنا، اتفضلي."
راح ناحية عربيته، وهي مشيت وراه وركبت جنبه، اتحرك بالعربية، وفي الطريق كان ساكت، وهي ساكتة، وكل واحد فيهم كان بيبص قدامه والتوتر مالي العربية.
وقف عند أقرب كافيه ودخلوا، قعدوا على أقرب ترابيزة فاضية وهو سألها
"تحبي تشربي حاجة؟"
فريدة قالت بسرعه
"مش عايزة حاجة."
قال وهو بيبصلها بثبات
 "تمام... يبقى ادخلي في الموضوع على طول."
فريدة سكتت لحظة وهي بتبص حواليها بتوتر، وبعدين قالت بصوت واطي
"حسام."
تيم بصّلها بجمود وقال بهدوء غريب
"ماله؟"
قالت بتوتر وهي بتلعب في ايديها
"حسام... صاحبك."
تيم قال بنفس الجمود، كلامه كان بارد
"كمّلي، ماله حسام؟"
فريدة أخدت نفس وقالت
"أنا معرفش حسام كويس بصراحة... يعني أنا مش هوافق على حد أنا مش عارفاه، ولا حتى... بحبه يعني."
تيم رفع حواجبه وقال بهدوء
"وبعدين؟"
فريدة بصتله وقالت
"إنت صاحبُه، وعارفه أكتر مني... وأنا بقالى كتير بفكر ولسه مردّتش... فـ... إيه رأيك مثلًا؟"
تيم سكت لحظة، وبعدين قال بجمود وجديه
"وأنا مالي؟... هو أنا اللي هتجوزه ولا إنتي؟"
فريدة قالت بعصبية خفيفة وهي بتحرك إيدها
"بس هو صاحبك إنت، علشان كده بسألك... إنت عارفه أكتر مني!"
تيم قال بنفس البرود
"إنتي حرّة... أنا مليش دعوة."
فريده رفعت حاجبها وقالت
"يعني؟!"
تيم قال بهدوء
"يعني هو طلب رأيك إنتي، مش أنا... متجيش تسأليني."
فريدة بصتله بحدة وقالت
"طيب وأنا بطلب رأيك في صاحبك، لو جيت وطلبت رأيك... هتقولي إيه؟"
تيم سكت... ليه بتعمل كده معاه؟ ليه بتعجزه بكلامها ده؟ ليه بتدخله في اللي مش عايز يدخله؟ ليه؟
فريدة قالت بإصرار
"هااا؟"
تيم قال بعد تردد
"حسام كويس."
فريدة رفعت حاجبها وهو كمل
"وكويس جدًا... يعتمد عليه... ولما بيحب، بيحب بجد."
فريدة قالت بهمس
"يعني هو فعلاً... بيحبني؟"
تيم قال بجمود وهو بيبص بعيد
"دي حاجة تخصكوا إنتوا... إنتي طلبتي رأيي وقولته... هو فعلاً كويس، وبس كده."
فريدة بصتله، وقالت بصوت هادي بس مليان غضب 
"يعني أوافق؟!"
تيم سكت لحظة وقال بعدها
"قولتلك... مش أنا اللي هتجوزه... بس هو كويس... ومش هتندمي لو وافقتي."
فريدة وقفت بسرعة وبصتله بحدة، عيونها كانت مليانة وجع وغضب وقالت
"مشوفتش أغبى منك بجد... هتخسر كل حاجة في حياتك علشان إنت شخص جبان ومتخلف... وفوق كل ده، فعلاً إنت واحد سايكو ومش معترف حتى... خليك كده بقى طول حياتك."
ومشيت من قدامه بعصبيه، خطواتها سريعة، قلبها بيدق جامد، سابته قاعد مكانه، مكور ايديه بغضب وعينيه ثابتة في الفراغ.
كان بيفكر...
ليه جت وكلمته؟
ليه مهتمه برأيه؟ 
ليه هو؟ 
افتكر كلامها في الآخر، صوتها كان باين فيه وجع وكأنها مستنيه منه رد تاني
"هتخسر كل حاجة في حياتك علشان إنك شخص جبان ومتخلف... وفوق كل ده، فعلاً إنت واحد سايكو ومش معترف حتى..."
بص قدامه بشرود
"جبان؟
سايكو؟
هي شايفاني كده؟
ولا هي بتحاول تهزّني علشان تعرف مني حاجه؟
هي ليه زعلانة أصلًا لو وافقت أو لاء؟
هي... مهتمه للدرجه دي؟"
غمض عينيه وسحب نفس ببطء، وحس إنه لأول مرة الكلام دخل جواه وبيوجعه برغم من إن سالي مش مقصره.

خرجت فريده من المكان، ركبت أول أوبر وقف قدامها، قفلت الباب بسرعة وهي بتزفر، حست إنها مش قادرة تكمل اليوم، وإن كل حاجه جواها تقيلة ومشدودة على أعصابها فقررت ترجع على البيت.
وصلت البيت أخيرًا، ولما دخلت لقت إيناس قاعده في الصالون.
رفعت عينيها وقالت
"جيتي بدري النهاردة يا فريده، في إيه؟"
فريده حاولت تبتسم وقالت
"عادي يا ماما، خرجت بدري شويه"
إيناس كانت هترد، لكنها سكتت لحظه وبصتلها، فريده كانت طالعه اوضتها بس ايناس ندهت
"فريده!"
فريده وقفت مكانها، لفتلها وقالت
"نعم يا ماما؟"
إيناس قالت بتوتر
"تعالي هنا، محتاجة أتكلم معاكي شوية."
فريده قربت منها وقعدت وهيا حاسه ان الكلام اللي هتسمعه مش هيعجبها، بس مهمهاش، اكيد مش هيكون اسوء من كلام تيم 
إيناس بصتلها وقالت بصوت متردد
"فريده..."
فريده رفعت عينيها وقالت بهدوء
"سامعاكي يا ماما."
إيناس اخدت نفس وقالت
"أنا... خلاص اتطلقت."
فريده سكتت لحظه وبعدين قالت ببرود 
"تمام، مبروك."
إيناس رفعت حاجبها وقالت
"بتتريقي يعني؟"
فريده هزت راسها وقالت بجديه
"لاء طبعًا مش بتريق، بجد مبروك."
إيناس بصتلها وقالت
"بس إنتي كنتي متضايقة..."
فريده قالت وهي بتزفر
"ده في الأول بس، من حقك تعيشي حره يا ماما."
إيناس بصت في الأرض وقالت بصوت واطي 
"فريدة، أنا اتجوزته غصب بجد... بابا أجبر صابرين تتجوز، وبعدها أجبرني أنا كمان، مكانش قدامنا حتى اختيار لا نرفض ولا نقبل... كنا مجبرين نتجوز وبس، واديكي شوفتي حظي كان عامل إزاي، مش هنكر إنه كان كويس في الاول، بس هو اتخلى عني يا فريده... وأنا فضلت صامدة، ومعرفتكوش حتى إنه مبقاش بيكلمني... كنت بقولكوا إنه بيكلمني كل فترة، ولما..."
فريدة قاطعتها وقالت بثبات
"لما علي دخل حياتك حسسك إنك بني آدمه تستاهل تتحب وتعيش حياة إنتي راضية عنها، عارفة كل اللي هتقوليه، ومعنديش مانع لو اتجوزتي تاني، من حقك تعيشي الحياة اللي معيشتهاش وتختاري الشخص اللي قلبك عايزه."
إيناس كانت مصدومة، وقالت بهمس
"فريده..."
فريده كملت وهي بصالها بتركيز
"علي فعلا بيحبك، وإنتي كمان بتحبيه، مفيش داعي تأجلوا جوازكوا، اتجوزي يا ماما وعيشي حياتك."
فريدة قامت من مكانها، وإيناس وقفت بسرعة وقالت بتوتر
"فريدة، أنا مش هتجوز لو إنتي..."
فريدة قاطعتها وقالت بسرعه 
"اتجوزي وعيشي حياتك، صدقيني مش فارق معايا... مبروك مقدما."
ومشيت من قدامها، سايبة إيناس واقفة مكانها، مش قادرة تتحرك من الصدمة، وعنيها بتلمع بدموع محبوسة.

فريدة طلعت أوضتها وهي حاسة إن دماغها مليانة أفكار متلغبطة، قلبها كان بيدق بسرعة وهي بتحاول تهرب من التفكير، لكنها مش قادرة.
قعدت على السرير، فتحت فونها، وبصت على اسم "حسام" شوية قبل ما تضغط على اتصال، رنت ومن اول رنه رد عليها كأنه مستني مثلا
رد بصوته اللي كان باين عليه التوتر والاشتياق 
"أخيرًا يا فريدة!"
فريدة قالت بصوت هادي
"إزيك؟"
قال بسرعة وهو مبتسم
"أنا بخير طول ما إنتي بخير."
فريده ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت
"يارب دايمًا."
سكت لحظه وقال بصوت دافي
"أنا قولت أسيبك براحتك، ومش هضغط عليكي أبدًا... أكيد بتكلميني دلوقتي علشان تقوليلي ردك، صح؟"
فريده خدت نفس وهي مغمضه عينيها، قالت بصوت ثابت رغم الارتباك اللي في قلبها
"حسام... أنا موافقه" 
" أنا موافقه"
لثواني حسام سكت كأن نفسه اتقطع، وبعدين ضحك والضحكه كانت طالعه من قلبه، قال بصوت عالي
"إنتي قولتي إيه؟! فريده، قولتي إيه؟!"
فريده ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت بهدوء
"قولت إني موافقه يا حسام."
ضحك تاني وقال بصوت فيه فرحه حقيقيه
"إنتي بتتكلمي بجد؟! موافقه فعلًا؟!"
قالت بهدوء
"أيوه يا حسام، بقولك إني موافقه، مش هعيد تاني."
قال بلهفه طفوليه
"يا بنتي إنتي مش متخيله أنا فرحان قد إيه دلوقتي... والله العظيم إنتي مش متخيله"
ضحكت وقالت
" طيب يارب دايما، عايز حاجه؟!"
قال بسرعه
"لا لا لا، استني كده... إنتي فين دلوقتي؟ مش هشوفك؟"
قالت بهدوء
"بكره بعد الشغل إن شاء الله."
اتنهد وقال بصوت فيه لهفه
"هو أنا لسه هستنى لبكره؟! ده أنا هموت وأشوفك دلوقتي"
قالت بهدوء 
" معلش، هشوفك بكره"
قال وهو بيتنهد
"ماشي يا ستّي... ماشي... بكره إن شاء الله... باي يا أجمل حاجه حصلتلي."
قالت بابتسامه
"باي يا حسام"
قفل المكالمه وهي فضلت ماسكه الموبايل لحظه، قلبها كان بيدق بسرعه، لأول مره من فتره طويله حست إن فيه حد مستنيها بصدق وبيحبها بصدق، رمت الموبايل على السرير بخفه، وقفت عند الشباك، فتحت الإزاز ووقفت كعادتها، وبالرغم من الهوا البارد اللي لفح وشها بس كانت حاسّه إن صدرها مكتوم، وإن فيه حاجه جواها هتنفجر ومش قادره تحدد هيا إيه.

رن فونها، بصت عليه كانت يسر، اخدت نفس وردّت بسرعه وهي بتحاول تثبت صوتها
"ألو"
يسر قالت بتساؤل
"إنتي فين يا بنتي؟ اتأخرتي أوي النهارده"
فريده قالت بصوت واطي وهي بتحاول تبان عاديه
"مش هقدر أجي النهارده يا يسور، آسفه، خليكي مكاني معلش"
يسر سكتت لحظه وقالت بقلق
"ليه؟ فيه إيه؟ تعبانه؟ أجيلك؟"
فريده قالت وهي بتحاول تبتسم
"لاء يا يسر متقلقيش، أنا كويسه بس... مش قادره أكمل اليوم، محتاجه أريح شويه"
يسر قالت بصوت فيه حنيه
"طيب يا فريده... لو احتاجتي أي حاجة قوليلي، وهكلمك لما أوصل البيت، ماشي؟"
فريده قالت بسرعه
"ماشي، شكراً يا يسور... سلام."
قفلت المكالمه واتنهدت، مش عارفه اللي بتعمله ده صح ولا غلط، بس حاسه انها بتعمل حاجات غصب عنها، يمكن مش مقتنعه بيها بس لازم تاخد القرارات دي

اخر اليوم
يسر خرجت من المستشفى، كانت ماشيه بسرعه، عايزه تروح قبل ما دماغها تنفجر من ضغط اليوم.
مره واحده، صوت فرامل موتوسيكل فرملت قدامها، رفعت عينيها بسرعه بخضه، قلبها دق بسرعه وخوف وحست بتوتر.
يونس قلع الخوذه ببطء، شعره مبعتر وضحكه هاديه على وشه.
قال بنبره هاديه بس فيها استظراف
"هاي عسر"
بصتله ببرود وهي رافعه حاجبها
"هو في إيه؟"
نزل من الموتوسيكل وقف قدامها، وقال وهو بيعدل كم الجاكيت
"مفيش... بس إيه الرعب اللي في عيونك ده؟"
بصت بعيد وقالت بحده
"إبعد."
لفت تمشي، بسرعه مد إيده ومسك دراعها بهدوء، شدت دراعها بقوه ولفتله بحده
"عايز إيه؟"
رفع إيده الاتنين في الهوا وقال
"محدش قالك قبل كده إنك مينفعش تسيبي حد بيكلمك وتمشي؟"
يسر بصتله بنظره حاده وقالت ببرود لاذع
"والله لو واحد قليل الأدب ومهزق يبقى ينفع جدًا."
ابتسامه مستفزه ظهرت على شفايفه، قرب خطوه منها وقال بهدوء
"هعديها، ماشي... بس عشان شايفك جايبه آخرك وحالتك بالبلا."
عينيها لمعت بغضب وقالت بنبره عاليه
"إنت واحد عبيط أقسم بالله!"
ضحك بخفه وقال وهو بيبصلها باستفزاز
"هعدي دي كمان... عشان أنا غلست عليكي يا عسر."
قرب منها خطوه تانيه، المسافه بينهم بقت أقل من المره اللي قبلها، وقال بنبره واطيه وهو بيرفع حواجبه
"متيجي أوصلك؟"
بصتله بغضب شديد، شدت شنطتها على كتفها وهي بتقول بصوت ثابت
"إنت بتستهبل؟!"
رفع إيده كأنه بيهديها وقال بنفس هدوءه المستفز
"لا والله... بتكلم بجد؟ شكلك متأخره النهارده على غير العاده... وصعب تلاقي حاجه تروحي بيها."
رفعت عينيها ببرود وقالت بحده
"دي حاجه متخصكش."
ضحك ضحكه قصيره وقال وهو بيهز راسه
"واحتمال يطلعوا عليكي شباب، وممكن يضايقوكي."
قالت بسرعه وهي كاتمه غيظها
"بطل تتفرج على أفلام كتير."
لفت وسابته ومشيت، مشي وراها بخطوات ثابته، ووقف قدامها، رفع حواجبه وهو بيقول بنبره بارده مستفزه
"حاسس إنك شايفه نفسك... بس بصراحه مش عارف على إيه... يعني عامله فيها محترمه... وانتي خرباها."
كانت باصه في الأرض، عينيها مركزه على الأرض، تخطته بسرعه وكملت مشي من غير ما تبصله وده زود غيظه أكتر، شد دراعها بقوه وقال بصوت عميق وهو بيقرب وشه من وشها
"في بنات أجمد منك بكتير وفيهم أنوثه عنك وبيتمنّوا نظره واحده بس مني."
سحبت دراعها بقوه، بصتله بصله حاده وقالت بصوت عالي
"أنا بجد ساكته وعامله احترام لفريده... بس متخلينيش أجيب آخري... أنا أصلًا مليش دعوه بيك... ومش فارق معايا حياتك ولا إنجازاتك القذره..."
عيونها ضاقت وهي بتكمل
"ملكش دعوه بيا تاني."
مشيت من قدامه بسرعه، مش عايزه تقف أكتر من كده، وهو وقف مكانه، بيبصلها بغضب وكأنه لأول مره في حياته حد يرد عليه الرد ده او حد يعامله كده ويكرفله، شد نفس طويل، عض شفته بغيظ وهو بيستحلفلها 

تاني يوم
فريده دخلت المستشفى وهي متشيّكه على الآخِر، استايلها مختلف ولأول مره تكون مهتمه بنفسها كده.
دخلت على البنات بابتسامه واسعه وقالت بصوت مرح
"هاي جايز... استعدّوا، قريب جدًا هتلبسوا فساتين!"
كلهم اتصدموا وبصوا لبعض بسرعه.
مروه قالت بدهشه
"فساتين إيه دي؟!"
داليا ضحكت وقالت
"هو إحنا رايحين فرح ولا إيه؟!"
فريده ضحكت بخفه وقالت بمراوغه وهي بترفع حاجبها
"متسألوش دلوقتي... بس قريب جدًا هتفهموا."
اتبادلت نظراتهم المليانه فضول، بس فريده كانت واقفه بثقه ونظراتها بتقول إن الموضوع جدي.
يسر سحبت فريده بعيد عن باقي البنات وقالت بهمس
"فريده، انتي وافقتي؟"
فريده بصتلها وقالت بهدوء
"آه، وافقت."
يسر قالت بدهشه وهي مستغربه
"بس انتي كنتي خلاص رفضتي!"
فريده زفرت وقالت وهي بتبص بعيد
"متسأليش عن السبب يا يسر، لأني بجد مش عارفاه، لقيت نفسي مره واحده برن عليه وبقوله إني موافقه، حاسه إني هبقى غبيه أوي لو رفضت، أصل واحد بيحبني بجد وعايزني، وأنا... مفيش حد في حياتي، مفيش حد بالمعنى الحرفي، الكل بيشوف حياتُه وأنا قررت أشوف حياتي، وقررت أشوف اللي شايفني."
يسر قالت وهي مصدومه
"آه بس إيه السبب؟ ده مكانش تفكيرك من كام يوم بس!"
فريده رفعت حاجبها وقالت
"عادي، غيرت تفكيري، شايفه الكل بيشوف حياتُه وأنا واقفه مكاني فقررت أشوفها."
يسر بصتلها بجدِيه وقالت
"وهتعملي إيه مع تيم؟ ومع سالي؟"
فريده بصتلها بهدوء وقالت
"وأنا مالي، لو سالي احتاجتني أكيد هكون معاها، مفيش حاجه تانيه."
يسر سألتها بتردد
"يعني ده قرارك بجد؟"
فريده سألتها بابتسامه هاديه
"انتي شايفه إيه؟"
يسر بصتلها من فوق لتحت وقالت
"شايفاكي متشيكه النهارده على غير العاده، بس مش مقتنعه."
فريده ضحكت بخفه وقالت
"قررت أسمع نصيحة آخد اللي بيحبني، ومخدش اللي بحبه."
يسر رفعت حاجبها وقالت بسرعه
"يعني بتحبي تيم أهو!"
فريده هزت كتفها وقالت
"يمكن بشفق عليه يا يسر، بس ده أقرب مثال أقدر أقوله."
بصتلها وهي بتعدل هدومها وقالت
"وسعيلي بقا، عايزه أغير وأبدأ شغل."

عند تيم
كان قاعد في مكتبُه، سايب ضهرُه يسند على الكرسي وعينيه باصه في نقطه ثابته على الحيطه قدامه، بس دماغه مش هنا، الباب خبط بس مردش، خبط تاني وتالت بس هو مش سامع أصلًا، الباب اتفتح ودخل حسام.
حسام رفع حاجبُه وقال باستغراب
"إيه يا عم، بقالي ساعه بخبط!"
تيم رفع عينُه ببطء وقال ببرود
"في حاجه ولا إيه؟"
حسام قرب وهو بيبصلُه باستغراب وقال
"إنت مالك كده من أول اليوم مش على بعضك، وبعدين إنت عارف إن في ميتينج دلوقتي؟"
تيم بص في ساعتُه بسرعه وقال بصدمه
"دلوقتي؟!"
حسام اتنهد وقال
"آه، متقولش إنك نسيت."
تيم عدل قعدتُه وقال بجمود
"لاء منسيتش، جاي أهو"
حسام قال بنبره خفيفه قبل ما يخرج
"متتأخرش طيب، عايز أخرج بدري النهارده"
تيم رفع حاجبُه وقال
"ليه؟ إيه السبب؟"
حسام ضحك وقال بهزار
"عندي ميتينج أهم."
تيم بصله بتركيز وقال بجدِيه
"ميتينج إيه ده؟"
حسام لف وشُه ليه وقال بابتسامه فيها لمعه
"ميتينج خاص بيا أنا، مع واحده مدوخاني."
قلب تيم وقع للحظه، قال بصوت واطي
"مين؟"
حسام ضحك وقال بحب
"فريده"
تيم حس إن ودانُه بتصفر، وكرر الكلمه بصوت بطيء
"فريده؟"
حسام قال وابتسامته من الودن للودن
"آه، وافقت أخيرًا وهنخرج النهارده، مش عارف اليوم مش راضي يخلص ليه!"
تيم اتسمر مكانه، الكلمه علقت في دماغه
"وافقت؟"
قال بصوت مبحوح
"وافقت؟"
حسام بصله باستغراب وقال
"آه يا عم وافقت!"
وخرج من المكتب وسابه مصدوم، كل الأصوات اللي حواليه اختفت، مفيش غير صوت نبضُه العالي بس، مفيش غير كلمه واحده بتلف في دماغه
"فريده… وافقت؟"
اتنفس بصعوبه، وقف ولبس الجاكيت بتاعُه، بص لنفسه في المرايه الصغيره في المكتب، وشُه كان باهت، عينيه حمرا، بس شد على نفسُه وفتح الباب.
وهو ماشي في الكوريدور حس إن كل خطوه تقيله وكأن رجلُه بتجره غصب.
دخل الميتينج، الكل كان بيتكلم والجو صاخب، أول ما قعد سكتوا، بص عليهم بدون أي تعبير على وشُه، فتح اللابتوب بس مكانش قادر يقرأ الكلام، كان بيهز رجلُه بسرعه وإيدُه بتضغط على القلم لدرجه إنه كان هيتكسر.
حد من التيم سأله سؤال، مردش، بص عليه كأنه مسمعش، لما عاد السؤال، رد بكلمتين وسكت.
صوتُه كان واطي، متقطع، مش تيم اللي متعودين عليه وهو بيرمي الكلام بسرعه وثقه، الكل كان ملاحظ، وأول مره يشوفوه كده.
حسام كان قاعد جنبُه وملاحظ إنه مش معاهم أصلًا،
شويه، تيم فتح بُقه علشان يتكلم، بس الكلام مش راضي يخرج، رجع سكت، بص في الأرض، حسام ساعتها قال
"خلاص، هنكمل وقت تاني "
تيم قام وقف، وكلهم وقفوا، قفل اللابتوب بس إيدُه كانت بتترعش تاني، لأول مره مش قادر يسيطر على نفسُه قدام الناس، وده مخليه حاسس بضعف وكره لنفسُه.
عنادُه وغرورُه بيتكسروا قدام إحساسُه إنه خسرها، وفي نفس الوقت مش قادر يعترف بده حتى لنفسُه.

في المستشفى
كانت يسر واقفه في أوضة التعقيم، إيديها شغاله بسرعه وهي بترتب الأدوات وبتحطها في الأوتوكلاف.
الباب اتفتح بهدوء وصوت واثق قال
"صباح الخير."
يسر قالت وهي مش باصه
"صباح الـ..."
وسكتت أول ما رفعت عينيها وشافته واقف، يونس، واقف وإيده في جيبُه، وابتسامه مستفزه على وشُه.
دخل خطوه وقال
"إيه الأخبار؟"
يسر رجعت تركز في التعقيم وكأنها مش سمعاه، قلبها كان بيدق بسرعه بس وشها كان ثابت، ملامحها هاديه ورفضت حتى ترد عليه.
يونس بصلها بصه طويله وقال بسخريه
"إنتوا بتعاملوا المرضى بتوعكوا دايمًا كده؟"
وقتها يسر وقفت، سابت اللي في إيدها، ومسحت إيديها في المريله ومشيت ناحيه الباب بسرعه علشان تخرج، بس قبل ما تخرج لقته واقف قدامها ساحب خطوه للأمام وسد الطريق عليها، عينيه ثابته عليها وفيها لمعة تحدي.
يسر رفعت عينيها وقالت ببرود
"ابعد."
يونس ضحك ضحكه خفيفه وقال وهو مايل ناحيتها
"شايفاني بُعبع يعني؟ كل ما تشوفيني تهربي؟"
يسر رفعت حاجبها وقالت بصوت واطي بس نبرتها حاده
"أنا حذرتك وقلتلك ملكش دعوه بيا، متجبرنيش أوقفك عند حدك بطريقتي."
يونس قرب منها أكتر، المسافه بينهم بقت خطوه واحده، بص في عينيها وقال بصوت هادي جدًا بس مليان تهديد
"محدش هيقدر يوقفني... وعيني هتفضل عليكي دايمًا، وخلي كلامي حلقه في ودنك."
عينيها لمعت بالغضب، مدت إيديها وزقّته بقوه بعيد عنها وخرجت من الأوضه بسرعه، وقف مكانُه وهو بيعدل هدومُه بعد ما زقّته والابتسامه المستفزه لسه على وشُه، وعينيه بتلمع بنظره صيّاد مش ناوي يسيب فريستُه تهرب.

عند تيم
خرج من القاعه وحسام ماشي جنبه ساكت، لكن قلقه كان واضح في نبرته وهو بيبص له بطرف عينه.
قال بهدوء وهو مش قادر يسكت أكتر من كده
"تيم، مالك؟"
تيم مردش، كمل في طريقه كأنه مسمعش، أو مش عايز يسمع.
حسام وقف مكانه وقال
"بجد في إيه؟ أنا عمري ما شوفتك كده، حتى وإنت في أسوأ حالاتك، كنت بتعرف تلم نفسك."
تيم وقف فجأه، لفله بنظره حاده بس صوته كان هادي وبارد جدًا
"متدخلش في اللي ملكش فيه"
حسام اتفاجئ من نبرته وقال بخفوت
"أنا مش بتدخل...أنا صاح.."
تيم قاطعه
"مش عايز أسمع حد، لا صاحب، ولا أخ، ولا ناصح."
سكت لحظه وبص بعيد، كأن الكلام خارج منه بالعافيه
"كمل يومك وابعد عني، دي حاجه متخصكش."
مشي من قدامه وساب حسام واقف قدامه، مش فاهم هو زعلان من مين وليه هجومه ده

عند فريده 
كانت واقفه قدام المرايه في الحمام، بتلمع شفايفها بطبقه خفيفه من الليب جلوس، عينيها بتلمع بتوتر بسيط وهي بتراجع مكياجها اللي حرصت يكون بسيط بس مُلفت، خدت نفس عميق قبل ما تمد ايديها تاخد الشنطه وتخرج 
فونها رن، بصت على الاسم وكان حسام، ردّت بسرعه
" ألو؟"
جِه صوته من الطرف التاني ناعم، فيه لهفه مكبوته
"فريده... خلصتي؟"
ابتسمت ابتسامه خفيفه وقالت 
"آه، خلاص خارجه... مسافة الطريق وهكون عندك."
سكت لحظه وبعدين قال بنبره هاديه وبنفس اللهفه
"طيب تمام... متتأخريش، خلي بالك من نفسك"
قفلت معاه، وعينيها فضلت على الشاشه لحظه، حست بحبه الحقيقي فعلا وهيا بتحاول تمنع ابتسامه صغيره ظهرت على وشها.

عند تيم
دخل البيت وساب الباب يتقفل وراه بهدوء مريب، عدّى على الصالون من غير ما يبص على صابرين وسالي، خطواته تقيله كأنها شايله فوقها سنين من الندم، دخل أوضته وقفل الباب، مفتحش النور وساب الدنيا ضلمه إلا من نور خفيف جاي من لمبه الأباچوره الصفره، وقف قدام المرايه بص في وشه... شاحب، منهك، مش شبهه.
بعد دقايق، سمع خبطه خفيفه على الباب، وبعدها صوت صابرين
"تيم؟"
مردش، الباب اتفتح بهدوء وصابرين دخلت، شافته واقف قدام المرايه، ضهره ليها، بس في عينه انعكاس واضح، كان باين عليه التعب.
رفع عينه ليها وبحده قال
"لاء لاء، اخرجي، اخرجي مش عايز أشوفك!"
صابرين وقفت مكانها مستغربه هجومه، حاولت تتكلم لكنه قطعها وهو بيقرب
"قولتلك اخرجي… اخرجي وسيبيني، متحاوليش تقربي ولا تسألي ولا حتى تواسي، سيبيني بتخبط لوحدي، دايمًا لوحدي."
صابرين قربت وقالت بصوت مهزوز
"تيم، اسمع...."
قاطعها من تاني بصوت مكسور
"أنا قولتلك متحاوليش، كفايه... كفايه اللي عملتيه فيا، أنا في الحالـه دي بسببك، إنتي السبب، إنتي اللي دمرتي حياتي، إنتي اللي خلّيتيني أعيش كده طول عمري، انتي"
صوته اترعش وهو بيكمل
"خدتي مني كل حاجه حلوه، منعتيني من كل حاجه فيها نور، خليتيني أصدقك وأمشي وراكي وفي الآخر؟ لقيت نفسي واقف في ضلمه ملهاش آخر."
صابرين كانت هتتكلم بس قال بصوت عالي
"اختارتي نفسك، دايمًا كنتي بتختاري نفسك، خوفك على نفسك أهم من كل حاجه، ساعات... ساعات بشك إنك أمي أصلًا، عمري ما صعبت عليكي؟! عمري ما كنت ابنك كفايه عشان تحسّي بيا؟!"
صابرين قالت وهي بتحاول تهدي الموقف
"تيم، انت اللي اتدخلت، أنا...."
قاطعها بصوت أعلى وهو بيقرب أكتر وعينه بتلمع من الغضب
"صح، أنا اللي اتدخلت، بس مش انتي اللي دخلتيني؟ انتي اللي قولتيلي الحقيقه فورا وانا في سن صغير بالرغم من اني مكنتش فاهم ومكنتش عايز افهم، وساعتها كنت صغير وصدقتك! خلّيتيني أشيل وزر اللي حصل، أنا السبب إنك قتلــ ـتي عشر بنات! عشر أرواح ملهمش ذنب!"
وقف قدامها، صوته اتحشرج
"أول ضحيه… فاكره؟ فاكره لما قولتيلي ساعتها أنا مكانش قصدي قولتيلي لازم متقولش لحد اللي شوفته، فاكره؟! فاكره إزاي خدتي مني كل حاجه حلوه من يومها؟ منعتيني أعيش زي البني آدمين."
صابرين اتقدمت بسرعه وشدت إيده
"وطي صوتك، لو حد سمعنا هتبقى مصيبه."
ضحك بسخريه مريره وقال
"هو ده تفكيرك دايمًا... إنتي وبس، سلامتك وبس، مصلحتك وبس، والكل؟ الكل يروح في داهيه، أي حد يتسحق تحت رجلك، المهم حضرتك تطلعي سليمه."
سكت، بصلها بصه كلها وجع وقال بهمس مشحون
"أنا مش ابنك... أنا ضحيتك الحداشر"
رجع يبص قدامه واداها ضهره، مش عايز منها لا إجابه ولا تبرير.
أما هيا وقفت مكانها ساكته، كانت عارفه أنه مضغوط ولازم يطلع ضغطه، بس هيبقى كويس تاني يوم عادي،
حاولت تتكلم بس بمجرد ما حاولت رفع إيده يمنعها وقال بصوت واطي فيه كسره
"أنا بقيت فاهم كفايه... مش هتعرفي تضحكي عليا بكلامك تاني."
اتسمرت في مكانها، عينيها بتترجاه يفهم، بس هو كمل من غير ما يبصلها
"خلاص، أنا خسرت كل حاجه حلوه في حياتي، أو كانت ممكن تبقى حلوه"
اتنهد، بص بعيد كأنه بيهرب من إحساسه
"ساعات بحسد يونس وسالي إنهم مش عارفين حاجه، مع إن سالي مش هتسكت، هتعرف كل اللي حصل، ومش عارف ممكن مصيرها يبقى إيه وقتها، زي مين فينا"
رجع يبصلها بوجع ومراره
"إنتي بتدوسي على الكل علشان نفسك، بتضحي بينا علشانك إنتي، اخرجي، اخرجي وسيبيني، سيبيني."
وقفت لحظه، كانت عايزه تتكلم بس مفيش كلمه خرجت، هيا عارفه أن اللي قاله كله حقيقي، مش هقدر تنكره، كل اللي قدرت تعمله إنها لفت وشها وخرجت وسابته يتخبط لوحده زي كل مره.

عند فريده
وصلت المكان اللي حسام بعتهولها، نزلت من عربيتها بهدوء، وهو كام واقف مستنيها.
أول ما عينيه وقعت عليها، اتسمر في مكانه، قرب منها ببطء، كان باين عليه التأثر والانبهار.
وقف قدامها وقال بصوت أقرب للهمس
"ما شاء الله، إيه الجمال ده؟"
فريده ابتسمت ابتسامه فيها حياء بسيط وقالت بهدوء
"ميرسي."
سكتوا لحظه، هو بيبصلها كأنه مش عارف يبتدي منين، وهي بتدور بعينيها في المكان، تحاول تشغل نفسها عن نظراته.
قال وهو بيعدل قميصه وبيحاول يسترجع هدوءه
"كنت خايف متجيش أو تغيري رأيك في آخر لحظه"
ردت ببساطه
"بس جيت."
ابتسم وقال
"تعالي ندخل"
دخلوا جوا وكان المكان فخم جدًا، الإضاءه هاديه وناعمه، المزيكا كانت شغاله في الخلفيه بصوت خافت يدي إحساس بالراحه، الأرضيات كانت من الرخام اللامع، والديكور كله شيك بطريقه تبين إن حسام اختار المكان بعنايه، ده غير الورود الموجوده على الترابيزه المحجوزه بشكل حلو جدا.
فريده مشيت جنبه وهي بتحاول تبان هاديه بس قلبها كان بيدق بسرعه من رهبه الموقف.
أما هو، فكان كل شويه يبصلها من غير ما يحس، وكل مره يبص فيها يحس كأنها بتخطف أنفاسه من جديد.
قعدوا على الترابيزه وحسام شاور للويتر اللي فهم قصده
ساد بينهم لحظة صمت فيها نوع من الترقب، حسام سألها بشك
"أنتي فعلاً موافقه؟"
بصّتله وقالت بهدوء
"لو مكنتش موافقه مكنتش كلمتك ولا جيت"
سكت لحظه وبص في عينيها وقال
"أنا من أول مره شوفتك فيها كنت حاسس إنك مختلفه، ولما عرفتك أكتر اتأكدت إني مش عايز غيرك."
فريده اتفاجئت بالكلام، قلبها اتخض للحظه، بس حاولت متبينش ده وقالت بابتسامه بسيطه
"احنا لسه في الأول، ولسه متعرفنيش كويس، احتمال تتراجع عن كلامك ده."
رد بسرعه وعينيه مسابتش عيونها
"مستحيل، أنا مستحيل أتراجع عن أي حاجه تخصك."
اتنهدت وهي لسه محتفظه بهدوئها وقالت
"وليه مستحيل؟ أنت فعلاً متعرفنيش كويس."
هز راسه وقال بإصرار واضح وصوت واطي لكنه مليان إحساس
"ميهمنيش، أنا عايز أتجوزك بجد، وكنت حاطط إيدي على قلبي متوافقيش، كنت بدعي تكوني ليا، بس مصدقتش إن الدعوه ممكن تستجاب بصراحه"
سكت لحظه، صوته بقى أهدى
"فريده، أنا عمري ما كنت متأكد من حاجه زي ما أنا متأكد دلوقتي، إنتِ مش مجرد إعجاب، إنتِ طمأنينه ليا، وأنا عايز أبدأ بيكي كل حاجه جديده في حياتي"
ابتسمت بخجل ونزلت بعينيها وقالت بصوت واطي
"بس الجواز مسؤوليه يا حسام... وأنا مش عايزه أكون قرار متسرع في حياه حد."
نبرته بقت هاديه وواثقه وهو بيقول
"وأنا مش بتعامل معاكي كقرار، دي حياه كامله أنا شايفها فيكي، شايف فيها انتي وبس ومش متخيل غيرك، انتي وبس "
رفعت عينيها وبصتله بتردد فكمل بهمس
"أنا مش بقولك الكلام ده علشان أبهرك، أنا بقولك لأنك غير، وعمري ما قابلت حد زيك، ومش ناوي أضيع الفرصه بصراحه، إدي نفسك فرصه... وإديني فرصه أثبتلك إني أستاهلك."
فريده فضلت ساكته، عينيها ثابته على الترابيزه وإيديها مستكينه فوقها، حسام مد إيده ناحيتها بتردد واضح ومسك إيديها بلطف كأنه بيطلب إذن قبل ما يتكلم، وقال بصوت هادي مليان مشاعر
"فريده، أنا حاسس بحاجه غريبه من أول ما شوفتك، عمري ما شفت حد لفت نظري بالشكل ده، إنتي مميزه فعلًا... مختلفه عن أي حد قابلته، وأنا... بحبك."
فريده اتسمرت مكانها وبلعت ريقها بتوتر، شدّت إيديها بهدوء وبصّتله وقالت بنبره جديه
"أتمنى تكون متأكد من مشاعرك... ومتكونش مجرد لحظة انبهار."
بصّلها بحب ورد بسرعه
"مستحيل! أنا بجد بحبك ومتأكد من إحساسي... ونفسي أكون معاكي على طول."

الويتر جالهم وكان شايل صنيه فخمه، فوقها علبه صغيره جلدها أبيض، وجنبها ورده بيضه صغيره متشبكه بشريطة ساتان رفيعه.
حط الصنيه قدام فريده وهو بيبتسم ومشي
فريدة بصّت لحسام بدهشه وفتحت العلبه بهدوء،
جواها كان في خاتم أنيق جدًا، بسيط بس بيلمع وفي ورقه صغيره مطويه جنب الخاتم مكتوب عليها
" Farida, Unique and one of a kind, Will you marry me?"
بصّتله، لقيته بيبصلها بحب، أو عشق، أول مره تشوف نظرات حب زي دي.
قال وهو بيبتسم
"تسمحيلي؟"
فريده كانت متوتره جدًا، بس هزت راسها بالموافقه ومدت ايديها وهو لبسها الخاتم بكل حنيه وبعدها باس إيديها، سحبت ايديها بتوتر، قلبها كان بيدق جامد
قال بهدوء
"أنا هاجي أنا وماما وبابا لمامتك وباباكي، مش عايز اضيع لحظه بعيد عنك"
كأن الكلام كان صعب عليها، حست بغُصه في قلبها وقالت بصوت واطي
"هبقى أقولك على الوقت المناسب... لما أفتح مع ماما الموضوع."
رد عليها بحزم وحنيه
"وأنا هستناكي... حتى لو استنيت ألف سنه"
كانت هترد بس قاطعها رنة فونها، بصت وشافت الاسم اللي خلاها تستغرب
"تيم المهدي"
بمجرد ظهور اسمه خلّى وشها يتبدل في لحظه، قلبها اتقبض، ومخها بدأ يفكر في ألف احتمال.
سحبت الموبايل بسرعه وقفلت الرنه، لكن ملحقش يمرّ ثواني، ورجع يرن تاني.
قالت بهدوء مصطنع
"أنا آسفة، في مكالمة ضروري أرد عليها... هرجعلك حالاً."
استأذنت وقامت بخطوات سريعه بعيد عن حسام.
ردّت بصوت واطي وقالت 
" نعم؟! في ايه؟!" 
بس كل اللي سمعته كان أنفاس عاليه متقطعه وكأنه بيصارع نفسه.
فريده استغربت سكوته، قربت الموبايل من ودنها اكتر وقالت بحذر
"تيم؟"
لكن مفيش رد برضو، مجرد صوت أنفاسه بس
كررت بس المره دي صوتها بدأ يترعش
"تيم... إنت سامعني؟"
وبرضو مفيش ولا كلمه، بس كانت سامعه أنفاسه... تقيله، مضطربه، كأن في حاجه جواه بتنهار، من غير ما يتكلم قدرت تفهم إنه مش كويس.
قالت بصوت مليان قلق
"لو سامعني طمّني... قول أي حاجه، حتى كلمه واحده، متسكتش كده!"
كان عايز يتكلم بس الكلام مش راضي يخرج أبدًا، كان لسانه عاجز عن الكلام.
كررت وقلقها بيزيد
"تيم؟ تيم إنت كويس؟ رد عليا!"
صوتها بقى يرتجف ونبرتها فيها رجاء
"تيم بالله عليك، لو سامعني رد... طمّنّي!"
الخط فصل، بصت للموبايل بسرعه لقته قفل المكالمه، قلبها وقع، وإيدها بقت بتتهز وهي بتحاول ترجع تتصل، بدأ يرن بس بعدها اداها إنه مقفول.

في اللحظه دي، حسام كان بيتابعها من بعيد، شايف ملامحها وهي بتتبدّل، نظرو الخوف في عينيها، ارتباك إيديها، وتنهيدتها اللي مش قادره تخرجها، قرب منها بهدوء، صوته واطي بس مليان قلق
"فريده؟ في إيه؟ مالك؟"
فريده كانت بتحاول تلملم نفسها، قالت بسرعه وهي بتحاول تتمالك
"أنا لازم أمشي حالًا."
سألها بسرعه وهو بيقرب خطوه
"ليه؟ حصل حاجه؟"
ردّت وهي بتلم حاجاتها بسرعه
"مش وقته دلوقتي، ممكن أمشي؟"
قال بلحظة صدق
"أكيد، تحبي أوصلك؟"
هزت راسها بسرعه وقالت
"لاء شكرًا... معايا عربيتي."
مشيت من قدامه بخطوات سريعه وملهوفه وهو خرج وراها ولسه مش قادر يفهم إيه اللي بيحصل... إيه اللي خلّاها تتحوّل بالشكل ده.
قبل ما تركب عربيتها قال بهدوء واهتمام صادق
"خلي بالك على نفسك كويس."
بصّتله بسرعه وقالت
"حاضر... هكلمك"
ركبت عربيتها ومشيت وسابته واقف مزهول من زهولها.

فريده حاولت تتصل بيه تاني، بس الموبايل لسه مقفول، قلبها كان بيدق بسرعه، وقلقها بيزيد كل لحظه، بسرعه رنت على سالي
أول ما سالي ردت فريده قالت بصوت مليان لهفه وخوف
"سالي، شوفي تيم فين، شوفيه بالله!"
سالي ردت وهي مش فاهماها وصوتها كان بيحاول يكون هادي
"في إيه؟ اهدي، تيم مالُه يعني؟"
فريده صوتها كان مليان توتر ودموع محبوسه
"روحي شوفيه عشان خاطري يا سالي، روحي!"
سالي قالت باستغراب
"تيم مش في البيت أصلًا يا فريده، خرج من شويه."
فريده بلعت ريقها بصعوبه وحاولت متنهارش وهيا بتقول
"ليه؟ هو فين؟ المفروض يكون فين يعني؟!"
سالي ردت وهي لسه مش فاهمه حاجه
"في إيه يا فريده؟ أنا مش فاهمه حاجه."
من غير ما ترد قفلت الخط بسرعه وفضلت تحاول تتصل بتيم تاني بس نفس الرد، الفون مقفول، قبضت بإيديها على الدركسيون، بتحاول تسيطر على أعصابها بس عقلها مش سايبها ف حالها...
الفون رن وكانت سالي، ردّت بسرعه وهي بتحاول تخلي صوتها ثابت
" نعم؟!"
سالي قالت بقلق
"فريده، ممكن تفهميني في إيه؟ إيه اللي بيحصل؟"
فريده قالت بنبره مضغوطه
" ممكن إنتي تقوليلي تيم فين؟"
سالي ردت
"مش عارفه، خرج من البيت."
فريده سألت
"خرج فين يعني؟ المفروض يكون في البيت، خرج راح فين؟!"
سالي قالت
"والله ما قالي، ولا حتى كلّمني... شكله كان متضايق، خد عربيته ومشي"
سكتت فريده لحظه وهي بتحاول تلمّ نفسها وبعدين قالت بسرعه
"طيب... أنا جايه عندكم"
سالي سألتها
"طب قوليلي في إيه طيب؟ إيه اللي حصل؟!"
فريده قالت بصوت مشوش
"معرفش... أنا لو أعرف كنت قلتلك... بس أنا والله ما عارفه"
سالي سألتها بشك
"إيه اللي خلاكي تسألي عليه فجأه كده؟ في إيه يا فريده؟"
فريده اتنهدت وقالت
"رن عليا."
سالي قالت بزهول
" رن عليكي؟!"
فريده قالت
"آه... ولما رديت، سكت... والخط فصل."
سالي قالت بصوت فيه ريبه
"طب وهو بيرن عليكي ليه أصلًا؟!"
فريده قالت بصدق وتوهان
"صدقيني... أنا نفسي مش عارفه"
سالي سكتت لحظه وبعدين قالت بصوت أخف
"تفتكري كان عايز يقولك حاجه؟"
فريده هزّت راسها وهي سايقه بسرعه، صوتها بيترعش
" مش عارفه يا سالي... بس هو كان ساكت، وكنت حاسه بأنفاسه، يعني كان موجود وساكت، ساكت ومش بيتكلم"
سالي قالت
" يمكن غلط واتصل بيكي بالغلط؟!"
فريده ردت بنبره أقرب للانفجار
"حتى لو! لما رديت ليه سكت؟ ليه قفل؟ ليه مش بيرد دلوقتي؟"
وقفت فجأه بالعربيه على جنب الطريق، خدت نفس عميق وهي بتحاول تسيطر على ارتباكها، وبعدين قالت بهمس
"أنا قلبي مش مطمن، في حاجه غلط"
سالي بدأت تتوتر هي كمان
"طب نعمل إيه؟"
فريده قالت بسرعه
" أنا جايه يا سالي هستناه ييجي واشوفه"
سالي قالت
"طيب هستناكي... خدي بالك من نفسك"
قفلت معاها وهي بتدعي يكون بخير

عند يسر
كانت قاعده في أوضتها بهدوء، بتحاول تركز وهي بترتب أوضتها بس فجأه الفون بدأ يرن رنات متتاليه، إشعارات ورا بعض، صوتهم عالي ومستفز والفون بيتهز بشكل مزعج.
فتحت الشاشه بسرعه، مستغربه كميه الرسايل، عايزه تعرف مين؟ ولما فتحت، اتصدمت، يونس، رسايل بتنزل فوق بعض، واحده ورا التانيه، مش بتقف، كأنه بيكتب وبيبعت من غير ما ياخد نفس.
حاولت تقرا، بس السرعه كانت مرعبه، الفون حرفيًا علّق، الشاشه بتتهز في إيديها، وكل ما تحاول توقفه، تلاقيه باعت كمان، وكمان، وكمان.
قلبها بدأ يدق بسرعه واتوترت، حاولت تضغط على زرار الباور يمكن تهدى الدنيا، تفصله شُويه... وفعلاً، ضغطت بقوه وقفلته بالعافيه.
قعدت تبص للفون في إيديها وهي بتقول بغيظ
"عيل مجنون."
وشها كان متوتر، وصوت قلبها بيعلى، مش عارفه ده غضب ولا توتر.

فريده وصلت البيت وهي بتنهج، سالي كانت مستنياها ولما شافتها خرجت، فريده قربت منها وسألتها بصوت مليان لهفه
"لسه مجاش؟"
سالي هزت راسها وقالت بقلق
"لاء لسه، في إيه يا فريده؟"
فريده كانت بتحاول تسيطر على مشاعرها بس صوتها فضحها وهي بتقول
"تيم مش كويس يا سالي، أنا حاسه بيه، والله حاسه بيه، هو كلمني بس مردش، كنت سامعه أنفاسه كأنه بيصارع، وبرنّ عليه تاني، لقيت فونه مقفول."
سالي اتوترت أكتر وقالت
"فريده، انتي قلقتيني أكتر، يا ترى في إيه؟"
فريده اتكلمت وهي بتحاول متنهارش
"دي أول مره يختفي كده؟!"
سالي قالت بتنهيده
"لاء، يعني هو على طول كده، يا في أوضته يا بره، بيختفي معظم الوقت عادي، بس انتي فعلاً خوفتيني."
فريده وقفت في مكانها بتحاول تمسك أعصابها وإيديها بتترعش، سالي قالت بهدوء
"تعالي نقعد طيب"
فريده هزت راسها وقالت بإصرار
"لاء خليني هنا، هستناه هنا."
سالي حاولت تهديها
"طب ما يمكن مفيش حاجه وانتي بس قلقانه على الفاضي."
فريده قربت منها ونظرتها مليانه وجع وهي بتقول
"سالي، انتي شفتي اللي شوفته في أوضته السريه، الموضوع كبير، وأنا متأكده إن ده عامل عليه ضغط، ضغط كبير جداً، وممكن يكون هو السبب في اللي بيحصله دلوقتي، احنا لازم نساعده يخرج من اللي هو فيه"
سالي قالت بنبره حزينه
"وإحنا بنحاول فعلاً يا فريده، بس مش بإيدينا حاجه."
فريده قالت بحزم
"وهنفضل نحاول، مش هينفع نسيبه."
سالي ردت بصوت عالي شويه
"ده أخويا يا فريده، وأكيد هخاف عليه أكتر منك."
فريده نزلت عينيها وهي بتقول بنبره مكسوره
"لما بحس إن في حد بيستنجد بيا وأنا مش قادره أعمله حاجه بحس إني عاجزه أكتر من الشخص ده نفسه، أنا حسيته... حسيته بيعافر عشان يتنفس، عشان يكمل، حسيته في لحظه ضعف."
سالي قالت بصوت هادي
"بس انتي عارفه إنه بيحبك."
فريده قالت بقهر
"وده بالذات اللي قاهرني، لأنه لا مريح نفسه، ولا مريحني معاه."
سالي سألتها
"كلمتيه في الموضوع؟"
فريده قالت
"روحتله... وطلبت رأيه في حسام، وهو قالي إنه كويس، ولو وافقت عليه مش هندم"
سالي سألت بدهشه
"وعملتي إيه؟"
فريده ردت
"وافقت على حسام."
سالي قالت بغيظ وهي بترفع صوتها
"شاطره! شاطره يا فريده! انتي أصلاً بتحبي حسام علشان توافقي؟!"
فريده بصت بعيد وقالت
"الحياه مش بتقف على حد."
سالي قالت وهي بتحاول تكتم غضبها
"انتي مش بس بتظلمي نفسك، انتي بتظلمي حسام نفسه، حسام ميستاهلش منك كده، متنتقميش من تيم في حسام!"
فريده قالت وهي بتحاول توضحلها
"أنا مش بنتقم، أنا فعلاً بحاول أشوف حياتي، تيم عمره ما هيتكلم، وحسام موجود وبيحبني، فاختارته، عشان أعيش حياتي زي ما الكل عاشها، كلهم شافوا حياتهم، مجتش عليّا، مش عايزه أصحى ألاقي نفسي لوحدي."
سالي قالت بصوت واطي وهي بتحاول تهدى
"مش بكده يا فريده، هتندمي، صدقيني هتندمي."
فريده ردت بحزم
"حتى لو ندمت، أنا خدت قراري خلاص."
سالي قالت بعصبيه
"ولما خدتي قرارك، جايه ليه علشان تيم؟! بلاش تعلقيه بيكي أكتر من كده! سيبيه يتعايش مع وجعه الجديد، وهو هيقدر يقوم منه، سيبيه يا فريده وامشي، متظهريش في حياته بما إنك اخترتي طريقك، هو أصلاً مش ناقص وجع جديد."
فريده قالت بصوت واطي وهي بتقاوم دموعها
"علشان كده جيت، لأنه مش مستحمل، ممكن نعرض عليه يروح لدكتوره وتتابع معاه، يمكن يتحسن، يمكن تصيب المرادي"
سالي قالت بيأس
"هتخيب يا فريده، انتي مش فاهمه حاجه، ماما عمرها ما هتوافق يروح لدكاتره، حاولت كتير أوي، ده غير إنه هو أصلاً مش معترف إنه فعلاً محتاج دكتور، الموضوع معقد، فابعدي وشوفي حياتك زي ما بتقولي، هو أكيد هينساكي."
فريده مقدرتش تمسك دموعها أكتر وقالت بصوت مكسور
"بس أنا عايزه أشوفه، حتى لو مره أخيره."
سالي سألتها بحده
"ليه؟ ليه يا فريده تشوفيه؟"
فريده قالت بوجع
"عايزه أتطمّن عليه، مش هرتاح لو ما شفتهوش يا سالي."
سالي كانت لسه هترد، لكن صوت موتور العربيه قطع كلامهم، والاتنين بصّوا بسرعه ناحية البوابه.
فريده شهقت
"هو، جه"
العربيه وقفت وتيم نزل، كانت ملامحه مرهقه وعينيه مجهده جداً، شافهم واقفين واتجمد مكانه للحظه، مفاجأه واضحه في عينيه لما شاف فريده قدامه، لكن سرعان ما اتبدلت بنظره بارده ومقفوله.
سالي راحت ناحيته وقالت بقلق
"تيم! كنت فين؟!"
فريده لحقتها وقلبها بيخبط وهي بتقرب منه وقالت بصوت كله لهفه
"تيم، انت كويس؟ كنت فين؟ أنا كنت هموت من القلق عليك!"
تيم وقف وقال بصوت واطي بس حاد
"أنا كويس، مفيش حاجه."
فريده قربت أكتر، وشها باين عليه التوتر
"بس أنا سمعت صوتك، كنت تعبان... كنت بتنهج، كنت..."
قطع كلامها وهو بيبصلها لأول مره، وبنظره فيها وجع مكتوم قال بحده
"فريده، متدوريش ورا حاجات ملكيش علاقه بيها"
سالي اتدخلت بسرعه
"تيم، فريده كانت بس خايفه عليك مش أكتر."
تيم بص لسالي وبعدين رجع عينيه لفريده وقال ببرود
"أنا بخير، ومش محتاج حد يقلق عليا، وخصوصًا انتي."
فريده حاولت تتمالك نفسها وقالت بهدوء
"أنا جيت بس علشان أطمن... مش أكتر."
تيم اتنهد وسابهم واقفين وقال وهو بيعدي جنبهم
"مفيش داعي أصلاً لوجودك في حياتنا"
ودخل البيت، طلع أوضته من غير ما يبص وراه.
فريده وقفت مكانها، عينيها بتلمع بالدموع اللي بتحاول تمنعها، وسالي بصتله وهو بيبعد وقالت بصوت مكسور
"مش كده يا تيم... مش كده."
فريده قالت وهي بتهمس، كأنها بتكلم نفسها
"هو مش كويس... أنا متأكده"
سالي قالت بهدوء وهي بتحاول تخرجها من صدمتها
"فكك يا فريده، مش وقته نواجهه دلوقتي، لازم نسيبه شويه."
قالت بصوت مكسور
"المره دي مش هسكت، مش هسيبه يضيع نفسه أكتر من كده"

فريده طلعت وراه بسرعه وهياه مصممه تكلمه، قلبها بيدق بعنف، وصلت لاوضته وفتحت الباب من غير ما تخبط، دخلت بسرعه بس الأوضه كانت فاضيه.
بصّت حواليها ونادت بصوت مهزوز
"تيم؟"
سمعته بيخرج من الدريسينج وبنبره بارده قال
"ايه اللي جابك؟"
وقفت قدامه، نظراتها متلغبطه بين الغضب والقلق وقالت
"سيادتك اللي جبتني والله، انت كلمتني، وبعدها فضلت ساكت! وده قلقني."
رد بنبره فيها تهكم خفيف
"آه...سوري، قطعت عليكي عشاكي"
بصتله بذهول وقالت
"تيم، إيه اللي بتقوله بجد؟"
رد بجفاف
"أنا مكنتش أقصد خالص إني أكلمك، كان بالغلط، مكنتش أعرف إنك ما هتصدقي وتيجي."
صوتها بدأ يعلى من التوتر
"بالغلط ورنيت مرتين؟! طب ما أنا مردتش عليك أصلًا أول مره، ليه رنيت تاني؟ ها؟ أنا مش فاهماك، مش فاهمه انت عايز إيه بجد! هتفضل كده لحد إمتى؟ هتفضل محبوس لحد إمتى؟!"
سكتت لحظه ودموعها بتتزاحم في عينيها وكملت
"انت بجد مريض... ولازم تتعالج، انت أكتر شخص معقّد شوفته في حياتي."
قال بنبره هاديه مستسلمه بعد ما بص على ايديها وشاف الخاتم
"كلامك كله صح...اتفضلي امشي، وشوفي حياتك بعيد عني."
بصّتله بجمود، وسألت بنبره مكسوره
"ده بجد؟ يعني ده آخر كلام عندك؟"
رد وهو بيبص بعيد عنها
"ومعنديش غيره."
بلعت ريقها بالعافيه وحسّت بقلبها بينهار بس قالت بوضوح
"تيم، صدقني لو خرجت من الباب ده... مش هتشوف وشي تاني، مش هحاول حتى مره كمان معاك، دي آخر مره همدلك إيدي، اتنازلت عن كرامتي كذا مره عشانك بس انت مش مقدّر ده."
سكت وهو بيبص بعيد عنها فكمّلت بصوت بيترعش
"دي آخر فرصه هقدر أقدمهالك، والله اللي مبيتحلفش بيه كدب لو خرجت من هنا... ما هحاول تاني عشانك، القرار قرارك."
اتنفس ببطء وقال بجمود ظاهر مخبي وراه عاصفه
"يبقى ربنا معاكي ويوفقك."
بصّتله بنظره مكسوره، نظره وجع وخيبه عمره ما هينساها طول عمره ولفت تخرج، وقفت على الباب وبصّتله مره أخيره وقالت
"هتفضل مريض طول عمرك… يا خساره بجد."
قلبه اتخلع من مكانه بس متحركش، كان بيصارع نفسه، عارف إن قدامه فرصه، وإن لو ضاعت...هيفضل كده طول عمره، بس غصب عنه هوا فعلًا كان خايف عليها، وخايف منها.
غمض عينيه بقوه، ودماغه كلها صراخ صامت، بيدعي من قلبه انها متمشيش بس للاسف، فتحت باب الأوضه وخرجت وخدت روحه معاها.

خرجت فريده بخطوات متوتره، أول ما سابت الباب ولفت شافت صابرين جايه عليها بتبصلها بدهشه وملامحها كلها استغراب.
قالت بصوت فيه نبرة استنكار
"فريده، انتي كنتي بتعملي إيه جوه عند تيم؟"
فريده اتفاجئت بالسؤال واتلغبطت وحاولت تلم نفسها بسرعه، ردّت وهيا بتتهته
"كنت... كنت بس بقوله حاجه."
صابرين رفعت حاجبها وسألت وهيا بتراقب رد فعلها
"وانتي ليكي كلام معاه أصلًا؟"
بلعت ريقها وقالت وهيا بتحاول تحافظ على هدوئها 
"لاء بس كنت بعرفه حاجه بس مش أكتر."
صابرين فضلت ساكته لحظه وبعدين قالت بنبره فيها شك واضح
"طيب... انتي هتروحي دلوقتي؟"
هزّت راسها وقالت
"آه، همشي دلوقتي."
ردّت صابرين بسرعه
"وأنا برضو كنت رايحه لإيناس."
فريده شافت فرصه تغير جو التوتر فقالت
"طب تمام، آخدك معايا في طريقي."
صابرين هزت راسها وقالت بنبره فيها تحفظ بسيط
"وارجع إزاي لو روحت معاكي؟ سليمان هيوصلني...سالي ممكن تروح معاكي، كانت ناويه تيجي"
فريده ردّت بهدوء
"تمام"
نزلت مع صابرين والسكون بينهم تقيل، صابرين كانت كل شويه تبص لفريده بطرف عينها، كأنها مش قادره تهضم تبريرها وفريده كانت بتحاول تمسك أعصابها، أول ما وصلوا للباب لقوا سالي واقفه بتتكلم في التليفون، وأول ما شافتهم قالت بسرعه
"كنت طالعه أشوفك يا فريده."
فريده قالت بهدوء
"كنت نازله خلاص."
صابرين قالت وهيا بتبص لسالي
"انا هسبق انا وانتي تعالي مع فريده"
سالي هزّت راسها وقالت
"حاضر"
صابرين مشيت وسالي بصّت لفريده وسألتها
" كلمتيه؟!"
فريده مردتش في الأول، وبعد ثواني قالت بصوت مبحوح
"آه...كلمته"
سالي قربت منها وقالت بهمس
"طب عامل إيه؟"
فريده قالت وهيا بتحاول متنهارش
"زي ما هو... مبيتغيرش"
سالي سألتها
"يعني عملتي إيه؟"
فريده اخدت نفس طويل وقالت بنبره واطيه
"معملتش حاجه... كنت غلطانه إني جيت."
سالي اتشدت ملامحها وقالت
"طيب استني، هطلعله أنا أتكلم معاه."
فريده هزت راسها وقالت بسرعه
"سالي... مش عايزه أفضل هنا أكتر من كده."
سالي بصتلها بحزن وقالت بحزم
"مش هتأخر... هاجي على طول، استنيني."
سابتها وطلعت وفريده وقفت لحظه مكانها وبعدين راحت عربيتها تستناها، ركبت وقفلت الباب بهدوء، قعدت وهيا بتحاول تسيطر على نفسها.
فتحت موبايلها ولقت مكالمه فائته من حسام.
اتنهدت ورنت عليه، ردّ بصوت هادي
"فريده؟ إنتي كويسه؟"
قالت وهيا بتحاول تثبت صوتها
"آه، تمام."
سألها بحذر
"إيه اللي حصل خلاكي تمشي كده؟"
سكتت لحظه وبعدين ردّت بحسم
"دي حاجه... أنا مش عايزه أقولها، ممكن أحتفظ بيها لنفسي؟"
اتفاجئ من ردها بس خلى نبرته لينه وقال
"أكيد، أكيد طبعًا... كنت بس بتطمن عليكي."
قالت بهدوء
"شكرًا يا حسام... هقفل دلوقتي."
قفلت الخط وهيا ماسكه الفون في ايديها، وبهدوء نزلت دموعها وهيا مش قادره توقفها.

عند ياسمين
كانت قاعده على الأرض في اوضتها وضهرها للباب، صوت محمد وهو بيخبط ورا الباب مليان ضيق وتعب
"ياسمين، افتحي الباب، مينفعش كده، اسمعيني بس."
ردت بصوت ناشف
"مش هفتح، أنا قولتلك شرطي وانت منفذتهوش، تنفذ اللي قولتهولك الأول، بعدين تعالى كلمني."
قال بتنهيده حاول يطوّل بيها باله
"يا بنتي استهدي بالله، مينفعش اللي بتقوليه."
قالت بغيظ وبصوت عالي
"أنا قلت كلامي، خليك عندك بقى وسيبني فحالي!"
في اللحظه دي، أم محمد خرجت من أوضتها بعد ما كانت بتسمع الكلام كله وهيا بتغلي من جوه، قربت من ابنها وقالت بنبره مليانه سم
"إيه اللي بيحصل يا محمد؟ الست هانم طرداك ليه من اوضتك؟!"
محمد قال بسرعه وهو بيحاول يهدّي الجو
"مفيش يا ماما عادي، مشكله وهنحلها"
رجع يخبط تاني على الباب وقال
"افتحي يا ياسمين، كفايه كده."
قالت بعند
"مش هفتح، أعلى ما في خيلك اركبه."
أم محمد خبطت جامد على الباب وقالت بصوت عالي
"يعني إيه أعلى ما في خيلك؟! إنتي فاكره نفسك فين؟ في بيت أبوكي؟!"
ياسمين قالت بصوت أعلى من ورا الباب
"ده بيتي انا بقا، مش بيت أبويا!"
ضحكت أم محمد بسخريه وهيا بتقول
"بيت مين يا عنيا؟ انتي اتجنيتي في عقلك ولا إيه؟"
لفت لمحمد وقالت بنبره حاسمه
"اللي يقعد هنا يقعد باحترامه، واللي مش عاجبه يمشي."
فتحت ياسمين الباب بعصبيه وقالت بحده
"مش أنا اللي همشي، انتوا اللي هتمشوا!"
خرجت إيه من أوضتها، ملامحها باين عليها الغضب وقالت
"مين دول اللي يمشوا يا بت؟ انتي اتجننتي ولا إيه؟"
ردت ياسمين بنظره متحديه
"هتمشوا يا حبيبتي... يا أنا يا انتوا في البيت ده!"
إيه اتقدمت خطوتين وقالت بنبرة تحدي وهيا بتقرب من ياسمين
"يا بت انتي فاكره نفسك مين؟ دي قعدة حنين مننا إنك لسه موجوده هنا، شكلك محتاجه تتربّي من أول وجديد!"
ياسمين قربت أكتر وقالت
"انتي اللي محتاجه حد يعلمك يعني إيه احترام، دي شقة جوزي، واللي مش عاجبه يشوفله حته تانيه يروّح فيها!"
أم محمد قالت بغيظ وصوت عالي
"البت دي اتجننت رسمي! انتي دخيله علينا ورافعه صوتك؟ انتي فعلًا محتاجه تتربي"
وهنا، ايه مدت إيديها ومسكت شعر ياسمين وقالت
"يبقى نربيها احنا بقا، اللي مترباش يتربي"
سالي طلعت أوضة تيم، خبطت خبطتين خفاف وفتحت الباب ودخلت، لقته قاعد على طرف السرير، ضهره محني وايديه متشابكه فوق بعض كأنه بيحاول يمنع نفسه من الانهيار، مرفعش حتى عينيه لما دخلت من كتر ما هو سرحان ومش مركز
قربت بخطوات هاديه وقالت بصوت فيه لوم وقلق
"تيم؟"
بصلها بتوهان ومردش فقالت بنبره حازمه
"كنت فين؟ وليه كنت قافل موبايلك؟"
ردّ وهو مش قادر يواجهها
"سالي... مش قادر أتكلم."
نبرتها عليت شويه وسألته
"طب ليه كلمت فريده؟ ولما بتيجي عندك بتمشيها؟! انت عايز إيه؟!"
بصلها شويه وسكت قبل ما يرد
"عايز تبطلوا أسئله."
سالي عضّت شفايفها وحاولت تسيطر على اللي جواها وقالت
"وأنا نفسي أبطل أسئله فعلا، بس في أسئله في دماغي لازم يترد عليها، وحتى لو محدش جاوبني هيجي يوم والاقيلها إجابه، بس انت؟ انت نفسك مش فاهمك، هتفضل كده؟ هتفضل حياتك كلها هربان وقافل على نفسك، مش هتقرر مره واحده بس إنك تدافع عن نفسك؟ تقول رأيك؟ تاخد خطوه، هتفضل سايب كل حاجه تضيع من إيدك؟ حتى فريده... اللي جت، ومدّت إيديها ليك كذا مره، وانت كل مره بتبعدها عنك بغبائك!"
تيم كان ساكت، مش عايز يسمع، مش قادر يسمع، ولا يتكلم، ضغط كفه في بعضه وقال بصوت واطي مكسور
"سالي... بس، اسكتي."
سالي كملت بإصرار
"ولو أنا سكت، الأصوات اللي في دماغك هتسكت؟
لو سكتني... هتعرف تسكت كل اللي جواك؟ ليه حابس نفسك السنين دي كلها؟ ليه مش قادر تعيش؟ قدامك فرصه يا تيم...فرصه تعيش، تبدأ من جديد، ليه رافض؟ ليه؟!"
صرخ فجأه، صوته كان خافت ومتقطع
"بس، اخرجي! مش عايز أسمعك أكتر."
بصتله بوجع وقهر وقالت
"هخرج، وانت خليك... خليك لوحدك دايما، رافض كل حاجه حلوه بتتقدملك، كل حاجه ممكن تغيرك، بس انت اللي مش عايز تتغير."
استنت منه يقول حاجه... حتى كلمه واحده، بس هو سكت، وكأنه بينهي الكلام
خرجت وقفلت الباب وراها، وسابت وراها فراغ تقيل، كل كلمه بتزن في ودانه زي الدبانه، فضل قاعد، نفسه تقيل وضهره محني أكتر.
بعد لحظات، عينيه لمحت حاجه بتلمع واقعه على الأرض، قرب شويه، مد إيده ببطء، وشال إسوره خيط بلون خمري باهت، فيها خرزه صغيره من الفضه محفور عليها أول حرف من اسم فريده.
وقف وهو ماسكها بإيديه، قلبه بدأ يدق أسرع، الإسوره كانت بسيطه، الاستايل اللي بتحبه.
قرّبها من مناخيره، ومن غير ما يقصد شمّها، ريحه فريده فيها.
غمض عينيه لحظه، وفضل ماسكها بأطراف صوابعه، كأنها الحاجه الوحيده اللي فاضلاله، قعد تاني على طرف السرير، ولفها على صباعه ببطء، فتح درج جانبي في الكومود، حطّها فيه بلطف، وبصلها لحظه قبل ما يقفله.

عند ياسمين
ياسمين مستحملتش، زعقت وهيا بتمسك شعر ايه بغل
"سيبيني يا اللي عامله زي الرجاله، أنا اللي هربيكي يا قليلة الأدب!"
وكل واحده ماسكه التانيه من شعرها، والشتايم شغاله
محمد اتدخل بسرعه وههو بيزعق
"بس! بس يا مجانين، ايه اللي بتعملوه ده"
ومسك ياسمين من وسطها وهو بيحاول يبعدها عن ايه بس ياسمين كانت مصممه تمسك شعرها وهيا بتصرخ
"سيبني، دي واحده قليلة الأدب!"
هدير اتدخلت وهيا بتشد ايه بس كانت بتقاوم وهيا بتشد في بلوزة ياسمين وبتقول
"أنا هوريكي يا لمامه"
أم محمد وقفت في النص وهيا بتحاول توقف الخناقه
"خلاص! بس انتي وهيا، اتلموا يا قلالات الادب"
محمد بعد ما قدر يفكهم قال بانفعال
"كفايه قرف! مش طايق أشوف خناقه تانيه! اللي مش عاجبه الوضع يمشي الكلام واضح"
ياسمين لسه بتنهج وقالت بغيظ
"أنا اللي هخلّيكوا تمشوا، يومكوا قرّب، خليكوا فاكرين"
ايه قالت وههي بتلم شعرها اللي اتبهدل
"انتي بتتمني، بس هتفضل امنيه، وانتي اللي هتشوفي نفسك برا البيت ده يوم، وقريب اوي"
أم محمد قالت بصوت عالي
"انت السبب يا محمد! جبتلنا البت دي على دماغنا، قوم طلّقها وريحنا من بلاويها!"
ياسمين دخلت الأوضه وهيا بتنهج من الغضب، شعرها متبهدل ووشها محمر من الانفعال، محمد دخل وراها علطول وقفل الباب وراه بقوه وقال بنبره فيها قرف وزهق
"عاجبك كده؟"
ردت ياسمين بغضب وغيظ
"أقسم بالله لأوريها الحربوقه دي!"
محمد قال وههو بيرفع حواجبه
"انتي اللي بدأتي أصلًا... يبقى تستحملي!"
بصتله بحده وقالت
"وكمان بتغلطني؟ بدل ما تروح تعلمها الأدب علشان مدت ايديها على مراتك؟ صدقني... هوريكوا كلكوا الوش التاني، وانت أولهم!"
محمد اتنهد وقال وههو بيقرب منها
"ياسمين، ريحي شويه، مالك داخله حاميه كده ليه؟"
صرخت فيه بقوه
"انتوا لسه مشوفتوش مني حاجه! بس أنا عارفه كويس أنا هعمل إيه!"
شد نبرته وقال بحده
"ياسمين... احترمي نفسك، انتي هنا مش صاحبة البيت، وخليكي فاكره إن معندكيش حد تروحيله لو مشيتي من هنا."
اتجمدت مكانها وقالت ببطء
"قصدك إيه يعني؟"
قال وههو بيبصلها ببرود
"يعني عقلك في راسك... تعرفي خلاصك، انتي من غيرنا مش هتلاقي حد تروحيله اصلا"
اتنهدت بمراره وقالت بصوت ثابت مليان وجع
"اتخليت عن أهلي، عن الأغلى... وأقدر أسيبك بسهوله، بس متجيش تندم على كلامك ده، خليك فاكره كويس اوي علشان هتندم عليه حرف حرف."
سكت وهو بيبصلها وشايف في عيونها قوه مش عارف مصدرها

عند سالي
نزلت وركبت جنب فريده، اتحركت بالعربيه في صمت تقيل، وكل واحده فيهم كانت غرقانه في دوامه أفكارها، دماغ كل واحده مشغوله بأسئله وقلق وتخبط مش مفهوم.
سالي قطعت الصمت وقالت بصوت هادي
"هتكملي معايا؟"
فريده بصتلها وقالت بكل ثقه
"أنا وعدتك إني هكمل معاكي للآخر."
سالي اتنهدت وقالت
"لازم أدخل الأوضه تاني وافهم أكتر."
فريده ردت بهدوء وهيا باصه قدامها
"لما نعرف الأول مين البنات دي وهما فين دلوقتي، ونتكلم مع ايه عن اللي شفناه، هيا أدري مننا"
سالي سألتها
"كلمتيها أصلًا؟"
فريده ردت
"آه، كلمتها... هنروحلها بكره."
سالي قالت
"تمام... كويس."

فريده وصلت البيت ونزلت من العربيه هيا وسالي، كانت مرهقه جدًا وملامح التعب باينه على وشها، أول ما نزلت من العربيه لقت إسلام واقف مستنيها، أول ما عينيه وقعت عليها، قرب منها بخطوات سريعه، صوته جه حاد ومليان قلق
"كنتي فين؟"
ردت بهدوء مش متعمّد فيه دفاع
"كنت مع سالي"
ضيق عينه وقال بنبره فيها استجواب
"من إمتى؟ انتي خارجه بدري من الشغل النهارده"
رفعت حواجبها وقالت بنبره مستفزه شويه
"ده تحقيق؟"
سالي قطعت التوتر وقالت بسرعه
"فريده، أنا هسبقك على جوه."
وسابتهم ودخلت، إسلام قرب منها خطوه وقال
"ها يا فريده، خرجتي بدري ليه النهارده؟ وكنتي فين؟ وليه مش بتردي على موبايلك؟"
فريده ردت وهيا بتحاول تبعد عن المواجهه بصوت مكتوم
"إسلام، أنا مش عايزه أتكلم، سيبني لو سمحت باللي أنا فيه."
قال بنبره ما بين القلق والعصبيه
"وإيه هو اللي انتي فيه؟ انتي عارفه أنا كنت قلقان عليكي قد إيه وخصوصا انك مش بتردي؟!"
قالت وهيا بتحاول تنهي الكلام
"مفيش داعي للقلق، أنا كويسه قدامك أهو"
بص في إيديها ومدّ إيديه بسرعه يمسك إيديها
"إيه الخاتم ده؟ جبتيه منين؟"
شدّت إيدها فورًا وقالت بانفعال مكتوم
"وفيها إيه يعني... لابسه خاتم عادي"
صوته علي شويه وهو بيعيد السؤال
"جبتيه منين يا فريده؟ كلامي واضح... الخاتم غالي عليكي أصلًا"
قالت وهيا على آخرها
"مش عايزه أتكلم ومش مستعده، وانت عارف إني مش هتكلم."
حاول يهدى، اتنفس ببطء كإنه بيحاول يمسك أعصابه من الانفلات وقال
"وأنا مش هقدر أقعد هادي كده وأنا مش عارف انتي كنتي فين"
قالت وهي بتبصله بنظره فيها حزن
"طب ممكن تسيبني أهدى على الأقل؟ بلاش تحاصرني كده."
وسابته ومشيت، وهو واقف مكانه بيبص وراها، مش عارف يرد، ولا حتى يهدى.
كانت أول مره يحس إنه واقف قدام فريده ومش قادر يفهمها... وعارف كويس إنها بدأت تخبي عليه حاجات.

فريده دخلت البيت، راحت قعدت شويه مع إيناس وسالي وصابرين، بتحاول تخفف من التوتر اللي جواها، وبعد شويه استأذنت وطلعت أوضتها، المكان الوحيد اللي بتحس فيه إنها محميه من العالم كله، أول ما دخلت، قفلت الباب وراها ووقفت ثواني تايهه وسط الضلمه، كانت عايزه تنهار بس مسمحتش لنفسها.
دخلت الحمام، خدت شاور دافي، حاولت تسيب الميه تغسل تعب اليوم وألمه، لبست بيچامه مريحه ومددت على السرير.
كانت مرهقه جدًا، بس النوم مش راضي ييجي، كل ما تغمض عنيها، تلاقي الأفكار بتخبط في بعضها، مش قادره توقفها، وفجأه الباب خبط.
غمضت عينيها بسرعه، مش عايزه تتكلم مع حد دلوقتي، كانت إيناس اللي دخلت، وقفت لحظه لما لقتها نايمه، وبعدين خرجت بهدوء.
أول ما سمعت الباب اتقفل، فتحت عينيها تاني وسرحت من تاني

وبعد شويه، الباب اتفتح تاني…
المره دي كان إسلام.
دخل بهدوء وقال
"مش عليّا هه، اتاخري كده؟ عايز أنام."
فتحت عينيها وقالت ببرود واضح
"عندك سرير، روح نام فيه"
قال ببرود مماثل
"أنا حر... وعايز أنام هنا، اتاخري"
قامت واتعدلت شويه علشان تسيبله مكان وهو فعلًا نام جنبها وسحبها في حضنه بحنيه، قال بحنيه
"أنا آسف إني زعقتلك... بس إنتي عارفه إني كنت خايف عليكي"
قالت بهدوء
"مش زعلانه منك."
قال بجدّيه وحنان
"ومين اللي مزعلك وأنا أروح أهينه."
ضحكت بهدوء وقالت
"مش زعلانه من حد يا إسلام، مضغوطه بس مش أكتر."
سألها
"ومضغوطه ليه؟ لو من الشغل اقعدي أجازه شويه، الشغل مش هيطير."
قالت باستنكار
"وأقعد أعمل إيه في البيت؟"
ضحك وقال
"ومين قال إنك هتقعدي في البيت؟"
استغربت وسألته
"أومال هقعد فين يعني؟"
قال وهو بيبصلها بحماس
"يعني ممكن نطلع إحنا التلاته كده أجازه حلوه في أي بلد بره."
اتصدمت وقالت بحماس حقيقي ممزوج بفرحه
"بجد؟!"
قال وههو بيبتسم
"آه طبعًا بجد."
قالت بصوت ناعم وفيه شوق
"تصدق إني فعلًا محتاجه حاجه زي كده؟"
قال بحنيه
"عارف، علشان كده قلتلك كده."
قالت بابتسامه واسعه
"طول عمرك حاسس بيا"
رد عليها وهو بيطبطب على ضهرها
"ومين هيحس باختي الحلوه لو ما حسّتش بيها؟"
قالت بحب حقيقي
"محدش... بحبك أوي."
قال بحنيه صافيه
"وأنا كمان بحبك أوي... قوليلي بقى، كنتي فين النهارده؟"
أخدت نفس عميق كأنها بتستجمع شجاعتها وقالت بهدوء
"كنت مع حسام."
إسلام ضيّق عينيه وقال بنبره استغراب وتحفّظ
"حسام؟ معاه بتعملي إيه يعني؟"
فريده بصّتله بثبات وقالت
"حسام عايز يتجوزني."
اتصدم، قعد بسرعه واتعدل في مكانه وقال
"يتجوزك؟"
هزّت راسها وقالت
"آه، عايز يتجوزني... وأنا وافقت."
صوته علي شويه وهو بيقول
"وافقتي؟ ليه يا فريده؟ انتي بتحبيه أصلًا؟"
قالت وهيا بتحاول تفضل هاديه
"آه، بحبه"
قال بسرعه وبحده
"لاء! مش بتحبيه... إيه اللي خلاكي توافقي؟! وكمان... إزاي متقوليش حاجه زي دي؟"
قالت بهدوء
"كنت هقول، بس هو لسه قايلي... وأنا شايفاه مناسب."
اتنهد بإحباط وقال
"من إمتى بتخبي حاجه زي دي يا فريده؟"
ردّت عليه بنبره دفاعيه
"مخبّتش، كنت هقول، بس أنا لسه شايفاه النهارده."
قال ولسه الغضب ظاهر في صوته
"وشوفتيه ليه من غير ما تقولي؟ افردي هو مش كويس أو..."
قاطعت كلامه بسرعه
"حسام كويس جدًا، وصاحب تيم، وسألته عليه وقالي إنه كويس، وكمان سالي قالتلي إنه محترم."
سكت لحظه وبصّلها بذهول وقال
"كل ده حصل من غير ما تقوليلي؟ روحتي سألتي الكل... وأنا آخر من يعلم!"
حاولت تشرح وقالت
"يا إسلام، أنا وال..."
قاطعها وقال بنبره فيها مراره
"ماشي يا فريده... حطي مسافات بينا أكتر، براحتك"
قام وخرج من أوضتها، سابها لوحدها وسط صمت تقيل، وعيونها بتلمع من الدموع اللي كانت بتحاول تمنعها من شويه.

تاني يوم
صحيت فريده بدري عن كل يوم، يمكن علشان النوم خانها طول الليل، أو عقلها شايل تفكير كتير، قامت من على السرير بثقل، دخلت الحمام وغسلت وشّها وبصّت لنفسها في المرايه... عينيها حمره من قله النوم والتفكير.
نزلت على المطبخ، بدأت تحضر الفطار بنفسها، ايديها بتتحرك آليًا، الجو كان هادي جدًا.
إيناس نزلت بهدوء، أول ما دخلت المطبخ وشافت فريده، حاولت ترسم ابتسامه دافيه وقالت
"صباح الخير يا فريده."
فريده مرفعتش عينيها، ردت بنبره محايده فيها فتور
"صباح النور"
إيناس قربت، وقعدت على الكرسي وهيا بتحاول تكسر البرود اللي في الجو
"صاحيه بدري ليه؟ وليه بتحضري الفطار"
ردّت وهيا مركزه في اللي بتعمله
"عادي وفيها إيه يعني"
سكتت لحظه وبعدين رصت الأكل على الترابيزه وقعدت وقالت
"اتفضلي"
إيناس بدأت تاكل وبعدها قالت بحذر
"كنتي متضايقه امبارح؟ حسيت إنك مش على بعضك"
رفعت فريده عينيها ليها للحظه، وبعدين رجعت تبص قدامها وقالت ببرود
"عادي... كان يوم طويل بس"
إيناس حاولت تبقى لطيفه أكتر وقالت
"لو في حاجه مضايقاكي قوليلي يا فريده"
فريده ردت
"مش متضايقه، متهيألك، انتي بس اهتمي بأمورك وفكك مننا احنا كويسين"
إيناس اتفاجئت من الرد، قلبها اتقبض، سكتت لحظه كأن الكلام خبطها، حاولت تقول
"فريده... أنا آسفه لو..."
قاطعتها فريده وهيا بتقوم من مكانها
"مش وقت اعتذارات دلوقتي... سيبيني ألملم يومي، ورايا حاجات كتير أعملها"
نزل إسلام بخطوات سريعه، دخل على المطبخ وقال وهو بيعدل الساعه في إيده
"صباح الخير يا ماما."
إيناس رفعت عينيها له وابتسمت بحنان
"صباح النور يا حبيبي، تعالى افطر معانا."
هز راسه برفض
"لاء مستعجل"
فريده قالت بهدوء بس فيها شويه عتاب
"طب مش هتوصّلني؟ مش قادره أسوق النهارده."
بصلها أخيرًا بس ببرود وقال
"هكلم عمو خالد يوصّلك"
رفعت حاجبها وقالت بنبره فيها غضب مكتوم
"يعني مش هتوصّلني؟"
قال بنفس البرود
"مستعجل."
ردّت وهيا بتحاول تمسك نفسها
"يعني شغلك أهم من إنك توصلني في طريقك؟"
رد
"قلت هكلم عمو خالد"
سكتت لحظه وبعدين قالت
"خلاص، أمشي... أنا هعرف أتصرف، امشي يلا."
إيناس بصّتلهم وقالت بقلق
"في إيه؟ مالكوا؟"
إسلام قال وهو بيبص في ساعته
"قدامك ٥ دقايق، مش عايز أتأخر"
فريده ابتسمت ابتسامه صغيره باهته وقالت بهدوء
"طيب، أنا جاهزه أصلًا"
راحت جابت شنطتها بسرعه وطلعت وراه

عند ياسمين
كانت صاحيه بدري، واقفه قدام المرايه بتحط اخر لمساتها من الميكب، محمد صحي من نومه بص عليها بنص عين وملامحه باينه فيها قلق وتوتر.
قال بصوت ناشف وهو بيتعدل على السرير
"رايحه فين؟"
ردّت وهيا مركزه من غير ما تبصله
"ملكش دعوه."
صوت محمد علي شويه وقال باستنكار
"يعني إيه مليش دعوه؟"
قالت بنفس الهدوء ممزوج برود قاتل
"يعني اللي سمعته... ملكش دعوه بيا."
قام من السرير بسرعه وقال بعصبيه
"انتي بتستهبلي؟!"
ردّت وهيا بتقف قدامه بثبات وعينيها في عينيه
"سميها زي ما تسميها... انت نزلت من نظري خلاص، ومبقتش قادره أقبلك، ولا أعيش معاك."
اتكلم بصدمه، صوته فيه خليط بين الغضب وعدم التصديق
"ومنين بقى؟ هتستغني إزاي عن هنا وانتي ملكيش حد؟ هترجعي لعيلتك اللي مش هيقبلوكي بينهم تاني؟"
قالت وهيا بتاخد شنطتها
"دي حاجه متخصكش... من دلوقتي، ملكش دعوه بيا، ولا بحاجه تخصني، وقريب أوي... همشي من هنا، علاقتنا انتهت خلاص"
سكت لحظه، مش قادر يرد، بس عينيه كانت مليانه بحاجات كتير... صدمه، خوف، يمكن ندم، بس الأكيد إنه أدرك إنها فعلًا مش بتهدد... هي بتنفذ علطول.

إسلام كان سايق في طريقه للمستشفى، هادي ووشه مفيهوش ملامح، فريده كانت قاعده جنبه، بتحاول تتكلم، بس بيرد عليها بفتور واضح
قالت بهدوء
"أنا... أنا آسفه إن كان الموضوع مزعلك... بس والله يا إسلام، أنا مكنتش عارفه أتعامل أصلًا... ومكنتش متخيله إنك هتتضايق كده لما تعرف... يعني غصب عني والله وكده كده كنت هقولك"
رد وهو مركز قدامه
"مش مضايق، انتي حره."
سكتت لحظه، بعد كده كملت بتوتر
"أنا كنت بس عايزه آخد وقتي... أحاول أفهم إحساسي.... يمكن كنت خايفه من رد فعلك برضو"
رد من غير ما يبصلها ببرود
"مفيش مشكله، كل واحد ليه حقه في الوقت اللي محتاجه."
نزلت عينيها، حسّت بالبرود اللي مالي العربيه وقالت بصوت أهدى
"بس بجد مش قصدي اخبي عنك حاجه، يمكن أنا متوتره لما قالي، لأنه فاجئني فعلًا، وكنت بصراحه عايزه أرفض"
سكت لحظه، وبعدين قال ببرود
"تمام، دي حياتك وانتي حره فيها"
وصل المستشفى وقال
"يومك سعيد"
بصتله شويه ونزلت بحزن، دخلت المستشفى بخطوات بطيئه، كانت ماشيه وهيا متوتره، بتحاول تمشي بسرعه بس في نفس الوقت تحافظ على هدوءها، رن فونها، كانت سالي.
ردت وههي بتحاول تتحكم في صوتها
"ألو؟"
سالي قالت
"فريده، معاد ايه؟!"
فريده قالت بهدوء
"لسه مش دلوقتي، أول ما تكلمني هكلمك نروحلها"
سالي قالت وهيا بتتنهد
"ماشي، بس بالله عليكي متتأخريش، ياسين عنده تدريب ولازم أروح معاه انهارده"
فريده قالت
"متقلقيش، هحاول نروح بدري"

A FEW HOURS LATER 
كانوا قاعدين عند آيه، سالي بصّت لفريده اللي كانت قاعده جنبها، إيديها مشبوكه ومتوتره وكأن في دماغها أسأله كتير.
آيه خرجت من مكتبها بابتسامه دافيه وقالت بهدوء 
"اتفضلوا، كنت مستنياكوا."
دخلوا وقعدوا قدامها، فريده أول واحده بدأت الكلام، صوتها كان مزيج بين التوتر والقلق
"إحنا كلمناكي قبل كده عن حالة تيم، عن انسحابه، وإنه منطوي وشايل حاجات كتير جواه... صح؟"
آيه هزّت راسها وقالت
"أيوه، ووقتها قلتلكوا إن اللي بتوصفوه ممكن يكون ناتج عن صدمه قديمه أو كبت مش متعالج، بس مكنتش أعرف إن في تطورات حصلت."
سالي قالت بسرعه
"إحنا اكتشفنا حاجه بصراحه، أوضه جوا أوضته، أوضه سريه، الباب بتاعها شبه الحيطه بالظبط، فريده اللي أخدت بالها، في الأول مكناش عارفين بيتفتح إزاي، بس راقبناه وشوفناه فتحه بشفره موجوده في خاتم بيلبسه على طول، وقتها خدناه منه بطريقتنا ودخلنا."
آيه بصّتلهم باهتمام وقالت بهدوء
"وإيه اللي لقيتوه جواها؟"
فريده ردت
"أوضه مليانه رسومات... مرسوم فيها حاجات كتير، في درج منهم كان مرسوم فين ١٠ بنات وبتواريخ، كل ورقه فيها رسمه لبنت شكل وبأعمار مختلفه وفي منهم بنات صغيره، وكمان في أدراج كتير بترتيب تواريخ، كل درج سنه، مترتبه من ٢٠٠٤ لحد دلوقتي."
آيه كانت بتسمع بانتباه شديد وقالت
"يعني بيحتفظ بتوثيق بصري، شبه أرشيف؟"
سالي كملت
"في درج سنه ٢٠٠٤، لقينا صور ليه مع ماما، وقتها كان هو بيديها قلبه وهي كانت بتقوله حاجه في الرسمه اللي بعدها، ده اللي إحنا قدرنا نشوفه ومعرفناش نكمل الباقي."
آيه بدأت تدون ملاحظات في ورقه قدامها وقالت
"ده مش مجرد فن، الرسومات دي وسيله تفريغ، كأن الأوضه دي هي دماغه من جوا، كل سنه فيها حاجه، كل صوره احتمال تكون حدث أو شخص كان بيأثر عليه بشكل مباشر."
فريده سألت بصوت واطي
"بس أنا مرسومه كتير جدا برضه، والرسم كأنه حقيقي وبدقه عاليه."
آيه بصّتلها وقالت بنبره تحليليه
"واضح إنك بتمثلي ليه نقطه محوريه في التوازن الداخلي بتاعه، إنتي اتحولتي من مجرد شخص بيحبه، لرمز للأمان... أو حتى للنجاه من الفوضى اللي عايش فيها، وبرغم من كده مش هيكلمك أو يقولك مشاعره، هو هيفضل عايش كده."
سالي سألت بخوف واضح
"يعني هو فعلا مريض نفسي؟"
آيه ردّت وهي بتحاول تكون دقيقه
"مش هقدر أقول كده من غير ما أشوفه بنفسي، لكن الأكيد إن عنده اضطراب واضح، ممكن يكون PTSD، لكن كل ده مجرد فرضيات دلوقتي، الرسومات دي دليل إنه بيحتفظ بكل لحظه مرت عليه بس بطريقته الخاصه."
فريده قالت بإصرار
"طب نعمل إيه؟ إزاي نوصله؟"
آيه قالت بهدوء
"أول خطوه... لازم هو ييجي، من غير إرادته مش هينفع، لو قدرتوا يبقى كده إحنا عدينا شوط كبير جدا."
سالي أخدت نفس وقالت
"مستحيل ييجي طبعًا، الحوار صعب، بس دلوقتي قدامنا فرصه نعرف منها كل حاجه، بس كنت عايزه أسألك لو ينفع إحنا نواجهه بدل ما ندور وراه ونعرف مين دول، لو قولناله إننا دخلنا أوضته؟"
آيه سكتت لحظات، ووشها كان باين عليه التفكير العميق، بعدين رفعت عينيها وبصّتلهم بهدوء وقالت
"أنا عارفه إنكوا شايلين همّه، بس لازم تفهموا إن نوع شخصيه زي تيم المواجهه المباشره ممكن تكسره، مش تحرّره، الشخصيات اللي بتمرّ بكم كبير من الكبت والضغط النفسي، خصوصًا لو عندها ميول للانغلاق والتجريح الذاتي، لما حد يواجههم بحقيقتهم بيحسوا إنهم اتعرّوا، وبيبدأوا ينهاروا أو يهربوا."
فريده اعترضت
"بس هو محتاج يتواجه، يعني أنا حاسه إنه مش طبيعي، ممكن المواجهه تشيل من عليه كتير."
آيه وضحت
"اللي مش طبيعي ده واضح إنه وسيله تفريغ، الرسم عنده مش مجرد هوايه، دي وسيله علاج نفسي ذاتي، تيم بيحاول يلاقي صيغه آمنه للتعبير عن مشاعر ممنوعه، أو مؤلمه من غير ما يضرّ حد أو يضرّ نفسه بشكل مباشر، المواجهه غلط، وخاصه لو حس إنكوا عرفتوا منه هو وإنه السبب إن السر ده يتفضح."
سالي سألت باستغراب
"طب يعني نسيبه كده؟"
آيه هزّت راسها بنفي
"لاء طبعًا، بس لازم نشتغل بحذر، أي خطوه فيها فضح لمناطق الألم اللي عنده ممكن تدفعه للانهيار أو العدوانيه أو حتى الانسحاب التام، أنا مقلقتش من اللي حكيتوه قد ما قلقت من إنه مش بيطلب المساعده، دي أخطر حاجه."
فريده سألت
"طيب نعمل إيه؟"
ايه ردت
"مش هينفع تروحوله تقولوله إحنا دخلنا أوضتك، ده هيفتح باب خوف وغضب كبير جدآ، لكن ممكن تبدأوا تسألوه بشكل غير مباشر عن حاجات عاديه جدآ، خلوه يحكي هو، افتحوله الباب من غير ما تحطوه تحت ضوء الاستجواب."
سالي عقدت حواجبها وقالت
"طب والبنات اللي شوفناهم، صورهم كانت مرسومه من سنين! نعمل إيه فيها، انا اكتشفت أن في بنت منهم انا جبتها فتره تشتغل عندنا والبنت اختفت، ولما سألت ماما قالتلي انها مش هتسمح بوجودها في البيت"
ايه ردت بحذر
"واضح إن في قصص قديمه محفوره جواه، وكل بنت من دول غالبآ مرتبطه بحاجه جواه، مش هقدر أقول علاقات سابقه طبعآ لإنها أبعد ما تكون عن كده، بس هو مش مريض خطر، هو جواه ملف متقفل من زمان ومحتاج يتفتح بحب، مش بكسر، والبنت اللي تعرفيها دي لازم تعرفي هيا اختفت فين فعلا لأن الموضوع بقا مقلق فعلا، ودي هتفتح طريق أننا نفهم اسئله كتير ملهاش إجابات"
سكتت لحظه تسيبهم يستوعبوا كلامها وكملت
"خلي عندكوا صبر، خلوه يتكلم، حتى لو بكلمه صغيره، وشوفوا إن كان ممكن يوم ييجي هنا لوحده ولا دي حاجه مستحيله، ولو رفض مفيش مانع إننا نشتغل عليه من خلالكوا… بس أهم حاجه متخوفوهوش، ومتتعاملوش كأنكم عرفتوا حاجه، اتعاملو كأنكوا شفتوا وجعه… وعايزين تضمّدوه، مش تفضحوه."
سالي اتنهدت وقالت بخوف واضح في صوتها
"ممكن توضحي أكتر؟ يعني دلوقتي نتعامل معاه إزاي بالظبط ومع الرسومات اللي شوفناها"
آيه عدّلت قعدتها وبصّتلهم بنظره فيها تركيز وحرص وقالت
"زي ما كنتوا بالضبط، بلاش تضغطوا عليه، وبلاش تحسسوه إنه مكشوف أو مفضوح، هو حاسس إن في حاجات جواه محدش يعرفها، سيبوه يفضل فاكر كده، لإنكوا فعليآ اتعديتوا على خصوصيته، ولما الشخص ده يحس إن حِصنه اتكشف، بيتكسّر، وبيفقد ثقته في اللي حواليه."
سكتت لحظه، وكملت
"اتعاملوا معاه عادي جدآ، متفتحوش موضوع الأوضه أبدآ ولا الرسومات ولا أي حاجه بشكل مباشر، لكن... بالتدريج، فهموه إن السر اللي مخبّيه مش هيقدر يفضل مستخبي طول الوقت، لمّحوا إنه هيتكشف مع الوقت"
فريده سألتها وهي حاسه إن الموضوع أعمق مما كانت متوقعاه
"ولو عرفنا حاجات تخص مامته؟ يعني مثلآ لو عرفنا هي ليه رافضه دخول أي بنات بيته؟ ممكن نواجهه بده؟"
آيه هزت راسها ببطء وقالت
"ممكن... بس حتى ده لازم يتقال بحذر جدآ وفي حاله واحده بس، هتقولوا إنكوا عرفتوا تمام، بس خلوه يفتكر إنكم عرفتوها من مصدر تاني، مش من خلاله هو، ولا من تفتيش وراه، لو حس إنكم بتتجسسوا أو بتحققوا، هيرجع لقوقعته، وممكن يقفل على نفسه للأبد، ده هيضره مش هيفيده"
سالي كانت بتسمع وتهز راسها، وفريده كانت سرحانه، عينيها فيها خوف ورغبه في إنها تساعده فعلآ.
آيه اخدت نفس عميق وبصّت لهم بنظره كلها جديه
"الحاله دي بالذات لو انهارت، ممكن تطلع منها حاجات مرعبه، وممكن تسيب أثر ميتمسحش، فلو بتحبوه بجد، حافظوا عليه من نفسه قبل أي حد تاني."
كملت بهدوء وهي بتشاور بإيدها كأنها بتحاول ترتّب أفكارها
"تيم مش بني آدم سهل، بالعكس، ده معقد جدآ، ممكن تحسوه ساكت وبارد وساعات بتحسي إنه مش حاسس بأي حاجه، بس الحقيقه إنه حاسس بكل حاجه بس مش بيعرف يعبر، وبيفضل يدفن كل حاجه جواه."
سكتت لحظه وهي بتتنهد، وبعدها كملت
"تيم مش من النوع اللي يحب يبان ضعيف، يمكن علشان كده بيزعق وبيعاند وبيتحكم، هو فاكر إنه كده بيحمي نفسه، هو عمره ما اعتمد على حد"
كملت بصوت أهدى وهي بتبص لفريده
"بس إنتي… شكلك مختلفه، عارفه تكسري الحواجز اللي محدش قدر يقرب منها، خليه يعرف إنك مش جايه تكسريه، إنتي جايه تساعديه"
فريده قالت وهي بتبص للأرض وصوتها مكسور
"بس أنا حاولت فعلآ، حاولت أوصله، وهو رافضني جدآ، بصراحه... حسام صاحبه عرض عليا الجواز، روحتله وطلبت رأيه، قلت يمكن يقول حاجه تخليني أفهمه أو أفهم موقفه، بس هو قالّي إن حسام كويس، وإني لو وافقت عليه مش هندم... فوافقت بصراحه... وقتها اتسرعت واتضايقت منه، وقولت حسام أحسن فعلآ، يمكن علشان كنت حاسه إن تيم عمره ما هيتكلم، بس بعدها... تاني يوم رنّ عليا، ولما رديت مردش، بس كنت سامعه أنفاسه... كأنه بيصارع، حسيت إنه تعبان، مش طبيعي، فقلقت وقررت أروحله، بس لما روحت، رفضني جدآ، وكان قاسي... قالّي مفيش داعي لوجودي في حياته، ولما قولتله إن لو مشيت المره دي مش هرجع، قالّي... ربنا معاكي."
سكتت لحظه، كانت بتحاول تلم نفسها، وبعدين رفعت عينيها لايه وسألتها بهدوء
"هو ليه بيعمل كده؟ ليه بيرفض يساعد نفسه؟"
إيه اخدت نفس عميق وبصّت لها بنظره فيها تفهم وقالت
"اللي حصل ده مش رفض ليكي يا فريده... ده رفض للضعف اللي حاسس بيه قدامك، تيم شخصيه بتخاف تتعرى عاطفيآ، شايف إن الحب ضعف وإنه لو حبك، يبقى بيقدّملك مفاتيح هدمه بإيده، هو كان مستني منك تمشي، لإنه شايف نفسه عبء، شايف إنك تستحقي حد طبيعي، مش حد متكسر زيه، ده احتمال، والاحتمال التاني إن مش مسموحله مثلآ"
سكتت لحظه، وبعدين كملت بتحليل أعمق
"تيم بيعاني من عُزله داخليه، ومن تراكمات نفسيه غالبآ من طفولته، هو محتاج حد يحبه من غير شروط، بس كمان من غير ما يضغط عليه، بيخاف من الفقد، وبيخاف أكتر من الحب"
فريده قالت
"طب تفتكري اتضايق إني وافقت على حسام بالرغم من إنه بنفسه قال إنه كويس"
ايه بصّت لفريده وقالت بهدوء فيه لمحه جديه
"بصي يا فريده... تيم مش زيه زي أي حد، تيم لو قال على حد كويس، ده مش معناه إنه عايزك ترتبطي بيه، هو كان بيقيّمه كزميل، مش كراجل ليكي"
سكتت لحظه وبعدين كملت
"لما وافقتي على حسام، حتى لو هو اللي قال عليه كويس، أكيد حسّ بحاجه بس مش هيقولها، هيسكت… وهيبعد أكتر، لإنه بيهرب دايمآ، بس لو بتسأليني، أظن إنه اتضايق... وجدآ كمان."
فريده سألت بتوتر
"يعني هو ممكن يكون رافضني علشان عرضت عليه أساعده مثلآ"
ايـه ردّت بنبره واثقه بس متعاطفه
"لاء خالص، هو مش رافضك علشان كده، هو بيرفض المساعده بشكل عام، بيرفض يحس إنه ضعيف، أو إن في حد بيشوفه محتاج، وده بيخليه يتصرف بخشونه أو يتهرب."
كملت
"أنهي واحد فينا يا فريده بيحب يبقى مكشوف؟ تيم بيتصرف كده لإنه اتعود يحمي نفسه، وبيخاف جدآ إن حد يشوفه وهو واقع، ولو في حد ممكن يشوفه كده، بيبعد عنه بدل ما يسيبه يقرب أكتر، متفسريش البُعد على إنه رفض ليكي... ساعات بيكون خوف من قربك."
سالي قالت بنبره يأس ممزوجه بالحزن
"يعني عمره ما هيقبل نساعده؟"
ايـه بصّتلها بهدوء، نبرتها حازمه
"دي مش هقدر أقولها بالضبط، لإن ممكن ييجي يوم كل حاجه فيه تتغير... وهو يقرر يتغير، أنا مشوفتوش، مسمعتش منه، فمقدرش أحكم بشكل قاطع."
سكتت لحظه، وبصّت لفريده وسالي كأنها بتحذرهم من عاصفه جايه وقالت
"بس اللي أقدر أقوله دلوقتي إنكم لازم تكونوا مستعدين... خلي بالكوا للي جاي، لإن اللي جاي هيكون صعب"
غيرت نبره صوتها لأوطى شويه
"الشخص اللي بيخبي نفسه بالشكل ده وبيحاول يدفن كل حاجه جواه، أكيد مخبي حاجه كبيره... حاجه وجعته أو خوّفته لدرجه إنه فضل يتفنن في إخفاءها، فخلوا بالكوا منه ومن ردود أفعاله... ومن كل حاجه حواليه."
بصّت لفريده مباشره وقالت
"أوقات اللي ظاهر لنا كـ برود بيكون جواه هلع، متخدوش رد فعله على إنه النهايه... ساعات بيكون مجرد طريقه دفاع."
فريدة دخلت المستشفى بخطوات مترددة، عينيها وقعت على حسام واقف مستنيها، قربت منه بسرعة، ملامحها مشوشة بين الاستغراب والتوتر، ولما وصلت قالت بصوت شبه هامس
"حسام؟"
حسام ابتسم ابتسامة هاديه وقال
"فريدة... أخيرًا جيتي."
بصتله باستغراب وسألت
"في إيه؟ مكلمتنيش ليه؟ يعني كنت تعرفني إنك جاي..."
رد بنبرة هادية 
"عادي، مش مهم... أصلًا توقعت إني هاجي ألاقيكي هنا، بس قلت أستناكي يعني."
قالت بهدوء 
"أنا كان عندي شغل بره المستشفى... ياريتك كنت رنيت بدل ما تستنى."
ابتسم بهدوء وهو بيهز كتفه كأنه مش فارق معاه وقال
"مش مهم... المهم إني شوفتك في الآخر."
حست بالذنب فقالت
"إنت كده حسستني بالذنب... تعالى نقعد في الكافتيريا طيب."
رد بهدوء
"تمام."
اتحركوا مع بعض لحد الكافتيريا، وحسام قال بابتسامة ودودة
"هجيب قهوة طيب."
هزت راسها وقعدت تستناه وبعد لحظات رجع ومعاه فنجانين قهوة، حط واحد قدامها وقعد في الكرسي اللي قدامها
بصلها وقال بعتاب خفيف
"امبارح ملحقتش حتى أقعد معاكي أكتر."
ابتسمت بهدوء وهي بتمسك فنجانها
"تتعوض إن شاء الله... لو مكانتش حاجة مهمة، أكيد مكنتش هسيبك وامشي."
قال وهو بيبصلها 
"عارف... بس كنت عايز أتطمن عليكي، يعني إنتي كويسة؟"
أومأت وقالت بابتسامة هاديه 
"الحمد لله... زي ما شايف."
سألها بفضول
"وكلمتي أهلك طيب؟"
ردت وهي بتبص قدامها
"كلمت إسلام بس، لسه ماما هقولها النهارده."
سألها بقلق
"طب وكله تمام؟"
قالت وهي بتحاول تطمنه
"أكيد، إسلام بس زعلان إني خبيت عليه من الأول، بس هتتحل يعني، ولما أعرفهم ونتفق أكيد هقولك."
بصلها باهتمام أكبر وسأل
"وممكن نيجي إمتى مثلًا؟"
قالت بهدوء
"ممكن بعد أسبوع."
رفع حاجبه باستغراب وقال
"اشمعنا بعيد كده؟"
ابتسمت وقالت
"علشان هاخد إجازة من الشغل وهنسافر في أي حتة نغير جو شوية."
اتنهد وسأل باستنكار 
"يعني مش هشوفك لمدة أسبوع؟"
قالتله بجديه
"محتاجة الإجازة دي بجد... ومتتضايقش لو حاولت تكلمني ولقيت فوني مقفول، لأني عايزة أفصل من الدنيا شوية."
سألها بشك 
"طيب... ممكن أعرف إيه اللي مضايقك أوي كده؟"
قالت وهي بتتجنب تبص في عينيه
"مش شرط أكون متضايقة... ممكن أكون مضغوطة، محتاجة أفك شوية أو أفصل علشان أقدر أرجع أكمل حياتي."
أومأ ببطء وقال بنبرة تفهم
"فهمت."
فجأة، فونها رن وكانت يسر، ردت بسرعة وصوت يسر على الطرف الآخر كان بيستعجلها لأنها اتأخرت، قفلت معاها وبصت لحسام باعتذار
"معلش... لازم أمشي دلوقتي."
لمت حاجتها بسرعه ومشيت من الكافتيريا بخطوات سريعة، دخلت المستشفى وهيا باين عليها علامات الإرهاق، عينيها وقعت على يسر واقفة مستنياها قدام الاستقبال.
قربت بسرعة وسألتها
"في إيه؟"
يسر شبكت إيديها قدامها وبصتلها 
"اتأخرتي أوي، دكتور وائل سأل عنك كتير كان محتاجك" 
فريده وقفت جنبها وقالت
" فكك" 
يسر سألتها باستغراب
" مالك؟" 
فريدة زفرت نفس طويل، وبصوت فيه تعب وتساؤل قالت
"تفتكري هرتاح... وحياتي هترجع طبيعية؟"
يسر عدلت وقفتها، وبنبرة هادية فيها شوية واقعية قالت
"الحياة مش بتقف على حد."
فريدة هزت راسها بعناد، وعينيها فيها لمعة حزن
"بتقف... ممكن الحياة تمشي، بس إنتي هتفضلي واقفة عند نقطة مش قادرة تتخطيها، هتعيشي عادي، بس مش زي ما كنتي، لما بتكوني عارفة إنتي مش عايزة إيه... دي أصعب حاجة ممكن يمر بيها إنسان، عايشة عادي بس مش مرتاحة... ومش عارفة أنا عايزة إيه، وياترى هييجي يوم هرتاح ولا هفضل حياتي كلها كده؟"
يسر قربت منها خطوة، وبصوت فيه دفا قالت
"ساعتها بنعمل اللي شايفينه صح، أو اللي شايفينه في مصلحتنا، لسه الدنيا هتجيب، ولسه هتتعلمي، ولسه هتفهمي أكتر، فبنحاول نشوف إيه الأصح واللي هيخسرنا حاجات قليلة."
فريدة عضت شفايفها بتوتر وسألت بصوت واطي كأنها بتدور على طوق نجاة
"يعني كده أنا صح ولا غلط؟"
يسر هزت راسها بابتسامة خفيفة
"إنتي الوحيدة اللي هتقدري تجاوبي على نفسك."
فريدة سكتت شويه تفكر، عايزه تختار صح، مش عارفه اذا كانت كده تمام ولا هتخسر قدام.
قاطع شرودها صوت مرح بيقول 
"فريدة اللذيذة!"
لفت بسرعه ولقت يونس قدامها، قالت باستغراب
"يونس!"
قرب منها بخطوات واثقة وقال بهزار
"عاملة إيه يا اللي ما بتسأليش؟"
يسر بصتله باشمئزاز واضح، فريدة ضحكت وقالت
"مين بيتكلم بجد! وبعدين إنت مختفي فين يا زفت؟"
يونس بص ليسر قاصد يستفزها وقال
"عندي عمليه شاقه... بس مسيرك يا ملوخية تيجي تحت المخرطة."
فريدة بصتله باستغراب ورفعت حواجبها
"قصدك إيه؟"
ضحك بخبث وقال
"ها لا ولا حاجة، أنا بس قولت أعدي أسأل بما انك مبتسأليش يعني."
يسر مشيت وواضح عليها الضيق، فريده بصتله وقالت
"طيب... هعمل نفسي مصدقة."
يونس وقف قدامها وقال 
"ومتصدقيش ليه يعني؟ مش ابن خالتك أنا؟ ولا مش ابن خالتك؟"
فريدة ضحكت وقالت
"بلاش نفتح بقا يا عم مخرطة."
يونس ضحك وقال
"إيه ده! إنتي خدتي بالك؟"
فريدة هزت راسها وقالت
"من الملوخية ولا المخرطة؟"
يونس غير الموضوع بسرعة قال
"المهم إنك كويسة... همشي أنا بقا وإنتي خلي الملوخية أمانة في رقبتك."
لف ومشي وهو بيضحك، وفريدة وقفت تتابعه بعينيها وابتسامه صغيره ظهرت على شفتيها.

عند صابرين
كانت واقفة في الجنينه بعيد، بتحاول متبينش نفسها، الموبايل في إيدها وصوتها واطي جدًا وهيا بتقول
"فريدة؟ مستحيل... دي بنت أختي."
من الناحية التانية، جه صوت راجل هادي لكن فيه غموض
"ولو عرفت حاجة زي ما بتقولي؟"
صابرين خدت نفس قصير وقالت بإصرار وهي بتبص حواليها
"أنا هتصرف... بس مش هقدر أأذي فريدة، دي بنت أختي."
رد ببرود
"بس كانت هتكون كويسة لو مش غالية عليكي... تنفع أوي دي."
صابرين عقدت حواجبها وقالت بحدة
"تنفع أو متنفعش... فريدة لاء، همنعها تيجي هنا أو حتى تقرب من سالي تاني، وهخلي سالي تسافر لجوزها... ونبقى كده خلصنا."
قال بنبرة شبه ساخره
"حتى لو حاولتي... حاسس إن نهايتك قربت."
صابرين قالت بثقة مصطنعه
"ده لو مقدرتش أسيطر على الوضع... بس أنا هسيطر عليه قريب جدًا، وكل حاجة هترجع طبيعية."
قالها وكأنه بيشجعها
"أيوه... جدعه، كفاية تيم اللي فاكر إن فيه ١٠ بس ضحية."
صابرين ردت بسرعه
"ده بالنسباله هو ١٠ بس، ومش هيعرف أكتر من اللي هو عارفه."
قال بهدوء فيه تهديد
"هنشوف... خلي بالك يا ملكه، عشان لو اتكشفتي، إنتي عارفة نهايتك."
صابرين صوتها بقى تقيل وجاد
"هعتبره تحذير، عشان إنت عارف إني مبقبلش أي تهديد... وإني قوة لا يُستهان بيها."
قالها بخفه
"طبعًا تحذير... المهم تخلي بالك"
قفلت صابرين الفون، بصت حوالين الجنينه بخوف، إحساس الخطر بيكبر جواها، لكن ملامحها فضل فيها نفس البرود والصلابة.

في نهاية اليوم، فريده خرجت بعد ما خلصت شغلها ولقت اسلام مستنيها، فتحت باب العربيه وركبت بهدوء، وهو كان ماسك فونه وساكت ببرود، لما قفلت باب العربيه اتحرك بهدوء
فريدة قالت بهدوء وهي بتحاول تبتسم
"كنت فاكرة إنك هتسألني عملت إيه النهارده."
إسلام قال من غير ما يبص
"أكيد شغل زي كل يوم."
فريدة سكتت لحظة وبعدين قالت
"ماشي يا عم، بس يمكن يومي كان فيه حاجة غريبة، حاجة مختلفة مثلا، كنت بتسألني يعني علطول"
قال ببرود وهو بيقلب في تليفونه
"حاجة حصلت؟"
ردت بهدوء
" محصلش"
قال وهو لسه باصص في فونه
"احمدي ربنا انها جت على كده"
سكتت، وبعدين قالت وهي بتحاول تلاقي أي منفذ
"هتفضل كده يعني متغير"
بصلها أخيرًا وقال ببرود
"أنا زي ما انا، يمكن إنتي اللي حساسة زيادة النهارده."
فريدة بصتله ثواني وسكتت، قالت وهي بتحاول تبين تفهمها
"فاهمه انك متضايق بس بلاش تتعامل ببرود كده، غلطت اني مقولتلكش من البدايه بس اول مره اتحط في الموقف ده، لازم تفهمني"
قال بجفاف
" قولتلك انتي حره"
فريده قالت بسرعه 
"ماشي... أنا حرة فعلًا، خلينا نبني مسافات أكتر... وخليني أهرب منكوا بأسرع وقت."
إسلام بصلها وكان في غصه في قلبه بس سكت، متكلمش
بعد شويه بصتله وقالت بسخرية خفيفة
"عارف؟ أوقات بحس إنك بتعاقبني بالصمت... وأوقات تانية بحس إنك مبقتش فارق معاك."
بصلها وقال بنبرة حاسمه
"إنتي اللي عايزة كده يا فريدة... أنا بنفذلك اللي إنتي عايزاه."
فريدة بصتله بصدمه وقالت بدهشه
"بجد والله؟ يعني إنت شايف إني فعلًا عايزة كده؟ مش ممكن أكون بتخبط الفترة دي؟ يعني كده أنا مجتش عرّفتك على طول."
إسلام رفع حاجبه وقال ببرود
"قايلك بقاله فترة... روحتي سألتي الكل، وفي الآخر بتعرفيني إنك موافقة، ولا كأني أخوكي، ولا كأني أقرب حد ليكي."
فريدة نزلت عينيها للحظه وبعدين قالت بصوت هادي
"أنا فعلًا غلطت في كده... بس إنت ما سمعتش للآخر، تيم وسالي ويونس ويسر كانوا معايا وقت ما حسام عرض عليا يتجوزني، يعني أنا مروحتش فتحت الموضوع مع حد، هما اللي قالولي إنه كويس، أنا مكنتش هوافق، بس شوفت إنه كويس بما إن كلهم بيشكروا فيه، وأنا مفيش حد في حياتي... فقولت ليه لاء؟ ولو عايز تسأل عنه، اسأل حتى."
إسلام بصلها لحظه وقال
"سألت."
فريده رفعت عينيها بسرعه وقالت
"وإيه؟"
أخد نفس وقال بنبرة أهدى
"ماشي... مش معترض أكيد، بس إنتي عارفة سبب اعتراضي."
قالت وهيا بتحاول تشرحله
"هو قالي يوم خطوبتك علفكره، يعني مش من كتير... فمفيش داعي تتضايق بجد."
إسلام ضحك ضحكة خفيفة وقال
" طيب، انتي طلعتي مش سهله علفكره"
فريدة ابتسمت وهي بتبصله
"أنا طول عمري كده وإنت عارف."
مد إيده وحطها على إيدها بهدوء
" طيب، اخر مره تسيبيني للأخر كده" 
ابتسمت وقالت
" اتفقنا"
قال بهدوء 
" خلاص نسينا"
هزت راسها بابتسامة فيها راحة
"نسينا."

وصلوا البيت وأول ما دخلوا وفريدة شافت إيناس قاعدة في الصالون، طلعت أوضتها بسرعه
إيناس رفعت عينيها وبصت لإسلام باستغراب
"في إيه؟ فريدة مالها؟"
إسلام حاول يبان طبيعي وقال بهدوء
"عادي... مفيش."
إيناس شبكت إيديها وقالت بنبرة شك
"مش مخبيين حاجة عليّا يعني؟"
إسلام أخد نفس وقال
"هو في حاجة بصراحة... بس خلي فريدة تقولهالك بنفسها."
إيناس قالت بقلق
"في إيه؟ قلقتني."
إسلام طمّنها بابتسامة بسيطة
"متقلقيش... مش حاجة وحشة."
إيناس هزت راسها وقالت
"طيب... هطلع أشوفها."
طلعت السلم بهدوء، وقفت قدام الباب وخبطت خبطتين قبل ما تدخل.
فريدة كانت قاعدة على طرف السرير، وباين عليها بتفكر.
إيناس دخلت بابتسامة صغيرة وقالت
"إيه يا فريدة؟ في حاجة؟"
فريدة ردت بجفاف 
"مفيش."
إيناس قعدت على الكرسي اللي جنب المكتب وقالت بنبرة حنونة
"لو متضايقة مني... قولي... أنا زعلتك في حاجة؟"
فريدة رفعت عينيها ثواني وبعدين رجعتها للأرض
"لاء، مش منك."
سكتت شويه وبعدين قالت بحذر
"بصي... أنا عارفة إن موضوعي مع علي مش مريحك، وأنتي حتى لما قولتي مش فارق معاكي... حسيت إنك بتقولي كده عشان تخلصي من الكلام مش أكتر."
فريدة رفعت عينيها بسرعه بس مردتش
إيناس كملت وهي بتحاول تبرر
"بس علي كويس معايا، ووقف جنبي في حاجات كتير، كفايه أنه حسسني اني واحده"
فريدة قالت بهدوء وهي بتحاول تمثل إنها بارده
"براحتك، دي حياتك"
ايناس قربت قعدت جنبها وقالت
"أنا عارفة إن الموضوع مش سهل عليكي، وعارفه إنك مش متقبلاه من الأول برضو وإذا كنتي ناويه تتقبليه ولا لاء، بس حابة تعرفي إني مش هعمل حاجه ازعلك"
فريدة كانت بتسمعها وملامحها متحجره، عينيها فيها لمعة ضيق مكبوت
إيناس كملت وهي بتحاول تختار كلامها
"علي يمكن انتي محبتيهوش، بس أنا شايفة فيه حاجات تخليني أحس بالأمان، مش بطلب منك تحبيه أو حتى تعتبريه قريب، بس عايزاكي متبعديش عني"
فريدة اتنهدت وقالت ببرود
"أنا قولتلك قبل كده... مش فارق معايا اتجوزتي أو لاء، ولسه عند كلامي"
إيناس ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت
" بس أنا حاسة إنه فارق، حتى لو قولتي العكس"
فريده قالت بصوت هادي
" انا يمكن مش متقبلاه بسبب الطريقة اللي عرفته بيها... ومش قادرة أشوفكوا غير..."
سكتت فجأة ومكملتش
إيناس بصتلها بحزن وقالت
"هي كانت غلط فعلا، مش هقدر أنكر، بس كنت معتبراه صديق وبس، لحد ما العلاقة اتطورت، والله لو كنت أعرف إن ده هيحصل، مكنتش عمري كلمته أصلا."
فريدة أخدت نفس وقالت
"وده اللي حصل... وأنا خلاص بتقبل، ومفيش داعي تشيلي همي."
إيناس ابتسمت بخفوت، كأن الكلام ده ريّح قلبها شوية، حتى لو حاسة إنها لسه مش متقبله، اكيد هييجي يوم وتتقبل.

فريدة قالت بهدوء وهي بتراقب ملامح إيناس
"فاكرة حسام اللي عرفتك عليه في خطوبة إسلام؟"
إيناس بصتلها باهتمام وقالت
"أيوه فاكره... ماله؟"
فريدة أخدت نفس وكأنها بتختار كلماتها بعنايه
"يومها طلب مني يتجوزني"
إيناس اتجمدت لحظه، وبعدين ابتسمت ابتسامة صغيرة ممزوجة بدهشة وبصتلها باهتمام
"يتجوزك؟ ده بجد؟ بتتكلمي بجد؟؟"
فريده هزت راسها وقالت
" اممم، انا عن نفسي موافقه"
ايناس سألتها
" يعني هو كويس ؟!"
فريده هزت راسها
"كويس... محترم وهادي، ودي أهم حاجة عندي"
ايناس سألتها وهيا بتحاول تستشف
"كويس يعني... معجبة بيه؟ ولا لسه مش عارفة مشاعرك؟"
فريدة اتنهدت وقالت وهي بتبص بعيد
"مش عارفه، بس مرتاحة معاه، وحاسه أنه مش هيظلمني"
ايناس حطت إيدها على إيدها بابتسامة حنونه
"الراحة أهم حاجة يا فريده... وبعدين الحب ساعات بيجي مع العِشرة، المهم إنه يكون بيخاف ربنا فيكي."
فريدة ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت 
"بحسه بيحبني بجد، وبيهتم بيا بطريقة مش متعودة عليها، يعني مستغربه حبه واهتمامه"
إيناس سألتها باهتمام
"طب احكيلي عنه أكتر... بيشتغل إيه؟"
فريدة رفعت راسها وقالت
"بيشتغل مع تيم في نفس الشغل اللي هو فيه، وبيقول إنه بيحبه وبيثق فيه."
إيناس أومأت وقالت
"وعيلته؟"
فريده قالت بصوت هادي
"هو وحيد... عايش مع باباه ومامته "
إيناس رفعت حواجبها
"يعني مفيش إخوات؟"
فريدة هزت راسها
"لاء مفيش"
إيناس سألتها اسأله عاديه وفريده كانت بترد ببساطه
إيناس قالت بابتسامة دافيه
"هو انسان كويس فعلا، ربنا يوفقكوا يارب."
فريده قالت بنبرة فيها تردد
"هو قالي أكلمكوا، علشان يجيب أهله وييجي يعني."
إيناس قالت بابتسامة هادية
"المهم إنتي يا فريدة عايزة إيه، إحنا مش عايزين غير راحتك، وهما طبعًا ييجوا في أي وقت"
فريدة تنهدت بهدوء، وفي عينيها لمعة صغيرة من الارتياح، وحست أن قرارها صح
إيناس ضحكت بخفة وقالت وهي بتبصلها بفخر
"كبرتي يا فريده وهتتجوزي"
فريدة ابتسمت وقالت
" سُنة الحياه "
إيناس حضنتها
" المهم تكوني مبسوطه يا حبيبتي"

عند محمد
كان قاعد على الكنبة متسمر قدام الموبايل، ووشه باين عليه القلق، بيرن على ياسمين للمره الالف بس هيا مش بترد، ودماغه مشغوله بس بفكرة إنها ممكن تكون ناوية تنفذ تهديدها وتختفي.
جت أمه وقالت بصوت عالي وهيا مكشره
"إيه يا محمد؟! إنت لسه قاعد كده؟ البت دي لسه بره؟! أنا قلتلك ألف مرة دي ما تتأمنش، دي تجيب العار! الله يسامحك ع النسب ده"
كملت بقرف
"من يوم ما دخلت البيت وخربته، أنا لو مكانك أقفل الباب وراها بالمفتاح، وأقولها روحي مطرح ما جيتي، هتفضلوا طول عمركوا كده؟! تهددك وتقل ادبها علينا، سيبك منها وانا هجوزك ست ستها"
مكنش مركز معاها، كان بيرن ومصمم لحد ما ترد، وأخيرًا ردت عليه وهيا بتقول بصوت بارد
" نعم، بترن ليه؟"
قال بلهفه
" ياسمين، اخيرا، مش بتردي ليه؟"
قالت ببرود
"أنا قولتلك خلاص، حكايتنا انتهت"
قال بسرعه 
"إنتي فين يا ياسمين؟ بطلي هبل بقا"
صوتها فضل ثابت وهادي وهيا بتقول
"دي حاجة متخصكش، أنا استغنيت عن أهلي عشانك مره وانت مستغنتش، بالرغم إني قلتلك بس خليهم يطلعوا فوق، لكن انت مضحتش عشاني زي ما أنا عملت، يبقى انت متلزمنيش."
محمد حس قلبه بيتقبض وقال بنبرة فيها رجاء 
"هعملك اللي إنتي عايزاه، بس ارجعي."
ردت بسرعه 
"تمام، وأنا مستنياك، يا تختارني، يا تختارهم، دلوقتي أنا بحطك في نفس الاختيار اللي حطتني فيه من فتره، فاكر؟ بس أنا اخترتك إنت ساعتها، دلوقتي دورك."
وسكتت لحظه قبل ما تقفل الخط في وشه، وبعدها قفلت فونها عشان ميرنش تاني

عند سالي
سالي كانت قاعده بتذاكر لياسين، وفي وسط تركيزها صابرين دخلت بخطوات سريعه ونظرات حادة، بصت لياسين وقالت بنبرة مختصره
"قوم يا ياسين يا حبيبي خد بريك على ما اقول لماما حاجه"
ياسين خرج بفرحه وصابرين وقفت قدام سالي وقالت من غير مقدمات
"فريدة مش هتدخل البيت ده تاني."
سالي رفعت عينيها بصدمه
"إيه؟ ليه؟!"
صابرين شددت كلماتها كأنها بتحط خط فاصل
"مش هسمح بوجودها هنا تاني، وهحجزلِك على أقرب طيارة تسافري لجوزك، الموضوع منتهي."
سالي سألتها باعتراض واضح
"ماما... انتي بتتكلمي بجد؟!" 
صابرين بصتلها ببرود، عينها ثابته ومفيش فيها أي تردد
"بكل جد، والقرار مش للنقاش."
سالي حاولت تفتح بقها تاني بس صابرين رفعت إيدها تقطع أي محاوله
"قولت مفيش كلام، حضري نفسك."
خرجت من الأوضة بنفس الحدة اللي دخلت بيها، وسابت سالي قاعدة مكانها مش فاهمه هيا مالها وفي ايه، وليه القرار ده.

بعد كان يوم مثلا
سالي كانت قاعدة في أوضتها بتحاول تتصرف علشان تفضل في مصر اطول فتره ممكنه، لازم الاول تحل اللغز اللي شاغلها من سنين، وبعدها ممكن تسافر، فونها رن فردت بلهفه
" الو؟ ايه الاخبار؟ عرفت حاجه"
جه الصوت من الناحيه التانيه هادي
" البنات مفيش ليهم اي اثر، اختفوا"
سالي سألت باستغراب 
"إيه؟ إزاي يعني اختفوا؟!"
قال
"محدش يعرف هما راحوا فين، وأهاليهم فتحوا محاضر، لكن الغريب إن المحاضر دي اتقفلت بسرعه، بس لسه محدش يعرف حاجه عنهم، وكأن مكانش ليهم أي وجود"
سالي مسكت الموبايل بأيدين بتترعش وقالت
"يعني مش هتعرف نوصلهم، أو نعرف ايه حصلهم؟!"
قالها بهدوء
" معتقدش، مفيش اي حاجه ممكن توصلك بالبنات لاني زي ما قولت، اختفوا"
قالت وهيا بتحاول تكون هاديه 
" تمام، شكرا يا احمد"
قفلت معاه ورنت على فريده بس فونها لسه مقفول، بس هيا عايزه توصلها، توصلها ازاي لازم تعرفها علشان يتحركوا وميضيعوش وقت، لازم تتحرك ويشوفوا هيعملوا ايه، بس لسه في فكره في دماغها بتخططلها من كتير

تاني يوم
سالي قعدت تترقب لحظة خروج صابرين من البيت، أول ما شافت عربيتها بتبعد عن البوابة، قامت بسرعة وراحت على أوضة باباها.
دخلت بهدوء، قربت منه وهي بتقول بصوت حنون
"بابا، يا رب تكون أحسن النهارده."
قعدت جنبه ومسكت إيده وبصتله بتركيز
"بص، أنا هركب لك الجهاز ده تحت صباعك، وهسألك شوية أسئله، يمكن تكون عارف الإجابة، لو الإجابة آه اضغط مرة، ولو لاء اضغط مرتين، بس هضطر أشيل الجهاز بعدين، عشان ماما متاخدش بالها إني بحاول أعالجك طبيعي."
طلعت الجهاز وركبته تحت صباعه برفق وهي عينها عليه.
"حرك صباعك يا بابا لو سامعني."
حرك صباعه وضغط مره واحده
سالي حست براحه وقالت
"الحمد لله"
سالي خدت نفس عميق وهيا بتحاول تجمع كل الأسئلة اللي مخزّناها من فترة.
بصتله وقالت بهدوء وهي بتحاول تسيطر على صوتها
"بابا... إنت تعرف ماما ليه مانعة أي بنت تدخل البيت؟"
ضغط مره واحده
سالي قالت بسرعه
"تيم السبب؟"
ضغط مرة واحدة تاني.
سكتت لحظه وبعدين سألته بهدوء وهيا أدركت أنه عارف كتير اوي 
"تعرف البنات اللي دخلوا هنا قبل كده اختفوا فين؟"
ضغط مرة واحده، الأمل بدأ يدب في قلبها 
سألت
"ماتوا طيب؟"
ضغط مرة واحده
الصدمة بدأت تكبر جواها...إزاي؟ وليه؟
سألته تاني وهيا نفسها أنه ينفى اسألتها الجايه 
"طب مين اللي موتهم… تيم؟"
ضغط مرتين، اتنفست براحه وبعدين سألت تاني
"ماما؟"
ضغط مرة واحده بس هيا سألته تاني 
" ماما اللي قتلتهم؟!"
ضغط مره واحده، اتجمدت مكانها وحسن بصدمه حقيقيه
"مش معقووول..."
سكتت ثواني تحاول تستوعب، وبعدين قالت بصوت مبحوح
"بس ليه؟ وإزاي؟ إيه السبب يعني... بابا، تعرف؟"
ضغط مرة واحدة.
دموعها لمعت وهيا بتسأله
"طب...عملت فيهم إيه؟ وليه أصلاً؟ إيه السبب؟"
فضلت لحظة ساكتة وبعدين قالت بنبرة شبه مرتجفة
"طب، تيم يعرف السبب اللي قتلت البنات دول بيه؟"
ضغط مرتين، شهقت وقالت
"إزاي؟... تيم يعرف كل حاجة عنها إزاي يا بابا؟"
بصتله بحيره وهيا بتقول
"وأنت... إزاي عرفت كل ده أصلاً؟"
سالي حست انها فتحت باب جهنم ومش هتقدر تقفله، بصتله وقالت بصوت متوتر
"ليه ماما تعمل كده؟ أنا عايزة أعرف، البنات دول أذوها طيب؟"
ضغط مرتين، سالي اتنهدت بسرعة وقالت 
"طب ليه تعمل كده يعني؟ ليه تقتلهم... وإزاي؟ وليه البنات دول مدوروش عليهم كفاية وطنشوهم، معقول وراها ناس كبيرة وبتشتغل تبعهم؟"
ضغط مرة واحدة.
سالي شهقت بصوت مسموع، لسه بتحاول تستوعب الكلام، دماغها بتلف بصدمه وحست أن دماغها كبيره، ازاي، فجأه الباب اتفتح بقوه ودخلت صابرين بخطوات سريعه....
صابرين دخلت الأوضه وخطواتها كانت سريعه، ملامحها كلها غضب، عينيها بتلمع بحده وهي بتبص لسالي، صوتها كان حاد وقاطع
"إنتي بتعملي ايه يا سالي؟!"
سالي اتجمدت مكانها، دقات قلبها بقت عاليه، بلعت ريقها وبصت لمامتها بخوف ممزوج بدهشه وهيا بتحاول تخبي ارتباكها
"ماما... كنت بس... بتطمن على بابا."
صابرين قربت منها بخطوات تقيله، صوتها واطي بس فيه تهديد واضح
"بتطمني؟ ولا بتحاولي تعرفي حاجات مش من حقك تعرفيها؟"
سالي حاولت تمسك أعصابها، وقفت قدامها وقالت
"أنا بس كنت بسأله شوية أسئله عشان أفهم."
صابرين ضحكت ضحكه قصيره ساخره وقالت وهي بتقرب أكتر
"تفهمي إيه يا سالي؟! في حاجات لو عرفتيها مش هتعيشي مرتاحه بعدها ولا حتى هتعرفي تنامي."
سالي حسّت برعشه في جسمها بس تجاهلتها وقالت بصوت ضعيف لكن مُصِر
"بس أنا ليا حق أعرف لو الموضوع فيه أرواح ناس راحت!"
صابرين سكتت لحظه، عينيها بقت أعمق وأبرد وبعدها قالت ببرود مخيف
"إنتي ملكيش دعوه أصلاً، وأنا حذرتك كتير متتدخليش في اللي ميخصكيش، كده ارتاحتي يعني؟ مفكراني هسكت؟"
سالي ردّت وهي بتحاول تسيطر على صوتها
"كان لازم أفهم، بس ياريتني ما حاولت."
صابرين رفعت حاجبها وقالت بحده
"مكنتش عايزة أوريكي وشي التاني، بس إنتي مصممه يبقى استحملي، لأني مش هستحمل اي حاجه تحصل بعد كل ده بسببك"
سالي قلبها دق اسرع، اتأكدت من شكوكها دلوقتي، صابرين مدّت إيديها بسرعه وشالت الجهاز من على إيد باباها وبصتلها بنظره باردة كأنها بتقطع بيها الأمل الأخير وقالت بنبره تقيله
"كل حاجة ليها تمن ولازم يتدفع."
سالي فضلت واقفة مكانها، مش فاهمه قصدها ايه وايه التمن اللي بتتكلم عنه ده بملامحها الجامده.
صابرين اتحركت بخطوات هاديه وهيا بتزق كرسي جوزها، وقفت عند الباب، قفلته بالمفتاح وهي بتقول
"واضح إني لازم أراقبك شويه، لحد ما عقلك يهدى."
سالي اتجمدت مكانها وقالت بخوف
"إنتي، إنتي بتعملي إيه؟"
صابرين قالت ببرود من ورا الباب
"مش هطلعك من هنا غير لما أتأكد إنك فهمتي حدودك، وإنك مش هتحاولي تلعبي بالنار تاني."
سالي خبطت على الباب جامد وهيا بتقول
"ماما، ده حبس! إنتي فاهمه إنك كده بتثبتّي كل اللي كنت شاكّه فيه؟"
صابرين ابتسمت ابتسامه صغيرة فيها غموض 
" انتي اللي اختارتي تشوفي وشي التاني، حذرتك اكتر من مره"
سكتت لحظه وبعدين قالت بتحذير
"اعتبريها فرصة تفكري، إنتي عايزه تكمّلي ولا تنسي اللي سمعتيه."
مشيت وسابت سالي واقفه بتلف حوالين نفسها، قعدت على السرير وهيا بتفكر، اللي جاي صعب.

عند حسام
كان قاعد قدام اللابتوب، بيكتب شوية ملاحظات في ملفات الشغل، وتيم واقف جنبه بيشرحله حاجه، تيم وهو بيتكلم لاحظ أن حسام مش بيرد ولا حتى بيبصله، نبهه وهو بيقول باستغراب
"بكلمك بقالى ساعه، فينك؟"
حسام رفع عينه بعد ما فاق من شروده وقال
"ها؟ نعم؟ في حاجه؟"
تيم عقد حواجبه وقال
"أيوه، بكلمك في شغل، وانت ولا هنا، إيه الحكايه؟"
حسام حاول يتصنع اللامبالاه
"مفيش، فكك، متشغلش بالك."
تيم فضل ساكت ثواني وهو مركز في ملامحه وبعدين قال
"بص، لو مش قادر تركز النهارده نأجل عادي، مفيش مشكله."
حسام هز راسه
"مش كده، أنا بس متوتر شويه."
تيم قال وهو بيحاول يفهم
"ومتوتر ليه بقى؟ ايه اللي يوتر؟"
حسام اخد نفس عميق وقال
"فريده راجعه بكره، واليوم اللي بعده هنروح نطلبها رسمي."
الكلام نزل على تيم زي الصاعقه، وملامحه اتجمدت كأن الوقت وقف عند الجمله دي، هو كان متوقع إن ده هيحصل عاجلا أو آجلا، لكن سماعها كحقيقه مؤكده، حس بيها وكأنها طعنه هاديه في مكان حساس، حاول يسيطر على تعابيره بسرعه ويرجع هدوءه، بس أثر الصدمه كان واضح، حتى في طريقة تنفسه البطيئه ونظراته اللي سرحت للحظه قبل ما يرد
"اممم، ي...يعني...مش هتيجي يعني بكره؟!"
حسام ابتسم بخفه وقال
"بكره هشوفها فمحتاج أخرج بدري شويه، مش جاي بعد بكره، بقالي ٨ أيام اصلا مشوفتهاش، ومش بعرف أكلمها كتير لأن فونها مقفول دايمًا"
تيم أومأ بهدوء وكأنه بيحاول يقفل أي مدخل للكلام أكتر
"عموماً مبروك."
وبسرعه قال قبل ما حسام يرد
"خلينا نأجل الشغل دلوقتي لبعدين."
ومن غير ما يدي فرصه لحسام يرد، لف وخد ملف من على المكتب وخرج من عنده بخطوات ثابته، وقف لحظه في الكوريدور، مسك الملف بإيده جامد وعينيه شاخصه في الأرض، اخد نفس طويل ومشي لحد ما وصل لمكتبه، قعد على الكرسي ورمى الملف قدامه، مد إيده لازازة المايه وصب شويه على رقبته يمكن تهدي من السخونه اللي حس بيها، شد نفسه وقام وقف فجأه، فتح الشباك يتنفس هوا نضيف، بس حس ان الهوا سخن وتقيل، رجع يقفل الشباك بهدوء، قعد على الكرسي واخد اللابتوب وحطه قدامه، فتح أي ملف عشوائي يمكن يشغل نفسه بس برضه حس أنه مش قادر يركز.

عند محمد
كان واقف قدام مامته في الصاله، صوته هادي لكن باين فيه القهر
"ماما، عشان خاطري، لو تقدري تطلعي فوق، الموضوع هيكون أسهل علينا كلنا."
بصتله بحده وقالت بلهجة رفض قاطعه
"مستحيل، قولتلك متفتحش الموضوع ده تاني، خليها كده بعيد عننا احسن، ياخي انا معرفش مين اللي قدر يستحملها عنده اصلا، عايز ترجعها كمان على قفانا"
محمد حاول يهديها
"يا ماما بالله عليكي، انا مش هقدر اسيبها، انا بحبها عشان خاطري متحاوليش تبعدي بينا، فيها ايه لو طلعتي فوق، فوق احلى اصلا"
رفعت صوتها
"ده بيتي، ومش هسيبه عشانها."
قرب منها وقال برجاء
"أنا بتحايل عليكي بقالي كتير، بلاش تخربي حياتنا."
امه قطعت كلامه بعصبيه
"اطلعوا إنتوا فوق، ولا الهانم مش عاجبها الشقه اللي أختها كانت هتعيش فيها؟"
محمد اتنفس بعمق وحاول يسيطر على أعصابه
"اللي حصل حصل، المهم دلوقتي تطلعوا فوق."
هزت راسها بإصرار
"انسى الموضوع، مش هيحصل، ولو عايز هجوزك أحلى منها 100 مره."
رد بحسم
"مش عايز حد غيرها، عايزها هيا بس"
بصتله ببرود وقالت
"كلامي خلص، بلاش تفتح الموضوع تاني."
محمد بص بعيد وقال
"أنا كده هضطر أمشي من هنا انا كمان ونعيش بعيد زي ما كنا، ده هيرضيكي؟؟"
قالت بسخريه
"وهتعيش منين يا حسر؟"
قال بثقه
"هبيع أرض بابا وأجيب بيها شقه وافرشها."
شهقت بصدمه
"إنت بتقول إيه؟ إنت عندك شقه أصلاً فوق، كل ده عشان المعدّله؟"
رد
"وفيها إيه لو طلعتي إنتي فوق؟ هتفرق معاكي يعني؟"
قالت بحده قاطعه
"أنا مسيبش شقتي أبداً، أنهي الحوار، عشان مش هينفع أبداً، أنا بقولك اهو"
قامت وقفت وقالت وهيا بتعدي جنبه
" وسعلي كده كتك نيله"

عند يسر 
كانت قاعده في اوضتها وسرحانه، بتفكر اخر مره شافت فيها يونس، كانت امبارح، كانت خارجه من باب المستشفى بعد شيفت الطويل، التعب باين على ملامحها، وفجأه لقته قدامها زي كل يوم وكأنه بقا مزاج عنده ييجي يوميا، سألت نفسها هو عايز منها ايه وليه مش راضي يسيبها في حالها، امبارح حاول يتكلم معاها بجديه على غير العاده بس هيا سابته ومشيت، بالرغم من أنه طلب منها يتكلم معاها بس دقيقه بس هيا صدته وركبت اول اوبر قابلها ومشيت.
فتحت فونها وبصت على الساعه، انهارده حست اليوم غريب، لأن على غير العاده هو مظهرش خالص انهارده، مفيش اي حاجه ظهرت منه ولا حتى رساله، ورغم إنها دايمًا كانت بتشوف إصراره إزعاج، إلا إن الغياب المفاجئ عمل فراغ غريب، كأنها فقدت صوت كانت متعوده ترفضه، لكنه حاضر طول الوقت.
سندت ضهرها على السرير وغمضت عينيها بس صورته ظهرت قدامها، مش قادره تمنع نفسها من السؤال عنه، وليه مجاش انهارده، وليه كان جدي اوي امبارح على غير العاده، يمكن زهق انها مش متقبلاه ومش هيظهر تاني، حاولت تخرجه من دماغها بس غصب عنها حاسه بقلق، فتحت فونها وكانت عايزه تبعتله تتطمن عليه بس اتراجعت في آخر لحظه وحدفت فونها بعيد، نامت وشدت الغطا عليها جامد وهيا بتحاول تخرجه من دماغها.

تاني يوم
حسام كان واقف قدام المرايه في أوضته، بيريط كرافتته وبيظبط شعره بعنايه، باب الأوضة اتفتح بهدوء ودخلت والدته، عينيها بتلمع بفضول وهي بتسأله
"رايح فين؟"
قال بابتسامه خفيفه 
"عند فريده."
بان على ملامحها لمحة ضيق خفيفه وقالت
"برضو مقتنع بيها؟"
حسام بصلها وصوته مليان حسم
"أول مرة أكون بتمنى حد كده، أنا مش بس مقتنع بيها، أنا مش عايز غيرها حتى لو هي مش موجوده غير في خيالي بس، ده مكفيني"
والدته رفعت حواجبها بدهشه وقالت
"أول مرة بنت تدخل دماغك كده."
ابتسم وعدّل كلامها
"أول مرة بنت تدخل دماغي أصلًا."
حاولت تغيّر الموضوع وقالت بنبره خفيفه
"بس ريم مالها؟ على الأقل مننا"
بان على وشه الضيق وقال بسرعه
"بلاش بقى السيره دي، هيا فريده وبس، سرقت قلبي من أول مرة شوفتها فيها ومش متخيل حياتي من غيرها، ومتنسيش بكرة هنروح نطلبها."
ابتسمت ابتسامه دافيه وقالت وهيا بتحاول متبينش قلقها الداخلي
"ربنا يوفقك يا حبيبي."

في نفس الوقت، كانت فريده في أوضتها، بتجهز نفسها بعد ما فضت شنطتها، لما خلصت نزلت بهدوء تحت في الصالون، كان إسلام واقف بيتكلم في الفون، اول ما خلص قربت منه وقالت بابتسامه خفيفه
"حسام جاي بعد شويه."
إسلام بصلها وسألها بنبره هاديه
"لوحده، صح؟"
هزّت راسها وهي بتقول
"آه، قال هييجي شويه ويمشي علطول، مش هيطوّل، وبكره هييجي مع أهله"
اسلام رد بسرعه 
"طيب، عرفي ماما."
ابتسمت وقالت
"عديت عليها قبل ما أنزل وقولتلها."
إسلام أومأ برأسه
"طيب، تمام."

عند سالي
الباب اتفتح ببطء وظهر سليمان وهو داخل شايل صنيه فيها اكل، حطّه على ترابيزه صغيره قدام سالي، سالي قالت بصوت متوتر مليان انفعال
"فين ماما؟ قولها تخرجني من هنا، مينفعش اللي هي بتعمله ده."
سليمان هز راسه بهدوء وقال
"مش هتخرجك من هنا غير على الطياره على طول."
سالي علت صوتها شويه وهيا بتقول باحباط
"بس اللي هي بتعمله ده مينفعش، هي كده فاكره إنها بتسكتني."
سليمان بصلها بنظره جديه، وكأنه بيحاول يقنعها بالعقل
"لازم تسكتي، إنتي لو اتكلمتي هتكوني بتأذيها وبتأذي نفسك، فكري في ابنك."
سالي قالت بغضب
"ابني اللي لحد دلوقتي مشفتوش من امبارح؟! وفوني اللي خدته مني؟!!دي أم دي؟"
قبل ما يرد، الباب اتفتح فجأه وظهرت صابرين، بصت لسليمان وقالت بحزم
"اطلع إنت، وسيبني مع بنتي شويه."
سليمان سكت وخرج من غير ولا كلمه وقفل الباب وراه
صابرين اتقدمت خطوتين وقالت بحده
"عاجبك كده؟"
سالي رفعت راسها، عينها مليانه تحدي
"إنتي اللي عاجبك اللي بتعمليه، أنا بجد شاكه إنك ممكن تكوني أمي أصلاً."
صابرين ظهر على وشها خليط من الغضب والأسف
"ياما حذرتك، ياريتني مكنتش دخلتك البيت إنتي كمان وكنت منعت دخولك، كنتي عايشة زيك زي يونس، ليه اخترتي تكوني زي تيم؟ بس تيم ضمنت إنه ممكن يضحي بنفسه عشاني، عشان أمه، لكن إنتي يا سالي، هتكشفي كل حاجة خبيتها السنين اللي فاتت، وهتفتحي حاجات ما صدقت إنها اتقفلت."
سالي متهزتش، ردت بسرعه
"أنا لا تيم ولا حتى يونس، وهعمل اللي شايفاه مناسب، إنتي واحدة مجرمة وبتداري على إجرامك، بس أنا مش هقدر أشاركك في جريمتك دي."
صابرين لفت تخرج من الأوضه وهيا بتقول
"خلاص، يبقى هتفضلي هنا كمان شويه لحد ما تعقلي."
سالي قالت بصوت مليان مراره
"وهتفضلي حابسان؟ ولا هتقتليني؟ هييجي يوم وكل حاجه هتتكشف؟ حتى لو مش مني."
صابرين معلقتش، اكتفت انها تفتح الباب وتخرج.

عند يسر
كانت واقفه في آخر ساعه من شيفت شغلها، بتراجع ملفات المرضى وهيا كل شويه تبص على الموبايل، يمكن تلاقي رساله زي ما بيبعت يوميا وهيا بتطنشها، قربت تخلص شغلها وهو لسه مظهرش، قالت في نفسها ممكن يظهر لما تخلص، يمكن تقابله بره.
خلصت الشغل وخرجت من المستشفى، يمكن تشوفه دلوقتي، خطواتها بقت أبطأ، وعينيها بتدور يمين وشمال، بس النتيجه واحده مش موجود، حست بإحساس غريب، مزيج من القلق والاستغراب، وكأن غيابه النهارده كمان مش مجرد صدفه، بل حاجه أكبر، وكأنه من الأساس مكانش موجود في حياتها.
الجرس رن وفريده فتحت بسرعه، لقت حسام واقف قدامها بابتسامه واسعه، في ايديه بوكيه ورد كبير وشنطه صغيره شكلها شيك.
أول ما عينيه وقعت عليها، ابتسامته وسعت من الانبهار كأنه بيشوفها لأول مره وبنفس النظره.
رحبت بيه بابتسامه دافيه، فتحتله الطريق يدخل
"اتفضل يا حسام"
ابتسم وقال بصوت هادي لكنه مبحوح شويه
"وحشتيني"
مدّلها البوكيه، صوابعهم لمست بعض للحظه خلت قلبها يخفق وقالت بتوتر
" ميرسي"
اداها الشنطه وهيا سألت
"إيه ده؟"
ابتسم بخفه
" لما تفتحيها هتعرفي"
دخل بخطوات واثقه بس قلبه بيدق بسرعه.
إسلام كان مستني، عينيه بتتحرك بين الورد اللي في إيد فريده وملامحها، وبين ملامح حسام اللي واضحه جدًا إنه جاي عشانها وبس، كانت نظرته ثابته، شبه عدائيه، كان بيمسح حسام مسح، من أقل حاجه لأكبر حاجه.
فريدة قالت بابتسامه
"ده حسام، وده اسلام يا حسام"
إسلام بصله بنظره فاحصه، المصافحه كانت قويه، وبعدها قاله 
" اتفضل اقعد" 
حسام قعد قدامه وإسلام قعد بهدوء، جسمه مايل لقدام شويه كأنه بيحضر نفسه للجوله دي، حسام قاعد قصاده بثقه والجو هادي جدا، فريده انسحبت بهدوء.
إسلام قال بابتسامة هاديه
"أول مره تيجي هنا صح؟"
حسام هز راسه
"حضرت خطوبتك هنا، بس فعليا دي اول مره ومش الاخيره إن شاء الله"
اسلام سأله
"واضح إنك بتحبها فعلا وده انا حسيته، من زمان ولا من قريب؟"
حسام متأخرش في الرد
"من أول يوم شوفتها فيه، وقتها كانت بتتابع مع يونس في البيت وكنت هناك وشوفتها، في الاول كنا زمايل عادي لحد ما عرضت عليها الموضوع، وهيا فكرت فتره وبعدها وافقت"
إسلام فضّل يبصله لحظات من غير ما يرد، كأنّه بيقيّم صدق كلامه، وبعدين قال بنبره هاديه
"بس مش كان المفروض تكلمني أنا الأول، يبقى الكلام بين رجاله، كان لازم تحطني في الصوره"
حسام متهزش، رد بثبات وهو محافظ على التواصل البصري
"عندك حق طبعا، بس كان لازم الأول أعرف إذا كانت هي موافقة ولا لاء، أكيد مش هحط نفسي في موقف محرج لو هي مكانتش عايزاني، واديني قدامك اهو لما هيا وافقت، يعني نيتي بقت واضحه"
إسلام شبك صوابعه قدامه، رفع حاجبه كأنه بيقيس جدّيته وقال
"وعارف إن الارتباط بيها مش سهل، هيا ليها طبيعتها ومبادئها وممكن متكونش عاجباك، مستعد لده؟"
حسام قال بابتسامه واثقه
"لو كنت مش مستعد، مكنتش جيت، أنا مش بس عارف طبيعتها، أنا بحبها عشان طبيعتها دي."
إسلام سأله
"وإيه اللي مخليك متأكد إنك الشخص المناسب ليها؟"
حسام أخد نفس وقال بثبات
"مش متأكد طبعا، بس هفضل أحاول كل يوم أكون الشخص اللي تستحقه."
إسلام أخد لحظة صمت، وبعدين قال وهو بيعدل قعدته
"تمام، الأيام هي اللي هتثبت."
حسام اكتفى بابتسامه خفيفه، وكأنه قابل التحدي من غير ما يتكلم.
إسلام سأله بعد فترة صمت
"شغلك بياخد وقتك كله ولا عندك وقت لنفسك برضه؟"
حسام قال 
"بياخد وقت كتير اكيد، بس كل حاجه وليها وقتها، الشغل ليه وقت، حياتي ليها وقت، كل حاجه ليها وقت"
ابتسامه صغيره ظهرت على وش إسلام بس كمل
"أهلك، كلهم هنا في القاهره؟"
حسام هز راسه
"أيوه، أهلي هنا، احنا اصلا مش عيله كبيره، انا وماما وبابا، منفصلين شويه عن العيله يعني بس كلنا في القاهره"
إسلام سكت لحظه، بيبصله بنظره فيها تقدير واعجاب
"واضح إنك مرتب أولوياتك كويس، وعندك ثقه في نفسك"
كان حسام لسه بيجهز نفسه يرد على إسلام، لكن قبل ما ينطق، ظهرت فريده شايله صنيه عليها كوبايات عصير، فضل باصصلها وهيا جايه وحتى حركة إيديه اللي كانت مرفوعه للتعبير اتجمدت.
وقفت قدامه، قربت الصنيه شويه وقالت بابتسامه خفيفه
"اتفضل."
فاق من شروده، مد إيده وأخد الكوبايه، ابتسم وقال بصوت واطي 
"شكراً."
ردت بهدوء 
"بالهنا."
بعدها راحت لإسلام ادته كوبايته وقعدت.
لحظه وسمعوا صوت خطوات نازله على السلم، وإيناس ظهرت بابتسامه رحبه
"إزيك يا حسام، عامل إيه؟"
وقف فوراً، مد إيده يسلم عليها بنبره محترمه وثابته
"الحمد لله بخير، إزي حضرتك؟"
ابتسمت
"الحمد لله، نوّرت."
رد بابتسامة أعمق
"منوره بوجودك."
إيناس قعدت، وإسلام اكتفى بابتسامه صغيره وهو بيراقبه كويس.

عند تيم
كان قاعد على طرف سريره، ضهره محني شويه وهو ماسك اسورة فريده في ايديه، بيلفها بين صوابعه كأنه بيحاول يحفظ ملمسها في ذاكرته، الشرود كان واخده بعيد، ملامحه ساكنه بس جواه عاصفه، لحد ما صوت خبط خفيف على الباب رجّعه للواقع.
بسرعه حط الاسوره في الدرج جنبه وعدل قعدته.
صابرين دخلت بخطوات هاديه، وقفت قدامه وقالت
"تيم؟"
رفع عينه ليها بهدوء وقال
"نعم."
سألته وهي بتبص حوالين الأوضه
"انت جيت إمتى؟ واتأخرت ليه؟"
رد وهو بيحاول يخلي صوته عادي
"حسام خرج بدري انهارده فكملت لوحدي."
رفعت حواجبها باستغراب وسألت
"وليه خرج بدري؟"
تيم اتأخر في الرد لحظه وبعدين قال
"قال رايح مشوار مهم."
صابرين خطت خطوه ناحيته، نظرتها بقت أعمق
"عرفت إنه هيتجوز فريده؟"
تيم سكت ثانيه وقال بهدوء مزيف 
"عرفت."
صابرين تابعت وهي كأنها بتحاول تضغط على جرحه
"وهيا وافقت عليه، مش كل حد يعجبنا بيعجب بينا، هيا حسام عجبها فاختارته وخلاص، جوازهم مسألة وقت."
تيم وشه اتقفل أكتر، صوته جه جاف وهيا بيقول
"بلاش تتكلمي في الموضوع ده."
قالت وهي بترفع إيدها كأنها بتهدي الموقف
"أنا بس بعرفك إن مش دايمًا مشاعرنا صح، ساعات لازم ندوس على مشاعرنا."
تيم اكتفى بكلمه قصيره
"تمام، فهمت."
صابرين قالت وهي بتتحرك ناحية الباب
"هروح لإيناس، انت عارف بقالي كتير مش بشوفها."
تيم هز راسه وقال
"تمام."

عند فريده 
الوقت عدى بهدوء، الكلام كان بسيط بين الكل، بعد فتره صغيره حسام بص في ساعته وقال بابتسامه مهذبه
"أنا مش هقدر اطوّل أكتر من كده، كنت جاي أتطمن على فريده "
إيناس قالت بلطف
"تيجي في أي وقت يا حبيبي، البيت بيتك."
حسام قال 
" تسلمي "
وقف حسام، سلّم على إسلام وإيناس، وبص لفريده نظره سريعه قبل ما يقول
"استأذن أنا."
فريده مشيت من غير ما تتكلم، ومشيت معاه لحد الباب، وصلته لحد بره، قبل ما يكمل وقف وبصلها بابتسامه خفيفه، صوته كان هادي وهو بيقول
"أنا يومي بقا أحلى من ساعة ما شوفتك، انتي وجودك بيغير يومي"
خدت نفس عميق، وردت بتوتر لطيف
"ربنا يخليك."
ضحك بخفه كأنه اكتفى من ردها وقال
"تصبحي على خير يا فريده."
همست وهي بتبص في الأرض
"وأنت من أهله."
خرج، وهيا فضلت واقفه متابعاه بعينيها لحد ما اختفي من قدامها.
طلعت اوضتها ورنت على سالي بس فونها مقفول من الصبح، بعد لحظات سمعت الجرس بيرن وعرفت إن صابرين جت، نزلت بسرعه وهيا متوقعه أن سالي تكون معاها بس لقتها لوحدها، أول ما شافتها ابتسمت وسلّمت عليها وبعدها قعدت وقالت باهتمام
"هيا سالي فين؟ برن عليها من الصبح ومش بترد."
صابرين ردت ببساطه
"مشغوله، بتجهز نفسها عشان تسافر لجوزها."
فريده استغربت وقالت بعد لحظه
"أنا رنيت عليها كتير، بس فونها مقفول."
صابرين هزت كتفها وقالت بهدوء
"زي ما قولتلك، مشغوله ومش فاضيه خالص."
فريده سكتت وبعد لحظات انسحبت بهدوء من الصاله وطلعت أوضتها، أول ما قفلت الباب مسكت فونها وحاولت ترن على سالي تاني بس لسه الخط مقفول، زفرت بضيق وقررت تتصل بيونس تتأكد من كلام صابرين.
رنت عليه ورد بعد لحظات
" فريده؟ اخيرا رجعتي؟!"
فريده ابتسمت بخفه وقالت
"اممم، رجعت الصبح، فينك كده؟"
رد
"سهران مع صحابي، حاسك عايزاني في مصلحه."
قالت وهي بتحاول تطنش تعليقه
"أنا بحسبك في البيت، كنت عايزه أكلم سالي بس فونها مقفول."
يونس رد بسرعه
"أنا راجع البيت بعد ساعه مثلا، بس ممكن ارجع الاقيها نامت، وبعدين بقالي يومين مش بشوفها أساسا لاني برجع بالليل متأخر"
فريده قالت بقلق 
"أنا محتاجه أكلمها ضروري يا يونس"
قال باقتراح
"طب ما تكلّمي تيم، تيم في البيت."
فريدة قاطعته بسرعه
"لا لا، لما ترجع إنت ابقى خليها تكلمني."
قال باستغراب
"طب يا بنتي لو محتاجاها رني لتيم، أنا احتمال ارجع متأخر."
ردت وهي بتحاول تمسك أعصابها
"طب ما تبطّل صياعه وترجع بدري."
ضحك وقال
"أرجع أعمل إيه إنتي كمان، مفيش أحلى من الصياعه"
هزت راسها وقالت
"ربنا يعينك على دماغك دي والله."
سكتت لحظه وبعدين قالت
" هيا سالي مسافره؟!"
قال باستغراب 
"مسافره؟ مين قال؟"
قالت
" مامتك هي اللي قالت، هيا موجوده دلوقتي وسألتها عن سالي قالتلي انها مشغوله عشان هتسافر"
قال باندهاش
"هتسافر إمتى؟ إزاي محدش قالي؟"
قالت وهي بتتنفس ببطء
"أنا معرفش أصلاً إنك مش عارف."
رد بسرعه
"لاء، اقفلي أشوف الحوار ده بقا"
قالت بهدوء
"ابقا كلمني متنساش"

يونس قفل معاها بسرعه وهو بيفكر في كلامها، قام وقف وساب سهرته مع أصحابه وخلع، وصل البيت بسرعه، أول ما دخل، راح على أوضة سالي بس لقا ياسين نايم لوحده في السرير، دخل نادى بصوت واطي
"سالي؟"
بس مفيش رد، خرج من الأوضه وبدأ يدور عليها في البيت، صوته بيعلى تدريجياً
"سالي! سالي!"
فجأه لقا سليمان قدامه بيسأله لو محتاج حاجه
يونس سأله
"فين سالي؟"
سليمان رد بسرعه
"راحت مع صابرين هانم مشوار."
يونس ضيق عينيه وقال
"راحت فين معاها يعني؟"
سليمان قال بثبات مفتعل
"عند أخت صابرين هانم."
يونس فهم فوراً إنه بيكذب، قلبه بدأ يدق أسرع، رفع صوته فجأه وهو بينادي
"سالي! سالي!"
سالي كانت قاعده على السرير، حاطه راسها بين أيديها، لما حست انها سمعت صوت يونس، وقفت ورا الباب وقالت بصوت عالي
"يونس! يونس أنا هنا! يونس!"
يونس جري ناحية الصوت بسرعه، وصل للباب وقال وهو بيخبط عليه
"سالي! افتحي، إنتي هنا بتعملي إيه؟"
ردت بصوت مضطرب
"يونس، أنا محبوسه هنا... افتحلي!"
في اللحظه دي، تيم خرج من أوضته على صوتهم العالي وراح يشوف إيه اللي بيحصل.
يونس، وهو مش قادر يستوعب سألها
"إزاي يعني يا سالي؟"
قالت وهي واقفه ورا الباب
"والله مش عارفه أخرج."
تيم قرب منه وسأل باستغراب
"في إيه؟"
يونس بصله وقال
"مش عارف، بتقولك محبوسه!"
تيم رفع حاجبه وقال
"مَحبوسه؟ إزاي يعني؟"
سالي قالت بلهفه
"هتفضلوا تتكلموا؟ افتحولي!"
يونس حاول يفتح الباب، شد المقبض أكتر من مره بس مفيش فايده
صوتها بدأ يرتجف
"حاول يا يونس، عشان خاطري، أنا لازم أخرج!"
يونس قال وهو بيحاول يفهم
"أنا مش فاهم أصلاً، إزاي محبوسه؟ الباب اتقفل عليكي يعني، ولا حد قفله وهو مش واخد باله إنك جوه؟"
تيم فجأه بص على سليمان اللي كان واقف على جنب وقاله بحده
"هات مفتاح الأوضه"
سليمان رد ببرود
"المفتاح مع صابرين هانم بس."
يونس قال بغضب
"إزاي يعني؟ وليه قافلين عليها؟"
تيم قال بحزم
" يبقى الحل الوحيد نكسر الباب."
يونس رفع إيده وقال
"أنا عضمي فاصل تكه ويفصل من بعضه بسبب الحوادث، مش هعرف اكسر حاجه"
تيم قال بسرعه
"طيب ابعد شوية إنت كده."
يونس رجع خطوتين، وتيم بدأ يزق الباب بكل قوته لحد ما أخيراً القفل استسلم والباب اتفتح.
سالي خرجت بره الأوضه بسرعه، انفاسها متلاحقه ووشها باين عليه الرعب.
يونس قال وهو مش فاهم حاجه
" سالي… إيه حكاية إنك محبوسه دي ؟"
مردتش، عدّت من جنبه بخطوات سريعه وهي بتسأل بلهفه
"ياسين فين؟"
تيم ويونس لحقوها لحد الاوضه، فتحت الباب بسرعه، لقت ابنها نايم، جريت عليه، حضنته بإيدين مرتعشه، ياسين فتح عيونه وهو مش مستوعب حاجه.
همستله وهي بتحاول تهديه عشان ميتخضش
"أنا هنا يا حبيبي متخافش، إحنا هنمشي من هنا"
يونس سألها بحده
" في إيه يا سالي؟ هتمشي فين؟ ومحبوسه إزاي؟ فهميني عشان متجننش"
سالي قالت بعد ما جابت شنطتها وفتحت الدولاب تلم حاجاتها
"مش هقدر أشرح دلوقتي، لازم أخرج من البيت حالًا"
تيم اتقدم ناحيتها وقال باستغراب
"تمشي فين؟! إنتي مجنونه؟ وبعدين كنتي بتعملي إيه في أوضة بابا؟ وهو فين؟ وليه بتقولي محبوسه؟"
سالي رفعت عينيها بثبات وقالت
" انت الوحيد اللي هتصدق إن أمك حبستني"
يونس ضيق حواجبه وقال بدهشه
" حبستك؟! وماما تعمل كده ليه؟"
قالت ببرود ظاهر فوق غضبها
" عشان عرفت السبب اللي مخليها مش بتدخل أي بنت البيت ده"
بصت لتيم مباشرةً، صوتها جه واضح وقاطع
"علشان متتعلقش بواحده وتحبها فتستدرجك وتكون فضوليه وتخليك تقولها كل اللي تعرفه عنها، صح؟!"
تيم اتراجع خطوه بصدمه
"انتي... انتي..."
يونس اتدخل
"عرفتي إيه يا سالي؟ قولي اللي تعرفيه"
قبل ما ترد، صابرين دخلت بسرعه، ملامحها متوتره
"سالي، إنتي بتعملي إيه؟"
سالي لفتلها بحده
"أنا مليش مكان هنا... مش هقعد لحظه واحده في بيت مش آمن عليا، أنا خايفه على نفسي وعلى ابني منك"
صابرين حاولت تحافظ على هدوءها وقالت
"سالي، بطلي الكلام الفارغ ده... خدي بالك من كلامك"
سالي قاطعتها
"أنا بس بقول الحقيقه اللي كنتي بتحاولي تخبيها... أنا مقدرتش أستحمل يومين وحاسه أن دماغي هتنفجر"
بصت لتيم وقالت
" انت إزاي مستحمل؟ إزاي عايش وانت بايعلها حياتك وعمرك كله؟ حتى فريده الوحيده اللي حبتها بتضيع منك بسببها، عمرها ما هتضحي عشانك زي ما انت ضحيت عشانها، حرمتك من كل حاجه حلوه، بس أنا مش هقدر أكون زيك"
يونس كان واقف مذهول، صابرين كانت بتحاول تقطع كلامها، بس سالي كانت على وشك الانفجار.
قالت وهي بتبصلها
"مكنتش عمري أتخيل إنك...."
فجأه صابرين وقعت على الأرض مغمي عليها، تيم ويونس جريوا عليها بسرعه، صوتهم مليان قلق وهُما بينادوا عليها.......
تيم نزل على ركبته جنبها وهو بيهزها
"ماما! ماما فوقي! انتي كويسه؟! ماما؟!"
يونس مد إيده بسرعه يشيك على نبضها وقال بقلق
"نبضها ضعيف اوي"
تيم كان مركز على وش أمه، عينيه بتترعش من الخوف وهي لسه مبتستجيبش.
سالي وقفت متسمره مكانها، قلبها بيدق بسرعه، عينيها فيها خليط غريب بين الغضب والصدمه، مش قادرة تتحرك من مكانها
يونس بصلها بحده وقال
"واقفة ليه عندك؟ "
سالي أخدت نفس عميق بس فضلت واقفة مكانها كأن رجليها اتسمرت في الأرض.
تيم رفع عينه عليها بنظرة كلها غضب وتهديد وقال
" لو حصل لماما حاجه... صدقيني..."
سالي قاطعته ببرود وهي بتبصله من غير خوف
"مش أول مرة تمثل الإغماء"
تيم انفجر فيها
"إخرسي بقا!"
يونس قال بسرعه وهو متوتر
"مش وقت خناق! إحنا لازم نوديها المستشفى حالًا، نبضها بيضعف أوي"
تيم من غير تردد شالها وطلع بيها بسرعه والخوف باين على وشه.
سالي بصت لورا، لقت ياسين واقف في ركن الأوضه، ماسك طرف تيشيرته بإيديه وعينيه مليانه خوف ومش فاهم إيه اللي بيحصل.
قربت منه بسرعه، حضنته وقالت وهي بتهديه بصوت متكسر
"متخافش يا حبيبي...متخافش"
ياسين رفع عينيه ليها وسأل
"هيا تيته مالها؟"
سالي ابتسمت له ابتسامه ضعيفه وهي بتحاول تخبيه في حضنها
"كويسة يا حبيبي... متخافش"
شالته وخرجت بره، لقت تيم بيحط صابرين في العربيه ويونس وراه
تيم وقف ثواني، بصلها وقال بتهديد واضح
"سالي... لو خرجتي من البيت ده، متحلميش ترجعي تاني... اعتبرينا مش موجودين"
سالي وقفت متجمده مكانها، قلبها بيخبط جامد بس سكتت ومردتش عليه.
تيم ركب العربيه ويونس جنبه، اتحرك بسرعه بالعربيه كأنه بيصارع الزمن.

سالي دخلت وكانت متوتره جدًا ومش عارفة تعمل إيه، دورت على فونها كتير بس ملقتهوش، أخدت التاب بتاع ياسين وفتحته بسرعه، دخلت على إنستجرام وبعتت رساله لفريده، بعد لحظات لقتها بترن عليها.
ردت بسرعه
"فريده؟"
جالها صوت فريده قلقان جدًا
"سالي؟ إنتي كويسه؟"
سالي اتنهدت وقالت بصوت مهزوز
"لاء، أنا مش كويسه ولا عارفه أكون كويسه أصلًا."
فريده سألتها بلهفه
"طب قوليلي، في إيه حصل؟"
بدأت سالي تحكيلها من الأول، حكتلها عن المكالمه اللي جاتلها من الراجل اللي بلغها باختفاء البنات، وعن اللي حصل معاها في البيت، وإزاي اتفاجئت إن صابرين حبستها، ولحد اللحظه اللي صابرين وقعت فيها واتنقلت المستشفى، فريده كانت بتسمعها بزهول.
سالي كملت كلامها، صوتها فيه مراره وخوف
"بس حاسه يا فريده إنها عملت كده عشان أسكت، عشان مقولش إنها هي اللي ورا قتل البنات دول، أو إن في ناس وراها، اليومين اللي حبستني فيهم كنت بفكر في كل حاجه، ملقتش تفسير غير ده، بس لحد دلوقتي والله ما عارفه البنات دول إيه اللي حصل فيهم."
فريده ردت عليها بصدمه
"سالي، إنتي صدمتيني فعلا! بس حتى لو اللي بتقوليه صح، دي في الآخر مامتك، لازم تتطمني عليها الأول، إنتي بتقولي نقلوها المستشفى، يبقى شوفيها، وبعد ما تتطمني سافري زي ما إنتي عايزه ونقفل الموضوع."
سالي قالت بحده وصوت مكسور
"حتى لو قفلناه يا فريده، ده قـ ـتل! والقـ ـتل جريمه كبيره، هييجي يوم وهتتكشف وهيتغدر بيها زي ما غادرت بالبنات دول، بس أنا... أنا مش هقدر أكمل، أنا لازم أمشي في أسرع وقت ممكن."
فريده سكتت لحظه وبعدين قالت بهدوء
"تمام لو ده اللي هيريحك، بس روحي شوفيها الأول، شوفيها وبعدين اعملي اللي إنتي شايفاه صح، وأنا هحصلك أنا وماما دلوقتي، دي مهما كانت في الآخر مامتك."
سالي غمضت عينيها وقالت بنبره هاديه
"طيب يا فريده"

عند صابرين
دخلوها أوضة الإنعاش، تيم ويونس فضلوا واقفين قدام الباب، القلق باين على ملامحهم والدقيقه بتعدي كأنها سنه
بعد حوالي نص ساعه خرجت الدكتوره بملامح جديه جدا، تيم ويونس بصولها بلهفه وسألوها، اتنهدت وقالت
"الحقيقة الوضع مش واضح الهبوط اللي حصل شديد جدًا، والنبض ضعيف بشكل خطير، عملنا غسيل معده بس مش قادرين نحدد بالظبط ايه السبب."
يونس قال بصوت مبحوح
" يعني حالتها خطيره؟"
الدكتورة هزت راسها
"مش هقدر أقول كده بالظبط، بس المشكله إننا مش لاقيين سبب مباشر يفسر الهبوط ده، التحاليل الأوليه طلعت طبيعيه جدًا بالنسبة لسنها"
تيم قال بصوت متهدج
" يعني إيه مش عارفين السبب؟! يعني ماما ممكن يحصلها حاجه وحشه وإنتو مش عارفين إيه السبب؟!"
الدكتورة حاولت تهديه
"إحنا عملنا كل الإجراءات اللي تنقذها دلوقتي، بس لازم تفضل تحت الملاحظه كام ساعه لحد ما تفوق، عملنا تحاليل تانيه هتاخد وقت عشان نقدر نفهم برضو السبب بالتحديد"
يونس قرب خطوه وقال بقلق
" يعني هتكون كويسه؟!"
الدكتوره بصتله وقالت
"مقدرش أديكم وعود دلوقتي، بس خلوني أكون صريحه، حالتها حساسه شويه"
الكلام كان تقيل على تيم، عينيه لمعت بدموع قدر يخفيها، قعد على الكرسي وحط وشه بين إيديه، يونس وقف جنبه وهو ساكت، مش قادر ينطق، دماغه مليانه بعشرات الأسئله، عمره ما كان بيهتم بحاجه طول عمره، بس دلوقتي... كلام سالي بيرن جواه ومش راضي يخرج، بص لتيم اللي شايف حالته وعارف إن لما صابرين بالتعب هو كمان بيتعب وبيحس أنه عاجز، كان عايز يسأله ويفهم لأول مره، كان جواه ارتباك رهيب، لأول مره حاسس إنه مش مجرد شاب مدلل زي ما بيقولوا، حاسس إن في سر كبير متخبي فعلا وأن في حوار كبير جدا.

بعد اكتر من ساعه
فريده وإيناس وصلوا أخيرًا، صوت خطواتهم كان سريع، إيناس سبقت فريده بخطوتين، أول ما شافت تيم ويونس وقفت قدامهم بلهفه وقالت
"هيا فين صابرين؟ طمنوني!"
يونس بصلها وقال بتوتر
"لسه جوه، إحنا نفسنا مش عارفين، مستنيين التحاليل تبان ونعرف مالها."
إيناس قربت وقعدت على أول كرسي قدامها وهي بتهمس
"خير إن شاء الله، يا رب تقوم بالسلامه"
فريده فضلت واقفه مكانها من غير ما تتحرك، عينيها متعلقه بتيم اللي من ساعة ما دخلت وهو واقف ثابت في مكانه، بيبصلها بنظرات صامته ومشالش عينيه من عليها.
يونس حرك عينيه بينهم، كان مركز معاهم جدًا بيتأكد من كلام سالي.
بعد لحظات بسيطه، ظهرت الدكتوره وهيا ماسكه ملف في إيديها ووشها جدي.
تيم قرب منها وسألها بسرعه
"في جديد؟"
كلهم قربوا منها بقلق وهما مستنيينها تتكلم.
الدكتوره ردت بهدوء
"المريضه فاقت دلوقتي، لازم أشوفها الأول وبعد كده هخرج أطمنكم"
سابتهم ودخلت، صابرين كانت فايقه، قاعده سانده على المخده، ملامحها باهته بس عينيها فيها وعي كامل، الدكتوره دخلت، بصت في الورق اللي معاها وقالت بجديه
"التحاليل واضحه، إنتِ خدتي جرعه كبيره جدًا من ماده مهدئه، جرعه كافية إنها تضرب ضغطك وتوقعك بالمنظر ده."
صابرين رفعت عينيها بهدوء وقالت بصوت ثابت
"كنت محتاجة أرتاح شويه، يمكن أخدت أكتر من اللازم."
الدكتورة قفلت الورق، بصتلها باهتمام وقالت بصرامه
"أياً كان السبب، دي حاجة خطيره جدًا على صحتك، دي مش مجرد جرعة راحه، اللي إنتِ عملتيه يُعتبر محاولة انتـ ـحار، الجرعه دي كبيره جدًا وخطيره، بره ولادك قاعدين مرعوبين ومش فاهمين إيه اللي حصلك خلاكي وقعتي كده "
صابرين اخدت نفس عميق وقالت برجاء
"محدش يعرف غيرك، متقوليلهمش إني زودت الجرعه، قولي ضغطي وطي وخلاص، مش عايزاهم يقلقوا أكتر."
الدكتورة قالت برسميه
"أنا كدكتورة لازم أقول الحقيقه والمفروض أخد إجراء قانوني ضد اللي حصل، بس بما انك بتقولي انك مكنتيش ناويه على انتـ ـحار تمام، هعديها المرادي ومش هعرفهم"
صابرين ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت 
"كتر خيرك، ممكن طلب كمان معلش؟"
الدكتوره قالت
"اتفضلي"
صابرين قالت بسرعه
"مش عايزة حد يدخل عندي النهارده، قوليلهم يروحوا دلوقتي وعرفيهم اني هخرج الصبح عادي"
الدكتورة هزت راسها
"طبعا."
خرجت من الأوضه، وشها هادي كأن مفيش حاجه، لقت تيم ويونس واقفين قدام بالباب بالظبط.
تيم سأل بلهفه
" ايه؟ كويسه؟!"
الدكتوره ابتسمت ابتسامه مهنيه وقالت
"اتطمنوا، حالتها مستقره الحمد لله، اللي حصل إن ضغطها وطي فجأة وده اللي سبب الإغماء، دلوقتي محتاجه ترتاح وطلبت متشوفش حد النهارده، الأفضل ترجعوا بيوتكم وتيجوا الصبح هتكون أحسن وممكن نكتبلها على خروج"
يونس بص لتيم بقلق وبصلها وقال
" يعني ضغطها وطي بس؟"
الدكتورة ردت
" اه، بس الحمد لله بقت أحسن كتير"
كل واحد فيهم سكت للحظه، بس القلق مازال واضح على وشوشهم، وتيم كان أكتر واحد ملامحه متوتره وهو مش قادر يصدق إن الموضوع "ضغط بس"

في اللحظه دي، سالي ظهرت، ملامحها متوتره بس بتحاول تخفي ارتباكها، العيون كلها اتجهت عليها، تيم وقف مكانه، وشه مشحون عتاب وغضب مكتوم.
سالي قطعت الصمت بصوت واطي
"طمنوني."
فريدة قربت منها وحطت إيديها على دراعها تطمنها
"متقلقيش هي كويسه، الدكتور قالت مفيش داعي للقلق خالص."
تيم لف وشه وبعد عنهم وسابهم واقفين.
يونس قرب خطوتين من سالي وقال 
" اتأخرتي كده ليه؟ مش شايفه وجودك دلوقتي غريب"
سالي اخدت نفس عميق، عينيها في الأرض كأنها بتدور على مخرج من الموقف اللي اتحشرت فيه، رفعت عينيها ليونس وقالت بهدوء متماسك
"بس جيت يا يونس"
إيناس قطعت التوتر بابتسامه صغيره وقالت
"تعالي اقعدي يا سالي، ممكن نستناها تفوق ونتطمن أكتر عليها وبعد كده نمشي."
سالي هزت راسها وراحت قعدت جنبها، في اللحظه دي، فريدة بدأت تبص حواليها وهيا بتدور على تيم بس ملقتهوش، يونس لاحظ فابتسم وقال بنبره هاديه
"تيم نزل تحت."
فريدة بصتله باستفهام وهو كمل بهدوء أكتر
"ممكن يكون محتاج حد جنبه دلوقتي... زيك."
الجمله دي كسرت ترددها، انسحبت بخطوات حذره، نزلت وفضلت تدور بعينيها في كل الاتجاهات لحد ما لمحته، كان واقف بعيد، ساند بإيديه على سور المستشفى، شكله متصلب وعينيه باهته مليانه وجع.

وقفت لحظة تبصله، وهو رفع عينيه ووقع نظره عليها، ساعتها كل اللي حواليهم اختفى، وكأنهم هما الاتنين بس اللي في المكان.
فريده مستحملتش، جريت عليه بخطوات سريعه وحضنته بقوه، بكل خوفها وقلقها واشتياقها، تيم اتفاجئ، وقف جامد لحظه، إيديه متردده، قلبه بيصرخ بس عقله بيحاول يقاوم، بس مش قادر يتجاهلها ولا يبعدها اكتر من كده، مد إيديه وضمها جامد، ضمها بكل قوته، ضمها بحب حقيقي، حب مكبوت، حضنه كان مليان قلق وخوف مكتوم بس ملامحه صامته، فريده حست بتوتره، إيديه بتشد عليها كأنه بيغرق وبيتشبث بيها.
قربت وشها منه وقالت بهدوء 
" تيم، انا مش هسيبك لوحدك، انا حاسه بيك"
فضل ساكت، عينيه ثابته بعيد، مش قادر يرد.
فريدة كملت كلامها بصوت أحن
"عارفه إنك تعبان وإنك مش قادر تستحمل اكتر بس انت أقوي من كده بكتير"
تيم أخد نفس عميق، مش لاقي اي كلام يقوله.
فريدة ابتسمت ابتسامه صغيره وهيا ماسكه إيده
" دي كمان هتعدي زي ما عدت حاجات كتير، خليك دايما فاكر انك عديت بمواقف اصعب، وعارفه إنك بتكره تبين ضعفك، بس ده مش ضعف يا تيم"
بعد عنها خطوه صغيره، عينيه حمرا من كتر القلق والضغط، بس ملامحه باينه عليها إنه بيحاول يتماسك، قال بصوت مبحوح وهو بيبلع ريقه
"خايف"
فريدة قربت أكتر، قالت بدفا وحنيه
"طبيعي تخاف، اللي مش بيخاف يبقى حجر، بس إنت مش حجر يا تيم، إنت إنسان، انسان وبتحس"
اتنفس ببطء كأنه بيجمع شجاعته عشان يتكلم، وبعد تردد قال بصوت واطي
" حاسس إن اللي جاي صعب ومش هقدر أتحمله"
بصتله بعطف وبقوه في نفس الوقت، مسكت إيديه كأنها بتثبّته وقالت
"طول عمرك بتتحمل يا تيم، واللي جاي مهما كان صعب، هتتحمله برضه، إنت أقوي من إنك تنهار"
سكتوا لحظه، هيا احترمت صمته وحيرته.
كسرت الصمت بعد فتره وقالت بهدوء حازم
" يلا نطلع... ونحاول ندخل نشوفها، يلا"
تيم هز راسه بخفه ومشي جنبها، طلعوا سوا بخطوات بطيئه، كأن كل خطوه لتيم تقيله ومشدوده، فريده كانت ماشيه جنبه بهدوء لحد ما وصلوا، تيم رجع يوقف جنب الباب، يونس قرب وقال 
" الدكتور قالت محدش هيدخلها دلوقتي، لو حاسس انك تعبان ممكن تمشي انت وسالي وانا هفضل"
تيم بصله بحده ومتكلمش، سالي اتكلمت وقالت 
" هما ليه مانعين الزياره، مش هيا بقت احسن؟!" 
تيم بصلها وقال ببرود
" انتي مش هتفهمي اكتر منهم، خليكي بس في حالك وسيبك من جو الصعبنيات ده"
سالي عضت شفايفها بعصبيه، حاولت تفتح كلام تاني بس نظرة تيم القاطعه خلتها تسكت.
بعد دقايق، فريده بصت لايناس وقالت 
"اسلام تحت، أقوله ايه."
تيم ماسك أعصابه بالعافيه، قال وهو بيشاور بإيديه
"مفيش داعي تفضلوا، روحوا وبكره الصبح تعالوا"
إيناس قالت فورا برفض
"إزاي نمشي دلوقتي؟ مش همشي قبل ما تفوق واتطمن عليها"
تيم كان مصر، صوته بدأ يبان فيه الغضب اللي بيكتمه من بدري
"قولت مفيش داعي! الدكتور قالت انها مش هتفوق غير الصبح، هفضل انا ويونس للصبح"
سالي حاولت تتدخل وقالت
"أنا هفضل، مش همشي"
تيم بصلها، ملامحه مشحونه بالغضب المكبوت وقال بحده
"أنتي أكتر واحده ملكيش مكان هنا، هتمشي "
كلامه الحاد وجعها، وشها بقا احمر، عينيها اتملت دموع منعتها ومردتش، وقفت بهدوء وقالت بخفوت
"تمام، ماشي."
يونس قال بسرعه
"استني يا سالي هوصلك."
سالي بصتله بتردد، قالت بنبره متماسكه
"مفيش داعي، هاخد اوبر."
يونس قال بإصرار
"مستحيل أسيبك تمشي لوحدك في الوقت ده، استني ثواني."
ايناس قالت
" هنوصلها في طريقنا، خليك انت"
يونس قال بهدوء
" الطريق مختلف تماما وأنا اصلا محتاج اروح البيت"
ايناس هزت راسها ونزلت، فريدة بصت لتيم آخر بصه طويله مليانه قلق ودعم، وبعدين مشيت من غير كلام.
يونس لف ناحية تيم، مد إيده وقال
"هات المفتاح."
تيم طلع المفتاح من جيبه واداهوله، يونس مشي جنب سالي وهو بيقول
"يلا"

تاني يوم الصبح 
تيم ويونس كانوا موجودين، شكلهم متوتر بس صامدين رغم الارتباك اللي حاسين بيه، حسام كان واقف معاهم بعد ما عرف، متأخرش لحظه يكون جنب صاحبه، بعد شويه فريده دخلت مع إيناس، لقت تيم ويونس قاعدين وحسام واقف جنبهم، أول ما عين حسام وقعت عليها، ابتسم براحه وقرب منها بخطوات هاديه وقال بصوت ودي
"صباح الخير."
ايناس وفريده ردوا الصباح عليه وبعدها ايناس انسحبت وحسام وقف جنب فريده.
إيناس سألت تيم ويونس
"شفتوها؟!"
يونس رد بسرعه وهو بيبص على الاوضه
"لاء، لسه مستنيينها تفوق."
فريده أخدت نفس عميق وقالت لحسام 
"أنا حاسه اني متوتره جدًا."
حسام بصلها بابتسامة وطمنها
"طبيعي يا فريده بس متقلقيش."
كانت حاسه باللي بيحصل وواخده بالها من نظرات تيم اللي واضح عليها الضيق بعد ما عينه وقعت عليهم ولقته انسحب بسرعه.
فريدة قلبها اتقبض، بصت لحسام وقالتله وهيا بتحاول تتحكم في توترها
"ممكن... عايزة أتكلم معاك شويه."
ابتسم بحب وقال ببساطه 
"طبعًا يا فريده."
هزت راسها وقالت بهدوء
"مش هنا يعني... برا."
وافق فورًا بدون تردد وقال 
"تمام، زي ما تحبي."
نزلوا سوا من المستشفى وقعدوا في كافيه قريب من المستشفى ، الجو كان هادي بس قلب فريده مش مستقر، كل حاجة جواها مضطربه، حسام قاعد قدامها، مستنييها تتكلم وهو شايف التوتر في عينيها، كانت ساكته، مش قادرة تجمع كلامها، صوابعها بتلعب ببعض بتوتر، بعد لحظه، نزلت عينيها على إيديها... على الخاتم اللي في صباعها، قلبها دق أسرع، إحساس متناقض شدها، مدّت إيدها بخطوات بطيئه، لمست الخاتم وبعد تردد واضح، بدأت تحركه من مكانه. 
يتبع.............
بارت 34
#استثنائيه_في_دائرة_الرفض
by batool abdelrahman
 في كذا حد بيقول أن لسه في غموض بس أنا شايفه أن الغموض قل كتير عن الاول
اول حاجه ليه صابرين مانعه اي بنت تخش البيت؟ 
عشان هيا مانعه بالتحديد اي بنت تقرب من تيم، لأنها خايفه اي واحده تأثر عليه وتيم يفتحلها قلبه
طيب هل صابرين خايفه من ايه؟ 
لحد دلوقتي قولنا انها قتـ ـلت ١٠ بنات وبعدين وضحت أنهم مش مجرد ١٠ دول اكتر بس تيم عارف أنهم ١٠ بس، لسه قدام هنعرف عددهم، فهيا خايفه أنها تتكشف انها قاتـ ـله ووقتها الخيط ده هيفتح حاجات كتير هيا في غنى عنها.
البنات دول هيا ليه قـ ـتلتهم وحصل فيهم ايه؟ 
لسه منعرفش
صابرين لوحدها بتعمل كده ؟ 
لاء في ناس وراها زي ما وضحت برضو.

اي اسئله تانيه ملهاش إجابات غير قدام بقا انا شايفه أن الغموض بيقل تدريجيا.
حسام لما شاف صمتها وتوترها، مد إيده يمسك إيديها بإحساس دفا وحنان، عينيه بتتوسل إنها تنطق، صوته كان هادي لكنه مليان قلق وحب وهو بيقول
"ممكن تقوليلي ليه متوتره؟ إيه اللي مخليكي متوتره وأنا موجود معاكي؟ عمري ما هسيبك، كلميني بصراحه، إنتي عارفه إنك أغلى واحده عندي."
فريده اتذبذبت أكتر، عينيها كانت بتهرب منه كل شويه، نفسها متقطع ومش عارفه تاخد قرار ولا تقول إيه، قلبها متخبط، وحسام ملاحظ ده كله.
قرب منها أكتر، صوته بدأ يترجاها وهو بيضغط على إيديها برفق
"عايزك وإنتي معايا متفكريش في الكلام اللي هتقوليه، لاء... قولي كل الكلام اللي عايزه تقوليه وأنا هفهمه، إنتي متعرفيش أنا بحبك إزاي يا فريده، وممكن أفهمك إزاي، انتي من ساعة ما دخلتي حياتي وأنا مرتاح ومش متخيل حياتي من غيرك."
كمل بحب 
"فخليكي متأكده إنك حتى لو حاسه إنك لوحدك... أنا معاكي، وهكون معاكي دايمًا."
فريدة قلبها كان بيتخبط بشده، كان جواها صراع رهيب، لما سمعت جملته الأخيره، عن إنه عمره ما هيسيبها وإنه هيكون معاها دايمًا، قلبها اتقبض، شافت قد إيه هو بيحبها، قد إيه فعلاً متعلق بيها، وازاي عينيه مليانه صدق مش بيتمثل.
حاولت تتكلم، صوتها خرج متقطع
"حسام... أنا..."
ضغط على ايديها بحنان وقال بابتسامه فيها رجاء
"بلاش تقولي أي حاجه دلوقتي، لو حاسه انك مش عايزه تتكلمي خليكي ساكته، انا كفايه عليا اني اشوفك قدامي، بس لو فعلا عايزه تتكلمي اتكلمي وانا هسكت لحد ما تخلصي كلامك"
سكتت، دموع صغيره لمعت في عينيها، قلبها كان بيتشد في اتجاهين عكس بعض، لكن قدامها دلوقتي في حد بيحبها بصدق، بيموت فيها، قالت بصوت هادي مليان ارتباك
"أنا متوتره، يمكن عشان خايفه أخسرك في يوم"
ابتسم ابتسامه دافيه، صوته كان كله طمأنينه وهو بيقول
"مستحيل يا فريده، عمري ما هسيبك ابدا، اللي هيبعدني عنك الموت وبس، طول ما إنتي محتاجاني هتلاقيني جنبك، وقت ما تحتاجيني أو حتى لو محتاجتنيش، هتلاقيني علطول جنبك ومعاكي وحبي مش هيقل ابدا بالعكس، كل يوم حبي ليكي بيزيد، وربنا يشهد على حبي ليكي، انا عمري ما حبيت حد زيك"
الكلام دخل قلبها، حسّت فعلاً إن مهما حصل هو السند اللي مش ممكن يسيبها، ابتسمت ابتسامه صغيره، مسحت دموعها بسرعه ومدت إيديها تمسك إيده بقوه، كأنها قررت تدي نفسها فرصه معاه.
حسام حس بالحركه دي كأنها وعد، ضم ايديها بين ايديه وقال بهمس فيه عشق حقيقي
"أنا بحبك... ومش هشوف غيرك مهما حصل"
فريده قلبها وجعها بس في نفس الوقت حس بالدفا، يمكن هو قدرها ونصيبها.

بعد فتره
حسام وفريده رجعوا المستشفى، وصلوا قدام أوضة صابرين، مكانش في حد قدامها، دخلوا لاقوهم جوه، تيم واقف جنب السرير ملامحه متحجره، يونس قاعد جنب صابرين بصمت تقيل باين فيه التفكير، إيناس واقفه قريب من صابرين وبتكلمها بتتطمن اكتر عليها.
حسام دخل بابتسامه بسيطه وهو بيقول
"حمد لله على السلامه يا طنط، سلامتك"
فريده قالت بهدوء بعد ما دخلت ورا حسام
"الحمد لله إنك بخير، حمد الله على السلامه"
صابرين ردت بابتسامه ضعيفه، شفايفها بالكاد اتحركت
"تسلموا يا حبايبي."
الجو سكت لحظه، كان تقيل، بعدها حسام بص لتيم وقال بصوت عملي
"تيم، أنا مضطر أمشي دلوقتي، مينفعش إحنا الاتنين نسيب الشركه في وقت واحد."
تيم اتنفس ببطء، قال ببرود وهيا بيحاول يخفي الضيق اللي جواه
"تمام."
يونس بص لتيم، مركز في رد فعله أكتر من الكلام نفسه، وبعدين بص لفريده اللي كانت باصه في الأرض، ورجع يبص لحسام اللي بص لايناس وقال
"طيب، تحبي أوصلك يا طنط في طريقي؟"
إيناس هزت راسها بابتسامه هاديه وقالت
"لاء شكرا يا حبيبي، أنا هفضل مع صابرين لأنها هتخرج دلوقتي"
سكت لحظه وبعدين بص لفريده وسألها
"طب وإنتي يا فريده؟ هتفضلي مع مامتك ولا هتيجي معايا"
فريده اخدت نفس عميق وقالت
"همشي معاك، لازم أروح المستشفى ومجتش بعربيتي"
تيم بصلها بضيق، ملامحه متحركتش بس عينيه شدت للحظه وهو بيتابعهم من غير ما يتكلم، يونس فضل مركز في التوتر اللي ملى الجو لحظه.
حسام قال بابتسامه خفيفه
"تمام، يلا بينا."
فريده وقفت جنبه وقالت بهدوء
"عن اذنكوا."
وخرجوا هما الاتنين بهدوء زي ما دخلوا

عند سالي
كانت واقفه في الصاله، شنطها كلها على جنب بعد ما لمت كل حاجه ليها في البيت، عينيها مليانه قرار وإصرار، قلبها متلخبط بس عقلها حاسم، قررت تمشي وتنسى بس لازم تشوف عيلتها قبل ما تمشي، دول مهما كانوا عيلتها.
فضلت واقفه مستنيه، والوقت بيعدي ببطء، بعد لحظات، لمحت العربيه بتدخل من البوابه، عربيه تيم، وقفت قدام البيت، صابرين نازله منها، يونس ماسك ايديها من ناحيه، وإيناس من الناحيه التانيه، خطواتها كانت بطيئه بس ثابته.
دخلوا البيت، وتيم اكتفى إنه يطلع على أوضته بسرعه، إيناس سندت صابرين لحد ما وصلت للكنبه وقعدتها بهدوء.
سالي وقفت قدام صابرين وقالت بصوت هادي لكن متماسك
"حمد الله على السلامه."
صابرين رفعت عينيها ليها بس مردتش عليها
سالي كملت بعد لحظه سكون، صوتها اتكسر شويه
"متقلقيش، أنا همشي دلوقتي، حجزت طياره معادها بعد ساعتين، وهنسى كل حاجه."
إيناس حسّت إن الكلام بينهم لازم يكون بينهم بس فقالت بسرعه
"هدخل اعملك حاجه سخنه تشربيها."
انسحبت بهدوء، صابرين قالت بصوت واطي
"ربنا معاكي."
سالي غمضت عينيها للحظه، وبعدين قالت بتنهيده تقيله
"فكرت كتير، ولقيت أنسب حل إني أمشي، متدخلش في حاجه متخصنيش فعلًا، وربنا موجود... وشايف عمايل كل واحد، ربنا اللي بيحاسب، وانتي مهما كنتي إيه، هتفضلي أمي."
بالرغم من أن كلامها وجع صابرين، بس مدت إيديها وحضنت سالي بقوه، صوتها اترعش
"متزعليش مني، أنا غصب عني كل اللي حصل، يمكن بعدين تعرفي كل حاجه وتفهميني... وسامحيني."
سالي قالت ودموعها على وشك النزول
"ربنا هو اللي هيسامحك."
بعدت عنها وبعدين بصت ليونس اللي كان واقف بيتابع الحوار كله بصمت، عينيه مليانه تساؤلات مش فاهمها، سالي قربت منه ووقفت قدامه، ومن غير ما حد فيهم يتكلم حضنوا بعض جامد، سالي كانت أقرب واحده ليونس وعدم وجودها هيسببله فراغ بالرغم من عدم وجوده في البيت معظم الوقت، بس وجودها كان بيريحه، شدها عليه جامد كأنه خايف تروح، سالي بعدت عنه وبصتله بحزن وقالت
" وقت ما تحتاجني هتلاقيني، هكون موجوده صدقني"
هز راسه ولف وشه يخبي دموعه اللي نزلت، سالي لفت وطلعت فوق لتيم، وقفت قدام باب الاوضه، خبطت خبطه خفيفه وفتحت الباب ودخلت، الأوضه كانت هاديه وتيم كان واقف ناحية الشباك، ضهره ليها، بيحاول يخفي أي انفعال باين على ملامحه.
سالي وقفت في النص، اخدت نفس عميق وقالت بصوت ثابت رغم الارتباك اللي في قلبها
"في الأول كنت فاكره إنك عارف كل حاجه عن ماما... كنت متوقعه إن مفيش سر بيعدي من غير ما يوصلك، وإنك انت وماما شخص واحد بنفس المعلومات، مرايه لبعض يعني، بس الحقيقه... أنا غلطت"
سكتت لحظه وكملت
"كان نفسي أعرف كل حاجه من باب الفضول، وكنت مستعده ألومك، أقول إنك سبب كل اللي بيحصل وإنك اللي عاملنا الربكه دي في حياتنا، وأنك السبب الرئيسي لكل اللي بيحصل، بس دلوقتي عرفت إنك مجرد ضحيه."
تيم اتحرك ببطء، لسه ضهره ليها، بس إيده اتشبكت في بعض بتوتر.
سالي كملت بصوت اهدى
"عارفه إنك شايل كتير في قلبك... كتير أوي لدرجه إنك مش قادر حتى تشاركه مع أي حد، أنا شفت بعيني إنت بتحب ماما قد إيه، إزاي مستعد تفديها بروحك، وإزاي لما بيجرالها حاجه بتنهار من غير ما تقول... وبتكره الشخص اللي أذاها كأن حياتك كلها مبنيه على النقطه دي."
قربت منه ووقفت قدامه، رفع عينيه ليها اخيرا، قالت وهيا بتحاول تسيطر على دموعها
"بس لازم تفكر يا تيم، لازم تفكر في كل اللي حصل واللي بيحصل، لأن اليوم اللي هتنهار فيه جاي، اليوم اللي مش هتقدر تتحمل فيه أكتر من كده هييجي اكيد، ساعتها هتلاقي نفسك بتخسر كل حاجه... أولهم نفسك."
تيم بلع ريقه بصعوبه، كأن في حجر في زوره مانعه يتكلم حتى، سالي ابتسمت ابتسامه حزينه وقالت
"أنا خلاص ماشيه... حجزت طياره، ومش هقدر أقعد هنا ولا أستحمل أكون شريكه في الذنب ده، بس... وقت ما تحتاجني... هتلاقيني، حتى لو وجودي بقا مؤقت."
قربت منه خطوه صغيره وقالت بصوت مبحوح
"أنا عاذراك... عاذراك في قسوتك وكلامك اللي دايمًا بيوجع، عارفاه جاي من حمل تقيل مش من قلبك، بس بالرغم من كل ده هتفضل اخويا... وهتوحشني أوي، أكتر مما تتخيل."
نهت كلامها بدعاء طالع من قلبها
"يارب... يارب يشيل عنك الحمل اللي شايله ده ويخففه، يارب تحس بالسلام النفسي وتنسى كل التعب ده"
اتحركت بهدوء ناحيه الباب، وقبل ما تطلع بصتله تاني، قالت بصوت مبحوح
"هتوحشني يا تيم."
لفت عشان تمشي، إيديها بتفتح الباب، بس قبل ما تفتحه، اتفاجئت بإيديه ماسكه إيديها فجأه، إيديه كانت تقيله وبارده، بس فيها رجفه صغيره فضحت كل اللي جواه، بصتله، لقت عينيه مختلفه، مش عينيه القاسيه اللي متعوده عليها، كانت عينيه مليانه وجع صامت... استسلام.
ببطء شديد، من غير ما يقول ولا كلمه، شدها ناحيته، حضنها بقوه، كان حضن صامت، لكنه مليان حاجات متقالتش... اعتذار، خوف، حنين، وضعف عمره ما سمح لحد يشوفه، سالي دموعها نزلت وضمته جامد، هيا عارفه حجم اللي هو شايله في قلبه دلوقتي، بس الكل بيعرف يهرب إلا هو، هو الوحيد اللي مكتوب عليه يواجه قدره اللي مش قادر يغيره ولا عنده الجرأه يغيره، بعد ثواني طويله، هو بنفسه فك حضنه، ورجع خطوتين لورا، كأنه بيرجع لقناع البرود من تاني، سالي مسحت دموعها بسرعه، وابتسمت ابتسامه باهته وقالت
"لو احتاجتني هتلاقيني موجوده دايما، خلي بالك على نفسك كويس."
وخرجت وسابته.

بالليل عند فريده
كانت واقفه قدام المرايه، بتظبط فستانها، إيديها مش ثابته قوي، عينيها فيها قلق باين، بتاخد نفس عميق كل شويه وتحاول تخفي ارتباكها.
يسر كانت بتظبط الميكب بتاع فريده وقالت بابتسامه هاديه
"إيه يا فريده؟ ايه التوتر ده ؟! مع إنك قمر ما شاء الله اهو، هينبهروا بزوق ابنهم متقلقيش"
فريده قالت بصوت واطي
"مش عارفه يا يسر، حاسه بتوتر مش طبيعي، ومش عارفه اوصف انا حاسه بأي "
يسر حطت إيديها على كتفها وقالت
" عارفه بس ده طبيعي، حتى لو زي ما قولتي الجوازه عاديه بالنسبالك، بس ده حدث مهم هيغير حياتك"
فريده عينيها دمعت خفيف، قالت بتنهيده
"توتر رهيب جوايا، مش عارفه مصدره إيه، يمكن عشان مش عارفه هعمل إيه بعدين... مش عارفه انا بعمل الصح ولا لاء، مش فاهماني، انا مش عارفه غير إني سايباها على ربنا."
يسر ابتسمت وطبّطبت على إيدها
"هو ده الصح... سيبيها على ربنا، اعملي اللي عليكي بس والباقي مش في إيدك، وصدقيني طول ما قلبك نضيف ونيتك صافيه ربنا مش هيخذلك أبداً."
فريده أخدت نفس عميق، ابتسمت ابتسامه باهته وهيا بتقول
"يارب."
فتحت باب اوضتها ونزلت بهدوء وهيا شبه مستعده للجزء التاني من حياتها، هيا ادت لنفسها فرصه تعيش حياه جديده وهتستغل الفرصه دي....

عند ياسمين
كانت قاعده مع صاحبتها في بيتها، ياسمين بصتلها وقالت
"زي ما قولتلك، شوفيلي الشقه اللي قولتي عليها، بس بسرعه"
صاحبتها رفعت حواجبها بدهشه خفيفه
"طب وانتي كده خلاص؟ فقدتي الأمل في محمد؟"
ضحكت ياسمين ضحكه باهته وقالت
"أمل؟! هو فين الأمل في واحد مالوش شخصيه؟ الفتره اللي عشتها معاه كنت مستنيه يثبت إنه راجل، حتى لما سبتله وقت، مقدرش ياخد خطوه واحده عشاني ضد اهله، فخلاص جه الوقت أشوف حياتي "
صاحبتها سألتها بتردد
"ومش بتفكري ترجعي لأهلك؟ يمكن... يمكن "
ياسمين قاطعتها
"أرجع إزاي؟ إزاي أواجههم بعد اللي عملته؟ مش هقدر... مش هينفع، الموضوع بالنسبالي انتهى من زمان، المهم... زي ما بقولك، ركزي معايا في موضوع الشقه."
قبل ما تكمل، الجرس رن، ياسمين سألت
"إنتي مستنيه حد؟"
صاحبتها هزت راسها
"لاء خالص... مش مستنيه حد، هقوم أشوف مين"
مدّت ياسمين إيدها توقفها
"لاء، خليكي إنتي... أنا هشوف."
مشيت بتردد ناحيه الباب، فتحته واتصدمت لما لقت يوسف اخوها وجنبه باباها....
فريده نزلت السلم بخطوات بطيئه وهاديه، كل خطوه كانت تقيله عليها من كتر التوتر، قلبها بيدق بسرعه، أخدت نفس عميق وهي داخله الصالون، عينيها بصت لحظه في الأرض وبعدين رفعتها بهدوء، أهل حسام كانوا قاعدين بوقار وهدوء واضح، أول ما دخلت حسام كان أول واحد عينيه تقع عليها، لمعه انبهار وحب باينه في نظرته، ابتسامته ظهرت فورا، ابتسامه كلها فخر وفرح، أهله لاحظوا ده، خصوصًا مامته اللي بصت بين ابنها وفريده بنظره فيها رضا وارتياح.
مامته وقفت أول ما فريده قربت، ابتسامتها كانت رقيقه ونظرتها مليانه حنان وهي بتقول بنبره مديح صافي
" اهلا يا حبيبتي، ماشاء الله ايه الجمال ده، ليه حق حسام يختارك"
فريده حست بخجل شديد، خدودها احمرّت وقالت بابتسامه بسيطه
"ده من ذوق حضرتك."
بعدين فريده اتجهت تسلم على أبو حسام، استقبلها بابتسامه واسعه وصوت كله وقار ودفا
"أهلاً بيكي يا بنتي، ماشاء الله ما شاء الله."
مد إيده بحراره واضحه، فريده سلّمت بخجل، بعدها راحت ناحيه حسام وسلمت عليه، بس أول ما مدّت إيديها تسلّم عليه لقت ايديه ساقعه جدا من التوتر اللي كان بيحاول يخبيه"
سحبت إيدها بهدوء وابتسمت بخجل بسيط، وبعدين راحت قعدت جنب اسلام بتوتر واضح وارتباك، اسلام لاحظ توترها وحاول يطمنها
"اهدي يا فريده، ليه كل التوتر ده."
فريده ردت بابتسامه خفيفه بس قلبها لسه مش مستقر، وبدأت تحس إن كل العيون عليها، خصوصًا عيون حسام اللي عينيه مفارقتهاش لحظه.

القعده كانت هاديه، كلام بسيط عادي في الأول وبعد لحظات أبو حسام رفع صوته باحترام وقال وهو موجه كلامه لاسلام وايناس
"طبعًا حضراتكم عارفين سبب زيارتنا النهارده، إحنا جايين رسمي نطلب بنتكم فريده لابني حسام."
كلامه كان واثق، صوته راقي وفيه هيبه وبعدين كمل بابتسامه خفيفه
"حسام اختار، وأنا كأب لازم أقف وراه، خصوصًا لما يكون اختياره بالشكل ده."
إيناس فضلت مبتسمه بهدوء، وسابت اسلام هو اللي يرد بهدوء
"أكيد ده شرف لينا، بس طبعًا الرأي الأول والأخير لفريده."
في اللحظه دي، كل الأنظار اتوجهت على فريده، حسام كان بيبصلها بثبات، نظرته كلها رجاء وتعلق بس هيا باصه في الأرض، فضلت ساكته ثواني، إيديها متشابكه بتوتر، فضلت ساكته لحظه وبعد ما جمعت نفسها، بصوت واطي بس واضح قالت
"موافقه."
الكلمه خرجت منها مرتبكه شويه، حسام ابتسم ابتسامه كبيره، عينيه اتملت بالرضا والامتنان، مقدرش يخفي فرحته، عينيه فضلت متعلقه بيها، ملامحه كلها ارتاحت كأنه كان مستني اللحظه دي من زمان
مامت حسام قالت بفرحه
"ألف مبروك يا حبيبتي، ربنا يسعدكوا ويتمملكوا بخير"
فريده ابتسمت ابتسامه خفيفه بخجل، أبو حسام بص لإسلام وقال
"كده إحنا عايزين نبدأ خطواتنا زي ما الأصول بتقول، وعايزين نحدد معاد قريب ونعلن الخطوبه بشكل رسمي."
إسلام رد بابتسامه فيها احترام
"إن شاء الله طبعا"
أبو حسام رد بابتسامه
" نقرأ الفاتحه؟"

عند ياسمين
أول ما فتحت الباب، اتصنمت في مكانها، قلبها وقع في رجلها، يوسف كان واقف ثابت، عينيه فيها غضب مكبوت وبيبصلها بغيظ وباباها واقف عينيه فيها عتاب صامت، أقسى من أي كلام.
ياسمين حسّت إن الدنيا لفت بيها، قالت بهمس
"بابا....يوسف"
اتراجعت خطوه لورا، كأنها مش مصدقه إنهم بجد قدامها.
باباها دخل بخطوات بطيئه، ملامحه تقيله بالصمت، سألها بوجع
"هو ده الطريق اللي اخترتيه لنفسك؟"
دموع ياسمين نزلت من غير ما تحس، فضلت تبص في الأرض ومش لاقيه كلمه ترد بيها ويوسف واقف صامد، عينيه عليها بغضب
باباها قال تاني
" دي الحياه اللي عجباكي؟!"
ياسمين فجأه انهارت على ركبتها، دموعها نزلت وقالت
"بابا...سامحني بالله عليك، عارفه غلطت، عارفه كسرت قلبكوا...بس ضعفت، ضعفت لحظه وضيعت كل حاجه، سامحني يا بابا، مش قادره أعيش وأنا شايفاك زعلان مني بس غصب عني، غلطت غلطه كبيره في لحظة ضعف ضيعت مني كل حاجه، غصب عني"
مسكت ايديه تبوسها بس هو شد إيديه بسرعه وقال
"اللي عملتيه مش هينفع يتنسي، انتي مش بس غلطتي، انتي خونتي ثقه بيت كامل، خنتي أختك، وخنتيني أنا كأب، وخونتي اخوكي"
صوتها اتكسر أكتر وهيا بتقول
" غلطت وغلطتي متتغفرش عارفه، بس لحظة ضعف وندمانه عليها، والله كل يوم بدفع تمن اللي عملته، محدش منكوا كان يستاهل مني كده بس غصب عني، محدش فاهمني"
يوسف انفجر بغضب، قال بصوت عالي
" أنتي دمرتينا! أنتي السبب في كل حاجه وحشه حصلتلنا، للأسف انتي اختي ومفيش حاجه هتغير الحقيقه دي، فاكره إن بكلمتين دموع هننسى اللي حصل؟!"
ياسمين بصتله وقالت بندم حقيقي
"يوسف، أنا ندمانه، ندمانه على كل يوم عشته بعيد عنكوا فعلا وإني غلطت غلطه زي دي، ومعترفه إني غلط، مش عايزه حاجه غير انكوا تسامحوني وبس"
باباها أخد نفس طويل وقال بصوت متماسك فيه نبرة مراره
"للأسف، هتفضلي بنتي مهما حصل، مش قادر أسيبك تتهاني في الشارع عند كل واحد شويه، وتبقي ملطشه ومش لاقيه مكان، أنا أبوكي وده مش هيتغير، والبيت هيفضل بيتك"
ياسمين دموعها سالت من غير ما تقاوم، صوتها متكسر وهي بتحاول ترفض
"بابا...لاء... مش قادره... يسر... يسر مش هتسامحني أبداً، إزاي هرجع أبص في وشها؟ إزاي؟"
باباها شدد كلامه بحسم
"يسر هتفهمني وهتتقبل، يسر مش زيك... يسر عندها قلب وعقل، هتحاول تنسى اللي عملتيه، يمكن مش دلوقتي، لكن في يوم."
ياسمين قالت برجاء
"مش هقدر أرجع! مش قادره أبص في وشها... ومش قادره حتى أبص في وشك إنت، ازاي هتعامل مع نظراتكم؟ ازاي هرجع تاني بعد اللي عملته؟!"
باباها انفجر بغضب، صوته علي وهو بيقول
"أنا قلت كلمه! يعني كلامي مش هيتنفذ؟!"
انهارت أكتر وقالت بتقطع
"بابا... غصب عني... أنا مش هقدر أرجع، هفضل هنا عند صاحبتي، في حاجات كتير إنت مش عارفها، مش هقدر على الأقل دلوقتي"
اتنفس بغضب ولف ضهره وخرج ويوسف خرج وراه من غير حتى ما يبصلها، الباب اتقفل جامد وهيا قعدت تعيط بحرقه ودموعها مخنوقه، صاحبتها جريت ليها، حضنتها وهي بتحاول تهديها.

عند فريده
دخلت اوضتها وقفلت الباب ووقعت على السرير براحه وهي بتزفر تنهيده تقيله، يسر دخلت وراها وقعدت على الكرسي اللي جنب التسريحه مستنياها تتكلم
فريده رفعت عينيها وقالت بصوت مرهق
"كنت خايفه من النهارده بجد."
يسر سألتها
"المهم... حاسه بإيه دلوقتي؟"
فريده عدّلت قعدتها، عينيها سرحت للحظه وبعدين قالت
"مش عارفه تصدقي، بس يمكن عادي، كأنهم كانوا ضيوف وهيمشوا ومش هشوفهم تاني."
يسر رفعت حواجبها وقالت بنبره جاده
"لاء يا بنتي ركّزي، دول حماكي وحماتك."
فريده ضحكت بخفه وقالت
"إيه الألقاب الجديده دي؟"
يسر ضحكت معاها وقالت
"معلش، هتتعودي."
فريده بصت قدامها وهيا بتلعب في إيديها وقالت
"أنا طول الوقت كنت بقول لسه بدري، ومكنتش بوافق حتى أشوف حد، ليه وافقت على حسام؟ يعني... إيه السبب؟"
يسر أخدت نفس وقالت بصراحه
"بصراحه يا فريده، حسام يستاهل وميترفضش اصلا، فيه مميزات كتير أوي، شكله حلو، استايلست، محترم جدًا، بيهتم بنفسه جدا وبجسمه، بيحترمك وبيحترم وجودك، وغني، والأهم من كل ده... بيحبك بجنون، مش شايفه غلطه واحده فيه؟ أي إنسان عنده عيوب، بس هو لحد دلوقتي مشوفتش فيه أي عيوب وبصراحه كده أي واحده تتمناه"
فريده بصتلها وقالت بحيره
"هو فعلًا مليان مميزات، انا برضو مش شايفه اي عيوب"
يسر كملت كلامها وأكدت
"وعمره ما هيبص لواحده غيرك، شخصيه تقيله... تقيله أوي فوق ما تتخيلي."
فريده رفعت حواجبها وقالت بنبره متردده
"بالعكس، أنا ساعات بحسه مدلوق كده، أو دايما بصراحه"
يسر قالت بدهشه
"مين ده اللي مدلوق؟ ده شخصيه! ده في مره كان مستنيكي في المستشفى، وداليا شافته، عجبها وراحت تحاول تطبّقه بس كان تقيل موت، معرفتش تسحب منه كلمه، لدرجه إنه سابها وخرج استناكي بره."
فريده عضّت شفايفها وقالت بنبره حاده
"طب وهيا ليه تروح تتكلم معاه وهي عارفه إنه جايلي أنا؟"
يسر ضحكت وقالت
"الحلوه بتغير."
فريده قالت بضيق
"أنا مش بهزر يا يسر، ليه راحت تشقطه؟"
يسر هزت راسها وقالت
"مكانتش تعرف إنه جايلك أصلًا، وبعدين ده كان في الأول خالص، مكانش في بينكم حاجه"
فريده سكتت ويسر قالت
" المهم يعني اتفقتوا على ايه؟! "
فريده قالت وهيا بتفكر
" قرينا فاتحه والخطوبه بعد أسبوع"
يسر قالت بفرحه
" طب كويس جدا"
قامت قعدت جنبها وحضنتها وقالت
" الف مبروك"
فريده ابتسمت وقالت
" عقبالك يارب"
يسر ابتسامتها اختفت وسكتت
لحظه وفون فريده رن، فريده رفعت الموبايل ليسر وقالت بتهكم
"التقيل بيرن."
يسر انفجرت ضحك وقالت
"طب والله ده التايب! معاكي انتي بس مدلوق موت"

عند تيم
كان واقف في الجنينه بيسقى الزرع بتاعه اللي بيهتم بيه بنفسه ودماغه مش موجوده، كأنه بيحاول يهرب من كل حاجه بس مش عارف، سمع صوت خطوات بيقرب منه، لف ولقاها صابرين، قال بسرعه وعلى وشه قلق
"إنتِ كويسه؟ ايه اللي قومك؟!"
ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت بهدوء
"أنا كويسه... مفيش حاجه."
سكتت لحظه وبعدين كملت
"تيم، سالي اه عرفت اللي كنت مش عايز حد يعرفه، بس خلاص مشيت، ومهما كانت... هيا مننا وعلينا، يعني عمرها ما هتتكلم."
تيم شد نفسه، صوته جه جاف وهو بيرد
"والمطلوب؟!"
قربت خطوه، مدّت إيدها تطبطب على كتفه وقالت
"كل حاجه رجعت لأصلها، البيت هيفضل زي ما هو، مفيش بنت هتدخل أو هتخرج من هنا، الفتره اللي فاتت لازم تطلعها من دماغك تمامًا، تنسى كل حاجه فيها، المايه رجعت لمجاريها."
تيم رفع راسه كأنه بيحاول يستجمع نفسه، شد أنفاسه وقال ببرود متعمد
"وأنا مش بعمل حاجه غير كده أصلًا، متقلقيش، كل حاجه هترجع زي ما كانت."
صابرين ابتسمت ابتسامه رضا وقالت
"طمنتني."
فضل ساكت، عينيه على الزرع قدامه، بس جواه كان فيه بركان مكتوم، كأنه بيمثل الاستقرار وهو من جوه أبعد ما يكون عنه.

عند يسر
كانه قاعده على السرير، الموبايل في إيدها، فاتحه شاشة الواتس ومثبته نظرها على كلمه "أونلاين" تحت اسم يونس، قلبها كان متلخبط... مش فاهمه هو ليه اختفى فجأه؟ هل زهق منها؟ ولا كان بيلعب وخلاص؟ ولا في حاجه فعلًا حصلت معاه؟ كل الاحتمالات بتلف في دماغها.
قاطع شرودها فريده اللي دخلت بعد ما خلصت مكالمتها مع حسام، فريده وقفت قدام دولابها تطلع هدوم ليها تغير، يسر رفعت عينيها وقالت بنبره جديه
"انتي كنتي قايله إنك هتقوليلي اللي حصل الصبح، بس لحد دلوقتي معرفتش، في حاجه كبيره؟!"
فريده تنهدت بهدوء وقالت
"مش حاجه كبيره أوي، بس خالته تعبت ودخلت المستشفى."
يسر قالت بقلق
"بجد؟! طب إيه السبب؟"
فريده ردت بسرعه
"مش عارفه، بيقولوا ضغطها واطي، يعني سالي كلمتني وقالتلي، بس خلاص، بقت كويسه دلوقتي وخرجت، وسالي كمان سافرت."
سكتت يسر لحظه طويله، مسكت الموبايل في إيديها كأنها بتضغط عليه من غير وعي، وقالت بنبره فيها تفكير
"يمكن... يمكن لأنها متضايقه إن سالي هتمشي."
فريده رفعت حواجبها وقالت بخفه وهي بتحاول تقفل الموضوع
"يمكن؟! انسي الحوار... خلص خلاص."
يسر سكتت لحظه وبعد كده سألت
"طب... وتيم و...ويونس كانوا كويسين يعني؟"
فريده ردت
"تيم طبعاً مكانش كويس كالعادة، ويونس كان هادي وساكت على غير العاده"
يسر ابتسمت ابتسامه خفيفه، غطت بيها قلقها وسألت
"بس كان كويس؟"
فريده قالت بهدوء
"آه... كانوا كويسين عادي."
يسر قالت
"طب… كويس"
فريده دخلت الحمام ويسر قامت بهدوء، مسكت موبايلها وخرجت البلكونه، وقفت تحاول تاخد نفس عميق وبعد كده قررت ترن على يونس، رنت وكان بيرن، رنه، اتنين، تلاته، بس مفيش رد.
فضلت تبص للشاشه وهي بتطفي، كأنها مش مستوعبه أنه مردش، حست بضيق شديد وهيا مش فاهمه ماله، قعدت على الكرسي في البلكونه، حطت إيدها على خدها، وعيونها لمعت شوية بدموع محبوسه، كان جواها صراع بين إنها تدي لنفسها أمل، وبين إنها تواجه فكره إنه ممكن يبقى بعد خلاص.

عند يونس
كان قاعد مع صحابه، الجو مليان دوشه وضحك، بس هو مش مركز، فونه رن، شاف اسمها، قلبه اتقبض وبعدين قفله من غير ما يرد.
واحد من صحابه لاحظ شروده وقال وهو بيضحك
"إيه يا يونس... سرحان في إيه؟"
يونس رفع عينيه وبصله بنظره بارده
"أكيد مش بفكر فيك يعني."
ضحكوا كلهم وواحد تاني قال
"طب سرحان في ايه؟ مش عارف تعلق يسر بتاعتك دي ولا إيه؟"
يونس قال بضيق
"بقولك فكك مني، وفكك من الموضوع كله"
صاحبه رد بسخريه
"يبقى شكلك مش عارف تجيبها، كرفِتلك يعني"
يونس وقف فجأه وهو بيزق الكرسي وراه وقال
"ده انتوا بقيتوا صحاب تقرف أقسم بالله."
صحابه حاولوا يهدي الجو، واحد فيهم مد إيده وقال
"اقعد بس، رايح فين؟ دي السهره لسه في أولها."
يونس قال وهو بيلم حاجته بغضب
"مليش مزاج."
وبكل برود انسحب بضيق من المكان كله.

تاني يوم
في المستشفى، يسر كانت واقفه مركزه في ملف بكل جديه، فريده كانت قاعده جنبها ماسكه النوته الصغيره بتاعتها بتسجل آخر معلوماتها بتركيز، الباب خبط خبطه خفيفه ودخل يونس، الاتنين رفعوا عينيهم ناحيته.
يسر قلبها دق بسرعه وعرفت إنه أكيد جاي عشانها بس هو مبصلهاش أصلًا، عينيه راحت على فريده وصوته جه جدي على غير العاده
"فريده... عايزك ثواني."
فريده اتفاجئت وقالت باستغراب
"حاضر يا يونس... ثواني."
قفلت النوته بهدوء، حطتها في شنطتها وقامت وراه، يسر فضلت واقفه مكانها، متغاظه من تجاهله وكأنه مش عامل أي حاجه.

فريده خرجت وراحت ليونس، وقفت قدامه وقالت بقلق
"يونس... مالك؟ حساك متغير."
أخد نفس قصير وقال بنبره فيها ضيق مشافتهوش بيها قبل كده
"فريده... أنا بقالي يومين مش قادر أبطل أفكر في اللي بيحصل في البيت عندنا، سالي قالت كلام فوقني، طول عمري مكنتش بهتم بأي حاجه في البيت، بقول لنفسي ميهمنيش، كنت فاكر إن الموضوع تافه، إن ماما رافضه تدخل بنات البيت وخلاص علشان حريه شخصيه، بس سالي كلامها خلاني أحس إن الموضوع أكبر بكتير، ومش عارف... تفكيري مش بيقف."
فريده اتنهدت، بصتله بهدوء وقالت
"وانت متخيل إني أعرف حاجه يعني؟"
يونس رفع صوته شويه بتوتر
"سالي في الفتره الأخيره كانت معاكي طول الوقت، حتى لو مش عارفه الحقيقه كلها، أكيد عارفه نصها."
فريده أخدت نفس طويل، صوتها كان هادي
"يفضل يا يونس تعيش حياتك زي ما كنت، بلاش تدور زي سالي، اللي إنت فيه ده أحسنلك."
يونس بصلها بحسره، صوته فيه عجز
"فكرت إنك ممكن تقوليلي، فريده... أنا مش قادر، مش ببطل أفكر... كلام سالي مش بيخرج من دماغي... أنا عارف إن في حاجه كبيره... صح؟!"
فريده سكتت لحظه وبعدين قالت بحذر
"يونس... أنا مش عارفه كل حاجه صدقني، كنت بساعد سالي عشان هي طلبت مني، بس خلاص… هي قررت تنسحب، حتى هي معرفتش كل حاجه، بلاش تدور، وعيش حياتك."
يونس شد ضهره وقال بضيق
"على أساس إني محاولتش؟ حاولت كتير، بس مش فاهم، حتى اللي قالته عنك إنتي وتيم، لما قالت إن هو بيحبك وإنتي بتحبيه... طب ليه وافقتي على حسام؟"
فريده اتصدمت من كلامه وقالت بحده
"يونس... الكلام ده غلط، أنا وتيم مفيش بينا أي حاجه، ولو هو من ناحيته في حاجه اتأكد إنها مش راجعه من ناحيتي، أنا دلوقتي مخطوبه."
يونس هز راسه وقال
"وأنا مش جاي أتكلم في حياتك... دي حياتك إنتي، أنا بكلمك في حاجه تخصني دلوقتي، تخص عيلتي."
فريده بصتله بتركيز وقالت
"أنا رأيي ليك ياريت تعيش حياتك زي ما كنت، بطل تدور يا يونس."
يونس قال بضيق وصوت متحشرج
"إنتي عارفه أكتر ما بتقولي يا فريده، انا جاي اعرف حاجه مش اخد رايك، عايز اعرف أي حاجه، حتى لو مش الحقيقه كلها، إنتي عارفه إن اللي بيحصل في البيت مش طبيعي، وأنا مش غبي يا فريده."
فريده حاولت تمسك نفسها وقالت بهدوء
"يونس، بقولك صدقني، أنا مش عارفه حاجه كامله."
يونس ضحك بسخريه وقال
"انتي عارفه ايه إحساسي دلوقتي؟ إنك إنتي كمان جزء من التلاعب اللي حاصل."
فريده اتصدمت من كلامه وقالت
"يونس! إنت بتظلمني."
هز راسه بقهر وقال
"معلش... يمكن بظلمك، بس أنا مضغوط ومش فاهم، وكل ما أفتكر كلام سالي يجيلي صداع، وأنا مبحبش أحس إني لعبه في إيد حد"
فريده قالت وهيا بتحاول تفهمه
"أنا عمري ما لعبت بيك يا يونس... عمري."
يونس لف وشه يمشي وقال
"يبقى يا فريده بلاش تكوني سبب إني أفضل تايه أكتر من كده."
سابها ومشي بسرعه، خطواته كانت متوترة ومليانه غضب مكتوم، وهي وقفت مكانها، قلبها بيتقبض، مش عارفه تعمل إيه ولا تقول إيه.

قبل ما يخرج من باب المستشفى لقا يسر واقفه قدامه، بصلها بحزن مستنييها تتكلم
"انت كنت عايز مني إيه؟" قالتها بصوت مبحوح وهي بتبصله بعينين غرقانين دموع.
يونس وقف مكانه، عينيه حمرا من السهر والضغط، قال بأسف
"يسر... أنا آسف على كل اللي حصل، آسف لو ضايقتك... بس صدقيني، أنا مش عايز منك حاجه."
مشي خطوه بس يسر بسرعه وقفت قدامه، عينيها كلها غضب وانكسار
"طب ليه؟! ليه ظهرت من الأول؟! كنت بتلعب يعني؟! بتلعب معايا أنا؟!"
يونس رفع صوته شويه وهو بيحاول يشرح
"يمكن في الأول آه... كنت بتعامل معاكي زي أي بنت تانيه، بس بعدين... فهمت إنك مش زيهم، إنك أكبر من كده... وانسحبت، دي كل الحكايه."
يسر عينيها دمعت أكتر وقالت بصوت بيترعش
"يعني دخلت حياتي عشان تلعب بيا... وبمشاعري؟!"
يونس هز راسه بأسف وقال
"ده في الأول، أيوه... لكن بعد كده؟! بعد كده حسيت إنك متستاهليش ده مني، فسيبتك في حالك."
يسر صوتها اتقطع، قلبها بينهار
"بس… بس أنا، أنا ك...."
الكلمه وقفت في زورها، ودموعها غلبتها، غمضت عينيها بألم، وقبضت إيديها، وضربته في صدره بكل اللي فيها من قوه من غيظها منه.
يونس اتفاجئ بالضربه، اتراجع خطوتين، وشه اتشنج فجأه، غمض عينيه بألم شديد، إيده مسكت صدره، وكحه قويه هزته.. وكحه وراها تانيه... لحد ما الدم نزل من بقه.
يسر وقفت متجمده مكانها بعد ما ضربته، ولما شافت الدم بينزل من بقه، شهقت شهقه عاليه وهيا بتقول بصدمه
"يونس!!!"
إيديها ارتجفت، جريت ناحيته وهيا بتقول بخوف هستيري 
"الحقووو! حد يلحقه بسرعه!"
ركعت جنبه على الأرض، إيديها كانت بتترعش وهي بتحاول تسنده
"يونس...يونس رد عليا! بالله عليك!"
كان بيكح بقوه، الدم بينزل على هدومه وهي بتحاول تمسح بوقه بإيديها بس مش قادره توقفه، قلبها كان هيطلع من مكانه، الدموع غرقت وشها في ثواني، وصوتها خرج مخنوق
"لا لا لا، مش كده...مش قصدي والله!"
الممرضين جريوا فورًا، شالوه على ترولي بسرعه، وهيا جريت وراهم، دموعها نازله ووشها شاحب.
دخلوا بيه الطوارئ، والدكتور وصل بسرعه، بص عليه وقال بحده
"إيه اللي حصل؟!"
يسر ردت بتوتر
"كان...كان بيكح دم!"
الدكتور كشف بسرعه على صدره، ولما لمس الضلوع قال بنبره حاده
"واضح إنه عامل حادثة قريب... الضلوع اتحركت وضغطت على الرئه...لازم تدخل فورًا قبل ما النزيف يزيد!"
يسر اتجمدت، عينيها رمشت بخوف
"حادثه؟ إمتى؟!"
الدكتور رد وهو بيجهز
"شكله النهارده أو من ساعات... واضح إنه استهان جدًا، وأي حركه عنيفه سببت النزيف."
بص عليها بجديه وقال
" يلا ساعدي معانا"
يسر وقفت متسمره، صوتها طلع متقطع 
"مش هقدر... مش هقدر خالص."
الدكتور بصلها وقال
" احنا دلوقتي محتاجيينك، اركني مشاعرك على جنب!"
يسر هزت راسها بقوه، رجعت لورا كأن رجليها مش شايله جسمها
"مش قادره... سامحني يا دكتور."
الدكتور شاور للممرضين
" طب يلا بينا بسرعه! هو مش مستحمل دقيقه"
بص ليسر وقال
" استني بره بقا بما انك مش ناويه تشتغلي"
دخلوا بيونس غرفة العمليات، الباب اتقفل وراهم بعنف، وهيا قعدت بره على الأرض قدام باب العمليات، ضهرها لورا وهي حاضنة ركبها، نفسها بيطلع متقطع وكأنها بتتخنق، كل شويه تبص للباب وتقوم وتقعد تاني، إيديها مش ثابته، ومخها بيرجع يكرر منظره قدامها
ثواني وظهر صوت خطوات جايه بسرعه... فريده جت، وشها قلقان جدًا وقالت بخوف
"يسر!! إيه اللي حصل؟! "
يسـر رفعت عينيها ليها، عينيها كلها دموع، صوتها خرج متقطع
"فريده... يونس... يونس وقع قدامي... وكان بيكح دم... أخدوه العمليات..."
فريده شهقت، حطت ايديها على بوقها وقالت بصدمه
"إيه؟! ازاي؟!!!.... كان... كان كويس"
يسر حطت إيديها على وشها وفضلت تعيط
"أنا السبب... أنا اللي عملت فيه كده! زقيته جامد... بس مش قصدي والله يا فريده، مش قصدي!"
فريده قربت منها بسرعه وقعدت جنبها، حضنتنها بقوه وقالت بصوت مليان خوف
"هششش... اهدي... مش ذنبك، هو واضح إنه كان تعبان من الأول... كويس انك عملتي كده عشان مكانش يكابر اكتر"
يسر هزت راسها وهي بتعيط زي طفله
" الدكتور قال إنه عامل حادثه ومخبي... وضلوعه اتحركت، ضغطت على الرئه وسببت نزيف، يارب يكون كويس"
فريده بصت للباب المقفول بقلق، قلبها مش متطمن وقالت بخفوت
" خير إن شاء الله"
فريده قلبها اتقبض أكتر وقالت بصوت واطي
"مش هقدر أفضل هنا، لازم أشوفه."
يسـر هزت راسها بخوف
"ادخلي شوفيه، وبالله عليكي طمنيني."
فريده قامت ودخلت بهدوء، قلبها بيدق بخوف، لبست ماسك وجوانتي بسرعه ودخلت اوضة العمليات، أو ما دخلت عينيها وقعت على يونس، كان ممدد على السرير ووشه باهت جدًا، نفسه بيطلع بالعافيه، كل الأجهزه حواليه بتدي أصوات مزعجه، والدكاتره شغالين بسرعه.
قربت خطوتين وهي مش قادره تاخد نفسها، وقفت عند آخر السرير تبص عليه وبالرغم من أنها دايما بتشوف عمليات ومناظر كتير فيها دم بس حست انها مش قادره تشوف يونس
الدكتور لمحها وقال بسرعه
"انتي هنا بتعملي إيه؟ لو هتفضلي واقفه كده مش شغاله يبقى فضي الاوضه مش عايزين زحمه"
فريده هزت راسها ببطء ورجعت لورا وهي مش قادره تشيل عينها من عليه، وقفت ثواني وسألت بصوت مبحوح
"هو... هو هيبقى كويس؟"
الدكتور قال وهو مركز مع يونس
"مش عارف طبعا دي حاجه في علم الغيب"
هزت راسها وخرجت والقلق والخوف مالي وشها، يسر أول ما شافتها قامت بسرعه وسألتها بصوت مرتعش
"فريده... عامل إيه؟"
فريدة اترددت ثواني، بس بصتلها بثبات وقالت بهدوء
"إن شاء الله كويس."
يسر أخدت نفس عميق كأنها بتحاول تصدق الكلمه وتتمسك بيها.

بعد لحظات، الباب اتفتح وخرج ممرض ماسك حاجات يونس، ادى لفريده الفون وقال
"ده كان بيرن كتير، شوفي لو أهله وقوليلهم"
خدت الفون ولقته بيرن ولقت صابرين هيا اللي بترن، بصت ليسر بتوتر وقالت بهمس
"أعمل إيه؟!"
يسر قالت بتردد
" مش عارفه"
فريده اترددت شويه بس في الآخر ردت، جالها صوت صابرين قلقان 
"يونس! إنت فين؟ مش بترد ليه؟"
سكتت فريده ثواني، بلعت ريقها بصعوبه قالت بصوت مبحوح
" أنا فريده."
صابرين اتجمدت لحظه وبعدين قالت باستغراب
"فريده؟! ويونس فين؟!"
فريده قالت بحذر 
" يونس في المستشفى هنا، عمل حادثه بس هو هيكون بخير إن شاء الله"
صابرين شهقت بصدمه وفريده كملت
"متقلقيش بالله عليكي، هو كويس"
صابرين قالت بهدوء
" طمنيني لما الدكتور يطمنك"
وقبل ما فريده ترد، كانت قافله الفون
يسـر بصتلها وقالت
"قالتلك إيه؟"
فريده قالت
" هتيجي اكيد"

عند تيم 
كان قاعد مع حسام بيشتغلوا، حسام بيشرح بحماس وصوته مليان أمل
" المشروع ده مش عادي، إحنا لو كملنا بالسرعه دي، أنا متأكد إنه هينجح نجاح كبير!"
تيم قاعد قدامه، ماسك القلم وبيلعب بيه، ملامحه متوتره ومش مركز خالص.
تيم قطع كلام حسام فجأه وقال بنبره هاديه بس فيها ضيق
"حسام... أنا هسافر الأسبوع الجاي."
حسام بصله باستغراب 
"إيه؟! تسافر؟ فين؟"
تيم رد ببرود وهو بيبعد نظره عنه
"شغل مهم... لازم أخلصه هناك، وأكيد إنت مش هتقدر تسافر، فهسافر أنا."
حسام حط القلم اللي ماسكه على الترابيزه وبصله بحده
"شغل إيه ده اللي جه فجأه؟"
تيم قال باختصار وهو بيتنهد
"العرض لسه جاي والمفروض أسافر."
حسام حس بالتوتر في كلامه، سأله بقلق
"يعني مش هتحضر خطوبتي؟!"
تيم هز راسه بنفي
"لاء... مش هقدر، زي ما إنت شايف، الشغل مستني."
حسام رفع صوته بغيظ
"طب ما كنت تأجل السفر! إيه اللي هيحصل يعني؟"
تيم رفع عينه فيه وقال بجمود
"ده اللي حصل... وأنا بلغتك خلاص."
في اللحظه دي، موبايل تيم رن... رد بسرعه على صابرين، صوتها جاله جامد، مخنوق، بس بتحاول تبقى متماسكه
"تيم… يونس عمل حادثه… هو في المستشفى دلوقتي اللي فريده شغاله فيها"
تيم اتجمد مكانه، وبعد ثواني قصيره قام وقف فجأه وقال بصدمه
"إيه؟!"
صابرين كررت الجمله بصرامه، وقفلت قبل ما يرد.
تيم فضل ماسك الموبايل في إيده متصلب لحظه، حسام شاف وشه اتغير وسأله بقلق
"في إيه يا تيم؟ حصل إيه؟"
تيم قال بسرعه وجمود وهو بيتحرك لبره
"يونس عمل حادثه."
مشي ناحية الباب بسرعه وحسام قام وراه فورًا وقال بلهفه
"استنى، أنا جاي معاك!"

بعد لحظات، دخل تيم وحسام المستشفى بخطوات سريعه، تيم طلع بسرعه بعد ما سأل عن مكانه وحسام وراه، أول ما وصلوا، شافوا يسر واقفه، تيم قرب منها بسرعه وسأل
" يونس كويس؟ عامل ايه؟!"
يسـر اتنهدت، صوتها كان متردد
"هو... كان عامل حادثه من بدري... وكابر، الضلوع اتحركت وضغطت على رئته سببتله نزيف"
تيم كان بيسمعها بتركيز شديد، ملامحه مشدوده، يسر كملت وهي بتبلع ريقها بالعافيه
"الدكتور دخله العمليات فورًا... لسه جوه لحد دلوقتي."
تيم عض شفايفه بقوه، بيحاول يسيطر على غضبه وخوفه في نفس الوقت، حسام وقف جنبهم متوتر، يسـر بصت لتيم تاني وقالت بصوت واطي
"إن شاء الله هيكون كويس"
في اللحظه دي، الباب بتاع العمليات اتفتح بهدوء وظهرت فريده، تيم أول ما شافها اتصلب في مكانه، عينه اتشبكت في عينيها باهتمام واضح، واقف مستني أي كلمه منها، حسام بصلها هو كمان باهتمام، يسر اتقدمت خطوتين بسرعه، قلبها مقبوض وقالت بصوت متلهف
"إيه يا فريده؟!"
فريده أخدت نفس عميق، بصّت الأول لتيم اللي كان واقف ثابت، عينيه متعلقه بيها كأنه مش سامع غير صوتها، بعدين حولت عينيها على حسام اللي كان بيبصلها، ورجعت تبص ليسر اللي مستنياها تتكلم.
فريده أخيرًا قالت بصوت هادي
"الحمد لله... الدكتور قدر يرد أضلاعه مكانها، العمليه تعتبر خلصت، والدكتور هيخرج يطمنكم أكتر كمان شويه."
يسر اتنفست براحه وكأنها اول مره تتنفس، تيم نفس التعبير على وشه، بس عينه ارتخت سنه صغيره.
فريده بلعت ريقها وقالت 
"عن إذنكوا..."
حسام وقفها بسرعه
"فريده!"
وقفت ثواني، لفّت وشها ناحيته وقالت باقتضاب
"معلش يا حسام ثواني... مشغوله جدًا."
ومشيت بسرعه...

بعد لحظات قليله، صابرين ظهرت وملامحها باين عليها الذعر، قربت بسرعه من تيم اللي طمنها وفهمها الوضع وهيا ارتاحت شويه، في اللحظه دي، باب العمليات اتفتح والدكتور خرج وكلهم اتجمعوا حواليه في نفس اللحظه.
صابرين سألت بلهفه
"هو بخير يا دكتور؟ كويس؟! طمني"
الدكتور ابتسم ابتسامه مطمئنه وقال بنبرة عمليه
"الحمد لله، بس هو محتاج يفضل كام يوم تحت الملاحظه، عشان نتأكد إن مفيش ضلع ارتد تاني عن مكانه."
يسـر سألت بسرعه
"يعني... هيفضل هنا قد إيه؟"
الدكتور رد بهدوء
"٣ أيام على الأقل... وبعدها إن شاء الله يخرج وهو أفضل بكتير."
الكل ظهر عليهم الارتياح من كلام الدكتور، مش أول مره بس كل مره بتعدي بستر ربنا...

يسر انسحبت بهدوء بعد ما اتطمنت اخيرا، دخلت الاوضه اللي دايما بيتجمعوا فيها ولقت فريده، قربت منها وسألت
"قاعده كده ليه؟"
فريده بصتلها وقالت بهدوء
"لسه داخله اهو... الدكتور خلص؟!"
يسر اتنهدت بارتياح، وهزت راسها وقالت 
"الحمد لله، بقا بخير... شويه وهيفوق... هيقعد هنا ٣ أيام تحت الملاحظه وبعدها يكون أحسن كتير."
فريده ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت
"الحمد لله."
يسر فضلت تبصلها ثواني، وبعدين سألتها باستغراب
"مش هتروحي تشوفي حسام؟"
فريده هزت راسها بسرعه وقالت بجديه
"لسه عندي شغل"
يسـر شبكت إيديها وقالت بنبره متفهمه
"عارفه إن عندك ضغط، بس بردو هو مستنيكي... إنتي عارفه هو بيقدرك قد إيه."
فريده اتنهدت، بصت بعيد وقالت بهمس
"عارفه... بس مش مستعده أتكلم مع حد دلوقتي"

عند حسام
كان واضح الضيق على وشه من تجاهل فريده، فضل يبص حواليه، مستني يلمحها جايه من بعيد، لكن الوقت عدى وهي مظهرتش، لا سألت عليه ولا حتى جت تشوفه، زفر بقوه، قبض إيديه وحاول يسيطر على نفسه، ساعه كامله عدت وهو مستني، قلبه بيتقبض أكتر مع كل دقيقه، ولما أخيرًا اتطمن على يونس قرر يمشي، بس قبل ما يخرج سمع صوتها بينادي
"حسام!"
وقف مكانه، لفلها لاقاها بتقرب منه، قالت بسرعه
"رايح فين؟"
رد ببرود، صوته هادي بس فيه مراره
"ماشي."
رفعت حواجبها باستغراب
"من غير ما تشوفني؟"
قال بضيق
"قولتلك استني، قولتيلي مشغوله... وبعدها اختفيتي، بما إن شغلك أهم ومش فاضيه، مفيش داعي أفضل موجود أكتر."
ملامحها اتلغبطت وقالت بتوتر
"بس أنا فعلاً كنت مشغوله."
نبرته عليت شويه من كتر الضيق
"وأنا مشغول أكتر منك، وبرغم كده استنيتك أكتر من ساعه... وإنتي مجيتيش."
صوتها كان واطي وهي بتحاول تبرر
"كنت هاجي علفكره."
سألها بسخريه
"وإيه اللي منعك؟ مش قادرة تفضي خمس دقايق يعني؟"
قالت بسرعه 
"غصب عني والله."
سكت لحظه، بعدين ابتسم ابتسامه مريره
"تمام... اتفضلي كملي شغلك... وأنا همشي."
مدت إيدها بخوف تحاول تمنعه يمشي وهيا بتقول
"خليك معايا شويه طيب."
بصلها، قلبه بيتألم بس كبرياءه منعه، قال بهدوء حاد
"آسف، مش هينفع أسيب الشغل أكتر من كده... كملي شغلك يا فريده، عن إذنك."
سابها وخرج، وهيا وقفت مكانها متجمده، صدرها بيطلع وينزل بسرعه من الضيق.

حسام مشي بخطوات سريعه، كأنه بيهرب من كلامها ومن الضيق اللي مالي قلبه، فريده ملحقتش تفكر، جريت وراه لحد ما وصلت عنده، نادت بصوت ملهوف
"حسام... استنى!"
وقف لحظه، لفلها من غير ما يتكلم، ملامحه جامده.
قربت منه بسرعه وقالت بتوتر
"متسيبنيش كده... أنا آسفه، والله غصب عني."
رد بجمود
"قولتلك خلصنا."
حاولت تمسك إيده وقالت برجاء
"طب اسمعني بس... أنا مقدرش أزعلـ..."
شد إيده من إيديها وبص بعيد كأنه بيحاول يسيطر على نفسه وقال بصرامه
"مش دلوقتي يا فريده."
دموعها لمعت وهي بتحاول تمسك أعصابها، كمل بنفس النبره البارده
"بكره هعدي عليكي... علشان نروح نختار الشبكه."
قالها كأنها واجب مش بحب زي ما دايما بيكلمها، وبعد كده مشي وسابها واقفه....

تاني يوم عند يونس
الاوضه كانت هاديه إلا من صوت جهاز التنفس اللي بيقيس دقات قلبه، يونس نايم على السرير، شكله منهك، الباب اتفتح بهدوء، دخلت يسر بخطوات محسوبه، ملامحها جامده، ماسكه نفسها بكل قوتها، ملامحها جامده كأنها لابسة قناع مهنيه، قربت من السرير من غير ما تبص في عينيه، بدأت تفحص الأجهزه، تكتب ملاحظات سريعه، تظبط المحلول.
صوتها طلع عادي جدًا، بارد وعملي
"إزيك دلوقتي؟ في دوخه أو صعوبه في التنفس؟"
يونس كان بيتابع كل حركة منها، عينيه ثابته عليها، مستغرب برودها بس رد بهدوء
"تمام... الحمد لله."
يسـر اكتفت بهزة راس صغيره وقالت باقتضاب
"كويس... استمر على نفس الوضع، أي ألم لازم تبلغنا فورًا."
اتنهدت وقالت أخيرًا بنبره جاده جدًا
"وحمد الله على سلامتك... ياريت الفاضل بينا يكون احترام وبس."
يونس وشه اتغير، الضيق بان على ملامحه، عينيه نزلت لحظه وبعدين رفعها تاني وقال بصوت متعب
"وأنا قولتلك إني آسف... آسف على كل حاجه... ووعدتك مش هتعرضلك تاني."
يسـر نبرتها فضلت رسميه وقالت
"ده الأفضل... لأني كنت فعلاً مش مرتاحه... كل مرة بتظهرلي فجأه كنت بحس برعب"
يونس اتنهد ببطء، صوته خرج بغصه 
"تمام، مش هتشوفيني تاني، هخرج من هنا ومش هضايقك تاني، صدقيني."
بعدها سكت، بص بعيد عنها، يسر اكتفت بهزة راس بسيطه، لفت وخرجت من غير ما تعلق أكتر.

عند فريده
فونها رن، شافت اسم حسام فردت بسرعه، صوته جه هادي لكنه جدي 
"أنا مستنيكي."
قفلت وهيا بتخرج بسرعه، خرجت لقته واقف عند عربيته، باصصلها ببرود خفيف، ابتسمتله ابتسامه دافيه وهي بتقرب، مدت إيدها تسلم عليه، بس هو سبقها وفتحلها باب العربيه من غير ما يقول كلمه.
ابتسامتها اختفت تدريجيًا، ركبت بهدوء وهو قفل الباب ورجع مكانه تاني، فريده بصتله وقالت بنبره متردده
"شكلك لسه متضايق."
مردش... اتنهدت بضيق وقالت
"مش شايف إنك أوڤر شويه؟"
حسام اتنهد بعمق، بص قدامه كأنه بيرتب كلامه، وبعدين صوته خرج صريح
"في الأول... أول ما شوفتك خطفتيني، كنت بعمل المستحيل علشان بس أشوفك، ومع ذلك مكنتش بشوف منك أي مشاعر أو أي فرحه، كنتي لذيذه في التعامل... بس مش قادر أفهمك أو افهم مشاعرك"
بصلها وبعدين رجع عينه للطريق وقال بصدق أكبر
"قولت لازم أواجهك بمشاعري... وطلبت أتجوزك، وبالرغم من إنك اتأخرتي في الرد وأنا سيبتك براحتك خالص علشان مكونش بضغط عليكي من أي اتجاه، بس في الآخر وافقتي... وده خلاني أسعد إنسان."
كمل بصوت مكسور
"بس بعدها إنتي اتغيرتي، كذا موقف بحس نفسي آخر أولوياتك، مع إنك يا فريده أول أولوياتي، تقدري تقوليلي إيه السبب؟! هل إنتي مش مبسوطه معايا؟"
سكت لحظه وبعدين بص في عينيها وقال بحده أهدى من غضبه
"أنا ممكن أدوس على مشاعري عادي ومع الوقت هنسى، بس لو إنتي معايا يبقى لازم تديني اهتمام، إحنا خلاص مش مجرد صحاب، إحنا هنتجوز قريب، هنكون أقرب اتنين لبعض، لو أنا الشخص الغلط عرفيني دلوقتي قبل ما دماغي تفضل توديني وتجيبني."
فريده سكتت لحظات، بصت قدامها كأنها بتجمع كلامها وقالت بهدوء
"أنا بحب شغلي... ومش متعوده أهتم بحد، يمكن لسه محتاجه أستوعب وجودك في حياتي."
حسام شد نفسه وقال بجديه
"تمام... يبقى نأجل علاقتنا... نأجل جوازنا شويه"
بصتله بسرعه وقالت بقلق
"ده اللي إنت عايزه يعني؟"
هز راسه وقال بهدوء عميق
"أنا مش بتكلم عني... أنا بتكلم عنك إنتي... إنتي اللي عايزه إيه؟ أنا عكسك يا فريده... أنا راحتك بتهمني لأني بحبك بجد، مش مجرد واحد سطحي عاجباه واحده، فعرفيني عشان أبقى فاهم ومفضلش في دوامة الشك دي."
فريده اتنهدت وبصتله، ابتسمت بخفه تحاول تكسر الجليد اللي بينهم
"اللي عايزاك تعرفه إني عايزاك، وعايزة أكون معاك بسرعه."
حسام بصلها، عينيه مليانه شك وتردد، صوته طلع هادي بس فيه غُصه
"كلام حلو، بس مش حاسس بيه، إنتي عارفه إحساسي إيه دلوقتي؟ إن أنا اللي متمسك وإنتي بتمشي ورا التيار بس، خايف أكون مجرد محطه بالنسبالك."
فريده اتوترت من كلماته، قالت وهيا بتحاول تشرحله موقفها
"حسام، أنا يمكن مش بعرف أعبّر زيك، ومش بعرف أدي الاهتمام اللي بتدور عليه بسهوله، بس ده مش معناه إني مش عايزاك، بالعكس... إنت فارق معايا أكتر من أي حاجه."
فريده كملت بإصرار، صوتها بدأ يلين
"أنا يمكن ببان بارده... بس جوايا مش كده، يمكن عشان متعوده أعتمد على نفسي طول الوقت، صعب أدي لحد مساحه يدخل حياتي بالشكل ده، بس إنت... إنت أول واحد يخليني أفكر إني مش لوحدي، إنت مهم عندي يا حسام... أهم من أي حاجة تانيه"
حسام فضل ساكت ثواني، وبعدها اتنهد بهدوء وكأن الكلام بدأ يوصل قلبه
"أنا بس عايز أحس إنك معايا مش ضدي، مش عايزك تبعدي عني بالشغل أو بأي سبب تاني، يعني كل حاجه وليها وقت، مينفعش تيجي على حاجه علشان حاجه"
فريده مدت إيدها ومسكت ايديه وهي مبتسمه ابتسامه صافيه
"مش هسمح لشغلي ياخدني منك تاني، إنت الأول عندي دلوقتي."
حسام أخيرًا ابتسم ابتسامة صغيرة وقال بصدق
"هو ده اللي كنت مستني أسمعه منك طول الوقت."
ابتسمت براحه وبصت قدامها واتنهدت بارتياح

AFTER ABOUT 2 MONTHS 
فريده كانت واقفه قدام المرايه في بيوتي سنتر كبير اختارته بعنايه من أسابيع، باصه لنفسها برضا، كانت لابسه تحفه فنيه من الدانتيل الأبيض الخالص، الفستان كله مشغول بنقشات ورديه دقيقه وناعمه بتغطي القماش من أوله لآخره، مدياله مظهر رومانسي وفخم جدًا، التصميم كان أوف شولدر (كتاف مكشوفه) بيبرز جمال رقبتها وعضم أكتافها مع أكمام طويله ضيقه كلها دانتيل شفاف مخرم كأنها طبقه رقيقه من الورود ملفوفع حوالين إيديها.
الصدر مصمم بقصه أنثويه أنيقه، مبرزه تفاصيل الفستان بشكل راقي، والوسط ماسكها بخفه مديها قوام مرسوم ومتوازن، ومن عند الوسط نازل الفستان واسع بانسيابيه فخمه.
كانت لابسه عقد لؤلؤ قصير ثلاثي الطبقات ملفوف حوالين رقبتها، ضاف لمسه كلاسيكية راقية جدًا، اكسسوراتها بسيطه جدا، شعرها منسدل بسيط على ضهرها من غير أي تكلف، وده خلّى جمال الفستان وملاحها يبان أكتر.
الميكب طبيعي جدا، عينيها مرسومه بخط أسود رفيع ورموش طويله بارزه، وشفايفها لونهم وردي فاتح، كان بسيط جدا ويادوب برز ملامحها.

أما عند حسام
حسام كان واقف قدام المرايه في أوضه واسعه وفخمه، الإضاءه ناعمه بس متركزه عليه، لابس بدله سودة كلاسيك قصتها مظبوطه جدا على جسمه، مبرزه عرض كتافه وطوله، القماش لامع لمعه خفيفه بتدي فخامه للبدله من غير ما يبقى مبالغ فيها، تحتها قميص أبيض ناصع، مكوي بعنايه، جيب الجاكيت محطوط فيه منديل حرير أبيض صغير مرتب بعنايه، ومكتوب اسم فريده على البدله جنب صدره.
جزمته كانت سوده، جلدها بيلمع كويس جدا، شعره متظبط باستايل بسيط وراقي، ملامحه باينه إنها مشدوده من التوتر، بس عيونه فيها لمعة فرحه واضحه، لحيته كانت خفيفه ومهذبه جدًا، مدياله شكل راجل وسيم وراقي.
كان لابس ساعه معدن فضيه أنيقه، كل شويه يبص فيها بقلق كأنه مستعجل يشوف فريده، ابتسامته مش بتفارق وشه رغم التوتر، وكان حوالين عينه خطوط صغيره من كتر الضحك مع أصحابه اللي بيهزروا معاه.

A FEW MINUTES LATER 
حسام كان واقف قدام المرايا اللي في الـ بيوتي سنتر، بيعدل نفسه للمره العاشره من غير داعي، إيديه كانت بتترعش بشكل بسيط، قلبه بيدق بسرعه أكتر من الطبيعي، وكل ما يسمع صوت حركه ورا الباب يحس إن نفسه اتحبس، كان بيحاول يبان هادي قدام أصحابه بس الحقيقه إنه كان متوتر زي طفل صغير.
بعد لحظات، الباب اتفتح ببطء وفريده ظهرت، بصلها وأول ما شافها حس إنه اتخطف من الدنيا، عينيه اتسمرت عليها، وسعت بشكل ملحوظ، وابتسامه لا إراديه كسرت كل توتره، خد نفسه بعمق، بس صدره كان بيطلع وينزل بسرعه وكأنه مش قادر يسيطر على نفسه.
اتقدم خطوه صغيره لقدام، بعد كده رجع خطوه لورا وهو بيحاول يستوعب اللي بيحصل، إيديه راحت لشعره يعدله من غير سبب، وصوته اتخنق وهو بيضحك بخفه متوتره.

فريده أول ما شافته واقف مستنيها كتمت نفسها، ابتسامتها كانت مرتعشه، وإيديها اللي ماسكه الفستان كانوا مشدودين جامد، حسّت إن كل العيون عليها بس في اللحظه دي، وتوترها باين بشكل ملحوظ.

حسام فجأه مسك صدره وعمل نفسه بيتمايل كأنه هيقع... أصحابه اتخضوا ومدّوا إيديهم بسرعه يسندوه، بس هو ضحك بخفه وقال وهو باصص لفريده
"مش أنا اللي وقعت، ده قلبي وقع من ساعة ما شوفتك!"
أصحابه وضحكوا وهيصوا على كلامه، وفريده اتوترت اكتر بس ابتسامه صافيه ظهرت على وشها.
قرب منها وهمس جنب ودنها 
" فريده؟ مش مجرد اسم... ده وصف فعلا"
الكلمه وقعت على قلبها زي سحر، خلتها تنسى ارتباكها كله، رفعت عينيها ليه أخيرًا، ولأول مره من بداية اليوم بانت الطمأنينه في ملامحها.

عند تيم 
كان واقف قدام المرايه في اوضته، واقف ثابت، بيعدل الكم بدقه مبالغ فيها وبعدين يوقف، يلبس الساعه ويشيلها تاني، رش برفانه بهدوء، في حاجه جواه مش قادر يسيطر عليها، ملامحه مش واضحه، مزيج غريب من الجمود اللي متعود يحطه قدام الكل ومن لين خفيف مش باين غير في عينيه، وضيق جوه صدره من غير ما يطلع، مكانش قادر يفهم نفسه، ولا قادر يحدد إيه الإحساس اللي مسيطر عليه.
الباب اتفتح، صابرين دخلت بهدوء، عينيها عليه من غير ما تقطع تركيزه اللي ظاهر في المرايه
قالت بصوت هادي
"هتيجي؟"
تيم هز راسه بالإيجاب من غير ما يبصلها، قال ببرود
"أنا ويونس جايين وراكي."
صابرين وقفت ثواني تبصله وبعدين قالت
"لو مش عايز تروح... خليك، وأنا هقول لحسام أي سبب."
تيم بصلها بحده بسيطه وقال بجمود
"أنا ويونس جايين وراكي."
الكلمات خرجت منه حاسمه غير قابله للنقاش، صابرين بصتله لحظات وبعدين خرجت بهدوء.

بعد ساعه
تيم وصل القاعه مع يونس، خطواته كانت تقيله وكأنه شايل جبل على كتافه، شكله من بره متماسك جدًا، لكن عينيه وهي بتلف في القاعه فضحته.
وقف عند المدخل لحظه بيحاول يجمع نفسه وبعدين دخل وهو بيبص حواليه، شافها... وقلبه ضرب أقوى لما شافها.
كانت قاعده جنب حسام، ضحكتها خفيفه، حسام كان جنبها، مبطلش يبصلها بحب وانبهار.
تيم اتسمر مكانه، للحظة اتخيل المشهد من زاويه تانيه... كأنه هو اللي واقف هناك مكان حسام، بنفس كل حاجه... بس هو اللي معاها، الفكره دي خنقته، حس بيها كطعنه في صدره.
شد نفسه بسرعه، رفع راسه وقرب اكتر وكل ما يقرب أكتر، كل ما قلبه يتقطع أكتر، عينيه اتسحبت من غير ما يقصد ناحيتها.

فريدة كانت مبتسمه ابتسامه رقيقه، لكن جواها توتر خفي مش عارفه سببه، إحساس غريب خلاها ترفع عينيها من غير وعي ولقته... تيم.
كان بيقرب منهم بخطوات ثابته، عينيه ثابته عليها وسط الزحمه....
تيم وهو بيقرب حس بخطواته بتتقل أكتر وأكتر، كأن الأرض تحت رجليه مش بتساعده يكمل، وكل نفس بيسحبه كان محتاج قوه عشان يكمل، من برّه شكله واقف زي الجبل، أكتافه مرفوعه، ملامحه متماسكه، لكن جواه... كان فيه إعصار.
كل ضحكه طلعت من فريده لحسام كانت بتقطع جوه قلبه، وكل لمعة في عين حسام وهو بيبصلها كانت بتقيد نار في صدره، ومع ذلك، كان بيجاهد بكل قوته عشان ملامحه تفضل ثابته.
وصل عندهم اخيرا، حسام أول ما شافه ابتسامته وسعت، قام وقف يستقبله وهو بيمد إيده، تيم مد إيده وسلم عليه، ضمّه بخطوات صغيره لحد ما اتعانقوا، اللحظه دي قلبه اتلغبط أكتر، ده صاحبه اللي بيتمناله كل الخير... وفي نفس الوقت، ده الشخص اللي واقف مكانه في الحلم اللي كان بيتمنى يعيشه، قال بثبات مزيف
"مبروك يا حسام... من قلبي."
حسام ابتسم ابتسامه كبيره وقال
"الله يبارك فيك، وجودك فرحني بالرغم من اني كنت محتاجك من أول اليوم"
تيم هز راسه، ابتسم ابتسامه صغيره باهته وهو بيبعد، عينيه اتحركت لفريده، كانت لسه قاعده مكانها بس وشها متغير، ابتسامتها اللي كانت من شويه خفيفه وبسيطه، دلوقتي اتبدلت بارتباك واضح، قلبها كان بيتخبط بسرعه غريبه، كأن وجوده فجأة رجّعها لحاله مش مفهومه.
تيم مد إيده ليها، بص في عينيها مباشرة، قال بصوت هادي، متماسك، ثابت
"مبروك يا فريده"
اترددت ثواني قبل ما تمد ايديها، ولما لمست إيديه، حست ببروده متجمّده من بره، لكنها في نفس الوقت حست بحراره مستخبيه جواه، قلبها دق بقوه، عينيها ثبتت عليه كأنها مش قادرة تبعد، كأنها بتحاول تفهم كل اللي مستخبي وراه في اللحظه دي.

وهو... هو كان بيقاوم بكل قواه عشان ميطولش اللحظه أكتر، ساب إيديها بسرعه وهو بيبتسم ابتسامه صغيره ورجع خطوه لورا، انسحب بهدوء كأنه بيجر رجليه جر، راح وقف بعيد شويه، مكان مش شايفهم فيه بوضوح، بعدها بلحظات يونس جه وقف جنبه بعد ما باركلهم هو كمان، يونس لمحه واقف متجمد، إيديه في جيبه، عينيه مش مستقره، كل شويه تروح ناحيتهم وترجع بسرعه
سأله بصوت هادي
"انت كويس؟"
تيم شد نفسه وقال بجمود
"كويس... أنا تمام."
يونس زفر، عارف إنه مش تمام، بس مرديش يضغط عليه، وقف جنبه ساكت.

يونس عينيه بدأت تلف في القاعه من غير ما يقصد... أو ده اللي وهم عقله بيه، كان بيدور عليها بعينيه، عايز يشوفها، وشافها... كانت واقفه مع أصحابها، ضحكتها هاديه، يونس اتسمر مكانه، عينيه اتشدت عليها بقوه، ووشه اتغير للحظه... كأن قلبه نط من مكانه.
كانت لابسه فستان طويل من قماش شيفون ناعم بلون أزرق غامق، مناسب جدا لبشرتها وبيبرز ملامحها الهاديه، كان بأكمام طويله شفافه، ضيقه عند المعصم ومنتهيه بتطريز رقيق بخرز فضي، وفي الوسط حزام رفيع من نفس اللون محدد خصرها بطريقه أنيقه، الجزء العلوي من الفستان مطرز بخطوط بسيطه بتلمع مع كل حركه خفيفه، أما الجزء السفلي فكان واسع.
شعرها كان سايب، مفرود على كتافها بتموجات ناعمه، متزين بـ إكسسوار صغير فضي على الجنب، بسيط بس زود من جمالها.
مكياجها كان هادي جدًا وبسيط
تيم لمح نظراته وقال بهدوء جاف
"لقيتها؟!"
يونس اتفاجئ إنه اتكشف، اتوتر ثواني وبعدين رد وهو بيبص بعيد
"مين دي؟"
تيم ابتسم ابتسامه باهته، فيها سخريه موجوعه
"بلاش لف ودوران... بس إيه اللي مانعك؟"
يونس شد نفسه وقال
"طب وإنت؟ إيه اللي مانعك؟"
تيم سكت لحظه، وبعدين رد وعينيه غرقانه في الضياع
"حاجه خارجه عن إرادتي يا يونس... بس على الأقل إنت مسموحلك عادي، لو قلبك دق لواحده دلوقتي، إيه اللي مانعك تروح وتقولها؟"
يونس عض شفايفه وقال ببطء
"ولو كنت مكاني... كنت هتعمل كده؟"
تيم مترددش، صوته كان ثابت
"من غير تفكير... أنا لو كنت مكانك، كانت حاجات كتير أوي اتغيرت، وأول ما قلبي يدق لواحده هروحلها وأقولها، هقولها قد إيه بحبها... عمري ما هسيبها تضيع من بين إيديا."
يونس سأله
"حتى لو هي رافضه؟"
تيم بص بعيد، سكت لحظه وبعدين قال بهدوء
"لو رافضه... هفهم السبب، لو السبب إنها مش حباني يبقى خلاص... مش هضغط عليها، لكن لو أي سبب تاني؟ هحاول... هحاول عشانها لآخر نفس."
يونس بصله باستغراب، حسه شخص تاني خالص، وقال وهو متفاجئ فعلا
"مش باين خالص إن دي ممكن تكون شخصيتك في يوم."
تيم ضحك ضحكه صغيره مش واصله لعينه وقال بشرود
"شخصيتي دي اتفرضت عليا... مش شخصيتي الحقيقيه"
يونس هز راسه وقال بصدق
"وأول مره أسمعك تتكلم كلام زي ده بصراحه، مستغربك."
تيم رفع عينه للسقف وكأنه بيكتم غصه وقال بصوت متماسك بس في نفس الوقت مكسور
"بحاول أخرج شويه من اللي جوايا عشان منفجرش، لأن أكتر من كده؟ مش عارف إيه ممكن يحصل."
تيم بعد ما قال كلمته الأخيره، سكت فجأة كأنه بنفسه اتخض من اللي طلع منه.
يونس فضّل يبصله، شاف الحده اللي رجعت لملامحه تاني، كأن الباب اللي اتفتح للحظه اتقفل بقفل حديد.
تيم عدّل وضع وقفته، نفخ نفس تقيل، ورجع يلبس قناع الجمود
"ركز معايا يا يونس... أنا كنت بقدملك نصيحه وبس كده، مش عايزين نفتح مواضيع أكتر "
يونس رفع حواجبه باستغراب
"إنت اللي فتحت الكلام مش أنا."
تيم بصله بحده وقال
" ودلوقتي بقفله تاني"
يونس عض شفايفه، سكت بس من جواه حس بثقل أخوه، حس إنه مليان وجع، وجع كبير أوي، بس مغطيه بدرع من حديد.

وتيم كان واقف مكانه كأنه حجر، بس عينيه مسابتش فريده ولا لحظه، بيراقبها من بعيد وهو شايف الضحكه على وشها، وكل حركه تلقائيه منها كانت بتيجي على قلبه زي وخزه، ولما تبص لحسام يلاقي نفسه بيتقطع من جوه كأن حد بيضغط على صدره بإيد من حديد.

ومن الناحيه التانيه فريده، كانت عايشه نص حياه ونص ضياع، من ساعة ما شافته واقف على باب القاعه، قلبها اتخبط خبطه مش مفهومه، بتحاول تركز مع حسام، تضحك مع اللي حواليها، تبين إنها مبسوطه، بس جواها حاجه مش مستقره، عينيها ساعات تزوغ غصب عنها تدور عليه وسط الزحمه، ولما عينيها تيجي عليه بتحس بتوتر.
حسام بيتكلم معاها، وهيا بتبتسم، بس ابتسامتها ناقصه، مش طالعه من القلب زي ما هو متخيل، عقلها مشغول، ومش قادرة تحدد
"هو ده مجرد توتر عادي؟ ولا السبب الحقيقي واقف هناك، بعيد... بيراقبها بعينيه الجامدين اللي شايله كل اللي مش قادر يقوله"

تيم وقف مكانه عشر دقايق بالظبط، عشر دقايق كانوا بالنسباله أطول من عمر كامل، كل ثانيه فيهم كانت خنقه، وكل لمحه منه ليها بتوجعه أكتر، كأنه بيشوف حلم حياته بيتسحب قدامه وهو مش قادر يمد إيده، وشه كان جامد، ماسك نفسه بكل قوه، بس عينيه فضحاه، فاضحه كل اللي مش قادر يقوله، فجأه اخد نفس عميق كأنه بيحاول يطرد كل حاجه جواه، واتحرك ناحية باب القاعه يخرج، خطواته كانت تقيله بس سريعه.
يونس لمح انسحابه، نده عليه بصوت عالي نسبيا
"تيم...!"
لكن تيم ملتفتش ولا وقف، كمل طريقه وخرج من القاعه وهو مش قادر يفضل لحظه زياده، كل حاجه جوه بقت زياده عن احتماله.

أول ما خرج من القاعه الهوا البارد ضرب وشه بس مداهوش أي فرق... جواه كان نار، فضل ماشي بخطوات تقيله ناحية الجنينه اللي جنب القاعه، قعد على كرسي بعيد، عينيه سابحه في الفراغ، بيحاول يلملم نفسه.
وبينما هو قاعد، فكر في كلمته ليونس
"أول ما قلبي يدق لواحده... هروحلها."
واللي كسر قلبه بزياده إنه هو فعلًا قلبه دق.. بس مش مسموحله يقرب.
قفل عينيه جامد محاوله أنه يخفف الوجع اللي حاسس بيه، بس كل ما يقفلها صورتها تظهر قدامه، سمع خطوات ورا منه، فتح عينيه ولقا يونس واقف، باصصله بقلق.
يونس قال بنبره هاديه
"إنت مش مضطر تعذب نفسك كده يا تيم."
تيم ابتسم ابتسامه كلها مراره وقال
"أنا مضطر... لأن دي ضريبه غلطات كتير أنا عملتها، والنهارده... جزء من الحساب "
يونس قعد جنبه، ساب لحظه صمت تقيله عدت، وبعدها قال بنبره هاديه
"طيب لحد إمتى هتفضل شايل الضريبه دي على كتافك؟ لحد ما تكسر نفسك خالص؟"
تيم بص قدامه للفراغ، سكت شويه وبعدين قال
"ده طريقي يا يونس، مفيش رجوع، في ناس بتتولد عشان تحب وتتبسط، وفي ناس بتتولد عشان تدفع التمن ... أنا من النوع التاني."
يونس شد نفسه وقال بإصرار
"لا مش صح... كلنا بنغلط، بس مش معنى كده ندفن نفسنا، إنت لسه عايش... ولسه قدامك فرص كتير"
تيم ضحك ضحكه قصيره باهته مليانه وجع
" ده في نظرك انت بس، انت معيشتش اللي أنا عيشته، مش هتقدر تفهمني"
يونس مد إيده وحطها على كتفه وقال بقلق
"إنت محتاج تواجه نفسك... مش تهرب، مش تحط قناع وتكتم كل حاجه جواك، لأن في يوم... هييجي وقت مش هتعرف تمسك نفسك فيه...وساعتها..."
تيم قاطعه بسرعه
"ساعتها هتخلص الحكايه كلها..."
الكلام وقع تقيل على يونس، خلى قلبه ينقبض، حس بالخطر اللي مستخبي في نبرة تيم، حاول يفتح بُقه يقول حاجه بس تيم سبقه، قام واقف، عدّل هدومه كأنه بيلبس القناع تاني وقال بجمود
"يلا نرجع، علشان شويه وهمشي"

جوه في القاعه، فريده كانت قاعده جنب حسام، بتحاول ترسم ابتسامه خفيفه، بس قلبها متلغبط من ساعة ما عينيها وقعت على تيم، الجو حواليها مليان ضحك وزفه وتهاني، بس هيا حاسة إن صوت الناس بيتباعد، وكأنها محبوسه في فقاعه غريبه.
عينيها بين وقت والتاني تزوغ ناحية المدخل، يمكن يدخل بعد ما خرج، الغياب بتاعه وجعها أكتر من وجوده.
حسام لاحظ تغيرها، الشرود اللي حاولت تخفيه ورجع بسرعه لابتسامه، مال ناحيتها وقال بصوت هادي
"مالك يا فريده؟ حاسس إنك سرحتي."
فريده بسرعه شدت نفسها، ابتسمت وقالت وهي بتبصله
"لا مفيش، يمكن بس توتر طبيعي."
حسام فضل يبصلها للحظه، بس بعدها ابتسم ابتسامه كلها حنان وقال
" مفيش داعي للتوتر، يلا نقوم نكمل رقص وهتنسي توترك"
حسام مد إيده لفريده، وهي اترددت لحظه صغيره قبل ما تقوم معاه.
يسر من بعيد كانت متابعاها وشايفه توترها من ساعة ما تيم ظهر، بس قررت تسيبها تندمج مع حسام دلوقتي لأنها عارفه هيا بتعاني قد ايه من فتره.

تيم واقف جنب يونس، عينيه مركزه في الفون بتاعه، شكله متحجر بيحاول يلهي نفسه لحد ما الوقت يعدي ويقدر ينسحب عادي
صابرين ظهرت، قالت بابتسامه
"كويس إني لقيتكوا... قولت أتطمن عليكوا."
بصت لتيم بسرعه نظره سريعة تتطمن بعينيها،
تيم مرفعش عينيه من على الفون، رد ببرود
"إحنا تمام."
صابرين هزت راسها بإيماءه خفيفه وقالت
"لو حاسس انك متضايق امشي مش لازم تفضل أكتر."
تيم رفع عينيه ليها لحظه وبعد كده رجع يبص في الفون تاني من غير ما يتكلم.
صابرين كملت بنفس الهدوء
"أهم حاجه متخليش أي حاجه تعكر عليك... اللي فات خلاص."
تيم هز راسه وقال
" متشغليش بالك"
صابرين اكتفت بإيماءه خفيفه وابتسامه شكليه قبل ما تتحرك وتسيبهم.
يونس بص لتيم بقلق، لكن تيم فضل ساكت، عينيه غرقانه في شاشة الفون كأنه بيدفن نفسه فيها لحد ما الوقت يعدي.

يسر قربت من فريده بالفون وقالتلها في ودنها
"دي سالي... عايزة تباركلك."
مدت الفون لفريده اللي ابتسمت بفرحه واضحه وأخدته بسرعه، لكن مقدرتش تسمع كويس في الدوشه، انسحبت بعد ما قالت لحسام في مكان هادي تقدر تسمعها فيه ويسر راحت معاها
فريده ردت بصوت مليان حماس
"سالي! إزيك؟ وحشاني فوق ما تتخيلي "
سالي ردت بفرحه
"أنا كويسه يا قلبي، مبروك! فرحنالك من قلبي."
فريده ابتسمت ابتسامه صافيه وقالت
"تسلميلي بجد، اتصالك فرق معايا بجد."
سالي ردت بحنان
"وإنتي تفرقي معايا أكتر يا فريده، إزاي أسيب اليوم ده يعدي من غير ما أكلمك؟"
فريده سألتها
"طب ناويه تيجي قريب ولا نسيتينا؟"
سالي ردت
"مش عارفه لسه يا فريده، بس أكيد هاجي مع ياسر لما ينزل يزور أهله."
فريده ابتسمت أكتر وقالت بخفه
"مستنياكي من دلوقتي."
سالي ابتسمت وقالت
" طيب يا ديدا، يلا باي مش عايزه أعطلك اكتر، وباركي لحسام بالنيابه عني"
فريده ضحكت بخفّة وقالت
"حاضر يا سالي، هبلغه، خلي بالك من نفسك."
قفلت المكالمه، وبصت للفون لحظه بابتسامه، يسر قربت منها وقالت بصوت واطي
"فريده... أنا ملاحظه إنك سرحانه علطول جوه، مينفعش كده."
فريده اتنهدت وردت وهيا بتبرر
"غصب عني والله، بس بحاول أدخل في المود وأندمج."
يسر هزت راسها وقالت بنبره جاده
"إحنا اتكلمنا كتير في الموضوع ده، وخلاص دخلنا في الجد... مش هينفع نندم دلوقتي."
فريده بصت قدامها لحظه، ملامحها اتبدلت لحزن واضح، وقالت بهمس متقطع وهيا بتدخل تاني
"خلاص يا يسر... سيبيني باللي أنا فيه."
يسر مشيت وراها بخطوات سريعه، قالت بنبره حازمه وهاديه في نفس الوقت
"مش هسيبك يا فريده، لازم تفتكري إنك اخترتي خلاص… ومفيش رجوع."
فريده كتمت نفسها للحظه، حسّت بجملة يسر زي خنجر، بس في نفس الوقت عارفه إنها صح، مردتش، كملت طريقها بابتسامه واسعه تخفي بيها توترها.

بعد لحظات، تيم بقا خلاص مش قادر يستحمل أكتر، لم نفسه بهدوء، وبإشاره صغيره ليونس خرجوا سوا، كان ماشي بخطوات سريعه لانه عايز يخرج بسرعه، يخرج من المكان اللي حس فيه بالضيق من اول لحظه، المكان اللي كرهه في الشويه اللي قعدهم، وصلوا عند العربيه، يونس بصله وقال بنبره هاديه فيها حرص
"سيبني أنا أسوق."
تيم وقف لحظه، بصله من غير أي اعتراض وكأنه ما عندوش طاقه يرفض، أداله المفتاح من غير ما ينطق بكلمه ولف للكرسي التاني.
يونس شغل العربيه واتحرك بيها بهدوء، ومن وقت للتاني يبص لتيم اللي واضح عليه أنه هينفجر، أخد قرار، ركن على جنب، طفى الماتور وقال بهدوء
"انزل."
تيم بصله باستغراب صامت فيونس وضح
" على الأقل بلاش نروح دلوقتي، لأن اول ما نروح وتكون لوحدك في اوضتك هتكسرها للمره المليون من غضبك، خلينا ننزل شويه هنا في الهدوء ده"
نزلوا هما الاتنين، قعدوا قدام العربيه على الأرض، قعدوا فتره من غير كلمه، بعد فتره، تيم مسك حجر صغير من الأرض، قلبه بين صوابعه شويه ورماه بعيد، وبعدين قال بصوت واطي جدًا
"إيه أكتر حاجه ممكن تنسي الواحد نفسه... تخليه ينسى كل حاجه حواليه؟"
يونس قال وهو بيرمي حجر صغير قصاده
" عايز الصراحه"
سكت لحظه وبعدين قال بصدق
"الخمره يا تيم... دي أكتر حاجه بتنسي الواحد نفسه وكل حاجه حواليه، بتخليك مش شايف حاجه ولا فاكر حاجه، كأن الدنيا بتتمسح من دماغك."
سكت لحظه وبص لتيم بابتسامه ساخره
"بس إوعى تفتكر إني بقولك جرب... إنت مش هتعرف، دي مش طريقتك"
تيم بصله ببرود وقال
" دي بتبوظ مش بتنسي، تأثيرها لحظي ومع الوقت بتبقى ادمان، لا هتنجز حاجه في يومك ولا هتقدر تعيش حياتك زي ما بتتمنى، استلطاخ من نوع آخر"
يونس ضحك ضحكه قصيره وهو بيولع سجاره
"أهو على الأقل بتنسي شويه... أحسن من اني اقعد وافكر وانهار"
تيم مردش، اكتفى إنه بص قدامه ببرود، ورجع يسند ضهره على العربيه في صمت، يونس كمل
" بس اللي أنا بعمله غلط، وانا عارف ده كويس، بس وقعت في الغلط وخلاص بقا"
تيم قال بشرود
" بس غلطك ممكن تستغني عنه مع الوقت وتصلحه"
يونس نفخ دخان السجاره لفوق وقال بمراره
"إنت فاكر إن الواحد بيقدر يصلح بسهوله؟ في حاجات بتشدك لتحت يا تيم، كل ما تقول هبعد، تلاقي نفسك غرقان أكتر."
تيم حرّك عينيه ناحيته، وبنظره ثابته وبارده قال
" يا عم اتفلق، هتقعد تجادلني"
يونس قال
"أنا مش هجادلك خالص غير في حاجه واحده، اني مش هسيبك تروح البيت وتولع في الدنيا زي كل مره، هسيبك تروح لما بس اتأكد انك عايز تنام"
تيم بص قدامه وقال بحزن
"شكلها مفيهاش نوم انهارده."

A FEW DAYS LATER
فريده كانت قاعده في الصالون، فونها جنبها على الكنبه، عينها شارده، وباين عليها الضيق
حسام جه من وراها بخطوات هاديه، قال بدفا
"صباح الهنا."
قرب منها وقعد جنبها، لاحظ الشرود اللي مسيطر عليها، مال عليها شويه وقال بنبرة قلق
"مالك؟ في إيه؟"
مردتش، حسام نده بصوت عالي
"فريده؟!"
بصتله اخيرا فكرر سؤاله
"فينك؟ بقولك مالك؟"
اتنهدت وقالت
"كنت بكلم ماما."
رفع حاجبه باستفهام وقال
"أممم... وبعدين؟"
ردت بصوت واطي
"هتكتب كتابها الأسبوع الجاي."
سكت لحظه يستوعب كلامها وبعدين قال ببساطه
"ألف مبروك... فين المشكله؟"
هزت راسها وقالت بتردد
"معرفش... بس لما قالتلي اتضايقت."
بصلها باستغراب وقال
"وإيه السبب؟ علشان حد غير باباكي يعني؟"
هزت راسها بسرعه
"لاء بس أنا مش قادره أتقبل العلاقه دي، حاسه إني مش عايزاها تتجوز، أو بالأخص... مش عايزاها تتجوز علي."
حسام رد بهدوء
"وإيه السبب؟ هي بتحبه وهو بيحبها، يبقى ليه لاء؟ وبعدين من حقها تعيش، هيا لسه صغيره وانتي خلاص مبقتيش عايشة معاها، وإسلام كمان هيتجوز."
فريده قطعت كلامه بضيق
"حسام بلاش تتكلم زي إسلام بالله! أنا أصلاً متضايقه خلقه."
حسام بصلها بهدوء وقال
"طب ممكن تقوليلي إيه اللي مضايقك بجد؟"
ردت وهي بتتنهد
"مش عارفه، يمكن الطريقه اللي عرفته بيها، يمكن أنا مش متقبلاه، يمكن برضو مش عايزه ماما تتجوز."
قال بنبره عمليه
"طب لو إنتي مش قابلاه مفيهاش مشكله، ممكن متختلطيش بيه أساسًا، يعني تزوري مامتك في وقت انتي عارفه إنه مش موجود فيه، كده لا شوفتيه ولا حسيتي إن مامتك اتجوزت."
اتنهدت وقالت بنبره خافته
"مش هتفهمني، ولا حد هيفهمني."
مد إيده على إيدها وقال بهدوء
"لاء أنا فاهمك كويس، بس أنا بديكي حلول، لأنك مش هتقدري تمنعي الجوازه دي."
سكتت لحظه وبعدين قالت
"بس أنا كنت فاكراها نسيت، لأنها مش بتجيب سيرته خالص بقالها كتير"
ابتسم حسام ابتسامه صغيرة وقال
"يمكن مكانتش بتجيبها عشان متضايقكيش، ويمكن كمان أجلت لحد ما تتجوزي انتي... علشان متكونيش متضايقه، ممكن تشوفيها من جانب تاني علفكره"
فريده سكتت لحظه وبصت قدامها بضيق، حسام بصلها وسأل
"يعني هو ده اللي مضايقك؟"
هزت راسها من غير كلام، سأل تاني
" وانتي لسه عارفه دلوقتي الحكايه دي ؟!"
فضلت ساكته، هزت راسها تاني من غير إجابه، اتنهد وقال
" لو كنتي تعرفي من بدري كنت قولت أن سبب شرودك ساعات وضيقك هو الموضوع ده، بس انتي لسه عارفاه دلوقتي، يبقى ايه بقا اللي كان شاغل بالك قبل كده الأيام اللي فاتت؟!"
بصتله وقالت
"يمكن لسه مش مستوعبه اللي أنا فيه... حاسه إني ورطت نفسي، دلوقتي بقيت واحده متجوزه، وأكيد في مسؤوليات كتير لازم أتحملها."
ضحك بخفه وقال
"ولا مسؤوليات ولا حاجه، إنتي مش عليكي أي حاجه غير إنك تكوني متجوزاني... وأنا يا ستي عليا كل حاجه، عيب تقولي كده وأنا موجود."
اتنهدت وقالت
"ده في الأول وفي الآخر كلام."
قرب منها أكتر وبصلها بعين ثابته وقال بنبرة فيها حزم وحنان
"أنا بتاع كلام برضو؟ صدقيني... مش هتحسي في يوم إنك شايله أي مسؤوليات، ولو حسيتي يا ستي..."
سكت لحظه، ابتسم بخفه وقال
"هكون أنا موجود أشيلها عنك اصلا"
قالت وهيا بتقلب شفتها
" كلهم بيقولوا كده في الاول، والأيام هتبين بعدين"
قال بثقه
" يبقى اتفقنا، الأيام هتبين"
فريده سكتت، رجعت لشرودها تاني ومسكت الموبايل تسكرول فيه، حسام مد إيده خد الموبايل من إيديها وحطه على الترابيزه وبصلها بابتسامه صغيره وقال
"هو إيه؟ هنفضل مكشرين كده من أول النهار؟"
قرب أكتر منها، حط إيده على كتفها وقال
"بصي، مفيش حد يستاهل يبوظلك يومك، ولا أنا اصلا هسمحلك تبوظي يومي."
ابتسمت غصب عنها وقالت
"إنت عارف إني مش بعرف أهرب من التفكير بسهوله."
قال
"عارف... وعشان كده أنا هنا، هسيبك تفضلي غرقانه في التفكير؟ ولا أخرجك منه؟"
بصتله وقالت
"وإنت هتخرجني إزاي؟"
ضحك وقال
"سيبها عليا... هنسيكي اسمك اصلا، خاصةً أن انهارده اخر يوم عسل يا عسل"

عند صابرين
يونس كان نازل السلالم عادي لحد ما لمح صابرين خارجه من الباب بهدوء بس حركتها أبطأ من المعتاد، وقف لحظه وهو مش فاهم ايه التوتر اللي شايفه على وشها ده، خرج وراها بخطوات سريعه بس من غير ما يعمل أي صوت، عينيه عليها وهيا بتبعد، لقائها وقفت عند آخر الجنينه، ورا الشجره الضخمه اللي في الركن، يونس ضيق حواجبه وهو متابعها لحد ما اختفت ورا الشجره وكأن مفيش حد، قرب بخطوات متردده ناحية الشجره يشوفها اختفت فين....
يونس كان واقف على بُعد خطوتين منها، عينيه مركزه عليها وهيا ماسكه الموبايل، رنت على حد ووقفت تتكلم، كلامها واطي ومش واضح، كل اللي وصله همهمات متقطعه، قفلت المكالمه وكانت واقفه مكانها فتره طويله، يونس قلبه دق بسرعه من الفضول، خطى خطوه كمان لحد ما لمس طرف الشجرة بعينه، وهناك لمحها بوضوح.
رفعت عينها فجأه، لمحت يونس واقف، اتفاجئت وسكتت ثواني وبعد كده قالت بخوف واضح
"إيه اللي جابك هنا؟"
يونس رفع حواجبه وقال بهدوء بس فيه حده
"لاء إنتي اللي بتعملي إيه هنا؟"
قالت بصرامه وهيا بتضغط على الموبايل في ايديها
"بتكلم في الفون عادي."
بصلها باستغراب وقال
"هنا؟ في آخر الجنينه؟"
شدت ضهرها وقالت بثبات
"أنا حره... حبيت أتكلم هنا."
سكت لحظه، وبعدين سألته
"إيه اللي جابك ورايا؟"
يونس اتنهد وقال بصراحه
"شوفتك ماشيه براحه... فجيت أشوفك."
عينيها ضاقت وهيا بتسأله بترقب
"وسمعت حاجه؟"
هز راسه بسرعه وقال
"لاء مسمعتش حاجه."
صابرين فضلت بصاله بعين ضيقه كأنها بتحاول تتأكد من صدقه، يونس حافظ على هدوئه، قالت بحده أخف شويه
"طيب خلاص... امشي يلا"
يونس متحركش، عينيه ثابته عليها وقال بنبره فيها شك واضح
"إنتي متأكده إن مفيش حاجه؟"
ردت بحده
" يونس انت هتحاسبني؟ في ايه؟!"
يونس قرب خطوتين منها، صوته بقا أهدى
"طريقة كلامك... المكان اللي واقفه فيه... أي حد يشوفك كان هيشك أن في حاجه."
زفرت وقالت بصرامه
"يونس، أنا مش محتاجه أبررلك... الموضوع منتهى."
فضل ساكت ثواني، وبعدين هز راسه وقال
"ماشي... انتي حره"
ومشي وسابها وهو عارف انها كدابه بس طنش...

تاني يوم
حسام وصل الشركه، نزل من عربيته ودخل الشركه بثقه، وصل لمكتب تيم، خبط ودخل لقا تيم قاعد على مكتبه وشغال على اللابتوب، تيم رفع عينيه وشافه، حسام قرب منه وسلموا على بعض، وبعدها حسام قعد قدامه وقال بنبره فيها عتاب واضح
"علفكره أنا زعلان منك."
تيم رفع عينيه ليه بهدوء وقال
"ليه؟"
حسام اتنهد وقال
"علشان يوم فرحي مشيت بدري."
تيم رد ببرود معتاد
"أنت عارف إني مليش في الجو ده."
هز حسام راسه وقال بنبره فيها ضيق
"بس أنت صاحبي... كنت تعالى على نفسك شويه، مش كفايه إنك مكنتش موجود من الصبح."
تيم قال باقتضاب
"حصل خير."
حسام حاول يغير الموضوع وسأله
"عامل إيه في الشغل من غيري؟"
تيم رد وهو مركز قدامه
"شغال."
ابتسم حسام وقال
"طب كويس."
بعد لحظه، تيم بصله وقال بجديه
"إنت جاي متأخر 14 دقيقه."
ضحك حسام وقال
"يا عم أنا اتجوزت خلاص، يعني لو جيت متأخر شويه ليا عذر."
تيم رد بصرامه
"بس الشغل حاجه والبيت حاجه."
حسام هز راسه وقال بابتسامه صغيره
"عارف... بس بقولك السبب يعني."
تيم اكتفى بنظره صامته رجعت حسام للواقع، فابتسم وقال
"خلاص يا سيدي، اعتبرها مش هتتكرر."
تيم رجع يركز في شغله من غير ما يرد.

عند فريده
وصلت المستشفى، دخلت بهدوء وفتحت باب الأوضه اللي بتجمعهم علطول، وأول ما فتحت الباب اتخضت جامد من صوت الفرقعه اللي سمعته، المكان كله كان متغير، بالونات متعلقه وورود مزينه المكان، قبل ما تستوعب، لقت زمايلها كلهم واقفين بيصقفوا بصوت عالي ويضحكوا
"مبرووووك يا عروسه!"
فريده اتصدمت، وقفت مكانها مزبهله وهيا مش عارفه ترد تقول ايه، كلهم هنوها وباركولها في جو كله ضحك، فريده قالت بابتسامه واسعه
"يا جماعه أنا لسه زي ما أنا، الشغل شغل والجواز جواز، مش بيأثروا على بعض"
عينيها لمعت واتأثرت بجد، وقالت بصوت متقطع
" بس مش عارفه أقولكم إيه... بجد شكراً إنكم جمّلتوا يومي كده."
الجو فضل مليان ضحك، والدفا اللي حسته فريده معاهم خلى قلبها يهدى شويه من التوتر اللي عايشاه.

في نص اليوم، فريده كانت قاعده ويسر قاعده جنبها، بصتلها بتركيز وهيا شايفه شرودها كل ما تكون قاعده لوحدها، يسر قربت بكرسيها وقالت بصوت واطي
"عامله إيه يا فريده؟"
فريده بصتلها بسرعه، ابتسامه متكلفه اترسمت على وشها وقالت
"تمام."
يسر سألتها بنبره فيها فضول ممزوج بقلق
"عارفه تتأقلمي يعني؟"
فريده اتنهدت وهيا بتحاول تبين قوه ملهاش وجود
"آه يا يسر... هعمل إيه يعني؟"
يسر رفعت حواجبها وقالت بشك
"ومرتاحه؟"
كلمه مرتاحه عملت زي سهم اتغرز في قلب فريده، نظرتها اتغيرت فجأه، صوتها طلع بنبره فيها حده خفيفه
"إنتي كده بتصغطي عليا... قولتلك إني كويسه وخلاص، بطلي تسألي"
يسر حطت إيديها على إيد فريده وقالت بهدوء
"أنا عايزاكي تطلعي اللي جواكي."
فريده سكتت، عينيها نزلت في الأرض، حركت صوابعها بتوتر، بعد لحظه طويله من الصمت، صوتها خرج مهزوز، شبه مكسور
"كالعاده يا يسر... بحاول بس مش عارفه، دي مش حياتي اللي كنت بتمناها، ومش قادره أحب حسام... غصب عني حاولت... بس مش عارفه، قلبي مش بإيدي، حاولت كتير خلال الأيام اللي فاتت، بس صعب، صعب اوي اني أحاول احب واحد محبتهوش من الأول، واني معاه علشان اللي عايزه أكون معاه عمره ما كان هياخد خطوه، بسأل نفسي ليه وافقت؟ كنت صبرت؟ يمكن...."
سكتت لحظه وكملت بحزن
" أنا كارهه نفسي اوي، حسام كويس اوي، بس مش بحبه الحب اللي هو عايزه، والفكره دي خنقاني، مخلياني مستحقره نفسي، كأني خاينه بالظبط"
يسر كانت بتسمعها ومستنياها تتكلم من غير ما تضغط عليها، فريده دموعها نزلت وقالت
" لما برضو مشاعري فضلت ثابته في فتره الخطوبه قولت أكيد لما نتجوز هتتغير، بس أنا مرتاحتش يوم واحد من قلبي، مع إنه بيتمنالي الراحه، بس للاسف مش هو الشخص اللي مريحني"
يسر فضلت ساكته، عينيها على فريده اللي كملت بصوت متقطع
"كل شويه تيم ييجي في بالي... حاسه بندم، بدعي وأقول ياريت كل ده يكون حلم وأفوق... حياتي صعبه أوي كده، جسمي مع واحد... وروحي وقلبي مع واحد... وكل ده مش بإيدي، صعب أوي عليا."
الكلمات الأخيره خرجت منها كأنها اعتراف لأول مره،
يسر شدّت إيد فريده بين إيديها وقالت بنبره فيها مزيج من حنان وحزم
"فريده... إنتي مش لوحدك، أنا حاسه بيكي، وبجد مقدره كل اللي إنتي فيه، بس اللي بتقوليه خطير، مينفعش تفضلي عايشه متقسّمه نصين كده، ده هيهلكك."
فريده هزت راسها، الدموع غرقت عينيها، بس حاولت تمسحها بسرعه وقالت
"عارفه يا يسر... بس أعمل إيه؟ هو نصيبي بقا، خلاص، اللي اتكتبلي لازم أعيشه، ربنا كاتبلي أعيش مش مرتاحه، مع إني فكرت إني لو اتجوزت حسام هرتاح، بس صراع القلب والعقل ده أسوأ صراع ممكن أي بني آدم ضعيف يدخل فيه، لأن إنتي نفسك تمشي ورا قلبك بس الصح هو عقلك، حرب بين اللي إنتي عايزاه وبين الصح اللي لازم تعمليه، يمكن أفضل عايشه تعيسه كده طول عمري"
يسر ضمت إيديها أكتر وقالت بهدوء
"محدش قال تعيشي تعيسه يا فريده... مش لازم تتعاقبي عشان مشاعرك، بس لازم تفكري... إنتي هتفضلي تلعبي دور المتحمله لحد إمتى؟ حياتك أهم من أي حاجه، لو كملتي كده برضو هتستنزفي روحك وصحتك وكل حاجه حلوه، هتدبلي كل يوم لحد ما مش هتلاقي نفسك، عادي نغلط، بس مش صعب نصلح غلطاتنا"
فريده اتنهدت، نظرتها ضايعه كأنها غرقانه في بحر من أفكار متشابكه، قالت بصوت مخنوق
"ياريت الموضوع بالساهل كده... ياريت."
يسر بصتلها بثبات وقالت
"لازم تحددي إنتي عايزه إيه فعلًا... لأن السكوت مش هيحل، بالعكس، هيعقد كل حاجه."
فريده قالت بيقين
" أنا مش هعمل أي حاجه، أنا بس هسيبها على ربنا، وأنا راضيه بأي حاجه ربنا يجيبها، لعله خير"
يسر أخدت نفس وقالت
" ربنا يريح قلبك يارب"
فريده مردتش، بصت قدامها، عينيها معلقه في الفراغ، كأن في صراع قوي بين عقلها وقلبها، في اللحظه دي حست إن اللي جاي كله صعب....

آخر الليل
عند يونس
كان واقف قدام بيت يسر، الجو هادي والشارع فاضي خالص، فتح فونه ورن على يسر، الرنه طولت لحد ما أخيرًا ردت
"ألو؟"
صوته جه واطي بس ثابت
"يسر."
اتفاجئت وقالت باستغراب
"مين؟"
ضحك بخفه وقال
"لحقتي تنسيني؟"
قالت بتردد
"يونس؟"
رد بسخريه
"الله وأكبر عليكي."
اتنفست بسرعه وقالت بنبره متوتره
"بترن ليه؟ مش اتفقنا محدش ليه علاقه بالتاني؟"
يونس اتنهد وقال بهدوء
"الكلام ده كان من أكتر من شهرين... وبعدت عنك فعلًا."
قالت بجفاء وهيا بتحاول تقفل الحوار
"أممم... وبعدين؟"
رد بسرعه
"عايز أتكلم معاكي... ممكن؟"
قالت بحده وهيا بتحاول تسيطر على ارتباكها
"مفيش بينا كلام أصلًا."
قال بإصرار
"بس لازم أتكلم معاكي."
وقفت لحظه، سكتت وبعدين اتنهدت وقالت باستسلام
"طيب... سامعاك، اتفضل."
رد بجديه واضحه
"مش في الفون طبعًا."
رفعت حواجبها وقالت بدهشه
"نعم؟! وسيادتك عايز تتكلم فين بقا؟"
ابتسم ابتسامه صغيره وقال بثبات
"أنا تحت البيت."
يسر أول ما سمعت كلمته الأخيره حست إن قلبها وقع في رجلها، وقفت مكانها للحظه مش مستوعبه، بعدها جريت ناحيه الشباك بخطوات متردده، فتحت الستاره بخفه وبصت لتحت.
عينيها وسعت لما شافته واقف فعلًا قدام البيت، واقف، إيده في جيبه، ساند على الموتوسيكل وباصص ناحيتها كأنه متأكد إنها هتطلع.
شهقت بخفه وهيا بتحاول تهدي نفسها، رجعت ورا خطوتين بسرعه من الصدمه وقالت بصوت مهزوز
"إنت... إنت مجنون! إيه اللي جابك هنا؟!"
صوته جه ثابت
"قولتلك... عايز أكلمك."
يسر حطت إيديها على وشها من التوتر، لفت تاني تبص من الشباك كأنها مش مصدقه، أول ما عينها اتأكدت إنه واقف لسه مكانه، قلبها بدأ يدق أسرع.
قالت بسرعه وبصوت عالي شويه من الارتباك
"امشي يا يونس! امشي فورًا قبل ما حد يشوفك! إنت سامعني؟!"
فضل واقف مكانه بهدوء، عينه ثابته على الشباك وصوته هادي جدًا
"مش همشي غير لما أقولك اللي عندي."
يسر عضت شفايفها بعصبيه، قعدت على طرف السرير تحاول تستوعب وجوده تحت بيتها دلوقتي.
قالت ارتباك
"انزل إزاي يا يونس؟! إنت عبيط؟!"
ضحك بخفه وقال بعند
"آه... عبيط ومش همشي قبل ما أشوفك."
قالت بصوت واطي متلغبط
"يونس! بالله عليك متعملش كده! مش هعرف انزل"
رد ببرود وهدوء غريب
"طب خلاص متنزليش، هطلعلك أنا، هروح أخبط على الباب دلوقتي واقول لباباكي إني عايز أشوفك."
يسر اتجمدت في مكانها، قلبها وقع، وقالت بسرعه بصوت عالي ومرتجف
"يونس لاء! متهزرش بالله عليك!"
قال بثبات وهو بيرفع عينيه للشباك كأنه بيتحداها
"أنا مش بهزر يا يسر... أنا بتكلم بجد، لو منزلتيش هدخلك أنا، وهتعرفي وقتها إني مش بقول كلام وخلاص."
يسر حطت إيديها على بوقها بتررد، بس في الآخر... نزلت بخطوات متردده ووشها كله ارتباك، لقت يونس واقف جنب الموتوسيكل بتاعه، عينيه كلها تحدي وهو بيبصلها، مدلها الخوذه وقال بهدوء حازم
"اركبي."
يسر فتحت عينيها بدهشه وقالت بسرعه
"إيه؟! لاء طبعًا... قول اللي عندك عشان لازم أدخل."
يونس ابتسم ابتسامه جانبيه وقال بثقه
"متقلقيش مش هأخرك، بس تعالي، هنتكلم ونرجع."
يسر بصت حواليها بارتباك وقالت
"اخلص يا يونس مش هينفع أفضل واقفه كتير كده"
قال بإصرار
"اخلصي يلا ومش هأخرك، زي ما قولتي مش هينفع نتكلم هنا، علشان محدش من الجيران يشوفك"
اتنهدت بغيظ وقالت
"لاء وإنت مهتم أوي... إيه اللي في دماغك يا يونس؟"
مدلها الخوذه بإصرار وقال
"اركبي، مش هنقف نرغي هنا."
يسر أخدت الخوذه منه ببطء ولبستها، قلبها دق بسرعه، ركبت وراه بس سابت مسافه صغيره تحافظ على الحدود.
يونس شغّل الموتوسيكل والتفت نص التفاته وقال
"امسكي فيا."
قالت بارتباك
"كده كويس."
ضغط على البنزين فجأه، الموتوسيكل اندفع لقدام بقوه، يسر شهقت بخضه ومسكت فيه جامد بخوف، ضحك بسخريه وطار، قالت بصوت عالي وهيا مغمضه عينيها من الرعب وصوتها بيترعش
"ييييونس! إنت مجنون؟! هدي شويه"
ضحك بخفه وقال
"أنا هادي أهو عشانك"
قالت برعب وهيا حضناه جامد
"كده هادي، أنا بطير"
كان مستمتع بخضتها وخوفها، ساب نفسه يضحك بخفه ومخففش السرعه، فضل سايق بنفس القوه، الهوا بيضرب فيهم، شعرها بيطير وهيا مغمضه عينيها ومتوقعه إن حياتها ممكن تنتهي في اللحظه دي عادي.
بعد دقايق طويله بالنسبالها، وقف فجأه عند مكان هادي جدًا، بعيد عن العيون والشارع، نزل من الموتوسيكل ولف ناحيتها وقال بهدوء
"انزلي."
يسر نزلت ببطء، لسه رجليها بترتعش من السرعه اللي كانت فيها، بصتله بخوف وغضب
"إنت مجنون بجد، أنا كنت هموت!"
اكتفى بابتسامه خفيفه، كأن اللي حصل كله كان لعبه صغيره بالنسباله.
يسر وقفت قدامه، لسه مش قادره تسيطر على أنفاسها المتلاحقه، وشها باين عليه الرعب اللي عاشته في الطريق، بصتله بحده وقالت
"عايز إيه بقا؟ جبتني هنا ليه؟"
بصلها وقال بصوت واطي مليان إصرار
"فكرت كتير قبل ما أكلمك."
سكت لحظه، كأنه بيلم كلامه، وهيا رفعت حواجبها وقالت ببرود مصطنع
"وبعدين؟"
اتنهد وقال
"لقيت نفسي جايلِك... وبكلمك."
ردت بسرعه
"وبعدين برضو؟"
بصلها بتركيز وسأل
"مش هتسأليني أنا ليه فكرت كتير؟"
قالت بجفاف
"ميهمنيش."
ابتسم ابتسامه صغيره فيها عند وقال
"لاء... هو يهمك بصراحه"
زفرت وقالت وهيا بتحاول تخلص
"طب ادخل في الموضوع علطول، لازم أروح."
نقل نظره بعيد شويه كأنه بيجمع شجاعته وقال
"ممكن أعرف ليه قولتيلي أبعد عنك ومكلمكيش تاني أبدًا؟"
ردت بسرعه
"وعلشان إيه تكلمني أصلًا؟ بإماره إيه؟"
صوته جه أهدى وقال
"يسر... بحسك بتصعّبي عليا اللي عايز أقوله."
رفعت إيديها بتوتر وقالت
"أنا متكلمتش، أنا سايباك تتكلم."
بص في عينيها وقال بوضوح
"من الآخر... عايز أكون معاكي على طول."
اتجمدت مكانها، سكتت لحظه طويله كأن الكلام تقيل عليها، وبعدها قالت بهدوء فيه ارتباك
"ليه؟"
ابتسم ابتسامه صغيره وقال
"هو لما حد بيكون عايز يكون مع حد علطول... بيكون ليه؟"
اتنرفزت وقالت
"إنت بتسألني أنا؟ أنا اللي بسأل علفكره."
قال وهو بيحاول يلاقي الكلام
"مش عندي جواب... أو مش عارف أجاوب، أول مره أتحط في موقف زي ده."
بصتله بتركيز وسألت
"عمرك ما كلمت بنت قبل كده يعني؟ ده اللي عايز توصلهولي؟"
هز راسه بسرعه
"لاء طبعًا، بس... مش بكون عايز أكون معاهم على طول، يعني بصاحبهم بس."
ردت بدهشه وعصبيه خفيفه
"وبتقولها في وشي؟"
بص في الأرض وقال
"منا مش قاصد... ومش عارف أقول إيه، بس برضو مش هكدب عليكي، أنا بعمل حاجات كتير وحشه."
سكتت لحظه، وبعدين قالت
"عايزه أروح."
بصلها بترجي وقال
"طب قولتي إيه؟"
قالت بجدية
"روحني يا يونس."
قرب منها وقال
"طب إيه طيب؟"
ردت بسرعه
"هنبقى نشوف الموضوع ده بعدين، روحني علشان بابا ويوسف ميعرفوش إني خرجت وماما ممكن تعترف من أول قلم عادي."
فضل يبصلها شويه وقال
"طب حتى ريحيني."
قالت بحده هاديه
"المواضيع دي مش بتتقال بالعشوائيه دي... ممكن أروح؟"
اتنهد وقال
"هكلمك، بس عشان عارف إن الوقت مش مناسب بس."
ابتسمت بمجامله وقالت
"إن شاء الله."

وصّلها قدام البيت، نزلت وادتله الخوذه، بصلها وقال بهدوء
"يسر... فكري في اللي قولتهولك."
ردت بسرعه وهي بتحاول تنهي الحوار
"ربنا يسهل."
دخلت بسرعه، قفلت الباب وراها وهيا بتبصله، فضّل واقف لحظه مكانه، وبعدين شغّل الموتوسيكل ومشي، كان هيروح يسهر مع أصحابه زي العاده بس غير طريقه للبيت، وصل البيت ودخلت خطوتين وبعدين رجع تاني الخطوات اللي مشيها، لف بعزم كأنه قرر حاجه، مشي لحد ما وصل للشجره الكبيره اللي في آخر الجنينه، ابتدى يتسحب بخطوات بطيئه وهاديه، والصوت الوحيد المسموع كان خشخشة ورق الشجر تحت رجليه.

وقف عند الشجره، عينه على البيت من بعيد، ووشه كله تفكير وحيره... كان جواه فضول غريب من أول ما عرف إن المنطقه دي ليها وضع خاص عند صابرين، وحاسس أنه ممكن يفهم كل اللي بيحصل حواليه ومحدش راضي يتكلم، بص حواليه، فتح الفلاش وبعدين بدأ يدور في الأرض بعينيه وإيديه، رجع خطوتين ولف حواليها، بيمشي ببطء، انحنى ولمس الجذع، دق عليه بخفه، وبعدين حرك التراب برجله ناحيه الجذور، بس كل حاجه كانت باينه طبيعيه جدًا، وقف، أخد نفس عميق، فضل يلف حوالين الشجره، يتسحب ويجرّب يزق في الخشب أو يحرك أي حجر حواليها لكن مفيش فايده، بس هو شاف صابرين امبارح كانت موطيه تحت وكان هيشوفها بتعمل ايه بس هيا قفشته.

وبعد محاولات كتير فاشله، وقف بغيظ، مسك راسه بإيديه، الغضب سيطر عليه، فجأه رفع رجله وخبط في الشجره بكل قوته، وفجأه سمع صوت ولقا الشجره فتحت من تحت كأن في تجويف جوا، انحنى على الأرض بسرعه، مسح التراب بإيده ولقا حاجه معدنيه صغيره بتلمع باينه من بين التراب، مد إيده، حفر حواليها شويه، لحد ما شاف قفل صغير، فتح عينيه بدهشه، قلبه دق أسرع، لمسه بإيده وهو مش مصدق، فضل يحاول يحركه أو يفتحه، بس طبعا معرفش.

بسرعه رجع البيت، دخل بسرعه وخطواته متلغبطه، صابرين كانت قاعده في الصالون، رفعت عينيها من على التابلت اللي في إيدها وقالت باستغراب
"راجع بدري؟ غريبه."
وقف وهو بيحاول يخبّي توتره وقال بجفاء
"وقعت من على سميره... هغير هدومي وخارج تاني."
صابرين سكتت ثواني، وبعدها قالت ببرود ساخر
"أنا قولت برضو ان في إنّه في الموضوع."
مردش عليها، سابها وطلع السلم بسرعه، دخل اوضته بسرعه وغير هدومه وبعدين خرج بسرعه، راح ناحيه اوضه المكتب، فتح الباب بحذر، دخل المكتب وفتح الدرج وجاب مسدس أسود صغير ركبه بالكاتم وحطه في جيبه وقفل الدرج وخرج بسرعه.

خرج من البيت بخطوات سريعه، وصل عند الشجره تاني، مد إيده في جيبه، طلع المسدس وبصله بثبات، قلبه كان بيدق بسرعه، بس مسكه كويس، صوبه ناحيه القفل وضغط على الزناد.
صوت الطلقه كان مكتوم، بس الشراره الصغيره اللي خرجت مع الرصاصه خلت القفل يتهز، وبعد ثواني القفل اتكسر.
القفل اتكسر ووقع على الأرض، يونس انحنى بسرعه وزاحه، بإيده دفع الباب الخشبي اللي كان مموّه بجذور الشجره وأغصانها، ونزل سلالم حجريه ضيقه ملتويه، ريحة التراب والرطوبه تخنق، المكان تحت الأرض كان أشبه بممر مقفول، السقف واطي، والهوا مكتوم، وجه الفلاش على المكان الضيق، ووقف وهو بيبص حواليه، في كراتين كتير قدامه قديمه متراكم عليها تراب تقيل ومكتوب عليها حاجات بخط باهت، مد إيده وفتح أول كرتونه قدامه، كان جواها سيديهات كتير جدًا، محطوطه في علب بلاستيك باهته ومحافظ جلد مقفوله، كل كرتونه شبه التانيه، مليانه تسجيلات وأوراق قديمه مبعتره بين السيديهات. 
فضل يقلب بإيد سريعه، عينه بتجري على العناوين المكتوبه بخط باهت على بعض الكراتين، واللي من غير كتابه...
مأخدش وقت طويل في التفكير، بسرعه لف حوالين الاوضه بعينه، بعدين أخد قرار لحظي، طلع بهدوء تاني لفوق، راح بسرعه ناحية الجراج وطلع عربيته اللي نادرًا ما بيستخدمها، خرج بيها بسرعه من الجراح وراح تاني ناحية الشجره، نزل بسرعه، فتح الباب الخلفي للعربيه، ورجع تاني على تحت، ملامحه كلها إصرار وجديه، دور على أقدم تواريخ مكتوبه وجاب حوالي نص كمية الكراتين وشالهم واحد واحد على كتفه ونقلهم في شنطة العربيه، عينيه طول الوقت على البيت علشان يتأكد أن محدش ممكن يشوفه أو يظهر، رصّهم جنب بعض بحرص علشان ما يعملوش صوت، رجع تاني، وقف وسط الباقي، وبص للكراتين اللي لسه مخدهاش، ابتسم ابتسامة خفيفه وهو مقرر أنه هيرجع ياخد دول بعد ما يشوف السيديهات اللي اخدها وياخد خلفيه...
بعدها قفل الفلاش، خرج تاني بهدوء، وقف دقيقة قدام الشجره، لمسها بإيده كأنه بيسجل المكان في دماغه، وبعد ما قفل الشنطه، مسح عرقه من على جبينه، ركب بسرعه وخرج من الجنينه، كان ماشي بسرعه والعربيه عامله صوت، بس هو مهتمش، بالعكس، ضغط بنزين أكتر ومشي.
أول حاجه عملها راح على أقرب محل الكترونيات، دخل وجاب لابتوب كويس ورجع على العربيه تاني، حط شنطه اللاب على الكرسي اللي جنبه، واتحرك ناحية مكان هو عارفه، كل ما يمشي كل ما الطريق يهدى، لحد ما وصل شارع شبه مظلم، مفيهوش غير عمود نور خافت.
ركن العربية على جنب، قلبه لسه بيدق بقوه، نزل بسرعه وفتح شنطة العربيه، جاب أقدم تواريخ مكتوبه على كرتونه بعنوان " صالح الطويل ١٩٩٥"، فتح الكرتونه وشاف السيديهات اللي مترقمه وجاب كذا شريط ورجع للعربيه، فتح الشنطه وسحب اللابتوب، مسح إيده في بنطلونه بسرعه وهو بيوصل أول سي دي، العربيه كانت غرقانه في صمت تام غير صوت أنفاسه المتوتر، عينيه ثابته على شاشة اللابتوب، الحماس مليون بس قلبه بيدق جامد جدا...

الفيديو اشتغل، الصوره باهته والإضاءه صفرا باينه إنها من أواخر التسعينات، الكاميرا متوجهه قدام مكتب خشبي كبير، عليه أوراق وكوباية عصير نصها فاضي، صالح الطويل كان قاعد وباصصلها، ابتسامه صغيره على شفايفه، عينيه كلها خبث.
قدامه صابرين... صغيره، ملامحها بريئه من بعيد لكن عينيها واضح إن فيها لهفه، كانت قاعده مستنية عصام ( جوزها) يخلص اجتماعه، لكن الحوار خد منحنى مختلف.
صوت صالح جه هادي لكن وراه ثقل
"كنت محتاج واحده تشتغل معانا زي ما قولتلك قبل كده... بس لازم شوية شروط مهمين جدًا علشان تكمل الشغل."
صابرين اتقدمت بضهرها لقدام، عينيها ضاقت باهتمام
"شغل إيه؟"
ضحك بخفه وهو بيهز راسه
"وده من ضمن الشروط."
رفعت حواجبها باستعجال
"هو إيه؟"
قال بهدوء 
"إنك متعرفيش إيه الشغل ده، كل اللي هيكون مطلوب منك... طلب بسيط... تنفذيه كل فتره وخلاص."
صابرين عضت شفايفها، عينها فيها فضول
"وإيه الطلب ده؟ كلمني عن التفاصيل."
صالح اتنهد كأنه بيختبرها وقال
"وبتسألي ليه؟ بتفكري تشتغلي انتي؟"
ردت بسرعه
"وليه لاء؟ بس رسيني."
ابتسم بخبث أكبر
"مفيش يا ستي، كل الموضوع إني محتاج واحده تستدرج بنات يكونوا كويسين... صحتهم كويسه، ومعندهمش أهل يسألوا عنهم... أو أهلهم ناس ضعيفه، كل اللي محتاجينه... تخدير... البنت اللي عليها الدور... هتتخدر، وحد هييجي ياخدها منك في المكان اللي تحدديه، وفي مقابل كل بنت... نص مليون."
صابرين اتجمدت ثواني، وبعدين قالت بدهشه
"نص مليون جنيه؟"
صالح هز راسه بالنفي، وقال بتصحيح
"دولار."
صابرين شهقت بخفه، وابتسامه صغيره ظهرت على وشها
"دولار؟ على كل بنت؟"
قال بثبات
"بالظبط."
صابرين اترددت لحظه، وبصت بعيد كأنها بتفكر، وبعدين رجعتله وقالت بلهفه
"يعني البنت تتخدر بس؟"
صالح قالها ببرود
"تتخدر... وبس."
وقتها صابرين مالت لقدام وقالت من غير تردد
"طيب... اعتبرني أنا الواحده دي."
صالح ضحك ضحكه صغيره
" يبقى هرد عليكي قريب."
وخلص أول سي دي 
يونس كان متجمد مكانه، عينه على الشاشه، نفسه متقطع، مش قادر يصدق أن دي مامته... بس بدل أول سي دي بواحد تاني وضغط على زرار التشغيل، ظهر نفس المكتب الأنيق اللي شافه في السي دي الأول، صابرين كانت قاعده قدام صالح، ملامحها متحفزه، عينيها فيها لهفه مش طبيعية، سألت بلهفه
"عملت إيه؟"
صالح رفع حاجبه وهو بيتكلم ببرود
"في إيه؟"
قربت بجسمها لقدام وقالت بسرعه
"في الشغل."
ابتسامه صغيره اترسمت على وش صالح وهو بيرد
"عايزين حد ثقه... مش مجرد أي واحده وخلاص، يعني واحدة تكون حريصه، ولو اتمسكت في يوم، متعترفش أبدًا."
صابرين هزت راسها بسرعه وقالت باندفاع
"وأنا موجوده، وكل ده هعمله."
صالح قال وهو لسه محافظ على هدوءه 
"لازم نجربك الأول، نشوف إنتي مستعده تعملي إيه."
ردها جه فوري، مليان جرأه
"هعمل أي حاجه عادي."
صالح قال وهو بيمدلها كارت 
"يبقى تبدأي من النهارده، كلميني النهارده من البيت على الرقم ده وهقولك تعملي إيه بالظبط، ولو اتراجعتي أو أي سبب تاني الاتفاق هعتبره ملغي"
وفجأة الباب اتفتح، ودخل عاصم بابتسامه ودوده، رحب بصاحبه وهو ميعرفش إن المكان اللي بيديره بشرف ونزاهه بيتحول قدامه لساحة لعبه قذره، صالح وقف واتبادل معاه التحية وكأن محصلش حاجه من دقايق.
هنا الشاشة اسودت... والسي دي خلص.

عند فريده وحسام
كانوا قاعدين في الصالون، الجو هادي، وضوء التلفزيون هو اللي منوّر المكان بس، الفيلم شغال وهما قاعدين جنب بعض، حسام كان متابع باهتمام، وفريده قاعده جنبه بتحاول تركز في الفيلم بس أحيانا التفكير بيسرقها.
رن فون فريده كسر حالة السكون، فريده مدت إيديها بسرعه على الترابيزه، شافت المتصل وكانت يسر، قامت وقفت بعد ما خدته، حسام بصلها وقال ببساطه
"هوقف الفيلم لحد ما تيجي."
لفتله وقالت باعتذار
"لاء كمل إنت، أنا هرد على يسر وبعدها هنام، حاسه اني عايزه انام ومش قادره اكمل"
كلامها ضايقه جدا، سكت لحظه وهو باصصلها وبعدين أومأ براسه وقال بنبره محايده جدًا يخفي بيها اللي جواه
"ماشي... براحتك."
مشيت وسابته قاعد لوحده قدام الشاشه، مسك الريموت وشغل الفيلم تاني، كان بيحاول يركز، بس أفكاره مش سايباه في حاله، من ساعة ما اتجوزوا وهو حاسس إن في حاجه مش مظبوطه، في مسافه دايمًا بينهم مهما حاول يقرّب هو، ومش قادره يفهم ابدا ليه اتغيرت تماما عن أول مره عرفها فيها، وليه أوقات كتير بتتجنبه أو بتتهرب منه.

فريدة طلعت الأوضة بهدوء، قفلت الباب وراها وسندت عليه لحظة كأنها بتاخد نفس جديد قبل ما ترد على يسر، ردت اخيرا وحاولت تثبت نبرتها وقالت بهدوء
"إزيك يا يسر؟"
صوت يسر جه متردد 
"فريده... عايزه اقولك حاجه بس مش عارفه أبدأ إزاي."
فريدة رفعت حاجبها باستغراب وقالت
"ابدأي على طول يا يسر، في إيه؟"
سكتت لحظه وبعدين قالت بخفوت
"يونس."
فريده ردت بسرعه
" ماله يونس؟!"
اتنهدت يسر وقالت
"يونس جه هنا... تحت البيت، ورن عليا، وبعد كده طلب مني انزله، ونزلت بعد زن كتير منه، وبعد كده خدني بعيد عن البيت علشان قالي عايز اقولك حاجه مهمه، وبعد كده قالي عايز اعيش معاكي علطول"
سكتت فريده ثواني، اتفاجأت من يونس، أخدت نفس قصير وقالت
"بتهزري؟! يونس عمل كده؟"
يسر أكدت بهدوء
"آه... أنا متوقعتش أصلًا."
فريدة عضت شفايفها وهي بتفكر، وبعدين قالت بسرعه
"طب... وانتي إيه رأيك؟"
يسر قالت بتردد أكبر
"أنا... مش عارفه، بس أنا أكيد مش مستعده."
فريدة رفعت حاجبها بدهشه
"مش مستعده لإيه بالظبط؟"
يسر قالت بصوت واطي
"مش مستعده وخلاص... مش قادره أتقبل أدخل في علاقه تانيه."
فريده قالت باستنكار
"علاقه تانيه؟ ليه؟ هي الأولى دي كنتي بتسميها علاقه اصلًا؟"
يسـر ردت بهدوء فيه شجن
"ولو برضو... ده خلاص كان هيكون جوزي لولا اللي حصل."
فريدة شدت نفس طويل وقالت بحراره
"والله العظيم ياسمين دي أول مره تعمل حاجه صح في حياتها! بجد بحييها... دي مكانتش حياه اللي كنتي هتعيشيها دي."
يسر قاطعتها بسرعه بنبره حزينه
"فريده، بلاش تتكلمي في الموضوع ده، إنتي عارفه إن الموضوع حساس بالنسبالي."
هزت فريدع راسها باستيعاب وقالت
"عارفة يا يسر... حاضر، خلينا في يونس."
يسر اتنهدت وقالت
"هو أصلًا ما يعرفش اللي حصل، جه وقال كده وخلاص، وأنا... مش هدخل في أي علاقات دلوقتي."
فريده اتنهدت وقالت
"يونس عارف بخطوبتك الأولى يا يسر وعارف كل حاجه حصلت"
يسر قالت بدهشه
"وعرف إزاي؟"
فريدة قالت بهدوء
"أنا قولتله قبل كده، هو كان بيحوم يعرف عنك أي حاجه... وأنا عرفته علشان وقتها يعرف إنك مش فاضياله ويسيبك في حالك."
يسر سكتت لحظه طويله، فريده سألتها بحذر
"غلطت؟"
ابتسمت يسر بضعف وقالت
"لاء... يمكن شلتي حمل عني، بس زي ما قولتلك... الموضوع بجد حساس، وأنا عارفه أنا هتصرف إزاي خلاص."
ردت فريده بنبره فيها حرص
"يسر... يونس كويس، آه يمكن مش مناسب ليكي حاليًا لأنكم مختلفين جدا عن بعض، بس إنتي ممكن تكوني داعم كبير ليه إنه يكون إنسان أحسن، لأنه مهمل... محدش بيهتم بيه، ولا بيوقفه عن الغلط اللي بيعمله، إنتي ممكن تكوني صفحه جديده في حياته."
يسر ردت بخفوت
"إن شاء الله... هشوف هعمل إيه وهبقى أقولك."
باب الأوضه اتفتح ودخل حسام، فريده بصتله بسرعه وهيا بترد على يسر
"ماشي يا يسر... واعملي اللي يريحك برضو انتي ادرى، سلام"
قفلت المكالمه ورفعت عينيها لحسام وقالت باستغراب
"جيت ليه؟ الفيلم خلص؟"
هز راسه وقال بابتسامه خفيفه
"لاء... بس الفيلم وحش من غيرك، قولت أنام أحسن."
ابتسمت فريده وقالت بخفه
" ايه الكلام اللي يحسسني بالذنب ده"
ضحك بخفوت وقرب منها، عينيه فيها مزيج من العتاب والاهتمام
"ممكن يبقى صح شويه، لإني كل ما أقعد معاكي حاجه تسرقك مني، مره شغل، مره مكالمه، مره مامتك، والتفكير المستمر"
سكتت فريده، معرفتش ترد، جواها ألف حاجه بتتخبط، قرب أكتر، مد إيده ومسك وشها بين ايديه وقال
"أنا مش زعلان... بس نفسي تحسي بيا زي ما أنا حاسس بيكي."
بصت له بعينيها اللي فيها اعتذار صامت، وقالت بهدوء
"حاسه بيك يا حسام... بس يمكن مش بعرف اعبر."
ابتسم ابتسامه صغيره وقال
" هو بس لو ترجعي زي أول مره شوفتك فيها كل حاجه هتتحل، حاسك مش كويسه، ممكن تقوليلي اللي مضايقك وتفضفضي ليا"
فريده سكتت لحظه وبعدين قالت
" أنا هكون كويسه يا حسام، صدقني، انا عارفه اني مأثره معاك بس غصب عني، سيبني يومين وههدي"
قرب منها أكتر، لمس إيديها وقال بابتسامة دافيه
"بصي... أنا مش هضغط عليكي، لو عايزه تشاركيني في ضيقك معنديش مانع أسمعك وأكون جنبك، بس عشان خاطري... فرفشي شويه، وحشتني فريده القديمه
فريدة بصتله وقالت
" يبني منا كويسه، انت محسسني اني زهدت الدنيا."
ضحك بخفه وقال
" والله انتي محسساني بكده، بس خلاص احنا عملنا ديل."
ردت
" طيب اتفقنا، يلا تصبح على خير هموت وانام"
ابتسم وقال
" وانتي من أهله"

عند يونس 
قفل السي دي وإيده لسه على الماوس، صدره بيعلى وينزل بسرعه من الغليان اللي مسيطر عليه، حس بدمه بيجري في عروقه كأنها نار، عقله مش قادر يستوعب إن مامته، الست اللي طول عمرهم شايفينها المثل والقدوه ، كانت جزء من لعب قذر بالشكل ده.
شد نفس عميق بس خرج منه مكتوم، ضرب بكفه على تابلوه العربيه مره واحده بعنف، بص قدامه في الضلمه، ملامحه اتبدلت تمامًا، الفضول اللي خلاه يفتح السيديهات اتحول لغل، مد إيده بسرعه وسحب السي دي التاني من اللابتوب وبدله باللي بعده، وبص ناحية الكراتين اللي ورا في شنطة العربيه، عينيه لمعت بتصميم عنيد.

شاشة اللابتوب نورت من جديد، والصوت بدأ يشتغل، نفس المكتب... مكتب عاصم، نفس المكتب اللي شهد خيانه من نوع مختلف جدا، الكاميرا بتسجل، وصوت صابرين هو أول اللي اتسمع، صوتها فيه حماس غريب وشيء من الفخر
صابرين قالت 
"امبارح خلصت، البنت اللي قلتلك عليها، الشغّاله اللي بتيجي تساعدني، ملهاش حد يسأل عنها، ولا أي حد يعرف حتى هيا فين."
صالح كان قاعد قدامها، سايبها تتكلم لحد الآخر، وقال ببرود وهو بيبصلها
"كويس... وبعدين؟"
صابرين ابتسمت ابتسامه صغيره وهي بترد
"حطيت لها المخدر في العصير زي ما قولتلي، أول ما اتخدرت، عربيه سودا وقفت تحت البيت وخدوها زي ما قولتلي"
صالح مال بجسمه لقدام وقال بفخر
"برافو."
صابرين رفعت حاجبها وسألت بلهفه
"طيب... والفلوس هتوصل امتى؟"
صالح قال
"بعد أسبوع هيكونوا في حسابك."
صابرين عضت شفايفها وقالت بنبره فيها قلق
"وأنا إيه يضمنلي الكلام ده؟"
ابتسامه بارده ظهرت على وش صالح وهو بيقول
"إنك تستني... ووقتها هتتبسطي."
صابرين سكتت لحظه، وبعدين مقدرتش تمنع نفسها من السؤال
"طب هما هيعملوا إيه فيها؟ وليه عايزينها؟"
صالح رفع إيده وكأنه بيوقفها وقال بنفس البرود
"قولنا... منسألش."
الصوره على الشاشه اتجمدت، والسي دي خلص.

يونس كان قاعد ومش مستوعب اللي بيسمعه، كأنه في كابوس مثلا وهيفوق منه، إيديه ماسكه الدركسيون جامد وعينه بتجري على باقي الكراتين اللي ورا، رغم إن الفضول عنده بدأ يتعبه بس كان مصمم أنه لازم يفهم كل حاجه، وكان بيسأل نفسه ايه ممكن يكون أخطر من كده مثلا، وايه ممكن يكون موجود في السيديهات التانيه، مستناش اكتر، نزل بسرعه، فتح الشنطه تاني وعينيه وقعت على كرتونه مش مكتوب عليها حاجه، سحبها بحذر، فتحها، لقاها مليانه سيديهات برضو، بس من غير أي ترتيب، مد إيده، سحب واحده عشوائيه، ورجع تاني للعربيه، حط السي دي في الكيس الجانبي واستناه يشتغل، في الأول كان بيتفرج عادي بس اللي شافه لما كمل خلّى أنفاسه تتقطع، عينيه اتسعت بشكل لا إرادي، وضربات قلبه بدأت تسرع، يونس اتجمد مكانه، إيده اتشنجت على الفاره، وصدره بيعلى وينزل بسرعه، اللي شافه كان فوق احتمال أي بشر، مشهد مينفعش يتشاف ولا يتنسي.....
السي دي بدأ بأوضة فيها بنت مربوطة على سرير حديدي، الأوضة كانت زي قبو ضلمة، لمبة صفرا خافتة في نص الأوضة، الحيطه والسقف متآكلين، البنت جلدها شاحب، وعينيها بتتحرك يمين وشمال برعب، بتحاول تفك قيودها بس جسمها ضعيف جدا.
دخلوا اتنين لابسين بالطو أبيض، ملامحهم مش واضحة بسبب الكاميرا، إيديهم ثابتة وباردة، واحد فيهم مسك مقص جراحي طويل، والتاني كان بيجهز ترولي معدن عليه أدوات... مشرط، منشار طبي صغير، أنابيب بلاستيك.
يونس حبس أنفاسه وهو متوقع ايه اللي هيحصل، صوت نبضه بقا عالي، واحد منهم قص شعرها بالمقص الطويل والتاني قرب المشرط من ايد البنت، صوتها اتخنق في صرخه مكتومه من الألم، بس هيا مش قادرة تتحرك لأنها مربوطة بإحكام، بدأوا يقطعوا في جلدها بدقه بارده، كأنهم بيتعاملوا مع قطعة قماش مثلا، قطعوا جزء من جلد دراعها وحطوه جوه كيس شفاف، البنت كانت بتترعش بجسمها كله، أنفاسها متقطعه، دموعها بتنزل بغزاره بس مفيش رحمه.
يونس حط إيده على بوقه بعنف وهو بيهز رجله بعصبيه، لأن اللي حصل بعد كده كان صعب على أي بشر أنه يشوفوا، جزئوا جسمها كله، كل حاجه فيها حرفيا فصلوها وحطوها في كيس، جلد، شعر، كل أجزاء الوش، كل أعضاء الجسم، حتى صوابع الإيد والرجل، والجلد نفسه بتاع الجسم، الليله دي بالنسبه ليونس بقت بداية كابوس... لأنه شاف بعينه إزاي "الشغل" اللي صابرين دخلت فيه مش مجرد استدراج بنات لاء... ده عباره عن جحيم متكامل.
إيده كانت بتترعش على الكيبورد، مبقاش قادر يتحمل أكتر من كده، هو يادوب اول ما سمع صوت المنشار الحاد وهو بيقرب من جسم البنت، ضرب اللابتوب بحده وقفله بسرعه، أنفاسه طالعه سريعه ومتقطعه كأنه لسه خارج من خناقه، مسح عرقه بكف إيده وهو حاسس بصداع بيكسر دماغه، وحس بغثيان شديد، نزل من العربيه بسرعه وهو بياخد نفسه بقلق وتوتر كأنه محتاج هوا يدخل صدره، رفع راسه لفوق، أخد نفس طويل وحاول يسيطر على الرعشه اللي مسيطرة على جسمه كله، انحنى فجأة، وإيده ماسكه بطنه ورجّع جامد، فضل يتقيأ لحد ما حس إن معدته اتقلبت كلها من جوه، رفع راسه بصعوبه، عينيه حمرا ومدمعه، مسح بوقه وهو بيتنفس بصوت عالي، ووشه كله غضب وقرف، المنظر اللي شافه محفور جواه ومش قادر يطلّعه من دماغه، كأنه لسه قدام عينيه دلوقتي، مكنش متوقع أبدا كل ده، حس إن معدته اتقلبت ومش هيقدر حتى يقف على رجليه بشكل ثابت، كان عارف إنه مهما حاول يكمل، مش هيتحمل يفتح سي دي تاني، المنظر كان أبشع من أي احتمال في خياله، بشاعة فوق إنسانية، حاجة كسرت جواه جزء مش هيتصلّح أبدا
سند على باب العربيه، قلبه بيدق بسرعه وإحساس بشع جواه، أخد اكبر صدمه في حياته، حس أنه في كابوس وأنه عايز يفوق منه، طول عمره كان فاكر أن السبب مهما كان هيكون اتفه من كده بكتير، عمره ما توقع أبدا يكون في حاجه كبيره ورا مامته وبالشكل ده، عمره في حياته ما كان بيتهم بأي حاجه بس دلوقتي هو اتحط في رقبته مهمه كبيره اوي، اكبر من تخيلاته اصلا، ومع اكتر شخص بيحبه، هل هيتصرف صح ولا مش هيتصرف، هيعمل ايه؟ 
فضل قاعد في عربيته للفجر بيفكر، هو خايف يفتح أي سي دي تاني أو هو اكتفي باللي شافه، ودلوقتي هو ندمان أن فضوله اتغلب عليه لأنه في ورطه كبيره، عمره ما اتوقع يتحط في ورطه زي دي أبدًا.....

عند صابرين 
كانت قاعدة في الصالون على الكرسي، ماسكه فنجان قهوه وهيا حاطه رجل على رجل بعد ما طلبت من سليمان يغير مكان الكراتين، ومستنياه ييجي يقولها أنه نقلهم، لكن كل ده اتبخر لما سمعت صوت خطوات سليمان بعد ما دخل عليها وهو بينهج من كتر ما كان بيجري ووشه اصفر وهو بيقول بخضه
"القفل.... القفل مكسور... حد دخل! وكتير اوي ناقص"
الكلمات وقعت عليها زي صاعقه، قلبها وقف لحظه، فنجان القهوة وقع من إيديها واتكسر، وقفت بحدة، وشها شحب كأن الدم انسحب منه وقالت بصوت واطي مليان رعب
"إيه؟! بتقول إيه يا سليمان؟!"
سليمان كان بيهز راسه بسرعه وقال
"أيوه يا ست الكل... القفل مكسور، والكراتين متلخبطه وناقصه... حد دخل أنا متأكد"
صابرين حسّت كأن الأرض بتتهز تحت رجلها، كل احتياطاتها، كل السنين اللي فاتت وهي حاطة قواعد صارمة عشان متقعش، دلوقتي اتضربت في مقتل.
همست لنفسها وهي عينيها بتلمع من الغضب والرعب
"مصيبه... دي مصيبه سودة... لو اتفتح اللي جوه الكراتين... هتبقى مصيبه"
رفعت عينيها لسليمان، بصت له بنظرة حاده
"اسمعني كويس يا سليمان... انقل اللي موجود دلوقتي، واقفلي المكان ده كأنه مكانش موجود، سامع"
سليمان بلع ريقه، رفع إيده بسرعه
"حاضر... حاضر يا ست الكل... اللي تأمري بيه"
صابرين قعدت تاني وهي مش قادرة تهدى، راسها مليانه ألف سؤال... ملامحها بارده بس مليانه خوف، جابت فونها وكلمت يونس، الفكره اللي جت في دماغها أول ما سليمان قال إن القفل مكسور كانت يونس، بس مفيش رد، كررت الاتصال تاني بنفس الرتابه، وكل محاولة كانت بتزود الخنقة جواها، رنت كتير لحد ما الفون اتقفل، عيونها بقت حمرا وفيها خوف حقيقي، ده اللي معملتش حسابه، كانت لازم تكون أسرع من كده، بس هيا هتحلها، هتحلها زي ما حلت كل المشاكل اللي قابلتها قبل كده.
فضلت واقفه في نص الصالون، إيديها متشابكه قدامها وعينيها بتتحرك يمين وشمال بسرعه، أول مره من سنين تحس إنها مش مسيطره، إن كل سيطرتها خرجت من إيديها، وكانت بتسأل نفسها، شاف ايه بالظبط وايه حالته دلوقتي؟ وهتقدر تسيطر عليه ولا ممكن يتمرد، سندت ايديها على أقرب كرسي كأنها محتاجة تتوازن، ورغم إنها دايمًا بتظهر قويه بس لأول مرة الخوف بياكلها من جوا، فتحت فونها ورنت على حد ثقه وبمجرد ما رد قالت بصوت حاد متوتر
"عايزه اعرف يونس فين حالًا، اعرفلي مكانه بسرعه"
سكت الراجل لحظه وبعدين رد 
"تمام، إديني نص ساعة وهبلغ حضرتك بكل تفاصيل تحركاته."
صابرين قفلت الموبايل من غير ما ترد بكلمه زياده، بس مستنيه على أحر من الجمر.

عند يونس
كان قاعد في عربيته، جسمه تقيل كأنه حجر، عينيه لسه شايفه المشهد قدامه مهما حاول يرمش أو يبص في اتجاه تاني، الموبايل بتاعه بيرن جنبه على الكرسي، لما شاف انها صابرين ضهره اتقوس لورا، قلبه اتقبض، رنت كتير بس هو مش قادر يرد، رنات وراها رنات، لحد ما حس إن دماغه هتنفجر، ولما شاف اصرارها عرف انها احتمال كبير تكون عرفت، اخد فونه وقفله، بس هو عارف إن قطع الاتصال مش حل، هو لازم يسبقها بخطوه، بص قدامه وحس إنه محاصر، لا عارف يرجع البيت، ولا عارف يروح لأي مكان، بس اللي عارفه ومتأكد منه إن حياته اتغيرت خلاص، وإنه مش هيقدر يكون نفس يونس القديم بعد اللي شافه، وان اللي عرفه غير جزء كبير منه، خلاه انسان اكبر وانضج وكأنه كبر ١٠٠ سنه مثلا، دلوقتي ممكن يكون زي تيم، تيم اللي حياته جحيم حرفيا، هيكون ضحيه لمامته زي ما تيم ضحيه طول عمره، مش هيقدر يعيش حياة تيم، هو اصلا طول عمره بيشفق عليه، طول عمره شايفه ضحيه ومش قادر يتدخل، دلوقتي بس هو حاسس بتيم، حاسس بالثقل اللي طول عمره شايله، بس هل هيسمح أن حياته كلها تبقى سجن زي تيم، هل هيسيب صابرين تجر بنات أكتر وتدمر حياة بنات تانيه كتير، ولا هياخد خطوه، هيكون جبان زي اخوه، وهيهرب زي سالي، ولا هيكون أكبر من الورطه اللي قدامه وهياخد فعل فعلا، مفيش قدامه وقت، لو صابرين عرفت أنه أخد كل ده ومشي وشافه، يبقى خلاص هتلاقيه خلال دقايق، اخد اخر سي دي اللي مقدرش يكمله من اللاب وحطه في جيبه، نزل من العربيه بسرعه وفتح شنطة العربيه، عينيه وقعت على كل الكراتين اللي بقت جرح مفتوح بالنسباله، فتحهم كلهم وسحب كل الملفات اللي كانت عباره عن معلومات شخصيه وطبيه للأشخاص اللي مكتوب اسمها، حاجات مرعبه تبين إن اللي بيحصل أكبر من مجرد "تجارة أعضاء".
وقف لحظه وبص حواليه، قلبه كان بيدق كأنه هيطير من صدره، مشي بعيد شويه ودور على مكان كويس وحفر فيه، حط الملفات والسيديهات اللي قدر ياخدها في الحفره وغطاها بالتراب كويس، وبعدين دور على حجر مميز شكله غريب وحطه فوق المكان عشان يكون علامه ليه، وقف بعدها، نفَض هدومه بسرعه وبص حواليه، رجع وركب عربيته ومشي.

عند صابرين
خرجت بسرعه من البيت بعد ما مكان يونس اتبعتلها، ركبت عربيتها وضغطت على البنزين جامد، الطريق كان كله توتر، لحد ما وصلت للمكان اللي اتقالها إن يونس موجود فيه، نزلت وبصت حواليها بس مفيش أي أثر ليه، مسكت الموبايل بعصبيه واتصلت بالشخص اللي جاب لها العنوان وقالت بغيظ
"إنت بتستهبل؟ فين يونس؟! المكان فاضي!"
صوته جه مرتبك
"والله يا هانم ده اخر مكان كان موجود فيه، بعد كده معرفش، هو غالبًا قافل فونه ومش هعرف أوصل أكتر من كده."
الكلام ده كان كفيل يعصبها، زفرت بغضب وغمضت عينيها بعنف، بس هيا عارفه هيا هتجيبه ازاي، هيا عارفه....

يونس كان سايق من غير هدف، رجله بس بتدوس بنزين وعينه على الطريق قدامه بس عقله مش معاه، النهار بدأ يبان بخطوط باهتة في السما وهو ولا حاسس بالوقت ولا حاسس بأي حاجه أصلا، بس كل اللي عارفه أنه مش هيرجع البيت أبدا وخصوصا دلوقتي، لف كتير لحد ما لقا أوتيل قدامه، ركن عربيته ونزل، دخل الريسيبشن وطلب حجز اوضه، الموظف فتح الكمبيوتر وبصله وقال
"تمام يا فندم، بطاقتك والكريدت كارد."
طلع يونس الكريديت والبطاقه، بس أول ما الموظف جرب يمرر الكريديت في الجهاز، طلع رفض، جرب تاني... نفس النتيجه.
الموظف رفع عينه وقال بحرج
"الكارت مش شغال يا فندم."
يونس قال بضيق 
" بس انا لسه مستخدمه"
الموظف اكتفى بهز راسه بأسف.
يونس خرج من الأوتيل بخطوات متوترة، ركب عربيته بملل، عرف أن اكيد صابرين هيا اللي وقفت الكريديت، كده هيا بتمسكه من أيديه اللي بتوجعه، وهو عارف إنها ممكن تجيب مكانه في أي وقت، خطواته مكشوفه قدامها زي كتاب مفتوح، بس فكرة إنه يواجهها دلوقتي مستحيله، مش مستعد.
مد راسه على ضهر الكرسي وغمض عينيه، اخد نفس عميق كأنه بيحاول يطرد الأفكار اللي بتكتمه.

العصر في المستشفى
يسر راحت لفريده وقالت وهي ماسكه موبايلها بقلق
"برن على يونس ومش بيرد."
فريده رفعت راسها وبصتلها ببرود
"وانتي بترني ليه؟ مش خلاص مش عايزاه؟"
يسر اتنهدت وقالت بنبره فيها حيره
"منا بكلمه علشان أقوله قراري... بس مقفول من الصبح."
فريده شبكت إيديها وقالت بهدوء مزيف
"ممكن يكون نايم، بيسهر طول الليل وبيرجع البيت الصبح."
يسر عضّت شفايفها وقالت
"بس يعني... قافله ليه؟"
فريده ردت 
"ابقي كلميه بالليل يا يسر"

عند يونس...
فتح عينيه ببطء وهو بيفتح عينيه بصعوبه، لقا نفسه كان نايم مكانه، اتعدل في الكرسي وهو بيستوعب هو فين وحاول يسترجع للواقع.
شد نفسه على الكرسي، مسح على وشه بأيديه واتحرك من مكانه.
قطع مسافة طويله وهو سايق من غير ما يحدد وجهته بالظبط، لحد ما فجأه لقا نفسه واقف قدام المستشفى اللي شغاله فيها يسر.
وقف مكانه لحظه، عينيه على المستشفى، إيده ماسكه الدركسيون بقوه، حس بخنقه بس ركن على جنب، نزل بخطوات تقيله ودخل بخطوات سريعه، دور عليها لحد ما لقاها واقفه مع فريده، قرب منهم ونده
"يسر"
فريده ويسر بصوله، يسر قربت وقالت
"يونس، كويس إنك جيت... كنت برن عليك بس فونك مقفول."
تجاهل كلامها وقال بصوت واطي مشحون
"عايزك ثواني."
يسر قالت بنبره متحفظه
"في إيه؟"
فريدة قربت وهي شايفه التوتر واضح على وشه وقالت
"يونس؟ في إيه؟"
يونس بصلها بنظره قاسيه قصيره وقال
"مفيش... عايز يسر بس."
يسـر ردت بحزم 
"طب قول عايز إيه؟ أنا مش هقدر أخرج."
فريدة بسرعة قالت 
"روحي معاه، هغطي عليكي."
يسر اترددت لحظة، بس شافت حاجة عينيه خلت صوتها يلين
"تمام... ثواني، هغير هدومي وجايه."
يونس قال بصوت متحشرج 
"تمام متتأخريش."
يسر انسحبت بسرعة وفريدة وقفت قدامه وسألته
"مالك؟"
يونس قال بحده
"فريدة، متسأليش، سيبيني باللي أنا فيه."
فريده قربت أكتر وقالت 
"تعرف إن مامتك كلمتني وسألت عليك."
يونس قلبه دق جامد وسأل بتركيز
"قولتلها إيه؟"
ردت
"هقول إيه يعني؟ قولتلها معرفش."
يونس شد نفسه وقال بسرعه
"متقوليلهاش إني جيت هنا."
فريده سألته بقلق
"طب ممكن تفهمني في إيه؟ إيه اللي عملته يخليها تسأل عنك كذا مره وتكون قلقانه كده؟"
يونس سكت لحظه وهو بيبص حواليه وبعد كده بصلها وقال بقهر
"مسمعتش كلامك... دورت وراها وعرفت اللي انتوا عارفينه، واللي انتوا مش عارفينه حتى... كله."
فريدة قلبها وقف لوهله وبعد كده بصتله بصدمه وقالت
"يونس؟ إنت بتتكلم بجد؟"
رد بصوت شاحب
"ياريتني كنت بهزر، ياريتني في كابوس... بس إزاي سكتي؟ انتي وسالي إزاي عملتوا زي تيم؟ أنا مش هقدر أكون زيكوا، انا اه مش مستوعب اللي انا فيه دلوقتي بس اكيد مش هكون سلبي زيكوا"
فريدة حاولت تتكلم بس يونس قاطعها 
"هتقوليلي دي مامتك ومش هينفع تعمل حاجه، بس لو أنا معملتش هيا هتعمل، بنات تانية هتموت، يا ترى لو مقدرتش أسيطر، هتقتلني أنا كمان؟ ده اللي عايز أعرفه، وعايز أشوف هي بتحب نفسها لحد فين، ولو تقوليلي مش هتقدر تقف في وشها تبقى غلطانه، كلكوا شايفين وجودي زي عدمه، عمرها ما توقعت اني اعرف حاجه زي دي، بس عرفت"
يسر جت وقالت بصوت هادي
"يلا؟"
يونس هز راسه ببطء ومشي ويسر مشيت وراه، فريدة وقفت ثواني متجمده مكانها ومش عارفه تعمل ايه....

يسر خرجت وهيا بتدور بعينيها على الموتوسيكل بس فجأه لقت يونس واقف قدام العربيه وفاتحلها الباب، بصتله باستغراب وقالت
"فين الموتوسيكل؟"
رد بجفاء
"مش معايا، اركبي."
ركبت بسرعة وهو ركب مكانه واتحرك، بعد كام ثانيه سألت
"رايح فين؟"
مردش على طول، سكت لحظه وبعد كده قال
"مش عارف."
ردت بسرعه
"طب في إيه؟ وليه حساك متغير؟"
وقف العربيه، حط رجله على ركبته وهز رجله بتوتر واضح، اخد نفس طويل طلعه على مراحل وقال بصراحه هيا مش متعوده تشوفه بيها
"أنا دلوقتي في أضعف وقت، بس إنتي أول واحده جيتلها لما حسيت إني ضعيف، حسيت إني مش عارف أروح فين، لقيت نفسي عندك، مش عارف أقولك إيه، مش عارف حاجه، بس أنا فعلاً مش أنا، وبس جيتلك لما حسيت إني ضعيف."
يسر قالت باستغراب
"في إيه؟ أول مرة أشوفك كده."
يونس بصلها ببرود وحزن 
"معتقدش إنك ممكن تشوفي يونس القديم تاني... أنا بقيت واحد جديد."
يسر مسكت إيديه برفق وكأنها بتحاول تهدّيه وقالت
"أهدى طيب، ممكن تقولي حصل إيه وليه بتقول كده؟"
غمّض عينيه لحظه، وبعدين قال بصوت واطي مشوش
"انتي فكرتي في الكلام اللي قولتهولك امبارح؟"
يسر سكتت شويه، قالت بهدوء
"مش وقته دلوقتي يا يونس، خلينا فيك انت."
بصلها وقال 
"يبقى انتي مش عايزاني."
ردت بسرعه
"قولت سيبك من الموضوع ده دلوقتي، اعتبرني صاحبتك دلوقتي وقولي ايه اللي مضايقك."
قال بحزم
"يسر، أنا عايز جواب دلوقتي، حالًا."
يسر سكتت لحظة، وبعدين اخدت نفس عميق، بتحاول تجمع الكلمات قبل ما تنطق...

عند صابرين 
كانت قاعده على أعصابها، عينيها كل دقيقة بتبص على الباب كأنها مستنية يونس يفتح ويدخل وهيا بتقول لنفسها
"أكيد هيرجع البيت... هيروح فين يعني... مسيره يرجع."
الباب اتفتح، تيم دخل بخطوات هادية كعادته، صابرين وقفت بسرعه، ملامحها مشدودة وقالت بلهفة
"تيم! يونس كلمك؟"
هز راسه بهدوء
"لاء"
سألت
"ولا جالك؟"
"لاء"
سألت تاني
"متعرفش ممكن يكون فين دلوقتي؟"
رد بنفس البرود
"لاء"
صابرين اتنرفزت، صوتها علي شويه
"يونس أخد حاجة مهمه ومظهرش لحد دلوقتي!"
تيم رفع عينه ليها بهدوء مستفز
"هييجي... أكيد."
قالت بغضب
"إنت بارد كده ليه! بقولك خد حاجة مهمة!"
رد بسخرية لاذعة
"هيا جت عليه؟ وبعدين يونس ضعيف، ويتضحك عليه بكلمتين... مش ده كلامك؟"
صابرين قالت بغضب وغيظ
"تيم... مالك؟ في إيه؟ اتظبط!"
ابتسم ابتسامة باهتة وقال ببرود
"يبقى متدخلنيش في دي كمان... لأني مش هفيدك، دلوقتي أنا بقيت إنسان بلا مشاعر."
قال كلمته وبدون أي اهتمام مشي من قدامها وطلع أوضته، قفل الباب وهو بيفتكر امبارح، لما شاف يونس وكان بيراقبه من غير ما ياخد باله، بس متدخلش، ابتسم لنفسه ابتسامة غامضة ومبقاش فارق معاه أي حاجه...
يسر قالت بعد تفكير واضح وصوتها فيه تردد
"يونس، انا كنت لسه خارجه من علاقه مؤذيه قريب، وانت جيت وبتقولي ادخلي في علاقه تانيه في وقت انا مش قادره اتقبل فيه اي حاجه."
يونس سكت لحظه وبعدين قال وهو بيحاول يخفي اللي جواه
"ردك وصل... انا اصلا مستاهلكيش، يعني انتي ايه اللي يخليكي تقبلي واحد زيي؟ انا اصلا عايز اسحب كلام امبارح، قولته في لحظة عدم وعي"
يسر اتصدمت، بصتله بذهول وقالت
"بس يونس! ده مكانش قصدي... انا بجد مش معترضه عليك كيونس، انا مش عايزه ادخل علاقه تانيه، مش قادره أو مش متقبله"
يونس ابتسم ابتسامه باهته وقال
"فهمت، ربنا يوفقك... اوصلك فين؟"
يسر قالت بصوت متوتر
"يونس!"
بس هو كان باصص قدامه، ملامحه جامده، قال
"مفيش داعي نتكلم في حاجه تاني، انا فاهم كل اللي قولتيه، وانا بقولك اهو... انا شخص غير مسؤول، مشاكلي كتير جدا، صعب حياتي تكون مستقره، وانتي... انتي حتى لو فكرتي ترتبطي، هتختاري حد صح، حد حياته مستقره، مفيهاش مشاكل، وانا مش الشخص ده، هاا... اوصلك فين؟"
يسر فضلت ساكته، مردتش، فرفع صوته وهو بيحاول يبان عادي
"البيت ولا المستشفى؟!"
بصتله يسر بعين مليانه دموع، مدت ايديها وفتحت باب العربيه وقالت بهدوء
"مفيش داعي."
ونزلت من العربيه، خطواتها كانت تقيله كأنها سايبه وراها كلام كتير ما اتقالش بس غصب عنها.
يونس غمض عينيه بألم، قلبه بينزف، بس مد ايده بسرعه على الدركسيون واتحرك بالعربيه بعصبيه، رجليه داست على البنزين بقوه كأن الهروب هو الحل الوحيد.

رجع البيت وهو متلغبط، عينيه حمره وحاسس بتعب، وشه كان مليان غضب واشمئزاز، دخل الصالون، صابرين كانت قاعده على الكنبه، اول ما شافته قامت بسرعه، جريت ناحيته ووقفت قصاده، بصتله بترقب وخوف، قالت بصوت مش ثابت
"يونس؟ كنت فين كل ده؟ فاكر هتعرف تهرب مني يعني؟"
يونس وقف، رد ببرود قاسي
"المفروض مين اللي يهرب اصلا؟"
صابرين اتوترت اكتر، سألت بسرعه
"يونس... انت شوفت ايه؟"
يونس ضيق عينيه وقال بحده وغضب
"شوفت حاجات مكنتش اتخيل أمي تعملها حتى في احلامي، شوفت قد ايه احنا عايشين مع واحده مجرمه... قاتله."
صابرين اتلغبطت وحاولت تبرر
"يونس، انت مش فاهم حاجه، اللي شوفته ده كان..."
قاطعها بعنف
"كان قرف! كان جُرم كبير لو فاكره انك هتفلتي منه تبقي غلطانه، ولنفترض قدرتي تحمي نفسك في الدنيا... طب وبعد كده؟ البنات دول فاكره مش هيعرفوا ياخدوا حقهم منك؟ يا ترى كام بنت؟ من تلاتين سنه فاتوا لحد دلوقتي، قدرتي تستدرجي كام بنت؟ تستدرجيهم في بيت انتي اصلا مانعه فيه دخول أي بنت! متقوليش انك كده كنتي بتحاولي تبعدي الشبهات عن نفسك لما تمنعي تدخلي بنات البيت!"
صابرين رفعت صوتها وهي بتحاول تدافع عن نفسها
"يونس، انا عملت كل ده عشانكوا!"
يونس ضحك ضحكه مليانه مراره وقال
"عشان مين؟! انتي بتقولي ايه؟ يعني احنا اللي قولنالك تروحي تعملي كده؟"
قالت بعناد
"كنت عايزه أأمن مستقبلكوا... اجيبلكوا فلوس."
صرخ فيها
"لاء وانتي ناقصه! جوزك كان مليونير! وتقولي عايزه فلوس؟ فاكراني لسه صغير هتضحكي عليا؟"
صابرين هزت راسها وقالت بإنفعال
"انا مش بكدب! ابوك كان بخيل... بخيل جدا، وانا كنت عايزه اعيش زي كل الناس، مكانش بيسيب فلوس غير على القد، يادوب بتكفي!"
يونس صرخ بصوت عالي
"بتكفي! قولتي اهي بتكفي! بس ازاي نرضى؟! انتي مش بني آدمه... انتي شيطان! انا مش قادر استوعب حاجه! حاسس اني في كابوس... كابوس وحش اوي."
صابرين بصتله وقالت
"يونس، انا قولتلك غصب عني... وبعدين اللي شوفته انا مليش دعوه بيه، انا بس... كنت ببعت البنات دول مش اكتر."
يونس بصلها بصدمه، قال بضحكه مليانه قرف
"بس كده؟! يلهوي... ظلمتك، تصدقي ظلمتك بجد، لا كنتي روحتي فضيتيهم كمان عشان تبقي كملتي."
قعد فجأه، حط راسه بين ايديه، صوته خرج متكسر
"ازاي؟ ازاي امي تكون مجرمه كل ده؟ وانا فاكر انك... انا مش قادر اصدق، قولي إن اللي شوفته مش حقيقي، قولي فوتوشوب... أي حاجه."
صابرين قالت بهدوء بارد
"لا يا يونس... حقيقي، بس اللي شوفته تنساه، ولا كأنك شوفته، انا كان لازم يكون معايا أدله زي دي تدمر كل الناس اللي شغاله معاهم لو فكروا يأذوني، علشان كده انا كل يوم بكبر ومحدش بيقدر يقربلي، ولو في يوم حد فكر ينهيني هنهيه"
يونس بصلها، صوته مبحوح ومليان وجع
"انسى؟! يا ريت! بس اللي شوفته ده ما يتنسيش... ولا بعد ١٠٠ سنه حتى، مش معقول بعد كل ده لسه خايفه على نفسك! بتطلبي مني انسى؟ طب اتفضلي... نسيني اللي شوفته!"
قالت بحزم
"ياريت اقدر... بس اللي حصل حصل، واحنا لسه فيها، انت هتنسى... ومش بمزاجك."
يونس بصلها بتحدي وقال
"ولو منستش؟ هتعملي ايه؟ هتبعتيني ليهم؟ طب يلا... لأني مش هنسى! ومش هسكت! مش هقدر اسكت! حتى لو كنتي امي... ولو اني نفسي اتبرى منك دلوقتي حالا... بس للأسف."
صابرين شدت نفسها وقالت بصرامه
"يونس... اطلع اوضتك، ومتخرجش منها ابدا، واي حاجه انت عايزها هتكون عندك."
يونس هز راسه وقال بسخريه
"هتحبسيني يعني؟ ياربي... هتعملي فيا زي تيم؟ بس انا والله مش تيم، بكره هتشوفي ايه اللي هيحصل، كل حاجه هتبان"
صابرين طنشت كلامه وسألت بجديه
"فين اللي خدته؟"
يونس رد بسرعه
"متقلقيش... اول ما دخلت سليمان راح يشوفهم... هتلاقيه خدهم."
قالت بصرامه
"اطلع على اوضتك."
يونس وقف، صوته كان هادي بس مليان تهديد
"هطلع... بس الموضوع مخلصش."
طلع السلم بخطوات سريعه، صابرين طلعت وراه، اول ما دخل اوضته قفلت الباب من بره بالمفتاح.
صابرين اتنفست بارتياح وكأنها شالت حمل تقيل من على قلبها، نزلت بخطوات هاديه لحد ما وصلت للصالون، نادت على سليمان ولما جه وقف قدامها، قالتله بنبره فيها توتر واضح
"اتأكدت إن كلهم موجودين؟"
رد عليها سليمان وهو بيحاول يخلي صوته ثابت
"لسه، أنا خدتهم بس ونقلتهم المكان الجديد."
صابرين رفعت حواجبها وضغطت على كلامها وهي بتبصله بنظرات صارمه
"اتأكد الأول، وبعد كده انقلهم."
هز راسه بسرعه وقال بخضوع واضح
"تحت أمرك."
وبعدها خرج بهدوء.

يونس قعد على السرير بعد ما سمع صوت الباب بيتقفل من بره، قعد شويه وهو حاسس بزهد غريب، كأن الدنيا كلها فقدت قيمتها في لحظه، مد إيده لجيبه وطلع الفون، ضغط على زرار الباور لقاه فاصل شحن، اتنهد بغيظ وهو بيدور حواليه على الشاحن بس مكانش ليه أي وجود، وقف في نص الأوضه عينه بتلمع من الغضب والخذلان، وهز راسه كأنه استوعب الحقيقه، اكيد هي اللي شالته.
رمى الفون على الكومود بعصبيه ورجع تاني يمدد على السرير، بص للسقف وبيفكر جديًا ازاي ممكن يخرج من هنا.

عند فريده
كانت قاعده في البيت، مجهزه الغدا وحاطه السفره وهيا مستنيه حسام يرجع، الوقت عدى عن المعتاد وهو لسه موصلش، كل شويه تبص في الساعه وترن عليه بس بدون جدوى، لحد ما أخيرًا سمعت صوت المفتاح في الباب.
دخل حسام وقال بهدوء
"مساء الخير"
بصتله بسرعه وقالت بنبره مليانه عتاب
"كنت فين كل ده؟"
رد وهو بيحاول يخلي صوته عادي
"كنت عند ماما."
رفعت حواجبها وقالت
"من غير ما تقولٍِي؟"
ابتسم ابتسامه باهته وقال
"مش انتي قولتي هتخلصي شغلك متأخر، قولت اروح عندها بما إنك راجعه متأخر عن كل يوم."
قالت بحده خفيفه
"طب برن عليك مش بترد ليه؟"
قال باستغراب وهو بيبص في فونه
"بجد؟ آسف، مسمعتش الفون."
قالت وهي بتحاول تمسك أعصابها
"ولا حتى كلمتني النهارده زي كل يوم."
اتنهد وقال
"كان عندي ضغط شغل."
رفعت إيدها كأنها مش مصدقه وقالت
"مش مبرر، انت حتى لو ١٠٠ مشغول، بتكلمني حتى لو ثانيه."
قال وهو بيحاول يوضح
"أنا فعلًا آسف، بس أنا مكنتش فاضي خالص"
ردت ببرود
"تمام."
قال وهو ماشي ناحية الأوضه
" تصبحي على خير."
بصتله بذهول وسألته
"مش هتتغدى؟"
قال بسرعه وهو داخل الأوضه
"اتغديت عند ماما"
دخلت وراه بخطوات متردده وقالت
"بس أنا مستنياك كل ده"
لفلها وقال
"وماما كانت هتزعل لو مكنتش اتغديت معاها."
سكتت لحظه وقالت بنبره مكسوره
" اممم، تمام."
بصلها وقال بقلق
"متقوليش إن دي حاجه ضايقتك؟"
ردت بسرعه
"وانت شايف إنها مش تضايق يعني؟ مش شايف إنك نسيتني النهارده؟"
مسك راسه وقال
"انتي بتتضايقي من تدخلي المبالغ فيه بيكي، وانتي اللي قولتيلي سيبني اهدي يومين... ده اللي أنا بعمله يا فريده، مش عايز اضغط عليكي."
قالت بصوت مبحوح
"فتقوم ناسيني خالص؟ كأني مليش وجود؟"
رد بحزم وهو باصصلها
"ومين قال كده؟"
اتنهد بعمق وقال بصوت مرهق
"فريده، أنا مش فاهمك، ومش فاهم انتي عايزه إيه... ومش عارف حتى أعمل إيه."
فريده وقفت لحظه ساكته، ملامحها مليانه عتاب وزعل وهي مش قادره ترد بكلمه، خرجت بهدوء من الاوضه من غير ما تبصله، وبدأت تلم السفره.
حسام اتجمد مكانه ثواني كأنه بيفكر، وبعدين خرج بسرعه من الأوضه، وقف قدامها ومد إيده، مسك إيدها ومنعها وهي ماسكه طبق.
بصلها بعيون مليانه ندم وقال
"فريده... استني."
اتسمرت مكانها، قرب منها أكتر وقال بهدوء
"أنا آسف... تعالي نقعد ناكل سوا"
قالت وهي بتحاول تسحب إيدها
"بس انت قولت اتغديت عند مامتك."
شد إيديها أكتر وقال بابتسامه خفيفه فيها اعتذار
" حتى لو، أنا هاقعد آكل معاكي... عشان انتي مأكلتيش من الصبح."
قالت وهي بتحاول تبعد إيديها للمره التانيه
"أنا مش عايزه آكل."
قرب منها أكتر وبص في عينيها بإصرار وقال
" لاء، هتاكلي"
ردت بضيق 
"قولتلك مليش نفس."
رد بإصرار
"وأنا قولتلك هتاكلي... على الأقل معايا"
فضل ماسك إيدها ومتحركش، لحد ما اضطرت تبصله، نظراته كانت مليانه إصرار وحنان في نفس الوقت، أخد الطبق من إيدها ورجعها تقعد على الكرسي بهدوء، وقعد قصادها.
مد إيده على السفره وبدأ يأكلها بنفسه، فريده فضلت ساكته لحظه، وبعدين غصب عنها ابتدت تمد إيديها للأكل وحسام فضل معاها طول الوقت.
بعد شويه، حسام قال بهدوء
" ماما وبابا وخالتو وجوزها وريم بنتهم جايين آخر الاسبوع."
فريده رفعت راسها بسرعه وقالت بابتسامه
" بجد؟ ينوروا."
حسام بصلها وهو متردد وسأل
"يعني مش هتتضايقي إنهم هييجوا في يوم الاجازه؟"
قالت بهدوء 
"أكيد لاء، دول أهلك"
سألها بتردد
"يعني أكلم ماما وأقولها خلاص؟"
فريده استغربت شويه وقالت
"انت مش قولت جايين؟"
ضحك بخفه وهز راسه
"بس أنا مأكدتش، قولت لازم أخد رأيك الأول، انتي صاحبة القرار"
في اللحظه دي قلبها دق، حست انه مش بيعتبرها موجوده، هو بيعتبرها واحده ليها رأي وبيحترمها جدا، بصتله بابتسامه واسعه وقالت
" انت اللي صاحب القرار مش أنا، اكيد مش هيكون عندي أي اعتراض على اي حاجه تقولها" 

عند صابرين 
كانت قاعده على أعصابها من ساعة ما سليمان رجع وقالها إن الملفات مش موجوده، الدم غلي في عروقها، طلعت بسرعه على أوضة يونس، فتحت الباب ولقت يونس ممدد على السرير، عينيه سابحه في السقف وكأنه مش في الدنيا.
قربت منه وسألت بجمود
"فين الملفات؟"
يونس متحركش، ولا حتى فتح بقه.
حاولت تهدي نفسها وقالت بهدوء بارد
"وديت الملفات فين يا يونس؟"
بصلها للحظه من غير ما يرد ورجع بص لفوق تاني
ابتدت تفقد أعصابها أكتر وقالت
"بسألك سؤال."
اتعدل في قعدته وبصلها وقال ببرود
"معرفش بتتكلمي عن اي."
قالت بعصبيه واضحه
"مش عايزه استهبال، فين الملفات؟"
قال ببرود
"أنا قولت اللي عندي."
زفرت بغضب وقالت بصوت أعلى
"فين الزفت، حطيتهم فين واخدتهم ليه!"
ابتسم بسخريه وقال
"لما تعلي صوتك مش هخاف، واللي عندي قولته... اتفضلي يلا."
شدت نفسها وقالت وهي بتحاول تسيطر على غضبها
"هتروح مني فين يا يونس؟ أديك موجود أهو، ومش هتخرج من هنا طول ما انت مش راضي تتكلم."
رد بثبات
"قولت... اتفضلي."
صابرين خرجت من أوضة يونس بغيظ باين، قفلت الباب وراها بعنف وهي بتحاول تكتم عصبيتها، لقت تيم واقف قدامها ساند على السور، عينيه متابعه كل اللي حصل من بعيد، وقفت قدامه وقالت
"ادخل عقله، علشان أنا كده جبت آخري."
تيم هز راسه ببرود وقال بنبرة قاطعه
"قولتلك مليش دعوه... متدخلنيش."
قالت بغيظ
"يارب يصبرني عليكوا... هموت منكوا."
تيم قرب من أوضة يونس، وقف قدام الباب وخبط بخفه وقال بصوت واطي
"يونس؟"
يونس قام بكسل، حاول يفتح الباب وهو متنرفز وقال بحده
"عايز إيه إنت كمان؟"
تيم اتنهد وقال بجديه
"إنت كان مالك ومال كل ده؟ ده أنا كنت بحسدك."
يونس قال بنبره مليانه سخريه 
"ما انت حسدتني بقا خلاص... عليه العوض."
تيم قال وهو بيحاول يسيطر على صوته
"لو كابرت... هتفضل محبوس كده."
يونس رفع حواجبه وقال بتحدي
"عايزني أبقى زيك يعني؟ وأعيش حياتك المقرفه دي؟"
تيم اتجمد في مكانه، صوته طلع فيه غصه
"ولما إنت مش عاجبك حياتي المقرفه... دورت ليه وعرفت حاجات مكنش لازم تعرفها؟"
يونس قال ببرود
"وانت عارف أنا عرفت إيه."
تيم ابتسم ابتسامه باهته وقال
"أنا عارف كل حاجه يا يونس... أنا مش أهبل، بس غصب عني."
يونس قال بتحذير 
"عيد تفكيرك... لازم تعيد تفكيرك في نفسك."
تيم رد بنبره فيها يأس
"خلاص بقا... بعد إيه؟"
يونس سكت لحظه بعدين قال بجديه
"يعني مش هتساعدني أخرج من هنا؟"
تيم زفر وقال
" لو هعرف هخرجك، خليها بظروفها."
يونس ابتسم بخفه وقال وهو بيرجع لمكانه
" ابقى شقَر عليا."

تاني يوم في المستشفى
يسر كانت قاعده جنب فريده، صوتهم واطي والقلق باين على ملامح يسر.
فريده قالت وهي بتبصلها باستغراب
"وانتي كنتي فاكره إيه؟"
يسـر ردت بعد لحظة تردد
"أنا استغربت شويه يا فريده... يعني حسيت إنه مش يونس أصلًا."
فريدة عقدت حواجبها وقالت بهدوء
"وهو بنفسه قالك إنه اتغير... قالك إنه بقا يونس تاني."
يسـر هزت راسها وقالت بحيره
"وإيه سبب التغيير ده؟ يعني ليه؟"
فريده قالت بهدوء
"إنتي فكرتي إنه هيتمسك بيكي أكتر... وإنه مش هيسيبك."
يسـر اتنهدت وقالت
"قولت ممكن حتى يصبر عليا."
فريده ردت بحده خفيفه
"يصبر عليكي في إيه أصلًا يا يسر؟ واحد قولتيله مش مستعده ومش عايزه، هيعمل ايه يعني؟!"
يسـر رفعت عينيها ليها بسرعه وقالت
"قولتله إني مش قادره ارتبط تاني... مش إني مش عايزاه."
فريدة بصتلها بتركيز وقالت
"يسر... يمكن هو عنده ظروف مثلًا، انتي عارفه برضو ان مامته مانعه أي بنت تدخل البيت."
يسر رفعت حاجبها وقالت بسرعه
"مش هيا مانعه تيم بس؟"
فريده اتنهدت وقالت
"آه... بس ممكن تكون مانعه يونس ياخد خطوه زي الجواز مثلًا، يعني هو أكيد مش هيكسر كلام مامته."
يسر سألت بقلق
"تفتكري كده؟"
فريده هزت راسها وقالت بحزم
"آه ليه لاء؟ وخلاص… اللي بينكوا خلص من قبل ما يبدأ حتى، سيبيه ولو حاول تاني... إديله فرصه"
يسر بصتلها بتوسل وقالت
"فريده... لو عارفه حاجه قوليلي وريحيني."
فريده وقفت وهي بتعدل الاسكراب بتاعها وقالت
"وأنا قولتلك اللي أعرفه، يلا هروح أشوف مريض غرفه ٧."
ومشيت وسابتها بتفكر.
في نهاية اليوم
يسر رجعت البيت اخيرا بعد يوم طويل، وقفت قدام الباب، طلعت المفاتيح من شنطتها وقبل ما تحط المفتاح في الباب، فجأة الباب اتفتح من جوه، وخرجت منه ياسمين أختها بخطوات سريعه، يسر وقفت متفاجئه والمفاتيح وقعت من ايديها....
يسر وقفت مصدومة، عينيها ثابتة على ياسمين كأن الزمن وقف للحظة، ياسمين اتفاجئت، وشها اتغير بسرعة، بس انسحبت بسرعة من غير ما تبص وراها ولا تنطق بكلمة، وكأنها عايزة تهرب من المواجهة.
يسر حوّلت نظرها فورًا لمامتها اللي كانت واقفه ورا الباب، عينيها فيها غضب وحزن وصوتها متقطع
"ده بجد؟"
مامتها وقفت قدامها، حاولت تبقى هادية رغم ارتباكها
"يسر، كان لازم أشوفها، كان لازم أتطمن عليها، دي مهما كانت بنتي."
يسر قالت بنبرة كلها مرارة
"يعني سامحتيها؟ نسيتي اللي عملته فيا؟"
مامتها زفرت تنهيدة طويلة وقالت بعاطفة واضحة
"دي بنتي برضو يا يسر، مش هقدر أستغنى عنها وأسيبها، مش هقدر أعيش من غير ما أتطمن عليها وأشوفها عايشه ازاي"
يسر وقفت مذهولة، صوتها طلع مخنوق 
"بجد؟ يعني بسرعة كده نسيتي اللي عملته؟ ده بجد؟"
مامتها قالت وهيا بتحاول تشرح لها وجهة نظرها
"افهميني يا يسر، دي بنتي، لما تبقي أم وقتها هتفهميني."
يسر ضحكت ضحكة قصيرة بسخرية مليانة وجع
"أم إيه بقى؟ البركة فيها حولت يومي لكابوس، وبعد كل ده كأنها معملتش حاجة؟ مش قادرة أصدق."
يسر مستنتش رد، طلعت بسرعة على أوضتها، ومامتها بتنادي بس هيا مردتش.

عند ياسمين 
رجعت البيت، محمد اول ما سمع الباب بيتقفل راح بسرعه وسألها بلوم
"اتأخرتي كده ليه؟ كنتي فين كل ده؟"
ردت ببرود 
"كنت في الشغل، هكون فين يعني؟"
قرب منها وسأل بإصرار
"بس انتي اتأخرتي النهارده؟ كنتي فين؟"
دخلت الاوضه وهي بتحاول تقصّر الكلام وقالت بملل
"ما قولت في الشغل، خلصنا بقى."
محمد قال بحدة خفيفه
"ياسمين صوتك... مش شايفه انك زودتيها؟"
وقفت، لفت وشها ناحيته وقالت بصوت مقطّع من الانفعال
"محمد، ابعد عني دلوقتي، علشان انا لا طايقه نفسي ولا طايقاك."
دخل وراها وهو مصِر يكمل الكلام
"مش شايفه انك مزوداها، بالرغم اني بعملك كل حاجه بتتمنيها وبسعى لرضاكي"
ردّت عليه ببرود محتد
"انت معملتش حاجه زياده ولا بتجبي عليا، بالعكس... انت لسه عندك نقص."
الكلام ده خلّاه ينفعل أكتر، قال بصوت عالي
"بعد كل ده؟ ده انا خليت ماما واخواتي البنات يسيبوا الشقة عشانك، فرشتها من جديد على زوقك وروحت جبتك بنفسي ورديت كرامتك قدام أي حد ضايقك، كل ده ولسه... لسه عايزه إيه تاني؟"
ياسمين وقفت قدامه، وبصوت فيه مراره قالت 
"ده واجبك، المفروض كان يحصل من زمان، بس انا كنت بقدّم تنازلات، يعني ده جاي متأخر، وانت بس بطل ترمي ودنك لامك واختك، وساعتها هترتاح وتريح."
محمد زفر بحنق وقال
"انتي عايزه ايه تاني بعد كل ده؟ انتي مش عامله ليا وجود فعلا وبتتصرفي دايما بمزاجك، والله أعلم هتعملي ايه بعد كده، وانا مش بسمع كلام حد، انا شايف بعيني اهو."
ياسمين وقفت دقيقة، جمعت كلامها وردت بسخرية قاسية
"ده كلام اختك آيه صح؟ طيب ايه رأيك لو جبتلها عريس ييجي ياخدها وتغور معاه بدل ما بقت بايره ومحدش راضي يبص في وشها؟ ولو إني هشفق عليه بس هرتاح من خلقتها، لأنها طول ما هيا موجوده في نفس البيت بحس بخنقة."
محمد قال بتحذير وهو بيقرب منها
"ياسمين، خدي بالك من كلامك، انتي مفكرة نفسك مين؟"
متراجعتش، بصتله بمرارة وصرامة
"انا، انا يادوب اللي بشتغل وبصرف على البيت اللي انت مش قادر تكفيه، انا اللي سيبت العز اللي كنت فيه وجيت قعدت هنا في القرف ده والفقر ده عشان حد ميستاهلش."
الكلمات دي خلّت غضبه ينفجر، مقدرش يتحكم في نفسه ولا غضبه، ضربها على وشها جامد وهو مش شايف غير اهانتها ليه.

عند فريده 
خرجت من المستشفى ولقت علي واقف مستنيها بره، بصله باستغراب هو قرب منها بابتسامه هاديه وقال
"ازيك يا فريده؟"
ردت بابتسامة بسيطة
" الحمد لله تمام، في حاجه؟"
هز راسه وقال بحذر
"لا لا متقلقيش، مفيش حاجه... انا بس جيت اتكلم معاكي شويه."
فريده بصتله وسألت باستغراب
"تتكلم معايا في ايه؟ خلاص كتب كتابكوا بكره، يعني مفيش حاجه تحاولي تلين دماغي بيها."
علي حمحم وبدأ يتكلم بصوت واطي 
"فريده... انتي عارفة اني أرمل ومش بخلف، ومراتي ماتت بدري، عيشت عمري كله لوحدي من غير حد، تعرفي ده طبعًا، مش كده؟"
فريده قالت 
" امممم... وبعدين؟"
علي قال بهدوء
" حبيت استقر واعيش بعد كتير اوي، قولت اني مش عايز اموت لوحدي، ولما شوفت ايناس حسيتها شبه مراتي، فكرتني بيها وده اللي شدني ليها جدا، كانت بنفس الطيبة ونفس كل حاجه... بس معرفتي بيها مكانتش سهلة، كنت بتعب عشان أقنعها اني بحبها فعلا، هي كانت رافضة في الاول، بس مع الوقت بدأت تلين، كنتوا انتوا اول حاجه في بالها، بس قولتلها نعرفكوا في الوقت المناسب، بس للأسف انتي عرفتي قبل ما نقولك، ويمكن ده سبب التوتر بيني وبينك."
فريده بصلته وقالت بحيره 
" وبتحكيلي الكلام ده دلوقتي ليه؟"
علي بص قدامه وقال بضيق
" لأن ايناس لسه حاسة انك مش مرتاحة، وكانت بتفكر كتير تلغي الموضوع، وانا قولتلها انا هتصرف، قوليلي يا فريده لو الموضوع مضايقك واحنا نلغي، لاني مش هقدر اعمل حاجه غصب عنك انتي او عن ايناس حتى لو روحي فيها، بس مشاعرك انتي اهم"
فريده سكتت لحظة، اخدت نفس طويل وردت بصدق مخلوط بتردد
"يمكن الطريقه اللي عرفت بيها مكانتش لطيفة، ويمكن في الاول مكنتش متقبلة ان ماما تتجوز واسلام كمان يتجوز وابقى لوحدي، بس اللي حصل اني اتجوزت قبلهم اصلا، فدلوقتي كل حاجه اتغيرت، واظن جوازكوا مناسب، انا مش هحب ان ماما تكون لوحدها بعد ما اسلام يتجوز، وانا مش هقف قدامكوا، انا كنت حاسه ان الدنيا كلها ضدي، بس دلوقتي كل حاجه اتغيرت، وكل واحد بيشوف حياته، وانا نفسي هكلم ماما وهقولها رأيي بجد."
علي ابتسم بارتياح وقال بفرحه حقيقيه
" بجد يا فريده... مش عارف اقولك ايه، كنت جايلك وانا خايف... خايف توقفي الجوازه، بس انا ممنونك، واعتبريني زي والدك لو ده مش هيضايقك، ولو احتاجتي اي حاجه عرفيني."
فريده ردت بخفة ومجاملة
" ولا يهمك، الف مبروك."
علي عرض عليها بحب
"طب تحبي اوصلك؟ ولا انتي رايحه فين؟"
فريده قالت بهدوء
" شكرا، انا مستنيه حسام، زمانه جاي."
علي هز راسه بابتسامة صغيرة وقال
"تمام، ربنا يسعدك ويوفقك يا بنتي."

عند ياسمين 
كانت بتلم هدومها بسرعه في الشنطه ومحمد واقف قدامها بيقول برجاء
"ياسمين... أنا آسف بجد... عشان خاطري، والله معرفش عملت كده إزاي، انتي عصبتيني وانتي عارفة إن غصب عني، أنا دورت على شغل كتير وملقيتش."
مردتش عليه، كانت مازالت بتلم هدومها كلها، قال 
"عشان خاطري، أنا آسف، طب هدور على شغل تاني وتالت، والله، عشان خاطري..."
قفلت شنطتها بسرعه وهو قال بسرعه وهو بيحاول يوقفها
"طب اقعدي من الشغل بتاعك لو متضايقة، اقعدي وانا مش هخليكي تدفعي جنيه واحد، ياسمين... ياسمين، أنا اسف والله، انا معرفش أنا عملت كده ازاي."
وقفت، بصتله بصه باردة مفيهاش تردد، ونطقت بكلمة واحدة بس قصيرة وثقيلة
"طلقني."
اتصدم، قال بصوت مبحوح 
"انتي بتقولي ايه؟ ده مستحيل... أنا مش هقدر أعيش من غيرك يا ياسمين."
كررت الكلمة بنفس الهدوء والحزم
"قولت طلقني."
محمد قال بذعر وهو بيحاول يخليها تتراجع عن قرارها 
"هعملك يا ياسمين اللي انتي عايزاه صدقيني، كل اللي انتي عايزاه هاعمله، هكتبلك الشقه باسمك لو ده هيرضيكي، ارجعي عن قرارك بس عشان خاطري"
سكتت دقيقه، سابت الشنطه وقربت منه بخطوات ثابته، وبصوت مستيقن ومليان برود قالت
"ط..ل..ق..ن..ي."
قال بسرعه
"طب انتي عايزه ايه؟ قولي، عايزة البيت كله؟ هكتبهولك، هكتبه كله والله."
وقفت شوية قدامه، عينيها ثابتة في عينيه، وقالت ببرود
"كده ممكن نتفق."

عند فريده
أخدت نفس عميق وهي ماسكه الفون، رنت على إيناس اللي ردت بحب
"عاملة إيه يا قلبي؟"
ابتسمت فريدة وقالت بصوت مبحوح 
"ماما... وحشتيني."
ضحكت إيناس بخفة وقالت
"وانتي كمان يا حبيبتي، طب ليه مش بتيجي؟ انتي وحشتيني بجد يا فريدة."
فريدة اتنهدت وقالت وهي بتحاول تلاقي عذر
"علشان بيبقى عندي شغل، ويادوب بخلص وأرجع البيت، وكده كده بنتجمع كل ويك إند."
إيناس قالت بإصرار 
"برضو تيجي يوم في النص... انتي بتوحشيني."
فريدة حاولت تخفف الموقف، قالت بهزار
"خلاص بقى، بقيتي عروسه ومش هتفضي لحد."
إيناس ردت بسرعه وقالت بعتاب
"أخص عليكي يا فريدة، انتي وإسلام عندي أهم من أي حاجة في الدنيا."
ضحكت فريدة بخجل وقالت
"بهزر يا ماما."
نبرة إيناس اختلفت وبقت جادة جدًا
"بجد يا فريدة، لو مش عايزاني أتجوز هلغي كل حاجة، لو مش هترضَي أوقف كل حاجة دلوقتي."
فريدة سكتت لحظة، وبعدين قالت بهدوء
"لاء طبعًا يا ماما، أنا مش متضايقة، بدأت أتقبل."
إيناس سألت بقلق واضح
"بجد؟ ولا بتقولي كده عشان مزعلش؟"
فريدة ابتسمت بحنان وقالت
"لاء بجد، وعشان أثبتلك... هكون عندك من الصبح بدري."
إيناس قالت بتأثر
"متعرفيش كلامك فرحني قد إيه... طب قوليلي، حسام عامل إيه؟ وانتي مرتاحة معاه؟"
فريدة ردت بثقة وفي صوتها طمأنينة
"حسام كويس الحمد لله... ومبسوطة جدًا معاه، متعرفيش هو حنين معايا قد إيه."
إيناس قالت وهي بتدعي من قلبها
"الحمد لله يا قلبي... يارب دايمًا."
قفلت فريده مع ايناس، قعدت على السرير وسندت ضهرها على المخده، مسكت الفون في إيديها وبصت في السقف بشرود، كلامها مع مامتها كان كله طمأنينة ورضا، لكن جواها كان في صراع كبير، هي قالت إنها مبسوطة مع حسام، بس الحقيقة إنها لسه مش قادرة تحس بالحب اللي المفروض تحسه، او مش قادره تعترف لنفسها هيا ايه إحساسها.
سمعت صوت حسام وهو بيفتح باب الأوضة، دخل وقال
" ايه يا حبيبتي، لسه صاحيه؟ مش كنتي تعبانة؟
فريده ردت بابتسامة باهتة
"آه، بس كنت مستنياك"
قرب منها وقال بحنان
" يارب دايما ادخل الاقيكي مستنياني" 
ابتسمت و اتنهدت هيا بتفكر في اللي جاي.

تاني يوم جه زي ما كان مترتب بالظبط، كتب الكتاب كان هادي جدًا ومن غير أي ضجه، اللي كانوا موجودين كانوا من العيلة والأصحاب المقرّبين، وكل حاجة اتعملت في هدوء وبساطه، عقد قران في البيت وحفله بسيطه جدا، وبعد ما خلص اليوم، كل واحد رجع بيته واليوم مر خفيف من غير أي احداث.

في يوم الإجازه
فريدة صحيت من بدري وهي مجهزه نفسها لليوم من اوله، بتظبط الجو قبل ما أهل حسام يوصلوا، كانت بتحاول تخلي كل حاجة تمام وعلى مزاجهم، بعد شوية، حسام صحي من نومه وهو لسه مغمض عينيه وقال بصوت نعسان
"صباح الخير."
فريده ابتسمت وقالت
"صباح النور، كل ده نوم؟"
رد وهو بيتمطّى
"عشان نايم متأخر"
سألته
"أهلك جايين امتى؟"
هز كتفه وقال
"مش عارف، هكلم ماما وبعد كده هوصي على الأكل."
ابتسمت فريده وقالت بهدوء
"تمام، زي ما تحب."

بعد وقت قصير، رن جرس الباب، فريدة قامت بسرعة وفتحت وهي مبتسمة، أول ما دخلت مامت حسام وباباه، رحبوا بيها بحراره وحضنوها كأنها واحدة من العيلة من زمان، ابتسمت فريدة وحست براحة، بعدها دخلت خالة حسام مع جوزها، سلموا سلام عادي تقليدي من غير زيادة ولا نقصان، فريدة بادلتهم بابتسامة بسيطة.
لكن لما دخلت ريم، مدّت إيدها وهي بتسلم بفتور واضح، وهيا بتبصلها من فوق لتحت، فريدة حسّت بالبرود، لكن حاولت تخفي ده بابتسامة رقيقة.
حسام كان واقف ورا فريده، أول ما ظهر ابتسامة كبيرة اترسمت على وشوش الكل، مدّوا إيديهم يسلموا عليه بحرارة وحفاوة واضحة، وخصوصًا ريم اللي كانت سلامها مختلف خالص، مدت إيديها بسرعة وسلمت بحرارة باينة، وفضلت واقفة جنبه شوية زيادة عن اللزوم وهي بتسأله أخبار شغله وحاجات تانية باهتمام ملفت.
فريدة لاحظت السلام المبالغ فيه من ريم، وعينيها اتحركت تلقائي وهي شايفة اهتمامها الواضح بحسام، قلبها اتقبض للحظة، بس ابتسامه خفيفه زينت وشها وهيا بتحاول تتجاهل الإحساس اللي جواها، ومع ذلك، عينها فضلت تراقب من بعيد كل تصرفات ريم مع حسام، حتى وهي بتحاول تبان طبيعية.
دخلوا كلهم وقعدوا، حسام قعد، وريم بسرعة راحت قعدت جنبه، حسام وسّع شوية علشان يسيب مسافة بينها وبينه، لكن فريدة كانت هتولّع من جوه وهيا شايفة اللي بيحصل، ومع ذلك مسكت أعصابها وقعدت، الجو كان مايل للهدوء، والكل بدأ يسألهم أسئلة عادية عن أحوالهم وحياتهم، خالته بصتله بابتسامة وسألته
"الجواز عامل إيه يا حسام؟"
حسام ابتسم ابتسامة دافية، ونقل نظره مباشرة على فريدة وهو بيرد
"حلو جدًا... أحلى مما كنت متخيل."
الكلام خرج منه بصدق، ونظراته كلها كانت رايحة لفريدة كأنه بيكلمها هيا بس، فريدة حسّت قلبها بيتخبط جوه صدرها، ووشها احمرّ غصب عنها.
ريم سألت بفتور وهي رافعة حواجبها
"اشمعنا دلوقتي يعني؟"
حسام بصلها بثبات وقال 
"كنت مستني ألاقي البنت المناسبة..."
سكت لحظة، وبص لفريدة بنظرة كلها حب وضاف
"ولقيتها."
فريدة نزلت عينيها بسرعة وهي حاسة بخجل، في حين خالته ابتسمت وقالت بدعاء صادق
"ربنا يخليكوا لبعض يا حبيبي."
ريم ابتسمت ابتسامة باردة وقالت بنبرة فيها استهزاء خفيف
"أيوه طبعًا... كله بيبان حلو في الأول."
حسام رفع حاجبه ورد عليها ببرود واضح
"يمكن، بس جوازي من فريده غير أي كل"
بعدها رجّع بنظره لفريدة كأنه بينهي الحوار عند النقطة دي، ريم عضّت شفايفها بضيق وهي بتحاول تدارى ضيقها.
مامت حسام لاحظت الجو وقالت بسرعة بابتسامة ودودة
"ريم قصدها تقول إن المهم إنكوا تفضلوا كده على طول مش أكتر."
حسام اكتفى بابتسامة صغيرة وهو بيرجع يتكلم مع باقي العيلة، متجاهل أي محاولة من ريم إنها تتدخل تاني.

فريدة انسحبت بسرعة للمطبخ، قلبها بيدق من العصبية ووشها محمّر، وقفت قدام الرخامة، اخدت نفس عميق كأنها بتحاول تسيطر على أعصابها، لكن جواها كان بركان مولّع.
بعد لحظات، سمعت خطوات حسام وهو بيستأذن من اللي قاعدين وداخل وراها، دخل المطبخ وبصلها باستغراب وقلق وقال بنبرة هادية
"فريدة؟ في إيه مالك؟"
بصّتله بحدة وقالت بغضب مكتوم
"إيه قلة الذوق دي؟"
قرب منها خطوة وقال بهدوء أكتر
"بس اهدي... في إيه لكل ده؟"
ردت بسرعة وعينيها كلها نار
"دي واحدة قليلة الأدب، المفروض تفهم إنك واحد متجوز وتاخد بالها من كلامها، مش معقول تتكلم من غير عقل كده"
حسام حاول يهديها
ـ "معلش يا ديدا، هيا شخصيتها كده، معلش استحملي النهارده عشاني."
هزت راسها بضيق وقالت
"يا حسام أهلك على عيني وراسي... بس البنت دي لاء، أنا أصلاً أول مرة أشوفها وياريتني ما شوفتها."
اتنهد حسام وقال بحزم لطيف
"خلاص بقا، لسه اليوم هيبدأ."
سكتت لحظة وبعدين قالت وهي بتتنفس ببطء
"تمام روح، وأنا هجيب عصير وجايه وراك."
قال برجاء
"متتضايقيش ها؟"
همّ يخرج بس هيا قالت بنبره حاسمه
"متقعدش جنبها."
بصلها بابتسامه وقال
"عيوني."
انسحب حسام من المطبخ وهيا فضلت واقفة لحظة بتحاول تهدي نفسها، بعدين أخدت نفس عميق وبدأت تصب العصير وبعدها خرجت، أول ما دخلت الصالون لقت حسام بالفعل مغير مكانه، قاعد جنب باباه وبعيد عن ريم، عينها وقعت على ريم اللي كانت متجهمه وبتبص لحسام بضيق وده زود جواها شعور بالرضا، قعدت جنب حسام وهي بتحط العصير، فبصلها بسرعه وابتسم ابتسامه صغيره.

بعد الغدا
فريدة قامت وجابت الحلويات بنفسها، حطّت الأطباق قدام الكل بابتسامة، الجو كان هادي، بس التوتر بدأ لما ريم اتحركت وقعدت جنب فريدة فجأة.
ريم بصت لفريدة بنظرة جانبية وقالت بصوت واطي يكاد ما يُسمعش
"يا ترى إيه المميز فيكي؟"
فريدة اتفاجئت وقالت وهي بترفع حواجبها
"أفندم؟!"
ريم ميلت ناحيتها وقالت ببرود
"شد حسام يعني... جبتيه من مرة إزاي؟"
فريدة أخدت نفس عميق وبصتلها بابتسامة فيها تحدي وقالت
"انتي محروقة أوي كده؟ بيحبني بقى، أعمل إيه؟ اتجدعي انتي كمان، عايزين نفرح بيكي."
ريم عضّت شفايفها وقالت بنبرة فيها غيظ متخفي
"برضو حبك على إيه؟ أنا أعرف حسام من زمان، عمري ما شوفته بالرومانسية دي... غير معاكي إنتي وحبيبة."
فريدة ضيقت عينيها باستغراب وقالت
"حبيبة؟"
ريم عملت نفسها مترددة وقالت
"أوبس؟ نسيت إنك مش عارفة حبيبة... أصلها حب حسام الأول."
فريدة فضلت ثابتة، ردّت بهدوء وبثبات
"اممم... وبعدين؟"
ريم اتلغبطت وقالت
"بعدين إيه؟"
فريدة قالت بحزم وهي متمسكة بابتسامتها
"أيوه... عايزة توصلي لإيه برضو؟ مهما كانت حبيبة دي، أكيد كانت ماضي... المهم دلوقتي حسام مع مين؟ أصل حسام اتجوزني، تحبي أجيبلك القسيمة؟... مجيتيش الفرح ليه صحيح؟"
الكلمة الأخيرة نزلت على ريم زي صفعة، حست بغيظ بس مقدرتش ترد، خصوصًا إن الكل كان قاعد حواليهم
حسام كان قاعد بيتكلم مع باباه بس عينيه بين الحين والتاني كانت بتروح على فريدة، لاحظ حركة ريم لما مالت عليها وبدأت تهمس بكلام، شدّه الفضول وابتسامته اختفت، فضل يراقب من بعيد من غير ما يقاطعهم ولما شاف فريدة بترد بثبات وبهدوء، وحس الغيظ في ملامح ريم، فهم أن فريده وقفتها عند حدها ومسابتلهاش فرصه تهزها.

اليوم خلص أخيرًا، ولما بدأوا أهل حسام يقوموا يمشوا فريدة اتنفست الصعداء وهي بتودعهم بابتسامة هادية، كانت متعمدة تتجنب ريم حتى إنها مسلمتش عليها خالص، لكن ريم اتقدمت وسلّمت على حسام، وهو مد إيده بسرعة يادوب لمس أطراف صوابعها بس وسحبها في لحظة من غير أي اهتمام أو حرارة.

بعد ما مشيوا كلهم، فريدة دخلت أوضتها بخطوات سريعة كأنها عايزة تقفل اليوم، حسام دخل وراها وهو عينيه عليها وحاسس إنها مشحونة بمشاعر كتيره، قفل الباب وراه بهدوء، قعد على طرف السرير وبص لفريدة اللي كانت واقفة قدام التسريحه بتفك اكسسواراتها بعصبية واضحة.
قال بنبرة هادية
"ديدا، مالك؟ ليه متوترة كده؟"
فريدة لفتله بسرعة وقالت بحدة
"انت مش شايف البنت دي مستفزة ازاي، طول اليوم بتحاول تعكنن عليا."
حسام هز راسه وقال وهو بيقرب منها
"ما تهدي بقا، فكك منها، مش عارف انتي مدياها ليه أكبر من حجمها، يوم وخلص يا فريده "
فريدة بصتله وقالت بغيظ ممزوج بغيرة
"بس أنا مش بحب حد يبصلك بالشكل ده ابدا، ليه كده بجد؟"
ابتسم حسام وقال بهدوء
"وانا مش بشوف غيرك، متخليش حد يعكر عليكي يومك، انتي أغلى عندي من أي حاجة."
فريدة سألت بنبرة مختلطة بين فضول وغيرة
"مين حبيبه؟؟"
حسام سأل باستغراب
" حبيبه؟ عرفتيها منين؟"
فريده سكتت ففهم انها ريم، قال ببساطه
"حبيبه صاحبتي من زمان؟ ومازلنا بنتكلم"
فريدة رفعت حواجبها وقالت بحدة
"ما ايه؟ مازلتوا؟"
رد بهدوء
"أه طبعا، حبيبه من أعز أصحابي بجد، وكل فترة لازم نتكلم ونتطمن على بعض"
فريده سألته بهدوء
"ومتجوزتهاش ليه؟"
حسام ضحك بصوته كله وقال بدهشة
"نتجوز؟ أنا وحبيبه؟ انتي أكيد بتهزري."
فريدة قالت بحدة
"وأهزر ليه؟ متنفعكش؟"
رد بثقة
"أنا وحبيبه أصحاب أكتر من إخوات، بالنسبالي هيا صاحبة غالية، بس عمرنا أبدا ما فكرنا في بعض كده، عمرها ما حصلت."
فريدة بصتله بضيق وقالت
"وكنت ليه بتعاملها برومانسية؟"
حسام اتعجب وقال باستغراب 
"رومانسيه؟ حبيبه ورومانسيه؟ فريده، انتي لازم تقابلي حبيبه بجد، لازم اعرفكوا على بعض."
فريدة سألته بسخريه
"الحب الأول؟"
حسام قال باستهزاء شويه ووضح
"حب ايه وأول ايه؟ هيا ريم جايه تعكنن وتمشي؟ حبيبه عندها ابن طولى دلوقتي وتقولي حب؟"
فريد قالت بهدوء
"ما يمكن عشان كده مينفعش تتجوزوا."
حسام قرب منها وعيونه فيها دهشه
"فريده؟ جوز حبيبه صاحبي جدًا وحبيبه صاحبتي من أكتر من عشر سنين، مش قادر أفهم دماغك، بس كل اللي عايز أقوله؟ لازم تقابلي حبيبه، لازم."
فريده اتنهدت وسألته 
"ليه مكلمتنيش عنها من قبل كده؟"
حسام رد بصراحة 
"مش عارف... بس هي مسافرة بره مصر، بقالي كتير مش بكلمها فمجتش مناسبة يعني، بس كده كده كنتي هتعرفيها في يوم"
فريده هزت راسها، بدأت تمسح الميكب بهدوء، حسام حس انها متضايقة جدًا، قرب منها وقال برجاء
"بلاش ننهي اليوم وانتي متضايقة؟ أنا بحبك، انتي أول نبضة وأول دقه يا فريده، صدقيني انتي اول حب في حياتي واخر حب كمان"
فريدة غمضت عينيها وقالت بصوت ضعيف
"ساعات بحس إني بعيدة."
همس بحنيه
"انتي أقرب واحده ليا، أنا بعشقك يا فريده، عمري ما أبدلك بأي حاجة في الدنيا، انتي مش متخيلة انت عملتي فيا إيه."
فريدة قالت بصراحة موجعه
"انت تعرف إن المفروض انهاردة يكون يوم لذيذ بس أنا مفرحتش بيه خالص؟"
حسام قال بحنيه
" بس هننام مبسوطين؟ مش هسيبك متضايقه"
قلب فريدة دق واتنفست ببطء، حسام قال بحب
"بحبك."
همس جنب ودنها بطلب لطيف
"قوليها يا فريده؟ نفسي أسمعها منك."
فريدة سكتت لحظة، ورا الصمت كان في صراع، أخيرًا قالت بصوت مهزوز
"دلوقتي أنا مش مبسوطه."
حسام قال بهدوء وهو بيخفي ضيقه
" بس ههستناكي تقوليها."
فريدة غمضت عينيها واستجمعت نفسها، همست أخيرًا بوعد
"وأنا أوعدك إني هقولها في يوم"

بعد أيام
فريدة كانت في المستشفى، بتتكلم في الفون مع سالي، صوت سالي جه قلقان
"فريده يعني إيه؟ لما كلمت ماما أسألها عن يونس قالتلي إنه نايم في البيت، بس أنا بقالي أسبوعين مش عارفه أوصله."
فريدة عضت شفايفها وقالت 
"وأنا بكلمه، بس فونه مقفول."
سالي قالت بسرعه
"إنتي تعرفي حاجة طيب عنه؟"
فريدة اخدت نفس عميق وقالت
"يونس آخر مرة شوفته قالي إنه عرف كل حاجه إحنا عارفينها، وإنه عارف أكتر كمان"
صوت سالي اتشد أكتر
"كده وضحت، أكيد ماما فرضت عليه الحبس هو كمان، فريده، أنا لازم أوصله، لازم أكلمه."
فريدة حاولت تسيطر على توترها وقالت
"طب أعمل إيه يا سالي؟"
سالي ردت بسرعة، صوتها كله إصرار
"روحي البيت وحاولي تكلميه، اتصرفي يا فريده."
فريدة هزت راسها ببطء
"فكرت بس كنت بتراجع، أقل حاجة هروح ليه وازاي؟"
سالي قالت برجاء
"اتصرفي يا فريده، يونس ممكن يعمل مصايب لو فضل محبوس اكتر من كده، أكيد هو صابر مؤقتًا وبيفكر في حاجه، بس صدقيني مش هيقدر يفضل كده."
فريدة بعد صمت قصير قالت بنبرة هادية مترددة
"خلاص يا سالي، أنا هتصرف وهبقى أكلمك."
سالي قالت
" تمام، استنى مكالمتك"
فريده قفلت معاها وافتكرت اللي كانت ناويه تعمله قبل ما سالي تكلمها، مشيت بخطوات بطيئه ناحية الحمام، قفلت الباب ووراها ووقفت قدام المرايه وهيا بتبص لنفسها بضيق، بصت للاختبار اللي في ايديها وهيا متوتره، عينيها ثابته على التعليمات وهيا بتحاول تركز، عدت اللحظات ببطء وهيا بتنفذ التعليمات، ولما بصت للاختبار وهيا ماسكاه بأيدين بتترعش لقت العلامتين واضحين، خطين مش واحد، النتيجة إيجابية.
واقفه قدام المرايه، ماسكة الاختبار ودموعها واقفة على حدود عينيها، الصدمة مسيطره عليها وقلبها بيدق بسرعه رهيبه وهيا بتهمس لنفسها بصوت مش مسموع
"إيجابي..."
وعينيها متعلقة بالاختبار كأنه ورقة صغيرة غيرت حياتها كلها في لحظة.
فريده الصدمه لسه مأثره عليها، إيديها ارتخت فجأه والاختبار كان هيتزحلق من بين ايديها لولا إنها مسكته تاني بسرعه وهيا بتحاول تستوعب النتيجه اللي قدامها، دموعها بدأت تنزل بهدوء من غير ما تحس، قربت من الحوض، حطت الاختبار عليه وضغط بإيديها على الرخامه وهي مش قادرة تستوعب، بصت لنفسها في المراية تاني، ملامحها باينه فيها الرعب والصدمة، عينيها حمرا من كتر الدموع اللي بتقاوم إنها تنهار أكتر، خبطت بإيديها على الرخامة بقوة وهي بتكتم شهقتها ، اتراجعت لورا وقعدت على الأرض، ضمت رجليها لصدرها، ودموعها نازلة غصب عنها، هيا مش عايزة الحمل ده، مش شايفة إنها جاهزة أو حتى حياتها مستقرة بالشكل اللي يخليها تجيب طفل، حست إن الحمل ده جاي في توقيت غلط، وسط كل المشاكل والصراعات اللي حواليها، صوت عقلها بيقولها إزاي هتعرفي تكملي؟ حسّت إن الحمل ده قيود جديدة، مسؤولية ضخمة نازلة على عاتقيها قبل ما تلحق حتى ترتب أولويات حياتها، دموعها غطت وشها وهي بتفكر إن اللحظة اللي كان المفروض تبقى بداية سعادة، بقت أكبر كابوس ممكن تعيشه.
قعدت شويه مكانها بتحاول تستوعب، وبعد ما حست انها خلاص، خرجت اللي جواها على هيئة دموع، وقفت وغسلت وشها بماية ساقعة تحاول تخفي أثر دموعها، لكن عينيها لسه حمره والدموع بتنزل غضب عنها، وقفت شوية قدام المراية، اخدت نفس عميق كأنها بتحاول تثبت نفسها، وبعدها فتحت باب الحمام وخرجت بخطوات بطيئة.
في اللحظة دي يسر قابلتها في الطُرقة، لمحت وشها وتعبها، وقفت قدامها بقلق وسألت بسرعه
" مالك يا فريده؟ إيه اللي حصل؟ انا بدور عليكي بقالي شويه"
عين فريده اتملت دموع من جديد، معرفتش تتحكم فيها، وفضلت ساكتة للحظه، يسر قربت منها بسرعة ومدت إيدها على كتفها وقالت بقلق
"فريده... فريده، في إيه؟ قوليلي."
فريده رفعت عينيها ليها بصمت، وادتها الاختبار بايد مرتجفه
يسر اخدته بتلقائية، أول ما بصت فيه اتجمدت ملامحها للحظة، وبعد ثواني استوعبت النتيجة، ابتسمت وقالت بفرحة ظاهرة في صوتها
"بجد؟ مش مصدقة!"
فريده هزت راسها وهي دموعها بتنزل أكتر وقالت بصوت مبحوح 
"ولا أنا."
يسر قربت منها أكتر وقالت باستغراب
"وزعلانة كده ليه؟ في إيه؟ مش دي حاجة حلوة؟"
فريده غمضت عينيها بقوة، دموعها نزلت بغزارة، همست
"سيبيني يا يسر."
مشيت بخطوات سريعة تحاول تهرب، يسر مشيت وراها تلحقها وهيا مش فاهمه مالها، لحقتها وقالت بإصرار
"استني يا فريده... مش هسيبك كده، قوليلي في إيه؟ ليه زعلانة بالشكل ده؟"
فريده وقفت، ردت بصوت واطي وهيا بتمسح دموعها 
"أنا مش عايزة ده يحصل... مش دلوقتي."
يسر قالت باستغراب
" بس ليه؟ يعني المفروض تكوني مستعده لحاجه زي دي"
فريده بصتلها وقالت بصوت مكسور
"عشان حياتي مش مستقرة، عشان أنا نفسي مش عارفة واقفة فين، أنا مش جاهزة أكون مسؤولة عن حد."
يسر حاولت تبتسم وتخلي صوتها هادي
"بس إنتي مش لوحدك، في حسام، وفي ناس حواليكي كتير، صدقيني، ساعات ربنا بيبعت الحاجات دي في توقيت إحنا مش فاهمينه، بس بيكون لحكمة."
فريده هزت راسها بيأس
" لاء يا يسر... أنا حاسة إني هتخنق، مش قادرة أفرح، مش قادرة أتخيل إني أبقى أم دلوقتي."
يسر حضنتها، حاولت تهديها وقالت وهي بتربت على ضهرها
"متعيطيش كده، هتعدي إن شاء الله، مش انتي بتسيبيها على ربنا"
فريده فضلت ساكتة، دموعها نازلة بصمت وهيا حاضنه يسر.

عند تيم
خبط على باب أوضة يونس اللي كان ممدد على السرير وبيلعب بلاي ستيشن، رد بملل
" مين؟!"
تيم رد وهو واقف قدام الباب
"بتعمل إيه؟"
يونس قال بملل
"هكون بعمل إيه يعني؟ بلعب."
تيم سأله بهدوء
"أنا نسيت اسم الفون اللي قولتلي عايزه، قولتلي اسمه إيه؟"
يونس رفع عينيه من على الشاشة وهو بيتحرك ناحية الباب وقال
"اسمه عفروتو يا تيم، روح لأي محل وقوله عايز عفروتو."
تيم رفع حاجبه باستغراب وقال
"هو في حد يسمي الاسم ده؟ أقوله ازاي ده؟!"
يونس رد بسرعة وهو بيرجع للسرير
"ياعم مش مهم الاسم... المهم تجيبه، وزي ما قولتلك، انت عارف هتوصلهولي ازاي"
تيم سأله بشك
" انت متأكد أنه حجمه صغير اوي كده؟"
يونس ابتسم ابتسامة صغيرة وقال
"لما تجيبه هتعرف، بس بسرعة يا تيم، أنا مش قادر أقعد كده أكتر من كده."
تيم قال بجديه
"طيب، بس مش عايز أي حركة تهور، أنا هجيبه عشان عارف إنك لو مساعدتكش هتفضل محبوس"
يونس زفر وقال
"متشكر يا عم."

عند فريده 
كانت قاعده ودموعها لسه بتنزل رغم محاولتها تمسحها بسرعة، يسر قاعده جنبها، حاطة إيديها على ضهرها وبتحاول تهديها 
"اهدي يا فريده"
فونها رن بس مهتمتش، يسر قالت
" ردي على للفون بس"
فريده هزت راسها برفض وقالت
" مش هرد على حد"

تيم نزل السلم بخطوات هاديه، ملامحه متماسكة كعادته، صابرين بصتله وقالت بنبرة فيها استغراب
"مش غريبه إنك راجع عشان نسيت حاجه؟ أنت ملتزم بشغلك وبتكون خارج معاك كل حاجتك"
وقف لحظه قدامها، قال ببرود 
"اللي حصل... محتاج أرجع البيت النهارده كمان مره."
رفعت حواجبها باستفهام
"ليه؟"
شد نفس عميق وقال بنبرة قصيرة قاطعة
"فيها مشكله؟"
هزت راسها بسرعة
"لاء طبعًا... بس أنا شايفه إنك غريب."
رد بسرعة وهو بيحاول ينهي الكلام
"أنا عادي."
بصتله بريبه وقالت بخوف خفيف
"ربنا يستر يا تيم... مش متطمنه."
تيم مردش، بس ملامحه اتشدت أكتر، عدل هدومه وهو بيهم يمشي
"اتأخرت... عن إذنك."

فريده كانت لسه قاعده مكانها، فونها مبطلش رن، اسم حسام ظهر قدامها بوضوح، فتحت الفون لقت ميسد كتير منه ومن مامتها، الفون سكت ثواني ورجع رن تاني باسم حسام، بس هي فضلت ثابتة، مش قادرة ترد ولا تتكلم.
في الناحية التانية، حسام كان رايح جاي بعصبية، ماسك الموبايل ووشه متوتر جدًا، كل مرة يرن ومفيش رد، غضبه وقلقله كان بيزيد، رن تاني بإلحاح وميأسش انها ترد، بس لما حس بيأس مسك الفون بقوة ورماه على المكتب بغيظ، قعد على الكرسي ومسك راسه بإيده، بعد دقيقة قام بسرعة، مسك مفاتيحه، وقرر يروحلها المستشفى، نزل وهو لسه بيرن.
أما فريده، فكانت لسه قاعدة مكانها، الفون بيرن جنبها بس هيا مش مستعده تتكلم، ومع إصراره، مسكته وردت عليه بصوت مبحوح ومخنوق
"الو..."
حسام كان خلاص بيفتح باب العربية وأول ما سمع صوتها قال بارتياح
"فريده؟! أخيرًا يا فريده! كنت هموت من القلق عليكي."
فريده حاولت تثبت صوتها وقالت
"أنا آسفه... كنت في عمليه."
وقف مكانه وقال بعتاب
"مش اتفقنا تكلميني قبل ما تدخلي أي عملية وتعرفيني؟! أنا كنت هجيلك."
فريده ردت وهي بتحاول تثبت صوتها
"حصل خير، كنت مستعجله بس ومعرفتش أكلمك."
اتنفس براحه وقال بهدوء
"الحمد لله إنك بخير... بس ياريت متتكررش تاني"
فريده سكتت ثواني وبعدها قالت بخفوت
" تمام"
حسام ابتسم وسأل
" هتخلصي امتا طيب؟!"
قالت بصوت هادي 
"أنا هروح لماما."
قال بغصه وقلق
"إيه ده؟ ليه؟ في حاجه حصلت؟"
قال بضيق
"لاء عادي... بس هي هتروح عند خالتو، فهروح معاها."
فضل ساكت لحظه وبعدين قال بنبرة متردده
"امممم... يعني هتتأخري النهارده."
فريده أخدت نفس وقالت بهدوء
"مش عارفه... بس هحاول متأخرش كتير."
ابتسم ابتسامة صغيرة رغم إن قلبه مش مطمن وقال
"طيب... خدي بالك من نفسك."
قفلت الفون بعد لحظة صمت، فضلت ماسكه الفون شويه وبعد كده رنت على ايناس، رن الفون ثواني قبل ما صوت إيناس يجي مليان حنية
"فريده! مش بتردي ليه؟ قلقتيني"
ردت فريده بسرعة وهي بتحاول تخفي ارتباكها
" أنا كويسه يا ماما، كنت بس في عمليه."
إيناس لحظت تغير في نبرة صوتها، سألتها بقلق
"هو صوتك متغير... في حاجة يا فريده؟"
نفت بصوت هادي
"لاء خالص، مفيش."
وبسرعة غيّرت الكلام
"إنتي رايحة عند خالتو النهارده؟"
إيناس قالت بعد ما اخدت بالها من تهربها
"آه، مش قولتلك امبارح إني رايحة؟"
فريده ردت
"طيب، أنا هعدي عليكي ونروح سوا... أنا عايزة أشوف يونس."
إيناس قالت
"ماشي يا فريده، هستناكي."
فريده قالت بسرعه
"أنا ساعه وهكون عندك."
إيناس استغربت وقالت
"ليه بدري كده؟"
ردت فريده بتنهيدة 
"مش قادرة أكمل اليوم."
إيناس سكتت لحظة كأنها بتحاول تفهم، وبعدين قالت
" مالك يا فريده؟ مش هتقوليلي في ايه؟!"
فريده اتنهدت وقالت
" ممكن لما اشوفك اقولك؟ في خبر ممكن يفرحك" 

عند تيم 
كان قاعد على المكتب، ماسك الفون في أيده وبيكلم يونس، بعد ثواني جاله الرد، تيم ابتسم ابتسامة خفيفة وقال بنبرة هادية
"مبتضيعش وقت انت؟"
يونس ضحك وهو بيرد
"ده أنا مصدقت! طلع ليك فايدة وأنا مكنتش أعرف."
رفع تيم حاجبه وقال بسخرية بسيطة
" اهو ليا فايده اكتر منك"
يونس قال
" في دي عندك حق"
تيم شد نفسه وقال بصرامة
"بس اسمع يا يونس... لو عملت أي حركة متهوره، أنا مش هسامحك"
يونس قال بمرح وهو بيحاول يخفف التوتر
"ماشي يا عم متقلقش، انا اصلا زهقان، مفيش عندي أرقام حد، ولا قادر أكلم أي حد."
تيم رد بهدوء
"اصبر لما حد يكلمك."
يونس ضحك بسخرية وقال
"يا عم أنا بقالي أكتر من أسبوعين قافل الفون، يعني اللي كان عايزني يأس خلاص."
تيم قال بجديه
"هخلي سالي تكلمك... بس علشان تتطمن عليك مش أكتر."
يونس قال بخفه
"والله يا عم جمايلك كترت، مش عارف أوديها فين."
تيم اتجهم شوية ورد بلا مبالاة
"ما علينا، هو أنت سامعني كويس من الأداة اللي معاك دي أصلًا؟"
يونس ضحك وقال
"أنا سامعك أحسن من فوني أصلًا! هو قصير... بس يحير."
ابتسم تيم ابتسامة صغيرة وقال 
"طيب كويس هقفل دلوقتي، ورايا شغل."
يونس قال
"تمام، مستني مكالمة سالي متنساش"

فريدة كانت قاعدة جنب إيناس، ملامحها كلها تذمر واضح، خصوصًا بعد ما سألت عن يونس وصابرين ردت عليها ببرود إنه نايم دلوقتي، هيا عارفه انها كدابه بس مش هتقدر تعمل حاجه، قعدت تفكر في مليون طريقة إزاي تشوفه من غير ما صابرين تاخد بالها، صابرين وإيناس كانوا مندمجين في كلامهم، مواضيع طويلة ومملة من وجهة نظر فريده وحاجات ملهاش أي معنى بالنسبالها، كانت قاعدة بتهز رجليها بتوتر وعينيها على السلم وبتفكر لو طلعتله ايه هيحصل يعني، بس قطع تفكيرها دخول تيم.

تيم دخل البيت بعد يوم طويل في الشغل، تعبان ووشه متجهم كالعادة، بس أول ما عينه وقعت على فريدة قاعدة جنب إيناس وصابرين اتجمد، اتفاجئ جدا بوجودها، ارتبك من غير ما يبين، وحاول يخفي ده بهدوء مصطنع وهو بيقول بصوت واطي ومازالت عينيه عليها
"مساء الخير."
الاتنين ردوا عليه ما عدا فريده اللي بصتله بارتباك، صابرين لاحظت نظراتهم، ابتسمت بضيق بس بصت لتيم وقالت بمخزى
"تعالى بارك لفريدة."
تيم وقف لحظة، خطواته بقت ابطأ وهو بيقرب منهم، سأل باهتمام غريب
"على إيه؟"
فريدة في اللحظة دي غمضت عينيها جامد، قلبها بيدق واتمنت من كل قلبها إن صابرين متنطقش، إن اللحظة تعدي من غير ما يسمع حتى اللي هيا توقعت تقوله، لكن صابرين بصتله بعفوية وقالت الكلمة اللي قصفت قلبه في ثانيه
"فريدة حامل."
الكلمة نزلت عليه زي صاعقه، اتجمد مكانه ووشه اتبدل كأنه حد ضربه بالقلم، أنفاسه اتلغبطت فجأة وإيده حس بيها بتترعش وهو بيشدها جوه جيبه عشان متبانش، قلبه اتقبض بشدة لدرجة إنه فعلاً حس أنه هيقع، ومعدته اتقلبت كأنه فقد اتزانه، صدمة حقيقية مش مجرد مفاجأة، عقله بيصارع، مش قادر يجمع أفكاره.
فريدة كانت مركزه معاه، عينيها ثابته على وشه، بتراقب كل تعابير وشه، شافت الصدمة بوضوح، شافت ازاي ارتبك وحس أن روحه بتتسحب.
وبرغم العاصفة اللي بتاكل جوة روحه، شد نفسه، كتم كل حاجة، وقرر يخبي مشاعره لمدة ثواني بسيطه، رفع عينيه عليها، صوته طلع واطي جدًا، شبه مبحوح 
"مبروك."
كلمة صغيرة جدًا، بس خرجت منه وكأنها حجر، عينيه كانت بتلمع ما بين الذهول والألم، ورغم هدوء ملامحه المصطنعه، فريدة شافت اللي وراه، كل اللي حاول يخبيه من صدمه وارتباك وزهول.
لف يخرج من البيت بسرعة، خطواته متوترة وسريعه، صابرين وقفته بسؤالها
"رايح فين؟"
رد بجفاء وهو بيخرج 
"نسيت حاجة."
مستناش رد منها ولا حتى بص وراه، خرج بسرعه وكأنه مش مستحمل لحظه في نفس المكان، وحس أنه لو فضل اكتر هينهار قدامهم، فريدة قامت من مكانها بسرعه وقلبها بيدق جامد، تجاهلت نداء إيناس اللي بتنادي عليها بإصرار، كل اللي يهمها دلوقتي إنها توصله، إنها ما تسيبوش لوحده في اللحظة دي، لأنها عارفه كويس هو حاسس بإيه،
خرجت، لمحت عربيته بتتحرك بسرعه بعيد عن البيا، ركبت عربيتها من غير تردد ومشيت وراه، فضلت ماشية وراه لحد ما شافته وقف في مكان فاضي وهادي جدا، شافته بينزل من العربيه، قعد على الأرض قدام العربيه بيأس، ودموعه نازلة لأول مرة، دموع حقيقية مش قادر يخبيها ولا يسيطر عليها اكتر، وقفت مكانها ثواني، قلبها اتقبض وهي شايفاه بالشكل ده لأول مره، نزلت من عربيتها بسرعة، اتحركت ناحيته بخطوات مترددة، لحد ما وقفت قصاده وقالت بصوت كله خوف ووجع
"تيم؟! انت كويس ؟"
رفع عينيه لها، نظرته كانت مليانة قهر وانكسار، وقال بصوت مبحوح متقطع
"مش قادر أكتر من كده... هموت يا فريده، ليه عملتي فيا كده؟"
جسمها كله اتشد وهي بتقرب أكتر، قعدت جنبه، قربت منه وقالت بصوت خافت
"تيم... انت اللي عملت مش أنا."
دموعه نزلت أكتر، صوته كان مكسور والكلام مش مترتب 
"أنا حاسس إني مهزوز... أنا... أنا بموت ومش قادر، أنا مقهور، طول عمري بسمع عن قهر الرجال يا فريدة، بس بعيشه لأول مرة."
عيط جامد، بقهر وكأنه طفل صغير أمه ماتت، مستحملتش، مدت إيديها وحضنته، شدت عليه كأنها بتحاول تلملم كسوره، لما حس بحضنها، دموعه نزلت اكتر، قال بوجع مكبوت
"أنا... أنا بموت! مش قادر أستحمل اكتر، أنا كنت عايزك ومش عايز غيرك، انا... بحبك... بحبك يا فريده اوي، ازاي اتجوزتي وهتجيبي ولد، ازاي تعملي كده؟!"
الكلمة وقعت عليها بصدمه، قلبها اتجمد، مش مصدقة إنه اعترف وقالها، هيا كانت عارفه، بس مكانتش متوقعة ابدا انها تسمعها منه في يوم، هيا عارفه أن كبريائه يمنعه أنه يعترف اعتراف زي ده، كمل بنفس القهر
"صدقيني... أكتر من كده هموت، مش هقدر أستحمل تاني، وصلت لآخر قدرة تحمل، إنتي حاسة بيا؟"
فريدة حضنته أقوى، دموعها نزلت وقالت بصوت مخنوق
"حاسه بيك... حاسة والله، بس مش في إيدي حاجة أعملها."
بصلها بتوهان، دموعه وغوشت على عينيه ومش شايف قدامه كويس، صوته خرج متقطع
"ليه يا فريدة؟ ليه عملتي فيا كده؟ ليه اتخليتي عني وروحتي اتجوزتي حد تاني؟ ليه؟"
عرفت إنه وصل لمرحلة خلاص مينفعش يستحمل اكتر، عرفت انه مكسور لأقصى درجه دلوقتي، بصتله وقالت باعتذار
"أنا آسفة... آسفة والله، بس غصب عني."
هز راسه بعنف وقال بوجع
"اقتليني وريحيني! اقتليني يا فريدة، بس متقوليش خبر زي ده... عشان خاطري، مش عايز اعيش تاني"
كان بينهج جامد، نفسه متقطع وبيزيد بسرعه، فريده اتخضت من حالته، فتحت أول زرارين من قميصه وهي بتحاول تهديه، قالت برجاء
"اهدى... اهدى يا تيم، عشان خاطري، اهدى، اتنفس"
بس هو كان بينطق بصعوبه
"أنا بموت... مش قادر تاني... يا رب ربنا ياخدني."
فريدة هزت راسها برفض، حضنته جامد وقالت
"لاء متدعيش على نفسك... علشان خاطري يا تيم، اهدى واتنفس!"
بدأ يهدى غصب عنه، بس عينيه غابت، ووشه ارتخى وهو بيفقد وعيه، آخر كلمة خرجت منه بصوت مبحوح، كأنه بيحارب نفسه 
"بس... إنتي... إنتي اتخليتي عني... بالرغم إني بحبك."
فريده صرخت بصوت عالي وهيا بتقول
"متخلتش والله! أنا موجوده أهو! تيم... فوق... فوق علشاني يا تيم!"
بس مفيش رد... كان غاب عن الوعي تمامًا بين إيديها، كأنه استسلم لغيبوبته...
فريدة كانت قاعدة على الكرسي في طرقة المستشفى، ضهرها متقوّس وإيديها متشابكة كأنها بتحاول تمسك نفسها من الانهيار، وشها شاحب وعينيها حمره، قلبها بيخبط في صدرها بعنف وكل اللي في بالها في اللحظه دي هو تيم وبس.
جنبها، إيناس قاعدة ملامحها مضطربه وزعلانه جدا. 
أما صابرين، فكانت حالتها أصعب، واقفه جنب الباب، بتحاول تتماسك وهيا راسمه على وشها معالم البرود، بس من جواها نار.
فريده فونها رن وكان حسام، راحت بعيد شويه وردت بصوت مبحوح 
"ألو..."
جالها من الناحيه التانيه صوته اللي باين فيه القلق
"فينك؟ مش طايق أقعد في البيت وانتي مش فيه."
بلعت ريقها بالعافية وقالت
"حسام... "
سكتت لحظه وبعد كده قالت
"تيم تعبان جدًا... واتنقل المستشفى."
اتفاجئ وقال بسرعه 
"بس إزاي! يعني كان كويس جدًا الصبح، إيه اللي حصل لكل ده؟"
فريدة عضّت شفايفها وقالت بخفوت
"معرفش... عمومًا إحنا في المستشفى اللي أنا بشتغل فيها لو هتيجي."
رد من غير ما يفكر
"طبعًا! هاجي طبعًا... مسافة الطريق."
قفلت الخط وعينيها راحت على باب أوضة الطوارئ اللي وراه تيم، رجعت ببطء قعدت مكانها وهيا بتدعي بصمت يكون بخير.

عند يونس 
كان قاعد في أوضته، حاسس إن في حاجة مش مظبوطة، الباب اتفتح ودخل محمود ومعاه الأكل.
يونس بصله وقال بلهجة فيها توتر
"محمود، إيه اللي بيحصل في البيت؟ وتيم فين؟"
محمود وقّف مكانه ثانية وبصله وقال بهدوء
"معنديش أي معلومات، بس البيت كله فاضي، مفيش حد."
يونس رفع حواجبه وسأل
"يعني متعرفش هما فين؟"
محمود هز راسه بالنفي من غير كلام وخرج من الأوضه.
يونس مسك الموبايل بسرعة ورن على سالي، أول ما ردت قال بسرعة
"سالي، كلّمي ماما وشوفي هيا فين."
سالي استغربت وقالت بقلق
"في إيه يا يونس؟ حصل حاجة؟"
قال بصوت متوتر
"مش عارف في إيه... بس عايز أعرف، عرفيني في إيه أول ما تعرفي."
سالي حسّت بقلق، قفلت معاه علشان تعرف في ايه.

عند تيم
بعد شوية باب أوضة تيم اتفتح والدكتور خرج، أول ما شافوه جريوا ناحيته بقلق، القلق باين على وشوشهم، صابرين سألت بقلق 
"إيه يا دكتور؟ ابني عامل إيه؟"
الدكتور أخد نفس عميق وبصلهم كلهم وقال
" للأسف حالته مش مستقرة، هو دلوقتي في غيبوبة عميقه، التحاليل والأشعة مبينتش حاجة عضوية خطيرة، يعني جسمه سليم، بس اللي واضح إن اللي حصله ده سببه نفسي أكتر من إنه عضوي."
كلهم اتصدموا، فريده قلبها وقع في رجليها، الدكتور كمل
"الغيبوبة ساعات بتحصل لأن العقل بيهرب من الواقع، كأنه مش قادر يستحمل اللي بيحصل حواليه فبيدخل في حالة رفض، بيقفل على نفسه وبيرفض يكمل أنه يعيش، هو شايف الدنيا سودا جواه ومش قابل يفتح عينيه ويواجه الدنيا تاني"
صابرين سألت
"يعني إمتى هيفوق؟"
الدكتور هز راسه بأسف وقال
"مقدرش أحدد، الموضوع كله راجع لإرادته هو، لازم هو اللي يقرر يرجع لينا، إحنا هنا هنفضل نتابعه ونحاول نساعده، بس القرار ليه هو."
سكت لحظة وكمل بتعاطف 
"اللي تقدروا تعملوه دلوقتي إنكم تفضلوا جنبه، يمكن صوتكوا أو وجودكوا يحسسه بالأمان ويشجعه يرجع."
وبعدها مشي بهدوء، وأول ما مشي، الجو بقى تقيل أكتر من الأول، صابرين حاسه بصدمه، اخدت نفس عميق وهيا بتحاول تستوعب، قلبها بيصرخ من جواها بس مش عايزة تنهار قدام حد، قربت من الكرسي وقعدت عليه تسند نفسها.
أما فريده، كانت واقفة متسمرة مكانها، حاسة إن رجليها مش شايلة جسمها، كلام الدكتور بيرن في ودانها، عينيها دمعت ودموعها على وشك النزول، دلوقتي هو في حاله صعبه، وصل لاخره خلاص وهو الوحيد اللي في أيده القرار، يا يرجع، يا يفضل كده وقت طويل، السكوت كان مالي المكان، بس كل واحد فيهم جواه عاصفه.
وصل حسام المستشفى، عينيه بتدور في كل الاتجاهات لحد ما لمحهم، شافهم كلهم حالتهم لا يرثى لها، قرب من فريده بخطوات سريعة وقال بلهفه
"هو فين تيم؟ عامل إيه؟"
فريدة بصتله، ردت بصوت واطي مبحوح
"تعبان أوي يا حسام، الدكتور بيقول دخل في غيبوبة، ومحدش عارف هيفوق امتى."
حسام اتجمد مكانه، قال وهو مش مصدق
"بس ليه؟ هو كان كويس الصبح، إيه اللي حصل فجأة؟"
فريدة غمضت عينيها لحظة وقالت بخفوت
"الله أعلم، ادعي انه يكون كويس، هو محتاج ندعيله"
حسام قال بزعل
"أكيد هدعيله، ده مش بس صاحبي، ده أخويا"
سكت لحظة وبصلها باهتمام، لاحظ وشها الشاحب وتعبها، قال بلطف
"وانتي عاملة إيه؟ شكلك مش كويسه."
ردت
"أنا كويسه"
اتنهد وقال
"لاء، مش باين عليكي كويسه خالص."
بص حواليه وقال
"استني دقيقة."
اختفي لحظه ورجع بعدها بعلب عصير، مدلها واحده وقال بهدوء
"اشربي ده"
فريدة اخدت العلبه من غير كلام، بصتله بامتنان وهو راح ناحية إيناس وصابرين.

بعد شوية صمت، صابرين قالت بحزم
" مفيش داعي تفضلوا قاعدين كده على الفاضي، وجودكوا هنا مش هيغير حاجه، انا عارفة إنكوا قلقانين عليه بس يا عالم امتى هيفوق"
الكلام وقع تقيل عليهم، خصوصًا فريده اللي حست بغصه بس فضلت ساكته، حسام قال بهدوء
"طيب يا طنط، ويعني لو احتاجتي أي حاجة كلميني علطول."
صابرين اكتفت بهزة راس بسيطه، إيناس بصت لصابرين وقالت
" هكلمك وطمنيني لو في جديد"
بصت لفريده وقالت
" يلا؟!"
فريدة كانت متردده، بس في الآخر استسلمت ومشيت معاهم ببطء.

الليل عدى تقيل على فريدة، كانت قاعده طول الليل وبتفكر في الليله الاخيره اللي غيرت حاجات كتير جدا، وكل كلام تيم بيرن في ودانها ومهما حاولت تهدي نفسها مش قادرة، كانت بتفكر وبتفكر وبتفكر، ليه وصل للحاله دي وليه الانهيار ده دلوقتي وتعمل ايه علشان تساعده يرجع تاني، وبتسأل نفسها لو مفاقش ايه هيحصل، هل ممكن يفضل رافض يعيش، دموعها كانت بتنزل غصب عنها وهيا حاسه بعجز، مش قادره تعمل أي حاجه، بس جه في بالها حاجه قررت تنفذها، واكيد هتساعد تيم يكون احسن

تاني يوم الصبح
فريده كانت واقفه قدام عيادة د.آيه، وشها متوتر وبرغم ترددها دخلت، خبطت عليها ودخلتلها
آيه بصتلها وسألتها بقلق
"إيه يا فريدة؟ شكلك مش طبيعي... في إيه؟"
فريدة قعدت قدامها، إيديها بتترعش وهي بتقول
"تيم... تيم حالته وحشة اوي، امبارح وقع قدامي وانهار، بقا بيعيط زي الطفل، وقالي كلام عمري ما تخيلت أنه يطلع من بقه، وبعدها غاب عن وعيه ودخل في غيبوبه، من ساعة ما عرفت وانا مش كويسه، عايزه اساعده بس انا عاجزه"
آيه سمعتها باهتمام، اتنهدت وقالت بهدوء
"بصي يا فريده، اللي بتقوليه ده يوضح إن تيم مش بيعاني بس من ضغط، لاء هو واصل لمرحلة إن جسده وعقله رفضوا يشيلوا تاني، الانهيار اللي حصله ده مش فجأة، ده تراكم سنين من الكتمان، هو كان بيهرب من مشاعره طول الوقت، ولما واجهها انهار"
فريدة بصتلها بقلق وقالت
"يعني هو ممكن يفضل كده كتير؟ في غيبوبة؟"
آية هزت راسها وقالت
"محدش يقدر يجزم، في حالات زي دي الجسم كأنه بيعمل shut down علشان يهرب من الوجع النفسي، هو شايف الدنيا سودا قدامه ومش قادر يواجهها، وده اللي ممكن يخليه يرفض يفتح عينيه، لازم افهم أكتر، إيه اللي كان جواه طول الوقت، إيه اللي وجعه وخلاه يوصل للحالة دي، ساعديني يا فريدة… قوليلي، هو كان شايل إيه جواه؟ إيه اللي مر بيه فعلاً؟"
فريدة اخدت نفس عميق وابتدت تحكيلها كل حاجه من البدايه، آيه كانت بتسمعها باهتمام لحد ما فريده وصلت عند الجزء اللي قالت فيه إنه اعترفلها امبارح إنه بيحبها، ايه كانت ماسكة ورقه وقلم وبتكتب اللي هيا محتاجاه وهيا مركزة مع كل كلمة فريده بتقولها، رفعت راسها من الورقة وبصتلها وقالت
"اعترفلك؟ طيب هسأل سؤال مهم."
فريده ردت
"اتفضلي."
آيه سألتها
"هل تيم دخل في علاقة قبل كده؟"
فريده هزت راسها وقالت
"أنا أكيد مش عارفه بس معتقدش، مامته مانعاه يتعامل مع أي بنت، مفيش بنت قدرت تقرب من تيم أصلًا، فأكيد مدخلش علاقات قبل كده."
ايه سكتت لحظه وبعد كده قالت
"مشاعره ناحيتك يا فريده مش أكيده ١٠٠٪، انتي البنت الوحيده اللي قدرتي تقربي منه بالقدر ده، انتي اللي فهمتيه كده وانتي الوحيده اللي كنتي قدامه."
فريده بلعت ريقها وقالت بتوتر
"يعني إيه؟"
ايه ردت بهدوء
"يعني مكانش في غيرك قدامه إنه يحاول يعوض نقص مشاعره ويحبها، يمكن في وضع تاني أو في حاله تانيه لو كان بيتعامل مع بنات كتير كنت قولتلك مشاعره حقيقيه ١٠٠٪، بس انتي كنتي البنت الوحيده اللي قدامه، علشان كده قرر إنه يحبك ويديكي مشاعره، بس انتي بالنسباله مهمه مش هقدر انكر، بس لازم نتأكد"
فريده سألتها بتوتر
"وليه لما عرف إني حامل انهار كده؟"
ايه بصتلها بهدوء وقالت
"بصي يا فريدة، هو انهار مش علشان موضوع الحمل في حد ذاته، ولا علشان غيران وبس لاء، اللي حصل ده بالنسباله كان القشة اللي قطمت ضهر البعير، تيم طول عمره عايش في ضغط، مكبوت، ممنوع من إنه يعبّر عن نفسه أو يعيش حياته طبيعي، أول مره يسمح لنفسه يفتح قلبه ويعترفلك، كان حاسس إنه لقا باب نور صغير وسط ضلمه ولما سمع خبر الحمل الباب ده اتقفل قدامه فجأه، عقله الباطن مستحملش الصدمة، الغيبوبة اللي دخلها دي نوع من الهروب النفسي، جسمه وعقله بيحموه من إنه يواجه الألم وهو صاحي، يعني تقدري تقولي إن دي مش غيبوبة عضوية بس، دي كمان غيبوبة نفسيه، رد فعل طبيعي على تراكم الضغوط."
فريدة فضلت ساكتة ثواني، بتحاول تستوعب كلام آيه، قالت بصوت مبحوح
"يعني هو هرب من الدنيا كلها؟ وهرب مني أنا كمان؟"
آيه ردت بهدوء
"متنسبيش الكلمة لنفسك يا فريده، هو منهارش علشانك إنتي، هو انهار من اللي جواه، إنتي كنتي يمكن السبب اللي خلّى مشاعره تطلع للنور، بس مش إنتي السبب اللي خلاه يقفل عليها تاني، هو لو مكانش قابلك، كان زمانه انهار في وقت تاني ومكان تاني وبرضو من غيرك."
فريدة أخدت نفس عميق وقالت
"طب إيه الحل؟ أعمل إيه؟ أنا مش عايزة أسيبه يغرق في الغيبوبة دي، مش قادره أشوفه بيموت بالبطيء."
آيه حركت راسها بتفكير وقالت
"الحل مش سهل، بس مش مستحيل، أهم حاجة دلوقتي إنك تفضلي جنبه، صوتك، وجودك، حتى لو هو مش واعي، عقله الباطن هيلقط ده، لازم توصليله الإحساس بالأمان، إنك مش هتتخلي عنه، ومع العلاج النفسي والدوائي، ممكن نرجّعه تاني، هو كان فاكر إنك هتكوني طوق النجاه بتاعه، هتساعديه يطلع من اللي هو غرقان فيه، ولما لقاكي بعدتي أو اتخليتي عنه حتى لو من غير قصد هو حس بعجز رهيب، حس إنه محاصر، وإنه هيفضل كده طول حياته، عشان كده لازم تساعديه يخرج من اللي هو فيه، إنتي ليكي عامل كبير أوي."
فريدة نزلت عينيها للأرض، صوابعها بتلف في بعضها بتوتر وهيا بتقول بصوت واطي مبحوح
"أنا حاسه فعلًا بالذنب، بس لو أنا عايزة أساعده يتعالج، أعمل إيه؟ مامته أصلًا مش هتوافق."
ايه اتنهدت وقالت بلهجة واثقه
"لازم توافق يا فريدة، إحنا خلاص وصلنا لمرحلة سدّ، مفيش مجال للتأجيل، إنتي اللي في إيدك تساعديه وتخرجيه من اللي هو فيه انتي وكل الناس اللي هو بيحبهم، وإحنا واحدة واحدة إن شاء الله هنقدر نرجّعه تاني، هو محتاج حد يكون معاه بجد"
فريدة رفعت عينيها ليها، ملامحها فيها مزيج من الخوف والعزم وقالت
"يعني لسه في أمل؟"
ايه ابتسمت ابتسامة صغيرة مطمئنه
"في أمل طول ما في نفس، بس محتاجين صبر وثبات، وأول خطوة إنك تكوني جنبه وتحسسيه بوجودك لحد ما يستجيب ويفوق"
فريدة بصت لآيه وهي بتقول بصوت مهزوز
"بس انتي قولتي مشاعره مش حب، يبقى هآثر ازاي عليه"
ايه اتنهدت، عينيها فيها جدية وهي بترد بهدوء
"فعلاً، احتمال كبير ميكونش حب بمعناه الحقيقي، بس انتي مهمه بالنسباله، ده مجرد احتمال، ولكن بعد كده بس نقدر نعرف مشاعره إيه بالظبط."
وقفت عن الكلام لحظة كأنها بتفكر، بعدين مدت إيدها لفريده بكارت وقالت
"علشان أساعدك أكتر دي دكتورة متخصصة، بتعرف تتعامل مع الحالات النفسية اللي زي تيم، حاولي بأي شكل تخليه يتواصل معاها، حتى وهو في غيبوبته، عرفيه عليها، وهيا هتعرف تخاطبه وتفهمه، ساعتها إن شاء الله موضوع إنه يفوق مش هيبقى صعب زي ما أنتوا متخيلين."
فريدة اخدت الكارت، بصتلها بعيون مليانه أمل وامتنان وقالت بصوت واطي
"شكراً يا دكتوره... شكراً بجد."
ايه اكتفت بابتسامة صغيره، فريده قامت من مكانها، شدّت نفسها وخرجت من العيادة وهي ماسكة الكارت كأنه أمل جديد، وعنيها مليانة إصرار إنها مش هتسيبه يضيع أكتر

رجعت المستشفى بخطوات سريعة، دخلت أوضة تيم بهدوء، والجو كان هادي جدا، تيم كان نايم على السرير، ووشه باين عليه الإرهاق، بشرته شاحبة شوية، في ملامحه أثر تعب كبير، وإيده متوصلة بالأنابيب والسيروم، فريدة وقفت عند اخر السرير لحظه، وبعدين قربت بخطوات مترددة لحد ما بقت جنبه، قعدت على الكرسي الصغير اللي جمب السرير وفضلت تبصله فتره طويله وهيا بتفكر تبدأ منين، بصت الكارت اللي في ايديها وبعدين رجعت تبص لتيم، دخلت صابرين بخطوات ثابتة، ملامحها جامده كالعاده، فريده كانت قاعدة جمب السرير ماسكة إيد تيم، ولما شافت صابرين وقفت بسرعة.
صابرين بصتلها بحدة وسألتها ببرود
"بتعملي إيه؟"
فريده ردت بصوت هادي مهزوز
"كنت بتطمن عليه."
صابرين قربت خطوتين وقالت بنبرة فيها سخرية
"تتطمني عليه ليه؟ سيبيه يمكن يعرف يفوق ويرجع تاني."
فريده عضّت شفايفها وقالت بحزم
" مش أنا السبب."
صابرين رفعت حواجبها، فريده استجمعت شجاعتها وكملت
"انتي السبب في اللي هو فيه, سيبيه يتعالج، حرام اللي عاشه كله، كل حاجة حصلتله بسببك انتي."
صابرين قالت ببرود 
" ده ابني وأنا حرة فيه، خليكي انتي بعيد، ويبقى أحسن لو مشوفتكيش عنده تاني."
فريده رفعت راسها وقالت وهي واقفه قدامها ببرود
"مش هسمحلك تدمريه أكتر، تيم لازم يتعالج، وأنا هفضل معاه للآخر، لحد ما يكون كويس ويرجع بني آدم جديد"
صابرين قالت بتهكم
" والله؟ هتعالجيه إزاي من غير إذني؟"
فريده أخدت نفس عميق، عينيها فيها دموع وغضب
" انتي أجحد أم أنا شوفتها في حياتي، انتي إزاي مش حاسة بالذنب ناحيته؟ بصيله... شوفيه ضعيف إزاي، انتي بتدمري حياة أي حد تعرفيه، وتيم هيتعالج... وأنا هقف قدامك حتى لو نهايتي الموت."
صابرين عضّت شفايفها وقالت بصوت واطي مليان تحذير
"بلاش تقفي قدامي يا فريده، انتي عندك زوج وجايلك ابن في الطريق، فكري فيهم."
فريده قربت منها شوية وقالت بحزم واصرار وصوتها بدأ يعلى
" هكون مع تيم للآخر، هساعده يتعالج ويكون أحسن."
قالت كلامها وخرجت بخطوات تقيله، مسحت دموعها بسرعه وهي بتحاول تمسك نفسها لحد ما وصلت عند يسر.
يسر وقفت أول ما شافت فريده وسألتها
"هااا، إيه أخبار تيم؟"
فريده هزت راسها بيأس وقالت بصوت مخنوق
"زي ما هو، بس ممكن يفضل كده طول عمره لو الست اللي اسمها أمه دي فضلت موجودة في حياته."
يسر قربت منها وسألتها بقلق
"طب وهتعملي إيه؟"
فريده بصت بعيد لحظة كأنها بتفكر بصوت عالي، وقالت
"أنا مش عارفة... بس لازم أعمل أي حاجة... لو مش هكون جنبه دلوقتي، إمتى هكون جنبه؟"
يسر هزت راسها بتفهم وقالت
"متعرفيش يونس عامل إيه دلوقتي؟"
فريده ردت 
"لاء... بس فتح فونه، سالي قالتلي، بس مكلمتوش لحد دلوقتي."
يسر قالت بلهفه
"أنا هكلمه أتطمن عليه."
فريده رفعت عينيها ليها وقالت بهدوء
"براحتك."

يونس كان قاعد في أوضته وهو حاسس بغليان وضيق وحاسس بالعجز، وكل ما يتخيل إن تيم في المستشفى وهو مش قادر يكون جنبه بيتخنق اكتر، فجأة الفون رن، مسكه بعصبية ورد بصوت مشحون
"ألو؟"
وساعتها سمع صوت ناعم، مألوف رغم إنه مش متوقعه خالص
يسر سألت بصوت واطي 
"عامل إيه يا يونس؟"
حاول يخفي اضطرابه وقال باقتضاب
"تمام."
قالت بسرعه
"ألف سلامة على تيم."
رد وهو بيحاول يكون طبيعي
" الله يسلمك."
قالت بحنيه
"كنت حابة أتطمن عليك."
قال بنبرة باردة
"شكراً."
حسّت بفتوره واستغربت وقالت
"شكلي مكانش ينفع أرن."
اتفاجئ بردها وقال
"ليه بتقولي كده؟"
قالت بمرارة
"شايفاك بترد عليا بالعافية."
رد بحزم
" علشان مفيش بينا كلام."
قالت بضيق 
"وعلشان كده قولت إني غلطانة إني كلمتك، لأنك ما صدقت تتخلى عني بالسرعة دي ومتحاولش تاني، بس ده مش موضوعي، أنا بس كنت بتطمن عليك."
يونس سكت لحظة وبعدين قال بصوت فيه حزن
" يسر، أنا لا أصلح للارتباط حالياً بجد، أنا فعلاً بمر بمشاكل لا تهيؤني إني أفتح بيت، لما كلمتك كنت مستعد بس بعد ما كلمتك حصلت مشاكل كتير، مش عايز أدخلك فيها، وكويس إن ردك كان الرفض علشان متشوفنيش واحد اتخلى عن البنت اللي بيحبها."
يسر ردت بصوت مكسور بس حنون
"لو كنتي قولتلي إنك بتمر في مشكلة كنت هفضل معاك، ودلوقتي برضو هفضل معاك لو إنت محتاجني."
سكت شويه وبعد كده قال بصوت مخنوق
" أنا محتاجك جداً، بس مش هجبرك."
يسر قالت بسرعة وبصدق
"وأنا معاك يا يونس، قولي محتاجني في إيه وأنا هكون معاك."

بالليل عند فريده 
كانت قاعدة في البيت، بتفكر ازاي تقول لحسام انها حامل، وبتفكر في رد فعله، حسام جه وهو شايل مجين شاي، قرب منها واداها واحد وهو بيقول بابتسامة دافيه
"اتفضلي يا حبيبتي"
فريده أخدت المج وقالت بابتسامة صغيرة
"شكراً."
قال وهو بيشرب من مجه
" بالهنا."
قعد جنبها باسترخاء، قلبها كان بيدق بسرعه، حمحمت وقالت بتردد
" حسام."
بصلها بابتسامة حنونة وقال
"إيه يا حبيبي؟"
قالت بنبرة مترددة
"عايزة أقولك حاجة."
عدّل قعدته وبصلها باهتمام
"قولي، في إيه؟"
سكتت لحظة، بصت على الأرض وبعدين بصتله وقالت
" أنا حامل."
حسام اتجمد في مكانه، عينيه وسعت على آخرها وقال وهو مش مستوعب
"قولتي إيه؟... فريده؟"
فريده بصتله وهزت راسها بتأكيد
قام وقف فجأة وقال بارتباك وفرحة متلغبطة
"يعني... يعني... فريده، إنتي... إنتي حامل بجد؟
قالت بخجل وهي بتضحك بخفه
"امممم... حامل."
فجأة ضحك بصوت عالي كله فرحه
"مش مصدق نفسي!"
حضنها بقوة ولف بيها وهو بيضحك بجنون
" أنا هكون أب! وولادي من اللي بحبها! مش مصدق نفسي... فريده إنتي حامل بجد؟ حامل وهتجيبيلي ولد أو بنت شبهك!"
ضحك تاني بجنون،ضحكه حقيقيه خارجة من قلبه وقال وهو مش قادر يوقف حماسه
"اااااه يا فريده مش مصدق، لو بنت هسميها فريده... ولو ولد، لو ولد هيكون فريد"
لف حوالين نفسه زي المجنون وهو بيقول
"لازم أكلم ماما وبابا! وأقول لخالتو ومامتك! الكل لازم يعرف إني هبقى أب! فريداااااه!
صوته كان مليان فرحة وحماس كأنه طفل لسه جايله لعبه بيحبها، مش قادر يسيطر على فرحته، بيجري في الصالون زي العيل الصغير وهو بيضحك ويقول بصوت عالي
" أنا هبقى أب! أب يا فريده! انتي متخيلة!"
فريده كانت بتضحك من قلبها على حماسه، حاولت تهديه وقالت
"طيب اهدى شويه يا حسام"
وقف قدامها فجأة، ماسك وشه بإيده كأنه مش قادر يصدق
"ازاي أهدى! دي أكبر حاجة في حياتي! أكبر من أي حاجة!"
رجع قعد جنبها بسرعة، مسك إيديها وقال بعيون بتلمع
" فريده، إنتي مدركه إن فيه حتة مني ومنك هتكون عايشه معانا هنا وعيلتنا هتكبر، يا الله مش مصدق نفسي"
ابتسمت وهي بتهز راسها
" آه مدركه، بس متوقعتش رد فعلك ده"
قال وهو بيضحك بجنون
"ده أنا ممكن أطلع دلوقتي أزعق للشارع كله وأقولهم أني هبقى أب!"
شدها لحضنه تاني، وفريده حاولت تمسك ضحكتها وهيا بتقول
"خلاص يا حسام اهدى، اهدي شويه، عقلك طار كده، فكر بعقل هاا؟"
رفع راسه وبصلها بعناد ظريف
"بعقل؟! في حاجة زي دي ينفع نفكر فيها بعقل؟!"
ضحك تاني وقال
"أنا مش عايز أعقل، أنا عايز أعيش اللحظة يا فريده"
فريده مسكت وشه وقالت بهدوء
" طب عيشها، بس بجد انت فظيع"
هدي شويه بس لسه بيضحك
"حاضر حاضر، بس فين الفون عايز اقول للكل، لازم الكل يعرف"
لف حوالين نفسه وهو بيدور على فونه وهيا ابتسمت على جنانه.

تاني يوم
يسر كانت ماشيه في إيديها الفون وصوتها فيه نبرة تعب
"يونس، أنا اهو في المكان اللي قولتلي عليه."
يونس رد بهدوء
"في شجرة كبيرة عندك؟ روحي عندها."
يسر بصت حواليها بعصبية خفيفة، لحد ما شافت الشجرة الوحيده اللي موجوده وراحت ناحيتها وقالت بزهق
" آه وبعدين؟"
يونس ضحك وقال
"خلاص يا بنتي وصلتي، إحنا كده قطعنا شوط كبير جدًا."
يسر اتنهدت وقالت
" بقالي ساعة بلف حوالين نفسي علشان توصلني هنا، خرجت من مكان ودخلت مكان ولفيت حرفيا حوالين نفسي" 
يونس قال باعتذار بسيط
" معلش، المهم هتلاقي عندك طوبة كبيرة شكلها معوق كده، بعيدة بخطوة عن الشجره مرشوقه في الأرض"
يسر بصت حواليها وهيا مش فاهمة
" فين دي بقا؟"
يونس رد
"معلش يا يسر، اتعبي ودوري شويه"
قعدت تدور يمين وشمال حوالين الشجرة، وبعد شوية لقت الطوبة وقالت
"أهووو أخيرًا."
يونس ابتسم وقال
"بس وصلنا أخيرًا."
يسر علت صوتها بزهق
"وصلنا فين؟ انت عايز إيه؟"
يونس قال بهدوء
"يسر ركزي، هنا في الأوراق اللي قولتلك عليها."
يسر وقفت ثواني وقالت
"فين دي؟ انت بتضحك عليا؟!"
يونس قال 
" احفري شوية واتعبي معلش."
يسر قالت بصدمة
"ده بجد؟"
يونس قال بترجّي
"معلش، عشاني."
يسر اتنهدت وقالت
"طيب، خليك معايا."
وبدأت تحفر بإيديها حوالين الطوبة، وبعد شوية قالت بتعب
"أخيرًا يا يونس لقيته، أقسم بالله عمري ما تعبت زي دلوقتي."
يونس قال بابتسامه
"شاطرة والله، أنا توقعت أصلا إنك ما توصليش."
يسر قالت بسرعه
"طيب وبعدين؟ عايز إيه بالورق ده؟ دول كذا ملف وفيه سي دي كمان."
يونس قال بهدوء وهو بيفكر
"خلي السي دي معاكي، والورق هقولك تعملي بيه إيه"
فريده بعد ما وصلت المستشفى مشيت بخطوات سريعة ناحية أوضة تيم، بس أول ما فتحت الباب لقت الأوضه فاضيه تماما ومفيش أي أثر لتيم، دخلت الاوضه ممرضه، فريده سألتها بسرعه
"هو فين المريض اللي كان هنا؟!"
الممرضة رفعت حاجبها باستغراب وردت بهدوء
"الأوضه فضيت الصبح بدري، غالبا خرج"
فريده ارتبكت وصوتها علي شوية من القلق
"إزاي يعني؟ المريض اللي كان هنا وضعه ما يسمحلوش يخرج اساسا"
الممرضة هزت كتفها وقالت
" والله معرفش يا فريده، أنا استلمت الشيفت لقيت الأوضة فاضيه"
فريده اتنهدت بعصبية، ملامحها اتشدت وخرجت من الاوضه بغضب وقررت تروح على مكتب المدير، خبطت على الباب ودخلت بعد ما استأذنت، وقالت بصوت واضح
"صباح الخير يا دكتور."
المدير رفع عينه من الورق اللي قدامه وقال بابتسامة بسيطة
"صباح النور يا فريده، خير؟ شكلك متوترة."
فريده وقفت قدامه وقالت
"أنا كنت داخلة أتطمن على المريض اللي في 305 لقيت الأوضة فاضية، ممكن أعرف إيه اللي حصل؟"
قال 
"آه...قصدك تيم المهدي، والدته طلبت أنه يخرج وقولنالها وجوده في المستشفى احسن بس هيا رفضت وطلبت خروجه فخرجناه"
حست بغضب، قالت من غير ما تحسب كلامها
" انت إزاي تسمح بحاجة زي دي؟ هو مريض، محتاج متابعة! أنتو كده بتهددوا حياته بالخطر، كان محتاج رعايه"
المدير اتجهم وقال بصوت جاد
" فريده، خدي بالك من أسلوبك، ده مش من صلاحياتك، وأنتي المفروض تلتزمي بحدود شغلك."
فريده اتنهدت بقوة، حست إنها اتخطت حدودها وقالت 
" آسفة يا دكتور، بس الموضوع بجد يضايق"
المدير اتنهد وقال بنبرة هاديه
"أنا مقدّر قلقك، بس صدقيني إحنا كنا عاملين اللي علينا، ووالدته أصرت، لو قدرتي تقنعيها ترجعه يبقى كتر خيرك، في الاول وفي الآخر ولي الأمر هو صاحب الحق في القرار، وإحنا كمستشفى لازم ننفذ اللي بيطلبه"
فريده هزت راسها وخرجت بضيق، خطواتها سريعة وضيقها باين على وشها، هيا لازم تتصرف والا هيفضل كده طول عمره، لازم حد يفكره أنه لازم يعيش، بس دلوقتي العائق الوحيد قدامها هو ”صابرين“

عند يونس 
كان في أوضته كالعاده، فجأة باب الأوضه اتفتح وصابرين دخلت، بصلها ببرود واضح، قالت وهيا بتحاول تكسر الصمت
"كنت سامعه صوتك من شويه، يا ترى كنت بتكلم مين؟"
بصلها يونس من غير أي اهتمام وقال بجفاف
"نفسي... بكلم نفسي."
صابرين رفعت حاجبها وقالت بنبرة فيها تحذير
"رد باحترام يا يونس."
سكت، ضيق عينيه كأنه مش عايز يفتح معاها أي كلام، اضطرت تكمل وقالت
"روح اتطمن على أخوك."
في اللحظة دي يونس رفع عينيه ليها باهتمام وبنبرة مليانة لهفة وقلق قال بسرعة
"هو كويس؟ فاق؟"
صابرين هزت راسها وقالت بهدوء
"لاء... بس روح اتطمن عليه، هو في أوضته ومعاه ممرض بيتابع معاه"
مستنهاش تكمل، قام من على السرير بخطوات سريعة وخرج من الأوضه بسرعه يتطمن عليه.

فريده بتشتغل عادي بس عقلها مشغول، ووسط كل أفكارها فونها رن قطع تركيزها وكان حسام، لمحت الاسم وردت، قال مباشرة
"أنا بره."
قالت بدهشة
"بجد؟"
ضحك بخفه وقال
"آه... حبيت أطّمن عليكي بنفسي، خوفت عليكي وحبيت أشوفك."
ابتسمت رغمًا عنها وقالت 
"طيب، تعالى ادخل."
رد بسرعة
"تمام، أجيلك فين؟"
قالت بهدوء 
"ادخل بس إنت وأنا هقابلك."
قفل عربيته ودخل ومعاه اكياس كتير، لقاها واقفه مستنياه بابتسامة صغيرة، وقف قصادها لحظة كأنه بيدور في ملامحها يتأكد إنها كويسه وبعدين سأل بنبرة صافيه
"إنتي كويسة؟"
هزّت راسها وقالت
"أنا كويسه"
بصت للأكياس اللي ماسكها وسألت باستغراب
" ايه ده؟!" 
اتنهد وقال
" دي حاجات ليكي، عصاير وأكل صحي عشانك، جبت انواع كتير من كذا حاجه عشان مش عارف انتي بتحبي ايه اكتر"
قالت بانبهار 
" بس ده كتير جدا، هو انا هاكل كل ده"
هز أكتافه وقال
" ابقي ادي اصحابك، بس كلي كويس"
ابتسمت وقالت
" طيب حاضر"
زفر وقال
" هو انتي لازم تنزلي شغل يعني"
قالت بضيق 
" حسام اتكلمنا في الموضوع ده وقولتلك اني بحب شغلي جدا، وبعدين يا حسام لو انا حاسه اني مش قادره انزل مكنتش نزلت شغل أصلاً."
زفر بقلق واضح
"أنا مش مطمن... قلقان يا فريده"
ابتسمت بحنان وهي بتحاول تسيطر على توتره
"عارفة، ومقدّرة قلقك، بس متقلقش، أنا لا أول واحدة احمل ولا آخر واحدة... الناس كلها بتشتغل عادي."
حرك راسه ببطء وقال كأنه بيحاول يقتنع
"تمام تمام، بس قلبي مش مرتاح."
ضحكت وهي بترفع موبايلها قدامه
"عارفه، إنت رانن عليا فوق العشرين مره النهارده؟"
قبل ما يرد، جت داليا بخطوات خفيفة وابتسامة عريضة وقالت
"فريدة، بيسألوا عليكي."
بصت لحسام وابتسمتله بحرارة وقالت وهيا بتمد ايديها 
"ازيك يا حسام؟"
مد إيده لها بابتسامة لذيذه وهو بيقول
"إزيك عامله ايه؟!"
سلمت عليه بسرعة وقالت بهزار
" يا بختك يا فريده عندك حد يتطمن عليكي كل شويه"
ضحك حسام بخفة ورد 
"هو أنا عندي حد اهم منها"
ضحكت داليا بصوت عالي وقالت
"ربنا يخليكوا لبعض، كلنا بنحسدها عليك والله، بنتمني كلنا نلاقي حد زيك"
حسام ابتسم ولسه هيرد بس فجأة فريده داست على رجله جامد بغيظ واضح، بصلها بسرعه وكانت بتبصله بضيق، ابتسم بخفه ومسح على دقنه كأنه بيحاول يخفي ضحكته وقال لداليا بنبرة مهذبة
"تسلمي، ربنا يرزقك بالأحسن يارب"
داليا ابتسمت وقالت 
"طيب هستأذن انا، متتأخريش يا فريده"
فريدة هزت راسها بابتسامة مصطنعة وهي بتراقبها وهيا ماشيه، أول ما داليا بعدت حسام بص لفريدة بابتسامة واسعة وقال وهو بيرفع حواجبه
"إيه ده بقا؟!"
فريدة رفعت عينيها ليه بسرعة وقالت بجدية
"مش اتطمنت... أنا عندي شغل بقا."
اتحركت علشان تمشي بس حسام مد إيده وقفها بلطف وقال بابتسامة خفيفة
"استني."
فريدة وقفت من غير ما تبصله فكمل وهو بيبلع ريقه
"انتي... بتغيري عليا؟!"
فريدة بصتله وقالت بانفعال 
"مش جوزي! جوزي وبغير عليه، عندك مانع؟! مينفعش تعامل حد زي ما بتعاملني، أنا بس اللي تعاملني كده، فاهم؟ النظرات والكلام دول من حقي انا"
حسام ابتسم بخفه وقال بحب واضح
"وهو أنا أقدر أبص لغيرك أصلًا؟ أنا خلاص مبقتش شايف غيرك."
فريدة ردت بحدة وهي بتحاول تمشي
"كله كلام وخلاص... سيبني، عندي شغل."
مد إيده تاني يمنعها وقال 
"طب متزعليش... مش همشي وانتي زعلانة."
قالت بسرعة وهي بتحاول تبعد
"طيب خلاص... امشي."
قرب منها أكتر وقال بنبرة متعمده
"طب زعلانة؟"
اتنهدت وقالت بجدية عميقه
"لينا بيت يلمنا."
ابتسم وقال 
" عندك حق، بس برضو مش همشي وانتي زعلانة."
فريدة ردت بسرعة وهي بتحاول تنهي الكلام
"علفكرة الموضوع خلص."
هز راسه بإصرار وقال وهو بيقرب منها
"لاء مخلصش، هفضل هنا سايب شغلي لحد ما تضحكي"
لفت وشها الناحية التانية وقالت وهيا بتحاول تخفي ابتسامتها
"مش عايزه اتكلم ولا اضحك، سيبني."
قال
"طب والله ضحكتي"
اتنهدت وقالت
"ماشي يا حسام خلاص."
ابتسم براحه وهيا قالت
"اديني فونك، عايزة أعمل مكالمة."
بصلها باستغراب لحظة وقال
"هتكلمي مين؟"
قالت ببساطه
"مكالمة دولية لسالي، مش معايا رصيد كفايه."
ابتسم واداها الفون وهو بيقول
"اتفضلي، الفون وصاحبه تحت أمرك"
ابتسمت وهيا بتاخده وهو قال
"أنا هروح أشوف تيم."
فريده بصتله وقالت بهدوء
"تيم خرج."
قال بدهشه
"إزاي خرج؟!"
اتنهدت وهي بتهز كتفها
"معرفش، اتكتبله خروج من الصبح."
سألها بقلق
"يعني فاق وبقا كويس؟"
فريدة هزت راسها بنفي وقالت
"غالبًا هيكمل في البيت."
حسام هز راسه بتفكير وهيا وقفت على جنب بعيد شويه ورنت على سالي، بعد ثواني ردت سالي
"ألو؟"
فريدة قالت بسرعة
"سالي، أنا فريدة."
سالي ابتسمت وقالت
"ازيك يا فريده عامله ايه؟!"
فريدة قالت
" سالي، لازم اقولك اللي حصل علشان مش هقدر اسكت بجد، مامتك خرجت تيم انهارده"
سالي سكتت لحظه وبعدين قالت باستغراب
"خرجته؟! إزاي؟ وليه؟!"
فريدة قالت وهي بتحاول تلم أعصابها
"أنا روحت لدكتوره آيه امبارح وعرفتها اللي حصل وقالتلي ازاي اتعامل مع تيم عشان يكون كويس، ولما قولت لمامتك تسيبه يتعالج وقلتلها إن ده خطر عليه رفضت، وقالتلي مقربش منه تاني، وتاني يوم لما روحت أشوفه لقيت الأوضة فاضيه وعرفت انها خرجته"
سالي قالت بغضب واضح 
"إزاي تعمل كده؟ تيم محتاج علاج ومتابعة عشان يكون احسن ويرجع تاني، ده مش طبيعي اللي بيحصل ده"
فريدة قالت بإحباط 
"عارفة... وعلشان كده بكلمك، اللي بيحصل ده غلط، وبجد حرام، كفاية عليه اللي مر بيه، لو فضل كده عمره ما هيفوق، لازم نكون جنبه مش نقتله بالبطئ"
سالي أخدت نفس عميق وقالت بقرار حاسم
"لازم أشوف الموضوع ده بنفسي، أنا هحجز أول طيارة وأنزل مصر، مش هقدر أسيب تيم يضيع بالشكل ده، هتكلم معاها وهحاول أوقف اللي بيحصل."
فريده قالت برجاء
"يبقى أحسن برضو، علشان اكتر من كده مش هينفع"
سالي قالت 
"تمام، إن شاء الله هكون بكرة في مصر، أول ما أوصل هكلمها، ونحط حد للمسألة دي."
فريدة قالت بامتنان 
"ياريت يا سالي بجد"

بالليل، فريده رنت على يسر اللي كانت مختفيه طول اليوم، أول ما ردت سألتها
"كنتي فين النهاردة؟"
يسر ردت بهدوء
"يونس كان طالب مني حاجة وكنت بعملها."
فريدة سألت بتركيز
"حاجة زي إيه؟"
يسر اتنهدت وقالت
"مش عارفة صدقيني، هو طلب مني أسلّم أوراق لحد بكره وانهارده كنت بجيب الورق ده "
سألت باهتمام
"أوراق؟ إيه الأوراق دي ولمين؟"
يسر هزت كتفها وقالت ببساطه
"معرفش، هو طلب مني كده وخلاص."
فريدة سألتها
"مشوفتيش إيه الأوراق دي؟"
يسر ردت بحسم
"لاء ومش هشوفها أكيد، هو قالي أخليها معايا لحد ما أسلّمها لحد هو عارفه، يعني أحط الورق ده في مكان زي خزنة وأمشي وبس كده"
فريدة قالت 
"أنا عايزة أشوف الورق ده."
يسر رفضت فورًا
"مستحيل، يونس قالي مفتحش الورق ولا أشوف السي دي."
فريدة اتفاجئت وقالت بسرعة
"في سي دي كمان؟"
يسر أومأت وقالت
"آه، بس أكد عليا كتير مفتحش حاجة منهم، وأنا برغم فضولي هحترم قراره ومش هفتحهم."
فريدة قالت بانفعال
"إنتي متخيلة إن اللي معاكي ده يا يسر أنا وسالي بندور عليه من كتير أوي وفشلنا نلاقيه؟"
يسر ردت ببرود
"وإنتي عارفة إني مش هقدر أخون يونس وأخليكي تشوفي الحاجات دي، مستحيل."
فريدة هزت راسها وقالت بخوف
"بس أنا خايفة من يونس يا يسر، يونس متهور، ممكن يبهدل الدنيا."
يسر قطعت كلامها وقالت بحسم
"دي حاجة متخصنيش، أنا قولتله إني هعمل كل اللي هو عايزه من غير ما أسأله."
فريدة حاولت لآخر مرة
"بلاش يا يسر... بلاش عشان ميندمش على حاجة يعملها في لحظة غضب."
يسر ردت ببرود وهي بتقفل الحوار
"معلش يا فريدة، بس أنا مليش دعوة بكل ده، أنا هنفذ اللي هو عايزه، يلا سلام."
وقفلت المكالمة من غير ما تسمع رد تاني.

تاني يوم بالليل
سالي كانت راجعه البيت وراكبة اوبر وفي طريقها للبيت، وهيا بتقرب من البيت خلاص لمحت عربيات كتير جدًا واقفة قدام البيت، منظرهم غريب وملفت، طلبت من سواق الأوبر يقف شوية على جنب، كانت بتراقب البيت بخوف، لحد ما لقت عدد كبير من الرجالة بيخرجوا من البيت، رجالة كتير جدًا، شكلهم منظم وضخم وركبوا العربيات بسرعة ومشيوا واحد ورا التاني، قلبها بدأ يدق بسرعة رهيبة وحست برعب بيجري في عروقها، فضلت مستنية لحد ما اختفوا تمامًا وبعدها طلبت من السواق يتحرك.
وصلت البيت والسواق نزل الشنط وحطها، سالي بصت حواليها بتوتر وهي نازله، شالت ياسين اللي كان نايم ودخلت بخطوات بطيئة وحذرة، لقت الأبواب مفتوحة وكل ما تقرب قلبها بيدق أكتر وأكتر، دخلت البيت وعينيها بتجري في كل اتجاه، بتبص حواليها بتوتر، البيت مكركب جدا، اتقدمت خطوة تانيه وهنا كانت الصدمه...
فريده نزلت من العربيه مع حسام بخطوات بطيئه، الحزن باين على ملامحها، مشيت هيا وحسام بهدوء لحد ما وصلوا للبيت، حسام وقف مع الرجاله بره وفريده دخلت البيت، صوت القرآن مالي المكان والستات قاعدين كلهم لابسين أسود، في النص كانت سالي قاعده، عينيها مورمه وحمره ودموعها نازلة،
فريده قربت منها بهدوء، قعدت جنبها وهي بتقول بصوت واطي
"شدي حيلك يا سالي... البقاء لله."
سالي رفعت عينيها وبصتلها، الدموع غلبتها ونزلت أكتر، فريده مدّت إيديها ومسكت إيد سالي، سالي شدت على ايديها بقوة وحضنتها كأنها مش لاقية غيرها تتسند عليه...

أما فوق عند يونس 
كان في اوضته قاعد على الأرض زي طفل تايه، ضهره مسنود على الباب ورجليه مطوية تحته، دموعه متحجره في عينيه، وشه احمر وعروقه بارزه وعينيه... عينيه قافلها جامد وهو لسه شايف منظرها قدامه ومش قادر ينساه، وكل ما يرمش المشهد يتكرر، لما شافها قدامه مرميه على الأرض ودمها في كل مكان، كل نفس خارج منه مهزوز كأنه بيطلع معاه وجع عمره كله، عنقه محني على صدره وإيده ماسكة طرف البنطلون جامد، صوت القرآن اللي شغال تحت كان طالعله واضح، كل كلمة فيه بتغرس في قلبه وبتفكره القرآن ده شغال ليه، بتفكره أن في ميت في البيت وإن الميت ده مش مجرد شخص مات، دي امه وهو محمل نفسه سبب موتها، مش مصدق نفسه إن دي النهاية، مش مصدق إن هو السبب من غير ما يقصد، إيديه بتترعش، وكل ما ياخد نفس أعمق صوته يطلع زي أنين مكتوم، تايه ومكسور وزعلان زي طفل صغير اتحرم من أمه فجأة، بس الطفل ده كبير ومش لاقي حضن يلمه ولا كلمة تطبطب عليه.
رفع راسه للحيطة كأنه بيهرب من نفسه، بس دموعه نزلت، إيده التانية كانت ماسكة التشيرت عند قلبه كأنه عايز يوقف الألم اللي بيموّت جواه، كان حاسس إن الدنيا كلها فضيت، وإن البيت اللي كان بيقف على وجودها وقع فوق دماغه، ومهما كانت بشعه فهيا مامته وهيا اللي كانت بتشيل كل حاجه وكانت بتمنع عنه قسوة العالم.

أما تيم، فكان في أوضته على وضعه من ايام، السرير محاط بكل الأجهزة الطبيه اللي تساعده يبقى احسن، ملامحه ساكنة جدًا، شاحب وبارد كأنه نايم من سنين، إيده متوصلة بالكانولا، وأنابيب رفيعة متوصله بالأجهزه، الممرض موجود على الكرسي جنبه، بيراقبه في صمت.
لكن تيم نفسه... ولا كأنه هنا، عينيه مغمضة ورموشه ثابتة، صدره بيتحرك بهدوء تقيل، كل نفس طالع منه أبطأ من اللي قبله، جسد بدون روح، ومش حاسس بأي حاجه، كان شكله زي واحد مستسلم تمامًا... سايب الدنيا كلها تخبط في بعض.

عربية علي وقفت قدام البيت، على نزل بسرعه لف لايناس ونزلها، كانت خطواتها مهزوزة، كل شوية كانت بتتهادى كأنها هتقع، شكلها منهار بشكل غير طبيعي، ملامحها منهارة، دموعها نازله شلالات وصدرها بيطلع وينزل بسرعه، كانت غايبة عن الوعي من الصدمة، مش مستوعبة إنها جاية تعزي في أختها... أختها الوحيدة اللي قضوا سنين بعاد عن بعض والظروف فرقتهم، ولما اتقابلوا أخيرًا حسّت إن الدنيا رجعتلها من تاني... لكن فجأة الدنيا أخدتها منها تاني، وبشكل أقسى بكتير.
علي كان ماسكها بكل قوته، خايف تقع من كتر الانهيار، هو بنفسه مش عارف يعمل إيه علشان يخفف عنها، دخل البيت وهو ساندها، ملامحها باينه عليها الصدمة والوجع، خطواتها تقيلة وكأنها مش قادرة تتحرك، أول ما فريده شافتها قامت بسرعة من مكانها، جريت عليها وخدتها من علي بلطف، حطت إيدها حواليها وسندتها.
إيناس وقعت تقريبًا في حضنها وهي بتعيط بحرقة، فريدة سندتها بحنان لحد ما قعدتها على الكرسي وقعدت جنبها علطول.

يسر وصلت البيت اخيرا، نزلت من الأوبر بخطوات هاديه، دخلت البيت وسلمت على كام واحدة بسرعة لحد ما وصلت لسالي اللي كانت قاعدة والدموع لسه متجمعه في عينيها، عزتها بهمس قصير وحضنتها، وبعدها قعدت جنب فريده بهدوء، بعد لحظات بصت حوالين البيت وقالت بصوت واطي
"هو يونس فين؟"
سالي مسحت دموعها وقالت 
"في أوضته... من ساعة اللي حصل وهو قافل على نفسه ومخرجش منها أبداً، لو عايزه تطلعيله محمود هيطلعك"
هزت راسها بهدوء وهي بتاخد نفس عميق، وبعدها قامت من مكانها بخطوات مترددة ووراها محمود، كل درجة كانت بتحس إنها تقيلة، عقلها مليان أسئلة وخوف من حالته، وقفت قدام باب أوضته، رفعت إيديها بخفة علشان تخبط، بس وقفت لحظة مترددة... مش عارفة يونس هيكون عامل إزاي دلوقتي... بس مدت إيديها وخبطت بخفة، صوتها خرج متردد
"يونس... أنا يسر."
سكتت، استنت رد، لكن مفيش... ولا حتى صوت حركة من جوه.
بلعت ريقها وخبطت تاني، المرة دي أقوى، قالت وهي بتحاول تثبت صوتها
"يونس..."
الباب اتفتح ببطء وظهر قدامها يونس، كان في حاله لا يُرثى لها، شكله غريب فعلا، أول مرة تشوفه كده، عينيه حمره دم، وشه شاحب، شعره مبعتر، هدومه مرهدله، ملامحه كانت منهارة، مش هو نفسه يونس اللي هيا عارفاه لاء... ده يونس تاني تمامًا، يسر اتجمدت مكانها، مش عارفة تقول إيه، كانت دي أول مرة في حياتها تشوف الحزن مرسوم بالحده دي على ملامحه، ولسه بتحاول تلاقي كلمة تخفف بيها الجو، بس هو سبقها، مد إيده فجأة وشدها لحضنه، حضن قوي جدًا لدرجة إنها حسّت بالعجز، حسّت إنه محتاج الحضن ده فعلا أكتر من أي كلام.
كان بيترعش وهو ضاممها ليه، كأنه بيحاول يهرب من كل حاجة جوه قلبه، من مواجهة نفسه، يسر اتجمدت في الأول من المفاجأة، وبعدين ببطء رفعت إيديها وضمته ليها، قلبها بيتقبض وهي سامعة نفسه المتقطع، وحاسة قد إيه هو مكسور وضعيف، سابت نفسها من غير ما تقوله ولا كلمة، عارفة إن الكلام مش هيفيده دلوقتي، يونس كان ماسكها بكل قوته، 
وفجأه دموعه نزلت مرة واحده، عيط بقهر وهو مداري وشه في كتفها، بيعيط زي الطفل، إيده بتترعش وهو مش قادر يسيطر على نفسه.

بعد كذا يوم....
رجعت فريدة البيت بعد يوم طويل ومتعب، راجعه متأخر شويه كعادة اخر كام يوم، خاصة بعد ما نقلوا تيم تاني المستشفى وبقا عندها الصلاحيه تقرب منه بدون عائق، أول ما دخلت من الباب لمحت حسام واقف في الصالة مستنيها، ملامحه مشدودة، صوته خرج حاد وهو بيقول
"إيه يا فريدة؟ إيه التأخير ده كل يوم؟"
فريدة وقفت مكانها لحظة، خدت نفس وقالت بهدوء
"غصب عني يا حسام."
رفع حاجبه باستنكار وقال بضيق واضح
"لاء بجد مش معقول كده، كل يوم تأخير بالشكل ده؟ بتعملي إيه كل ده؟"
ردت بسرعة وهي بتحاول تسيطر على الموقف
"هكون بعمل إيه يعني؟ عندي شغل يا حسام."
قال بغضب مكبوت
"بس شغلك ليه معاد، وانتي بقالك قد إيه بترجعي بعده بالساعات؟ طب أنا فين في حياتك دي؟"
فريدة اتنهدت وقالت وهي بتحاول تبرر
"في إيه يا حسام؟ أنا بشتغل، هو أنا بلعب؟"
رد بقسوه
"والشغل ده كان له معاد، إمتى المعاد اتغير معلش؟"
قالت وهي بتحاول تبرر أكتر
"هو متغيرش، زي ما هو عادي، بس أنا اللي بتابع مع مريض بعد الشيفت بتاعي..."
قاطعها بحده
"والمريض ده أهم مني يعني؟"
هزت راسها بسرعة وقالت
"أكيد يا حبيبي لاء، بس لازم متابعة، الحالة دي محتاجة اهتمام خاص."
صوته علي أكتر وقال بانفعال
"المتابعة دي تبقى في الشيفت بتاعك يا فريدة، ولو معاده بعد الشيفت ممكن حد غيرك يتابع عادي، بعد كده انتي ليكي بيت وجوز! أنا ساكت بالعافية والله!"
نبرة فريدة بدأت تتوتر وقالت
"دي حالة خاصة يا حسام، لازم أتابعها بنفسي، الحالة دي مهمة عندي جدًا."
ضحك ضحكة قصيرة فيها قهر وقال
"آه يعني أنا ولا حاجه مقارنة بالحاله دي؟ مش فاهم، وانا فين؟ من ساعة ما تيم تعب وأنا متدمر في شغلي ومضغوط وشايل شغلي وشغله بس محترم وجودك وعمري ما حسستك اني تعبان أو جيت عليكي، وبالنسبالي انتي رقم واحد، بس انتي؟ ولا كأني موجود، في إيه يا فريدة؟ هو في أهم مني عندك؟"
قالت وهي بتحاول تمسك أعصابها
"انت مكبر الموضوع، أنا بتأخر عشان مريض بتابع معاه، فيها إيه يعني؟"
قال بغضب واضح وصوته بدأ يعلى أكتر
"فيها إني جوزك، ومش شايفك ولا بشوف وشك غير بالصدفة، انتي مش ملاحظة إنك مطنشاني خالص؟!"
قالت بضيق 
"بس أنا مش قصدي والله، مش فاهمة انت ليه واقفلي على الواحدة كده؟ في ايه؟"
قال بانفعال
"فيه إيه انتي؟ انتي راضية عن اللي بتعمليه؟ فاكرة نفسك لسه بنت متجوزتش ومش وراها حاجه؟ لاء انتي متجوزة على فكرة، وليكي مسؤوليات!"
بصتله بحدة وقالت 
"خد بالك من كلامك يا حسام، بتكلمني كده ليه؟!"
رد بسرعة وكأنه فقد صبره تمامًا
"زهقت يا فريدة! كنت ساكت لما اتأخرتي يوم، اتنين، تلاتة، قولت مش مشكله عادي، بس أكتر من عشر أيام بالشكل ده؟! متخيلة أنا صابر قد إيه؟!"
اتغيرت نبرة صوتها فجأة وبقا فيها تحدي
"علفكرة محدش كان بيتحكم فيا كده، كنت بعمل اللي أنا عايزاه ومحدش بيحاسبني، هتيجي إنت دلوقتي تحاسبني؟!"
حس بصدمه من كلامها، وقال بصوت واطي حاد
"انتي ناسية إن أنا جوزك؟ يعني من حقي أعرف انتي فين وبتعملي إيه."
قالت بحدة أكبر
"جوزي، جوزي، جوزي... الناس كلها متجوزة يا حسام، بس مش كده! أنا مش هعيش تحت ضغط وتحكم بالشكل ده، ممكن أرجع بيت ماما وأعمل اللي أنا عايزاه براحتي علفكره ومحدش هيكلمني!"
كلماتها صدمته، خلته مش عارف يتكلم اصلا، وقف يبصلها ثواني، ملامحه اتجمدت، الصدمة واضحه على وشه بس مردش، خد نفس عميق، سحب نفسه من قدامها من غير ما يقول ولا كلمة وخرج من البيت وسابها واقفة لوحدها.
فريدة وقفت مكانها ثواني، مش قادرة تستوعب اللي حصل، مش قادرة تصدق إن حسام سابها كده ببساطة من غير حتى ما يحاول يمنعها تنفذ كلامها، اتنفست بصعوبة، بصت حواليها بضيق ودخلت أوضتها بخطوات تقيلة، فتحت الدولاب ونزلت الشنطه وبدأت تلم هدومها بعشوائية، مكانتش متخيله انها مش هتفرق معاه، هو ده حبه ليها عشان يقابلها كده بعد يوم طويل، وبعد كل ده يسيبها ويمشي، دموعها كانت بتحاول تنزل، بس هي كتمتها بالعافية، خلصت وقفلت الشنطه وخرجت، مشيت وهيا حاسه بالخذلان....
(طبعا كل ده من وجهة نظرها هيا إنما هيا بنت كلب عادي)

حسام خرج من البيت بخطوات سريعة، قلبه بيخبط جوه صدره بعنف وهو مش عارف يحدد إحساسه الحقيقي... غضب؟ حزن؟ وجع؟ يمكن خليط من كل ده، ركب عربيته وهو بيحاول يقنع نفسه إنه يتصرف بعقل، مش لازم يخلي الخناقة تكبر، كان نفسه في لحظة واحدة تفوّق فريدة وتفهم إن كل اللي بيعمله ده من خوفه عليها واشتياقه ليها مش تحكم فيها،
سند راسه على الكرسي، نفسُه طالع متقطع، عقله بيرجع يعيد المشهد من أوله، وبرغم كل الغضب اللي جواه، جزء صغير منه كان بيقوله أنه صح أنه سابها دلوقتي تهدى، حط إيده على الدركسيون وضغط بإيده جامد، بص قدامه بشرود وهو بيقنع نفسه انها اكيد هتهدي وتفكر بعقل

فريدة رجعت عند ايناس، أول ما دخلت لمحت إيناس قاعدة في الصالون، وعلي جنبها بيقلب في التلفزيون.
قالت بهدوء
"مساء الخير."
إيناس رفعت عينيها، لمحت الشنط اللي في إيد فريدة، وشها اتجهم وقالت باستغراب
"فريدة؟ إيه الشنط دي؟"
علي وقف علطول، حس إن في حاجة مش مظبوطة، قال بهدوء
"طيب أنا هطلع أنام، تصبحوا على خير."
انسحب بهدوء وسابهم، إيناس بصت لفريدة وقالت بقلق
"إيه يا فريدة؟"
فريدة وقفت مكانها وقالت بهدوء
"سبت حسام."
إيناس اتجمدت مكانها، قالت بدهشه
"إيه؟! سبتيه إزاي يعني؟"
فريدة اتنهدت وقالت
"يعني هو اتخلى عني، قالي فيما معناه إنه زهق مني."
إيناس قالت باستغراب 
"حسام قال كده؟"
فريدة بصت بعيد وقالت
"آه، ومعترضش حتى لما قولتله إني همشي... سابني أمشي."
إيناس شدّت نفس عميق وهيا بتحاول تفهم
"وده الحل يعني؟ إنك تسيبي البيت؟"
فريدة ردت بحدة مكبوتة
"أومال عايزاني أعمل إيه؟ أدوس على كرامتي عشانه؟"
إيناس قالت بنبرة حازمة 
"ولما سيبتي البيت كده حفظتي كرامتك؟"
فريدة بصتلها وقالت بحزن
"ماما، لو مش عايزاني هنا همشي عادي بـــ..."
إيناس قاطعتها بسرعة وقالت
"إنتي مجنونة؟ بس أنا مش عايزة تحصل مشكلة بينكوا، فاهمة؟"
فريدة قالت بصوت مبحوح
" حصلت وخلاص... ممكن أطلع أوضتي؟"
إيناس هزت راسها وقالت بهدوء
"اتفضلي، سيبي الشنط واطلعي... هخلي شهد تطلعهالك."
فريدة طلعت السلم بخطوات تقيلة، رجعت تبصلها وهيا بتقول
" هو فين اسلام؟!"
ايناس قالت 
" في اوضته"
هزت راسها وطلعت بهدوء...

حسام رجع البيت متأخر، دخل في سكون غريب خيّم على المكان، البيت مضلم، فتح النور ودخل الصالون
خلع الچاكيت بتاعه ورماه على الكنبة، اخد نفس عميق وهو رايح ناحية الاوضه وبيدعي من قلبه تكون موجوده، فتح الباب ووقف مكانه متجمد، السرير فاضي، المراية فاضية، قرب بخطوات مترددة ناحية الدولاب، فتحه، عيونه اتحركت بسرعة على الرفوف، كانت هدومها ناقصة، مد إيده على الهدوم اللي فاضله، مسك واحد من تيشرتاتها، ضغطه بإيده بقهر وقعد على السرير، فضل قاعد مكانه فترة طويلة، مابين صدمة وغضب وقهر، بس هيا اللي اختارت كده...

تاني يوم، الجو في المستشفى كان هادي، فريدة كانت ماشية في الممر بخطوات سريعة ناحية اوضة تيم، خبطت على الباب بخفة ودخلت.
سالي كانت قاعدة جنبه على الكرسي، ملامحها مرهقة، بتحاول تبان قوية بس التعب ظاهر على وشها، فريدة ابتسمت بهدوء وقالت
" إيه الأخبار؟"
سالي اتنهدت وقالت بصوت واطي
"بحاول أعمل زي ما قولتيلي... بس يارب يفوق."
فريدة قربت منها وقالت بثقة
"إن شاء الله هيفوق قريب، وهيبدأ يتعالج خطوة بخطوة."
سالي بصتلها بامتنان وقالت
"شكرًا يا فريدة إنك لسه واقفة معانا برغم اللي حصل."
فريدة قالت وهي بتحاول تخفف عنها
"مش معقول يا سالي أسيبكوا في ظروف زي دي، وبعدين مينفعش تكوني بتدوري عليا لحد ما تلاقيني عشان اساعدك وانا وعدتك أساعدك وأخلف وعدي، أنا معاكوا للآخر."
سالي ابتسمت ابتسامة صغيرة باهته وقالت
" وده اللي كنت متوقعاه منك."
فريدة غيرت الموضوع وقالت بهدوء
"مش ناوية تقوليلي إيه اللي حصل يوم ما رجعتي؟"
سالي سكتت شوية، بصت بعيد وقالت بنبرة فيها وجع
"بلاش دلوقتي يا فريدة... مش عايزة أتكلم دلوقتي، بلاش."
فريدة اتراجعت بلطف
"خلاص خلاص، اهدي... كله هيعدي إن شاء الله."
سالي قالت بخفوت
"يارب."
فريدة سألتها
"ويونس عامل إيه؟"
سالي هزت راسها بأسف وقالت
"يونس مبقاش يونس... مش عارفة إزاي بقى كده، تحسيه كبر ونضج فجأة، بس بطريقة توجع، معقولة يونس يتحول كده؟"
فريدة قالت بهدوء
"اللي حصل مش بسيط يا سالي، الصدمات اللي خدها ورا بعض طبيعي تسيب أثر، بس مع الوقت هيفك... فترة عصيبة وهتعدي إن شاء الله."
سالي قالت وهي بتمسح دموعها
"إن شاء الله."
فريده قالت
"يلا، هسيبك أنا دلوقتي... عندي شغل."
سالي قالت بابتسامة بسيطة فيها شكر
" تمام، ربنا معاكي يا فريدة."
فريدة خرجت من الأوضة ودماغها مشغولة، مسكت الموبايل في إيدها بعادة اتعودت عليها، اليوم قرب يخلص وحسام كان لازم يرن عليها اكتر من مره، دايمًا بيرن يتطمن، يسأل عنها باهتمام بس النهارده... مفيش اي حاجه، فتحت الموبايل، بصّت على الشاشة كأنها مستنية اسمه يطلع فجأة... بس مفيش، وده وجعها أكتر....

حسام كان قاعد في مكتبه بيحاول يركز في شغله بس دماغه مش في أي حاجه من اللي حواليه، من ساعة ما فريده سابت البيت وهو حاسس بضيق غريب، وجواه غليان مش مفهوم، كان بيحاول يلهي نفسه في الشغل بس مفيش فايدة، كل ما يحاول يركز يرجع تاني يفكر فيها...
موبايله رن... اتخض للحظة وبصّ عليه بسرعة، قلبه دق بقوة... يمكن تكون فريدة، بس مامته هيا اللي كانت بترن، وده خلاه يحس بالخذلان...
رد بهدوء مصطنع
"الو؟!"
صوتها جه حنين 
"إزيك يا حبيبي؟ عامل ايه؟"
رد بضيق
" الحمد لله"
قالت بهدوء
"أنا وباباك قررنا نعدي عليكوا النهارده، نقعد معاك انت وفريده ونتطمن عليكوا"
حسام اتنفس بهدوء قبل ما يرد، صوته طلع مبحوح شوية
"فريده مش في البيت يا ماما، راحت عند أهلها وهتبات هناك"
سكتت لحظة وقالت باستغراب خفيف
"ليه يا ابني؟ في حاجة؟"
قال بسرعة
"لاء مفيش، كانت عايزة تقعد معاهم شوية"
قالت
"طب خلاص، تعالى إنت اتغدى معانا ونام هنا النهارده"
هز راسه وهو بيزفر وقال بنبرة رفض واضحه
"لاء هروح على البيت"
حاولت تقنعه أكتر من مرة بس هو كان مصمم على رأيه، وبعد محاولات قالت بإصرار 
"هتيجي تتغدي وبعد كده روح طيب"
سكت شوية وبعدين قال بصوت واطي
"تمام يا ماما، هخلص شغلي واجي"
قفل المكالمة، وساب الموبايل على المكتب، وبص قدامه بشرود...

عند يونس 
كان واقف في بلكونة أوضته، عيونه تايهة في الفراغ كأنه بيحاول يلاقي إجابة لكل الاسئله اللي في دماغه من ايام، الأيام الأخيرة خلّته شخص تاني، ملامحه اتبدلت، بقا أهدى كتير بس مليان وجع، كل يوم بيحس إن حاجة جواه بتتكسر أكتر.
وهو بيفكر لمح سليمان تحت البيت، نزل السلم بسرعه وخرج وندهله
"سليمان!"
صوته كان عالي ومليان توتر.
سليمان لفله باستغراب، يونس قرب منه، وقف قصاده، عيونه فيها نار مكبوتة وقال بحده
"إنت عارف كل حاجة."
سليمان قال باستغراب
"كل حاجة؟ قصدك إيه؟"
يونس قرب خطوة منه وقال بصوت مبحوح من القهر
"أنا عايز أفهم كل حاجة، عايز أعرف الحقيقة من أولها لآخرها، عايز أعرف كل حاجه انت تعرفها، عايز ارجع حق امي، احكيلي كل اللي تعرفه يا سليمان.. كل حاجة، متنساش اتفه تفصيله"
فريده قاعدة في أوضتها بالليل، النور خافت وهيا سرحانه، بتبص في الفراغ، عينيها فيها لمعة وجع وتفكير طويل.
الباب خبط بخفه، قالت بهدوء
"اتفضل."
دخلت إيناس بخطوات هادية، قفلت الباب وراها وقعدت قدام فريده، ملامحها كلها حنان وقلق وقالت بصوت دافي
"إيه يا فريده، متضايقة ليه دلوقتي؟"
فريده بصتلها بحيرة وقالت بصوت واطي
"مكنتش متخيلة حسام يسيبني كده من غير ما يسأل عني كل الفترة دي... معقول بايعني أوي كده؟"
إيناس خدت نفس طويل وقالت بهدوء وهي بتحاول تهديها
"انتي اللي غلطانة يا فريده، حطي نفسك مكانه وهتفهمي قصدي."
فريده بصتلها بسرعة وقالت بنبرة فيها وجع
"طب ما هو سابني أمشي برضو."
إيناس ردت بعقلانية 
"بس انتي قولتي إنك انتي اللي سبتي البيت، وهو لا اعترض ولا وافقك، انتي اللي كبرتي المشكلة بينكوا."
فريده قالت بانفعال مكتوم
"أنا اتضايقت من تحكمه المبالغ فيه فيا، ليه مش مقدّر إنّي بحب شغلي؟ ولو اتأخرت شوية فيها إيه؟"
إيناس قالت بنبرة هاديه
"يا بنتي مينفعش تيجي عليه عشان شغلك، انتي عنده رقم واحد، بس هو شايف إن شغلك عندك رقم واحد وده ضايقه، وفوق كل ده اتخليتي عنه وسبتيه ومشيتي... ومستنياه هو اللي يصالحك؟! مينفعش وانتي اللي غلطانة."
فريده قالت بصوت مهزوز 
"بس ازاي ميكلمنيش حتى مرة واحدة خلال الفترة دي؟ أنا مكنتش بقدر أعدي يومي غير لما أسمع صوته، معقول كل كلامه كان كدب لما قال إني أول أولوياته؟"
إيناس ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت 
"زي ما انتي بتحافظي على كرامتك، هو كمان عنده كرامة وبيحافظ عليها، انتي اللي غلطانة يا فريده ولازم تعترفي بغلطك."
فريده قالت بعد لحظة صمت
"طب أعمل إيه؟ هو وحشني جدًا وعايزة أشوفه، اكتشفت إني مش قادرة أكمل يومي من غيره."
إيناس مدت ايديها ومسكت ايد فريده وقالت بابتسامة دافية
"ارجعي البيت... ارجعي يا فريده وصالحيه."
فريده رفعت عينيها ليها وقالت بتردد
"طيب... ما هو ممكن يكون ساب البيت هو كمان."
إيناس هزت راسها وقالت بثقة
"معتقدش... مش هيسيب البيت، ارجعي يا حبيبتي وشوفي حياتك، أنا واثقة من حبه ليكي، وهتيجي يوم وتقوليلي إنك غلطانة لما فكرتي إنك مش أول أولوياته."
فريده سكتت ثواني وبعدين هزت راسها بخفة وقالت بابتسامة صغيرة باهتة
"هرجع بكرة."
إيناس ابتسمت وقالت بحنان 
"عين العقل يا حبيبتي."

سالي كانت قاعدة جنب تيم في المستشفى، الجو هادي الا من صوتها، صوتها وهيا بتحاول بكل طريقة تديه طاقة حتى وهو في غيبوبته، بقت تتكلم معاه طول الوقت، تحكيله عن ذكرياتهم، عن مواقف حلوه حصلت، عن قد إيه البيت بقى فاضي من غيره، وقد إيه الكل مستني يسمع صوته من تاني، كانت بتحاول تحفزه بالكلام، وبعد كتير... كتير اوي، حست بإيده بتتحرك بخفه وهيا ماسكاها، سكتت، قلبها وقف لحظة، بصتله لحظه وبعدين قالت
"تيم؟!"
قالتها بصوت مخنوق بين الرجاء والدهشة.
بصت بسرعة على إيده تاني... فعلاً اتحركت، حركة خفيفة جدًا بس اتحركت، دموعها نزلت وقامت بسرعة تنادي على الدكتور.

تاني يوم
فريده جهزت نفسها ترجع البيت، كانت حاسه إن قرارها ده هو الصح، بس وهي بتجهز فضلت تفكر في حالة تيم خاصة بعد ما سالي كلمتها بالليل وقالتلها إن حالته بدأت تتحسن وإن في احتمال كبير يفوق قريب، قعدت على طرف السرير شوية، مدت إيدها على الكومود، خدت الكارت اللي موجود عليه من امبارح، فضلت تبص عليه ثواني، بتفكر إذا كانت تعمل كده فعلًا ولا مش دلوقتي، بتردد فتحت موبايلها وفضلت تبص في الرقم المكتوب على الكارت وبعدين اتصلت...

عند يونس
كان قاعد في اوضته، ماسك صوره بتجمعه مع مامته وأخواته وباباه، ولسه لحد دلوقتي بيفكر وصوت سليمان لسه بيرن جواه كأنه بيعيد المشهد من أوله، لما سأل سليمان عن اللي يعرفه، سليمان وقتها سكت لحظة، بص حواليه كأنه بيدوّر على مخرج، وبعدين ابتسم الابتسامة الباردة اللي عمر يونس ما هينساها وقال
"إنت متحمس أوي يا يونس بس صدقني، قريب هتعرف اللي مش عارفه، وهتفهم كل حاجة بنفسك، انت مش محتاجني"
يونس اتقدم خطوة، الغضب في صوته واضح 
"أنا بسألك سؤال واضح، انت تعرف ايه بالظبط؟!"
سليمان رفع إيده كأنه بيهديه وقال بهدوء مصطنع
"اهدَى يا ابني، الكلام اللي انت عايزه مش هتسمعه مني، اصبر وكل حاجه مع الوقت هتعرفها"
" وانت عارف كل حاجه، ايه اللي يجبرني استنى، انت طول عمرك هنا وعارف كل حاجه"
سليمان ضحك ضحكة خفيفة وقال
"أنا مبقاش ليا شغل هنا يا يونس... اعتبر إن مهمتي خلصت."
يونس حاول يوقفه
"استنى! يعني إيه خلصت؟! مش هتمشي غير لما تجاوبني!"
سليمان بصله بغموض وقال وهو بيمشي
"كل حاجه في وقتها حلوه"
يونس سأله
" وليه محاولتش تنقذها، انت طول عمرك كنت مخلص ليها"
سليمان رد وهو بيبعد
" مقدرتش أنقذها هيا بس قدرت انقذكوا انتوا، وده كفايه بالنسبالها"
يونس فتح عينيه ورجع للواقع، قلبه بيخبط بعنف كأنه لسه خارج من نفس اللحظة دي، مسح على وشه بإيده وبص قدامه، عينيه فيها إصرار وغضب مكتوم.

حسام رجع البيت بالليل، كان في نور خفيف والجو ساكت وهادي، أول ما دخل شم ريحتها، وقف لحظة في مكانه، قلبه ضرب بعنف، فريده اول ما سمعت صوت المفتاح في الباب قلبها دق بسرعه، وقفت ورفعت عينيها بسرعه ناحية مدخل الصاله.
حسام اخد نفس عميق، دخل بخطوات بطيئة، كان واضح عليه التعب بس عينيه أول ما وقعت عليها ملامحه اتغيرت تمامًا، كانت واقفة عند بداية الصالون، لابسة فستان بسيط وناعم بلون هادي، كان مِلكيّ عليها، ووشها فيه هدوء غريب، مزيج بين التوتر والحب، إيديها متشابكة قدامها وبصاله بتردد
حسام وقف مكانه، نسي نفسه للحظه وهو شايفها قدامه، مكنش متوقع يشوفها انهارده وخصوصًا كده... بالجمال الهادي اللي خلاه يقع في أشباكها من أول يوم شافها فيه، عينيه لفت في المكان وشاف السفره اللي متحضره بعناية وعليها شموع وورود، ابتسمت بخجل وقالت بصوت واطي
"وحشتني يا حسام."
وقف مكانه، مش قادر يرد ولا حتى يتحرك، نظرته ليها مزيج من دهشة واشتياق، قرب منها بخطوات بطيئة، عيونه متعلقة بيها وقال بهدوء
"رجعتي؟"
هزت راسها بابتسامة فيها لمعه وقالت
"رجعت... رجعتلك."
حسام وقف مكانه، ملامحه متجمدة، لا اتكلم ولا حتى ابتسم، مشي بخطوات هادية ناحية الأوضة من غير ما يقول ولا كلمة زياده.
فريدة فضلت واقفة مكانها، ابتسامتها اتهزت بس حاولت تفضل متماسكة، نادت عليه بصوت واطي متحشرج 
"حسام..."
مردش ودخل الاوضه، فريدة وقفت لحظة مكانها، بتحاول تستوعب رد فعله البارد، قلبها وجعها من بروده، بس خدت نفس عميق وقررت متستسلمش،
بخطوات هادية لكنها متوترة راحت واره، الباب كان مفتوح نص فتحة، خبطت بخفة وقالت بصوت فيه رجاء خفي
"ممكن أدخل؟"
حسام كان واقف عند الكومود بيقلع ساعته ووشه في المراية، باين عليه إنه بيحاول يخبّي كل حاجة جواه بس انعكاس عينيه في المراية فضحه... كان باين عليه التوهان والوجع، سكت تمامًا وتجاهل طلبها كأنه مش سامعها اصلا، فريدة وقفت ثواني، لما شافت تجاهله حست بضيق بس دخلت بخطوات بطيئة وقفلت الباب وراها بهدوء.
قربت منه شوية وقالت بصوت واطي
" علفكره انت وحشتني جدا"
بصلها وقال ببرود
"واضح."
حاولت تقرب بس هو رجع خطوه لورا وقال وهو بيحاول يسيطر على صوته وعلى نفسه
" فريده... متقربيش"
بلعت ريقها بصعوبه وقالت بخفوت وعيونها بتلمع بدموع
" ليه بتعمل كده؟ مش قادره اصدق انك حسام، للدرجادي بجد؟!"
حسام بعد خطوه، هيا مش فاهمه انها كل ما تقرب حصونه بتنهار وهيضعف قدامها وهو مش عايز كده.
فريده قالت بصوت هادي
"أنا غلطت عارفه، بس انا راجعه أصلح غلطي ده، راجعه عشان اقولك اني من غيرك ضايعه والله"
خدت نفس عميق وقربت منه خطوة لحد ما بقت قدامه تمامًا، بصتله بترجي وقالت 
" مش عايزه اعيش من غيرك ابدا، مش عايزه يونس يعدي من غير ما اسمع صوتك، مش عايزه حياتي لو انت مش فيها، كنت فاكره اني ممكن اعيش من غيرك، بس اتضح إني ولا حاجة من غيرك."
كلامها خبط في قلبه بس حاول يفضل متماسك، قال بصوت هادي مرتبك
"فريدة... كفاية."
هزت راسها وقالت بإصرار
"لاء مش كفايه، أنا كل يوم كنت بصحي على أمل انك تكلمني، حتى لو كنت غلطانه، بس محصلش، لقيتك نسيتني، كنت بحاول أصدق إنك مش فارقلي بس مقدرتش، أنا كنت بموت في اليوم ألف مرة من غيرك."
قربت أكتر، همست بصوت واطي جدًا
"أنا بحبك يا حسام."
حسام وقف مكانه كأنه اتجمد في اللحظه دي، كل الأصوات حواليه اختفت حتى أنفاسه بقت تقيلة، الكلمة اللي سمعها منه كانت كفيلة تهد كل اللي بناه من جفا، كانت بتتردد في ودانه كأنه أول مرة يسمعها في حياته.
مخه عطل عند الكلمه دي بالرغم من انها كملت
"كنت عنيدة وغلطت، وعرفت إني مهما كنت بحب شغلي، مفيش شغل في الدنيا ينسيني وجودك،
إنت مكاني الآمن، إنت راحتي."
سكتت لحظة، بصت في الأرض وقالت بصوت مبحوح
" مش عايزه اخسرك"
حسام قرب منها، بصلها بصدمه وهمس بصوت مبحوح
"قولتي إيه؟"
بصتله وقالت بخفه
"أنا قولت كلام كتير."
قرب أكتر، المسافة بينهم بقت شبه معدومة، قال بصوت خافت جدًا
"آخر حاجة قولتيها إيه هيا؟"
نزلت راسها للأرض وقالت بخجل
"خوفت أخسرك."
مد إيده ورفع وشها بإيده، بص في عينيها وقال
"اللي قبلها."
ابتسمت بخفة وقالت
"قولت إنك أماني... وإنك راحتي."
همس وهو بيقول بإصرار كأنه بيتوسل يسمعها مرة تانية
"اللي قبلها يا فريدة... اللي قبلها."
ابتسمت ابتسامة صغيرة وسط دموعها، رفعت عينيها ليه وقالت بهمس واضح وصادق 
"قولت اني بحبك يا حسام... بحبك."
في اللحظة دي كل التماسك اللي كان متمسك بيه وقع، عينيه لمعت، اتنفس بقوة، ضمها لصدره بقوة ودفن وشه في رقبتها وهو بيقول 
"اخيرا يا فريده!... اخيرا"

تاني يوم
فريدة كانت عند تيم، بتحاول هيا كمان تكلمه وتكون داعم ليه، قاطعها فونها اللى رن برقم د. نورين اللي كلمتها عن حالته، لما عرفت إنها وصلت المستشفى، خرجت بسرعه تقابلها، اول ما شافتها ابتسمتلها ورحبت بيها بحراره
فريدة سألتها بقلق
"تفتكري لو حس أننا جبناله دكتوره نفسيه هيأثر عليه؟"
نورين بصتلها بتفهم وقالت
"هو ممكن يستغرب في البداية، خاصة إنك قولتيلي إن مامته كانت رافضه أنه يتعالج، بس دلوقتي أنا عايزة أفهم كل حاجة عنه، انتي حكيتلي الوضع باختصار، بس انا حاليا محتاجة أعرف كل التفاصيل من البداية لحد دلوقتي، كل حاجه يا فريده"
فريدة أومأت وقالت بابتسامة خفيفة
"تمام، وأخته كمان هتكون معاكي وهتجاوبك على أي سؤال تحتاجيه."
نورين ابتسمت وقالت
" هيكون افضل كتير"

عند يونس
كان قاعد في أوضة صابرين وحاسس بالضيق، بيدور في كل حاجة عندها بمكن يلاقي اي أثر يوصلّه بالناس دي، فونه رن قطع شروده، وشه اتغيّر لما شاف اسم يسر على الشاشة، رد بصوت متحشرج
"نعم؟"
يسر جه صوتها الناحية التانية، صوتها كله حنية وخفه
"ايه الاخبار؟ عامل ايه؟ احسن دلوقتي؟"
يونس قال بحزن وصوت مكسور
"عمري ما هكون كويس بعد دلوقتي يا يسر، صعب."
يسر سكتت لحظه وبعدين قالت بحزم وحنان مع بعض
"مفيش في إيدك حاجه تعملها يا يونس، خلاص انسى كل اللي فات وابدأ صفحة جديدة."
قال وعينيه بتلمع بالغضب والوجع
"مش هقدر، انا السبب وانا اللي هجيب حقها."
يسر قالت بصوت قاسي وهيا بتحاول توضحله الحقيقه بدون تهويل 
"يونس، حسب اللي فهمته إن مامتك ملهاش حق، اللي حصل كان بشع واعتقد إنها عارفه إن دي نهايتها في الاول وفي الاخر، مفيش أصلا حق عشان يرجع، إلا لو انت عايز نهايتك تبقى زيها وتحرمني منك، وقتها عمري ما هسامحك."
يونس اتنهد، قال بقهر
"بس انا مش قادر أسامح نفسي يا يسر، مش قادر."
يسر حاولت ترجعه عن قراره وقالت
"بس انت معملتش حاجة غلط بالمعنى اللي انت بتحسبه، انت مأجبرتهاش على كده يا يونس، بلاش تحمل نفسك غلط مش بتاعك، عمرك ما هترتاح لو فضلت عايش في الشعور ده، اللي حصل خلاك إنسان تاني، استغل الإنسان ده في حاجة كويسة، انزل اشتغل، امسك مكان أخوك، حاول تحسّن حياتك، فكّك من صحابك القدام، وفكك من الحزن اللي انتي فيه ده، الحياة مبتقفش على حد، شوف اللي مستنيك، حاول تصلّح نفسك بدل ما تفكر في انتقام ملوش اي لازمه، عشان خاطري يا يونس."
سكت لحظة يحاول يستوعب كلامها وقال بانكسار
"طب... خليكي جنبي."
يسر مترددتش لحظه وقالت بحنان
"أنا جنبك وعمري ما هسيبك، بس عايزة أشوف يونس مُختلف عن دلوقتي، توعدني إنك هتحاول؟"
سكت واخد نفس عميق فقالت بإصرار
" يونس؟ قولت ايه؟!"
اتنهد وقال
"طيب، أوعدك."

عدت الأيام ووالأوضاع بدأت تستقر إلى حد ما، تيم كان في تحسن واضح بالرغم من أنه مازال محتاج رعايه واهتمام، سالي وفريده ونورين كانوا واقفين حواليه في يوم، نورين قاعده بتسألهم شوية حاجات عن تيم، وبعد لحظات لاحظوا أنه بدأ يفتح عينيه ببطء وحذر...
كان قاعد على السرير بنفس الوضع بقاله ساعات، أو يمكن ايام، ضهره للباب وعينيه في الولا حاجه، ملامحه هادية بس هدوءه وراه عاصفه قويه، نَفَسه بطيء، إيده مضمومة على بعض كأنه بيحاول يمسك نفسه من الانهيار، من ساعة ما عرف إنها ماتت وهو اتكسر بمعنى الكلمة، ولا كلمة خرجت منه من ساعتها، كأن حياته وقفت عند النقطه دي.
مهما كان مين اللي دخله وبيحاول يخليه يتكلم، بس هو ثابت، لا رد ولا حركه، كان ساكت تماما كأنه مش في الدنيا.
من ساعة ما فاق من الغيبوبه وهو بيسأل عنها، مامته، بس دايمًا كان بياخد إجابات مبهمة، وبرغم إحساسه بالحقيقه المُره بالنسباله كان بيكرر السؤال لحد ما اضطرّوا يقولوله الحقيقة في الاخر، ومن اللحظة دي، كأن كل حاجة اتجمدت جواه، ملامحه اتسحب منها الروح، وصوته اختفى.
الدكاترة قالوا إن الصدمة كانت عنيفة عليه، وإن السكوت ده رد فعل طبيعي... بس بالنسباله خسارة أمه كسرت فيه حاجة محدش قادر يصلحها، حاجة سكنت جواه ومش عايزة تتحرك.
وبرغم المحاولات العديدة من كل اللي حواليه عشان يخرجوه من الحالة دي ويخلوه يرجع يتكلم بس هو قرر يعيش في الصمت بعيد عن كل الناس.

نور دخلتله وشدت كرسي وقعدت جنبه، بصتله بحزن وقلق بس هو حتى ما اتحركش ولا رمش، قالت بنبرة ناعمة وهي بتحاول تبين هدوءها
"تيم... عارفه إنك سامعني، حتى لو مش عايز ترد، أنا بفكرك إن وجودي هنا مش علشان أضغط عليك، أنا هنا علشانك."
قامت من مكانها، اتقدمت خطوتين ووقفت جنبه، بصتله وقالت بهدوء
"أنا مش هسألك النهارده، ولا هتكلم عن أي حاجه... أنا بس نفسي تطّلع اللي مكتوم جواك وتتكلم انت، حتى لو هتقول كلمه"
هو كان ثابت لا بصلها حتى ولا اتكلم، نورين عضّت شفايفها بخفّة، قعدت جنبه وقالت
"مفيش دكتور في الدنيا هيحس بيك زيي يا تيم... عايزاك تديني الأمان، اتكلم"
سكتت، فضلت تبصله كأنها مستنية منه معجزة، لكن هو ولا تحرك، ولا حتى رمش....

تاني يوم
الباب خبط خبطتين خفاف قبل ما يتفتح، نورين دخلت بابتسامه بسيطة وقالت 
"عندك ضيف."
لكن كالعادة، ولا كأنه سمعها، نفس النظرة الفاضية ونفس الصمت...
حاولت تحافظ على هدوءها وقالت بلُطف
"مش هيطوّل، ٥ دقايق وهيمشي."
فتحت الباب أوسع ويونس دخل بخطوات مترددة، بص لنورين اللي ادته إشارة خفيفة وبعدها خرجت وسابتهم لوحدهم.
يونس وقف مكانه، عينيه على تيم اللي قاعد في نفس الوضع، عينه في الأرض ومفيش أي رد فعل، يونس اتنهد وقال بصوت واطي جدًا
" وحشتني جدًا"
يونس فضّل واقف مكانه شوية، بيتأمل أخوه اللي كان زي التمثال.. لا بيتحرك، لا بيتكلم، ولا حتى بيبصله.
قرب منه خطوتين وقال بصوت مبحوح 
"كنت دايمًا تقول إنك أقوى واحد فينا... طب فين القوة دي دلوقتي يا تيم؟"
وقف جنبه، بص عليه والوجع مالي ملامحه
"أنا مش جاي ألومك، ولا جاي أقولك قوم ولا اتكلم... أنا جاي أقولك إننا كلنا بننهار، بس انت انهيارك بيوجع"
قعد جنبه وقال بخفوت
"فاكر لما كنت بتقولي إنك عمرك ما هتسمح للوجع يسيطر عليك؟ طب بص لنفسك دلوقتي"
سكت لحظه وبعدين قال
" بس قولت انك شايل كتير جواك، يا ترى لسه شايل ولا حسيت انك دلوقتي تقدر تعمل كل حاجه كنت ممنوع تعملها"
تيم متحركش، نفس التجمّد، نفس النفس القصير اللي بيطلع بصعوبة كأنه بيحارب عشان يفضل عايش بس مش عايز.
يونس عض شفايفه وقال بحزن
"مامتنا ماتت... وأنا مش قادر أنسى اللي حصل، بس أكتر حاجه وجعاني هيا سكوتك، عايزك معانا... كلنا مستنيين منك كلمه"
سكت لحظه وبعدين كمل
"أنا محتاجك، محتاجك معايا لأني موجوع انا كمان، مش قادر اتخطي آخر فتره في حياتي"
وقف، مد إيده ولمس كتف تيم بخفة وقال بصوت مكسور
"أنا مش هسيبك، فاهم؟ حتى لو قعدت كده سنين، أنا مش هسيبك."

يوم جديد 
نورين كانت قاعدة مع سالي وفريده جت، نورين بصتلها وقالت بواقعيه
"مش ناويه تتكلمي مع تيم؟"
فريدة هزت راسها بسرعة وقالت
"لاء، مش شايفة إن وجودي هيفيده... بالعكس، ممكن يأثر عليه بالسلب، هسمع أخباره من بعيد."
نورين رفعت حاجبها وقالت بهدوء
"أنا مش بتكلم عن عاطفة دلوقتي، بتكلم عن استجابة ذهنية، أوقات المريض لما يسمع صوت مألوف بيحصل تحفيز بسيط للمخ، حتى لو مبانش عليه، فيمكن يكون ليكي تأثير"
سالي سألتها بقلق
"يعني شايفة انها تشوفه؟"
نورين ردت بجدية
"مش شرط طبعا، بس عندنا احتمال ولو بنسبة ١٪ أنه يستجيب، فليه لاء"
فريدة قالت وهي بتحاول تهرب بنظراتها
"أنا مش جاهزة، مش عايزاه يشوفني تاني ولا عايزه ادخل حياته تاني"
نورين اكتفت بهزة بسيطة من راسها وقالت
"زي ما تحبي، بس خليكي عارفة إن العلاج ساعات بيحتاج مواجهه معاه، عموما الرأي رأيك"

اخر اليوم
فريدة رجعت البيت، دخلت بخطوات هادية، دخلت ولقت حسام رايح جاي في الصالون، رفعت حاجبها باستغراب وقالت وهي بتحاول تخفف التوتر بصوت طبيعي
"انت جيت بدري ليه؟"
ؤفع عينه ليها بنظرة جادة وقال
"انتي اللي جايه متأخر، كنتي فين؟"
سكتت لحظة وبعدين قالت بهدوء
"طب ممكن نتكلم؟"
سألها بنبره مشدوده
"كنتي فين يا فريدة؟ عديت عليكي في المستشفى بس عرفت إنك خرجتي."
أخدت نفس عميق وقالت مرة تانية وهي بتحاول تهدي الوضع
"ممكن نتكلم لو سمحت؟"
قعد على الكنبه وقال بهدوء ظاهري
"تمام، اتفضلي."
قربت منه، قعدت جنبه بعد تردد بسيط، قالت بارتباك واضح
"مش عارفة المفروض أقولك ولا لاء كل اللي هقوله، ومش عارفة الصح إنّي أخبي معظم الكلام ولا أواجهك بيه كله، بس أنا مش هخبي عليك حاجة، هحكيلك كل حاجة من الأول لحد دلوقتي."
عينيه اتعلقت بيها، ملامحه اتبدلت بين قلق وترقب، سألها بصوت خافت
"فيه إيه يا فريدة؟ إيه اللي حصل؟"
أخدت نفس تاني كأنها بتستجمع شجاعتها وقالت
"طبعًا انت عارف إن ماما وخالتو اتفرقوا من زمان، من ساعة ما كل واحدة فيهم اتجوزت، ومكانوش يعرفوا أي حاجة عن بعض، لحد ما بالصدفة... أو يمكن مش صدفة زي ما بنقول في العادي، أنا روحت أتابع مع يونس لأن سالي طلبت مني كده، قدام الكل كانت صدفه اني جيت اتابع مع يونس بس الحقيقة إن سالي هي اللي دورت عليا مخصوص، كانت متخيلة إن لما تدخل البيت بنت زيي، بنت أخت مامتها اللي مفتقداها ومش لاقياها، الدنيا ممكن تتغير شوية."
سكتت لحظة وكملت بصوت أهدى
"سالي كان عندها فضول تعرف سبب إن مامتها مانعة أي بنت تدخل البيت وطلبت مني أساعدها، وأنا مكنتش أعرف إنها دورت عليا مخصوص وأنها تعرف اصلا من البدايه اني بنت خالتها، هيا قالتلي بعد فتره"
حسام كان ساكت، نظراته مليانة أسئلة بس سابها تكمل.
"بالنسبالنا كان تيم هو المفتاح... لأن مامته كانت مانعاه هو بالتحديد إنه يقرب من أي بنت أو حتى يتعامل معاها، وسالي قالتلي إن تيم عارف كل حاجة عن مامته بس عمره ما هيتكلم حتى لو هيموت، فكان لازم أقرب منه، سالي حاولت كتير تقنعني أقرب منه، وأنا في الأول كنت مترددة، بس اقتنعت في الآخر."
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي بتفتكر
"وبالرغم من إنه كان رافض وجودي جدًا في البداية، وحاول بكل الطرق يخليني أمشي، ده خلاني أصمم أكتر إني أكون موجودة، كنت بحاول أضايقه أوقات، أستفزه، يمكن أطلع منه أي حاجة، بس اللي حصل العكس، ساب البيت ومشي هو، وقتها كانت مامته مسافرة، مش في البيت."
سكتت، كأنها بتحاول تجمع أنفاسها قبل ما تكمل الباقي، أخدت نفس عميق، صوتها كان هادي بس جواه توتر واضح وهي بتقول
"وبس، فضل بره البيت لحد ما مامته جت أخيرًا، وطبعًا لما عرفت إن في بنت في البيت كانت بتهاجم سالي جدًا وطلبت منها تمشيني، قررت أنزل أواجهها، بس أول ما شوفتها اتخضّيت، اتلغبطت، كنت عارفاها من الصور، ماما دايمًا بتحكي عنها، بس عمري ما كنت متخيلة أشوفها قدامي وخصوصا في الوقت ده، وقتها سالي مكانتش لسه قالتلي إنها تعرف من بدري اني بنت خالتها، أنا كنت فاكرة إن كل حاجة صدفة، بس بعدين عرفت إنه لاء، كل حاجة كانت مترتبة من سالي، يونس وقتها كان فاضله حاجه بسيطة ويقوم، فسابتني الفتره دي، وبرضو تيم كان رافض وجودي جدًا... ومعرفش السبب كان إيه."
حسام كان قاعد قدامها، وشه بيتغير مع كل كلمة، عضلة فكه شدت ونظراته بقت حادة.
فريدة كملت من غير ما تبصله، كأنها عايزة تخلص الكلام قبل ما تتراجع
"فترة منهم عرفت علاقة ماما بعلي وكنت متضايقة، وتيم وقتها كان مهتم شوية بس الموضوع كان حساس بالنسبالي، المهم إن الفترة اللي كنت بتابع فيها مع يونس خلصت، واليوم اللي مشيت فيه، انت ظهرت فيه لو تفتكر"
رفعت عينيها ليه لحظة وقالت بنبرة هادية
"وبالرغم من إني خلاص مشيت من عندهم، سالي فضلت متابعة معايا وبنحاول برضو نعرف السبب ورا حكم أن مفيش بنت تدخل البيت، سالي طلبت مني أقرب من تيم وده فعلاً اللي كنت بعمله، بالرغم من كلامه اللي كان جارح بس كنت بحاول أقرب منه، لحد ما في مرة قال كلام مقدرتش أعديه، ومن وقتها قررت إن مليش علاقة بيه مباشرة، آه هساعد سالي، بس مليش دعوة بتيم."
في اللحظة دي، حسام اتنفس بصعوبة، حاول يخفي ضيقه بس كان واضح على ملامحه، أيده كانت بتتحرك بعصبية، سأل بصوت حاد
"كنتي بتحاولي تقربي منه؟"
فريدة قالت بهدوء
"كنت بحاول أفهمه مش أكتر."
بس عينيه قالت كل حاجة، كانت نظرة غيرة وغضب...
فريدة كملت بعد لحظة صمت
"وقتها كنت بكلم صاحبتي، دكتورة نفسيه، كنا بنحاول نفهم تيم... هي كانت بتقولنا حالته إيه بالظبط وإزاي نتعامل معاه، وقالت إنه أكيد بيفرغ كبته ومشاعره في مكان ما، وسالي قررت تراقبه، حطت كاميرات في أوضته وفضلت تتابع لحد ما عرفت إن عنده أوضة سرية جوه أوضته."
سكتت فريدة بعدها، وصوتها وطي شويه وهيا بتكمل
"دخلنا الأوضة بصعوبة، وأول حاجة شوفناها كانت صور لبنت تيم بيحبها، البنت دي مرسومة بدقة، وكذا مرة، بس مكانش ده المهم بالنسبالنا، المهم اللي بعده، لأن تيم تقريبًا كان راسم حياته كلها، كل سنه راسم الأحداث المهمه اللي حصلت في السنه دي"
سكتت لحظة وبعد كده كملت بابتسامه للذكري
"وقتها كنت انت بتحاول تقرب مني كتير، وعرضت عليا الجواز"
كملت 
"وأنا كنت مشغولة في اللي شوفناه، لأن اللي عرفناه كان صعب."
حسام كان ساكت، ملامحه مش مفهومة، بس سامع كل كلمه، فريده قالت مباشرةً
"صابرين كانت بتستدرج البنات في بيتها من زمان... بتخدرهم وتبيعهم لتجار أعضاء في الدارك ويب."
حسام اتصدم، اتجمد مكانه، صوته خرج مخنوق
"إيه اللي بتقوليه ده يا فريدة؟!"
قالت بهدوء رغم رجفة صوتها
"عارفه، صدمه... بس دي الحقيقه، لما عرفت أن سالي عرفت ده، حبستها، لحد ما سالي قررت تسافر لجوزها، والموضوع اتقفل، والوضع استقر تقريبا في الفتره دي، واتجوزنا بعد كده... بس اللي حصل بعد كده مكانش في الحسبان."
سكتت ثواني، بصتله وقالت بخفوت
"سالي رمت كلام خلى يونس يشك، فدور ورا مامته لحد ما لقاها ماسكة ورق على كل الناس اللي شغالة معاها، ومعاها سي ديهات للبنات اللي كانت بتبيعهم، يونس قدم الورق ده للنيابة عن طريق شخص مجهول، واللي حصل إنهم قتلوها أول ما الورق ده اتسلم، وتيم وقتها كان في غيبوبة اصلا، بس هو دخل الغيبوبه دي لأنه عرف إن البنت اللي بيحبها اتجوزت صاحبه، ودلوقتي حامل."
كلامها الاخير خرج منها بهدوء، بس معداش وقت كتير عشان حسام يحلله ويستوعبه، ويفهم أن البنت اللي بتتكلم عنها دي تكون هيا، ملامحه اتبدلت فجأة، قلبه بدأ يدق بعنف، ووشه اتشد بعصبية حادة، بصلها بنظرة مميتة، صوته خرج واطي بس مليان غضب مكتوم
"البنت دي... انتي؟"
فريده سكتت، معرفتش ترد، اكتشفت أنها اعترفت من غير ما تنطق، وشه باين عليه الغضب وهو بيقرب منها وقال بصوت متقطع من العصبية
"وانتي... بتحبيه؟!"
قالت بسرعة
"أكيد مش زي ما انت متخيل!"
ضيق عينيه وسألها بنبرة فيها وجع
"إزاي؟ طب ليه ما قولتليش قبل ما نتجوز؟"
قالت وهي بتحاول تهدي أنفاسها
"حسام اسمعني، أنا كنت..."
قاطعها بعنف، صوته عليّ وهو بيحاول يكتم القهر اللي جواه
"لو كنتي قولتيلي من الأول كنت عرفت أتعامل، كنت فهمت! هو أنا أجبرتك تتجوزيني؟ كنتي رفضتيني وكنت هقدر أعيش مع ده، كنت هتعامل، بس دلوقتي... دلوقتي!"
قربت منه، مسكت وشه بين ايديها اللي بترتجف وقالت
"حسام، اسمعني، المشاعر دي من طرف واحد بس، عمرها ما كانت ممكن تنجح، أنا مش بحب غيرك، فاهمني؟ تيم بالنسبالي شخص انا بساعده، حاسة بالذنب ناحيته، لكن قلبي... اختارك انت."
اتنفس بقوة، أنفاسه كانت متقطعة وهو بيحاول يصدقها، قال بصوت مبحوح من وجعه وهو بيستوعب
"علشان كده علاقتنا في بداية جوازنا كانت فاترة... انتي عمرك ما حبتيني، انتي أكيد بتحبيه هو... أنا كنت مغفل."
هزت رأسها بعنف، دموعها نزلت وهي بتقول
"أقسم بالله بحبك انت، ومقدرش أعيش من غيرك، والله العظيم عمري ما كان في حاجة بيني وبينه، أنا حكيتلك كل اللي حصل بالظبط، انت بالنسبالي أغلى شخص في حياتي، يا حسام صدقني..."
سكت، بس نظرته كانت مليانة انكسار، كأنه شايف الحقيقة لأول مرة ومش قادر يواجهها.
فضل ساكت، مفيش ولا كلمة بتطلع، كأنه بيحاول يصدقها وفي نفس الوقت كل حاجة جواه بتصرخ بالعكس.
قرب خطوة منها، وقال بصوت واطي كله وجع
"انتي مش فاهمة انا كنت بحبك قد إيه، كنت شايف فيكي كل حاجة، كنت متطمن وانتي جنبي، ولما قولتيلي إنك اخترتيني صدقتك، بس دلوقتي كل اللي جوايا بيقولي إني استبن"
فريدة مسحت دموعها وهي بتقوله بسرعة، بتحاول تمسك أعصابه قبل ما ينهار أكتر
"لاء، لاء يا حسام متقولش كده، انت عمرك ما كنت كده، انا مش بكدب"
ضحك ضحكة قصيرة وقال بسخريه
"بس هو لسه في بالك، مش كده؟ لسه مهتمه بيه"
فريدة قربت منه أكتر، مسكت إيده بكل قوتها وقالت بصوت متقطع
"هو مكانش في بالي ابدا، كان في ضميري، كنت عايزة أساعده، أخلصه من اللي هو فيه مش أكتر من كده، والله انا بحبك يا حسام، وعمري ما خنتك حتى بنظرة."
بصلها وبعدها سحب إيده بهدوء وقال بصوت هادي ظاهري
"الخيانه مش دايمًا فعل، أوقات بتكون سكوت، وأوقات تانية بتكون مشاعر اتخبت جوه القلب."
سكت لحظة وبعدها كمل وهو بيبص بعيد عنها
"أنا محتاج وقت يا فريدة، محتاج أفهم أنا فين... وإنتي فين."
قالها ومشي ببطء ناحية الباب.
فريدة قالت وهيا بتحاول تمنعه
"لو سبتني هموت يا حسام."
عينيها كانت مليانة دموع، صوتها بيترعش بين الخوف والرجاء، بس هو خرج من البيت بسرعة، وهيا فضلت واقفة مكانها لحظة، بتحاول تستوعب اللي حصل، وبعدها قعدت على الأرض وهي بتعيط، لأنها مكانتش متخيله الأمور توصل لهنا.

حسام خرج من البيت بخطوات سريعة، عينيه مليانة غضب، فتح باب العربية بقوة وركب، وصل بيت اهله، دخل من غير ما يبص لحد، لا سلَّم ولا نطق بكلمة، طلع سلالم البيت بخطوات سريعه ودخل أوضته وقفل الباب وراه بقوة.
مامته اتفزعت من اللي حصل وقالت
"فيه إيه؟ شكله مش طبيعي، أنا هطلع أشوفه."
لكن بابا حسام وقفها وقال بحزم وهو بيحاول يخفي قلقه
"سيبيه دلوقتي"
قالت بعصبية وقلق حقيقي باين في صوتها
"بس وضعه مبقاش عاجبني، عايزة أعرف في إيه وماله؟!"
بصّلها وقال بهدوء ممزوج بحزم
"سيبيه دلوقتي يا منى، الولد شكله متضايق، اكيد جه هنا علشان عايز يقعد لوحده"
سكتت ورجعت قعدت مكانها تاني وهيا حاسه بقلق.

فريدة كانت قاعدة على الأرض في الصالة، بتعيط وندمانه على كل اللي قالته، كانت ممكن تخفي اخر جمله بس هيا حبت تعرفه كل حاجه كامله، فضلت قاعده مكانها وقت طويل، الوقت عدى وهيا لسه مكانها
بدأ النهار يطلع وحسام رجع اخيرا، فتح الباب وهيا اول ما سمعت صوت المفتاح في الباب قامت بسرعة، حسام دخل وفريده من غير ما تفكر جريت عليه وحضنته بقوة، بس هو فضل واقف مكانه، جسمه متصلب، بعد لحظة، فريدة بعدت عنه بهدوء.
حسام بِعد شويه وقال بصوت واطي بس ثابت
"أنا فكّرت."
وقفت مكانها، عينيها كلها ترقب مستنياه يتكلم، قال بعد لحظه
"اختاري يا فريدة... يا أنا، يا تيم."
الصمت ساد على المكان، قرب منها خطوة وقال
"أنا مش هجبرك على حاجة، بس طول ما انتي معايا، عمري ما هقبل إنك تقربي من تيم تاني... أبداً."
فريده سكتت وهيا بتحاول تستوعب كلامه، هو خد نفس هادي وقال بنبرة أقل حدة.
"أنا مش عايز أظلمك يا فريدة، بس أنا مش هقدر أعيش وأنا عارف إن في حد تاني واخد مساحة في حياتك، حتى لو احساسك ناحيته شفقه، أنا بحبك، بس مش هقدر اسمح لحد تاني مهما كان يشاركني فيكي، خدي وقتك، بس لازم تختاري، لاني كراجل كرامتي متسمحليش اسيبك تساعدي واحد انا عارف كويس اوي ايه مشاعره ناحيتك"
وسابها ومشي...
فضلت واقفه مكانها بتبص لطيفه وهيا بتحلل كلامه... اتنهدت وقعدت على اقرب كرسي وهيا بتفكر تعمل ايه.

يونس صحِي بدري، أول ما فتح عيونه مد إيده على الفون اللي على الكومود، أول ما فتحه لقا رسالة من حسام، فتحها بسرعة ولما قرأ الرساله رن عليه بسرعه، الفون رن شوية قبل ما حسام يرد أخيرًا.
يونس قال بنبرة متوترة
"إيه اللي انت باعته ده يا حسام؟"
حسام قال بهدوء
"أنا آسف يا يونس، بس أنا مش هقدر أكمل في الشراكة دي."
يونس رفع صوته شوية وقال
"بس ليه؟ إيه السبب؟ في حاجه حصلت؟ حاجه مضيقاك"
حسام قال بنبرة هادية كأنه كان محضّر الكلام ده من بدري
"اهدَى يا يونس، مفيش حاجه والله، بس بابا محتاجني معاه اليومين دول، ولما لقيت نفسي مش قادر أوازن بين الشركتين قررت أنسحب."
يونس قال بسرعة
"بس ليه كده؟ وليه دلوقتي؟ وليه سايبلي كل حاجه وأنت عارف إن تيم حالته مش تمام الفتره دي؟"
حسام قال باعتذار
"اعذرني يا يونس، والله غصب عني، إنت عارف إني عمري ما اتأخرت لا عليك ولا على تيم في أي حاجه، بس لما أقولك إني مش قادر أكمل، يبقى فعلاً مش قادر ثانية زيادة."
يونس هز راسه وقال 
"أنا فاهم، بس إنت عارف إن الشغل ده مش مجالي أصلاً، وإن نزولي كان عشان أغير من نفسي، دلوقتي أعمل إيه؟"
حسام قال وهو بيحاول يطمنه
"متقلقش، مش هسيبك لوحدك كده، في واحد صاحبنا ثقة جدًا، كان عايز يدخل معانا من الأول، بس وقتها إحنا مكناش حابين حد يدخل، هديه الأسهم بتاعتي، وهو فاهم الشغل كويس جدًا، يعني متخافش."
يونس اتنهد وقال
"طيب ماشي، لو كده تمام، بس إنت عارف غلاوتك عندي وقد إيه كنت عايزك تكون معايا في كل ده."
حسام قال بخفّة
"معلش يا حبيبي، ظروف بقى."
يونس سكت لحظه، صوته اتغير وقال بضيق حقيقي
"ظروف إيه يا حسام؟ وليه كلامك محسسني إنك بتقفل باب كده ومش ناوي تفتحه تاني؟"
حسام اتنهد وقال
"مش قصدي كده والله يا يونس، بس أوقات في حاجات بتجبرك تاخد قرارات انت نفسك مش مقتنع بيها، أنا كنت أتمنى أكمل معاكوا، بس كل حاجه دلوقتي متلغبطة."
يونس قال
"طب ما تيجي نتكلم وش لوش؟ افهم إيه اللي مضايقك، يمكن نلاقي حل."
حسام رد بسرعة
"مش هينفع دلوقتي صدقني، خلينا كده أحسن وكل حاجه هتوضح بعدين."
يونس قال
"ماشي يا حسام... انت ادرى"
حسام سكت لحظه وبعد كده قال بنبره خافته
"ابقى طمني على تيم دايمًا بالله عليك."
يونس سأل باستغراب
" ليه انت مش ناوي تتطمن عليه بنفسك؟!"
حسام قال
" سيبها بظروفها"
يونس رد
" طيب براحتك، مع السلامه"
قفل يونس مع حسام ورمى الفون قدامه، قعد ثواني ساكت كأنه بيحاول يهدّى نفسه، بعد شويه مد إيده للفون تاني ورن على يسر، مردتش عليه اول مره، زفر بقوة، رن تاني ولما ردت سأل بضيق 
"يسر... مش بتردي ليه؟"
بعد لحظه سمع صوتها أخيرًا، كان مبحوح وضعيف جدًا، بالكاد بيطلع
"يونس..."
قال بسرعه
"ايه يا يسر، مالك؟ صوتك عامل كده ليه؟ في ايه؟"
ردت بخفوت
"ياسمين..."
سأل بترقب
" ياسمين اختك؟"
قالت وهيا يادوب بتحرك شفايفها
"ياسمين... ياسمين ماتت يا يونس."
فريدة دخلت المستشفى اللي فيها تيم بخطوات هادية، برغم هدوء خطواتها بس قلبها كان شغال على غير العاده، بيدق جامد وكأنها داخله مسابقه حياتها مرهونه على فوزها، لما وصلت عند أوضته طلبت من نورين تدخل لوحدها، نورين احترمت ده وسابتها تدخل لوحدها.
فتحت الباب بهدوء ووقفت لحظه بتبصله، تيم، اللي دايما كان ثابت وقوي وبارد، بقا دلوقتي مجرد ظل منه، ضعيف، ملامحه مطفية...
قربت منه بخطوات بطيئة، كل خطوة كأنها بتسحب منها نفسها، سحبت كرسي وقعدت جنبه، نظراتها عليه مليانة وجع مش قادرة تخفيه.
سكتت شوية كأنها بتحاول تلاقي الكلمات المناسبة وبعدين بدأت كلامها بصوت واطي مهزوز
" اترددت كتير اوي اجيلك واتكلم معاك ولا لاء، وفي الاخر جيت"
خدت نفس قصير وعيونها نزلت على الأرض وكملت
"مكنتش حابه ابدا انك تشوفني تاني، ومازلت طبعا، بس المره دي اخر مره اشوفك وتشوفني فيها، علشان كده جيت"
صوتها بدأ يترعش وهي بتكمل
" انا، انا حاسه بحِمل تقيل اوي على قلبي، لو تفتكر رفضك ليا اول ما بدأت اظهر في حياتك، تقريبا حياتك كانت مستقره قبل ما اظهر، بس طبعا مكانتش حياتك المثاليه اللي كنت عايزها، وبالرغم من كده كنت قابل بيها وكنت خلاص اخدت عليها بالرغم من أنها كانت غلط"
دمعة نزلت على خدها من غير ما تحس، مسحتها بسرعة وقالت
"لما دخلت حياتك يا تيم كنت بجد عايزه اساعدك، برغم رفضك بس كنت حابه اوي اساعدك واخرجك من حالتك، مش اوصلك للحاله اللي انت فيها دلوقتي دي"
نبرتها اتكسرت أكتر وهي بتبصله
" انت متعرفش انا ازاي متضايقه وانا شايفاك بالوضع ده، حاسه بصدماتك اللي خدتها ورا بعض، حاسه بيك وفاهمه قد ايه انت حاسس انك بتخسر"
سكتت شوية، دموعها كانت بتتجمع تاني، ابتسمت ابتسامة حزينة جدًا وكملت
"بس يا تيم، عايزه اقولك أن في حياتنا دي مفيش حد بياخد كل حاجه هو عايزها، اه ممكن مره تصيب وتاخد حاجه انت بتتمناها، بس مش دايما الحياه هتقف جنبك، هتخسر حاجات بس صدقني هتكسب قدامها، الحياه مكسب وخساره مش خساره بس."
خدت شهيق طويل كأنها بتحارب نفسها علشان تكمل
" لما دخلت الغيبوبه، عرفت انك بتهرب من واقعك الأليم اللي كنت بتخشى تعيشه في يوم، قررت تنسحب وتسيب كل حاجه، ولما رجعت انت اتمسكت تاني بالحياه، رجعت عشان تكمل حياتك مش عشان تقعد هنا بالمنظر ده"
قامت من مكانها وقعدت جنبه وقالت
"صدقني كلنا بنحبك، كلنا عايزين نساعدك، كلنا يا تيم بنمر بمشاكل في حياتنا، وياما ناس حياتها أسوأ بكتير بس وقفت على رجليها من تاني، مينفعش تستسلم كده"
فضلت ساكتة ثواني طويلة، وبعدين قالت وهي بتحاول تبتسم رغم دموعها
" حتى لو خسرت ناس مهمه في حياتك مش مهم، هيجي غيرهم، حتى لو مش هيعوضوك عن اللي راحوا بس صدقني هيملوا حياتك"
سكتت لحظة طويلة جدًا، اتنهدت وقالت بنبرة أهدى لكن وجعها أوضح وهيا عارفه تأثير كلامها عليه
"مشاعرك ناحيتي انا عارفاها من زمان، بس هل انت اصلا كنت متأكد منها؟ اكيد مشاعرك دي مؤقته ناحيتي، انا البنت الوحيده اللي دخلت حياتك فكان طبيعي انك تحبني، لكن انت مش بتحبني بجد يا تيم، ده حب لحظي مش حقيقي."
حمحمت وقالت وهيا بتبص بعيد عنه
" انا مش ليك، انا خلاص بقيت لحد تاني، بيحبني وانا كمان، انا كمان بحبه، غصب عني حبيته، لقيت نفسي من غير ما احس بحبه ومشاعري ناحيته لاول مره بحس بيها، عارف لما تحس انك مش قادر تبعد عن الشخص ده، لما تكون عايز تسمع صوته دايما وتستنى تشوفه، كل ده انا حسيته مع حسام"
كأن الكلمات دي كسرت جواه حاجة، دموعه بدأت تنزل، فريدة مسحت دموعه وهي بتحاول تهديه
" لاء لاء انا مش بقول كده عشان اضايقك، بقول كده عشان تعرف أن لو حبك ليا حقيقي كان زماني حسيت بمشاعرك دي، كان زماني دلوقتي متجوزتش حسام اصلا وفضلت معاك بس ده محصلش، لأن اللي بينا مش حب حقيقي يا تيم"
بصتله بحنية وهيا بتكمل
"هييجي يوم صدقني وتحب بجد، ووقتها هتقدر تفهم قصدي"
مسحت دموعها وقالت بصوت مبحوح
"نصيحتي ليك بجد انك تسمح تعالج نفسك، تدي فرصه لكل اللي حواليك، شوف الدنيا من ناحيه كويسه واسمح لنفسك تعيش بجد، جرب مش هتخسر حاجه، عمر ما زعلنا على اللي راحوا هيرجعهم، عشان كده لازم تقوم وتعوض خسارتك، شوف اللي حواليك، كتير بيحبوك وعايزينك كويس، ويارب اسمع اخبار كويسه قريب عنك، لاني حتى لو مشوفتكش تاني مش هقدر اتجاهل وجودك ودايما هتابعك"
وقفت وقالت بحزن
"دي آخر مرة تشوفني فيها... بتمنى من كل قلبي إنك تعيش الحياة اللي تستحقها، وتشوف كل خير."
لفت ومشيت خطوتين بس وقفت لما سمعت صوته بينادي
"فريده..."
فريدة لفتله بسرعة أول ما نطق اسمها، قلبها وقع في لحظة وهي سامعه صوته اخيرا
تيم قال بصوت متحشرج لكنه ثابت
"أنا مش طفل ومش مراهق، أنا إنسان عادي ناضج، فاهم كل حاجة بتحصل حواليا، آه يمكن مريض زي ما بتقولوا... بس عمري أبدًا ما أغلط في مشاعري."
وقف لحظة كأنه بيحاول يلم نفسه وبعدين كمل
"ومش إنتي أول بنت تدخل حياتي بجد، غلطي الوحيد إني حبيتك في وقت غلط... أو يمكن لإني معترفتش بمشاعري أول ما حسّيت بيها وكابرت بالرغم من أنه غصب عني"
صوته بدأ يتهز وهو بيكمل
"قدرت أتنازل عنك... وده كان عقابي، حياتي محدش يتخيل إن حد عايشها ومستحمل كل ده بس أنا سمحت بكده ورضيت زي ما قولتي، بس أنا مش عايز أتعالج... أنا عايز أخرج من هنا وارجع زي ما كنت، حتى لو خسرت أغلى ناس في حياتي هكمل حياتي زي ما كانت"
قرب منها خطوة، بص في عينيها وقال بهدوء كأنه بيترجاها
"خرجيني من هنا يا فريدة... أنا مش عايز اتعالج، لو فعلًا عايزة تساعديني... خرجيني من هنا."
وسكت.
كان صوته ساعتها أهدى من عادته، وكل كلمه قالها كان فيها وجع دفين هو بس اللي حاسه.
فريدة بصّتله وهيا مش مصدقة إنه اتكلم اخيرا، ومعاها هيا 
نطقت بصوت مبحوح 
"تيم..."
ابتسمت وسط دموعها وقالت بخفوت فيه رجفة
"محدش قال إنك مريض، بس كل واحد بييجي عليه فترة صعبة بيكون محتاج يفصل عن الدنيا شوية... وده اللي انت بتعمله دلوقتي، علشان ترجع تاني أقوى، ترجع وتقف على رجلك من جديد."
تيم رفع عينه ليها وقال بنبرة فيها حدة وكسرة
"الفترة خلصت... عايز أخرج من هنا، مش عايز حد يعاملني كأني مجنون."
قاطعته بسرعة 
"لاء مين قال كده؟ انت مش مجنون يا تيم، أنا محتاجة ثيرابيست أنا كمان يبقى كده أنا مجنونة!"
اتنفس بعنف وقال بحزم
"خرجيني من هنا."
حاولت تمسك نفسها وقالت بلطف
"طب اهدى طيب، ممكن؟ لو عايز تخرج، هخرجك... بس اهدى، أرجوك."
بلعت ريقها وقالت
" تخرج ونورين تتابع معاك في البيت؟"
هز راسه برفض وقال
" سيبوني اعيش حياتي زي ما انا عايش، مش عايز حد في حياتي"
ردت بسرعة
"بس دي مش زي ما انت عايز يا تيم..."
قال بوجع عميق
"لأني عمري ما هعرف أعيشها زي ما عايز... لأني عايزك!"
مدّ إيده، مسك إيديها بقوة وحطها على قلبه وهو بيقول بصوت مهزوز مليان إحساس
"لإنك من ساعة ما دخلتي حياتي وأنا مش قادر أخرجك من هنا... لو مش هتقدري تغيري حياتي زي ما أنا عايز بجد، يبقى سيبيني أخرج واعيشها براحتي"
كلماته كسرت جواها حاجات، قربت منه بخطوات بطيئة، مسكت وشه بايدين بتترعش وقالت بصوت واطي وهي بتحاول تسيطر على دموعها
"اهدى... اهدى، أنا... أنا..."
قاطعها بعصبية وهو بيبعد عنها
"متقوليش اهدى! أنا مش مجنون... مش مجنون!"
قالت بصوت عالي وهيا بتحاول متنهارش
"عارفة، عارفة والله يا تيم، عارفة..."
الباب اتفتح ودخلت ممرضه بسرعه، فريده بصتلها بسرعة وقالت بحدة
"متقربيش!"
الممرضة وقفت مكانها، وتيم كان بيتنفس بصعوبة، ودموعه بتنزل من غير وعي، اول مره تشوف حالته كده، عمره ما كان بالضعف ده، قربت منه وضمّته، حضنته بكل قوتها، قالت بصوت واطي وهيا بتحاول تهديه
"اهدى، خلاص... خلاص يا تيم، أنا هنا، أنا هنا..."
الممرضة قربت منهم بهدوء، وبإشارة صغيرة من فريدة بدات تديله حقنة مهدئة.
تيم اتنفس ببطء، جسمه بدأ يهدى، وملامحه استرخت، استسلم تماما...

سالي دخلت بسرعة أول ما عرفت إن فريدة دخلت لتيم، فتحت الباب بسرعة، شافت تيم غايب عن الوعي، جسمه راخي تمامًا، وفريدة جنبه بتحاول تقومه والممرضه بتساعدها
سالي قربت منها وقالت بخوف واضح
"إيه اللي حصل؟"
فريدة رفعت عينيها ليها، صوتها كان مبحوح وضعيف وهيا بتقول
"ساعدينا ننيمه على السرير."
سالي بسرعة قربت منها، شدّوه بحذر لحد ما حطوه على السرير، وبعدها سالي اتنفست بعمق وهي بتبص على وش فريدة اللي كان باين عليه الإنهاك التام.
خرجوا من الأوضة بهدوء، وسالي سألتها تاني بقلق
"إيه اللي حصل؟"
فريدة سندت على أقرب حيطة، كانت بتاخد نفسها بالعافية، دموعها نزلت وهيا بتقول
"أنا تعبت..."
سالي قربت منها وقالت بسرعة
"في إيه طيب؟ فهميني؟!"
فريدة بصتلها وقالت بتعب
"هو أنا ليه بيحصل فيا كده؟! هو أنا إيه اللي عملته في نفسي ده؟! إيه القرف اللي أنا فيه ده؟!"
سالي سألتها بحذر
"فريدة مالك؟"
فريدة بصت قدامها وقالت
"هو في الحالة دي المفروض أعمل إيه؟ يعني مطلوب مني إيه؟"
سالي سكتت، مش عارفة ترد، فريدة كملت بصوت بيتهز
"أمشي ورا مين طيب؟ أعمل إيه يا ربي؟ أنا إزاي..."
سالي قالت بخوف واضح
"طب كلميني طيب، قوليلي في إيه يمكن أساعدك!"
فريدة بصتلها، قالت بغيظ مكبوت
"مش مامتك ماتت ومتجوزش عليها إلا الرحمة، بس ربنا ينتقم منها على الحالة اللي وصلت ابنها بيها بسبب طمعها وجشعها... لو كانت لسه عايشة أنا كنت قتلتها بنفسي!"
سالي اتصدمت من كلامها وقالت
"فريدة؟ في إيه بقا؟! تيم ماله وانتي مالك؟!"
فريدة مسحت دموعها وقالت بصوت مهزوز
"تيم مش كويس، تيم مش كويس خالص..."
سالي قالت بخوف
"ماله؟ إيه اللي حصل؟"
فريدة قالت وهي بتحاول تسيطر على نفسها
"عايز يخرج من هنا، ومش عايز يكمل علاجه اللي لسه مبدأش أصلاً."
سالي اتفاجئت وقالت بسرعة
"يعني اتكلم وقال كده؟!"
فريدة هزت راسها بإيجاب وقالت
"آه، قال كده... بس يخرج إزاي؟! ويرجع إزاي لنفس الحياة دي؟!"
سالي قالت بحزم
"بس أنا مش هسمح بخروجه! مينفعش يخرج يا فريدة، إحنا ما صدقنا أصلاً أنه هنا!"
فريدة قالت بصوت هادي مليان يأس
"وجوده هنا ملوش لازمة طول ما هو مش عايز ده، إحنا كده مش بنعمل حاجة، وأنا مش هينفع أكمل معاه بس برضو مش هقدر اسيبه"
سالي قربت منها وقالت برجاء
"بس هو اتكلم معاكي انتي، يعني لو فضلتي معاه لحد ما يتعالج ويبقى أحسن، يبقى تمام كده."
فريدة قالت وهي بتبص بعيد عنها
"صعب أفضل معاه يا سالي... أنا دلوقتي بين اختيارين أصعب من بعض، يا أكمل حياتي مع حسام وابني اللي جاي، يا إما أضيع كل ده وأفضل مع تيم، يعني وجودي مع تيم مقابل إني أخسر حياتي اللي كنت بدأت أحبها."
سالي قالت بهدوء وهي بتحاول تهديها
"طب ما إنتي هتفضلي مع حسام، بس تكوني support لتيم."
فريدة هزت راسها وقالت بنبرة حاسمة فيها وجع
"حسام طلب مني مقربش من تيم تاني... وأنا مش عارفة أعمل إيه، مش هقدر أسيب تيم في الحالة دي."
سالي قالت بحزم
"يبقى شوفي حياتك يا فريدة، تيم أنا هعرف أتعامل معاه."
فريدة هزت راسها برفض تام وقالت
"بعد اللي شوفته النهارده، حاسة بعجز فظيع... يا ربي ليه بتحطني في مواقف صعبة أوي كده؟ أعمل إيه؟!"
سالي قربت منها وقالت بهدوء
"فريدة، أنا قلتلك فعلاً تعملي إيه؟ لو شايفة وجودك هنا هيهدد استقرار حياتك، يبقى امشي."
فريده بصتلها بإصرار وقالت
" أنا عمري ما هسيبك تيم في الحاله دي، متعودتش اسيب حد محتاجني، وتيم هفضل معاه لحد ما يكون كويس، مش هسيبه"

يونس كان واقف قدام بيت يسر، الجو هادي بس قلبه بيخبط بجنون، مش عارف يعمل إيه ولا يبدأ منين، كل اللي في دماغه صورة يسر وهي منهارة بعد اللي حصل لأختها، ماسك موبايله مش عارف يعمل ايه، يكلمها ولا ده مش وقته، بس هو فعلا عايز يعرف هيا عامله ايه دلوقتي.
بس قبل ما ياخد القرار، شد انتباهه صوت العربيه اللي وقفت قدام البيت، ولما شاف فريده نازلة من عربيتها حس براحة خفيفة، نزل هو كمان من عربيته بسرعة وناداها بصوت متوتر
"فريده!"
لفتله وقالت باستغراب
"يونس؟!"
قرب منها وقال بقلق واضح
"عرفتي اللي حصل؟"
هزت راسها بهدوء وقالت
"آه... بس معرفتش اي سبب، هدخل دلوقتي أشوف يسر."
كان هيتكلم بس هيا سبقت كلامه، مسكت دراعه بخفة وقالت وهي بتبصله بثبات
"هطمنك عليها، وجودك هنا على الفاضي دلوقتي."
اتنهد يونس وقال بجدية
"كلميني وطمنيني عليها، أنا قلقان جدًا."
هزت راسها ودخلت البيت بخطوات سريعة، خبطت على الباب بخفة، بعد لحظات الباب اتفتح وظهر يوسف، عيونه حمرا، والتعب باين على ملامحه.
قالت وهي بتبصله بحزن
"البقاء لله يا يوسف، شد حيلك."
رد وهو بيحاول يثبت صوته
"ونِعم بالله... يسر في أوضتها."
سألته بهدوء
"فين طنط؟ عاملة إيه؟"
هز راسه وقال بصوت مبحوح
"متسأليش يا فريدة... محدش مستوعب اللي حصل، أنا نفسي مش عارف انا إزاي واقف ولا إزاي ثابت أصلاً."
هزت راسها بهدوء ومشيت من قدامه، وصلت عند باب أوضة يسر، خبطت بخفة وفتحت الباب بهدوء.
يسر كانت نايمة على السرير، مغمضة عينيها، بس دموعها بتنزل، فريدة قربت منها وقالت بصوت واطي مليان حنية
"يسر..."
يسر فتحت عينيها ببطء، عدلت نفسها وهي بتمسح دموعها اللي مش راضية تهدى، وقالت بصوت متكسر
"فريدة... أنا حاسة إني بحلم، حاسة إني في كابوس مش عايز يخلص."
فريدة قربت منها وحضنتها بحنان وهي بتهمس
"ربنا يرحمها يا رب... ربنا رحمها."
يسر قالت بصوت مخنوق فيه غضب ووجع
"قتلها يا فريدة... بعد ما خانني وخلاها تخونني معاه قتلها."
فريدة اتصدمت وقالت
"انتي بتقولي إيه يا يسر؟! قتلها إزاي يعني؟!"
يسر هزت راسها وهي بتعيط
"قتلها صدقيني... أهله السبب، هما السبب في كل ده."
فريدة قالت باستغراب
"أنا مش فاهمة حاجة يا يسر."
يسر كملت 
"هما اللي عملوا ليهم عمل عند واحد كبير، بصي النتيجة، خلاه يقتلها! خلاه يقتلها بإيده! وبكل برود رايحين يقفوا جنبه ويقولوا أنه كان تحت تأثير خلاه يعمل كده، ازاي ده حصل، وياسمين ازاي سمحتله يعمل فيها كده، ازاي؟"
فريدة حطت إيديها على بوقها بصدمه وقالت بأسى
"لا حول ولا قوة إلا بالله..."
يسر انهارت أكتر، صوتها كان بيترعش وهي بتقول
"أنا لسه معشتش معاها، برغم اللي حصل بينا بس كنت بحبها، عمري ما كرهتها! ليه عملوا كده؟! إيه اللي يخليهم يعملوا كده وهما عارفين إن دي ممكن تكون النهاية؟! ليه يا فريدة يزرعوا بينهم الكره؟!"
فريدة مسكت إيديها وضغطت عليها وقالت بهدوء
"نصيب يا يسر، هما أكيد هيتحاسبوا، هيروحوا من ربنا فين؟"
يسر مسحت دموعها وقالت بصوت مبحوح
"كانت ترجع، والله كانت ترجع وكنت هسامحها، أنا سامحتها فعلاً، دي أختي يا فريدة..."
فريده مسحت على ضهرها وهيا بتقول
"ادعيلها يا يسر... ادعيلها، هو ده اللي هيريّحك ويريّحها."
(اللي حصل لياسمين ده حقيقي فعلا، بيحصل في معظم الأماكن علشان كده حبيت اكتب عنه باختصار كده، مش دايما بتوصل للقتل بس بجد اللي بيتعمله الأعمال دي حياته بتتحول لجحيم وحصلت في ناس قريبه مني، حصنوا نفسكوا دايما وشغلوا سورة البقره يوميا وهتشوفوا البركه في حياتكوا)

بعد أيام
سالي كانت مع تيم في أوضته، بتلم حاجته الناقصه بهدوء، كل حاجة كانت محطوطة بعناية، والجو في الأوضة كان فيه صمت تقيل، سالي كسرت الصمت وقالت بحزن
"متأكد يا تيم إنك مش عايزني أروح معاك؟"
هزّ راسه وقال بهدوء
"عايز أكون لوحدي."
بصتله بعيون حزينه وسألته بقلق
"متأكد أصلًا من قرارك؟ هتتعالج بجد عن اقتناع؟"
قال وهو بيشد سحاب الشنطه وبيعدلها
"متأكد، فكرت كتير... وقررت."
سكتت لحظه وبعدين قالت
"هتيجي قريب؟ إنت عارف أنا بحبك قد إيه ومش عايزاك تبعد أصلًا عني أنا ويونس."
ردّ بابتسامة باهتة
"سيبيها بظروفها... وادعي إن ربنا يريح قلبي."
حضنته جامد، قالت وهي بتحاول تبتسم رغم دموعها
"تروح وترجع بالسلامة... لندن هتنور بيك."
حضنها بهدوء، اتنفس بعمق كأنه بيحاول يقنع نفسه باللي بيحصل.

تحت، كان يونس واقف مستنيه، عينيه فيها حزن واضح رغم إنه بيحاول يخفيه بابتسامة صغيرة، تيم نزل مع سالي.
تيم قرب من يونس وقال
"مكانش في داعي توصلني."
يونس قال بسرعة وهو بيحاول يبتسم
"أنا هوصلك غصب عني أصلاً... مش عايزك تمشي."
تيم ربت على كتفه وقال بهدوء
"معلش... كده أحسن."
يونس سكت لحظة وبعدين حضنه جامد وقال بصوت متحشرج
"وجودك دايمًا كان بيديني القوة... مش عارف هعيش الفترة الجاية دي إزاي من غيرك."
تيم قال وهو بيربت على ضهره
"مش هغيب كتير... خليك مكاني لحد ما أرجع."
يونس شد نفسه وقال بابتسامة مترددة
"مكانك محفوظ... كل حاجة هتفضل زي ما هي لحد ما ترجع."
قاطعهم صوت صغير من بعيد بيقول بحماس
"خاااالووو!"
تيم لفّ بسرعة، شاف ياسين جاي بيجري ناحيته، نزل لمستواه وفتح دراعاته وياسين حضنه بقوة.
ياسين رفع راسه وقال ببراءة
"إنت هتمشي؟"
تيم هز راسه وقال بابتسامة حزينة
"آه... همشي."
ياسين سأله 
"هتروح عند بابا؟"
تيم ابتسم وقال 
"لاء... أنا رايح مكان تاني."
ياسين قال بسرعة
" يعني مش هتجبلي ليجو فيراري؟!"
ضحك تيم وقال وهو بيحط إيده على شعره
"من عنيا... هجبلك كل اللي إنت عايزه."
يونس قرب منهم وقال بلطف لياسين
"كفاية يا ياسين، خالو لازم يمشي ويلحق الطيارة."
ياسين بص لتيم وباسه وقال
" هتوحشني كتير"
تيم ابتسم وقام وقف، وقف عند الباب لحظه، خد نفس عميق وبس حواليه، خرج بهدوء من البيت، بص بصه اخيره للبيت قبل ما يركب العربيه ويتحرك، سايب كل حاجه وراه وقرر يدي نفسه فرصه جديده...
فريده كانت قاعدة قدام حسام، ملامحها حزينة وساكته كأنها بتحاول تهرب من المواجهة، حسام كان قاعد قدامها، باصصلها وبيقول بوجع ممزوج بغضب
"بحاول لحد دلوقتي أفهم لو أنا غلطت في حاجة... هو أنا غلطت يا فريده؟ يعني كتير عليا إن حياتي تكون مستقرة؟"
فريده بصتله وقالت بهدوء
"إنت مغلطتش... بس أنا كمان مغلطتش."
ابتسم حسام ابتسامة قصيرة باهتة وقال
"وليه لومتيني؟ ليه قولتيلي إني إنسان وحش عشان سيبت صاحبي واتخليت عنه؟ هو أنا وحش بجد؟ طب كنت اعمل ايه؟"
هزت راسها وقالت بصوت واطي
"مكانش قصدي، بس كنت متضايقة إنك مش قادر تفهمني... إنك سيبته في ظروفه دي بالرغم إنكم صحاب، وفوق كل ده عايزني أنا كمان مكونش واقفة جنبه وهو محتاجني."
قال حسام وهو بيزفر بضيق 
"عارفة مشكلتك إيه يا فريده؟ إنك مش بتحطي نفسك مكاني، وأنا متأكد إنك لو كنتي مكاني كنتي هتقومي الدنيا مش هتقعديها، لو حياتنا مستقرة ولقيتيني جيت في يوم كلمتك عن بنت بساعدها وهيا بالنسبالي مجرد حد بساعده، بس جيت قولتلك إن البنت دي بتحبني أنا وعايزاني أقف جنبها... يا ترى بعد ما عرفتي مشاعرها ناحيتي هتسيبيني أفضل معاها؟ هتسمحيلي أكون جنبها؟ هو انا اصلا هسمحلك تخيريني بينكوا؟ ولنفترض حصل وسمحت تخيريني ولقيتيني جاي بقولك إني هفضل جنبها لحد ما تعدي محنتها، بالعلم إنها صاحبتك أصلًا... هتسمحيلي أكون جنبها؟ وهتسمحي لنفسك تفضلي مصاحباها وانتي عارفه مشاعرها ناحية جوزك، فكّري وردي عليا."
سكتت فريده، عارفة إن اللي بيقوله مجرد افتراض بس الكلام ضايقها جدا وكأنه حقيقي، خلاها تحس بنار في قلبها وهو مجرد افتراض، قالت بهدوء
"إنت أكيد عارف ردي كويس... بس أنا دلوقتي بقولك إني قولت كده في وقت ضيق، حقك إنك تتضايق، بس يمكن غلطي إني قولتلك كل حاجة من الأول للآخر، كان لازم أخبي حاجة زي دي لو كنت عارفة إنها ممكن تسبب مشكلة أو تفرق بينك وبين صاحبك"
ابتسم بمرارة وقال
"بالعكس... كويس إنك قولتيلي علشان أفهم كل اللي مكنتش فاهمه في الأول، أفهم ضيق تيم مني في آخر فترة، ومعاملته اللي بقت أبرد من الأول أصلًا، وعلشان أفهم سبب ضيقك بعد ما اتجوزنا وحتى فتورك قبلها، علشان أفهم ليه مقدرتيش تحبيني في البداية ويمكن لحد دلوقتي، يمكن تكوني بس حبّيتي اهتمامي، حبّيتي معاملتي ليكي... بتحبيني عشان حاجة معينة مش أكتر، وبمجرد ما الحاجه دي تختفي حبك هيروح، محبتينيش من الأول ودي المشكلة، وأنا للأسف فهمت ده متأخر... يمكن تيم تكوني حبّيتيه من أول مرة، بس أكيد مش هتيجي تقوليلي كده في وشي."
هزت فريده راسها جامد وقالت بانفعال
"ده مش حقيقي، تيم عمري ما حبّيته في البداية زي ما قولت، صدقني... محصلش."
قال وهو بيبصلها بثقة
"يبقى مؤخرًا... مش كده؟"
قالت بسرعة
"لاء طبعًا، إنت ليه متأكد أوي كده؟"
رد
"علشان مش قادر أرتاح من جوايا، مش قادر أقتنع إنه بالنسبالك حد عادي، خصوصًا بسبب تمسكك بيه في الآخر برضو."
اتنهدت وقالت بتعب
"أنا في موقف صعب... لو إنت برضو حطيت نفسك مكاني هتفهم قصدي."
قال بحزم
"وأنا في موقف أصعب، أنا خسرت صاحبي عشانك، ومش عارف لو كنت هخسرك إنتي كمان ولا لاء، تفتكري مين موقفه أصعب؟"
سكتت لحظة وبعدين قالت بنبره حزينه
"طب إحنا ليه بنعمل في نفسنا كده؟"
رد بسرعة
"لإنك اخترتي بالفعل يا فريده... اخترتيه هو لما قولتيلي مش هقدر أنسحب لحد ما يبقى كويس، واللي هو اخبط دماغك في الحيط! يبقى إيه يا فريده؟"
قالت وهي بتحاول تسيطر على رعشة صوتها
"تمام، قولت إني مش هسيب تيم لحد ما يكون أحسن، بس متنازلتش عنك، ولا عمري هعملها، مينفعش أسيب حد محتاجني في نص الطريق، وده اللي كنت عايزاك تفهمه."
ضحك ضحكة قصيرة وقال
"وهو تيم تعبان جسديًا؟ فريده فوقي! إنتي مجرد ممرضة مش دكتورة نفسية، سيبي للدكاترة شغلهم واهتمي بشغلك اللي بتحبيه."
قالت وهيا بتحاول تشرحله 
"حالة تيم في الأول مكانش ينفع دكتورة أصلاً تدخل في حياته مباشرة، دي كل الحكاية، ويوم ما دخلت إنت مكنتش في حياتي، يعني أصلاً مينفعش تحاسبني على حاجة زي دي... اللي ليك عندي تحاسبني بعد ما اتجوزنا."
قال بصوت عالي شوية
"أومال أنا بعمل إيه؟ أومال إحنا ايه دلوقتي؟"
قالت بصوت هادي 
"أنا وعدت سالي إني أفضل معاها للآخر قبل ما أتجوزك... مينفعش أخلف وعدي معاها لمجرد أننا اتجوزنا"
سكت لحظة وبعدين قال بمرارة
"وعد سالي أهم من وعدك ليا أنا؟ من حياتنا؟"
فريدة بصتله بحزن وقالت
"الموضوع مش كده، بس اللي هما عدوا بيه صعب يا حسام، ليه مش قادر تفهم مدى صعوبه اللي مروا بيه"
قال بهدوء غريب
" عارف كل ده، عارف انها صدمه قويه أنهم يتحملوا كل اللي حصل، بس انتي ذنبك ايه برضو علشان تكوني معاهم في ده، ليه مصممه تدمري حياتك وحياتي معاكي، انتي مستغنيه عني للدرجادي؟!"
هزت راسها برفض وقالت
" كل الحكايه اني مش عايزه اسيب سالي لوحدها، محدش جنبها غيري، خصوصا بحالة تيم دي"
حسام قال بضيق وهو بيهز رجله
" تيم تيم تيم، انتي ليه حاطه تيم جزء من حياتك كأنك ملزمه بيه؟ ليه مصممه تخليني أكرهه وأكره سيرته؟"
هزت راسها وقالت بهدوء
"أنت بتظلمه، والله العظيم بتظلمه يا حسام، تيم عمره ما طلب مني أكون جنبه، أنا اللي كنت عايزه اكون جنبه علشان اشوفه كويس"
قاطعها وقال بصوت مبحوح
"وإنتي شايفه إن وجودك جنبه فعلاً هيخليه كويس؟ شايفه كده انك بتعملي الصح مش بتكسرينا احنا الاتنين؟"
سكتت، معرفتش ترد، كانت عارفة إن اللي بيقوله حقيقي، بس في نفس الوقت مش قادرة تنكر إحساسها بالمسؤولية تجاه تيم.
حسام كمل 
"بصّي يا فريده، أنا مش عايز أكون الشخص اللي يتخير اصلا، كنت غلط لما قولتلك يا انا يا هو بس اللي حصل حصل، اللي بينا بقا مؤلم... بجد مؤلم."
قالت بنبرة فيها رجاء
"متحكمش على اللي بينا علشان ظرف زي ده... يمكن الأيام اللي جاية توضّح كل حاجه وتفهمني اكتر"
قرب منها وقال
"أنا مشكلتي مش في الأيام الجاية، مشكلتي في النهارده، في اللحظة دي، وأنا شايفك بتدافعي عنه أكتر ما بتدافعي عني."
نزلت دمعة من عينيها وقالت بصوت واطي
"علشان أنت خلاص بطّلت تحاول تفهمني، تفهم اني مش بدافع عن حد اصلا"
وقف مكانه، قال بهدوء ووجع
"لاء أنا فاهمك كويس أوي يا فريدة... يمكن أكتر ما كنتي عايزاني أكون فاهم."
رفعت عينيها ليه وقالت بصوت مكسور
"يعني إيه؟"
ردّ وهو بيبصلها 
"يعني خلاص، اتأكدت انك مش ليا لوحدي"
حاولت تتكلم، بس قاطعها
" لو أنا غلط اثبتيلي، وافتكري اني مش بجبرك على حاجه"

عند تيم
ركب الطيارة، قعد مكانه وسند راسه على الكرسي، عيونه كانت شاخصة في اللاشيء، مد إيده بهدوء وبص للأسورة اللي في معصمه، بسيطة جدًا، بس ليها معنى كبير اوي بالنسباله، أسورة فريده اللي احتفظ بيها كأنها قطعه من قلبه، فضل يبصّلها شوية، مرر صباعه عليها وهو بيفتكر اليوم ده وقد ايه كان منهار فيه لحد ما سمع صوت المضيفة بتعلن عن إقلاع الطياره، رفع راسه، اتنهد، وبعد لحظة قلعها وحطها في جيبه...

فريدة دخلت الكافيه اللي اتفقت تقابل إسلام فيه بعد ما كلمها وفهم منها إنها متضايقة وحب يخفف عنها شوية، بصّت حواليها لحد ما شافته، راحتله وسلمت عليه وقعدت قصاده، حطت شنطتها على الكرسي اللي جنبها، وسكتت لحظة طويلة وهو سابها لحد ما سألها بهدوء
"إيه بقا مالك؟"
ردّت وهيا بتنهد
"تايهة... معرفش إيه بيحصل في حياتي بجد."
قال وهو بيشرب من قهوته
"طب قولي، في إيه؟ يلا، سامعك."
بدأت تحكيله كل حاجة، من أول تعبها النفسي وضغط الموقف، لحد تيم، لسالي، ولحسام اللي مش عارفة تتفاهم معاه.
إسلام كان ساكت، بيهز راسه كل شوية وكأنه بيحاول يستوعب كل اللي بتقوله، عينيه فيها تركيز هادي، ولما خلصت كلامها قالت بصوت واطي جدًا
"في الحالة دي المفروض أعمل إيه؟"
إسلام مسك نفسه لحظة، وبعدين قال بهدوء فيه جدية
"حسام يستاهل منك أصلًا إنك تختاري بينه وبين حد تاني مهما كان؟"
فريدة رفعت عينيها ليه وقالت
"هو اللي خيرني يا إسلام، وأنا مختارتش تيم، كل اللي حصل إني اختارت أكمل اللي بدأته."
إسلام قال بهدوء
"في دكاترة فعلًا يا فريدة يكملوا ودي وظيفتهم، بس ليه تضيّعي حياتك وتهددي استقرارها لما حسام شخص كويس اوي كده؟ الا لو انتي لمؤاخذه اللي مريضه نفسيا"
قالت وهي بتبصه بثبات
"صدقني... إنت علشان مش في الموضوع مش فاهمني، تيم حد مهم بالنسبالي."
قال بسرعة وبحدة بسيطة
"تيم شخص عادي زي أي شخص، المهم بالنسبالك هو حسام وبس."
هزّت راسها وقالت بهدوء 
"بس مقدرش أكسر مشاعر تيم كده."
إسلام ردّ بسرعة، صوته بدأ يعلى شوية
"وبالنسبة لمشاعر حسام؟! حسام أهم يا فريدة... مينفعش تيجي عليه!"
فريدة قالت بصوت واطي
"طب وتيم؟"
قال وهو بينفخ بضيق 
"تيم ماله؟ تيم خلاص اللي كان مانعه يتعالج مبقاش موجود... يعني دورك فعلاً خلص، إلا لو كنتي إنتي فعلًا مش بتحبي حسام وبتحبي تيم."
فريدة سكتت، ردت بنبره مجروحه
"محدش فاهمني ليه؟ تيم بالنسبالي حد بساعده مش أكتر."
إسلام سأل 
"ولما هو حد بتساعديه ليه متمسكة بيه كده؟ ليه عايزة تكمّلي لحد ما يكون كويس؟ علشان يقولوا فريدة شاطرة؟ فريدة اللي قدرت تعالج تيم؟ لو ده اللي عايزاه سيبي حسام وروحي لتيم... يلا، الخيار قدامك"
فريدة قالت بصوت مخنوق
"كل اللي بتقوله ده هري... أنا مش عايزة غير إن حياتي تكون مستقرة وبس."
قال بجديه
"أنهي حياة فيهم يا فريدة؟ خليكي واضحة وصريحة علشان تريّحي اللي قدامك."
قالت بهدوء
"إسلام، أنا فعلاً واضحة."
ميل لقدام شويه وقال
"طب لو كده يبقى فين المشكلة؟ اختاري دلوقتي... يا ترجعي لحسام، يا تسيبيه وتستني تيم يرجع."
فريدة بصتله بصدمة وقالت
"إيه اللي إنت بتقوله ده؟ أكيد مش هسيب حسام! إنت ناسي إني حامل؟"
إسلام قال بهدوء
"لاء مش ناسي... بس لو مكنتيش حامل يا فريدة، كنتي سبتي حسام."
ردت بسرعه 
"لاء طبعًا... أنا عمري ما هسيب حسام."
ابتسم وقال
"بس خلاص... ارجعي لجوزك وانسي تيم وسالي، عمرهم ما كانوا معانا أصلًا يا فريدة، سطّحي علاقاتك مع أي حد بيهدد استقرار حياتك حتى لو بالغلط."
سكتت لحظة طويلة جدًا وبعدين قالت 
"عارف..."
بصلها وقال بهدوء
"إيه؟"
قالت بصوت مكسور
"يمكن مثلًا لما عرفت مشاعر تيم قولت لنفسي ليه لاء؟ ليه مكونش معاه أنا كمان واديله نفس المشاعر...؟"
اتنهدت وقالت
"وبالفعل حاولت... حاولت أخليه يبوح بمشاعره دي، بس هو كان مصمم يسكت، لحد ما حسام اتقدملي، أنا كنت ناوية أرفضه خلاص... بس قررت آخد رأي تيم نفسه، روحت سألته عن حسام، وهو قالّي لو وافقتي مش هتندمي، وفعلاً مندمتش لأني حبيت حسام بجد... حبيت كل حاجة فيه من غير ما أحس."
صوتها لان وهيا بتكمل
"وحقيقي... مش هقدر أعيش حياتي لو هو مش فيها، تيم هو السبب في جوازي من حسام، لأني كنت ناوية أرفضه، بس وافقت عليه من غيظي من تيم، وحتى لما وافقت على حسام وشوفت انهيار تيم بنفسي، روحتله تاني وقولتله إن دي المرة الأخيرة اللي هقرب منه فيها لو سمحلي وهو متكلمش برضو، يمكن كل ده حصل علشان أتجوز حسام."
إسلام بصلها فتره وقال بهدوء
"بعيدًا عن جبروتك يا فريدة... بس هو في الأول وفي الآخر نصيب، يمكن دخلتي حياة سالي وتيم علشان تتجوزي حسام اصلا، وبما إنك اتجوزتيه وبتحبيه، يبقى أنا مش شايف إن في مشاكل."
اتنهد وقال بابتسامة صغيرة فيها صدق
"روحي لحسام وقوليله كل ده، حسّسيه بوجوده في حياتك وطمنيه إن مفيش غيره في قلبك، خلاص يا فريدة، المشكلة اللي مكانتش موجوده اتحلت."
فريده بصت قدامها وهيا بتفكر في كل الاحداث الأخيره اللي حصلت، بتفكر في كلامها مع اسلام وكلامها مع حسام نفسه... بتفكر في تيم نفسه اللي اختار علاجه بعيد عنها اصلا وشاف أن ده هيكون اريح ليه، افتكرت ابنها او بنتها اللي جايينلها هيا وحسام قريب، حطت أيديها على بطنها وابتسمت بشرود....

AFTER A WHOLE YEAR
سالي قالت بفرحه ممزوجه بشوق
"انتي قولتيلي لما تيم يرجع أعرفك، احنا مستنيينه اهو، اخيرا جاي"
فريده حست براحه وقالت بهدوء وهي بتتنفس بعمق
"الحمد لله... يرجع بألف سلامة يا رب."
سالي قالت بامتنان
"شكرًا يا فريدة إنك فضلتي معايا للآخر، جِميلك ده مش هنساه أبدًا."
ردت فريدة بابتسامة صافية
"أنا عملت اللي عليا، والحمد لله إن دي كانت النهاية... وربنا يخليكوا كلكوا لبعض ومع بعض"
سالي قالت بنبرة امتنان عميقة
"الحمد لله يا رب، بالرغم من غياب ماما اللي أثر فينا كلنا، بس حياتنا بقت أحسن من قبل كده... كفاية إني شايفة يونس وتيم بخير."
ابتسمت فريدة وقالت
"ودي أهم حاجة فعلًا، إنكم بخير."
سمعت فريدة صوت عياط فقالت بسرعة
"فريد بيعيط، هروح أشوفه واكلمك تاني."
قالت سالي بابتسامه
"طيب، هستناكي، وبوسيلي فريدو"
قفلت الخط بسرعة، وراحت بسرعه ناحية الأوضة، فتحت الباب ولقت حسام شايل فريد في حضنه، بيحاول يهديه وهو بيهزه بهدوء.
وقفت لحظة تتأملهم قبل ما تبتسم وتقول بصوت حنون جدًا
"بيقولوا الأبهات حضنها دافي أكتر من الأمهات... مكنتش مصدقة لحد ما شوفتك أب."
حسام بصلها بابتسامة خفيفة وقال
"طب تعالي في حضني علشان أدفيكي انتي كمان."
ضحكت وقربت منه، حضنها بحنية وهي قالت بصوت واطي مليان حب وصدق
"أنا بحبك أوي... ربنا يخليك ليا أنا وفريد."
رد عليها وهو بيبصلها بعيون كلها حب
"وأنا بموت فيكي..."

رجعت طيارة تيم بعد سنة كاملة، سنة كانت كفيلة تغيّر كل حاجة فيه، كان نازل من سلم الطيارة بخطوات هادية، ثابتة، وشه فقد حدة الانفعال اللي كانت دايمًا مرسومة عليه، وبقت ملامحه أنضج، اهدى، عيونه بقا فيها سكينة غريبة، بص حواليه لقا لقا يونس مستنيه، أول ما شافه ابتسم ابتسامة حقيقية، يونس جري عليه، حضنه جامد وقال
"نورت مصر يا وحش"
تيم ضحك بخفة وقال بصوت واطي
" وحش ايه بقا ما خلاص"
ضحكوا الاتنين بخفه...

الطريق للبيت كان ساكت بس مريح، يونس بيبص كل شوية لتيم اللي بيبص من الشباك وكأنه شايف كل حاجه لأول مره ومن منظور مختلف، مش بيتكلم كتير، بس ملامحه بتحكي عن رحلة طويلة من العلاج والمواجهة والتسامح مع نفسه.
قربوا من البيت، تيم قلبه بدأ يدق بشوق للمكان اللي شهد انهياره، واللي النهارده هيشهد ميلاده من جديد.
العربية وقفت قدام البيت، تيم نزل بهدوء، بص للبيت، ملامحه فيها رهبة وحنين.
وفجأة سمع صوت سالي جاي من بعيد وهيا بتقرب عليه بسرعه
"تيم؟!"
بص ناحية الصوت، شافها بتقرب منه ودموعها نازلة، اتقدم خطوتين، سالي حضنته بكل شوقها، قالت بصوت مبحوح
"كنت مستنياك يا تيم... كنت مستنياك ترجع!"
تيم لف إيده حواليها بهدوء، صوته خرج واطي بس مليان دفا
"اديني رجعت، ورجعت مختلف تماما"
ابتسمت وقال
"حمد الله على سلامتك"
ابتسم هو كمان وقال بنفس الهدوء اللي رجع بيه
"الله يسلمك."
دخلوا جوه البيت، يونس قال بحماس وحزن مختلط
"ياربي... مش مصدق نفسي إنك هنا، سنة عدت بصعوبة وانت مش موجود."
تيم ابتسم ابتسامة هادية، وقال بصوت واطي وثابت
"حصل خير..."
تيم بص حواليه، أخد نفس عميق، وحس بالسكينة لأول مرة من فترة طويلة، كأن كل وجع السنة اللي فاتت اللي كان عايشه لوحده كل ليله بدأ يدوب.
تيم بص ليونس وسأله 
" هتتجوز امتا؟"
يونس اتفاجئ من سؤاله، ابتسم بخفة وقال وهو بيحك شعره
"قريب جدًا إن شاء الله... كنت مستنيك"
تيم رفع حاجبه وهو بيبصله بنظرة فاحصة
" أنا قولت اصلا هرجع الاقيك متجوز ومخلف"
يونس ضحك وقال وهو بيحاول يخفف الجو
"مينفعش أتجوز من غيرك يا تيم."
قبل ما تيم يرد، سالي قالت بسرعة وهي بتقرب منهم وبتحاول تغيّر الموضوع بلطف
"سيبه يطلع يرتاح يا يونس، أكيد مرهق من السفر."
يونس بصّلها وقال بجدّية خفيفة
"عارف، بس علفكره في حاجة لازم احنا التلاتة نسمعها سوا... مش عارف ازاي مسمعتهاش واتحكمت في فضولي بس ادينا كلنا مع بعض اهو"
تيم قطّب حاجبه وسأله باستغراب
"قصدك إيه يا يونس؟"
يونس ابتسم ابتسامة غامضة وقال
"هتفهم في وقتها، مش دلوقتي."
تيم سكت، اكتفى بنظرة طويلة في وش يونس كأنه بيحاول يقرا اللي مخبيه، بس لما ملقاش إجابة قرر يسكت هو كمان.

"لو بتتفرجوا عليا دلوقتي يبقى أنا خلاص مش موجوده، انا دلوقتي بالنسبالكوا ميته، كنت عارفة إن اليوم ده جاي عاجلا او آجلا، اليوم اللي كل حاجة هتنتهي فيه ونهايتي جايه كده كده و بالطريقه اللي عمري ما اتمنيتها"
سكتت لحظه، اتنهدت وكملت
"أكتر حد اتظلم في البيت ده هو تيم، مكنتش أم كويسة، مش هنكر إني كنت أنانية جدًا، ظلمتكوا كلكوا، بس نفسي تسامحوني، تسامحوني على السيرة الوحشة اللي سيبتهالكوا، على كل الذنوب اللي عملتها وكانت في وشكوا انتوا في الآخر"
اتنفست بصعوبة، كملت بصوت ثابت رغم رجفة صوتها
"عارفه أن اللي عملته صعب وصعب جدا كمان بس متخيلتش في يوم اني اكون بعمل كده، دخلت في الاول بمزاجي ومن غير حتى ما اسأل عن اللي بيحصل في البنات دي ولما عرفت حاولت انسحب اكتر من مره بس اللي بيدخل الطريق ده مش بيخرج منه غير وهو ميت، انا كل اللي كنت عايزاه اكون واحده مهمه في المجتمع، اصرف فلوس براحتي وعلى راحتي، وده عمره ما كان هيحصل مع ابوكوا، بس للاسف مقدرتش احسب خطورة كل ده قبل ما اطمع، كان نفسي انسحب بس مقدرتش، وبما اني مش هقدر أخرج كانت لازم اكون واحده قويه وسط ناس كبيره ليها مكانتها في المجتمع، ناس ماسكه البلد وأمانها لا يمكن تتخيلوا انهم يكونوا بيتاجروا في حاجات زي كده ابدا، في البدايه كانوا أشخاص مجهولين بس عرفتهم، ولما عرفتهم مسكت عليهم مستندات توديهم في ستين داهيه علشان اقدر احمي نفسي وميتغدرش بيا، ومحدش عمره كان هيقدر يأذيني، لانهم عارفين كويس اوي ان لو حصلي حاجه حد تبعي هيقدم ورقهم ده للنيابه ووقتها كل حاجه هتضيع من بين أيديهم وسمعتهم هتفضل سيئه طول العمر، فمكانش حد يقدر يأذيني، حياتهم بين ايديا، حبيت اوي القوه دي، ادمنتها"
سكتت لحظه وبعدين كملت 
"قررت ننقل البيت ده، وقررت ميكونش في اي بنت موجوده علشان ابعد الشبهات عني، ولو اي بنت اختفت ميكونش في اي دليل ضدي انها كانت عندي في يوم من الايام، بس كنت بعرف استدرجهم وبديهم الآمان، وتيم للاسف شافني مره، كان صغير وقتها ومكانش فاهم اي حاجه بس انا فهمته أن البنت دي نايمه واني كنت بديها حقنه لأنها تعبانه بس الحقيقه اني كنت بقتلها بالحقنه دي، لحد ما بدأ يكبر وشافني كذا مره وسكتته بطريقتي، اللي شافه صعب وآثر عليه بالسلب لحد دلوقتي، خوفت على نفسي فجيت عليه، وكنت هاجي عليكوا انتوا كمان لو حد منكوا عرف وده اللي حصل في الآخر، كنت عارفه أن لو حد نكش ورايا كل حاجه هتتعرف والنهايه هتكون قربت، وقربت اوي، زي ما ابوكوا برضو حاول ينكش ورايا وقدر يعرف حاجات مكانش لازم يعرفها، بدأت اديله حاجات تعجّزه وتشله لحد ما اتشل فعلا، ولحد دلوقتي بديله كل ده علشان ميتحسنش ويرجع يقف على رجله، لو حد سألني انتي ازاي بالقسوه دي هقول ان الدنيا بتحب القاسيين، اللي يعيشوا فيها غصب عنها، وانا اتحولت من واحده كانت بتخاف تقتل حشره لمجرمه كبيره جدا قتلت كتير اوي، كتير اوي عمرهم ما هيسامحوني على أعمارهم اللي سرقتها منهم، على الغدر اللي استخدمته معاهم، على مدار ٣٠ سنه شغل قتلت مئات البنات، وللاسف مكانش قدامي حل للتراجع، حياتي عباره عن جرايم وبس ومعرفتش اسيب حاجه واحده حلوه وندمانه بس مش قدامي حاجه اعملها"
اتنهدت وقالت
"عارفة يا تيم إنك اتدمرت بسببي، بتمنى تعيش حياتك الباقيه وانت احسن كتير، تكون اتعالجت لأن اكيد اللي شوفته مكانش قليل على طفل، حبيت نفسي وحياتي اكتر ودي بيسموها انانيه، دلوقتي قدامكوا فرصه تعيشوا حياتكوا زي ما انتوا عايزينها، أنا كنت أم مجرمة... أنانية... معرفتش أحب غير نفسي، حبيت الراحة والسلطة أكتر منكم.
يمكن تكرهوني، وعارفه ان مفيش حاجة تبرر اللي عملته، بس دي الحقيقة... دي أنا.
مفيش حلو تفتكروه ليا بس ياريت متدعوش عليا، لاني دلوقتي ندمانه على كل حاجه عملتها، والنهايه دي اكيد استحقها، وعارفه انها هتيجي دلوقتي أو بعدين، اتمني ليكوا حياه احسن"

تيم كان قاعد قدام الشاشة، جسمه ثابت، بس مهزوز من جواه، الصوت اللي كان بيسمعه مش مجرد تسجيل... كان الماضي كله بيرجع يتحط قدامه من تاني، بكل وجعه وغموضه وأسراره اللي حاول يهرب منها سنين.
يونس كان حاطط إيده على وشه، هو عارف كل ده بس كل ما يحاول يستوعبه يحس أنه هيتجنن، سالي كانت دموعها بتنزل وهيا بتبص على الشاشه بحزن.
لما الفيديو خلص، ساد صمت طويل جدًا... صمت تقيل يخنق.
يونس كسر الصمت وقال بنبره مخنوقه
"كنت عارف... بس مكنتش عايز أصدق"
تيم قام واقف، مشي كام خطوة بعيد عنهم، بص ناحية الشباك كأنه بيحاول يهرب من صدى صوتها اللي لسه بيرن في ودانه، قال بعد لحظات طويلة من الصمت
"كنت فاكرها كوابيس وأنا صغير... كنت دايمًا بشوفها وهيا بتقتل البنات دول، بس كنت بكدب نفسي، كنت بقول دي أمي... أمي مستحيل تعمل كده."
يونس اتنفس بعمق وقال
" اللي حصل حصل، مش هنقدر نغير الماضي، مضطرين نكمل حياتنا"
سالي بصتله بدموع وقالت
" نكمل؟! عادي كده"
يونس هز راسه وقال
" اه، نكمل لأننا لازم نعيش... نعيش صح المره دي، هيا قالت إنها مجرمة، بس احنا مش لازم نكون ضحاياها طول عمرنا، هيا ماتت، بس احنا لسه عايشين، ولسه عندنا فرصة ننضف اللي وسّخته."
ساد الصمت بعد كلام يونس، اتنهد وكمل
"احنا أصلًا كنا هنكون من الضحايا، بس ربنا كتبلنا عمر تاني بسبب سليمان."
سالي بصتله بسرعه وقالت باستغراب
"إزاي يعني؟!"
يونس بصلها وبعدين بص لتيم وقال
"كان زمانا احنا كمان موتنا، فاكره اليوم اللي رجعتي فيه، في نفس اليوم ده كنا احنا كمان هنموت معاها، بس سليمان وقفهم، قالهم إنه هيديهم باقي المستندات اللي عنده ويمشوا من غير ما يأذوا حد تاني، وفعلاً اخدوا المستندات الباقيه ومشيوا"
تيم قال بضيق 
"بعد ما قتلوها؟!"
يونس هز راسه ببطء
"أممم، وفلوسها اتحجز عليها، بس اللي محدش منكم يعرفه إن ثروتها كانت ضخمة بشكل محدش يتخيله."
تيم قال 
"بس أنا عارف."
يونس بصله باستغراب وقال
"صدقني، مش كلها."
تيم رد بهدوء، صوته مليان يقين
"صدقني انت اللي مش عارف، متحجزش عليهم كلهم، الفلوس متوزعة في أماكن كتير محدش يعرف عنها حاجة."
يونس قال بجدية
"بس المبلغ اللي اتحجز كبير جدًا يا تيم."
تيم قال بابتسامة باهتة
"في قدهم كذا مرة في أماكن مش معروفة."
يونس قرب منه خطوة وسأله بجديه
"طب وهتعمل فيهم إيه؟"
تيم قال بحزم
"أكيد هسلمهم، عمري ما أقبل جنيه واحد من دم الناس اللي ماتت غدر دي على نفسي او عليكوا"
سالي قالت بصوت مبحوح وهيا بتمسح دموعها
"ده الصح... الفلوس دي بتاع ناس أبرياء، أرواح راحت ظلم."
يونس اتنهد وقال وهو يحاول يخفف الجو
"أنا عايز أنسى آخر سنتين في حياتي."
تيم قال وهو يبتسم بسخرية 
"وأنا."
يونس رد عليه 
"انت عايز تنسى عمرك كله يبني، تبدأ على نضافة من جديد."
تيم ضحك بخفة وقال
"عندك حق، محتاج أفوق وأخلص من الماضي بكل قرفه وأبدأ حياة صح مع ناس صح."
سالي ابتسمت وقالت
" أنا بحبكوا أوي على فكرة."
تيم بصّلهم وابتسامته بقت أهدى
"وأنا بحبكوا."
يونس قال
"وأنا كمان بحبكوا"
تيم بص لسالي ويونس وقال
" هو فين بابا؟ أنا عايز أشوفه."
يونس قال
"في المستشفى، سالي ودّته هناك وخلت ممرضة تتابع حالته أول بأول، وخد بالك من ممرضه دي"
تيم بصّ لسالي باستغراب وقال
"وغيرتي اللي شغالين في البيت لبنات كمان؟"
سالي قالت 
"أنا جالي عقدة لدرجة إني غيرت حتى مدرسين ياسين، كلهم بقوا ميسات."
تيم قال وهو بيضحك
"طب ما تتعالجي، أنا عندي ليكي دكتورة في لندن هتفك عقدتك دي علفكره"
سالي قالت بغيظ
"لاء يا حبيبي، اللي فيك هتجيبه فيا!"
يونس ضحك وقال
"البيت كله محتاج علاج والله، احنا نحجز على لندن ونتعالج كلنا بالمرّة! وناخد تيم نعالجه تاني"
تيم قال وهو يضحك من قلبه
"جت من عندك، دي لندن فيها كمية بنات هيفكوا عقدتك يا سالي"
سالي قالت بسرعة
"قول لنفسك يا حبيبي، كنت اختارت واحدة منهم بقا."
تيم قال بابتسامة غامضة
"ومين قال مختارتش؟"
سالي ويونس بصوله بصدمة وقالوا في نفس الوقت
"انت قولت إيه؟!"
تيم ضحك وقال
"فضحت نفسي مش كده؟!"
سالي قربت منه وقالت بلهفة
"أنا عايزة أعرف كل حاجة عن الموضوع."
يونس لف من الناحية التانية وقال وهو بيضحك
"من طق طق لسلاموا عليكوا!"
سالي قالت
"علشان كده مكنتش عايز تنزل صح؟!"
تيم لف ايده حواليهم وقال
"طب تعالوا وانا هحكيلكوا."
تمت بحمدلله

خلصتي؟ الرواية الجاية أقوى وأحلى… تعالي وعيشيها معانا👇

تعليقات