رواية مأساة حنين للكاتبة ايه الفرجاني هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية مأساة حنين، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.
رواية مأساة حنين من الفصل الاول للاخير بقلم ايه الفرجاني
أنا اسمي حنين...
عندي ١٧ سنة، بس لو شفت شكلي هتفتكرني عديت التلاتين يمكن من كتر التعب أو يمكن من كتر الوجع اللي شيلته على كتافي وانا في السن ده...
أنا مش زي البنات اللي عندها حنية أم، ولا حضن أب ولا حتى إخوات يسندونها و يخبّوها من البرد
أنا بنت طردوها بعد موت اهلها
قالولي امشي برا البيت ملكيش حاجه
من غير لا سند، ولا ضهر، ولا حتى رغيف عيش ناشف آخده في طريقي
يومها ماكنش عادي...
كان يوم حر جدًا، الشمس كأنها ناوية تحرقني وأنا ماشية بشنطتي الصغيرة اللي فيها هدومي الي عرفت المها قبل ما امشي
مكنتش مصدقة إن دي آخر مرة هشوف فيها أوضتي، سريري، ذكرياتي بابا وهو بيشرب شاي وبيكلمني ماما وهي بتزعقلي كل شوية…
مكنتش عارفة إني لما هخرج، مش هرجع تاني
خرجت…
وأنا ماشية كنت بعيط، بس مش بصوت كنت بعيط من جوه... قلبي بيصرخ، بس صوتي مكسور
فضلت أمشي، وأمشي، لحد ما رجليا وجعتني وقعدت ع الرصيف
والناس ماشية، تبص وتعدّي، ولا حد سألني مالك؟ ولا حد حتى وقف جنبي مليش حد ارحله الي المفروض مني رموني عشان مش عاوزين يصرفوا عليا
أول ليلة نمت فيها في الشارع، كانت أكتر ليلة حسيت فيها إني ولا حاجة اتمنيت لو اني مت مع اهلي يومها بس يمكن ربنا ليه اراده في الي بيحصلي
برد، خوف، أصوات العربيات بتكلبيش في قلبي والدموع نشفت من كتر ما نزلت
كنت جعانة… وجعانة أوي…
بس أكتر من الجوع كنت عاوزة حضن… حضن بس
يطمني، يقوللي "أنا معاكي يا حُنين"
حسيت اني عاوزه بابا وماما اترمي في حضنهم وانسى العالم كله.
عدّى أول يوم ورا التاني، ورا التالت…
كنت بصحى الصبح على صوت الزعيق والشتايم في الشارع، والبرد لسه لافف جسمي زي التلج، والناس حواليا ماشية بسرعة، وأنا واقفة متسمّرة، مش عارفة رايحة فين…
كنت كل ما أبص في المرايا المكسورة اللي على جنب محل قافل ألاقي عيني مش أنا…
انا.عمري ما كنت كده
عيني فيها خوف، وذل، وانكسار…
أنا اللي كنت لما حد يزعقلي أعيط، بقيت ما بدمّعش…
من كتر ما اتوجعت، مبقتش بحس!
في يوم وأنا قاعدة على رصيف تحت كوبرى شبرا كنت جعانة أوي…
معدتي بتقرّصني كأنها بتقطع فيا
قعدت ألف حوالين العربيات اللي بتبيع سندويتشات على أمل حد يديني لقمة…
الكل بيبصلي بريبة، كأني حرامية أو مجنونة!
وفجأة… شفت شخص ساند علي عربيه وبياكل
كان
شاب في أواخر العشرينات، شكله شيك ولبسه نضيف، وكان شايل كيس فيه أكل وشاي سخن
كنت ببصله وهو اخد باله مني فجأة
قرب مني وقال بابتسامة وهو بيقرب الكيس مني:
= انتي جعانة؟
أنا ما رديتش… خفت…
بس جسمي هو اللي جاوب، عيني اللي دمعت، ويدي اللي خدت الأكل بسرعة… كنت باكل وانا ببصله بخوف
قاللي باستغراب من حالتي :
= كلي واطمني… أنا مش هأذيكي
أكلت…
وكان أول لقمة سخنة تدخل بطني من أيام…
كنت بأكل وأنا بعيط… عياط مكتوم من غير صوت
قعد جنبي وفضل يبصلي باستغراب
= انت اسمك إيه؟
قلتله بصوت واطي:
= حُنين...
ابتسم وقال:
= اسمك حلو… بس باين عليه قلبك اتكسر كتير
كمان مش واضح انك بنت شوارع اي عمل فيكي كده احكي لو اقدر اساعدك
سكت… ماعرفتش أرد…
أنا فعلاً قلبي اتكسر، واتردم عليه، وانداس
لما مردتش عليه
قاللي :
= أنا اسمي كريم… لو عاوزة مكان تنامي فيه أنا ساكن لوحدي، وفي أوضة فاضية، تقدري ترتاحي فيها… مش لازم تفضلي في الشارع كده لانه مش امان لبنت زيك
بصيتله ومخّي كان بيودي ويجيب…
هو بيطّمني؟ ولا بيصطادني ؟
بس وقتها مكنش عندي رفاهية أختار…
كنت بردانة، مرهقة، ومفيش أي باب في الدنيا مفتوح ليا غير الباب اللي هو فتحه
روحت معاه
كان ساكن في شقة صغيرة في عمارة قديمة…
طلعنا السلم وانا خايفه وقلبي مش مطمن دخلنا قالي بهدوء وهو بيشاور علي الاؤضه:
= دي الأوضة اهي اقفلي عليكِ الباب ونامي، وأنا مش هقرّبلك متخافيش
هزيت دماغي وكنت مرعوبة بس دخلت
الاؤضه شكلها نضيف ومترتبه قفلت الباب كويس
واول ما وصلت السرير فعلاً نمت...
بعد ساعات معرفش عددها قد اي قمت وانا مرعوبه ببص علي هدومي شكلي
= انا شكلي نمت كتير ولا اي
أول مرة أحس إن في سقف فوق دماغي من أيام…
صحيت على ريحة فطار…
بيض مسلوق ، عيش، وشاي
فتحت الباب وخرجت كان واقف بيعمل الاكل اول ما شافني ابتسم
كريم كان بيحاول يخليني أطمن فقالي:
= صباح الخير ي حنين
سكت وانا مش عارفه ارد هزت دماغي بخجل
بصلي بابتسامه وقال:
عارف انك خايفه بس
أنا مش زيهم
أنا عارف إنك موجوعة، ومكسورة، وقت ما تحبي تحكيلي انا جاهز "
صدقته…
لأني كنت محتاجة أصدق…
أنا مكنتش بدور على راجل…
كنت بدور على أمان، بس للأسف… ما كنتش أعرف إن الأمان ساعات بيبقى فخ
بقيت أقعد معاه في الشقة، أنضف، أطبخ، وبيصرف عليا…
وأنا شايفة نفسي برجع للحياة… بس مش حياتي!
وفي يوم…
دخل الأوضة من غير ما يخبط وشكله كان غريب …وووو حصل ...
↚
وفي يوم…
دخل الأوضة من غير ما يخبط…
وبصلي بنظرات غريبه اتخضيت ووقفت من علي السرير وهو قرب مني وهو بيقول:
= أنا مش طالب حاجة… بس أنتي عارفة إن اللي زيي لما يساعد لازم بيبقى ليه مقابل صح
ساعتها قلبي وقع مكنتش فاهمه قصده اي لاقته عمال بيقرب اكتر وانا من خوفي نزلت من علي السرير كنت بتكلم وانا خايفه جدا اول مره اشوفه كده من يوم ما شفته:
= مش فاهمه إنت عاوز اي
انت بتقرب كده ليه
بالله عليك ي كريم انت قولتلي إنك مش زيهم صح
ضحك ضحكة خبيثة… وقال:
= كلهم بيقولوا كده في الأول يحلوه …
اتصدمت
حسيت قلبي هيقف …
حسيت إني متكتفة من جوه، كأني رجعت تاني للشارع، بس المرة دي جوا شقة…
يعني لا أمان، ولا سقف… ولا حتى جدران تحميني
قولتله بدموع:
= لو كنت اعرف إنك هتبقى كده ماكنتش جيت معاك انا عاوزه امشي
لسه بحاول امشي
ضحك وقرب مني جامد وقال:
= وهوأنا قلتلك إن الحياة ببلاش؟
دموعي سبقتني كنت بدات احس بامان خلاص رغم اني عارفه ان ممكن يطلع كده بس صدقته من كلامه
حاولت اتكلم معاه واترجاه:
= كريم بالله عليك أنا لسه صغيرة … أنا في سنة تانية ثانوي… اعتبرني اختك وسيبني امشي والله همشي مش هعمل حاجه
قال بسخريه:
= اختي و صغيرة؟ دا إنتي كبرتي قبل أوانك يا حنين… وشكل الشارع علّم فيكي أكتر من المدرسة!
اللحظة دي…
حسيت بجسمي بيترعش، دموعي نزلت و زادت غصب عني مكنتش قادره اصرخ ولا اتكلم …
بدا يقرب مني وانا ارجع لورا لحد ما لزقت في الحيطه واخيرا قدرت اتكلم وانا بحاول ابعده عني
= متقربليش… بالله عليك…
بس هو ماكانش سامع غير نفسه وبس
زقني علي السرير وبعدها محستش بحاجه
بعد وقت معرفش قد اي
صحيت وأنا حاسة إني ولا حاجة…
مش قادرة أبص في المراية… حاسه اني ميته بالحيا
اول مره احس بكسره بجد
كسره ضهر وكرامه وزل وشرف
ماكانش في صريخ…
كان في خرس كاني اتخرست مش قادره لا ابكي ولا اتكلم
جوايا حاجة اتكسرت…
أنا اللي كنت بحاول أعيش، بقيت جسد ماشي على رجليه بس جسد بدون روح
قومت وقفت قدام المرايه ببص لنفسي لجسمي
مقدرش وقعت علي ركبي وانا بنهار
= يااااااااارب يااااارب انا معملتش حاجه عشان يحصل معايا كده
ي ماما يارتني كنت مت معاكم
دموعي نزلت لاول مره بالطىريقه دي اول مره احس بجد يعني اي كسرة بجد
قومت بعدها اسحميت وصليت معرفتش اخرج من الاؤضه كان قافل عليا خايف اني اهرب منه
حاولت كتير اكسر الباب او افتحه معرفتش
كان بيرجع يعمل الاكل ويفتح الباب ويحطه من غير ما يتكلم كنت بحس انو ندمان علي الي عمله...
فضلت في الشقة يومين بعد اللي حصل… مش قادره اطلع وهو قفل عليا الباب بس الغريبه انو
محولش يقرب مني تاني
حتي كان بيعاملني كأني شخص مش موجود
حسيت ولا كأني كنت طفله في يوم
وفي يوم صحيت علي صوته واقف جنب مني وانا نايمه اتخضيت رجعت لورا شديت الغطا عليا وانا ببصله بخوف ورهبه لقته بيقول:
= اللي حصل حصل… انسي وحطيه ورا ضهرك وخلينا نعيش سوا بقى كده على طول كده كده انت ملكيش حد وانا مليش حد
اتصدمت مكنتش مصدقه الي بيقوله قولته بزعيق :
= انت اي معندكش دم ولاضمير
هتروح من ربنا فين انت فاكر اني عشان مليش اهل ابقي
لعبه في ايدك انت كسرتني وخدت اهم حاجه في حياتي علي قد ما قعدت في الشارع محدش فكر يعمل الي انت عملته فيا
دموعي نزلت ومقدرش اكمل
قالي وهو بيخرج :
= "اللي زيك ميختارش… إنتي لو مشيتي من هنا هترجعي الشارع، والشارع خلاص عرف طعمك! اظن مش هتلاقي مكان زي ده تاني اكل وشرب وسكن ببلاش كل الي مطلوب منك انت عارفه
قالي كده بغمزه ومشي بعدها وقفل الباب
قررت أهرب وفعلا حاولت كتير افتح الباب وفعلا فتحته حمدت ربنا مكنش موجود في البيت نزلت جري
ماكانش معايا لا فلوس ولا حتى هدومي…
بس خدت نفسي، ونزلت من بيته وأنا بترعش
كنت ماشية في الشارع زي التايهة، زي المجنونة،
كل الناس تبصلي، واللي يضحك، واللي يشاور، واللي يعاكس
لحد ما وصلت على "قهوة" صغيرة على جنب…
وقعدت على الرصيف جنبها وعيوني معلّقة في السما…
وبدأت أعيط…
بس المرة دي… دموعي كانت هادية، دموع حد استسلم
قعدت يومين مرمية في الشارع…
رجليا مش قادرة تشيلني، وكأن الوجع تقيل عليها…
بطني بتصرخ من الجوع
ودماغي بتلف من قلة النوم والخوف
مشفتش كريم بعدها خالص حمدت ربنا كنت خايفه يرجع يدور عليا تاني
كنت بحاول أنام تحت كوبري إمبابة
وسط ناس شكلي مش فاهمة هم بني آدمين؟ ولا كوابيس ماشية على رجلين
وفي ليلة…
الدنيا كانت بتمطر، وأنا متلحفة بكيس بلاستيك كبير خدته من الزبالة
كنت قاعدة متكوّرة على نفسي
حسّيت بخطوات حد بيقرب، وصوته غليظ كان واضح عليه انو سكران قال:
= اي ده مزه هنا لوحدها في الوقت ده دا شكلي حظي من السما انهارده
قرب مني وانا كنت مرعوبه مقدرتش اصرخ ولا اتحرك
ما لحقتش أرد…
كنت بردانة، مرهقة، وكل خلية فيا بتقول "سيبيني فحالي حرام عليكم "
بس ولا كاني بتكلم
فجأة…
إيده مسكت دراعي، وصوت تنفّسه بقى قريب من وشي
وأنا برتعش…
كل حاجة جوايا بتتكسّر تاني
قلتله بصوت بيطلع بالعافية:
= "بالله عليك… سبني… كفاية…"
ضحك وقال:
= "كل واحدة بتقول كده في الأول…"
صرخت…
= الحقوني حد يساعدني
بس
الناس اللي نايمة حواليا، نايمة موت مش نوم
حاولت اهرب منه مقدرتش
كنت مرهقه
حاولت ادور على اي حاجه ادافع بيها عن نفسي
وايدي وقعت علي حديده في جنب
ضربته وجرى وسبني
بعد اللي حصل…
مقدرتش أتحرك
قعدت في نفس المكان يومين تانيين
مبكلّمش، مبنطقش
بقالي أربع أيام معدتي ما دخلهاش غير حبة رز لقيتهم في كيس جنب محل فلافل، كانوا مرميين على الأرض
كنت كل يوم بدوّر في الزبالة
أي حاجة… قشرة موز، رغيف ناشف، حتى بواقي ساندويتش متعفنة
ما بقتش أشم
كنت أكل وأنا دموعي بتنزل…
مش علشان الأكل بايظ
علشان أنا اللي بقيت تالفه
الناس بقت تبصلي وتقرف
والعيال الصغيرة ترميني بالطوب وتضحك:
= "شوف يا ماما… البت المجنونة بتاعة الكوبري!"
مجنونة؟
لا، أنا صاحيّة أكتر منكم كلكم…
أنا بس مكسورة… ومحدش سندني
في يوم وأنا ماشية، هدومي متقطعة، شعري متلبد، ووشي كله تراب…
واحدة ست عدت من جنبي،
حطت إيدها على شنطتها وكأنها خايفة إني أسرقها…
ساعتها ضحكت… ضحكت ضحكة وجع…
أنا؟ أسرقك؟
أنا مش لاقية نفسي هاخد منك إيه؟!
رُحت على مول كبير ودخلت الحمام،
دخلت من غير ما حد يشوفني،
وقعدت أتمسّح بالمناديل اللي في الأرض…
كنت بدوّر على ريحة آدمية جوايا،
بس لقيت بس ريحة الزل، والعار، واللي ضاع
في اللحظة دي…
وأنا قاعدة في الحمام على البلاط
باصّة لنفسي في مراية مش بتعكس غير الخوف،
قلت بصوت مسموع:
= "أنا حنين… بس مش هي دي أنا"
أنا اللي كنت بحلم أبقى دكتورة،
وألبس بالطو أبيض،
وأفرّح ماما وبابا،
أنا اللي كان عندي كرّاسة كاتبة فيها "أمنياتي"...
دلوقتي أنا مش لاقية رغيف عيش
ولا حتى هدوم تسترني…
ولا إنسان يسألني "مالك؟"
بس…
لسه عايشة
واللي لسه عايش…
لسه في حكاية وراه…
حتى لو الحكاية كلها سواد
لازم هتيجي لحظة… النور يدخل من شقّ في الحيط
وأنا لسه قاعدة جوّه الحمّام
بحاول أمسح وشي، وأرتّب شعري بأي شكل،
دخلت واحدة من العاملات، أول ما شافتني… صرخت:
= "إنتي بتعملي إيه هنا؟ إنتي جاية منين أصلاً؟ يلا برااا!!"
أنا اتلبشت، اتجمدت في مكاني…
قلتلها وأنا برتعش:
= "والله ما عملت حاجة… بس كنت عاوزة أغسل وشي… أنا بس…"
قطعت كلامي وحده تانية دخلت معاها:
= "شوفتي؟ شوفت يا أستاذة سميرة؟ دول بقوا يدخلوا يناموا في الحمامات! دي أكيد شحاتة وحرامية كمان"
وبدأوا يسحبوني من دراعي…
بهدلة…
كل الناس في المول بقت تبص
الأمن جري عليا
والشتايم نزلت فوق دماغي زي الرصاص:
= "يلا برا قبل ما نودّيكي القسم!"
= "إنتي مفكرة المول ده ملجأ ولا عنبر؟!"
وأنا بركع، بعيط، صوتي بيتهز:
= "بالله عليكم… ما تفضحونيش… والله ما عملت حاجة، كنت جعانة… مش ناوية أسرق ولا أأذي حد!"
بكيت قدامهم،
بس مافيش رحمة في قلوبهم…
بصيت حواليا بدور على مخرج، على أي وش طيب
لحد ما شفتها…
ست كبيرة، شيك جدًا، لبسها نضيف ومحترم، شعرها أبيض، ووشها فيه هيبة…
كانت واقفة قدام محل كبير
وبتبصلي بنظرة غريبة…
مش نظرة اشمئزاز،
نظرة حزينة… كأنها شايفة نفسها فيا
قربت منهم، بصوت هادي بس حاسم:
= "في إيه؟ مالها دي وليه بتعملوا كده؟
الأمن قاللها:
= "دي واحدة شحاتة داخلة الحمّام، ومبهدلة المكان
ي مدام عاوزين نخرجها ومش راضيه
الست ردت بثقة:
= شحاتة؟ دي باين عليها متبهدلة
مش جاية تسرق هاتها هنا
بصتلي وقالت
تعالي يبنتي
أنا كنت مرعوبة
بس قربت منها… ووقفت قدامها ودموعي بتنزل
= "اسمك إيه يا بنتي؟
= "حُنين…"
قالتلي:
= " طب تعالي معايا… تعالى متخافيش"
مسكتني من ايدي وخرجت بيا من المول
ركبت معاها عربيتها،
طول السكة وأنا مش مصدقة…مش عارفه هيا عاوزه اي بس
كنت ساكتة وهي كانت بتبصلي كل شوية ووشها حزين أوي كانها عارفه انا مين
وصلنا على بيت كبير، نضيف، شكله دافي
دخلتني، وندت على الشغالة:
= هاتي أكل… وبعدين هدوم نظيفة للبنت دي… وامليلها البانيو سخن عاوزها تبقي عروسه انهارده
أنا كنت قاعدة متخشبة…
بعدين قلتلها بصوت مكسور:
= "أنا… أنا مش متعودة على كده انا عاوزه امشي
قالتلي وهي قاعدة جنبي:
= "احكيلي يا حنين… احكيلي إيه اللي وصلك كده؟" انا متاكده انك مش كده
وقعدت أحكي…
من أول ما طردوني من البيت،
ولحد ما قعدت على الرصيف،
ولحد كريم… بس خفت اقول الي عمله احسن تطردني
والكوبري
والزبالة
والبهدلة في المول
وأنا بحكي، كنت بعيط زي العيال الصغيرة
وصوتي بيرتجف،
بس هي كانت ساكتة… ووشها بيتغيّر
ولما خلصت قالتلي بصوت مش متوقعة:
= فين أهلك؟
= "ماتوا… ومحدش سال فيا… كنت ساكنة مع عمتي، وطردتني بعد شوية مشاكل
سكتت شوية، وبعدين قالت:
= "أنا اسمي مدام سميحة… كان عندي بنت في سنك ماتت من كام سنة… بس إنتي من اللحظة دي مش هتباتي في الشارع تاني…"
بصيتلها وأنا مش قادرة أنطق…
قالتلي وهي بتشد إيدي:
= "هتعيشي معايا وهتبقي في أمان… أنا مش هسيبك"
فرحت جدا حسيت اني ممكن ارجع الاقي الامان تاني
عدّى أول أسبوع عند "مدام سميحة"
كنت حاسّة إني بدأت أتنفّس
كان أول مرة أنام في سرير براحه
أول مرة آكل من غير ما أبص في الطبق بخوف،
وأول مرة أصحى ومفيش حد هيضربني أو يشتم
مدام سميحة كانت طيبة....
كنت بحس انها بتعوض بنتها فيا حبتها جدا لما تبقي موجوده في البيت
كانت بتنده عليا:
= "حنين… تعالي ساعديني في المطبخ"
أو
= "تعالي شوفي الفيلم ده معايا…"
وكنت كل مرة بسمع صوتها باسمي
قلبي بيدق،
كأني نسيت إني كنت متعلقة من رقابتي على أرصفة القاهرة
بس…
يوم… حسّيت بدوخة…
وكل يوم
معدتي بتوجعني
ونفَسي مش بيطلع
مدام سميحة قالتلي:
= هنروح للدكتور، شكلك تعبانة
رحنا…
وعملت تحاليل…
وفي اليوم التاني، وهي راجعة من العيادة
دخلت عليا الأوضة، وشها كان متجمّد، عنيها ما فيهاش لون
لما شفتها كده والتحاليل في ايدها حسيت ان في حاجه غريبه مكنتش اعرف انها صدمه عمري
= إنتي… حامل؟
اي لسه مستني المسكينه دي تاني قلبي بيوجعني وانا بكتب ي جماعه القصه دي مش خيال خالص
القصه قريبه لبنت حصل معاها كده فعلا بس انا بغير فيها عشان في حاجات مش هعرف اوصفها زي ما هيا...
↚
إنتي... حامل؟"
أنا اتجمدت...
ماعرفتش أرد ازاي مكنتش عارفه لالا مكنتش عاوزه مش لا
قربت مدام سميحه مني وهيا بتبصلي بريبه
= إنتي... ي حنين... إزاي؟ إمتى؟ ومين انت ازاي متقوليش ان حد عمل معاك حاجه زي كده
قعدت على الأرض مكنتش مستوعبه الصدمه والي حصل
بكيت... بكيت زي العيال زي طفل تايه مش عارف هو مصيره اي كل ما اقول بدات تضحك ليا ترجع تاني واضح اني مش مكتوب ليا اعيش في أمان
كنت بتكلم وانا مصدومه
= أنا مغلطتش... والله مغلطتش... هو.....هو اللي عمل كده....هو الي ظلمني......ك... كريم... أنا ماليش زنب واالله ما عملت حاجه هو....هو اعتدي عليا عشان.....عشان كده سبته وهربت...خفت احكيلي الي حصل تسبيني وانا معنديش مكان تاني ارحله
كانت مصدومة...
وبصتلي كأنها مش مصدقاني
= أنا مش قادرة أستوعب... ازاي ي حنين ازاي تخبي عني حاجه زي كده...... ده بيت محترم وأنا مش فاتحة بيتي للحوامل اللي جايين من الشارع
بصتلي وانا مصدومه من كلمها مقدرتش ارد فقالت
= هديكي يومين... تفكري فيهم هتروحي فين
مشيت وسبتني قاعده مكاني من صدمتي مقدرتش اتحرك فضلت قاعده مكاني لحد ما الجو بقي ليل
= هتروحي فين تاني ي حنين يظهر انو دا نصيبك في الحياة متفرحيش...ملكيش امان ولا...مكان
عيوني دمعت افتكرت اني دلوقتي مبقتش لوحدي
بقي في روح كمان جوايا حطيت ايدي علي بطني
= انا مكنتش عارفه اعيش لوحدي دلوقتي انت كمان
هنعمل اي ملناش مكان نروح فيه مكناش لازم تكون هنا
بكيت كتير لحد م دموعي نشفت حاولت اقوم كنت مرهقه بس كان لازم اعمل حاجه فكرت كتير لو خرجت من هنا هرجع تاني للبهدله والشارع والطفل الي جاي ده اي هيحصل فيا في النهاية هو ملهوش زنب يمكن ربنا كتب انو يجي عشان يكون ليا حد في الدنيا اعيش عشانه علي قد ما كنت حزينه انو هيجي بالطريقه دي علي قد ما كنت فرحانه انو هيكون عندي حد ليا في العالم ده...
قومت وانا بتمشي بالعافيه واستند علي الحيطان لحد ما وصلت لباب الاوضه بتعتها
قعدت عند باب أوضتها
ما نمتش فضلت ابكي واترجها النهار طلع وانا لسه مكاني الخدم كانوا بيبصلولي بنظره شفقه ومدام سمحيه كانت ساكته حتي مفكرتش ترد عليا خرجت وشافتني ومشيت بدون اي حاجه
الخدامه قومتني وخدتني الاوضه واكلتني بس انا مكنتش عاوزه كده انا عاوزها تخليني اقعد عندها حتي لحد ما اولد
فضلت كده كل ليلة أعيط
وأقولها:
= "بالله عليكي... سبيني هنا... مش عشان أنا عايزة أعيش... علشان البيبي ده... مالوش ذنب... أنا مش بطلب شفقة، بطلب بس مكان أمان... هشتغل خدامه عندك والله هعمل كل حاجه تقوليلي عليها بس بالله عليكي مش عاوزه ارجع الشارع تاني
ما كانتش بترد،
بس كنت كل ما أبص في عينيها، ألاقي دموع محبوسه بس مكنتش بتدي اي ردة فعل
وفي ليلة... وأنا نايمة على الأرض قدام باب أوضتها
فتحت الباب
= العيّل ده ملوش ذنب... بس لو هتفضلي، يبقى تسمعي كلامي حرف بحرف
وقفت وانا مبسوطه جدا قلتلها ودموعي مغرقاني:
= حاضر... والله حاضر...هعمل اي حاجه تقولي عليها
طلبت مني طلب غريب
"بُصي يا حنين... أنا مش هكدب عليكي، اللي حصل حصل... والولد ده جه للدنيا خلاص...
بس لازم نفكر بعقل
الناس برا ما بيرحموش، وكل خطوة لازم تتحسب صح
حنين :
أنا مش هسيبه... حتى لو الدنيا كلها ضدي بس انا ماليش غيره
= عارفة... بس علشان تعيشي انتي وهو من غير متاهات ولا فضايح... لازم نلاقي طريقة الناس ما تسألش... ولا تجرّح وعشانك انت في المستقبل
حنين بقلق:
زي إيه؟"
= في دور أيتام بتسجّل الأطفال اللي مالهمش أهل معروفين...
إحنا ممكن نعمل ورق كفالة كأنك اتبنّيتيه...
يبقى قانونًا معاكِ... والناس تفكر إنك بتربيه ...
مش علشان هو ابنك وعشان انت لسه السن القانوي يمنع انك تعملي كده انا هتكفل بيه كده محدش هيتكلم انا عندي بيت ودخل وسني مش كبير قوي
حنين بصدمه:
يعني أعيش أمّه... بس على الورق أبقى متبنياه؟
=دي أنضف طريقة قدام الناس... وبدون أب، مش هتقدري تسجليه باسمه...
ولو عملنا عقد زواج مزوّر هتقعي في مصيبة
إنما دي طريقة قانونية... والمهم الطفل يفضل في حضنك
حنين بدموع:
هعمل أي حاجة عشان أفضل معاه...
فضلت عايشة معاها
وكل يوم كانت بتتعلّق بيا
تعاملني زي بنتها
تجيبلي لبس الحمل، وتطبخلي أكل مخصوص
وتنده للشغالة :
= حنين محتاجة عصير... بسرعة
كنت حاسة إني رجعت بني آدمة
والبيبي اللي جوايا...
بقى هو الأمل
هو اللي هعيّش عشانه
كانت بتحط إيدها على بطني، وتضحك، وتقول:
= شايفة؟ ده رزقك يا حنين...
قبل الولادة بشهرين...
كانت بتكح كتير، وتتعب،
بس تقوللي:
= دوخة بس... مفيش حاجة
"وفي يوم...
صِحيت الصبح كعادتي...
نديت عليها، مردتش
استغربت...
دخلت أوضتها على أطراف صوابعي...
كانت نايمة، ووشها هادي... أوي...
هادي لدرجة خلت قلبي يدق فجأة
ندهت عليها...
قُلت يمكن سمعي بيغشّني...
هزيت كتفها بلُطف...
بس مفيش...
مفيش نفس،
مفيش نبض،
مفيش صوت
كانت نايمة، بس مش نايمة
كانت راحت...
رايحة من غير ما تقول وداع راحت هيا كمان وسبتني راحت
من غير ما توصي عليا حد
ولا تبصلي النظرة الأخيرة اللي كنت محتاجاها
صوتها...
اللي كان بيصحيني،
اللي كان بيطمني،
اللي كنت بسمعه حتى وهي ساكتة...
مات
صرخت...
صرخت كأني بصرخ لأول مرة في حياتي...
= "يااااه!!! مدام سميحة!! قومي... بالله عليكي قومي!!
وقعت على الأرض جنب السرير
وإيديا كانت بتترجّف وهيا بتشد الغطا
صوتي خرج مش صرخة...
كان زي الزئير...
زي الحيوان اللي انضرب بالنار وبيطلع آخر نفس
مداااام سميييييحة!!!!"
صوتي رج السما...
كان بيخرج من حنجرتي بس...
بس طالع من قلبي، من ضهري، من سنيني كلها
ما تسبنييش!! أنا مالييش غيرك!!!"
حضنتها
حضنتها بقوة...
وبعيّط زي العيال...
بدموع ملهاش آخر،
بصوت بيوجع الحيطان.
"أنا لسه ما صدقت إني لقيت حد يحبني...
إزاي تموتي دلوقتي؟!
إزاي تسبيني لوحدي؟!"
كنت بكلمها كأنها سامعة
كأنها هتفتح عينيها وتقوللي
"اهدى يا حنين... أنا معاكِ"
بس هي ما فتحتش
قربت بقي من صدرها...
كنت بدور على النبض...
على النفس...
على أي حاجة تقوللي إنها لسه هنا...
بس لأ
كل حاجة بقت ساكتة حتي
الساعة اللي في الحيطة وقفت
والنور اتطفي
والدنيا بقت عتمة جوايا
وقتها...
صرخت تاني
صرخة مفيش بعدها حاجة.
يااااااااااااااااااااااااااارب!!!
ليه كل حاجة حلوة بتروح مني؟!
أنا تعبت...
أنا مش قادرة أكمل...
وقعدت على الأرض
بحضن رجليها بايدي
وكل جسمي بيرتجف
الموت خبط على بابي وأنا لسه بتعلم يعني إيه أمان
وسابه مفتوح...
وسابني بردانة، ضايعة...
ومكسورة أكتر من أي وقت قبل كده
في جنازتها، محدش من قرايبها جه
كانت وحيدة في الدنيا،
زيي... يمكن ده اللي جمعنا.
بعد الدفن، الناس مشيت
والبيت سكت
أنا رجعت أقعد على الكنبة اللي كنت بقعد فيها وهي بتتفرج على التلفزيون
وحسيت إن البيت بارد...
مش من الهوا
من الغياب
بس أنا مش لوحدي...
أنا بقيت اتنين...
أنا وبيبي
وأقسمت وأنا حاطة إيدي على بطني:
= "عمري ما هسيبك...
ولا هسيب الدنيا تضحك عليّا تاني
عدّى أسبوع على موت مدام سميحة
والبيت بقى بارد...
والشمس اللي كانت بتدخل من الشبابيك، بقت تخبط وتطلع
كأنها هي كمان مش طايقة المكان بعد ما راحت الست الطيبة
وفي يوم...
كنت واقفة في المطبخ، بغلي ميّه... الجو ساكت والبيت حزين بعد ما مدام سميحة راحت لربها.
كل حاجة فيها نقص، وكل صوت بيزن في ودني كأنها بتناديني من العالم التاني.
ولولا الحمل اللي في بطني، كان زماني مشيت من غير حتى ما أبص ورايا...
وفجأة...
صوت المفتاح وهو بيُفتح الباب
قلبي اتنفض... البيت مقفول، والمفروض مفيش حد معاه نسخة المفتاح غيري...
خطيت خطوتين ناحيه الباب، وبصيت من فتحة الممر
شخص داخل...
راجل... طويل، لابس بدلة رمادي، شنطة في إيده، بيبص حوالين البيت بعيون غريبة...
مش زائر، لا... ده راجع لبيته
اتصدمت
أنا مش مصدّقة
ده... هو
كريم
رجليا اتلجت، ودماغي لفت ... لفيت وشي بسرعة، ودخلت أوضة مدام سميحة، كنت هاقفل الباب، بس صوته جه أسرع من إيدي:
= "إنتي؟!!" استني عندك انت مين
وقفت لفيت وانا
زي التمثال
زيّنا احنا الاتنين
هو شايفني، وأنا شايفاه.
كل حاجة حواليّ اختفت، مفيش غيرنا احنا في الدنيا دي كل حاجه وقفت في اللحظه دي
وشه اتقلب
مش مصدق
مش متأكد
مش فاهم
= "إنتي إزاي هنا؟!" وبتعملي اي
كلامه طلع باندفاع، وأنا ببص له كأني بشوف شبح... شبح اللي كان السبب في موتي الأولى
رديت بصوت مبحوح، كأن الحروف مش راضية تطلع:
= "أنا... كنت عايشة هنا مع مدام سميحة..."
قاطعني، وبص لي بنظرة فيها مزيج من الذهول والخوف والذنب:
= "مدام سميحة؟ هي... راحت فين؟"
دموعي نزلت قبل ما أنطق، وبصيت له بوجع:
= ماتت
سكت
قعد على الكرسي اللي جنب الباب
مفكّرش
مقدرش
ولا حتى سألني ماتت ازاي ولا أنا وصلت هنا إزاي
سأل سؤال واحد:
= "إنتي... ليه ما اختفيتيش للأبد؟"
بصيت له بكل الشهور ولايام اللي قضيتها مكسورة، وقلت بهدوء:
= مكنتش ناوية أرجع... بس اللي في بطني... رجّعني للحياة
قرب مني، بص عليا من فوق لتحت، وبص على بطني...
ضحك ضحكة كلها سُخرية:
= "ما شاء الله... يعني جايبة العيال وتربيهم هنا؟"
قلتله بغضب:
= "العيّل ده ابنك يا كريم..."
وشه اتبدّل...
اتنفخ...
واتحول لصخر:
= ابني؟ هو أنا شفتك تاني بعد ما مشيتي؟
جايه بعد شهور تقوليلي ابني؟"
صرخت:
= "إنتَ اللي ضيعتني!
إنتَ اللي بهدلتني!
أنا ماجيتش برجليا... أنا كنت بدوّر على أمان!"
قال:
= "إنتي كنتي شحاته... وأنا بس ساعدتك...
مش مسؤول عن العيال اللي تطلع منك
وبعدين، البيت ده بتاعي... أنا الوريث الوحيد لعمتي، مش هسيبك تسكني فيه وتورّثي العيل كمان!
قلتله وأنا بعيط:
= "أنا مش طالبة منك حاجة... مش عايزة ورث...
سيبني بس أكمل حملي هنا...
أولد في أمان... بعد كده أمشي..."
= "لأ... إنتي هتمشي دلوقتي
وبالعيّل كمان
أنا مش عاوز فضايح، ولا عاوز حد يقولي إن ليّا ابن من واحدة كانت في الشارع
بصيتله وانا مرعوبة:
= ده مش زنبه! الطفل ملوش ذنب!
ده ضناك يا كريم..."
قال:
= أنا قولت اللي عندي...
قدامك ساعتين...
وإلا هكلم البوليس وأقول إنك اقتحمت البيت بعد موت عمتي
جمعت هدومي،
ولفّيت بطني بشال قديم،
والشغالة رجعت كانت واقفة بتبصلي
وقالتلي بصوت خافت:
= أنا آسفة... بس مقدرتش أعمل حاجة
قلتلها:
= "أنا خلاص... ما بقيتش مستنية من حد حاجة"
وخرجت من باب البيت
بس المرة دي... ما كنتش ماشية في الشارع زي زمان
كنت ماشية وأنا شايلة روحي وإبني في بطني،
شايلة كرامتي اللي ما فضلش منها غير فتافيت،
وشايلة ذكريات ستّ طيبة...
كانت آخر حضن في الدنيا
ومشيت...
ومفيش غير دموعي بتسلّك الطريق
مكنتش عارفه انا رايحه فين وهل هقدر اكمل تانى واي مستنيني في الحياة دي
يارب تفاعل حلو علي البارت عشان نعرف حنين اي
لسه هيحصل معها وكمان كريم رجع تاني لحياتها فهل
هيفضل مستمر ولا كده خلاص
مش عارفه هو عمل كده ليه مش كفايه اللي حصل معها
منه لله
↚
وأنا خارجة مش عارفه رايحه فين دموعي نزلت لوحدها
بطني حسيت انها بقيت تقيلة وعنيا اللي مش شايفة بيها من الدموع
سمعت صوت ورايا بينده عليّا همس:
= حنين…
لفيت بسرعة…
كانت "هدى"… واحدة من الشغّالين اللي كانت بتساعد مدام سميحة
قربت مني قالتلي بسرعة:
= استني يبنتي متروحيش… متروحيش في مكان دلوقتي وانت بالشكل ده علي القليل لحد ما تولدي كلها شهر
في أوضة في البدروم…
تحت السلم… محدش بينزلها خالص
تعالي وأنا هساعدك تباتي فيها، وهجيبلك أكل كل يوم
كريم ما يعرفش عنها حاجة… ولا هيفكر ينزل هناك"
أنا وقفت… وقلبي بيرجف:
= انا مش عاوزه ارجعله بس… لو عرف؟
= يحبتتي هتروحي فين بس وانت كده علي القليل انا ممكن اخد بالي منك وبعدين هو مش هيعرف…
أنا بشتغل هنا من ١٤ سنة محدش بيدخل البدروم غيري متخافيش
كنت متردده مش عاوزه اشوفه تاني مش عاوزه احس اني بقلل من نفسي اكتر من كده حطيت ايدي علي بطني وافتكرت اني مبقتش لوحدي ولازم اتخلي عن اي حاجه عشان احافظ عليه
مدام هدي مسكت ايدي وهي بتقول
= سيبيني أساعدك يا حنين… الست الله يرحمها كانت بتحبك وأنا كمان تعلّقت بيكي
وانت زي بنتي
مشيت معها كان كريم في اوضته وقتها مشفنيش
نزلت معاها بالليل
من باب صغير ورا المطبخ
سلم حديد
ورطوبة تخنق النفس بس مكنش قدامي حل تاني ومهما كان دا افضل من الشارع مليون مره
دخلت أوضة صغيرة فيها مرتبة قديمة، وبطانية مرمية
وفي ركن… شنطة فيها هدوم كانت بتاعة بنت مدام سميحة الله يرحمها
قالتلي :
= هتقعدي هنا …
وانا كل يوم قبل ما أمشي هجيبلك أكل…
وخليكي هادية… لو سمعك أو حس بحاجة هتروحي في داهية وفي حمام هو قديم شويه بس شغال بس مهما كان
إنتي هنا في أمان…
حضنتها وأنا بعيّط:
= أنا مش عارفة أقولك إيه…
أنا بدعيلك من قلبي
قالتلي بحب:
= ربنا كبير يا بنتي… وحييجي اليوم اللي ترفعي فيه راسك
سبتني ومشيت قعدت ابص في اركان الاوضه حسيت بالخوف بس شجعت نفسي
الأوضة كانت ضلمة
مفيهاش شباك
بس كانت فيها أمان صغير…
أمان إن مفيش حد هيزعقلي
ولا هيطردني
ولا هيقولي "اطلعي برا"
قعدت فيها واتغلبت علي الخوف الي جوايا
كل يوم هدى كانت تنزلي الأكل
سندويتش، شوية رز، شربة
وأحيانًا قطعتين فاكهة لما تقدر.
كنت أسمع صوت كريم فوق…
صوته وهو داخل من الباب،
صوته وهو بيزعق في التليفون،
صوته لما يرجع من الشغل متعصب:
= "فين الغدااااا؟!!"
وأحيانًا…
أصوات ضحك بنات…
وأنا سامعة صوت الكعب العالي بيخبط على السيراميك
وسكته،
ثم همسات،
ثم صوت باب الأوضة بيتقفل،
وهدوء مريب
كنت أحط إيدي على بطني،
وأقول:
= "متخفش…
ماما هنا
حتى لو إحنا تحت الأرض…
بس أنا مش هسيبك"
عدت الايام …
بقيت عايشه تحت الارض تحت الرجلين علي قد ما كنت زعلانه علي نفسي علي قد ما كنت حاسه بامان
حتي لو وراه خوف من الي جاي والي ممكن يحصلي
بعدين
كريم كان عايش حياته
وأنا كنت تحت رجليه…
بس مش باينه ليه
كنت شبهه بنت، بس دلوقتي…
أنا بقيت ظل،
بقيت نَفَس متخفي في بيت كبير
كأني روح مدام سميحة لسه عايشة…
بس في صورة حنين.
وفي يوم
كنت قاعدة على المرتبة القديمة
ضهري واجعني، ورجلي مش قادرة أحرّكها،
بطني بتشد عليا
والنفس بيطلع بالعافيه
الوجع كان طالع من تحت ضلوعي…
زي حد بيقطعني بسكينة باردة.
بس أنا ساكتة…
مش عايزة أصرّخ
أنا في بيت مش بيتي
وكل صوت ممكن يكون نهايتي
بس الوجع غلبني…
صرخة خرجت مني غصب عني
صرخة مكنتش صوت، كانت عمر بيطلع من جوّه
في نفس اللحظة…
كريم كان راجع
معاه بنت زي الي بيجبهم علي طول معاه
ضحكة عالية، ومفاتيح بتترمي على الترابيزة،
وهو بيقول:
= ادخلي جوّه… أنا جايلك
لكن قبل ما يفتح باب الأوضة…
سمع الصرخة
وقّف…
اتجمّد في مكانه
البنت سألته باستغراب:
= فيه إيه؟
ردّ وهو بيشد نفسه:
= استني لحظة كده
نزل السلم…
صوت قلبه بيدق
خطواته بتسرّع
بيفتح باب البدروم،
وهو مش مصدق عنيه.
كنت مرمية،
مبلولة عرق،
وشهي شاحب،
إيدي مسكه بطني
وعيني كلها دموع
اول ما شفته نسيت كل حاجه مش بفكر غير الوجع الي بيقتلني بالحيا بصلته برجاء ودموعي مغرقاني
= ك… كريم… بالله عليك… أنا بموت ساعدني
هو اتصدم
اتجمد
وكان هيزعق
بس سكت لما شاف حالتي
قال بصدمه
= حنين انت هنا ازاي
البنت اللي فوق سمعته بيقول اسمي
قربت
ولما شافت المنظر من فوق السلم…
شهقت وقالت:
= دي… دي عايشة هنا ازاي ؟ إنت مجنون؟
كريم لف ناحيتها وقال بعصبية:
= اطلعي برا… امشي!!
البنت جريت بسرعة ومشيت
مرعوبة، مش فاهمة حاجة
أما هو…
كان واقف متوتر، مش عارف يعمل إيه،
بس عنيه كانت بتقول إنه ضايع
قرب منها
ولأول مرة، بصلها بجد…
وشافها…
مش الشبح اللي كان بيتهرب منه
شافها… بني آدمه موجوعة…
بتولد من غير ضهر
وطى عليها
وشالها بحضنه
وهي بتبكي وبتتلوى من الوجع.
طلع بيها على طول…
دخل العربية،
وأول مرة في حياته يسوق وهو بيبص في المراية مش عشان شكله…
عشان يشوف عينيها… خايف عليها
= استحملي… استحملي بس شويه ونوصل
هي كانت بتهمس:
= "أنا خايفة…
أنا لو جرالي حاجة… حافظ على إبنك"
سكت…
بس نظرته كانت بتترعش
وصلوا المستشفى،
دخل بيها على الطوارئ،
الدكاترة خدتها بسرعة،
وهو واقف برا…
مش قادر يقعد
إيده على رأسه، ووشه بين إيديه كانه بيلوم نفسه علي كل حاجه
بعد ربع ساعة، خرج الدكتور وقاله:
= الولادة كانت صعبة جدًا…
وفي نزيف شديد حصل
وقت ما كان الدكتور بيكلمه...
خرجت وراه ممرضة…
شايلة في إيديها لفة صغيرة…
جواها كائن بيصرخ صرخة أول مرة يشوف فيها الدنيا
= مبروك… ولد
كريم وقف
اتجمد
اتسند على الحيطة
وسأل بصوت ضعيف :
= "هي… بخير؟"
الدكتور قال:
= حالياً مستقرة… النزيف وقف بعد تعب، بس محتاجة تتابع كويس
الراحة نزلت على قلبه،
بس مش كاملة…
لسه في حاجة ناقصة
بص على الممرضة…
اللي قربت منه ومدتله الولد
= تحب تشيله؟
قال وهو بيبص للبيبي:
= "أنا؟…
تفتكروا كريم هيعمل اي هل هياخد الولد ويسيب حنين ولا هيتخلي عنهم الاتنين
ولا ممكن حاجه تانيه تحصل
تصرف كريم بانه انقذنها كان اي ردة الفعل الي خدتوها عنه.....
↚
تحب تشيله؟"
قال وهو بيبص للبيبي:
= "أنا؟…
إيده اتمدت ببطء…
ولما الطفل استقر على دراعه
كان خفيف…
بس تقيل على قلبه أوي
بص في وش الطفل،
وشه مجعلك، صغير قوي، بيبصله كأنه بيقوله:
= أنا منك… غصب عنك
الولد كان بيعيط
بس لما كريم حضنه على صدره…
سكت وكان الدنيا كلها سكتت معاه …
صوت الممرضة، صوت الدكتور، صوت الحزن نفسه…مش محتاج يأكد انو فعلا منه الاحساس كان كافي انو يثبت ليه ده
كان حاسس بحاجة بتتحرك بوجع جواه
بس وجعها حلو قوي …
زي ما تكون كتلة حجر كانت على قلبه
ووقعت اتفتفتت
قال لنفسه:
= ده أنا…
أنا اللي عملت كده…
أنا اللي جبت البريء ده للدنيا
وكنت هرميه… من غير حتى ما أشوفه."
الممرضة قالتله وهي بتبص للولد:
= هو شبهك…قوي ماشاء الله ربنا يحميه ليكم
كريم مسح دمعة نزلت من غير ما يحس
وقعد على الكرسي…
والولد على صدره
ابتدى يهزّه بإيده،
يهدهده…
هو مش بيعرف،
بس إيده كانت بتعملها لوحدها…
زي الغريزة…
زي الفطرة الي اتولدت لوحدها
قال بصوت واطي:
= أنا آسف …
أنا كنت غبي… بس إنت علّمتني درس مش هنساه
شكلك كده صحى فيا حاجات كتيره
بعد ساعات…
الممرضة خرجت عليه
وقالت:
= هي فاقت دلوقتي …و عايزاك
قام
الطفل معاه
ودخل على أوضتها
حنين كانت نايمة
وشها مجهد…
بس عنيها فتحت ببطيء
أول ما شافته…
وشافته شايل الطفل
ودموع في عنيه…
اتنهدت وقالت:
= ولد؟
هز راسه:
= "أيوه… ادهولها بهدوء
خدته منه قربته ليا اول ما شفته دمعت نسيت اي حاجه حصلت ابتسمت من بين دموعي
يمكن ده احلي حاجه حصلتلي لحد الان
بس مقدرتش اتكلم كنت مرهقه جدا البنج مأثر عليا
بصيت لكريم وعيوني بتقفل كنت بجاهد نفسي اني افضل صاحيه بس مقدرش ونمت....نمت وانا خايفه اقوم ملقهوش جنبي...
قمت بعدها بكام ساعة
كنت نايمة، بس مش نايمة كنت بحلم احلام غريبه انو كربم اخده مني ومشي....الوجع الوحيد الي مش هقدر استحمله فتحت عيوني وانا خايفه ببص عليه قلبي ارتاح لقته جنبي وكريم قاعد علي الكرسي بيبصلي بنظره مقدرتش افهمها هل حزن ولا حب ولا اي بالظبط زي ما يكون بيفكر في الي جاي
اتنفست براحه لما شفت ابني جنبي كنت
كل ثانية ببص عليه
بشمّه… بلمس صوابعه الصغيرة…
وبحاول أصدّق إنه فعلاً ليا
وإنه ماخدوش مني
لكن عينيّ كانت على كريم،
واقف جنب الحيطة ساكت
بس عنيه علي الطفل
وكل لحظة يبص له…
قلبي يضرب أكتر
الخوف جوّه بيكبر مش عارفه هيعمل اي
الممرضه دخلت تشوف المحلول الي في ايدي وخرجت بدون كلام
أول ما خرجت
وبقينا لوحدنا تاني
قمت
ونزلت وقعت علي الارض
وكنت ببعيط بصوت مكتوم:
= كريم… بالله عليك… متاخدوش مني…
خد أي حاجة… خد عمري، بس… متاخدوش هو
أنا عايشة عشانه…
ولو هتطردني، اطردني…
بس سيبه معايا بالله عليك وانا اوعدك هختفي من حياتك نهائي
كان باصصلي…
ووشه مش باين فيه غضب
ولا سخرية
ولا حتى قسوة زي زمان…
كان باين عليه إنه موجوع
وقاللي وهو بيوطّي عليا:
= "أنا مش هعمل كده يا حنين…
أنا مش هكرر نفس الغلط مرتين
هو ابنك قبل ما يكون ابني…
وانتِ أمه… ومفيش حد هيقدر ياخد مكانك
بصتله وانا مش مصدقه الي بيقوله بس صدقت نظرته كانت صادقه وصوته
قومني وقعدت علي السرير تاني وهو قال:
هروح اجيب اكل واجي اكيد انت جعانه كمان الدكتور قال انو حالتك شبه مستقره عشان كده هنضطر نقعد هنا يومين
هزت دماغي ليه وانا ببصله بهدوء كاني بقوله انت صادق ولا بتخطط لحاجه تكسرني بيها تاني
بعد يومين
خرجنا من المستشفى،
أنا ماسكة ابني، حضناه كإني خايفة حد يخطفه من إيدي
حتى وهو سايق…
كل ما يبص في المراية، ألاقي عينيه على الطفل.
كنت بحاول أخبي القلق الي حاسه بيه
بس جسمي بيترعش لوحده من الخوف
مش عارفة أصدّقه…
هو بجد هيوديني معاه؟
ولا دي خطة؟
ولا ضعف لحظي؟
ولا ندم هيروح بكرة؟
وصلنا البيت
أنا نزلت بسرعة،
واخدت طريق البدروم…
رجلي رايحة لوحدها
المكان اللي اتعودت أستخبى فيه…
مكان الأمان الوحيد في بيت الرعب
بس وأنا داخلة السلم الحديد…
سمعته بينادي عليا:
= "حنين!!"
اتجمدت
قلبي وقع
وضميت ابني أكتر…
مشيت أبطأ…
كنت هقول له "حاضر" وأنا نازلة
بس اتفاجئت…
قال بصوت هادي:
= مش هتنامي تحت تاني…
في أوضة فوق… جنب أوضتي
مفتوحة ليكي، ولابنك
بصيت له…
الدنيا لفّت بيا
قولتله بسرحان وسؤال محتاجه اسمع اجابته
= ليه؟
ردّ وقال:
= علشان تستاهلي تعيشي زي بني آدمة…
ولإن ده بيتك برضو، غصب عني وعن الدنيا
دخلت الأوضة نفسها الي كنت قاعده فيها من ايام ما مدام سميحه كانت عايشه
الاؤضه كانت
واسعة… سرير نضيف…
شمعة خفيفة من نور السما
قعدت
وابني في حضني
وكريم واقف عند الباب
مابيتكلمش
بس عينيه بتقول كتير
وأنا…
كنت لسه خايفة
لسه مش مصدقة
بس جوايا صوت بيهمس:
= يمكن… يمكن لسه فيه أمل....
لقيت هدي جايه تجري عليا بخوف اتخطت كريم الي واقف مكانه مش عارفه هو عاوز اي
=حمدلله علي سلامتك ي بنتي قلقت عليكي خالص بس استاذ كريم طمني انك بخير
بصيت للبيبي وبصتلي جامد وبعدين بصت علي كريم وقالت:
د....دا شبه دا شبهو ازاي...هو.....كريم ده...هو نفسه الي حكيت عنه قبل كده
بصتلها وانا متوتره ومش عارفه اتكلم بصت لكريم بخنقه وهو بص في الارض وخرج بدون كلام
مسكت ايدي وقالت:
شايفه انو بدأ يحن بسببه يمكن ربنا شايلك حاجه حلوه وانا متاكده ومدام جابك معاه يبقي نيته خير ان شاءالله
قامت وهي بيتقول بابتسامة:
هعملك فرخه مسلوقه كده حلوه واجي
خرجت وقابلت كريم في وشها بصتله بعصبيه وكانت لسه هتتكلم بس هو قال:
عارف عاوزه تقولي اي متخافيش انا يمكن وحش بس مش ندل لدرجه اني اتخلي عنه
بصتله بصمت ومشيت
تاني يوم…
كنت لسه نايمة
وابني في حضني
وبفكر:
هل اللي حصل امبارح حلم؟
ولا الدنيا قررت تصالحني شوية؟
وياتري اي ممكن يحصلي بعدين
فجأة
باب الأوضة اتفتح فجأة
كريم دخل…
ومعاه راجل كبير، لابس جلابية، وعمته بيضا
وكان باين عليه إنه شيخ من بتوع ربنا اللي وشه كان منور
أنا اتفزعت
حضنت ابني أكتر
والراجل دخل بصلي باستغراب
كريم قال بصوت ثابت:
= يا شيخنا… دي مراتي
كنا متجوزين عرفي…
وحصل حمل…
ودلوقتي عايزين نكتب رسمي، علشان نسجل الطفل
......
الشيخ بصله وقال:
......
↚
وعينه وسعت
وقال:
= إنت بتقول إيه ي ابني؟
اتجوزتوا عرفي من غير شهود ولا ولي؟
والله دا مش جواز دا لعب في الحرام!
وحملت منك؟!
إزاي؟! تقبل كده واستنيت لحد ما ولدت ولسه بتفكر تعقدوا رسمي اي عقل بشري انتم
كريم بص في الأرض وسكت
أول مرة أشوفه بيتكسف بالشكل ده
والشيخ فضل يقول:
= اتقِ الله يا ابني...
إنت راجل وعارف الدين كويس
ورغم كده سبتها لحد ما تولد
والنهارده جاي تكتب ورق عشان العيل يتسجّل؟
ربنا فاكره غايب عنك دا شايفك كويس؟
أنا كنت ساكتة وانا بسمعه وعيوني علي كريم الي مش قادر حتي يرفع عيونه للشيخ
كل كلمة من الشيخ كانت بتخبط فيا...
وفيه
بس ماكنتش برد
كنت ضامة ابني...
وساكتة كأني مش هنا
الشيخ تنهد
وبعدين قال:
= خلاص... هنكتب العقد
وهجيب الشهود
وهنسجله بتاريخ قديم
وربنا غفور رحيم
كل خلية في جسمي بتترعش...
مش عارفة إيه اللي بيحصل
الشيخ قرب مني سلّم عليا وقال بابتسامة خفيفة:
= أهلاً بيكي يا بنتي...
أنا عرفت إنك متجوزة من كريم عرفي
وإنك حملتي منه
وجايين نكتب الجواز رسمي علشان نثبت النسب
وده شيء محترم... وربنا بيحب الإصلاح ومش هلومك علي حاجه ولا هسال
بس كنت ساكتة،
ما أدرش أنطق...
لو الشيخ عرف الحقيقة؟
لو عرف إن مفيش جواز، وإن الحمل جه من وجع وخديعة؟
ساعتها كريم هينهار، والشيخ هيمشي، وابني... مش هيكون ليه حتي اسم...
ففضلت ساكته
بس كريم...
كان باين عليه إنه شايل جبل فوق كتافه
ساعتها حسيت إنه بيبص للشيخ زي اللي بيطلب غفران منه.....
مش مجرد عقد
جِه الشهود
والشيخ بدأ في الإجراءات
كله بيتم زي ما بيقول الشرع
وكريم بيرد على الأسئلة
وانا... كل كلمة بتمضي على قلبي مش على الورقة
لما جيه الشيخ سال علي اسم البيبي
أنا اتكلمت بسرعه:
= اسمه محمد...
على اسم النبي
كريم بصلي بابتسامة وسكت...
الشيخ ابتسم وقال:
= اللهم صلّ وسلم عليه...
اسم جميل، وإن شاء الله يكون من الصالحين
وبعد ما كتبنا وكله خلص ...
الشيخ لف لنا وقال وهو خارج:
= ربنا جمعكم بالحلال...
ابدأوا صفحة جديدة
وخلوا ابنكم يكون شاهد على حياة فيها طهارة وسُترة
أنا كنت باصّة في الأرض
ومفيش صوت طالع مني
أما كريم...
كان باصصلي
بس نظرته مش نظرة راجل كسب
كانت نظرة حد خسر كتير... وبيحاول يرجّع اللي يقدر عليه
لما الشيخ مشي
وإحنا بقينا لوحدنا حتي هدي مشيت
كريم مقربش
قعد بعيد، بس مش بعيد قوي...
= أنا عارف إنك ساكتة...
بس سكاتك ده أعلى من أي صوت
وعارف إنك بتفكرّي أنا ليه عملت كده؟
الشيخ ميعرفش...او انا ليه كذبت
بس أنا...
أنا مقدرش أكدب على نفسي
أنا بكتب دلوقتي لأني كنت جبان
ويمكن مش عايزك تسامحيني
بس عايز ابني يعرف إن أمه ستّ عظيمة...
اتظلمت واتكسر قلبها... بس ما رضيتش ترجع للغلط
أنا ما سألتوش قدّام الشيخ...
بس وأنا قاعدة،
وابني نايم،
ببص عليه،
وفجأة سألت وأنا عيني ليه:
= هو انت عملت كده عشان تبقى أب؟
ولا عشان تخلّيني مراتك؟
ولا عشان تلمّ الجرح... وتلمّ صورتك قدام الناس وقدام نفسك؟
سكت
وما ردش...
بس لأول مرة
شفت عينه بتحمر من الدموع
قعد على الكرسي اللي جنب السرير
وأنا كنت على طرف السرير
وابني نايم في حضني...
كنت سامعة كل نفس بيطلع منه
وفجأة قال بصوت واطي...
صوت غريب، مش متعوده عليه منه:
= أنا عمري ما كنت بني آدم طبيعي...
سكت
حسيت فيه كلمة كبيرة جاية
وهو كمل:
= أبويا مات وأنا صغير...
وأمي اتجوزت راجل تاني... وسابتني
قالتلي هتعيش مع عمتك
وعشت فعلاً
بس طول عمري كنت ضيف تقيل...
مش ابن البيت
كان صوته فيه وجع
مش صوت راجل... صوت ولد صغير تايه
= كبرت...
ودخلت جامعة، واتخرجت،
واشتغلت في شغل أي كلام...
بس مكنتش بشوف بكرة...
مفيش هدف، مفيش حب،
كنت ماشي وخلاص
والحرام كان دايمًا أسهل طريق قدامي
كنت بغلط... وأضحك... وأنام
وعشان عمتي مكنش عجبها حالي فسبتها رغم انها كانت في اشد الحاجه ليا بنتها ماتت وملهاش حد
وانا كنت شايف نفسي وبس وعاوز اعيش بالطريقه الي انا شيفها صح...
سكت تاني
وأنا ما قطعتوش...
ولا بصيت له...
بس قلبي كان بيسمع
= أول مرة شفتك...
كنتي بتعيّطي قدام المستشفى
كنتي متبهدلة
بصراحة؟
أنا ما كنتش بفكر أساعدك...
بس حاجة فيكِ شدتني
مكنتش عارف وقتها دي شفقة؟
ولا فضول؟
ولا يمكن ضعف مني؟
بس قربت...
وكنت باين عليّا إني بعمل خير
بس الحقيقة... الشيطان كان سابقني بخطوة
قالها...
وبص في الأرض
= أنا غلطت
وكنت عارف إني بغلط،
بس عملتها...
ولما عرفت إنك حامل
اتجننت
مش عشان الولد
لأ...
عشان اتحطيت قدام حاجة عمري ما واجهتها:
المسؤولية"
= كنت عايز أهرب
زي كل مرة بهرب فيها من كل حاجة...
بس يوم ما سمعِت صوتك من تحت...
وأنتي بتصرّخي في البدروم،
قلبي اتحرك
لأول مرة من سنين...
مشيت ناحيتك
ولقيت نفسي بشيلك
وبجري بيكي...
كنت خايف...
بس في نفس الوقت، حسيت إن ربنا بيديني فرصة
العيّل اللي في حضنك ده؟
هو الباب اللي رجّعني للحياة...
رجّعني لبُني آدم كنت ناسيه جواي
أول ماشلته حسيت باحساس غريب عليا أول مره احس بيه احساس قوي جدا علي قلبي كاني كنت تايه ولقيت نفسي في لمسته كانت كأنها دار امان
دموعي نزلت من غير ما احس لدرجه اني استغربت نفسي ازاي...ازاي ممكن طفل يعمل كده فيا لحدما ايقنت انو فعلا ده شعور الابوه يمكن كنت محتاجه من زمان ولاني اتحرمت منه وانا صغير
حسيت قد ايه الشخص بيبقي محتاج الشعور ده...
سكت ودموعه نزلت وبعدين رفع راسه
بصلي
وقالها...
من غير ما يرفع صوته:
= أنا آسف يا حنين...
آسف على كل ثانية ظلمتك فيها
وكل لحظة كنت فيها جبان
آسف إني سبتك تولدي لوحدك
وتتعبي
وتخافي
وتنهاري...
وانا شايف وساكت
أنا ما رديتش،
كنت ببص على ابني
بس دموعي كانت بتنزل...
من غير صوت
هو سألني:
= "هتقدري تسامحيني؟"
سكت...
بس كنت بقول جوايا:
= لسه...
بس يمكن يوم ما...
بس مش دلوقتي
بعدها الايام كانت بتمر
كنا عايشين...
زي اتنين غُرب
في بيت واحد
لكن كل واحد فينا في عالم تاني
الورق مكتوب، والاسم اتسجّل
بس القلب لسه زي ما هو
كريم كان بيحب محمد
وأنا كنت شايفة ده
شايفة نظراته
والخوف في عينه عليه
والندم في كل حركة منه ناحيتي
بس عمره ما حاول يلمسني
ولا حتى يقرّب
وكأنه بيقولّي:
"أنا هنا... بس مش هدوس على وجعك تاني
في يوم...
كنت في الحمام...
وبستحمي
ومحمد فجأة عيّط
كان صوته عالي...
وأنا قلبي وقع
لكن قبل حتى ما ألف فوطة وأخرج
سمعت صوت كريم بيفتح الباب
وبيدخل جري
هو كان لسه راجع من الشغل
وما استناش
دخل على طول يشوف في إيه.
خرجت بسرعة
ملفوفة...
وبحاول أغطي نفسي،
لكن اتفاجئت بيه واقف في الأوضة
شايل محمد
وعينيه عليا
أنا اتجمدت
حاولت أخبي نفسي...
لكن معرفتش
كان باصصلي...
نظرة غريبة
فيها استغراب، وكسوف، وشيء تاني...
مش مفهوم
محمد كان هادي...
ساكت في حضنه
وكأنه حاسس إن أبوه هو اللي طمّنه
كريم لف وشه
حط محمد على السرير
وساب الأوضة...
من غير كلمة
أنا فضلت واقفة...
مكتفة نفسي بالفوطة
وراسي مليانة اسأله
ليه بصلي كده؟
ليه مشي؟
هو خايف؟
ولا بيحاول يحترمني؟
ولا بيهرب من إحساس لسه مش مستوعبه؟
وفي اللحظة دي...
حسيت بحاجة غريبة جوايا
أنا اللي بقالها شهور بترجف من اسمه
النهاردة قلبي دق...
بس مش من خوف
من حاجة تانية...
حاجة أخطر:
الاحتياج.....الاحتواء...الامان....الحب
وعند اخر نقطه وقفت هل انا ممكن احبه فعلا ولا دا مجرد سؤال.....
من بعدها
بقينا بنشوف بعض أكتر،
بس من بعيد بردو.
أنا بقيت أحس إنه بيبصلي...
مش زي زمان
مش نظرة امتلاك، ولا نظرة ذنب
نظرة حد شايفني...
شايف ستّ اتغيرت، واتكسرت، وقاومت ولسه عايشه
وأنا؟
بقيت لما أسمع مفتاحه في الباب
قلبي يتحرك
مش علشان بحبه
ولا علشان نسيت الي عمله
بس علشان...
ماعدتش حاسّة إني لوحدي تمامًا
الخدم كانوا مبسوطين...
شافوا في عنينا حاجة اتغيّرت
أنا مش عارفة هي إيه بالظبط
بس كانت شبه الراحة
كريم بقى بيضحك...
وبقى بيشيل محمد من نفسه
وبيسألني لو عاوزة حاجة...
مش أمر...
سؤال حقيقي
وفي يوم قاللي واحنا قاعدين علي السفره:
= أنا قررت أبيع الشقة القديمة بتاعتي
والمحل بتاع عمتي...
هفتح شركة صغيرة
أنا خريج بزنس...
وآن الأوان أشتغل على حلمي
وأنا سكتة...
بس جوايا صوت بيقول:
يعني ناوي تعيش بجد؟
مش تهرب؟
وفعلا كريم
فتح شركته صغيره ليه
وبدأ يشتغل جد
وفلوس بقت تدخل
وحياتنا بقت أهدى
الأوضة بقت أنضف
اللبس بقى جديد
الأكل بقى من بره
وحتى محمد بقى عنده عربية أطفال شيك...
بس كل ده؟
ماكسرش المسافة بيني وبينه
بقينا زوجين قدام الناس
بس أنا عارفة...
و متأكدة
إننا جُوّه البيت... غرباء
هو مش بيقرب
ولا بيطلب،
ولا بينادي بـ"مراتي"...
وأنا؟
مش قادرة أقوله "جوزي"...
حتى وانا متجوزاه
كل يوم بيرجع من الشغل
يحضن محمد،
ويبصلي ويقول:
= عايزة حاجة؟
وأنا أقول له:
= "لأ... شكراً
وأسكت
بس جوايا سؤال بيصرّخ:
= هو لسه خايف يقرّب؟
ولا هو شايفني لسه موجوعة؟
ولا هو... مش قادر يحبني؟"
وكل يوم
بننام في أوضتين...
وبنعيش كأننا في فيلم صامت
نفس المشهد... بيتكرر
بس ولا كلمة بتتغير
بس الحياة مش دايما حلوه عشان كده لازم ترجع تدبحني لان الي حصل بعد كده كان قساوة جديده من البشر....وكان الحياة بتقولي متفرحيش قوي...
في يوم كريم كان راجع من الشغل وزي العاده دخل لعب مع محمد شويه وبصلي بابتسامه ونظره غريبه ومشي
استغربت اول مره يبصلي كده
هل دي نظرة الحب الي بيقولوا عليها،هو كريم ممكن فعلاً يحبني
قطع تفكيري صوت جرس الباب
= هدي لو سمحت ممكن تفتحي الباب
خرجت هدي من المطب بابتسامه
= حاضر يا ست البنات… جاية أهو
راحت تفتح الباب وهي لسه مبتسمة
لكن أول ما الباب اتفتح، وشها اتبدّل في لحظة
الابتسامة اختفت… عينيها وسعت…
بصّت قدامها وقالت بصوت واطي:
= إنتِ؟!
الست اللي واقفة كانت لابسة شيك، واقفة بثقة…
بصتلها وقالت بهدوء مميت:
= إيه يا هدي؟ مش فكراني ولا إيه؟
هدي اتلخبطت…
= لأ… يعني… مش معقول…
↚
من عيوني يا ست البنات.....جايه اهو
فتحت الباب...وهيا بتبتسم بس الابتسامه اختفت فجأة
ووقفت مكانها مصدومة
عينيها اتسعت، ولسانها اتلجم
= "إنتي...؟!"
الست اللي قدامها كانت لابسة شيك برفانها تقيل ولمعة عنيها فيها خبث مفتعل
= "إيه يا هدي؟ مش فكراني؟ بقيتي تنسي الوشوش كده؟!"
هدي رجعت خطوة ورا، مرتبكة:
= "حضرتك...؟ يعني مش ممكن تكوني..
الست دخلت من غير استئذان، وعنيها بتتمشى في الصالة...
لحد ما وقعت على حنين، اللي كانت قاعدة في الركنه
بصّت لها من فوق لتحت وقالت بلهجة مستفزة وهيا بتقعد :
= قومي يا بت هاتيلي فنجان قهوة مظبوط...
ولا أقولك اعمليه زيادة سنة كده، دماغي هتتفرتك من السفر
حنين بصت لها باستغراب وخوف... بس ما اتحركتش
وشها كان متجمد ونظراتها بتقول: "أنا مش فاهمة حاجه "
الست رفعت حاجبها وقالت بحدة:
= "مش سامعة؟ قومــي يابت!
ولا أجي أنا أقومك؟!" دا اي الاشكال دي
هدي قربت منها بسرعة، بتحاول تهدي الموقف:
= "حضرتك.... دي مش..."
الست قاطعتها وهي بتلوّح بإيدها:
= انا مش فايقلكم أنا داخلة لكريم… هو هنا، صح؟
حد يشوف البت دي ويشيلها من وشي انا مش ناقصه "
عنيها وقعت على محمد النايم على الكنبة...
ابتسمت بسخرية:
= "ومعاكي عيل كمان؟
حافظي على شغلك عشانه بقى!"
وفي اللحظة دي… الباب اتفتح
كريم خرج على الصوت، لابس بيچاما …
بس أول ما شاف الست…
اتجمّد
حنين وقفت من غير وعي وقلبها بيدق بسرعة مش مفهومة…
الست جريت عليه بلهفة:
= "ابني! كريم! يا حبيبي… وحشتني قوي!"
حضنته وهي بتحاول تزرع الحنين اللي ما بقاش…
بس كريم ما اتحركش…
ما مدش إيده…
ما ابتسمش حتى
قال بنبرة باردة:
= "إنتي بتعملي إيه هنا؟"
الست ارتبكت:
= "جيت أشوفك… مش من حقي أشوف ابني؟"
كريم بص ناحية حنين…
الست لحظت نظرته، لفت بسرعة، بصت لحنين:
= "البنت دي؟!"
وقالت بنبرة ضيق:
= "أنا كنت بطلب منها تعمل لي قهوة، وقاعده قدامي بابنها كأنها مالكة المكان انت ازاي مشغل ناس كده عندك
كريم قال بهدوء قاطع:
= اللي إنتي بتتكلمي عنها دي مراتي
والمكان ده بيتها
الست اتخضّت:
= "مراتك؟! إمتى؟ إزاي؟
وأنا آخر من يعلم؟"
كريم بص لحنين، وقال بهدوء:
= "ادخلي أوضتك يا حنين وخدي محمد معاكي"
حنين بصت لهم بخوف، وخدت محمد وسابتهم.
الست قربت منه وقالت بهمس باكي:
= كريم… أنا أمك ليه بتعملني كده؟"
رد عليها وهو مكسور بس ثابت:
= "كنتي أمي…
دلوقتي إنتي ضيفة مش مرغوب فيها"
الست بصت له بذهول…
وبعد لحظة، بصت لحنين اللي كانت ماشية… وقربت منها
لمحت الطفل في حضنها وقالت بفرحة مصدومة:
= ده... ده ابنك؟
أنا مش مصدقة! امتي وازاي!!!
بصت لحنين وقالت بحماس:
= "بس اتجوزتوا إمتى؟
وهو مش انت كنت خاطب؟! يا كريم؟ إنت كنت خاطب صح انا فاكره
كريم رد وهو بيحاول يلم أعصابه:
= كفاية أسئلة وجودك هنا مش مناسب
خدي هدومك… وامشي قبل ما أطلب من الأمن يخرجك
مردتش عليه قعدت علي الكنبه وعيونها بتلف على كل ركن في البيت كأنها بتحاول تزرع نفسها فيه غصب
كريم واقف بعيد، متكتف، مش قادر يقرب خطوة
هي بصّت لحنين الي لسه واقفه مش فاهمه حاجه غير انها ام كريم،
قالت بنبرة واطية فيها دموع مصطنعة:
= شكلك طيبة يا بنتي.. بالله عليكي كلميه قولي له يخلي أمه تقعد شوية ده بيتي برضو.. مش كده؟
حنين اتلخبطت، بس طيبتها سبقتها قبل ما عقلها يفكر
قربت من كريم وقالت بنعومة:
= خليها تقعد يومين يا كريم.. هيا مش غريبة؟
_ غريبة؟
رد كريم وهو بيضحك بسخرية:
_ دي ما تبقاش حتى قريبة!
= بس يا كريم مش حلو كده، مهما كان دي...
قطع كلامها وقال ببرود:
= دي سابتني وانا عيل ومحاولتش تسأل عني غير لما جوزها وعايلها سافروا فاكراني مش عارف...
دي اخر مره شفتها فيها من عشر سنين
= بس.. هي محتاجاك.. وانت ابنها في الآخر
سكت كريم لحظة
كان فيه صراع في عينه، بين وجع قديم وعشم مات من سنين
وبعدين بص لحنين، وقال:
= عشان خاطرك إنتِ.. يومين بس
وبص لأمه بجمود:
= بس إوعي تفتكري إن ده عشانك..
طلع كريم وسابها مع حنين الي بصتلها بابتسامة ومشيت...
بعد وقت ....
البيت كان هادي بعد ما وافق كريم بالعافية تفضل، بس هو لسه مش طايق وجودها
كانت بتتحرك في البيت براحتها كأنها صاحبة المكان، وحنين بتحاول تبين أدبها بس جواها خايفه
بالليل وهما قاعدين على العشا، بدأت تهزر وتفتح كلام باين فيه سم:
= هو أنت يا كريم لسه فاكر خطيبتك القديمة؟
كريم بيرفع عينه من الطبق، وبيلمح نظرة حنين اللي اتشدت فجأة:
= خطيبتي؟!
= أيوه يا حبيبي مش كنت خاطب البنت اللي اسمها... إيه؟ آآه، نجلاء!
عرفت من عمتك كانت دايمًا تحكيلي عنكوا وانت صغير وتقوللي نجلاء دي هتبقى مرات كريم
حنين سابت المعلقة في الطبق وبصّت لكريم من وحسّت بغصة فـ قلبها
كريم عض شفايفه وضغط بإيده على رجله من تحت الترابيزة، وقال ببرود:
= خلصنا الكلام من زمان... والموضوع اتقفل ومات من زمان
= مات؟ ليه ي ابني ؟
قالتها الأم بصوت شبه مصدوم
= يا حبيبي دي نجلاء سمعت انها بنت راجل.اعمال ليه مكانه وامها كانت صاحبت عمك
قالت كده وهيا ماسكة فنجان القهوة اللي حنين جبتوا ليها
اكملت بتساؤل
طب ما تقوللي يا كريم… إزاي اتجوزتها؟ وامتى؟ دي بنت مين أصلاً؟
كريم بيرد ببرود:
ملكيش دعوة
سماح بسخريه:
"إزاي يعني؟ أنا أمك ولا مش أمك؟ ولا عشان بقالي سنين ماشوفتكش بقيت غريبة؟
كريم بنفس البرود بس نبرة صوته بدأت يعلى:
"آه… بقيتي غريبة وغريبة جدًا كمان بتسألي عن مراتي كأنك جاية من النيابة
سماح بنبره مستفزة بصوتها ولسانها بيشرّ شر:
ي حبيبي مش قصدي بس الي سمعته ان نجلاء كانت مناسبه جدا لك… دي بنت راجل.اعمال وكنتوا هتتخطبوا بس حظي اللي أسيبك يومين لقيتك جايبلي البت دي! وبتقول مراتي فلازم اعرف هيا مين
بيتحول صوته لغضب مكتوم، وبيقطع كلامها فجأة
=نجلاء سافرت تكمل تعليمها… وأنا قررت أكمل حياتي
اظن الموضوع خلص كده...
سماح بتبص لحنين بنظرة غل وخبث وبتقول بنبرة قاسية:
"ودي؟ بنت مين يعني؟ شكلها مش من مستوانا!"
حنين وشها بيحمر من الإحراج، بتبص في الأرض وساكتة، عينيها بتلمع بدموع محبوسة:
كريم بيزعق و بحدة مفاجئة:.
"قلتلك متتكلميش عن مراتي وهيا فوق أي مستوى انتي بتفكري فيه… ومحدش ليه دعوة بحياتي دلوقتي لا انتي ولا غيرك
سكتت لحظة من الصدمة من طريقته، وبعدين رمت الجملة وهي بتضحك ضحكة فيها غيظ
"أنا مش جاية أعمل مشاكل… أنا جاية أشوف ابني بس شكلي غلطت في العنوان
كريم وهو واقف بعصبيه ومشي ناحية الباب
قال:
لو عايزة تقعدي… اقعدي عشان حنين طلبت مش عشاني بس حطي في دماغك… مش هتكسري قلبي تاني زي زمان
بصدمه:
زمان؟! أنا اللي كسرته؟
بيفتح الباب وبيبص فيها بقسوة
كل حاجة باظت من يوم ما قررتي تمشي وتسيبيني لوحدي دلوقتي متلعبيش دور الأم الطيبة… مش هينفع
حنين بتبصله بحزن عليه وهو بيخرج وسامح عيونها بتتملي دموع وهيا بتقول:
كنت عاوزني اعمل اي ي عني ي كريم كان عمري 22سنه لما ابوك مات وبعدها اختي ماتت وهيا بتولد وامنتني علي بنتها وبعدها ملقتش نفسي غير اني اتجوز جوزها عشان اربيها وانت رفضت تعيش معايا اعمل اي انا يعني
كريم وقف على الباب، عينه بتلمع بوجع مكتوم بس صوته كان ثابت:
= "أنا مكنتش محتاجك تفضلي معايا… كنت محتاجك تفتكري إني ابنك… ولو حتى مرّة
سماح حاولت تمسك دموعها لكنها فجأة انفجرت بصوت عالي زي اللي عايز يبرر نفسه بأي تمن:
= "أنا مكنتش قدّها يا كريم… كنت لوحدي وعمرك ما بصيتلي غير نظرة كره...
انت سبقتني فالبُعد!
كريم بصّ لها بنظرة مكسورة وقال بنبرة أهدى بس فيها خنقة:
= ومع ذلك… عمر ما يوم عدى وما استنيتش إنك ترجعي لي… تسألي… تحاولي!
بس إنتِ مارجعتيش غير لما اتأكدتي إن عندي شركة وإن ليّا قيمة دلوقتي…
سماح قعدت تضحك ضحكة باهتة مليانة مرارة:
= أنا أمك ي كريم … مش هيفضل في قلبك شوية حنيه ليّا؟!"
كريم ساب الباب مفتوح وقال وهو بيبص لحنين:
= أنا قررت أبدأ من جديد…
والي جانبك دي مراتي… وفوق أي حسابات ات حطها في دماغك … ولو على اللي فـ قلبي
من نحيتك هو اتحرق وانتهى من زمان
قال كده وخرج....
سماح بصّت لحنين بقهر بس معرفتش ترد
وحنين بصتلهاو قالت بهدوء :
= حضرتك اكيد تعبانة من السفر… نامي النهاردة
وبكره نتكلم ونفهم كل حاجة بهدوء عشان كريم دلوقتي مش هيسمع حاجه
سماح رفعت حاجبها وبصتلها وقالت.....
↚
سماح رفعت حاجبها وبصتلها وقالت.....
وانت فاكره اني هسمعلك... كريم ابني انا واكيد مش هاخد الاذن منك عشان اتكلم مع ابني
حنين بصتلها باستغراب وهيا مشيت وسبتها....
الساعة عدّت نص الليل...وكريم لسه مرجعش اول مره يعملها من يوم ما اتجوزوا مش عارفه هيا خايفه عليه ليه بس مش قادره تنام وهيا عارفه انو مش موجود خصوصا انو خرج مدايق
فضلت رايحه جايه قدام الباب كل شوبه بتبص في الساعة والقلق باين عليها....
أول مرة تحس إنه بعيد ومحتاج حد يطبطب عليه... وهي مش عارفة تعمل إيه
صوت المفاتيح بيرن فـ الباب...
لفّت بسرعة وقفت قدامه قلبها بيدق وهي بتحاول ترتب ملامحها
دخل كريم...
كان باين عليه التعب بيترنح في مشيته... ريحة الخمرة كانت واضحة وعينيه حمرا
بصّ لها وابتسم ابتسامة صغيره وقال بصوت مبحوح:
= لسه صاحيه ليه يا حنين؟
ردّت بسرعة وهيابتتهرب:
= مكنش جايلي نوم... كنت لسه هقوم اهو...
حاولت تعدّي من جنبه تروّح أوضتها، بس هو مدّ إيده مسك إيدها...وقال بحب:
= استني...
بصّتله وهيا متفاجأة منه
قرب منها، عنيه كانت كلها وجع مسك وشها بايده وهو بيقول:
= أنا تعبان يا حنين...
أنا مش كويس...خليكي جنبي متسبنيش انت كمان زيهم
حنين اتلخبطت قلبها دق جامد بتحاول تبان انها طبيعيه مش قادره تبص في عيونه قالت وهيا بتهرب من نظرته:
= طيب تعالى نطلع الاؤضه.. شكلك تعبان
لفّت إيدها على كتفه وسندته، كان ماشي بتقل، زي اللي شايل وجع سننين فوق كتافه بيبصلها بحب
دخلوا الأوضة...
ولما قرب من السرير ونام عليه مسك ايدها وشدها نحيته هزّ راسه وقال بهمس:
= أنا آسف...
حنين قالت وهي بتحاول تبعده:
= خلاص... نام دلوقتي بكره نتكلم
قام قعد عالسرير...
وبصّ لها عينه كانت زايغة بس كلامه طالع من جوه قلبه:
= أنا آسف عشان كل حاجة...
أنا آسف إنك في يوم انت بكيتِ بسببي...
حنين وقفت مكانيها، مش قادرة ترد
هو كمل بكلام متقطع:
= بس أنا كمان... أنا موجوع...
كنت وحيد طول الوقت...
كنت محتاج حد...
وانتِ جيتي فجأة...وانا كان عادي عندي مكنتش عارف اميز بين الغلط والصح
بس لما جبتي محمد
غيرتي حاجات كتير...
كنت كل يوم ببصّلك... وأقول:
"هي دي؟ هي دي اللي ربنا بعتهالي؟
سند بضهره علي السرير
كانت هتمشي بس هو
قرب منها و فجأةوهو نايم، مسك إيدها
= متروحيش...متممشيش
اتلخبطت وقالت بتوتر:
= كريم... نام، انت مش كويس دلوقتي
شدّها أكتر... وقعت على صدره
وبصّ في عنيها... سكتت مش قادره تتكلم
كان فيه لحظة سكون... غير كل اللي فات
= عنيكي حلوة أوي...
قالها بصوت واطي، وإيده لفت عليها بهدوء
= أول مرة احس إني عايز أعيش...
كنت ببصلك وانتي نايمة جنب محمد...
قولت: أنا عايز بيت زي ده...
بس معرفتش أقولك...
كنت خايف...
حنين حاولت تقوم، بس هو ضمّها أكتر...
= أنا بحبك...
قالها بصوت مكسور وهو بيقفل عينه وينام...
وهي كانت لسه في حضنه... ساكتة... بس قلبها بيدق بجنون اتصدمت من الي قاله
كانت بتحاول تقوم من حضنه…
بس إيده كانت متثبتة عليها
قلبه بيدق في صدره وهي سامعة صوته
= كريم... سيبني...
قالتها بهمس مرتبك مش عارفة هياخايفة منه ولا عليه
بس هوكان مغمّض… وشه هادي لأول مرة من سنين،
وصوته طالع ناعم كأنه بينام على أمل:
= خليكي كده...
متتحركيش...
قلبها دق اكتر...
وفيه حاجة جوّاها بدات تتحرك وهو بيقولها الجملة دي...
قالتها وهي بتبلع ريقها:
= طب... ومحمد؟!
فتح عينه لحظة، عينه كانت دبلانه… بس جواها وجع بيطلب الطبطبة:
= متخافيش عليه…
هو نايم...
وبعدين ضمّها أكتر
كأن حضنها المأوى الوحيد اللي بيحس فيه إنه بني آدم مش حتة حجر متشقق من جوه
كان بيتنفس بصوت تقيل…
وهي بتحاول تهدي دقات قلبها اللي بتصرخ
"ابعدي" ده خطر دا الي اذاكي
بس جزء تاني منها كان بيقول "سيبيه… يمكن دي أول مرّة يحسّ إنه مش لوحده هو محتاجك "
هو كمل بكلام متلخبط وهو بيغرق في النوم:
= أنا كنت بردان…
بس دلوقتي دفيت…
= كنت خايف… بس انتِ هنا… بقيت مستريح
وغمض عينه تاني…
وبإيده كان لسه ماسك إيدها كأنه بيمسك الحياة كلها
وحنين…
كانت ثابتة، لا بتتحرك ولا بتتنفس…
كلها ارتباك وتوهان
بس جواها حاجة بتتبدل…
لحظة كانت بين "هو عاوزني؟"
وبين " هوأنا... لسه خايفة منه؟ ولا خلاص ؟
سابته…
ينام وهي لسه في حضنه
سايبة كل الأسئلة في عقلها …
وكل الإجابات في حضنه بس بيجاوب عليها
الصبح...
حنين فتحت عنيها على نور الشمس اللي بدأ يتسلّل من الشباك
وبسرعة اتفاجئت… لسه في حضنه!
كريم نايم جنبها،
وشه هادي… ملامحه ساكنة، كأنه ولد صغير مرمي من التعب
فضلت تبص له لحظة…
وقد إيه كان شكله بريء وهو نايم…
عينه مقفولة، بس ملامحه فيها حزن غريب
مدّت إيدها بتردد… ولمّا لمست خده بإيدها
اتحركت شفايفه تلقائي، وابتسم…
وبهدوء… فتح عينه
بصلها بثقل نوم، وبصوت مبحوح قال:
= صباح الخير...
حنين اتكسفت… وشالت إيدها بسرعة
وقامت تتحرك بسرعة تقوم، بس أول ما قامت من السرير
كريم وقف وسبقها…
وقف قدام الباب، وسند جسمه عليه وقال بحزن:
= مش ناويه تسامحيني؟
حنين اتلخبطت… وسكتت
قرب منها، مسك إيدها بلُطف، وسحبها بخفة
وقعدها على السرير، وقعد هو على الأرض قدامها، زي طفل بيترجا حنية أمه:
= حنين… صدقيني أنا اتغيرت، والله اتغيرت
أنا عارف إنك لسه خايفة مني، ومش واثقة فيا،
بس أنا... أنا بحبك
معرفش إزاي، ولا امتى،
بس كل مرة ببص في عينيك بحس إني لقيت نفسي
ببقي مبسوط جدا
حنين عنيها بتهرب من عينيه…
قلبها اتلخبط، ولسانها مش عارف يقول إيه،
بس قالتها:
= لأ…ي كريم
لسه متغيرتش بجد
وأنا مش هقدر أثق فيك…غير لما اتأكد انك فعلا اتغيرت
بصلها بتركيز فاكملت
لما تقترب من ربنا وتنسى الحياة الي كنت عايشها كلها
كريم بص لها باستغراب وتوهان …
= ربنا؟!
= آه…
امبارح كنت سكران
وطول ما إنت بعيد عن ربنا
أنا هفضل شايفاك بعيد
وكل مرة هتقرب هفضل خايفة…منك
سكت، وبعدين قال بصوت مبحوح:
=بس....انا.....انا حاولت...
بس مقدرتش
رفع عينه وقال بندم
تفتكري… ربنا ممكن يسامحني على اللي عملته؟
حنين ابتسمت ابتسامة كلها نور وقالت:
= ربنا قال: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا"
ربنا مش بينسى حد…لو خبطت علي بابه وقولت يارب هتوب هيفتحلك كل الابواب
أقرب طريق للأمان… هو ربنا
كريم فضل ساكت… عينيه مليانة دموع
ابتسم وقال:
= إنتِ عرفتِ ده كله منين؟
= بابا…
كان بيحب الدين وبيحببنا نحب ربنا
كان دايمًا يحكيلي عن الصحابه، ويحفظني قرأن
بس بعد ما مات… كل حاجة اتشقلبت
سكتت لحظة… وكريم سألها بصوت هادي:
= هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
بصت له بتوتر…
= إيه اللي خلاكي تسيبي بيتكم؟
حنين قامت تقف… كانت هتهرب بس صوته رجّعها:
= مش عشان حاجة…
بس نفسي أعرفك
نفسي أفهمك.
عينيها دمعت…
صوتها اتكسر وهي بتحكي:
= بعد ما بابا وماما ماتوا…
عِشت مع عمتي
جابت عيالها وسكنت معانا جوزها كان ميت
كان عندها بنت وولد…
ابنها… كان بيبصلي دائما بشكل مش مريح نظراته غريبه دايما كان بيحاول يديقني ويقرب مني باي طريقه كنت بصده واهرب منه
وفي مرة وأنا نايمة، صحيت على إيده......كانت......
سكتت فجأة..وكملت....كانت فوق جسمي
صوتها اتقطع…
لكن كملت وهي بتبكي:
= صرخت
زقته بعيد عني
بس هو كمّم بُقي لحد ما حسيت ان نفسي هيتقط بعدها
مشي
ولما حكيت لعمتي، ضربتني،
وقالت إني كدابة…
واتهمتني إني بحاول أوقع ابنها
كل حاجة بعد كده كانت سواد
بقت تعاملني كخدامة
وبنتها كانت بتكرهني
وفي يوم....حاول انو...انو يع*ت...سكتت
طلعت اجري علي بره وعمتي كانت قاعده مسألتنيش حتي في اي بعدها بقيت خايفه منهم مكنتش قادره اقعد اكتر من كده لما قولت ليها ترجع بيتها تاني عشان عاوزه اقعد لوحدي
رفضت وضربتني واتهمتني اني بعمل كده علشان عاوزه....اني
مقدرتش تكمل وسكتت
بس هو فهم قصدها
لحد ما قررت أهرب…
ومشيت
حنين كانت بتبكي… صوتها بيتهز مع كل كلمة
كريم كان قلبه بيولع نار…
غيرة… وحزن… وقهر
قام، وقعد جنبها
وبمنتهى الحنية…
حضنها
حنين حضنته حضن طفل تايه لقى حضن أمه
كانت بتبكي جوه صدره
وكان هو ساكت…
بس عنيه بتتكلم كانت بيحلف انو هيرجع حقها باي طريقه
بعد لحظة…
حنين اتكسفت ولحظت وضعها، وبعدت عنه،
قامت ماشيه بسرعه…
بس هو… فضل باصص لطفها
وابتسم…
ومد إيده على شعره بتوتر
وقال بهمس:
= يا رب… ساعدني أكون قدها واخليها تسامحني....
بعد وقت علي السفره
قاعد على طرف السفرة بينه وبين الكرسي التاني مسافة… بس عينه علي الي قاعده قدامه ومركز في كل تفصيله بتعملها
كان بيبصلها وهي بتحط الأكل على الترابيزه، كل حركة منها بتزود مشاعره اكتر وبتخليه يبتسم …
كأنت بتتحاشى تلمس إيده بالغلط وهيا بتاكل
هو بكل بساطة… كان مبتسم
ابتسامة باينة في عينه…
باصص ليها كأنه أول مرة يشوفها، بيشوف ملامحها وهي مركزة في الأكل
أو وهي بتعدل كُمّها وهي بتقعد…
كل تفصيلة منها خادت جزء من قلبه، وهو حتى مش بيقاوم!
حنين قعدت قدامه، وابتدت تاكل في هدوء…
بس حست بعينه الي عيلها، اتحركت في مكانها بتوتر خفيف
بصّت في طبقها، وبصّت ناحيته بسرعة…
ولما شافته لسه بيبص، وشها احمر فجأة
وخبّطت في الكوب بالغلط وقعته
= "آسفة… مكنتش قصدي…"
كريم ضحك بخفة، وقال وهو بيعدل الكوب:
=إهدي مفيش حاجة حصلت…
سماح قاعدة على الكرسي التالت باصة للاتنين بنظرة فيها استغراب وقرف متغلف باستنكار
بصّت لحنين وهي بترتب العيش
وبعدين لكريم اللي مبسوط ومش واخد باله منها…
سكتت شوية وبعدين قالت بحدة قطعت كل حاجة:
= "هو في إيه بالظبط؟!
أ
كريم بصلها ببرود،وقال :
= اظن شيء ميهمكيش قوي...
سماح عضّت على شفايفها من الغيظ، وحنين بصّت في الأرض…واتكسفت
بس لأول مرة، في لمحة صغيرة، عرفت إنها مش لوحدها
في مكان تاني تحديدا في مطار القاهره بنسمع صوت
اعلان وصول الطائرة...
السادة الركاب القادمين على متن رحلة رقم ٩٤٣ القادمة من نيويورك، نحب نبلغ حضراتكم إنكم وصلتم بسلامة الله إلى مطار القاهرة الدولي… ونتمنى لكم إقامة سعيدة في وطنكم الأم
الباب الزجاجي اتفتح، وخرج شاب منه …
كان لابس قميص أبيض مفتوح من فوق زرين وبنطلون جينز غامق، وجاكيت جلد شيك متعلق على كدفه
وفي شنطة صغيرة ماسكها في إيده، ونضارة شمس سودة على عينه، دقنه خفيفه وشعره متسرّح بترتيب بسيط
مشي بخطوة واثقة
أول ما عدّى الزحمة…
سمع صوت جه من بعيد وهو بيقرب منه:
= نــورت مصر يا بطل!
حمدلله على السلامة
صاحبه حضنه بشوق جامد وقال:
= "حمد لله على السلامة يا جدع… والله البلد نورت برجوعك.
ابتسم وهوبينزل نضارته شوية على مناخيره وبص له وقال بهدوء:
= "الله يسلمك يا صاحبي…
↚
وقفوا قدام مبنى فخم مدخل شيك، وسكون راقي حوالين المكان
خالد وهو بيوقف العربية قال بخفة:
= أهو يا سيدي وصلت القصر الملكي … دول مستنينك علي نار يا نجم محدش مصدق انك رجعت سالم منها
إسلام نزل بهدوء فتح الباب، طلعوا سوا…
ومجرد ما فتحوا باب الشقة…
كام الشباب الي قاعدين أول ما شافوا إسلام قاموا كلهم وكأن قائدهم رجع من معركة ناجحة
وبدأت التهاني والاحضان واحد ورا التاني
= "ألف مبروك يا باشا!"
= "نورت المكان والله!"
= "فرحتنا برجوعك بسلامة الله"
=محدش مصدق رجوعك "
في آخر الصالة،كان فيه راجل كبير في السن، هيبة باينة في وقفته وابتسامة فخر باينة على وشه
فضل يسقف بإيده وهوبيقرب منه و بيقول:
=أنا بصراحة… متوقعتش إنه في خلال سنتين بس ...
المنظمة كلها تقع على إيدك!
إنت مش بس شاطر... إنت أسطورة يا بطل رفعت راسنا كلنا
إسلام بهدوء واتزان:
ده واجبي يا فندم… وبعدين أنا تلميذك في الأول والآخر يا باشا
بيحضنه بحفاوة وهو بيقول
=
أنا فخور بيك، وفخور إني سلّمت المهمة لحد زيك
وبالمناسبة... الوزارة قررت تصرفلك مكافأة مالية محترمة
المكان موجود في التجمع، شيك ومجهز ليك بالكامل
تعبير عن حبهم ليك
إسلام بابتسامة بسيطة:
مفيش حاجة تستاهل قد شرف المهمة يا فندم
الراجل بنبرة جادة وباهتمام:
بس اللي عملته تتستاهل أكتر من كده.
وعلشان ترتاح شوية... ليك 3 شهور أجازة.
أول ما توصلنا المهمة الجاية، هنبلّغك.
إسلام بيسلم عليه:
شكرًا يا فندم تؤمرني بحاجه تانيه ي فندم
=لا يبطل اجازه سعيده
بعد دقائق....
إسلام نازل السلم وخالد وراه
خالد بينادي عليه:
استنى يا بني! هوصلك… معقول هتروح البيت ماشي؟
إسلام بضحكة خفيفة:
ما كنت هاخد عربيتك
خالد بيقف ويضحك باستغراب
خالد:
إزاي يعني؟! المفتاح معايا!
يحط إيده في جيبه بسرعة… يكتشف إن المفتاح مش موجود يلف بسرعة يلاقي إسلام بيرميله المفاتيح
إسلام ببرود:
انت لسه هتدور؟ اهو خد
ويلا… عشان أنا مستعجل
خالد بضيق وهو بيركب:
نفسي أفهم إزاي دايمًا بتقلبني كده
إسلام بهدوء وابتسامة جانبية وهو بيقعد جنبه:
حاجة خاصة بيا… ومش ناوي أقولك عليها
بعد مده صغيره...
العربية وقفت قدام عمارة قديمة، الطابع الشعبي باين عليها بس فيها دفء.. ذكريات وريحة أهل
خالد بدهشة وهو بيبص على العمارة:
= لسه ساكن هنا؟!
إسلام بنظرة هادية وملامح فيها شجن:
= مينفعش أسيب الذكرى الوحيدة منهم…
وبعدين أختي لسه قاعدة هنا
خالد اكتفى بنظرة احترام وساب إسلام ينزل بهدوء
إسلام طلع السلم بخطوات فيها توتر وشوق في نفس الوقت… كل درجة بيطلعها، قلبه بيدق أسرع مش قادر يصدق إنه أخيرًا هيدخل البيت ده… بعد سنين
وصل قدام الباب… واقف لحظة، وبعدين خبط خبطة خفيفة
بعد ثواني الباب اتفتح
بنت صغيرة في أوائل العشرينات، وشها مألوف شوية، لكن ملامحها ارتبكت لما شافته…
اتجمدت مكانها، عنيها اتسعت، وكأن الزمن وقف للحظة
إسلام بابتسامة دافية:
= السلام عليكم…
البنت ابتعلت ريقها بصعوبة، وبلسان متلخبط:
= اس اسلام
حاولت تهدي ورت
و… وعليكم السلام اتفضل
فتحت الباب أكتر وإسلام دخل بخطوات هادية… عينه بتتحرك في المكان بسرعة، كأنه بيحاول يلم كل تفصيلة نسيها
دخل الصاله لقى "إلهام" عمته قاعدة، جنبها ابنها
أول ما شافوه… اتفاجئوا ووقفوا
رمزي قام بسرعة وهو مصدوم
إلهام اتلبخت والموبايل وقع من ايدها
إسلام بنبرة فيها شوق ودهشة:
= إزايكم؟
أنا جيت...اي مالكم مصدومين كده ليه
رمزي حاول يضحك ضحكة باهتة وهو بيقرب منه:
= ياااااه… نورت يا راجل! مش مصدق نفسي والله!
اسلام زقه بعيد بقرف
إلهام قامت بسرعة، بتحاول تخبي ارتباكها:
= ده انت نورت البيت!
إمتى جيت يا ابني؟!
قص قصدي يعني مش كنت تقولنا انك جاي
إسلام وهو بيبص حواليه:
= حبيت اعملهالكم مفجأه....ولسه واصل من شويه
عنـيه بتدور… بتدوّر على أغلى حد عنده
إسلام بصوت أهدى وهو بيركّز في ملامحهم:
= امال فين حنين؟
سكون لحظة… الكل بيبص لبعض، والتوتر باين
رمزي بيتكلم بسرعة:
= خرجت مع صحبتها… كانت محتاجة تغير جو متعرفش انك جاي
إسلام بهزة راس هادية:
= تمام…
أنا هدخل أنام شوية لحد ما ترجع عشان تعبان من السفر
سابهم واقفين… كلهم في حالة ارتباك، نظراتهم بتتهرب، ووشوشهم متشددة
إسلام دخل الأوضة… وقف لحظة قبل ما يقفل الباب، وبص لهم نظرة طويلة…
وبهدوء قفل الباب وراه
حاول ينام… بس فيه حاجة خنقاه حاجة مش مفهومة… إحساس انو في حاجه هما مخبينها عليه
فضل يفكر وهو قاعد علي السرير
بعد شوية قام… خرج مفيش حد في الصاله …بس سمع صوت عمته خارج من الاؤضه بتتكلم بصوت مرتعش بس واضح انها متعصبه … وقف ورا الباب بيسمع
عمته بهمس مرتبك:
يا رب تستر… يا رب ما يكونش عرف… لو إسلام عرف إن حنين سابت البيت وهربت من سنة ونص إحنا هنتفضح!
مش بعيد يقتلنا
رمزي ببرود وقرف:
هيعمل إيه يعني؟ما خلاص البت مشيت! هو احنا الي مشنها يعني
وبعدين ميقدرش يعمل حاجه دا حته سباك لا راح ولا
جه قال كان مسافر عشان يشنغل بره اهو راجع ايد ورا وايد قدام
بتضربه على وشه وهيا بتقول:
انت تخرس خالص! انت بالذات تخرس! البت مشيت بسببك بعد ما حاولت حضرتك تتعدى عليها أكتر من مرة يا حيوان! نسيت ولا أنسّيك؟!
إسلام اتجمد… النفس اتحبس في صدره… جواه حاجه بتتكسر رجليه هبدوا الباب ودخلوا لوحدهم…
إسلام بصوت مش مفهوم أوله، واطي، بيرتفع مع كل كلمة:
إيه؟!
مين اللي حاول يعتدي عليها؟!
انا عاوز افهم كل حاجه دلوقتي
الكل اتجمد… رمزي واقف محله ووشه اتصفّر، وامه بترتعش وهي تبص لإسلام…
إسلام بيقرب منهم وعنيه مولعه، صوته بيرتجف:
يعني… يعني مشيت؟
حنين مشيِت من سنة ونص… وإنتو مخبّيين؟!لا وقاعدين عادي كده
وإنت… إنت اللي كنت السبب؟!
إسلام بيبص لرمزي واللحظة دي كان فيها كل القهر… كل النار… كل الحنين… وكل الغضب اللي اتحبس سنين… وفجأة…
إسلام:
إنت عملت فيها إيه؟!
اتكلم يا ابن الك"لب!
وبيهجم عليه ويوقعه على الأرض، بيضرب فيه بكل غِل
اللهام بصراخ:
إسلااااام! بلاش! احنا منعرفش عنها حاجه
إسلام وهو بيضرب أكتر:
… ده خنزير!
ده اللي خلّى أختي تهرب! عملتلها اييييي
كنتوا ساكتين ليه؟! ساكتين لييييييه؟!
هقتل*كم
الضرب بيزيد… رمزي بيصرخ… وإسلام مش سامع غير صوت أخته في خياله وهي بتعيط… مشهد ليها وهيا بتهرب… وهي بتجري في الشارع…
بقولك حنين راحت فين....
قالها بصوت عالي مجروح بس مليان غضب … زي اللي خلاص فقد عقله ومبقاش شايف قدامه
كانت واقفة قدامه، جسمها بيرتعش، وعينيها مليانه دموع على ابنها اللي وشه بقى خرائط من الضرب
شوارع حُمرا مرسومة علي وشه بإيده كأنه بينتقم من كل السنين
ردّت بصوت متكسر:
= والله ما أعرف… هي اللي مشت، والله العظيم ما نعرف راحت فين!
وطّت على الأرض تبوس رجله وهي بتبكي:
= سيبه يا إسلام… هيموت في إيدك… أبوس إيدك… دي هيا الي هربت من نفسها والله ما نعرف عنها حاجه!
رمى الولد عليها وصوته طلع بغضب من جواه وهو بيقول:
= عاوزاني أصدق إن حنين سابت البيت كده؟!
ضحك ضحكة كلها سخريه وقال ببرود بيغلي:
= فكراني عيل؟ هتضحكي عليا بكلمتين دول؟
أقسم بالله العلي العظيم… لو ما عرفتش حنين فين،
لأولع في البيت ده بيكو كلكو… وانتو جواه
اتجه للأوضة، فتح الباب برجله، وبدأ يقلب في كل حاجه كأنه بيقلب وجعه مش اثاث قديم …
كل ركن بيتقلب، كل درج بيتفتح بعصبية، لحد ما عينه وقعت على تليفونها في درج
مسكه وخرج بيه، ورماه على بنتها اللي كانت قاعدة زي التمثال
وقال بصوت حاد:
= افتحيه… أهو ده التليفون اللي كنتوا بتردوا عليا منه، مش كده؟
وطت خدته وهي بتترعش، فتحته...
خطفه منها وبدأ يقلب في الرسائل…
كل كلمة بتقطع فيه أكتر من اللي قبلها…
= سنة ونص… سنة ونص وأنا كل ما أكلمها تفصل،
كل ما أبعَت، تبعتلي "أنا كويسة'...
وبس!
سنة ونص… وقلبي يقوللي يمكن مش قادرة، يمكن بتخبي وجعهاعشان بعيد عنها …
بس كل ده؟
كل ده كان كدب؟
بنتك هي اللي بترد عليا؟
وانتو… انتو عاملين عليا فيلم ومصدقين نفسكم؟!
لفّ عليهم فجأة، وعينه بتلمع بغصة مكسورة:
ولما هيا مشيت…
مقولتليش ليه؟
ليه كملتوا تمثيل؟
ليه خليتوني أصدق انها عايشه؟
كنت خايفين علي الفلوس الي ببعتها وأنا فاكرها....هنا؟!
صوته علي بغضب وهو بيتوجع وبيلوم نفسه:
= عشان ابنك الصايع صح؟!
اللي مش لاقي شغل؟
عشان الفلوس؟
كنتوا خايفين الفلوس اللي ببعتها تقف؟
اختي كانت تمن كام في الحكاية دي؟!
قعد على الكرسي، عينه مفيهاش دموع … بس كلها وجع اتجمع في لحظة
= أقسم بالله…
لو ما لقيتش حنين…
لهتشوفوا جهنم في حياتكم وانتم عايشين
كل ثانية
وقف وقال بصوت رج البيت:
= قدامكم نص ساعة…
أرجع مشوفش وشكم هنا؟
والا وقتها
تبقوا استنيتوا نهايتكم علي ايدي؟!
لفّ عشان يخرج، جريت عليه عمته، مسكته من هدومه وهي بتبكي:
= بالله عليك يا إسلام… هنروح فين؟
أنا كنت ساكنة إيجار… ومعيش ولا جنيه…
هنتشرد!
زقها بغل وقال:
= مفكرتيش في أختي ليه الي اصغر من عيالك لما رمتيها
مفكرتيش في دموعها؟ في خوفها؟ في لياليها لوحدها؟
أحمدي ربنا…
أحمدي ربنا إني هرميكوا بس
مش هدفنكوا بالحيا …
وادعي ربنا تكون بخير عشان وقتها هنسى انك كنت في يوم عمتي...ي عمتي قالها بسخريه واكمل
وهو بيفتح الباب عشان يخرج
بس ما تفرحيش
أنا لسه ما فتحتش أول صفحة من حسابي معاكم…
= ولحد ما ألاقي حنين…
كل يوم هيبقى عليكم…
لعنة يخليكم تتمنوا الموت
~$$$$$$$؟؟؟؟
حنين قاعدة على الأرض جنب "هدي" و"محمد" نايم على رجلها..
الجو هادي، وهي بتتكلم ببساطة وهي بتهوي على الطفل بمروحة يد
حنين بابتسامة هادية
عارفه يا هدي؟
أنا كنت فاكرة إن مش هيتغير
بس لأ..
كريم بيحاول يتغير.. بيحاول بجد..
يمكن مش بيعرف يعبر.. يمكن لسه مش متعود يقول اللي جواه
بس كل تصرف بيعمله.. بحسّه بيقولي "أنا آسف.. ومستعد أعوضك"
هدي بتبصلها وهي مستغربة شوية بس مبسوطة وبتفضل ساكتة تسمع
حنين(تكمل، وهي عينيها على محمد
مش دايمًا اللي بيغلط هو وحش..
أوقات الغلط بييجي من وجع..
وأوقات ربنا بيرجع ناس لبعضهم عشان يشفيهم سوا
في اللحظة دي بيكون كريم راجع من الشغل، تعبان، وبيعدي قدام باب المطبخ المفتوح
بيسمع صوت حنين وبيسمع اسمه، بيقف بيقرب
يبص جوه من غير ما حد ياخد باله، يلاقيها قاعدة وبتتكلم.. قلبه يدق
يحط إيده على ضلفة الباب بيستند عليه، ويبصلها بحنية، وكل اللي في وشه بيقول: "أنا فعلاً بحاول"
هدي بتشوفه عينيها بتلمع ولسه هتقول " كريم!"
بس كريم بسرعة بيشاورلها بصباعه على بقه، كأن بيقولها: "هشش.. ما تقوليش"
هدي تضحك بخبث طفولي وتهز راسها وتسكت
حنين لسه مش واخدة بالها..
بتكمل كلامها وهي بتزق شعرها من وشها، وتبص لمحمد وتهمس:
يا رب..
يكون يستاهل فعلا ويتغير
وقتها فعلا هكون مبسوطه وهديله فرصه تانيه
كريم يطوّل في البصة.. ياخد نفس ويكتمه ويرجع يمشي على أطراف صباعه من غير ما يعمل صوت
بيسيبهم ويدخل أوضته..
والابتسامة على وشه وهو بيفكر في حاجه وبعدين بيقفل الباب
سماح في الاؤضه رايحه جايه بتكلم حد في التلفون
=طلع متجوز وعنده ولد كمان اااه زي ما بقولك كده
بس البت اللي متجوزها دي محبتهاش حساها عيله صغيره وبعدين جوازهم مش طبيعي
حساهم مخبينين حاجه وكل مسالهم ميقولوش حاجه
تسكت شوية وهي بتسمع صوت الي في السماعه ترد بغيظ:
"لأ… لأ… مش طبيعية الحكاية دي… البت اللي متجوزها دي مش داخلة دماغي خالص… صغيرة كده ومعرفش… فيها حاجة مش مريحة…
تتنهّد وتحط إيدها على وشها:
"وبعدين جوازهم كله غريب… كل ما أسألهم يقولولي: "خلاص… اتجوزنا ملكيش دعوه
تسكت شوية وبعدين تكمل بغيظ:
لا… لا والله… لو الموضوع فيه حاجة… هعرفها… هعرفها غصب عنهم !
الطرف التاني قال حاجه واضح انها عجبت سماح بابتسمت بخبث وهي بتقول:
دا انت تنورى ي عيوني هستناكي
هل ياتري اي الي لسه هيحصل ومين الي جاي
اسلام هيلاقي اخته ازاي!؟
↚
كريم كان قاعد ع السرير، ماسك الموبايل في ايده بس دماغه في حته تانية...
كان بيفكر، يعمل إيه؟
إيه الحاجة اللي تكسر الحاجز اللي بينهم؟
إيه الحاجة اللي تخليها تحس إنه بيقرب، بس من غير ما يوجعها؟
فضل ساكت، وعنيه بتتحرك شمال ويمين، لحد ما ابتسم فجأة...
مسك الموبايل، وطلب اوردر...
هو نفسه ماكنش مصدق إن الفكرة دي اللي جت على باله، بس عجبته...
قفل التليفون وهو لسه مبتسم
وفرد دراعاته على السرير، وعينيه في السقف كأنها بتحاول تتخيل رد فعلها...
اتنفس نفس طويل...
حاسس إنه عامل حركة حلوه..
يا ترى هتفرح؟
ولا هتستغرب؟
بعد نص ساعة تقريباً جاله إشعار إن الطلب وصل
قام بسرعة ونزل السلم بخطوات خفيفة
كان بيدندن وهو نازل
كل شوية يبص حواليه، مش عاوز حد يشوفه...
كأنه بيخبي فرحته
كانت أمه واقفة جنب السلم ...
شافته مستغربة الضحكة اللي ع وشه
مفهمتش هو مالُه؟
فضلت بصاله من ورا العمود
شافته وهو بيفتح الباب، وبيستلم الكيس
ودفع الحساب وهو بيقول للراجل: "شكرًا..."
فتح الكيس وهو لسه واقف وبص جواه...
ضحك لوحده، وطلع أوضته بسرعة، وقفله وراه...
أمه لسه واقفة مكانها
بصت ناحيته، وقالت لنفسها:
هو مالُه الواد ده؟! من إمتى بيضحك كده؟ شكله اتجنن ولا اي
هزت كتفها وسابت المكان ورجعت أوضتها
بعد دقايق، كان كريم واقف قدام أوضة هدى... بيخبط عليها
هدى فتحت وهي مستغربة وقالت:
ـ أستاذ كريم... حضرتك محتاج حاجه؟
بصلها كريم وهو ساكت لحظة وبعدها طلع كيس من ورا ضهره وقال بهدوء:
ـ ممكن توصّليه لحنين؟
هدى خدت الكيس باستغراب، وقالتله:
ـ حاضر
ومشيت ناحيه أوضة حنين..
حنين كانت قاعدة على السرير بتلاعب محمد...
هدى فتحت الباب بهدوء وقالت لها:
ـ كريم سابلك الكيس ده قالي اوصله ليك
حنين بصتلها وقامت بسرعة خدت الكيس من إيد هدى واديت محمد ليها
فتحت الكيس... عينيها وسعت من الدهشة
فستان شيك جدًا، لونه هادي وناعم، ومعاه هيلز بسيط أنيق وكمان طرحه جميله بلون الفستان
وقفت حنين تبص فيهم كأنها مش مصدقة، وهدى وراها بتبتسم بفرحة حقيقية ليها
وبينما حنين بتفرد الفستان على السرير، وقعت منه ورقة صغيرة
خدتها بهدوء وفتحتها، وكانت مكتوب فيها بخط كريم:
هدية بسيطة... بس فيها كل الإعجاب اللي معرفتش أقوله بلساني
هستناكي تحت الساعة ٧ لو وافقتي، هتكوني أسعدتي قلبي'
حنين فضلت ماسكة الورقة... وابتسامة صغيرة على وشها
هدى قربت منها وقالت:
ـ في إيه؟
حنين قالت بخجل وهي بتلمس الفستان بإيدها:
ـ عاوزني أخرج معاه...
هدى فرحت وقالت بحماس:
ـ طيب يلا يا بنتي روحي اجهزي لسه هتفكري
حنين بصت ناحية محمد اللي كان بيضحك في حضن هدى
هدى فهمت وقالت بهدوء وبحب:
ـ متخافيش، سيبيه معايا... هستناك لحد ما ترجعي
بعد ساعه قدام باب البيت::':::
كريم واقف قدام العربيه بيبص في الساعه كل شويه وبيتنهد
كان بيعدّي في دماغه ألف سيناريو وسيناريو…
هي هتيجي؟
هتفرح؟
هتتكسف؟
ولا يمكن ترفض وتحرجه؟
عينيه بتروح وتيجي عالشارع… بيلف حوالين نفسه زي اللي داخل لجنة ثانوية عامة
كريم بيكلم نفسه وهو بيتنفس ببطء:
اهدى يا كريم… دي خروجه مش عملية قلب مفتوح… بس برضو…
وبيسكت وهو بيضحك لنفسه بخوف
فجأه بيقطع تفكيره صوت خفيف من وراه، حد بيتنحنح…
بيلف بسرعة…
بيتسمر مكانه…
كانت هي…
واقفه على أول سلمة…
لابسه الفستان اللي جابهولها…
وشعرها متغطي بالحجاب مديها لمسه ملايكه
عيونها فيها لمعة خجل…
وشفايفها بتتحرك بخفه كأنها بتسأل من غير كلام:
"حلو؟"
كريم بيتأملها بثواني صمت، كأن الزمن وقف…
وبعدين قالها بصوت واطي وعيونه مش بتفارقها:
إنتي… طالعه نور… قسمًا بالله أول مره أحس إني عملت حاجه صح ف حياتي لما قررت أشتري الفستان ده
قرب منها بخطوة
ومد إيده من غير ما يفكر
مسك إيدها بحنيه، بس بحزم، كأنه بيقولها:
أنا هنا… وهفضل
كمل بصوت هادي فيه انبهار صادق:
أنا كنت فاكر إنك جميله… بس دلوقتي؟… أنا مش مصدق إنك بالجمال ده
حنين كانت متلخبطة… ضحكت من خجلها وقالت:
هو انت دايمًا بتتكلم كده؟
ضحك وقال:
"أنا؟ ده أنا كنت فاكر نفسي غلس… بس شكلي لما شوفتك النهارده، اتعلمت الغزل في ثانية!
وفتح باب العربية، وساعدها تركب
وهو لسه مبهور بيها كأنها ملاك نازل من السما
بعد دقايق في العربيه…
كريم سايق ووشه كله ابتسامة، ودماغه مشغولة بيها أكتر من السواقه نفسها
كل شوية يبص لها من طرف عينه، يقول كلمة… يضحك، وهي ترد عليه بنص ابتسامة وخجل باين
كريم، بصوت هادي:
"كنتي فين من بدري؟ يعني الدنيا دي كلها وأنا ماشي فيها لوحدي…
كان فينك من زمان
حنين بتتكسف وبتضحك، بتحاول ترد
بـ"ربنا بيختار الوقت الصح"
بس لسانها مش طالع منه صوت
كريم بغمزه وهو بيبصلها:
وربنا انا ربنا بيحبني
حنين بخجل:
كريم بص قدامك هنعمل حدثه
كريم بضحك:
متخافيش انا متمكن كويس
بعد دقايق
بيوصلوا قدام مطعم شيك جدًا…
نور هادي ، لافتة أنيقة، والمكان من بره أصلاً بيقول
"خصوصية"
كريم بينزل بسرعه، ويفتح الباب لحنين زي الأفلام كده…
ينحني لها بإيده، ويقول بصوت مائل على الفرنسي:
كريم وهو عامل فيها رومانسي أوي:
"مادام… الشرف ليا إنك تنوري مملكتي المتواضعة"
حنين بتضحك وبتبص له كأنها أول مرة تشوفه…
هو بيضحك على نفسه، وبيقول بصوته العادي:
ياااه… ده أنا طالع أهبل… بس مبسوط، أهو ده المهم
بيدخلوا المطعم…
حنين بتبص حواليها، تستغرب المكان فاضي تمامًا
الأنوار خافتة، الترابيزة اللي قاعدين عليها متزينة بوردة بيضا، وكل حاجة هادية كأن الزمن وقف
حنين بهمس وهي بتبص له:
هو… المطعم فاضي كده ليه؟
كريم وهو بيسحب ليها الكرسي:
علشان حبيت نكون لوحدنا… أنا وانت، بس
مش عايز حد يشاركنا اللحظة دي
بتقعد ولسه مش مستوعبة الرقي اللي حواليها
كأنها في حلم…
هو بيقعد قدامها، وساكت شوية، بيتأمل ملامحهاوهيا في خجل منه مش قادره تتكلم
بييجي النادل وبيشوف طلباتهم …
كل حاجة متحضرة، شكل الأطباق كأنها لوحة
وكريم بيشاور للنادل بعنيه يمشي
حنين قاعدة قدامه متوترة ، بس ملامحها مش قادرة تخبي الفرحة اللي في عينيها
كريم بيراقبها، ومش قادر يبطل يبتسم…
كريم وهو بيبص لها بتركيز:
أنا أول مره أشوف الجمال لابس حجاب… كان ناقصه إيه يعني؟ ولا الفستان هو اللي اتشرف بيكي؟
حنين بتضحك بخجل وبتمسك طرف الطرحه كده بتلعب فيه وبتقول له:
"كريم… بلاش الكلام ده عشان بتوترني بجد "
كريم وهو بيحط كوعه على الترابيزه ويميل عليها شوية:
أنا مش بقول كلام… أنا بوصف مشهد قدامي مش مصدق إنه حقيقي
بيجي النادل ويفصل اللحظة دي، بيحط الأطباق قدامهم، كريم بيشكره وهو بيبص لحنين ولسه عينه مش عايزه تسيبها
كريم:
"عارفه؟ من يوم ما جيتي البيت وأنا حاسس إني مش لوحدي…
كنت دايمًا داخل وخارج كأني تايه في شقة كبيرة فاضية
لما بشوفك مع محمد، بحس إني بنيت أسرة وأنا مش واخد بالي
حنين بتبص له، ملامحها بتهدى، بتحس بالصدق وبتقول له وهي بتطمنه بعينيها:
هو كمان مش لوحدك يا كريم…
هو بيرمش كده وبيضحك بهدوء وهو بيقول:
دي أخطر جملة ممكن تتقال النهاردة
&&&&&&
إ ماشي بسرعة رجله بتجري لوحدها بدون هدف بيدور في الشارع بس كأنه بيدور علي ابره في كومة قش
مش شايف قدامه، مش سامع غير صوت أنفاسه…
كل ما يتخيل ، كل ما يتخيل إنها لوحدها، أو في خطر…
كل ما صورة من الماضي تطق قدامه…
هي صغيرة، ضحكتها، خوفها، حضنه ليها…
بيمسح عرقه بإيده…
دماغه هتفرقع من كتر الهواجس
"راحت لمين؟ مين خدها؟
يقف قدام باب شقة…
نَفَسه بيعلو، كأنه طالع جبل مش سلم…
إيده بتخبط بالعافية كأن رجله هي اللي وصلته مش وعيه
الباب بيتفتح
بنت ملامحها هادية بتتفاجىء بيه بتقول بحذر:
أيوه؟ مين حضرتك
إسلام باين عليه التعب:
عرق نازل من جبينه، هدومه مبهدلة، شعره منكوش، عنيه غريبه
كأنه جاي من خناقة
إسلام بصوت مبحوح:
دي شقة خالد؟
البنت بتبص له بتوتر وتهز راسها:
أه…
إسلام بهدوء :
قُولي له… قُولي له إسلام واقف بره
البنت بتبص له ثواني، وبعدين تدخل بسرعة…
إسلام واقف مش ثابت على رجله، بيبلع ريقه، عنيه بتلف في المكان
بعد لحظات، الباب بيتفتح من تاني…
خالد بيظهر لابس تريننج، متفاجئ جدًا وهو بيقول:
إسلام؟!
إسلام بيرفع عينه له، مش قادر يتكلم…
خالد بسرعة وهو بيسحبه جواه:
"إدخل، إدخل بسرعة… مالك؟! إيه اللي حصل اي عمل فيك كده؟!
↚
إسلام قاعد على الكرسي قدام خالد ضهره محني، وإيده على ركبته شكله مرهق، وعينيه زايغة من كتر التفكير
خالد بيحطله كباية مية قدامه وبيقوله:
خالد بقلق:
مالك؟ شكلك مش تمام خالص
إسلام بصوت واطي وتعب:
ملقتش حنين في البيت... معرفش راحت فين يا خالد.
خالد بصدمه:
إزاي يعني؟ مش كانت قاعدة مع عمتك في بيتكم؟
إسلام بياخد نفس عميق:
حصلت مشكلة... ومشيت هربت وسابت البيت
أنا كنت مأمّنها عندهم، بس...طلعوا ميستهلوش
كنت فاكرها هتفضل هناك لحد ما أرجع بس كنت غلطان حطتها مع وحوش بايدي لدرجه هربت منهم
بس وربنا ما هيفلتوا بعملتهم دي
قالها بتوعد وغضب
خالد بعدم تصديق:
طب وانت مبعتهاش ليه عند خالك في ألمانيا؟ ده أضمن من هنا بكتير اهو حتي مكنتش هتشك انو حد يكون عارفك ويعملها حاجه
إسلام بيهز راسه:
رفضت...
وكنت خايف عليها خفت تكون في خطر، كان لازم تبقى بعيد عن كل اللي أعرفهم بعيد عن أي وش ممكن يكون ورايا
ومفيش حد يعرف إني في المهمة دي ..وعمتي ست ساذجة شوية هي وعيالها، لا هيسألوا ولا هيدورا
اهو واحد سافر وخلاص
بيسكت لحظة وبعدين يكمل وهو بيعض شفايفه
بس حنين عرفت... يوم ما كنت ماشي
وقلتلها محدش يعرف... عشان حياتي ما تبقاش على المحك او حد يعملها حاجه
وأنا متأكد إنها مقلتش لحد...
بس... راحت فين؟
هي صغيرة ومتعرفش حد... راحت فين؟!
بيحط إيده على دماغه ومفيش في وشه غير حيرة وقهر
خالد بيقوم يقعد جنبه ويطبطب على ضهره:
متقلقش... أكيد بخير وهنلاقيها إن شاءالله، بس قوم... غير هدومك دي واستحمى وتعالى نتعشى ونفكر هنعمل اي
إسلام بيقوم بسرعة:
لا لا... أنا لازم أتحرك، مش هعرف أنام لازم الاقيها باي طريقه
خالد بيضحك وهو بيقف قصاده:
والله ما هتخرج من هنا قبل ما تغير هدومك وتاكل
أقسم بالله لو طلعت من الباب
لمراتي تكون طالق باتلاته
إسلام بيتفاجئ وبيضحك:
إيه ده! إيه الحلفان ده؟
متعرفيش انو حرام
وبعدين أنا مش عاوز اتقل عليك ولا على المدام... إن شاءالله مره تانية
خالد واقف وبيضحك:
مدام إيه بس؟
هو أنا اتجوزت من وراك؟!
إسلام بستغراب:
البنت اللي فتحتلي الباب... مش مراتك؟
خالد بيضحك بصوت عالي:
دي أختي يا عم!
اسمها ريم كانت بتدرس طب بره ولسه راجعة من كام شهر
يعني بالذمة هتجوز وأنا مش عازمك؟ ده إنت تيجي تشهد على كتب الكتاب بإيدك
إسلام بيبتسم لأول مرة من وقت ما رجع:
آه... تمام
بس همشي برضوا
خالد بحسم:
خلاص بقى، ريم بتحضر الأكل، وانت هتستحمى وأنا هجبلك طقم من عندي
وبكره من أول النهار، ننزل ندور على حنين سوا... مش هنسكت لحد ما نلاقيها
اسلام بيهز دماغه بيأس ويقعد
$$$$$$$$عند حنين وكريم
بعد العشا خرجوا من المطعم
كريم كان فرحان بيها، ولسانه ما بيسكتش غزل فيها،
وهي كل ما يسمعها كلمه تبتسم في هدوء
وصلوا العربيه، وكريم كان لسه هيفتح الباب ليها عشان تركب
لكن فجأه وقفت... وبصّت للشارع كأنها بتشوفه لأول مره
بصتلها باستغراب وسألها بهزار:
مش هتركبي؟
قالت وهي لسه بصّه للشارع وابتسامه صغيره على وشها:
بقالى كتير ممشتش في الشارع...
ممكن نتمشى شويه؟
كريم سكت لحظه... وبعدين ابتسم
وقفل باب العربيه وهو بيقول بحنيه:
بس كده؟! إنتِ تؤمري يا جميل
وفعلاً... مشيوا جنب بعض، خطواتهم هاديه
هو بيحكي عن نفسه وشغله وحياته
وهي ساكته... بس بتسمعه وبس
وصلوا للبيت ودخلوا وهما لسه بيضحكوا
والسلم طلعوه مع بعض، مش مستعجلين
ولا كأنهم عايزين الليله دي تخلص
عند باب الأوض، وقفوا قدام بعض...
نظره طويله هاديه
مفيهاش كلام بس مليانه حاجات كتير
حنين فتحت باب أوضتها، ودخلت بهدوء...
كريم لسه واقف مكانه بيبص لطفها بهدوء
وبعدين دخل أوضته هو كمان
وقفل الباب وراه على ليله من أجمل ليالي عمره
بعد دقايق....
كريم كان لسه بيقفل باب الأوضة بعد ما غير هدومه واستحمى جسمه دافي من المايه، وعقله دافي من ضحكة حنين اللي لسه سايبها من شوية على السلم… بيقرب من السرير وبيمد إيده للموبايل… لكن فجأة الباب بيخبط
وقف استغرب
= مين جاي دلوقتي؟
فتح الباب… لقاها
حنين واقفة قدامه بأسدال بسيط، وشها هادي وعينيها فيها لمعه …
كريم بستغراب:
في حاجه ي حنين مالك انت كويسه
حنين بابتسامة بسيطة:
الفجر قرب يأذّن… قولت نصليه مع بعض… ينفع؟
سكت بصّلها
الهدوء في ملامحها، الدعوة الطيبة دي، الحنية اللي في صوتها
حط إيده على دماغه، وتنهد
حنين باستغراب:
بتعرف تصلي ولا لا
كريم بصوت متلخبط:
آه… بعرف أصلي…
سكت لحظة وقالها وهو ناظر للأرض
بس بقالي كتير… كتير أوي مصلتش…
صراحه… خايف
حنين بابتسامة :
خايف من إيه؟
من ربنا؟
ده ربنا بيستناك…
مش بيطردك
مسكت إيده… وهو استغرب
دخلته الأوضة بهدوء، وقعدته على طرف السرير وقعدت جنبه، لسه مسكه إيده
حنين بصوت دافي:
عارف؟
النبي ﷺ قال:
"إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"
يعني مستنيك… مش بيعاقبك ولا بيكرهك…
كريم بهمس:
بس أنا عملت حاجات كتير… مش عارف أبدأ إزاي
حنين بإصرار :
ابدأ من السجدة الجاية…
من *الله أكبر* اللي هتقولها دلوقتي
دي مش بس تكبيرة، دي بداية جديدة
لو كنت فاكر إنك بعيد
فربنا أقرب من حبل الوريد…
وبيقول: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله
هو قالها صريحة… متقنطش
كريم بصوت متأثر:
أنا عمري ما حسّيت بالسلام ده…
حنين:
يبقى قوم… وصلي، وربنا هيكملك الباقي.
أنا هدخل أوضتي أجهز وهستناك
سابت إيده وقامت وخرجت من الأوضة وهي سايبة وراها ريحة طيبة وكلمات زي البلسم وقلب بدأ يتحرك
كريم قعد لحظة وبعدين قام بهدوء وبدأ يتوضى زي ماهو عارف
وبين كل خطوة كان بيقول جواه:
يارب… رجّعني ليك
&&&&&:::: عند اسلام
بعد ما اتعشى مع خالد…
كان حاسس بخنقة في صدره مش عارف يبلع لقمة
بس خالد فضل يهوّن عليه ويصرّ إنه يبات عنده
عشان تاني يوم يطلعوا بدري يدوروا سوا على حنين
إسلام في الأول رفض… قالّه:
مينفعش، عندي شغل و...
بس خالد قاطعه:
"شغل إيه يا عم؟! تنام وترتاح وتصحى على بهمه كده
وبعدين لو عشان ريم وكده فهيا طلعت ل ستي فوق هتنام عندها واهلي زي ما انت عارف قاعدين في السعودية
وفعلاً… بعد شد وجذب، وافق إسلام
يبات عند خالد بس النوم كان ليه رأي تاني وعقل اسلام منمش بيفكر
هيا فين!؟
عايشه ازاي!؟
لحد ما الصبح طلع
أول ما نور الشمس بدأ يطل من الشباك
خالد صحى وفطّر هو إسلام على السريع
ونزلوا
ركبوا العربيه، وإسلام قاعد ساكت
وخالد بيحاول يطمنه و يثبت له إنهم على أول الطريق:
بص يا إسلام… هنروح الأول نعمل محضر غياب ليها
بعد كده نلف على كل أقسام الشرطه والمستشفيات اللي نقدر عليها
وإن شاء الله هنلاقيها بإذن الله"
سكت شويه وبعدين سأل:
"بس قولّي… تعرفلها صاحبه أو حد قريب منها؟
يعني ممكن تكون راحتله؟
إسلام بص قدامه كأنه بيسترجع الذكريات
و قال:
حنين مكانش ليها أصحاب…
كان في بنت اسمها رحمه، بس دي راحت مع أهلها الصعيد من زمان
معتقدش إنها تكون عندها
خالد طبطب على كتفه وهو سايق العربية وقال:
متقلقش يا صاحبي…
هنلاقيها وربنا كبير
وصلوا القسم ونزلوا علي مكتب الظابط
خالد بيخبط على الباب ويفتح وإسلام داخل وراه
الظابط عماد بيرفع عينه من ورق قدامه وهو بيبتسم:
الله… خالد بيه! إيه النور ده؟! لما العسكري قال انك بره مصدقتش
خالد بضحكة خفيفة:
نورك يا باشا… عامل إيه؟
عماد وهو بيقوم يسلم عليه:
الحمدلله… اتأخرت علينا بقالك كتير مظهرتش
وبعدين بيبص لإسلام اللي واقف ساكت
عماد بنظرة فاحصة وهو بيحاول يفتكره:
حضرتك… احنا اتقابلنا قبل كده؟ وشك مش غريب
إسلام بهدوء : – ممكن… مش متأكد
خالد بيدخل في الموضوع بسرعة:
بص يا عماد، إحنا جايين في موضوع مهم أوي… صاحبي ده أخته مختفية بقالها سنة ونص، ومفيش ليها أثر ومنعرفش عنها حاجه
عمادواقف مكانه وبانت عليه الجدية:
سنة ونص؟! ده رقم كبير… كنتوا ساكتين ليه كل ده؟
إسلام بياخد نفس طويل وهو بيقعد:
أنا كنت مسافر… ولسه راجع أول حاجة عملتها نزلت أدور عليها ماعرفتش أوصل لحاجة، ومليش حد غير خالد
عماد قعد وهو بيخرج ورق:
– طب اتفضل، قولي اسمها وسنّها وآخر مرة شفتوها كانت فين؟ وعلاقتك بيها كانت إيه وقتها؟ يعني الظروف وقت ما اختفت
إسلام بصوت مبحوح:
–اسمها حنين، كانت وقتها 17 سنة،
دلوقتي اكيد بقي 18
كانت عايشة مع عمتها بعد وفاة أهلنا … أنا كنت برة مصر … الي عرفته انو ابن عمتي حاول انو يقرب منها وهيا من خوفها هربت دا كلامهم
اختفت معرفش مشيت إمتى ولا راحت فين، ولا حتى كانت لابسة إيه، ماعرفش حاجة
عماد بيهز راسه بتفهم:
مفيش أي خلافات؟ مشاكل في البيت؟ حاجة تخليها تمشي؟ غير الي قولتله ده
إسلام بيتكلم بحذر:
لسه مش متأكد، بس الظاهر إنو فعلا هو حاول يضيقها … ومفيش حد وقف جنباها عشان كده هربت
خالد مكمّل عنه:
– وأول ما إسلام رجع، وعرف جه على طول وأنا قلتله نبدأ من هنا… نعمل محضر رسمي، وننشر صورتها
عماد بجدية:
طب عندك صورة حديثة ليها؟
إسلام بيطلع صورة من جيبه، مبهدلة شوية:
دي آخر صورة ليها… مش واضحة قوي، بس دي هي الي معايا
عماد بياخد الصورة وبيبص فيها
عماد:
طيب… هنكتب محضر تغيّب، ونبلغ كل الأقسام وهنشيك على سجلات المستشفيات واحده واحده
بيبص لخالد وهو بيكتب
عماد:
خلي بالك الموضوع ده مش سهل، بس هنشتغل عليه، ولو في أي معلومة صغيرة افتكرتوها… ممكن تساعد كتير
خالد بصوت واطي لإسلام:
– متقلقش… عماد ده ما بيهزرش في شغله، هيعمل اللي يقدر عليه
إسلام بصوت مكسور:
نفسي أوصل لها… حتى لو ميتة… بس أعرف
عماد بيبص له بحزم:
لا، متقولش كده… هنرجّعها، أو على الأقل هنعرف راحت فين بس أنت ركّز معايا، وما تسيبش أي تفصيلة مهما كانت صغيرة
&&&&&&:::::::::
الهدوء مالي الأوضة حنين قاعدة على طرف السرير وبإيدها مصحف صغير… بتقرأ بصوت داخلي جنبها ابنها "محمد نايم
بتسمع خبطة هادية على الباب… الباب بيتفتح وكريم بيطل برأسه… عيونه فيها حيرة وخجل
حنين بصوت واطي وابتسامة فيها دفء:
جاهز؟
كريم بيبلع ريقه، ويبص في الأرض ويهز راسه بتوتر
كريم: اه…
يقرب منها بهدوء… يبوس محمد وهو نايموبعدين … يقعد على الكرسي المقابل لها، وسكون بيغلف اللحظة
صوت جميل بيظهر
الفجر بيأذن … الأذان صوته بيشق الهوى والسكون بتاع الليل
حنين بهمس وهي بتقوم وتمد إيدها له بمصلية:
اتفضل… قوم صلي… أنا هقف وراك
كريم بياخد المصليه بإيد بتترعش، يبص فيها ويفردها بحذر كأنه بيحط عمره كله فيها… يقوم ياخد نفس عميق، ويرفع إيده بتردد، وبعدين يكبّر
كريم وقف على المصليّة… إيده ترتجف
بس عينه ثابتة على الأرض…
مش بيبص لحد كأنه واقف قدّام ربنا فعلاً
قال بصوت واطي لكنه تقيل من جوّا:
– الله أكبر
حاسس إنها مش بس كلمة…
حاسس إنه أخيرًا اعترف:
مفيش أكبر من ربنا
لا وجعه…
ولا ذنوبه…
ولا اللي عمله
اتنقل لفاتحة الكتاب…
بس المرة دي، كل آية كانت بتخبط:
– *الحمد لله ربّ العالمين*
أنا بشكرك يا رب… مع إني معرفتش أشكرك قبل كده
مع إني بعدت، وظلمت، وضيّعت
بس قلبي بيحمدك النهارده… لإنك مخدتنيش من الدنيا وأنا غرقان
– "الرحمن الرحيم"
إنت رحيم بيا، رغم تقصيري…
ورحيم بيها لما صبرت عليا…
ورحيم بابني اللي لسه جاي …
إنت رحيم، وأنا ماليش غير رحمتك
– "مالك يوم الدين"
أنا عارف إن في حساب…
وإني جايلك يوم…
بس يا رب، أنا جيتلك دلوقتي قبل اليوم ده…
طمعان يكون رجوعي ليك توبه من الي فات وحزر من اللي جاي
– "إياك نعبد وإياك نستعين"
أنا عبدك، يا رب… حتى لو نسيت نفسي
والنهارده… أنا واقف أستعين بيك مش بعقلي، ولا بنفسي ولا بأي حد…
محتاجك إنت… تسندني
– "اهدِنا الصراط المستقيم"
وهنا دموعه نزلت بهدوء
الطلب بسيط…
بس طالع من قلب تايه بقاله سنين في حيرة
اهديني… لوحدك تقدر تهديني
أنا مش طالب دنيا… طالب بس طريقك
طريقك اللي يوصلني ليك… ويوصل قلبي للسلام
– "صراط الذين أنعمت عليهم*غير المغضوب عليهم ولا الضالين"
أنا ضلّيت، يا رب…
بس مش عايز أعيش كده تاني
أنا عايز أكون مع اللي نعمت عليهم، مش اللي غضبت عليهم.
قال "آمين"
وكأنها نَفَس طويل طالع من صدره بعد غرق طويل في بحر وهموم الدنيا
ركع وهو بيبكي…
مش بيبكي من الخوف
لكن من الراحة اللي عمره ما ذاقها
وفي السجود…
حط وشه على الأرض وقال جوّا قلبه:
"أنا كنت بعيد أوي… بس إنت ما بعدتش عني ولا لحظة"
كل سجدة كانت كأنها غُسْل…
كل تسبيحة كأنها مسح على جروح قديمة جواه
لما سلّم ما قدرش يقوم على طول…
فضل قاعد ووشه كله مبلول من الدموع …
بس لأول مرة قلبه ناشف من الذنوب مرتاح كانه اخيرا زال الهم
بص لحنين وقال بصوت خافت:
– هو ده اللي الناس بتحس بيه بعد التوبة؟
ابتسمت وهي بتشوف النور في عينه:
–لسه البداية يا كريم… ولسه ربنا عنده أكتر بكتير من كده......
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻🌷🌷🌷🌷
لسه في وقت... ومفيش ذنب أكبر من رحمة ربنا
ارجع، حتى لو من بعيد، هتلاقيه مستنيك
قال الله تعالى:
"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا" [الزمر: 53]
↚
الساعة ٧ صباحًا
خبط على الباب جامد
بيصحى مفزوع:
مين بيخبط كده؟
بيروح يفتح الباب… بيلاقي ضابط ومعاه ٢ أمناء شرطة واقفين
الضابط بهدوء وحزم:
رمزي… إنت رمزي عبدالحفيظ؟
رمزي بيتلجلج:
أه… خير ي باشا؟
الضابط:
حضرتك متهم في قضية اعتداء على قاصر وهنحتاجك تيجي معانا ومعانا إذن رسمي بتفتيش البيت واستدعاء باقي أفراد الأسرة
اللهام من جوّه بتصرخ:
في إيه؟ مين دول؟
الضابط بيدخل بعد ما بيفسحله رمزي الطريق:
حضرتك اللهام حسن؟
اللهام بتحاول تظبط طرحتها:
أيوه أنا… فيه إيه؟
الضابط:
هنحتاجك معانا في القسم… ومعانا كمان مي عبدالحفيظ
مي من جوّه بتطلع بسرعة وهي مصدومة:
أنا؟! ليه؟!
اللهام :
إحنا عملنا إيه؟
الضابط بحزم:
فيه بلاغ رسمي، وبلاغ اختفاء من سنة ونص واتهامات موجهة ليكم… اتفضلوا معانا
بيبصوا لبعض بخوف وارتباك… وبيتسحبوا واحد واحد بالعربية لحد القسم
في مكتب التحقيق قدام الظابط
اللهام كانت أول واحدة تدخل لتحقيق
الضابط بيفتح الملف قدامه:
اسمك بالكامل؟
اللهام بخوف:
اللهام حسن محمد
الضابط:
تفتكري البنت اللي كانت قاعدة عندكم او نقول بالمعني الاصح انتوا قاعدين عندها … حنين… راحت فين؟
اللهام:
معرفش والله… دي هربت من غير ما نعرف راحت فين
الضابط بيبصلها وبيضيق عيونه:
هربت؟ ليه هي كانت بتشتكي من حاجة؟ حد كان بيضايقها يعني ؟
اللهام بنفي :
لأ خالص… دي كانت زي بنتي… بتاكل وتشرب وتنام وبتخرج عادي
الضابط:
طيب… لو كانت بتخرج عادي، ليه ماعملتوش بلاغ إنها اختفت؟
اللهام بتتلجلج:
يعني… قولنا يمكن راحت عند صاحبتها… عند حد منعرفوش
الضابط يسكت ثواني… وبعدين يقول:
امم... تمام… ممكن تروحي تقعدي بره
العسكري داخل برمزي
الضابط بيفتح صفحة جديدة:
رمزي عبدالحفيظ… عندك كم سنة؟
رمزي:
25 سنة
الضابط:
إيه علاقتك بـ حنين؟
رمزي بيحاول يتماسك:
زي أختي… إحنا كنا عايشين مع بعض في البيت
الضابط:
بلغني إن فيه محاولة اعتداء حصلت منك تجاهها… تعلق؟
رمزي بيرد بسرعة:
كلام فارغ! أنا عمري ما لمستها! بالعكس… دي كانت بتتعامل معايا عادي زي الأخوات
الضابط بهدوء:
يعني بتقول إنك مكنتش بتقرب منها خالص؟
رمزي:
ولا مرة… ولا حتى فكرت
الضابط بيسجل حاجة في الورق:
تمام… استنى بره
بيدخل العسكري ب مي الي واضح انها خايفه جدا
الضابط بصوت ثابت:
مي عبدالحفيظ صح؟
مي بخوف:
أيوه…
الضابط:
إيه كانت علاقتك بـ حنين؟
مي:
كنت بحبها… والله… كنت شايفاها أختي الصغيرة
الضابط:
بس الي واصلني انها كانت دايمًا خايفة منك… وإنك مش كنتي بتحبيها هل دا صحيح؟
مي بتحاول تضحك:
لا لا… هي بس كانت منطوية كده شوية… مش اجتماعية
الضابط:
طيب… لِما إسلام كان بيرن على تليفونها… ليه كنتي بتردي عليه وتتكلمي معاه على إنك هي؟
مي تسكت لحظة:
عشان كان هيقلق… كان ممكن ييجي يتخانق أو يعمل مشاكل… قولنا نخليه يهدى… ومنقولش
الضابط:
طب ليه لما هربت مخدتش التلفون معاها؟
مي بترتباك:
م...معرفش
الضابط بصوت جامد:
يبقى أنتو كدبتوا … وخبيتوا الحقيقة… وسكّيتوا على اختفاء بنت قاصر، وكان فيه شبهة اعتداء جوّا البيت… صح؟
مي بتوشك على البكاء:
مكنّاش قصدنا…هيا الي مشيت
الظابط بيطلب من العسكري يدخل اللهام ورمزي
الثلاثة قاعدين… اللهام، رمزي، ومي… وكل واحد باصص في الأرض
الضابط بصوت حاسم:
بناءً على أقوالكم، والتضارب اللي حصل
ووجود شبهة اعتداء على قاصر، وتستر على واقعة اختفاء
وعدم الإبلاغ، وانتحال شخصية…
أنتم التلاتة متهمين
وهيتم حبسكم على ذمة التحقيق لحين استكمال الإجراءات القانونية
أمين الشرطة بيبدأ ياخدهم واحد واحد
اللهام بتصرخ:
بالله عليك يا باشا أنا غلبانة والله! ملناش دعوة بيها
معملناش حاجه
الضابط من غير ما يبصلها:
الغلبانة اللي بتسكت على الظلم بتبقي شريكة فيه…
&&&&&&_
الساعة 10 بالليل
الشقة شبه ضلمةو النور خفيف، وفيه هدوء مش مريح… الجو مكهرب، ريحة سجاير، شباب قاعدين، وكلهم باصين على إسلام اللي قاعد ساكت، باين عليه التعب والسهر وأعصابه متوترة
خالد قاعد على الكنبة، بيتكلم بصوت هادي وواضح:
النهاردة أخدناهم القسم… عمتها، وأخوها، وأختها…
كلهم أنكروا… كله كذّبوا ومتفقين كلهم ما يقولوش إنها هربت بسسببهم
إسلام راسه بين ايده صوته واطي ومتكسّر:
أنا الي سبتها في النار… وفكرتش كويس فيها
كنت فاكرها عايشة في أمان طلع اكبر خطر عليها
حسن صاحبه اللي كان قاعد على الأرض جنب الكنبة بيحط إيده على ركبته:
بصلي يا إسو… ربنا كاتبلك تشوفها تاني
وإحنا معاك… مش هنسيبك ولا ثانية
طارق واقف جنب الشباك:
إحنا لازم نتحرك بجد… نشتغل كأنها أخت كل واحد فينا
خالد بيقوم يقف قدامهم:
بصوا… لازم نوزع نفسنا
أنا وإسلام هنكمل بكره في النيابة والمحضر
بس الباقي لازم يتقسم على مستشفيات وأقسام وملاجئ
حازم بيقول وهو بيقلب موبايله:
فيه حوالي ٦ مستشفيات في الدايرة دي لوحدها…
أنا أبدأ بيهم من بدري
حسن:
وأنا هدور في دار الأيتام اللي على الطريق الزراعي…
وسألت واحد صاحبي في الهلال الأحمر هيشوف لو عندهم إيواء لبنات ضايعين
طارق:
أنا هاخد القسم اللي في المرج، واللي في شبرا وأكلم ظابط نعرفه هناك
خالد:
حلو… بس كل حد يصوّر كل حاجة يعملها…
لو حد شاف حد شبهها، يبعت فورًا…
مافيش خطوة تتحركوا بيها غير لما نبلغ بعض هبعتلكم نسخه من صوره ليها علي التلفونات
ولازم نبقي عارفين ممكن اختفاء حنين ميكونش عادي خصوصا انو في عيون كتير حوالين اسلام لمعرفة هويته الحقيقيه ودا الي لازم ناخد بالنا منه كويس
إسلام بيبص عليهم كلهم:
أنا مش عارف أقولكم إيه…بجد
حازم بيقطع كلامه:
قول لما نلاقيها تقوم تصلي بينا ركعتين شكر… غير كده ما تتكلمش
طارق يبتسم بخفة دم:
وأنا هيتبحّ صوتي في الشارع أنادي: حنييين… حنيييين، لما تزهق مني وتطلعلي من تحت الأرض
حسن يبصله:
بس اوعى واحدة ترد عليك غيرها، نروح في داهية
الكل يضحك عليه
خالد بحسم:
خلاص… الكل يجهز من دلوقتي… ننام ساعتين
ونتقابل الساعة ٦ الفجر تحت هنا
ونبدأ نتحرك في صمت
إسلام بصوت مكسور بس مليان رجاء:
يارب… بس أوصل لها في اسرع وقت
يسود صمت تاني… بس المرة دي صمت فيه نية نية صافية، ووعد ما بيتكسرش بين الصحاب
&&&&&&&_
بعد صلاة الفجر والهدوء والسكينه الي حصلت في قلب كريم بيخرج وهو مبسوط من اؤضة حنين
الساعه 8
كريم بيخرج من أوضته لابس تريننج ووشه فيه راحة غريبه … بيبص وراه وهو شايف حنين بتقفل باب أوضتها بهدوء، وبيبتسم وهو نازل المطبخ وهيا وراه
في المطبخ… سماح قاعدة على الترابيزة، بتشرب شاي، وهدى واقفة جنبها بتحضر الفطار
سماح:
صحيته بدري ليه؟ هو ناقص! مش كان قعد انهارده من الشغل
حنين بتدخل المطبخ وبترد بهدوء:
صاحي لوحده… كان بيصلى الفجر
سماح بتكتم استغرابها وبتقلب الشاي، ثم تبص لحنين من فوق لتحت
سماح:
سبحان الله… بيصلي؟! ده يوم المنى!
كريم بيدخل في اللحظة دي، بيسمع الجملة وبيقف لحظة عند الباب، وبعدين بيقرب وهو بيرد بدون نبرة غضب)
كريم:
آه… بصلي
ولو مش عاجبك ممكن تكملي شايك في أوضة تانية
هدى بتحاول تكتم ضحكتها وسماح بتقوم وهي ماسكة نفسها بالعافية وبتمشي
سماح وهي خارجة:
أنا خارجة النهاردة… عندي مشوار مهم
وهي خارجة بتبص لحنين نظرة طويلة مش مفهومة… وبتخرج
حنين بهدوء وهي بتصب شاي لكريم:
حاسه إنها بتخبّي حاجة… من إمبارح وهي بتتكلم في التليفون كتير
كريم وهو بيقعد على الترابيزة:
"ما تشغليش نفسك… أنا عارفها هتفضل طول عمرها تدور على حاجه تتحكم فيا من خلالها… بس وجودك هو اللي مخلي كل حاجة متوازنة
هدى بتبص عليهم وبعدين تخرج بهدوء… وهي ماشية بتبص على باب أوضة سماح اللي اتقفل
بعد عدة ساعات كانت سماح رجعت وكريم في الشغل
والبيت هادي
حنين قاعدة على الكنبة حاطة محمد في حضنها بتلعب في صوابعه الصغيرة وهو بيضحك وهدى كانت قاعدة على طرف الكرسي التاني بتشرب شاي وبتتابع برنامج قديم شغال على التلفزيون
سماح كانت قاعدة قصادهم… سكتة… عينيها بتتنقل ما بين محمد وحنين كل شوية بنظرات مش مفهومة مش حقد صريح، بس حاجة شبه القرف… كأنهم مش على مزاجها
رن تليفونها فجأة
سماح بصّت في التليفون ومن أول ما شافت الاسم وشها اتغير… ابتسمت، ابتسامة نادرة، لا بتتشاف منها ولا بتتصدق
ردّت:
حبيبتي… استني، جاية أفتحلك
قامت بسرعة مشيت بخفة مش متعودين عليها منها حنين بصلها باستغراب وهدى كمان، بينهم نظرة سريعة كأنهم بيسألوا بعض:
مين؟
اتفتح الباب… ودخلت بنت
في منتصف العشرينات شعرها نازل على كتفها لابسة لبس أنيق وواضح فورًا حضنت سماح بحرارة كأنهم متقبلوش من سنين
سماح وهي بتحضنها:
وحشتيني يا قلبي… نّورتي الدنيا
البنت ابتسمت و بصّت على الصالة… شافت حنين وهي قاعدة شايلة محمد وقفت لحظة، ونظرتها اتبدلت
دخلت مع سماح وهيا بترحب بيها قعدوا جنب بعض قصاد حنين وهدي وكانوا بيتهمسوا ويضحكوا
حنين نظرها اتثبت عليهم ثواني… وبعدين بصّت لهدى اللي كانت قاعدة جنبها مالت عليها شوية وهمست:
– هي مين دي؟
هدى بصّت لها رفعت كتفها بتلقائية:
معرفش والله… أول مرة أشوفها
حنين عينيها رجعت تتابع البنت اللي كانت بتبص حواليها في الشقة، كأنها بتتأمل المكان
– شكلها قريبة سماح؟
هدى ردت بصوت واطي:
واضح كده… من طريقتها معاها
حنين همست أكتر:
بس غريبة… سماح ما قالتش إنها مستنية حد دي كانت قاعدة مكشرة طول اليوم
هدى بصوت أهدى:
هي فعلاً ما قالتش حاجة… يمكن مكنتش عاوزنا نعرف
حنين رجعت تبص تاني على البنت اللي كانت بتضحك مع سماح بس ضحكتها كانت بتتحول لنظرات جانبية كل شوية… كأنها بتحلل المكان وأهله
حنين بصوت واطي جداً:
مش مرتاحة لها… مش عارفة ليه
هدى مالت عليها:
ولا أنا… بس خدي بالك منها شكلها مش سهله
حنين هزت راسها بصمت وهيا بتبص عليها
↚
الساعه 9 صباحًا داخل قسم الشرطة
إسلام قاعد قدام مكتب عماد وخالد جنبه
عماد واقف ورا مكتبه، ماسك ورق، وبيراجع حاجة على الكمبيوتر وبعدين بص لهم وقال
عماد:
بصوا يا جماعة… من أول ما البلاغ اتقدم رسمي وبيانات حنين اتسجلت بدأنا نمشي في الإجراءات المعروفة عندنا
خالد:
يعني إيه بالضبط؟
عماد:
يعني فيه تعميم نزل على كل الأقسام التابعة للمديرية وبيشمل صورتها، والبيانات اللي وصلتنا عنها… الاسم، السن، مواصفات الشكل، والتاريخ اللي اختفت فيه
إسلام:
يعني هيعرفوا لو ظهرت في أي حتة؟
عماد:
لو اتعرضت على أي قسم أو دخلت أي مستشفى، أو حتى حد بلغ عنها أو لمحها… أول حاجة بيعملوها بيبصوا في قاعدة البيانات عندهم، ولو فيه بلاغ متسجل بنفس المواصفات، بيظهر فورًا
خالد:
والمستشفيات؟ بتبعتولهم برضو؟
عماد:
آه في حالات زي دي، بنبعت تعميم رسمي للإدارات الطبية، وبالأخص الطوارئ، وأي مستشفى حكومي أو خاص مرتبط بالمنظومة… التعميم بيتبعت عن طريق المديرية، وبنأكد عليهم يبلغونا فورًا لو حد بنفس المواصفات دخل عندهم
إسلام:
بس لو حد كان خافيها؟ أو ودّاها مكان مش رسمي؟
عماد بيهز راسه:
ساعتها بتبقى شغل أجهزة تانية… مباحث وآداب ومباحث الإنترنت كمان لو في شك إنها كانت بتتواصل مع حد… بس أنا دلوقتي حاطط الموضوع تحت المتابعة… كل قسم عنده الصورة والمعلومات وأي بلاغ هييجي بيتراجع فورًا
خالد:
طيب… نقدر إحنا كمان نكمل ندور؟
عماد بحزم:
طبعًا، بس تبقوا حذرين… لو شميتوا أي ريحة خطر أو خيط غريب… تبلغوني على طول
إسلام وهو بيقوم:
أنا مش هسيب حجر في الأرض إلا لما أقلبه عليها…
عماد بابتسامة خفيفة:
عارف… بس خليك فاكر اللي بيدوّر من غير عقل… ساعات بيتوه وانت دلوقتي شغال بعواطفك
اسلام بيبصله وبيخرج هو وخالد من مكتب عماد وقبل ما يوصلوا لباب القسم عماد ينادي عليهم
عماد بصوت جاد:
خالد استنى في شويه… حاجات لازم تعرفها
خالد بيبص لإسلام وبيوقف وإسلام بيرجع ناحيته وهو بيحاول يقرأ تعبير وشه
عماد :
بعد شوية ضغط على عمتك وعيالها… بدأوا يعترفوا بحاجات كانوا مخبينها
إسلام عينه بتضيق وبيسأله بنبرة هادية لكنها متوترة:
زي إيه؟
عماد:
قالوا إنهم في مرة حاولوا يدوروا عليها وسألوا عليها في كذا مكان… ولما راحوا عند كوبري إمبابة، حد من هناك قالهم إنه شاف بنت بنفس الوصف تقريبًا… كانت قاعدة تحت الكوبري… لوحدها، وكان شكلها تعبان
لحظه صدمه ثم صمت
الكلام بينزل على قلب إسلام زي حجر
وشه بيبهت، عينه بتتحرك ببطء… كأنه بيشوف المكان قدامه، الكوبري، الزحمة، الضلمة، البرد… وأخته هناك، صغيرة، خايفة، ضايعة… لوحدها
إسلام بصوت منخفض جدًا كأنه بيكلم نفسه:
أختي… كانت قاعدة تحت كوبري…؟
بيبص في الأرض… ضم ايده بغضب
خالد بيقرب منه، حاسس بقلبه:
خالد بهدوء:
إسلام…
إسلام بيرد وصوته مبحوح:
أنا اللي مكنتش جمبها… أنا اللي سبتها لوحدها
عماد بيقول بثبات:
الموضوع لسه ما انتهاش… بس دي أول خيوط حقيقية نربط بيها الأماكن ببعض وجودها حوالين الكوبري يفسر حاجات كتير
إسلام بياخد نفس طويل وبيقول بنبرة تصميم:
أنا مش هرتاح غير لما ألاقيها… مش هسامح نفسي لو فضلت ثانية بعيده عني
خالد وإسلام بيخرجوا من باب القسم بيقفوا جنب العربيه
خالد بيبص على موبايله بيفتح الخريطة:
خالد:
بص… عندنا مستشفيين في دايرة المطرية، وفيه دار أيتام على طريق دار السلام كنت كلمت واحد صاحبي هناك… نبدأ منين؟
إسلام بيرد وهو بيبص حوالين الشارع كأنه بيدوّر على أي علامة:
إسلام:
نبدأ من الأقرب للكباري… كوبري إمبابة كان نقطة مهمة ممكن تكون اتحركت حواليه
وهم بيتكلموا تليفون إسلام بيهز… رسالة واتساب من طارق
إسلام بيبص… وسكت لحظة
بعدين ابتسامة صغيرة بدأت تطلع على وشه… مزيج من أمل وخوف
إسلام وهو بيرفع عينه لخالد:
اركب… بسرعة… طارق شكله وصل لحاجة!
خالد بسرعة وهو بيركب جنبه:
قال إيه؟
إسلام وهو بيقرا الرسالة:
"قسم شبرا… بيقول:
تعالولي على القسم فورًا… في معلومات مهمة
خالد بيتشد في الكرسي:
طارق مش هيقول كده من فراغ… أكيد في حاجة حقيقيه
إسلام وهو بيدوس بنزين والعربية بتتحرك:
هو كان رايح المرج وشبرا… وقسم شبرا هو الأقرب لكوبري إمبابة… لو الكلام ده صح، يبقى كنا بنلف حواليها طول الوقت
خالد:
يارب… يطلع خيط حقيقي المرة دي
إسلام بصوت هادي بس مليان رجاء:
يارب
&&&&&&&&_______
حنين قاعدة، حضنه محمد عينيها مش بتفارق البنت الي دخلت … و قاعده تضحك وتتكلم براحتها كأنها في بيتها، مش ضيفة
بعد شوية قامت ناحية حنين ومحمد. بصّت للولد وقالت بنغمة فيها لطافه مزيفه:
يا قلبي! ده محمد مش كده ؟ شبهك بس مش قوي باين عليه واخد من أبوه كتير
حنين قالت بابتسامة هادية:
أيوه…
نادين ابتسمت وقعدت على الكنبة المقابلة، ومدّت إيدها تشرب من الشاي اللي سماح جابته
قالت بنبرة فيها نوع من الافتخار:
أنا نادين… بنت أخت سماح، وهي اللي مربّياني من وأنا صغيرة تقريبًا، يعني أختي وأمي في نفس الوقت
هدى ردّت بلُطف:
أهلاً وسهلاً
نادين كملت وهي بتبص حوالين الشقة بنظرة فاحصة:
بقالنا كتير كتير ما شوفناش بعض اصل انا كنت مسافره بس لما عرفت إنها هنا، كان لازم أجيلها… أصل كريم ابنها ما شاء الله، بقي راجل كده يتشرف بيه
بصّت لحنين وسألتها كأنها بتحاول تدخل أكتر:
إنتي مراته بقي ؟
حنين بهدوء وهي بتبص لمحمد:
أيوه
نادين ضحكت ضحكة خفيفة:
محظوظة والله… كريم من زمان وهو قلبه أبيض وجدع، فاكرة كان بيجيبلي مصاصة من مصروفه وإحنا صغيرين..
سماح ابتسمت ابتسامة خبيثة وهي بتبص على حنين:
أيوه كانوا دايمًا قريبين من بعض قوووي
حنين مردتش لكن نظرتها راحت فورًا على نادين… مزيج من استغراب وعدم ارتياح، وحذر بدأ يتحفر في ملامحها
هدى مالت ناحيتها وهمست:
كلامها غريب؟
حنين همست وهي عينيها على نادين: "
أوي… بتحاول تدخل أوي
لسه بتكمل كلامها قطعها باب الشقة الي بيتفتح بهدوء
كريم داخل… شكله مدايق
بس أول ما عينه وقعت على حنين نسي كل حاجة
كانت قاعدة قصاده بالظبط، شايلة محمد، وبصّا له بنظرة فيها راحة وسكينة
ابتسم وهو بيقرب… مش شايف غيرها
بس قبل ما يوصللها بخطوتين، صوته اتلجم
نظره اتشتت فجأة وهو شايف الي قدامه …
اللي كانت قاعدة جنب سماح… قامت وابتدت تتحرك ناحيته بسرعة بقلم آية الفرجاني
نادين بصوت مليان لهفة:
كريم!!
جريت عليه…
وبكل جرأة حضنته
وبعدين بسرعة طبعت قبلة على خده وهي بتضحك:
وحشتني يا ابن خالتي!.
كريم اتجمد مكانه
عينيه اتفتحت على آخرها، مش مصدق
افتكرها…
البنت الصغيرة اللي كانت بتقعد تلعب معاه أيام زمان؟
بس إيه ده الي عملته …؟ إزاي؟!
حنين قامت واقفة فورًا
بصّتله وهيا مش مصدقة…
نظرتها اتثبتت علي كريم ثم علي نادين…
وبعدين رجعت تبص عليه تاني
كانت متوقعة أي حاجة… إلا كده
هدى كمان وقفت صوت نفسها عليّ، وشها ظاهر عليه صدمه مش عارفه تخبيها بوقها مفتوح وهيا بتبص علي نادين بعدين بصت لحنين الي واقفه ثابته بس عينها واضح انها مولعه نار
نادين رجعت خطوة :
أنا نادين… اي نسيتني؟ بنت أخت ماما سماح
سماح من وراها بتضحك ضحكة خفيفة وهي بتقول:
ينساكِ ازاي بس ده كان بيحبك أوي وهو صغير… كنتوا ما بتتفرقوش
كريم لسه واقف ما نطقش
بس وشه اتبدل
كأن اللحظة دي لطمت قلبه
عينه راحت فورًا لحنين
كان باين عليها الحزن… وشيء شبه الكسرة
نظرتها ليه كانت بتسأله أسئلة كتير من غير ما تنطق
وهو… مش لاقي ولا إجابة
كريم بص ل نادين بجمود…
ما اتحركش… ما ابتسمش… ما مدّش إيده حتى
نادين كانت لسه ماسكه في بتحاول تكسر الجليد وهي بتمثل إنها مستغربة:
– إيه يا كريم؟ مش فاكرني بجد؟
كريم بعد نفسه عنها بهدوء لكن بحزم
بعد خطوة بسيطة لورا… مسح خده بطرف كفه
وبنبرة باردة ما فيهاش لا حنين ولا دفء:
– أهلاً… عاملة إيه؟
سماح من وراهم صوتها عالي بشوية عصبية:
– مالك يا كريم! دي نادين بنت اختي ! وانت صغير كنت بتعيط لما بتسافر… كنتوا بتلعبوا سوا طول النهار لحقت تنسها
كريم لف عينه عليها بسرعة وكأنها قالت حاجة مستفزة
– كنا صغيرين … ودلوقتي كبرنا
المفروض كل واحد يعرف حدوده كويس جدًا
نادين ضحكت بخفة ضحكة فيها دلع متصنع
ومدت إيدها تمسك إيده من تاني
– إيه يا كيمو… نسيت أيامنا الحلوة ولا اي ؟
كريم لسه هيشد ايده تاني ويتكلم
بس قبل ما يلحق يرد…
حنين اتحركت
كانت واقفة ساكتة جسمها مشدود، عينيها فيها نار…
بس اللحظة دي خلصت صبرها ينفذ
مشت بخطوات سريعة وهادية … وقفت قدامهم
من غير ما تقول ولا كلمة مدت إيدها
وبهدوء … شالت إيد نادين من على إيد كريم
نادين اتفاجئت وشها اتغير بصتلها
سماح فتحت بقها هتتكلم
لكن حنين سبقتهم بصوت هادي… لكن نبرته كانت فيها حده واضحه:
– شكلك نسيتي إنك ضيفة هنا وانك مش اخته
نادين رجعت خطوة لورا
هدى بصّت عليها مش مصدقة اللي بيحصل
كريم بص لحنين… حس إن في حد واقف جنبه
سماح بحدة:
إيه الأسلوب ده؟ بتكلميها كده ليه؟
حنين لفت عليها بعينها بس
ما قالتش ولا كلمة
رجعت شالت محمد من على الكنبة وقالت وهي ماشية:
– عن إذنكم… واضح إن القعدة بقت تقيلة
كريم واقف مكانه… عينه رايحة جاية ما بين أمه ونادين. بس ملامحه متجمدة برود غير معتاد، كأن اللي حصل زاده جفا مش عتاب
سماح بصوت حاد مليان لوم:
– ينفع كده؟ مراتك تعمل فيا وفي بنت أختي كده؟ تهين ضيوفنا وانت واقف ساكت؟!
كريم من غير ما يبصلها، قال وهو بيبدأ يمشي ورا حنين اللي كانت طالعة السلم من غير ما تبص وراها:
– مراتي ما غلطتش
نده عليها وهو بيمشي وراها:
حنين… استني
بس حنين ما ردتش ولا حتى بصتله بطرف عين…
كملت طرقها، وطريقة مشيتها كانت كأنها بتحبس انفجار جواها
كريم طلع وراها وسابهُم وراه
هدى لسه واقفة مكانها بتتابع اللي بيحصل بعينين واسعة
مصدومة بس مش مستغربة… كأنها كانت حاسة من البداية إن اللحظة دي هتيجي
سماح بصّت لها بقرف صريح صوتها خرج عالي:
– واقفة كده ليه؟ مش سامعة؟ روحي جهزي أوضة لـ نادين!
ولا عاجبك اللي حصل؟!
هدى بصّت لها بصّة طويلة… ما فيهاش كلام، لكن كلها كره صامت
قلبت وشها ومشيت من غير ولا كلمة، خطواتها تقيلة بس ثابتة
سماح زفرت بعصبية واتكلمت مع نفسها بصوت عالي وهي بتتفرج عليها بتمشي:
شُفتي ؟ حتى الخدامة بقت ترفع راسها عليا…
بس والله ما أنا سايبها لا هي ولا اللي ما تتسمي…
اما ورّيتك يا هدى انتِ وحنين،و قريب أوي هتعرفوا أنا مين
سماح شكلها مش سهله واسلام خلاص هيوصل ل حنين
بس محدش عارف اي هيحصل بعد كده
استفتاء
كريم وحنين يتفرقوا ولا لا !؟
↚
كريم طالع ورا حنين بخطوات سريعة
كريم :
حنين… استني بس!
حنين بتدخل أوضتها وتقفل الباب في وشه بيقف لحظة بياخد نفس وبيخبط:
كريم :
طب افتحي… مش معقول كده أنا اتفجات بس مش أكتر
حنين كانت واقفه ضهرها للباب عينيها فيها دموع
حنين:
أنت اتفجأت؟ وأنا مفروض أعمل إيه؟ أقف أتفرج عليهم وهما بيفكروك بحب الطفولة؟
كريم بيتنهد:
أنتي عارفة إن مفيش حاجة بيني وبينها… دي مجرد لحظة قديمة وعدّت، بس تصرفك قدامهم خلاني مش عارف أرد
حنين بصوت مهزوز:
أنا غلطانة… كان المفروض أسيبك ترجع لحبايبك وتتصرف على راحتك
كريم بصوت واطي:
أنا راجعلك إنتي وبحبك انتي … تعالي نهدى بس عشان نعرف بنتكلم إزاي
حنين ما بتردش عليه وهو بيفضل واقف مكانه
$######
تحت سماح قاعدة على الكنبة ملامحها متحفزة بتبص لنادين اللي قاعدة قصادها
سماح بحدة:
أنا مش هسكت! شوفتي بعينك؟ الواد بقا بيبعد عني
بسبب الست حنين ولازم نفوقه
نادين بهدوء:
أنا مش جايه أفرق بين حد يا طنط أنا جيت أشوفكم وبس… وأنا عارفة إنه متجوز.
سماح بتعلي صوتها:
متجوز! متجوز واحدة وقفت تعلي صوتها عليا قدامه! وبتبعدك عن ابن خالتك! دي شايفة نفسها عليا من أول ما دخلت البيت!
نادين بغضب مكبوت:
أنا مش جايه أوقع بين حد… ومش هشارك في حاجة زي دي لو كريم بيحبها خلاص… مش دوري أخرب عليهم
سماح بانفعال:
يبقى امشي! أنا مش مستحملة وجود واحدة تقعدلي زي التمثال لا بتساعد ولا بتخطط! أنا عايزة ابني يرجع لعقله متجوز بنت لا معروف ليها اصل ولافصل
وعملها مراته
نادين بتقوم :
لو بتحبيه فعلاً سيبيه يختار… مش تفرضي عليه
سماح:
اسيبيه يختار؟ ده اللي حصل لما سبته يختار… جابلنا دي!
نادين بتسيبها وبتطلع لفوق من غير ولا كلمه
وسماح بتفضل قاعده مكانها وهي بتغلي بتحرك صوابعها على الترابيزة بعصبيه
$$
كريم لسه واقف قدام الباب إيده على المقبض بيحاول يفتحه وبيتكلم مع حنين
كريم:
طيب مش هتفتحي حتى نكمل كلام؟ ولا خلاص مش طايقة تسمعي صوتي؟
علي فكره انا مليش ذنب في الي حصل ومكنتش اعرف
نادين طلعت السلم ووقفت عينيها على كريم الي واقف بيتكلم مع حنين قربت منه
نادين:
كريم… أنا آسفة
بصلها بس مافهمش تقصد إيه
نادين :
مكنش قصدي أخرب عليكم ولا أدخل في حياتك… أنا فعلاً بس... كنت محتاجة أحس بجو عيلة قعدت سنين في الغربه لوحدي… وشغلي خلاني بعيدة عن كل الناس
ومصدقت لما طنط سماح كلّمتني… حسّيت إن فيّ فرصة إني أرجع أتقرّب من اللي كنت محرومة منه طول عمري
حنين كانت واقفة ورا الباب إيدها على المقبض وسامعه الي بيحصل
نادين قربت أكتر للباب وقالت بحزن واضح
نادين:
أنا آسفة يا حنين… ماكنتش عايزة أكون سبب في أي وجع ليكم … أنا همشي خلاص بس كان لازم أقول الكلمتين دول قبل ما أمشي
لفّت وشها وهمّت تنزل
لكن صوت الباب بيتفتح فجأة
نادين وقفت لقت حنين واقفة عنيها محمرة
ثواني من الصمت… بعدين حنين قالت
استني… متمشيش
نادين اتفاجئت وشها تغير، ما كانتش متوقعة رد الفعل ده خالص
حنين بحزن:
أنا كمان كنت لوحدي…
وعارفه احساس الوحده كويس خليكي معنا
نادين عنيها دمعت وابتسمت ابتسامة صغيرة وبدون كلمة قربت منها وحضنتها
نادين بدموع:
بجد شكرا ليكي ي حنين اوعدك اني اكون اخت ليكي
كريم كام بيتابع المشهد بهدوء وعزم خلاص انو لازم يتكلم مع سماح ويعرفها حدودها ي اما تمشي
&&&&&&
إسلام وخالد دخلوا القسم، القلق باين عبيهم دخلوا على طول على المكتب الي في طارق
لقوا طارق واقف مع ضابط بيقلب في ورق كأنه بيدوّر على حاجة مهمة
طارق أول ما شافهم:
كويس إنكم جيتوا… معتز، ده إسلام، أخو حنين وده خالد
معتز سلّم عليهم ونظراته فيها كان فيها اهتمام
معتز: لما طارق وراني صورة أختك… حسّيت إني شوفتها قبل كده مش متأكد ١٠٠٪، لكن في موقف حصل مش ممكن أنساه
إسلام:
فين؟
معتز:
من حوالي سنتين، كنت في دورية في مول في شبرا كان في خناقة عند محل موبايلات جنب المول الناس كانت ملمومة حوالين بنت… شبه الي في الصوره دي
خالد:
حنين؟
معتز: غالبًا انا معرفش اسمها كانت متوترة وناس كتير كانت بتزعق لها… أنا كنت هروح اشوف في اي لكن في ست كبيرة دخلت في النص هديت الناس وخدت البنت ومشيت بيها بصراحة شدّني الموقف
إسلام:
عرفت مين الست دي طيب؟
معتز:
سألت عنها بعدين… اسمها سميحة السيد ست غنية شويه ساكنة في الزمالك كانت عايشه لوحدها معندهاش أولاد ولا أي معارف ظاهرين يعني مش شخصية اجتماعية
طارق:
ومعندكش فكرة حصل إيه بعد كده؟
معتز:
اللي عرفته إنها خدت البنت تعيش معاها… وبعدها بفترة ماتت
خالد باندهاش:
يعني في حد كان عايش مع حنين ولا مشيت ولا اي الي حصل ؟
معتز: معرفش بس الغريب إن بعد وفاة سميحة بشهر، ظهر راجل فجأة… وقال إنه قريبها استلم البيت وقعد في
إسلام :
طب حد شاف الراجل ده؟ له اسم؟ له علاقة حقيقية بيها؟
معتز:
ده اللي هنحاول نوصله مفيش ورق رسمي يثبت قرابته بس هو ظهر فجأة وكان معاه محامي قدر ياخد البيت رسمي بعد فترة قصيرة
طارق:
يعني احتمال كبير يكون مشي حنين من البيت بعد ما استلمه
إسلام بص لطارق:
لازم نوصل ليه
معتز وهو بيدور في ورق قديم:
أنا هحاول أجيبلكم العنوان القديم بتاع سميحة وأي بيانات نقدر نبدأ منها
إسلام : أنا مستعد أفتح أي باب… بس أوصل لأختي
انا لازم اروح البيت ده دلوقتي
بيخرج بسرعه وخالد وطارق بيخرجوا وراه
$$$$$$$
كريم قرر ينزل يتكلم مع امه بعد ما نادين قالتله هيا ناويه علي اي نزل وهو متعصب وحنين ونادين نزلوا وراه
سماح كانت لسه قاعدة ومجرد ما شافت حنين نازلة الدم غلي
وشها بيقول كل حاجة… الغل، القرف، الغضب، كل حاجة مكبوتة
كريم بصوت حاد:
–أنا كنت ساكت عشان حنين هيا الي طلبت انك تقعدي هنا … بس خلاص مش هسكت أكتر من كده
الي تقعد هنا تحترم صاحبه البيت
انا من الاول عارف نواياكِ كويس جدا بس لحد هنا وكفايه كده
سماح ضحكت ضحكه سخريه وهيا بتقول بغل:
سلام يا سلام…
صاحبة البيت امم قولتلي؟
بقت اللي مالهاش أصل ولا فصل صاحبة بيت؟
اللي جابت عيل في الحرام؟
صحاب البيوت بقوا ولاد الشوارع… مش كده؟
صدمه حلت علي الجميع
كريم اتصدم وشه اتجمد
كأن الوقت وقف…
مفيش صوت…
مفيش حركة…
بس جوّاه كان في بركان بينفجر
عرفت ازاي!؟ امتي؟ مين قلها
شفايفه اتحركت كأنه عايز يرد… بس الكلام مش عاوز يطلع كانه اتخنق
عينه راحت ناحية حنين مستني اي ردة فعل منها
لكن حنين...
وشها كان أبيض زي الورق مفيش اي ردة فعل
كأن الدم كله انسحب من جلدها فجأة
نفسها تقيل، صدرها بيطلع وينزل كأنها بتتخانق مع الهواء عشان تعيش
عينها ثابتة في الفراغ، مش شايفة سماح، مش سامعة حد
رجليها بدأت تهتز
دموع متحجرة تأبي السقوط
نادين واقفه مصدومه من الي بتسمعه ومش مصدقه
سماح بتقرب من حنين وبتقف قدامها وبتقول:
اللي زيك ما يتجوزوش
اللي زيك يترموا
وانا عمري ما هعتبرك من العيلة…
انتِ كنتي غلطة… غلطة ابني
وجواز الغصب ما بيعملش عيلة!
نادين بتقول بصدمه:
إيه؟!
هو الكلام ده… حقيقي؟
سماح وهيا عيونها لسه علي حنين:
آه حقيقي…
دي كمان كانت عايشة في البدروم زي القطط
مستخبية من عيون الناس
حد زيها مينفعش يطلّع وشه للنور!
كريم صرخ فيها وصوته رج البيت:
كريم:
اسكتي! كفاية بقى… كفاية!
صوته طلع من وجع… مش بس غضب
كان بيتنفض وهو بيبص لمامته:
كريم:
أنا اللي غلط… أيوه غلطت…
حنين
كانت الضحية!
هي اللي شالت كل حاجة لوحدها…
هي اللي اتكتمت… واتقهرت… واستحملت
كنتي فين؟!
كنتي فين لما ابنك كان بيقع؟!
سماح حاولت تقاطعه لكن هو ما اداهاش فرصة:
كريم:
ما تقطعنيش!
انتي عمرك ما كنتي أم
حنين دموعها نزلت وهي مش قادرة تتكلم رفعت عينها تبصلها
سماح بصتلها بغل وقالت:
ما تبصليش بعينك… البريئة دي
أنا عارفة هو اتجوزك ليه
عشان غلط معاكي… وكنتِ هتفضحيه
وهو رجّع غلطته في نفسه بجوازة غصب عنه!
لكن أنا؟
أنا عمري ما هقبل واحدة زيك تبقى مرات ابني
كريم بزعيق:
خلاص اسكتي
أنا كنت ساكت كتير… بس خلاص مش هسكت أكتر من كده
بس سماح كملت وهيا بتقول:
بنت زيك؟
تسوى إيه أصلاً؟
كنتي فين قبل ما تتعلقي في رقبة ابني؟
كنتِ مستخبية في البدروم زي العار
ولما جتلك فرصة تخرجي…
استغلتيها بشطارة
بتكمل وهيا بتقرب منها اكتر
– البطن اللي كانت شايلة فضيحة؟
ما ينفعش تبقى جزء من عيلتي
أنا شايفة انه… كان لازم يتخلص منك من أول لحظة
مش يتبلي فيكي بجواز!
(وقفت ثواني وبصتلها من فوق لتحت وقالت:
– تعرفي يا حنين؟
أنا لولا خوفي على سمعة البيت…
كنت رميتك في الشارع…
زي أي حاجة ملهاش لازمة!
حنين وقفت مصدومة
الدنيا بتلف بيها
كل كلمة بتغرز جواها زي سكينة
كريم بزعيق وهو بيقف قدام :
بقولك كفايةاااااا!
خلاص!!
انتي تمشي من البيت النهارده قبل بكره
انتي مش أمي اللي أعرفها
أنا خسرت كتير بس مش هخسّرها هي كمان
حنين وقفت مصدومة
الدنيا بتلف بيها
كل كلمة بتغرز جواها زي سكينة
بدأت تتنفس بصعوبة
أيدها على صدرها…
نظرتها تاهت
كل العيون عليها
بس هي مش شايفة حاجة
نادين قربت منها وهي بتقول بخوف:
حنين… إنتي كويسة؟
حنين بصوت مش مسموع:
أنا… مش قادرة… مش قادرة أتنفس…
وفجأة…
حنين بتجري
بتهرب
بتنزل السلم بسرعة وهي بتعيط
كأن كل حاجة بتنهار حواليها
كريم بيجري وراها، بيزعق:
كريم:
حنين!! استني!
سماح واقفة في مكانها، وشها متحجر
مش مصدقة اللي عملته، أو يمكن مصدقة وفرحانة
نادين واقفة مذهولة
دمعة نزلت من عنيها وهي بتهمس:
نادين:
إزاي عملت كده؟ إزاي جالك قلب تعملي كده فيها؟
حرام عليكي
حنين خرجت من باب البيت، رجليها مش شايلنها
عينها مش شايفة بيها كل حاجه حواليها ضباب
الدموع خنقاها… ودماغها بتلف
خطوتها مش موزونه مش عارفه هيا راحيه فين هيا عاوزه تهرب وبس
عدّت البوابة وهي بتجر نفسها
وفجأه خبطت في جسم حد…
جسم ثابت… دافي
وصوت رجولي بيقول:
ـ خلي بالك…
رفعت راسها واتصدمت وهيا بتقول:
اس......سلام
↚
عينها مشوشة... دموع كتير ودماغها بتلف
وفي لحظة وهي بتعدي البوابة، بتخبط في حد
صوت رجولي هادي:
خلي بالك...
حنين وقفت
رفعت راسها ببطىء
عينها تقابلت معاه قالت بصدمه لا تقل عن صدمتة
اس اسلام !!!!
إسلام وقف عيونه اتسعت بفرحه، قلبه بيدق بجنون
مدّ إيده من غير ما يحس...
حنين؟؟
اتراجعت خطوة... رجليها مش شايلينها من الصدمه
كانت هتقع بس ايده سبقتها
ومن غير ولا كلمه ضمّها جوّه حضنه
حضن عمره ما نسيه
حضن أخته اللي اتحرم منها
حنين أول ما حسّت بيه انهارت
انهارت زي طفل صغير تايه من سنين
صرخة طلعت من صدرها مكتمومه بين ضلوعه
بكت...
بكت بصوت عالي بوجع، بكسرة قلب
ضربت على صدره شقهقتها طلعه منها مش قادره تتكلم
- لي ليه.... ات... أخرت ك... كده.... ان..... أنا استنيتك... أنا استنيتك كتي...ر... يا إسلام...
إسلام حاول يتماسك
لكن دموعه نزلت
صوته اتكسر:
- آسف... آسف يا حنين... عارف اني غلطت...كان..كان
..غصب عني سامحني.... آسف إني سببتلك ده كله
لف إيده حواليها أكتر
كأنها هتضيع منه تاني
كأن الدنيا هتخطفها لو سابها لحظة
حنين فضلت تعيط، عن كل يوم وجع
عن كل كلمة قاسية، عن كل خذلان، عن كل وحدة...
وهو معاها، سامع كل شهقه طالعه منها
حاسس بكل حاجة
وبيرد بحضنه، بدفاه، بخوفه اللي اتأخر سنين
الحظة الي حضنوا فيها بعض...
زي ما يكون الوجع اتلم في حضن آمن
وزي ما الزمن بيعترف إنه ظلمهم
يمكن أخيرًا
ابتدى يرجع لهم حقّهم
خرجها بره حضنه وهو بيبصلها
وشه بيترعش من الفرحة والذهول
مدّ إيده، مسك وشها اللي كله دموع
كأنه مش مصدّق إنها حقيقية قدامه
حنين كانت بتنهار...
كلماتها بتخرج متقطعة مش مفهومة
"أن ا... ك ن ت... ي... خ اي فة..."
بس هو مش محتاج يفهم
هو سامع قلبها، وواجعها، وأنفاسها المرتعشة
مسح دموعها بإيده بلُطف...
صوته متهدج وهو بيقول:
- أنا هنا... خلاص أنا جيت
مش هسيبك تاني أبداً ي عيوني
ابتسم وهو بيعيط...
ابتسامة راحة بعد سنين من العجز
حاسس بنبضها الي رجع الروح ليه مره تانيه ...
سكتوا هما الاتنين...
حنين، بكل الوجع اللي عاشته
اتعلقت في حضنه تاني وهو ضمها ليه بقوة وكانه خايف يخسرها تاني عاوز يخبيها من العالم كله جواه
كأن الدنيا كلها كانت مستنية اللحظة دي...
لحظة الرجوع
لحظة الأمان
لحظة الحياة
لحظات مرت عليهم متناسين العالم والي حواليهم
صمت... ودفء... ودموع
زمن طويل من الفقدان واخيرًا اتجمعوا....
كريم خرج من البيت بيجري...
قلبه كان هيقف من الخوف عليها كان بيصرخ باسمها
"حنين!"
لف برأسه يمين... شمال...
ولما شافها؟
وقف فجأة
اتجمد في مكانه
مراته... في حضن راجل
صدمه
عينه وسعت...
وشه اتقلب في لحظة:
دهشة غيرة، غضب
قرب منهم بخطوات سريعة مش فاهم الي بيحصل شد حنين من دراعها بغضب وهو بيقول:
- إنتي بتعملي إيه؟!!
حنين اتفزعت!
وإسلام بصله بعصبيه وغضب
كريم بص لإسلام بعين نارية:
- إنت مين؟!
حنين بتشهق:
- كريم... استنى... ده...
بس كريم قاطعها بغضب ونسى هو كان خارج ليه واي الي حصل :
- ده إيه؟!
- إنتي طلعتي برا البيت ذ... عشان ده؟!!
صوت كريم كان مليان كسره... مش غيرة وبس
ده كان انفجار مشاعر دفينة
حنين عينيها دمعت تاني، حاولت تتكلم، تتنفس... بس مخنوقة
وإسلام اتحرك خطوتين لقدّام وشد حنين من ايدها ورا ضهره ووقف قدامه بغضب وهو بيقول:
إنت مين!؟
كريم بحدة:
وانا برضو سألت نفس السؤال
انت الي مين!؟
اسلام بعصبيه مكبوته:
أنا أخوها!!
كريم بسرعه:
وانا جوزها!!
لحظة صدمه
الدنيا اتجمدت
الهوا وقف
العين في العين
كريم عينه وسعت... وكأن صاعقة ضربته
إسلام اتصدم... قلبه دق ووشه شاحب
الاتنين بصوا على حنين...
كانت واقفة
مابينهم...
جسمها بيرتعش
وإيديها بتتشنج على بعض
وشها شاحب... عينيها متلخبطة...
مش عارفة تبص لمين
ولا تبدأ منين
ولا تشرح إيه
كريم بصلها:
- حنين... ده... ده بجد؟ ده أخوكي؟
وإسلام بص لها بصوت مخنوق:
- إنتي... إنتي اتجوزتي؟!
- من غير ما تقوليلي؟!
حنين سكتت صوت شهقة هربت منها بالعافية
ماقدرتش ترد
قلبها بيصرخ
بس لسانها مربوط
وعنيها بترجّيهم يرحموها
كريم مش قادر يستوعب
وإسلام واقف مش مصدق، وكأنه حلم كابوسي...
حنين أخيرًا بصوت واطي مكسور:
- كنت لوحدي...
- ومحدش كان جنبي...&&&
طارق وخالد كانوا واقفين عند البوابة، بيراقبوا المشهد من بعيد
من لحظة ما حنين خرجت...
ولحد ما خبطت في إسلام...
وشافوا حضنه ليها، وانهيارها بين إيديه
وكل ده بعينيهم... ساكتين...
مبهورين من كمية المشاعر اللي انفجرت قدامهم مرة واحدة.
بس بعد ما كريم ظهر... وشدّها من حضن أخوها،
والأرض اتقلبت بين الثلاثة،
طارق بص لخالد وقال بهدوء فيه لمحة ارتياح:
طارق:
- أظن إحنا لازم نمشي... كده المهمة تمت.
خالد ابتسم، عينه ما زالت على المشهد، وقال وهو بيحرك راسه باحترام:
خالد:
- الفضل لربنا... ثم ليك يا طارق
ركبوا العربية، وسابوا المكان وراهم...
وسابوا قلوب مشتعلة، ومواجهة مفيش منها مفر
الجنينة كانت هادية... هدوء خانق، كأنه بيمتص كل الأصوات اللي جواهم
إسلام قاعد جنب حنين، اللي ما زالت ملامحها مضطربه دموع بتنزل من غير صوت
كريم قاعد قصادهم متوتر، مش عارف يبدأ منين وكأن الكلام وقف في زوره
إسلام بص لكريم بحدة صوته كان تقيل وحاد:
إسلام:
- ممكن أفهم؟ اتجوزتوا إزاي؟ وإمتى؟!
كريم عض شفايفه... بص لحنين
كان واضح إنه مستني منها تقول... تفتح السكة...
بس هي مكسورة، ضهرها محني ووشها في الأرض عيونها ما بتتحركش، دموعها بتنزل بهدوء وصمت
كريم حاول يرد بس صوته كان واطي بيتلجلج وعيونه علي حنين:
- الموضوع.....هو....انو...
إسلام عض على سنانه وزفر بضيق وهو شايف عيون كريم اللي معلقة على حنين، وقال بانفجار حاد:
إسلام بزعيق:
- مش بكلمها... بكلمك إنت! رد عليا زي ما بتكلم
الصوت كان كفيل يخلي حنين تتنفض من مكانها وكأنها فاقت من حلم وحش...
إيدها اتحركت لا إراديًا كأنها بتحمي نفسها، خوف قديم طالع من جواها، بيحاصرها
كريم حسّ بيها نبرته اتغيرت وهو بيقول بهدوء وهو بيبص لإسلام:
- أنا اللي غلط...
أنا السبب في كل حاجة...
اتجوزتها لما... لما...
وسكت كان الكلام مش عاوزه يطلع منه
إسلام اتصدم... الجملة نزلت عليه زي الطلقة
بس سكت مفهمهوش او يمكن فهمه بس مش عاوز يصدق كان عاوزه يكمل
إسلام بصوت واطي يشبه الغليان:
- لما... اي... كمل ...!
كريم قطع كلامه بهدوء مخنوق:
-غل... ط.. ت... معاها... انا السبب مش هيا...بس الظروف كانت أصعب مننا
إسلام وقف عنيه مليانة غضب وصدمة
الجو في الجنينة كان خانق...
الهدوء اللي سبق العاصفة اتكسر بصوت إسلام وهو بيقول بحدة:
إسلام:
- غلطت معاها؟!
انت بتقول اعتد*يت عليها....اغ....ت...مكملهاش؟!!
ده انت...!
ماكمّلش الجملة
إيده كانت أسرع من صوته
ضربة فجائية في وش كريم
جسمه اتزحزح من مكانه ووقع على الأرض
اتألم بس ما دافعش عن نفسه...
وكأنه بيقول: "استحقها"
بس الضرب ما وقفش
إسلام كان بيضربه كأنه بيطلّع سنين الغياب كلها
سنين الوجع
سنين القهر اللي عاشته أخته
حنين قامت صرخت بخوف:
- إسلاااااام!! كفايه!!! هتموته!!!
حريت عليه حاولت تبعده
بس مكنش شايف
كان شايف دموع أخته وهي بتقول "استنيتك"
كان شايف عزّة حنين وهي مكسورة في الأرض
إسلام بيزعق وهو بيضرب:
- دي أختي!!!
- هقتلك!!
- ازاي تعمل كده؟! ازاااااي؟!!
حنين بتحاول تبعده، بتنهار، بتعيط
- كفاية!!!
- كفايــــــــــة بالله عليك!!!
لكن إسلام كان غايب
مش سامع، مش شايف
مفيش قدامه غير وجه كريم والخذلان الي في قلبه
فجأة صوت خطوات جري
سماح ونادين خرجوا على الصريخ
هدي كمان وراهم، شايلة االطفل على إيدها
سماح جريت عليه بغضب:
- بتعمل إيييييه؟!!
- هتقتله؟!!
- اوعى ابعد عنده!
دموعها نزلت علي ابنها الي مرمي في الارض بيصارع انفاسه
إسلام كأنه مش سامع، عيونه حمرا من الغضب
ما ردش
ما بصّش
ولا حتى سمع صوتهم حواليه
نادين جريت على كريم، بتحاول تساعده يقوم
هدي واقفه مصدومة مش فاهمه حاجه محمد في حضنها واقفه بيه بعيد عنهم
حنين وقفت في النص...
دموعها على خدّها، عنيها بتتوسّل
رجليها بتترعش
قلبها هيقف من الخوف
إسلام أخيرًا...
وقف عن الضرب
وقف لأنه سمع صوت أخته بيتكسر
شاف شكلها وهي بتنهار
صوتها اللي مكنش طالع...
بصله كريم...
بس عيونه كانت سودة وكانه بيقوله لسه معملتش فيك حاجه
كريم وشه عليه آثار الضرب، نفسه متقطع
مش قادر يقوم
مش قادر يرد
إسلام لف على حنين، شدّها من إيدها وهو بيقول:
- يلا...
- تعالي معايا
حنين اتجمدت، عينيها بتدور حواليها كلهم بيبصولها
كله بيبص عليها هي
وهيا شايفه وجوهم كلهم
سماح بتعيط
نادين بتساعد كريم
هدي واقفة مذهولة
كأن المشهد أكبر من التخيل
لكنها مشيت وراه
رجليها ماشية بالعافيه
مش قادرة تقاوم
وصلوا للبوابة
إيده لسه ماسكها
بس فجأة...
صوت صغير جه من وراهم
هز كل حاجة وكانه اتكلم وبينادي عليها:
- مااااماااااا!!!
محمد
ابنها...
واقف بيعيط
إيده ممدودة ناحيتها
صوته مرعوب... مش فاهم هي ماشية ليه
كأنه بيقولها ما تسبنيش
حنين وقفت
زي تمثال
وإيدها مسكت في البوابة
جسمها ماتحركش
بس قلبها؟
بيصرخ
إسلام وقف...
بصلها باستغراب
- حنين؟
بس هي مش بترد
عينها مش علي البوابة بصت وراها
قلبها وقع
ابنها بيعيط، بيصرخ عاوزها ...
حاولت تشيل إيدها من إيد اسلام
بتتسحب منه
بدموع
بكسرة
بكل الصراع اللي في الدنيا
إسلام بيشدها تاني:
- حنين! يلاااا!
- متخافيش، أنا معاكي!
بس هي بتبص على محمد
مش سامعة
مش شايفة غيره
ابنها...
إيدها بتتحرك
إسلام بيشد
وهي بتهرب
بتبعد عن إيده، وبتجري ناحية محمد وبتخطفه من هدي
بتحضنه بكل كيانها
وبتعيط بس مش زي المرة الأولى...
المرة دي؟
وجعها من نوع تاني
وجع الأم
اللي كانت هتسيب ابنها وراها وتمشي.....
إسلام وقف مكانه...
بيكتم أنفاسه
عينه بتتحرك بين حنين، والطفل اللي حضناه بقوة...
ملامحه فيها استغراب، بس مشكوك فيه
قلبه بيقوله حاجة، وعقله بيرفض يصدقها
قرب منها بخطوات هادية
وهو بيبص على الطفل...
بيمد إيده بلُطف، حطها على راسها وقال بصوت هادي فيه رجاء:
- يلا يا حنين...
- ادّي الطفل لمامته... خلينا نمشي...
حنين رفعت عينيها ليه...
عيونها كانت بحر من الحزن
مليانة بكاء، ومفيش كلمة خارجة
اتجمدت
زي اللي مش سامعة
أو يمكن سامعة... بس مش قادرة ترد
مش قادرة تنطق
إسلام بص لها باستغراب أكبر...
اتوتر، وحاول يحافظ على هدوءه
مدّ إيده علشان ياخد الطفل منها
- يلا يا حنين... مامته مستنياه، وهي واقفة أهي
وأشار لهدى اللي كانت واقفة مش فاهمة أي حاجة
وشها شاحب... وعينيها بتدمع وهي شايفة المشهد بس مش قادرة توصل لمعناه
بس حنين؟
كانت ماسكة في ابنها
قافلة عليه بإيديها كأنها بتحميه من العالم
وشها مليان دموع، وجسمها بيرتعش
إسلام حاول يمد إيده تاني
لكنها اتراجعت
هزت راسها بنفي ضعيف
وعيونها بتتوسّل
مش هسيبه... مش هبعد عنه
إسلام وشه اتغير...
داخليًا اتعصّب
بس ملامحه لسه بتقاوم
هو مش فاهم... ليه بتعمل كده؟
ليه متمسكة بالطفل بالشكل ده؟
صوته نزل هادي بس فيه ضيق مكبوت:
- حنين... قلتلك ادّيه لمامته
- مفيش وقت... خلينا نمشي
بس مفيش رد
غير دموع بتنزف
وصدر بيعلو ويهبط، وأنفاس مخنوقة
حنين حضنته أكتر
كأنها بتصرخ من غير صوت
وإسلام حاسس بالحيرة بتخبط فيه
في اللحظة دي...
عينه راحت على كريم
قاعد، وساند على حضن أمه
ونادين جنبه بتسنده
وشه عليه آثار الضرب
بس ملامحه مش فيها غير الوجع
عينه بتدمع...
وقلبه بيتقطع وهو شايف مراته... وابنه
وهو مش قادر يتحرك، مش قادر يصرخ، ولا حتى يمنع اللي بيحصل
سماح قاعده ابنها في حضنها
وشها قاسي، عينها كلها دموع و غل
بتبص لحنين
بس نادين؟
كانت عينها على حنين
فيها تعاطف... فيها كسر
كأنها فهمت الحالة الي هيا فيها قبل ما حنين تقول
إسلام، بدأ يحس إن في حاجة غلط
عينه نزلت على الطفل
وشافه ساكن في حضن حنين زي ما يكون بيقول "ماما"
زي ما يكون بيحتمي فيها
رجع يبص لها
صوتُه اتكسر:
- حنين...
- هو... هو ابنك؟!
حنين بصت له
نظرة واحدة كانت كفاية
عينيها قالت كل حاجة
هو ابنها...
إسلام رجع خطوة لورا
الصدمة الجمت في صدره
إيده وقعت جنب جسمه
ونفسه اتحبس
هو مش قادر يتكلم...
ولا هي
بس في الحظة دي
كل حاجة كانت واضحة
- ابنها...
الكلمة اتقالت في عقله
ووجعته دخل قلبه
كان عايز ياخدها ويمشي
بس دلوقتي؟
بقى فيه روح صغيرة ماسكة فيهم هما الاتنين
روح اسمها محمد
والدنيا وقفت
هدى وقفه مكانها مش فاهمة...
بس الدموع نزلت على خدها من غير ما تحس
الجو كله اتقلب
والحقيقة؟
إنه مفيش حد لسه فاهم النهاية أي ...
ولا انا لسه فاهمه النهاية اي
↚
إسلام واقف مكانه متجمد من الي قدامه …
محمد لسه في حضن حنين بيشهق من العياط كانت لفه ايدها عليه بكل قوتها، كأنها لو سابته هيتسحب منها للأبد......
إسلام رفع عينه صوته مبحوح من الصدمة:
– هو… ابنك؟
حنين ما نطقتش، بس دموعها قالت كل حاجة
إسلام سكت لحظة، عينه راحت على الطفل، وبعدين على كريم اللي كان بيحاول يثبت نفسه على الكرسي اللي قعد عليه، ملامحه موجوعة، بيبص للمشهد بعجز
هدى واقفة مش فاهمة حاجة، عينيها رايحة جاية ما بين حنين وإسلام ومحمد
إسلام خد نفس طويل بس القرار الي مكنش في رجعه انو هيخدها معاه حتي لو عندها ابن مكنش لازم يبين كسرته قدمهم، قرب خطوة منها:
– حنين… يلا نمشي
حنين هزت راسها، صوتها طلع همس لكنه واضح:
– مش هسيبه
إسلام مد إيده ناحية محمد:
– ماشى، هاتيه، أنا هشيله
حنين اتراجعت خطوتين، ضمته أكتر ليها، صوتها اتكسر:
– مش هسيبه…
محمد دفن وشه في رقبتها أكتر المشهد لوحده جارح وكأنه حاسس انو في خطر حواليه
المنظر كان زي الطعنه ليهم الكل اتجمد من الي بيحصل كان الطفل حاسس بالي بيحصل حواليه
إسلام وقف لحظة، ملامحه ظاهر عليها الحيرة اللي هو فيها…
بعدين بص حواليه، العيون كلها عليه، لكن محدش بيتكلم محدش فاهم هو مين ولا بيعمل كده ليه بس واضح انو الموضوع كبير
خطوة صغيرة لقدام، صوته نزل أهدى لكنه حاد:
– إحنا هنمشي … وهو معانا مش هنسيبه
مسك ايدها وشدها لكن المرة دي وهي ماسكة محمد
الطريق للبوابة كان صامت…
كريم فضل قاعد مكانه، مش قادر يقوم، عينه بتلاحقهم، ودموعه بتنزل وحدة وحدة…
هدى بصت للباب وهما بيخرجوا، مش فاهمة إيه اللي بيحصل، قلبها بيتقبض من المنظر
حنين وهي خارجة، كانت حاسة كل خطوة زي الحجر بيتحط على قبلها وقبل ما تخرج عينها راحت علي كريم بس كانت وصلت البوابه خلاص …
حضنها لابنها كان أمانها الوحيد وسط العاصفة دي كلها
ركبت العربيه جنبه وكل واحد ساكت لا اسلام قادر يتكلم ولاهيا
إسلام كان سايق العربيه وعينه بتبص لقدام، بس عقله شغال بأسئلة أكتر
كل شوية يسرق نظرة لحنين…
شايلة الطفل في حضنها، عينيها شاخصة للفراغ وكأنها مش هنا…
كان نفسه يسألها عن كل حاجة …
مين؟ إمتى؟ إزاي؟ وليه ؟
لكن لسانه اتقل من انو يتكلم …
مش وقته… مش دلوقتي
عقله كان بيردد بيهم
لف راسه لها شوية نحيتها وقال:
– اسمه إيه بقى؟
حنين اتحركت بعينيها نحيته بصت له لحظة، وبعدين رجعت تبص للطفل
حضنته أكتر، وصوتها واطي لدرجة إنه بالكاد سمعه:
– محمد
إسلام حس الاسم دخل قلبه قبل ودنه…
– محمد…جميل
بص للطفل وهو نايم على كتفها، نفسه يسأل عن حاجات كتير بس فضل السكوت اهم حاجه هيا معاه وعايشه مش مهم اي حاجه تانيه هتتحل
بس الي هو كان متاكد منه انو يستحيل يسبها وهياخد حقها من اي حد فكر يديقها
رجع بعينه للطريق
العربية فضلت ماشية،بس عقله كان مليان كلام مش قادر يقوله…
كل واحد فيهم كان غرقان في تفكيره عارف إن أي كلمة دلوقتي هتفتح أبواب مش هيعرفوا يقفلوها
$$$$$$$&&.......
كريم لسه قاعد مكانه، بيحاول يلم أنفاسه بعد اللي حصل
أمه ونادين واقفين حواليه، نادين بتحاول تسنده وأمه بتتكلم بغل واضح:
– إزاي يعمل فيك كده وانت واقف تتفرج عليه؟! مش فاهمة!
وبعدين مراتك راحت معاه… بأي حق؟!
ما هو زي ما بيقولوا…'تربية شوارع' هي اللي هتجيب لنا البلاوي!
جايبالك واحد ما نعرفش هو مين يضربك… وبعدين تروح معاه كمان!
والله لو اتلايمت عليها… لقطّعتها بسناني!
كريم رفع عينه بص لها ملامحه كانت متغيرة، تعبه بقى غضب، وصوته طلع حاد:
– لآخر مرة… بقولهالك ما تتكلميش عن مراتي تاني!
عشان انت متعرفيش حاجه
وبالنسبة للي خدها… فده أخوها!
وملكيش أي حق تقولي عليها كلمة واحدة، فاهمة؟!
هو نفسه مش قادر يتحمل أكتر… زقها بخفة بعيد عنه وهو بيقوم
خطواته تقيلة، ونادين واقفة مش فاهمة اللي بيحصل
لكن أمه لسه واقفة مكانها، ولسانها شغال بغل أكتر:
– ما طبيعي تدافع عنها… هستنى منك إيه!
أخوها؟! ههه… بتقول أخوها!
ما طبيعي… همجي زيها!
تربية شوارع هيجي من وراهم اي يعني
بس اقول اي عليك
ولا كمان وخدوا الولد معاهم… بكره يطلع زي أمه!
كريم وقف عند باب البيت…
ظهره ليها، بس عينه بتطلع شرار…
لف فجأة، وبص لها نظرة حادة وبعدين وجه كلامه لهدى اللي لسه واقفة مذهولة:
– جهّزي للمدام شنطتها… عشان هتمشي النهارده
قالها بصوت ثابت، ودخل البيت
-$$$$$$&&&&
طلع كريم أوضته، قفل الباب وراه بقوة وهو بياخد نفسه
دخل الحمّام يستحمي
المية السخنة نازلة على وشه، بتحاول تمسح أثر الألم، بس الوجع مش من الضرب… الوجع في اللي شافه قدامه،قال الحقيقه عشان ميظلمش حنين اكتر من كده كان عارف انو كلام امه اثر فيها
مكناش عاوز يخبي عليه لان باي حال اكيد الحقيقه هتتعرف بس حنين مكنش لازم تواجه اكتر من كده هو هيتحمل كل حاجه
خرج بعد شوية، كان لابس حاجة بسيطة وقف قدام المراية بيتأمل وشه اللي لسه وارم، ضرب وجروح صغيرة
=واضح انو ايدة تقيله بس يلا كله يهون عشان حنين ومحمد بس انا مش هسكت برضو
مد إيده على الدرج، فتحه، طلع علبة الكريم، ضغط عليها وحط على الكدمات
لكن عقله؟
مش معاه
رجع بيه للمشهد اللي قلبه اتقبض فيه…
حنين وهي ماشية ورا إسلام، عينيها كان فيها نظرة مليانة كلام، نظرة وجع وحيرة، حاجة فهمهاش وقتها
اتنهد و رمش بعينه، وحاول يبعد الفكرة…
لكن صورة تانية هاجمته فجأة: حنين وهي بتجري على محمد لما سمعت صوته
بتحضنه كأنها لقيت روحها في حضنه
ابتسامة صغيرة سرقت ملامحه… مشهد خلّى قلبه يدق بسرعة، لحظة حس فيها إنهم عيلته بجد
لكن الابتسامة دي اختفت أسرع ما ظهرت… لما وش إسلام وهو بيضربه طلع قدامه تاني
حط ايده علي الورم الي في وشه وأخد نفس عميق و قعد على طرف السرير، حط إيده على راسه وقال بصوت واطي:
– وده طلع منين ده كمان؟!
وبعدين… حنين عمرها ما جابت سيرة إن عندها أخ…
أكيد في حاجة ناقصة، أكيد خبت عني لسبب
رفع راسه عينه فيها لمعة تحدي:
– بس مهما كان السبب… هو فاكر كده أخدها مني؟
ضحك بخبث وقال:
=شكلي… هرجع كريم بتاع زمان ولا اي نبقي نشوف بعدها
اتمدد على السرير إيده تحت دماغه، عينه معلقة في السقف، عقله شغال بألف فكرة…
مش ناوي يسيبها، ولا يسيب اللي حصل يعدي كده هيرجعها ليه مهما كان التمن اي
قطع تفكيره رنّة موبايله
بَصّ على الشاشة… الرقم ده هو عارفه كويس نفسه اتقبض
اتنهد بضيق، سحب الموبايل، وضغط على "رفض"
لكن الرنّة رجعت تاني
رفض
وتالت مرة… حس إن الصبر بدأ ينفذ عنده، ضغط على "رد" وصوته كان مليان غضب مكتوم:
– عاوزة إيه؟
صوت بنت ناعم ومليان دلع:
– إيه يا كيمو… مالك مدايق ليه بس؟
شدّ نبرته أكتر:
– أنا مش قلتلك مليون مرة ما ترنيش عليّ، ولا تقربي مني، ولا حتى أشوف وشك لا انتي ولا الي مشغلك ؟!
هي بدلعها المعتاد، وكأنها مش سامعة التحذير:
– مش عارفة أنت اتغيرت ليه كده…هيا البنت الجديدة عاجباك قوي كده؟
كريم صوته علي فجأة، والغضب ظهر علية :
– البنت اللي بتتكلمي عنها دي مراتي… ومسمعش سيرتها تاني على لسانك فاهمة؟!
هي بسرعة، وكأنها بتحاول تهدي الموقف:
– طب… أنا آسفة، بس مش كان في شغل المفروض إنك تعمله؟
كريم بنفس الحدة:
– قولي للي عندك… أنا ما بشتغلش حاجة شمال واللي عنده حاجة يعملها بنفسه ومشوفش رقمك تاني على تليفوني… فاهمة؟!
وقبل ما ترد، كان هو قافل الخط، رمى الموبايل على السرير، وتنفس بعمق بيحاول يطرد بيه الغضب اللي
سببته المكالمه دي بعد دقايق قام
نزل السلم بخطوات ثابتة والموبايل في إيده
أول ما وصل تحت، شاف سماح واقفة جنب نادين… كل واحدة شايلة شنطتها
وقف قدامهم، وبص لنادين وقال بإحراج:
– أنا مكنتش عايز الأمور توصل لكده… بس غصب عني
نادين قطعته بابتسامة صغيرة باهتة:
– أنا فاهمة كل حاجة يا كريم… وصدقني، أنا مش زعلانة وبعدين، هقعد إزاي وحنين مش موجودة؟
كريم أخد نفس قصير:
– وهترجعي تسافري تاني… ولا هتروحي فين؟
نادين هزت راسها:
– لا، هروح عند إخواتنا… قصدي أحمد وعمر
هما قاعدين في شقة جنب الكلية بتاعتهم… قريبة من هنا، مش بعيدة أكيد هشوفك يعني… وكمان عايزة أوصل لحنين برضو
ابتسامة خفيفة ظهرت على وشه، ك محاولة يخفف الجو بيها وبعدين بصل لأمه… نظرته اتغيرت وصوته بقى فيه مرارة:
– كان نفسي تبقي أحسن من كده… أديكي بسبب طبعك، خسرْتِ أهم حاجة في حياتك…هما ولادك.
مش بس أنا… دول حتى هما ماقدروش يقعدوا معاكي
راجعي نفسك… عشان هتخسري كتير لو فضلت كده
ما استناش رد لف ودخل مكتبه، وقفل الباب وراه
سماح وقفت مكانها، عينيها لمعت بالدموع، كانت بتحاول تسيطر على نفسها
بصت لنادين بنظرة ما بين الصدمة والكسره وبعدين مشيت بهدوء ناحية الباب
ونادين مشيت وراها....
............&_
دخل مكتبه … ملامحه كلها تركيز وغضب مكتوم
رمى الموبايل على المكتب وبدأ يفتح الأدراج واحد واحد، الورق بيتناثر، وصوت الخشب بيحتك ببعضه بيكسر الصمت
بيفتكر يوم ما حنين حكت الي عمتها عملته وطلب من حد يجبله عنوانهم كان عاوز يرجع ليها حقها بس ملحقش
قلب الملفات والورق بسرعة عينه بتدور على حاجة واحدة بس…
عنوان بيتهم
إيده وقفت فجأة على ورقة صغيرة في قلب الدرج…
مسكها وقربها منه… والعنوان مكتوب بخط واضح
ابتسامة قصيره، لكنها مليانة معنى، ظهرت على وشه
قفز من على الكرسي، مسك مفاتيحه والموبايل وخرج بخطوات سريعة كأنه بيطارد الوقت وفكرة في دماغه ناوي عليها
&____عندحنين واسلام _&____بقلم_____اية___الفرجاني&
وصلوا قدام باب الشقه حنين وقفت مكانها، إيدها على المقبض لكنها مش قادرة تتحرك مش قادره تدخل …
نفس اللحظة اللي كانت دايمًا بتخاف منها رجعت تاني للمكان اللي هربت منه بعد كل اللي شافته في
إسلام لمح التردد في ملامحها قرب منها بهدوء وقال بصوت في حنيه:
– عارف كل اللي حصل معاك… وصدقيني، هما دلوقتي بيتعاقبوا على كل حاجة عملوها وكل حد أذاك هدفعه التمن غالي
فتح الباب ووقف على جنب كأنه بيحميها وهي داخلة
حنين خطت خطوة… ريحة البيت، صوت الصمت فيه، كل حاجة في مكانها كأن الزمن وقف
عينيها غرقت دموع وهي حاضنة ابنها، قلبها بيترجف بين فرحة ووجع
إسلام قفل الباب وراح وقف قدامها:
– هاتيه
مدت له الولد، ما سألتش ليه…
أخده بحرص، وفي حاجة غريبة بتتحرك جواه
فرحة إنه شايف دم من دمه، ووجع إنه شايفه في ظروف دي
باسه من خدّه ودخله الأوضة، حطه على السرير برفق، وبعدين خرج
حنين فضلت واقفة رجليها بتوديها لوحدها لأوضة مقفولة بقالها سنين… أوضة أهلها
فتحت الباب والغبار كان خفيف على الأثاث، لكن كل حاجة في مكانها
السرير، الصور كل حاجه
قعدت على السرير، إيديها بتلمس الملاية كأنها بتلمسهم، عينيها شايفة صورهم في كل زاوية
إسلام دخل ووقف قريب منها وبعدين قعد جنبها وقال بهدوء:
=لما كنت مسافر
كنت كل يوم أقول:
إمتى هرجع عشان
أشوفك… ولما رجعت ملقتكيش، وعرفت إنك سبتِ البيت… كنت هتجنن
من يومها وأنا بلف عليكي زي المجنون
لما كنت أنام كنت أشوفهم في أحلامي بيسألوني عنك، كأنهم عارفين إنك مش كويسة
بص لها وقال بنبرة فيها اسف:
– أنا آسف يا حنين… عارف إني السبب مكنتش السند الحقيقي ليكي لما كنتِ محتجاني فضلت واجب علي واجب تاني
حنين كانت ساكتة بتسمعه وعنيها شاخصة في الفراغ
قالت بشرود وصوتها مبحوح:
– لما قعدت فترة أبعتلك وانت متردش… فكرت إنك… مقدرتش تكملها
وقفت فجأة دموعها نزلت لكنها كملت:
حسيت إني بقيت وحيدة، وعايشة وأنا مش قادرة أتكلم ولا أقول عنك حاجة كنت حاطة أمل إنك بخير، فضلت شايلة السر جوايا لسنين… وكل يوم بدعي ربنا إنك ترجع
=كان غصب عني لاني كنت هموت فعلا
قالها بوجع وبعدين بصلها ملامحه كانت خليط بين الندم والحب والحماية… وفي اللحظة دي
إسلام مد إيده بهدوء وشدها في حضنه
حضن طويل مليان دفء وحنان، وكأنه بيحاول يلم كل السنين اللي راحت في اللحظة دي
حنين كانت متجمدة في الأول، لكن مع أول لمسة منه حسّت وكأنها رجعت للحظة قديمة كانت فاكرها ضاعت… لحظة أمان حقيقي ما شافتهوش من زمان
قلبها دق بسرعة، مش من خوف… لكن من إحساس غريب إنها مش لوحدها أخيرًا
بعد ثواني، أخدت نفس عميق وبابتسامة باهتة مليانة دموع بعدت عنه شوية وقالت وهي بتحاول تضحك:
– أول مرة من سنين… أحس الإحساس ده
إسلام بصّلها وابتسم، ورجع حضنها من تاني وكأنه مش قادر يسيبها لحظة، وباس دماغها بحنان وقال بصوت منخفض لكنه ثابت:
– وأنا… أول مرة من سنين أحس إني رجعت مكاني الصح… المكان اللي عمري ما كان لازم أسيبه
عينيه كانت مليانة خليط من الفرح والندم، وكأنه بيعتذر عن كل لحظة غاب فيها عنها
غمضت عينيها، وسابت نفسها للحضن ده، عاوزه تحس بكل همسة أمان فيه، وبكل وعد صادق إنه المرة دي… مش هيسيبها تاني
كانوا لسه غرقانين في لحظة دافية، قلبها مليان مشاعر متلخبطة بين الأمان والراحة، لكن فجأة خبط جامد على الباب قطع اللحظه
إسلام بعد عنها رفع حاجبه باستغراب وبص ناحية الباب، قام من جنبها وهو بيقول:
– مين اللي جاي في الوقت ده؟
فتح الباب… وكانت المفاجأة
واقف ملامحه مش واضحه من الورم وفي إيده شنطة سفر صغيرة وابتسامة مستفزة مرسومة على وشه وكأن ولا حاجة حصلت
قال بنبرة فيها تهكم وابتسامه مستفزه:
– جيت أعيش معاكم
إسلام عينه ضاقت وهو بيقيس الموقف
أما حنين… قلبها اتقلب في لحظة، إيديها ارتجفت وهي حاسة الجو اتقلب برد فجأة
الهواء في البيت بقى تقيل، ومابين ابتسامة كريم المستفزة ونظرة إسلام الصارمة، المشهد بقى أشبه بقنبلة موقوتة… مستنية تنفجر
↚
فتح الباب... وكانت المفاجأة
واقف ملامحه مش واضحه من الورم وفي إيده شنطة سفر صغيرة وابتسامة مستفزة مرسومة على وشه وكأن ولا حاجة حصلت
قال بنبرة فيها تهكم وابتسامه مستفزه:
- جيت أعيش معاكم
إسلام عينه ضاقت وهو بيقيس الموقف
أما حنين... قلبها اتقلب في لحظة، إيديها ارتجفت وهي حاسة الجو اتقلب برد فجأة
الهواء في البيت بقى تقيل، ومابين ابتسامة كريم المستفزة ونظرة إسلام الصارمة، المشهد بقى أشبه بقنبلة موقوتة... مستنية تنفجر
إسلام بغضب مد ايده مسكه من ياقة قميصه بعنف عينيه كانت بتلمع بشر صوته طالع من بين أسنانه:
– شكلك جيت لقضاك، فاكر نفسك إيه بالظبط؟! تسكن فين؟؟
كريم، بابتسامة باردة وكأنه مش حاسس بالقبضة اللي بتخنقه مد ايده بيعدل القميص كأنه ما اتأثرش
– بالراحة عليا يا أبو نسب… ده إحنا أهل ولا نسيت إنك خال العيال؟ وبعدين انا مش عشان سكتلك المرة الي فاتت هتسوق فيها بقى انا قولت انك كنت متعصب وحقك دلوقتي بقي جت عشان مراتي وابني
إسلام زاد ضغطه على الياقة، لكن قبل ما يرد
ظهر حد من ورا كريم و
دخل كان ظابط ومعاه اتنين أمناء شرطة، خطواتهم تقيله
الظابط:
– حضرتك إسلام منصور؟
إسلام باستغراب وبنبرة حادة:
– أيوه… في حاجه ؟
الظابط فتح دفتر صغير وهو بيقرأ:
– جايين ننفذ بلاغ مقدم من الأستاذ كريم رشوان… بتهمة التعدي عليه بالضرب وأخذ زوجته منه بالقوة
كريم كان واقف على جنب، عينه بتلمع بانتصار متعمد وكأنه بيتفرج على خطته وهي بتشتغل
الظابط كمل:
– فيه كمان فيديوهات من كاميرات المراقبة، وتقرير طبي موثق بالاعتداء
حنين كانت واقفه ورا اسلام حسّت رجليها بقت تقيلة قلبها بيدق مش فاهمة إزاي الموقف اتقلب بالشكل ده
الظابط بلهجة رسمية:
– مش هنقبض عليك دلوقتي، لكن هنعمل محضر تعهد بعدم التعرض له أو لزوجته، وأي إخلال… أنت عارف النتيجة
الضابط سلم على كريم وقال له بهدوء:
– اتمني اكون عملت وجبي كويس سيادة اللواء موصي عليك شخصياً أي حاجة تحصل رن عليا هكون هنا
بعد ما الظابط قال الكلام ده وسلم على كريم، كريم مد إيده بإيماءة
شكراً يا سيادة الظابط، وأنا متأكد إن القانون هيحمي حقي وحق اللي بحبهم
وأنا هنا عشان أقول إن زوجتي معايا تحت حمايتي ومش هسيب حد ياخدها مني بسهوله
بص لإسلام بطرف عينه الي كان واقف جامد وبيبصله بغل، كريم حركة إيده كانت واضحة كأنه بيقول: "شوف القانون معايا"
ثم قال بجدية:
أنا متفهم اللي حصل واحنا اهل برضو بس بطلب من حضرتك تتابع الموضوع، وأتمنى تتأكد إن ما حدش يتعدى عليا أو على زوجتي، خاصة الاستاذ
بص لاسلام الي كان بيغلي بس ملتزم الهدوء
الظابط، وهو بيسجّل الكلام:
تمام، ده هيتسجل في المحضر، وإنت ما عليك إلا تلتزم بالتعهد، وأي حاجة تحصل هنتصرف فورًا
إسلام كان واقف، عينه ما فارقتش كريم وقال بصوت حاد لكنه محتشم:
تعهد يعني… تمام مفيش مشكله وبعدين دا مهما كان
احنا قرايب برضو مش كده ولا أي
قالها وهو بيضغط علي سنانه
الظابط بصله بنظرة حازمة:
طبعًا ي أستاذ إسلام، وحضرتك عليك الالتزام بعدم التعرض ليه أو لزوجته، وأي مخالفة هتكون على مسؤوليتك انت، يعني اي حاجه هيتعرض ليها الاستاذ كريم انت المسؤل قدامي
إسلام كتم غضبه وبصله جامد....
بعد ما مشوا اسلام دخل قعد علي الكنبه وكريم دخل وقفل الباب وراه كان حاسس بخوف من هدوء اسلام......
اما حنين كانت واقفه مكانها، عينيها راحت على كريم اللي كان بيبصلها بنظرة طويله فيها حب وكانه بيقولها انا بحبك بجد ومش هسيبك
إسلام قاعد على الكنبه رجله بتتهز ببطء، وعينه رايحة جاية بين كريم اللي عينه مش بتفارق حنين، وحنين اللي واقفة بتبصله وهيا متوترة
ابتسامة بااااردة ظهرت على وش إسلام، وقال بنبرة تريقة لاذعة:
تحب اجبلك كرسي واتنين لمون ولا اكملكم الجو واقفل عليكم باب
حنين اتجمدت مكانها وشها قلب الوان وكريم ابتسم بهدوء عينه لسه عليها:
- والله ما عندي مانع ياريت
مسك الشنطة وبدأ يمشي ناحية الأوضة بخطوات ثابتة بس قبل ما يوصل...
ظل إسلام وقف قدامه
إسلام صوته واطي لكن مليان تهديد:
- رايح فين؟
كريم، بابتسامة باردة:
- على أوضة مراتي... ولا ده ممنوع برضه؟
اسلام بعصبيه:
مراتك انت مصدق نفسك بجد؟بعد الي عملته فيها وبتقولي مراتك انا بجد مش عارف انا ساكت عنك ليه المفروض اخنقك بايدي،بس عامل خاطر للطفل الي ملهوش ذنب جوه ده
كريم بهدوء وحزن:
– يمكن البداية بينا كانت غلط… ويمكن السبب ما كانش صح بس اللي أعرفه دلوقتي إني بحب حنين بجد، الفترة اللي قضيتها معاها عرفتني قيمتها وحسستني بمعنى العيلة… حاجة ما عرفتهاش قبل كده، ومش مستعد أخسرها
احنا الاتنين ظروفنا كانت غلط وانت متقدرش تحكم عليا عشان غلطه عملتها وانا معترف بيها وبحاول اصلحها وانت واقف في طريقي
إسلام عينه كلها رفض وغضب:
– الحب مش كلمة تقولها علشان تلمع صورتك… حنين دفعت تمن الي انت عملته والنتيجه كانت طفل
يعني سبب جوازكم هو مش عشان انت حبيت حنين
ويمكن اتعلقت بيها مش اكتر،لان الجلاد عمره ما بيكون الحامي
كريم بصوت مبحوح:
– أنا غلطت… أيوه ومعترف بده بس حتى الجلاد اللي بتتكلم عنه ممكن يتغير… وأنا اتغيرت عشانها
مش فارق معايا تصدق ولا لأ… اللي فارق معايا إنها هي تعرف ده وانا متاكد انو حنين كمان عاوزه نكمل
حنين كانت واقفة على بعد خطوتين، إيدها ماسكة طرف بلوزتها بتوتر، عينيها بتتنقل بينهم بسرعة قلبها بيدق بعنف
كلام كريم لمس حاجة جواها… لكن مش متاكده هيا سامحته ولا لآ
و مش قادرة تحدد هل هو فعلاً اتغير، ولا كل ده تمثيل؟
وبين نظرة تحدي من إسلام ونبرة رجاء من كريم… حنين حسّت نفسها محاصرة، وكأنها واقفة في نص طريق، مش عارفة تاخد خطوة لقدام أو لورا
إسلام ابتسم ابتسامة قصيرة كلها سخرية:
– بيت! العيلة اللي بتتكلم عنه دا كان على جثتها… أنت ما كنتش زوج، كنت حكم مؤبد ليها وانا هخلصها منه
كريم مد إيده، لمس إيد حنين وهو بيبص لها:
قولي له، إنتِ كمان بتحبيني… صح؟
إسلام باندفاع وصوته عالى:
شيل إيدك عنها!
كريم. بابتسامة استفزازية أكبر:
شكلك خايف يا أبو نسب… خايف أختك تختارني
إسلام ما استحملش قبضته طارت ناحية كريم لكن حنين وقفت بينهم فجأة دموعها نازلة، وصوتها مبحوح:
كفاية بقى! كفاية!
كريم، وهو شايفها واقفة بتحميه بجسمها ضحكة صغيرة خرجت منه… نظرة رضا في عينه وهو بيبص لإسلام وكأنه بيقول له "شوفت؟"
إسلام حس الدم بيغلي، واندفع خطوة، مسك كريم من إيده وسحبوا بعيد، ثم وجه له ضربة قوية على وشه تاني
حنين شهقت ودموعها نازلة وهي بتبص لإسلام:
– إسلام! بلاش! بالله عليك خلاص
كريم وهو ماسك خدّه وبيتنفس بعمق ابتسم ابتسامة جانبية وقال،:
– أول ما شافتك بتضربني وقفت تحميني وبعدين انا مش عاوز امد ايدي برضو محترم الوضع وانك اخو مراتي وخال ابني
النظرة اللي في عينه ساعتها كانت كلها شماتة وكأن اللحظة دي سلاح جديد بيطعن بيه إسلام،كمل
- إنت عارف إنها كمان بتحبني عشان كده خايف
الشر طار من عينين إسلام، وفي لحظة كانت إيده رايحة على المسدس
طلع السلاح بسرعة ورفعه تجاه كريم
حنين شهقت ودمها اتجمد مكانها، قلبها بيخبط وهي شايفة إسلام بيقرب المسدس من وش كريم
كريم لأول مرة وشه يفقد التماسك... عينه لمعت بخوف حقيقي وصوته اتقطع:
= انت....بتعمل....اي
إسلام وصوته مليان غل:
- أنا لو سبتك المرة الي فاتت مش هسيبك المرة دي ... ومش عشان قبلت تدخل البيت يبقا عشان القانون والظابط اللعبه الي جايبه معاك وفاكر اني هخاف منه
انا الي مصبرني عليك بس عشان ما أوسخش إيدي بيك قدامها
إيده كانت على وشك تضغط الزناد... فجأة رنة موبايل كسرت الصمت
طلع الموبايل
وبص للشاشة... اللواء
اتنهد بعمق وخد خطوتين لورا من غير ما ينزل السلاح بعدين رجّع المسدس في جرابه
وهو بيبص لكريم بغضب ومشي للبلكونة
لكن عينه ما فارقتش كريم ولا لحظة... النظرة دي قالت بوضوح "نفدت مني بس مش هسيبك "
كريم واقف مكانه، صدره بيطلع وينزل بسرعة... إيده لسه بتترعش من الموقف
حنين قربت منه بحذر عينيها فيها قلق:
- إنت كويس؟
كريم، وصوته مهزوز وهو بيحاول يضحك ضحكة مكسورة:
- اخوكي كان... هيقتلني
إسلام واقف في البلكونة الموبايل على ودنه، وصوت اللواء جاي حاد كالرصاصة:
– إسلام! إيه اللي بيحصل بالظبط؟ إيه اللي يخلي واحد زي كريم يقدّم بلاغ ضدك؟! وإيه علاقتك بيه أصلاً؟
إسلام باستغراب وكان متفاجئ لكنه بيحاول يسيطر:
=مش فاهم ي فندم اي علاقة كريم بحضرتك
اللواء:
ي استاذ كريم انا اعرفه من زمان وبنا شغل من فتره
انت بقى اي وصلك ليه.
اسلام باستغراب:
– ... أنا نفسي مش فاهم! انا رجعت من المهمة الأخيرة لقيت أختي مختفية، ولما دورت عليها لقيتها متجوزة كريم… أخدتها من بيته، غصب عنه.
صوت اللواء ارتفع، فيه نبرة تحذير:
– انت فاكر اني بهزر معاك ي سيادة الرائد؟
إسلام:
– لا يفندم مش قصدي بس فعلا هو ده اللى حصل!
اللواء بهدوء:
طيب حيث انو طلع بينكم نسب فانا هسلمك مهمه حمايه كريم وعائلته وطبعا كده نفس العيله
فانت هتحميه من الخطر
إسلام ضحك ضحكة قصيرة ساخرة:
– خطر؟ هو الأستاذ بقى في خطر أكبر مني يعني؟
اللواء، بصوت صارم يقطع أي جدال:
– إسلام، احترم نفسك… واعرف بتكلم مين.
صمت لحظة
– كريم عنده شركة استيراد وتصدير، بتتعامل مع قطاعات حكومية حساسة تجار المخدرات حاولوا يستعينوا بيه علشان يدخل شحناتهم جوه بضايع الشركة
إسلام قطّب:
– وإيه دخلي أنا بالقصة دي؟
اللواء:
– القصة إن كريم رافض، وفيه تهديد مباشر اتبعت له… لو ما وافقش، ف هيهددوه بحد من عيلته وأعتقد مفيش أقرب له من أختك وابنها
إسلام عض على أسنانه، صوته بدأ يعلى:
– يعني حضرتك عاوزني أحمي اللي أنا أصلاً نفسي أدفنه بإيدي؟
اللواء بصرامة حديد:
– أيوه طول ما إنت في إجازة، وبما إنه قريبك، الحماية عليه مسئوليتك الموضوع مش اختيار… دي أوامر
إسلام خد نفس عميق وهو بيبص لجوه الشقة… عينه وقعت على كريم، الي كان واقف بيراقبه من بعيد بابتسامة هادئة كأن عارف ان المكالمة دي لصالحه
إسلام قفل الموبايل، نفسه طالع تقيل، الدم جواه بيغلي مش مصدق،بعد ما كان بيخطط يقتله دلوقتي
هيحميه ومجبر
دخل من البلكونة، شاف كريم قاعد على الكرسي وكأنه مطمّن… وحنين جاية بكوبايه مية
قبل ما تمدها لكريم… صوت إسلام انفجر في الصالة، عميق وحاد:
– حنين… تعالي هنا
حنين بصت له بتوتر:
– هديله الماية، في حاجة؟
إسلام بخطوة سريعة ناحيتهم:
– آه، في… إنتِ مش فاهمة ولا بتتغابي؟ مفيش كلام بينك وبينه، ولا خدمة، ولا حتى نظرة
كريم كان خد الكوبايه بسرعه من حنين رفعها بهدوء وشرب رشفة، وبص لإسلام بابتسامة مستفزة:
= هيا بقت غريبة عني… ما سمعتش قبل كده إن جوز الست محتاج إذن من أخوها علشان يكلمها
إسلام شد الكوباية من إيده ورماها على الطرابيزة بعصبية:
– ما تتكلمش معاها تاني
كريم، وهو مائل ناحيتها متعمد:
– طب وإنتِ يا حنين… هتفضّلي ساكتة؟ مش هتردي على اخوكي؟
حنين اتوترت، صوتها منخفض:
– كريم، بلاش…اسكت
إسلام صوته علا أكتر:
– قلت مفيش كلام! هي هتسمع كلامي أنا وبس
كريم، بابتسامة أوسع:
– شكلها مش طايقة اصلا انك تتحكم فيها بالشكل ده… وعلى فكرة يا حنين، أنا بحبك، ومش فارق معايا مين واقف حوالينا وهعمل الي في دماغي
حنين فتحت بقها عشان ترد، لكن إسلام قاطعها وهو بيزعق:
– ما ترديش! ولا حتى كلمة
كريم اتكأ على الكرسي براحة، عينه كلها تحدي:
– واضح إننا هنعيش سوا أيام ممتعة… أنا وهي… وإنتَ
إسلام مشى ناحيته بخطوات تقيلة، ملامحه كلها تهديد:
– لو لمستها أو حتى فكرت تلمسها… هتندم ندم عمرك ما شفته
كريم، وهو بيبص لها ومبتسم:
– طب ما نسألها الأول… هي عجبها الموضوع ولا لا
وبعدين يعني مش هستني اذن منك عشان اتكلم مع مراتي او اقرب منها
الجو اتكهرب في لحظة، وحنين وقفت بينهم بخوف، قلبها بيخبط، وإسلام عينه علي كريم، وكريم بيشوف ده وبيبتسم أكتر الوقت عدي
وهما قاعدين قصاد بعض من غير كلام
كريم قاعد قصاد حنين الي اسلام قاعد جنبها
ساعات مرت عليهم كده ابتسامه كريم لحنين
وتوترها ونظرات الغضب من اسلام ليهم وهو قاعد بنهم مر الوقت
والبيت كان هادي إلا من صوت التلفزيون اللي إسلام سايبه شغال وهو قاعد على الكنبة، عينه نص مقفولة من النوم، لكن ودنه واخدة بالها من كل حركة
حنين قامت وهي بتتمطّع:
– أنا رايحة أنام
إسلام، وهو بيعدل قعدته:
– ايوا الوقت اتاخر روحي نامي انت … والأستاذ هينام في الأوضة التانية
كريم، اللي كان قاعد بيراقب الموقف ابتسم وهو بيقوم:
– أنا هنام في أوضة مراتي
إسلام قعد صوته تقلّب بحدة:
– مراتك؟ أنت هتنام بعيد عنها، والموضوع مش قابل للنقاش
كريم اتقدم خطوة:
– ومين حضرتك علشان تمنعني؟!
إسلام:
– أنا أخوها… يعني اللي بيحميها منك ومن غيرك
كريم، بابتسامة تحدي:
– تحميها مني؟! دي مراتي، وأنا اللي بحميها
الجو بقى تقيل الاتنين واقفين وجهاً لوجه، الشرر بيطير في العيون
حنين، واقفة في النص، إيدها على راسها:
– كفاية بقى! زهقت… إنتوا الاتنين اتصرفوا زي ما يعجبكم، أنا داخلة أنام
دخلت الأوضة وقفلت الباب وراها، لكن صوتهم لسه مسموع من جوة
إسلام قعد على الكرسي اللي قصاد كريم، مدد رجله وباصص له من غير ما يرمش:
– طول ما أنا هنا، مش هتقرب منها خطوة
كريم اتكى على الكرسي المقابل، إيده على دراعه، ونبرة صوته فيها لامبالاة مستفزة:
– فاكر اني هخاف منك أنا طول ما أنا هنا… هفضل أدوّر على فرصة أقرب منها قدامك
الجو بقي مشحون بين الاتنين الي قاعدين عاملين زي القط والفار، كل واحد مستني التاني يغلط عشان ينقض عليه، والليل لسه طويل.......
الساعة كانت عدّت نص الليل، الشارع قدام العمارة فاضي إلا من لمبة ضعيفة بتنور فوق باب محل مقفول
كان واقف واحد لابس كاب نازل على وشه، سيجارة مولعة بين صوابعه، عيناه ما بتسيبش باب العمارة
رفع الموبايل على ودنه، صوته واطي لكن حاد:
– من أول ما دخل الساعة عشرة… لحد دلوقتي ما نزلش
الصوت على الطرف التاني طلع غاضب، واضح إنه مش مستوعب:
– إنت أكيد توهته منك ي غبي … كريم ما يعرفش يقعد في مكان أكتر من نص ساعة
الراجل هز راسه بثقة، عينه ما زالت على نفس النقطة:
– والله ابدا … من وقت ما طلع فوق، ما شفتوش نزل نهائي حتى الشباب اللي كانوا داخلين معاه نزلوا كلهم...
الصوت في الموبايل علي أكتر:
– ممكن شافك وضحك عليك وخرج من وراك، وقتها إنت هتتحاسب أنا عاوزه تحت المراقبة دقيقة بدقيقة، فاهم؟
الراجل رمَى السيجارة على الأرض وداس عليها ببطء نبرة صوته بقت أغمق:
– فاهم… وأوعدك، طول ما أنا واقف هنا، لو فَكّر يخرج… هعرف قبل ما يحط رجله بره الباب
↚
أشعة الشمس اتسللت من الشباك، لمست أطراف الكنبة اللي نايم عليها كريم وإسلام
إسلام كان قاعد نص نايم، ظهره للكنبة، رجله ممدودة بحيث لو كريم حاول يتحرك، لازم يعدي من عليها إيده اليمين مستندة خفيف على جراب المسدس في وسطه… حتى وهو في عز النوم عامل حسابه اي خطوه هتكون بالسلاح
كريم كان نايم على طرف الكنبة التانيه، ملامحه هادية بس عينه اتفتحت فجأة قعد بهدوء كان حاسس بوجع في ظهرة، وحاول يقوم من غير ما يعمل صوت وهو شايف رجل اسلام …
ابتسم بسخريه
و أول ما حرك رجله عشان يقوم إسلام حسّ، وفتّح عينه نص فتحة من غير ما يغير وضعيته
بص له بنبرة رخيمة وهو لسه عامل نفسه بيصحى:
– رايح فين يا أستاذ بدري كده؟
كريم ابتسم ابتسامة جانبية:
– هقوم أشرب مية… ولا لازم أستأذن برضه؟
إسلام مد رجله أكتر كأنه بيعمل حاجز:
– هجيب لك أنا… أنت أقعد
كريم هز راسه بابتسامة استفزازية:
– مش ناوي تديني فرصة أتحرك من غير ما تحط عينك عليا… شكلك كنت بتحلم بيا طول الليل
إسلام، وهو بيقوم من الكنبة:
– أنا ما بحلمش… أنا بصحى قبل ما الكوابيس تبدأ
كريم بحزم:
مش هتعب حضرتك تجبلي مايه احنا اصلا الصبح مش ليل لسه، عن اذنك
ما أخدش رد لكن حس إن عين إسلام بتتابعه لحد ما مشي
دخل المطبخ والابتسامه اترسمت على وشه تلقائي
وهو شايف حنين قدامه كانت لابسة إسدال وشعرها مرفوع وهي بتجهز الفطار
كريم وقف على الباب لحظة يتفرج عليها، وبعدين دخل بخطوتين ووشه عليه ابتسامة حقيقية:
– صباح الخير… اي الجمال ده على الصبح،شكلك صاحيه بدري
حنين ابتسمت بخجل وهي بتحط كوبايه اللبن على الرخامة:
– صاحيه من بدري… كنت بعمل فطار لمحمد
قرب منها، لمس كتفها بخفة وهو بيمد إيده للكوباية:
– أنا هعمله… إنتِ ارتاحي
نظرتهم لبعض كانت طويلة أكتر من اللازم، فيها دفء… لكن جوّاهم إحساسيس متوتره، زي اتنين عارفين إنهم مش لوحدهم.
كريم حاول يطمنها بابتسامة
وحنين كانت واقفة جنبه قريبة، كتفها يلمس دراعه صوتهم هادي وكأنهم بيستمتعوا بدقيقة عادية وسط الفوضى
في الصالة، إسلام حس إن كريم اتأخر أكتر من اللازم قام.....
وفي المطبخ كريم كان قريب جدا من حنين واقف وراها
– تحبي أساعدك؟ أنا شاطر في المطبخ على فكرة
مد إيده اخد منها السكينة، أصابعه لمست أصابعها، اللحظة كانت أقصر من ثانية لكنها كافية تخليها تاخد نفس قصير.
قال وهو بيبدأ يقطع معاها:
– شوفي… حتى بايدي الشمال بعرف اشتغل، ولا جرح ولا نقطة دم…
في الصالة، إسلام حس إن الدقيقة بقت دقيقتين… والدقيقتين بقوا خمسة
رفع راسه ببطء، ملامحه اتشدت وبص ناحية المطبخ:
– إيه اللي معطلك ؟
قبل ما يتحرك، صوت عياط محمد جه من الأوضة
استغرب وفتح الباب
ودخل، شاله من سريره بحنية غريبة على ملامحه المشدودة:
– هشش… بس ي بطل خلاص مالك
هيا ماما فين!؟
عينه بتلف في الاوضه حنين مش موجوده
دماغه اشتغلت: "حنين مش هنا… كريم مرجعش … أكيد سوا
راح للمطبخ، دفع الباب برجله…
كريم كان واقف ورا حنين ماسك إيدها عشان يوريها "إزاي تمسك السكينة"
صوتهم واطي، وضحكتها مرتبكة
إسلام وقف على العتبة، نظرته متسمّرة عليهم، صوته طلع بارد لكنه مسموم:
– إيه الجو العائلي الحلو ده… أنا جيت في وقت غلط ولا إيه؟
حنين شهقت وسحبت إيدها فورًا، كريم بعد عنها ولف لسه مبتسم وهو يسيب السكينة:
– إحنا بس بنقطع فاكهة… تحب تشارك؟
إسلام حط محمد على الكاونتر بهدوء مبالغ فيه عينه ما فارقتش كريم لحظة
– آه… هشارك بس بطريقتي
المطبخ اتملأ برائحة الفطار الي اتحضر حرفياً وسط جو مشحون بنظرات متبادله من كريم واسلام
حنين كانت قاعدة على الكرسي، بتحاول تركز في الأكل وتتجاهل الي حواليها، كريم كان قاعد جنبها وإسلام قدامهم
من أول ما بدأوا كريم كان بيحاول بأي طريقة يكسر حاجز الهدوء مع حنين…
مرة يناولها طبق، مرة يمد إيده عشان يقطع لها العيش، مرة يضحك على حاجة تافهة عشان يخليها تبص له
حنين كانت بترد بابتسامة خفيفة أو كلمة مقتضبة وعينيها بتروح لإسلام بحذر
إسلام كان كل ما كريم يقرب، إيده ياخد الحاجة قبل ما توصل لحنين او يتكلم معها ، كان اسلام يقطع كلامه بجملة قصيرة وحادة:
– سيبها… هي بتعرف تعمل ده لوحدها
– كل وخليك في نفسك
التوتر بيزيد، حنين تحاول تهدي:
– خلاص يا إسلام… مفيش داعي
كريم، بابتسامة مصطنعة:
– هو عنده حق… أنا اللي يمكن متعود أشارك مراتي في كل حاجة هو عشان كده متغاظ بس مش متوعدعلينا كده معلش بكرة تتعود
إسلام رفع عينه عليه، نبرة صوته منخفضة لكنها قاطعة:
– مرّاتك؟ إنت نسيت إنت فين ولا إيه؟ شكل الورم الي في وشك خف وعاوزه يرجع تاني
كريم بصله بخنقه وحنين بصتله عشان ميتكلمش
وفعلا سكت
لحظات صمت خانقة…
إسلام فجأة يحاول يغير الجو، يمسح بيده على وشه ويقول وكأنه بيتذكر حاجة:
– على فكرة… أنا عندي شغل مهم دلوقتي ولازم أنزل
كريم يرفع حاجبه:
– يعني هتسيبنا لوحدنا طب والله تبقي عملت فيا واجب؟
إسلام ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنها مريبة:
– أسيبكوا؟… آه… لأ طبعًا
قام من على الكرسي وهو بيجمع مفاتيحه:
– الكل هينزل معايا هنغير جو شوية… وننجز مشاوير
حنين استغربت:
– طب وإحنا هنعمل إيه معاك في الشغل؟
إسلام بنبرة عملية:
– هتستني في المكتب تستني في العربيه مفيش مشكلة اهم حاجه تبقي قريبه مني
الحقيقة إنه كان بيلعبها صح… ما يسيبش كريم مع حنين لحظة، وفي نفس الوقت يلتزم بكلام اللواء إنه يحميهم
كريم فهم الخطة وانو مش عاوز يسبهم مع بعض لكن ما قدرش يفتح بقه هو كمان ممكن ينزل في اي وقت، اكتفى بابتسامة جانبية
بعد دقايق
إسلام واقف عند الباب ماسك المفاتيح، عينه على كريم اللي واقف جنب حنين وهيا بتلبس الشوز وكأنه بيتعمد ما يسيبهاش لحظة
محمد في حضنه
إسلام مد إيده:
– هات الولد… أنا هاخده.
كريم ابتسم ابتسامة باردة وهو بيرجع خطوة:
– لأ… ابني في حضني أحسن
إسلام شد محمد ناحيته بقوة محسوبة:
– أنا المسؤول عن حمايته لاني خاله
كريم بص له بثبات:
– لا المسؤول عن عيلتي لاني ابوة
حنين مش مصدقه الي بيحصل اتسمرت بين الاتنين، كل واحد بيشد من ناحية
– كفاية بقى انت وهو بهدلتو الولد بنكم … هتعملوا مشكلة قدام الجيران كمان
هات الولد ده انا الي هشيله
خدته من كريم
إسلام قرب من الباب يفتحه لمح بطرف عينه من الشباك الجانبي … عربية سودا واقفة على بعد، زجاجها الأمامي معتم، مش باين فيها أي حركة، لكن إحساسه كان بيقول إن فيه حد بيراقب البيت
فتح الباب ونزلوا أول ما وصلوا قدام العمارة، الجو بقى أهدى ظاهريًا، لكن إحساسه انهم متراقبين لسه موجود
أول ما نزلوا قدام العماره
محمد كان في حضن حنين، ماسك فيها بقوة
إسلام مد إيده لياخد محمد من حضنها:
– هاتي الولد… هيكون معايا افضل ليه
كريم شد ذراعها بلطف لكن بنبرة متعمدة:
– لأ… أنا اللي هاخده إحنا أهله برضه، مش كده يا حنين؟
حنين اتفاجئت، تبص لده وتبص لده… كل واحد ماسك من ناحية
إسلام شد حنين ناحية صدره:
– هيركبوا معايا
كريم يرد وهو بيقرب أكتر من حنين:
– وأنا زوجها وأبو ابنها… لو هيركبوا مع حد يبقى أنا
حنين وسطهم عينيها بتتحرك بينهم بسرعة:
– تاني!!! كفاية! الناس بتبص علينا متوجعوش دماغي انتوا الاتنين زهقتوني
كريم مد إيده ناحية حنين:
– تعالي نروح إحنا سوا
إسلام قطع عليه بسرعة:
– الكل هيركب معايا… مفيش حد هيتفرق
كريم رفع حاجبه بسخرية:
– خايف أوي كده؟
إسلام بص له بحدة:
– احتياط… عشان ما حدش يضيع من إيدي
إسلام سايق،كريم جنبه
حنين ورا
في المراية، إسلام لمح العربية السودا بتتحرك وراهم ببطء… اتنفس بعمق ومشي
عينه كل شوية تروح على المراية بيشوف العربية السودا اللي وراهم كانت لسه زي ما هيا
جوا العربية السودا… راجل بملامح قاسية بيتكلم في موبايله بصوت واطي لكنه حاد:
– نزلوا… كريم، مراته، وابنه… وفي واحد معاهم
معرفهوش
صوت خشن جاله من السماعة:
– امشي وراهم… بس من بعيد متخلّيش حد يحس بيك عاوز اعرف هيرحوا فين لازم نحط رقبة كريم تحت ايدنا باي طريقه
الراجل ابتسم بخبث:
– متقلقش… هعرف كل خطوة بيروحوها
قفل المكالمة، وحرك العربية بهدوء، محافظ على مسافة ثابتة ورا عربية إسلام
جوه العربية حنين كانت مشغولة ترد على كريم اللي بيحاول يخفف توتر الجو بكلام ناعم، بينما إسلام بيبصلهم بخنقه و مركز أكتر على الطريق… أو بالأصح، على اللي ماشي وراهم
بهدوء، حرّك المراية الجانبية شوية، وعينه بقت تراقب كل انعطاف بيعملوه
كريم لاحظ تركيزه وقال بسخرية:
– إيه ؟ بتراجع الطريق ولا بتفتّش عن حد؟
إسلام رد من غير ما يبصله:
– عيني دايمًا على الطريق… بس برضوا ميمنعش انو فيه ناس ما ينفعش تثق فيهم.....
ابتسم ابتسامة باردة، وضغط على البنزين فجأة دخل في شارع جانبي ضيق، بعدها لف بسرعة دخل في حارة صغيرة، وبعدين خرج لطريق تاني موازي
حنين مسكت يد محمد بقوة من المفاجأة:
– في إيه يا إسلام؟
إسلام وهو بيركز في المرايات:
– بنزوغ من ضيف مش مرغوب فيه بس
العربية السودا حاولت تلحقهم لكنها اتأخرت لحظة عند تقاطع مزدحم، ولما وصلت كانت عربية إسلام اختفت وسط الشوارع.
بعد حوالي عشر دقايق، إسلام هدّى السرعة، ودخل من طريق ترابي يوصل لفيلته اللي بعيدة
كريم بص حواليه باستغراب:
– إيه المكان ده؟
إسلام وهو بيركن العربية قدام البوابة الكبيرة:
– هنا هنكون بعيد عن كل العيون… أو على الأقل عن بعضها
كريم باستغراب:
مش فاهم قصدك اي،طول الطريق بتقول الغاز وانا ساكت بس عاوز افهم
اسلام بجديه:
هتفهم كل حاجه متستعجلش
دخلوا الفيلا… المكان واسع تصميمه أنيق
إسلام كان ماسك شنطته مشى قدامهم بخطوات ثابتة، فتح باب الصالون وقال:
– من النهارده… هتعيشوا هنا البيت ده بتاعي.
حنين رفعت عينيها عليه بدهشة:
– يعني إيه؟ هنسيب الشقة؟
إسلام رد بهدوء لكنه حاسم:
– هنا أمان أكتر… مفيش حد يعرف العنوان ده غيري
كريم واقف، ملامحه كلها استغراب:
– أمان إيه؟ وبعدين… إنت أصلاً بتشتغل إيه؟
إسلام ما ردش، عينه اتثبتت عليه لحظة، وبعدين اتحرك من غير ما يجاوب
كريم حس بالفضول والريبة في نفس الوقت، لكن قبل ما يلحق يسأل تاني، إسلام فتح باب أوضة في آخر الممر وبص له:
– كريم… تعالى لازم نتكلم شويه
كريم كان واقف مكانه، قلبه بيقول إن الموضوع مش طبيعي، خصوصًا لما شاف إسلام ماسك مقبض الباب
حنين اللي كانت واقفه اتجمدت مكانها قلبها بيدق بسرعة:
– إسلام! في إيه؟
إسلام بص لها من بعيد وقال:
– مفيش… هنتكلم راجل لرجل متخافيش انت
الباب اتقفل والهدوء اللي بعده كان غريب لدرجة إن حنين فضلت واقفة قدام الأوضة، مش قادرة تبعد ولا تعرف إيه اللي بيحصل جوا
إسلام قعد على الكرسي ، أشار بإيده على الكرسي المقابل:
– اقعد يا كريم عشان نتكلم شويه
كريم اتردد لحظة، عينه بتتحرك بين الباب وإسلام
لكنه في الآخر قعد، مستني يعرف هو عايز إيه
إسلام بدأ بصوت هادي لكن تقيل:
– إنت بتشتغل إيه بالظبط يا كريم؟
كريم ضحك ضحكة قصيرة:
– إيه ده؟ تحقيق رسمي ولا إيه؟
=جاوب
– استيراد وتصدير… عندي مكتب، وشغل معروف، إيه الجديد؟
إسلام ميل بجسمه لقدام:
– والشغل ده… بيخليك تتعامل مع ناس كتير صح؟
كريم بهدوء حذر:
– أكيد… العملاء والموردين
اسلام:
شغلك كله ماشي تمام بدون مشاكل
كريم باستغراب:
ايوا كله تمام والشغل كويس جدا
إسلام عينه ضاقت:
– والناس اللي بتهددك… من أي نوع؟
كريم جسمه اتشد فجأة، نبرته عليت:
– إنت عرفت منين الكلام ده؟
إسلام بثبات:
– قلت لك جاوب… من غير ما تسأل
كريم اتنفس ببطء، عيناه ما فارقتش إسلام:
– وأنا قلت لك… مش هجاوب قبل ما أعرف إنت مين… وإيه اللي جابك في حياتنا أصلاً
إسلام:
– أنا هنا عشان أحمي حنين ومحمد… حتى منك لو اضطر الأمر
كريم بسخرية مريرة:
– مني؟! إنت حتى ما تعرفش قصتنا كاملة…
إسلام بصوت حاد:
– أنا عارف أكتر مما تتصور… وأعرف كمان إنك مش بس عندك مشاكل في الشغل… في ناس بره مستنياك، ومستنية أي فرصة توصلك… أو توصل لحنين
كريم اتجمد مكانه، وصوته نزل:
– إنت بتراقبني؟
إسلام بابتسامة باردة:
– قولت لك… جاوب على أسئلتي
كريم بحده:
– مش قبل ما أعرف… إنت تبع مين بالظبط
الجو في الأوضة بقى تقيل، وصوت النفس بقى هو اللي مالي المكان الباب مقفول، والعيون متشابكة… كل واحد مستني التاني يتكلم
إسلام قاعد على الكرسي، جسمه متصلب، عينه ما بتفارقش كريم
كريم واقف، إيده على مسند الكرسي كأنه مستعد يقوم أو يهاجم في أي لحظة
كريم بنبرة مليانة شك:
– لحظة… إنت بالظبط مين؟! كل ده وبتسألني أسئلة كإنك بتحقق معايا… مش مجرد واحد بيغير على أخته او عاوز ياخد حقها مني
عيونه ضاقت، ابتسامة صغيرة طلعت منه:
– أو يمكن… إنت أصلًا مش أخوها وبتشتغلها؟
إسلام عينه لمعت، قام فجأة، خطواته تقيلة وهو بيقرب منه:
– إيه اللي بتقوله ده ؟!
كريم اتراجع خطوة لكن ما فقدش نبرته الحادة:
– بقول إني مش فاهم… إنت عارف حاجات عن شغلي ما يعرفهاش حد، وعارف إن في تهديدات، وبتسألني كإني في قسم شرطة… إنت تبع مين؟
إسلام انفجر بصوت عالي، ضارب الطاولة بكفه:
– أنا رائد سري في الأمن
وأنا طول عمري بشتغل في مهام بره البلد… وبسبب غيابي ده، أختي اتبهدلت واتجوزتك غصب عنها! فاهم دلوقتي ليه مش طايقك؟!
كريم اتجمد، كلام إسلام نزل عليه زي الصاعقة، خد نفس عميق وقعد بهدوء على الكرسي، ملامحه فيها خليط من الصدمة والتفكير
إسلام اتنفس بعمق عشان يهدي أعصابه، قعد قدامه مرة تانية:
– دلوقتي تسمع كويس… أنا مش هنا عشان أءذيك، أنا هنا عشان أحمي أختي وابنها… وأنت كمان للاسف، بس ده مش هيحصل إلا لو قلت لي كل حاجة
كريم لسه مذهول:
– تحميني… من مين؟
إسلام بثبات:
– من الناس اللي بتهددك والناس دي أنا محتاج أعرف أسمائها، شغلها، كل تحركاتها
ميل بجسمه لقدام
– من النهاردة، أي معلومة توصل لك… هتيجي تقولها لي علي طول حد بيحاول يقرب منك أو من حنين… أنا اللي هتعامل معاه
كريم، بعد لحظة صمت، بيزفر ويهز رأسه:
– ماشي… بس إنت كده بتدخل في حرب مش سهلة
إسلام بابتسامة جانبية:
– أنا عمري ما كنت بحب السهل
بعد الحوار الحاد
الجو كان هادي لكن تقيل في نفس الوقت … إسلام وكريم قاعدين بيكملوا كلامهم
كريم :
– أنا شايف انناه لازم نحط حراسة على البيت عشان حنين ومحمد انا مش هجازف بحياة حد فيهم
إسلام رفع عينه، بيدقق في ملامح كريم… ملاحظ الصدق والخوف اللي في صوته
ابتسامة صغيرة جداً ظهرت على وش إسلام، كأنه لأول مرة يحس إن كريم فعلا بيخاف عليهم
عند الباب
حنين واقفة، شايلة محمد، رايحة جاية قدام الباب قلبها بيدق بسرعة، عينها كل شوية تروح ناحية الباب
في عقلها: ليه اتأخروا كده؟ أكيد بيتخانقوا…
خطواتها بقت أبطأ وهي بتقرب من الباب، مدّت إيدها بحذر عشان تفتحه… فجأة الباب اتفتح من جوه
كريم ظهر الأول، نظرته مباشرة ليها، ابتسامة صغيرة:
– إحنا تمام… ما تقلقيش
مد إيده بهدوء، خد محمد من حضنها، كأنه بيطمنها بطريقة عملية، ومشي بيه لبره الأوضة
حنين واقفة مكانها، مستغربة هدوءه بعد اللي حصل
إسلام خرج بعدها، عينه لقطت التوتر اللي في ملامحها:
– ما تقلقيش… أنا هحاول أتقبل وجوده لحد ما أتأكد بنفسى إنه يستاهلك واربيه شويه
ابتسامة فرحة ظهرت على وشها:
– بجد يا إسلام؟
إسلام وهو بيطالعها بثبات:
– قوليلي بس …انت بتحبيه؟
حنين بصت على الأرض، وصوتها واطي:
– مش عارفة… بس أنا ببقى مبسوطة وهو معايا وهواتغير كتير… بس لسه بحس بالرهبة منه أحيانًا
إسلام هز رأسه بهدوء، وعينه فيها مزيج من الحماية والحذر:
– هنشوف… الوقت هيكشف كل حاجة و معاك وقت كافي تديني ردك في،سواء متقبلاه في حياتك او لا
واعرفي في الحالتين ابنك هيكون معاك.
↚
إسلام واقف قدام البوابه ماسك التلفون و بيتكلم:
– أيوه يا خالد… حاضر هنكون هناك
قفل السكة و رجع الصالة، حنين كانت قاعدة علي الكرسي، محمد في حضنها كريم واقف قريب منها
إسلام بنبرة جدية:
– حنين… النيابة طلباكِ دلوقتي القضية بتاعة عمتك وأولادها عشان تتقفل
حنين وشها اتبدل فجأة بعصبيه:
لأ… مش هروح أنا خلاص مش عاوزة منهم حاجة، ولا عايزة أشوف وشهم
إسلام بيقرب خطوة صوته فيه حزم:
– مش موضوع رغبة… ده حقك، وشهادتك هتفرق في القضية
حنين وهي بتحاول تهرب بعينيها:
– شهادتي هتعمل إيه؟ الناس دي ماتت بالنسبالي مش عايزة أعيش الذكريات دي تاني
كريم بيتدخل نبرة صوته أهدى لكن مليانة إصرار:
– لازم تاخدي حقك منهم وانا هاجي معاكي متقلقيش
إسلام بيرمقه بنظرة حادة:
– مش هينفع
كريم بيرد فورًا:
– ليه ما ينفعش؟ أنا جوزها، ومن حقي أكون جنبها
إسلام بسخرية باردة:
– النيابة مش نزهة والموضوع ليه تبعات، وأنا مش هعرضها ولا أعرضك لخطر زيادة
كريم بيضغط سنانه، لكنه يرد بهدوء متعمد:
– متخافش هبعت محمد لهدى، وألحقكم هناك
إسلام بصرامة:
– البيت أكيد متراقب… وهدي مش هتقدر تحميه لو حصل حاجة
كريم باندفاع:
– يبقى نلاقي حل تاني، بس أنا مش هسيبها تروح لوحدها هكلم حد يجي هنا انا مش هسيبكم ترحوا من غيري
اسلام بزهق:
في ست هتجي كمان شويه هنا هتروق المكان ابقوا سيبوه معاها
قرب و عينه في عين كريم:
– لما توصل هتقابلنا على القسم ومن هناك نروح النيابة سوا وخد بالك حد يشوفك او الافضل متجيش
حنين:
– خلاص… خلاص… أنا هروح، بس مش عايزة مشاكل
إسلام وهو بيبص على كريم:
– المشاكل بتيجي من اللي بيستفز الناس
كريم بيرد بابتسامة صغيرة:
انا مش بستفز حد انت الي شايف اني عدوك
مش جوز اختك
اسلام بصله بعصبيه وخرج
حنين بمعاتبه:
ينفع كده،بطل تستفزه عشان ميقلبش عليك
كريم بابتسامة وضحك:
انت مش شايفه هو الي بيبدا الاول...
بيقرب منهما وبيمسك ايدها وهو بيقول:
بس عشان خاطرك استحمل اي حاجه
حنين ابتسمت بحب بس صوت اسلام الي جيه من ورا وهو بينادي عليها خلها بعدت عن كريم وجريت بسرعه
كريم حط ايده علي راسه بغيظ وبصله وخد محمد ومشي
&&&&&& بعد ساعه اتقابلوا امام النيابه
إسلام ركن العربية قدام المبنى، نزل الأول بعينين بتترقب كل اتجاه وبعدها فتح الباب لحنين
حنين كانت ماسكة إيديها ببعض قلبها بيدق بسرعة كريم نزل وقرب منهم ومشي معاهم اسلام وقف وبصله
=انت رايح فين!؟
كريم بحده:
داخل معاكم
إسلام:
– لأ… مفيش دخول دي شهادتها، ومكانش ليك وجود في اللي فات استني هنا
كريم بصله بحدة، أنفاسه تقيلة:
– يعني أسيبها لوحدها؟
حنين حطت إيدها على كتفه بهدوء:
– كريم… ما تقلقش أنا هخلص وهرجع
كريم بصلها وكأنه بيقول مش هسيبك ومسك حنين من ايدها ومشي
إسلام مد إيده قدامه يوقفه:
– قلتلك، مفيش دخول استنى هنا
كريم يقف قصاده، يرفع صوته:
– إنت فاكر نفسك مين عشان تمنعني؟ دي مراتي، وحقّي أبقى معاها
إسلام بنبرة جامدة:
– دي شهادة… مش فسحة وجودك هيعطلنا
كريم يضحك بسخرية، يقرب منه خطوة:
– هيعطلنا ازاي مش فاهم...قول انك مش عاوزني ادخل معاكم...بس انا هدخل
حنين بخوف، تحاول تدخل بينهم:
– كريم… خلاص بالله عليك، متعملش مشكلة دلوقتي
لكن كريم عينه مثبتة على إسلام، وصوته حاد:
– لو حاولت تمنعني بالعافية… جرّب بس ساعتها مش هتكون واقف على رجليك
إسلام عينه بتلمع غضب:
– إنت بتهددني؟
كريم:
– لأ… أنا بوعدك أنا ماليش خصومة معاك، بس عندي خصومة مع أي حد يحاول يبعدني عن مراتي وانت معرفش مالك بيا
الجو اتوتر جدًا… العساكر القريبين بدأوا يبصوا باستغراب
الضابط اللي عند البوابة خرج لهم:
– إيه في إيه هنا؟
حنين بسرعة:
– مفيش … مفيش حاجة
إسلام اضطر يسيب السكة، يبص لحنين:
– أنتِ اللي هتشوفوا نتيجة العناد ده
كريم ماسك إيدها ويشدها ناحية الباب:
– أنا معاكي… مش هسيبك
سلم النيابة كان مزحوم، عساكر واقفين على الجنبين، أصوات ناس داخلة خارجة
حنين كانت ماشية وسط إسلام وكريم، عينيها في الأرض، إيديها ماسكة شنطتها كأنها بتتسند عليها
أول ما دخلوا المكتب الكبير، ضابط النيابة رفع عينه من الورق، أول ما لمح إسلام وقف بسرعة وسلّم عليه بإيد ثابتة:
– إزيك يا باشا… منور
إسلام رد بنبرة قصيرة:
–تمام إزيك عامل إيه؟
الضابط لمح حنين اللي وقفت متجمدة جنب الباب أشارلها تقرّب وقعدها قدامه على الكرسي الخشبي
إسلام راح قعد على الكنبة الجانبية، ساند ضهره بهدوء عينه مش بتفارق حنين
كريم ماقدرش يقعد، فضل واقف وراها كأنه بيحرسها
المكان كله هادي إلا من صوت ورق بيتقلب وقلم بيخبط خفيف على المكتب
حنين كانت بتبلع ريقها كل شوية، صوت نفسها مسموع لنفسها
الضابط بص في الملف وقال:
– نندهلهم؟
أشار بإيده للعسكري
بعد ثواني الباب اتفتح… ودخلوا إلهام وولادها مي ومعتز
إيدينهم متكلبشه وشهم شاحب، شعر مي مبعثر ومعتز عينيه محمرة
أول ما عينيهم وقعت على حنين… الجو كله اتغير
إلهام اندفعت لقدامها دموعها نازلة:
– حنين! يا بنتي… سامحيني، غلطة وشيطان… والله كنت غصب عني هنعمل اي حاجه بس خرجينا من هنا احنا اتبهدلنا
مدّت إيديها تبوس إيد حنين، بس حنين سحبت إيدها بسرعة واتوترت
كرسيها اتحرك ورا شوية، قلبها بينبض من الخوف
إسلام كان خلاص على آخره، قام واقف فجأة، صوته غليظ:
– ارجعي مكانك يا مدام… الكلام هنا للنيابة
إلهام وقفت مكانها، عينيها على الأرض
مي نزلت دموعها وبصوت مكسور قالت:
– أنا آسفة يا حنين… كنت بغير منك، بس والله ما كنت عايزة أوصل للّي حصل ده
معتز كان ساكت، بس نظرته لحنين كانت واضحة… نظرة فحص، كأن بيشوفها لأول مرة بعد غياب
كريم أول ما لاحظ النظرة… عض على شفايفه، عينه ولعت نار، إيده اتشدت كأنه هيهجم
إسلام لمح ده بسرعة وقال بنبرة أمرية:
– مكانك خليك ثابت
الضابط بص لمعتز بحدة:
– عينيك هنا… مش هناك
حنين حسّت رجليها بتترعش، مسكت طرف الكرسي عشان ماتقعش
الضابط رجّع نظره لحنين، بصوت هادي:
– يا أنسة حنين… قولي كل اللي عندك وهل التهم الموجه من استاذ اسلام صحيحه
صوتها طلع واطي في الأول:
– كانوا بيعاملوني كأني مش من العيلة… عمتي كانت بتاخد فلوس أخويا وتصرفها عليهم
– ماكانوش بيخلوني أروح دروس ولا أعيش زي باقي البنات
– مي… كانت دايمًا بتكرهني، وتقلّدني، وتاخد مكاني
– ومعتز… حاول يقرب مني أكتر من مرة
القلم وقع من إيد الضابط على الورق… سابها تكمل
إسلام كان عينه فيها قوة، بيشجعها بنظراته
كريم واقف زي الصخر، نفسه بيطلع بسرعة حط ايده علي كتفها يطمنها
حنين بصّت ليهم شافت دموع إلهام، انهيار مي، ومعتز اللي واقف ساكت ولسه رافع راسه بيبصلها… قلبها دق وولحظه صعبوا عليها
سكتت لحظة وبعدين قالت:
– أنا… أنا بتنازل عن المحضر مش عاوزه منهم حاجه
الكلمة وقعت زي قنبلة علي كل الي موجودين
إسلام عينه ضاقت، شد نَفَسه ببطء، ووشه كله غضب مكتوم
كريم لف ناحيتها بحدة:
– إيه؟!
الضابط رفع حاجبه:
– بتأكدي كلامك؟
حنين بصت في الأرض، صوتها بيرتعش:
– أيوه… خلاص مش عايزة منهم حاجة
إلهام انهارت تبكي أكتر، مي ضمت وشها في كفوفها، معتز ابتسم ابتسامة صغيرة خبيثة، كأن النصر رجع له
كريم لاحظ الابتسامة… عينه ولعت، خطى خطوة كبيرة ناحية معتز، لكن العسكري مد إيده يمنعه
إسلام رفع صوته فجأة:
– كفاية!
رجع يبص لحنين، عينه كلها غضب وعتاب:
– أنتي مش فاهمة إنتي عملتِ إيه دلوقتي
الضابط كتب حاجة سريعة على الورق وقال:
– خلاص… المتهمين هيخرجوا بالقرار ي كفاله ي اما هنحقق في الموضوع عشان الاعتداء مش مجرد موضوع خاص
حنين قامت بسرعة، إيديها بتترعش، ومشيت ناحية الباب… بس قلبها بيخبط بقوة وقبل ما تفتح الباب جه صوت وكيل النيابه
رفع عينه من الورق وقال بصرامة:
– شوفي يا أنسة حنين… التنازل بتاعك بيخفف، لكن مش بيلغي القضايا الخاصة زي التستر أو الاستيلاء ممكن تخرج بكفالة، لكن محاولة الاعتداء دي مش موضوع شخصي… ده جناية، يعني لازم إجراءات
إلهام اتقدمت بخطوات متلخبطة، إيديها ممدودة ناحية حنين ودموعها مغرقاها:
– بترجاكي يا بنتي… معتز انا معنديش غيره … ما تسيبهوش هنا، هيموت!
حنين وقفت مكانها، قلبها بيدق تايه ما بين خوفها وذكرياتها المؤلمة، وبصوت واطي قالت:
– أنا… مسمحاهم، بجد… مش عايزة أي أذية تحصل لحد
الضابط شد حواجبه، وقال:
– طيب… ده معناه إننا هنسجل تنازلك، وهنبتدي نجهز لإخلاء سبيلهم أول ما الكفالة تتدفع لكن أنا بنبّه… الموضوع ده مش بيتقفل كده
إسلام كان واقف زي الحجر، وشه متجمد، صوته طلع غليظ:
– الكفالة دي مش هتدفع من جيوبنا انا مش دافع لحد حاجه وبصلهم بعصبيه
كريم،عينه لسه مثبتة على معتز، قرب خطوتين من الضابط وقال بحزم:
– أنا اللي هدفعها…
إسلام لف ناحيته بحدة:
– أنت بتقول اي ؟!
كريم بصله بثبات، وصوته كله غيظ:
– هدفع عشان أخلص من المسرحية دي… يخرجوا، وساعتها كل واحد يبقى في وش التاني من غير لعب قاعات
الضابط لمح التوتر، أشار للعسكري يقرب:
– اهدا أنت وهو… هنا مش ساحة خناقات
إلهام، أول ما سمعت إن في حد هيدفع الكفالة، وقعت على الارض تبكي وتتمتم:
– ربنا يكرمك يا ابني… ربنا يكرمك
حنين وقفت مصدومة، تبص على كريم بعينين مليانين خوف ورفض:
– كريم… إنت بتعمل كده ليه؟!
كريم ما بصش عليها، عينه ما زالت على معتز اللي لسه واقف بابتسامته المستفزة مش فاهم مين ده...
بعد دقايق
قدام باب القسم… الجو متوتر
كريم واقف دراعاته متكتفة على صدره، عينه علي الباب موبايله في ايده في وضع تصوير بس محدش خد باله
إسلام هادي كالعادة، بيشرب سيجارة ونظراته باردة كأنه عارف اللي هيحصل
حنين مش ثابتة، بتلعب في إيديها، قلبها بيخبط وهي مش فاهمة ليه الجو مش طبيعي
واخيرا خرجوا إلهام أول واحدة خرجت، كانت بتعيط وهي بتجري على حنين:
– ربنا يخليكي يا بنتي… إنتي ملاك! إنتي أنقذتينا!
حاولت تمسك إيدها تبوسها
بس حنين رجعت لورا
مي طالعة وراها، عينيها محمرة من البكا، أول ما شافت حنين قالت:
– أنا غلطت… سامحيني بالله عليكي
صوتها كان مكسور، مش متعودة تكون ضعيفة كده
حنين اتلخبطت، عينها رايحة جاية بين الاتنين، نفسها تقطع المشهد بس لسانها اتعقد مش قادره تتكلم
وفجأة… معتز خرج
وشه شاحب شعره مبعثر، دقنه طويلة، بس عينه… فيها حاجة غريبة
أول ما وقع نظره على حنين، وقف مكانه، ابتسامة صغيرة ارتسمت، وبص لها من فوق لتحت ببطء
اللحظة دي بالذات… كريم عض على شفايفه جامد، كأن سنانه هتكسر بعضها بس حاول يهدي
إيده اتقبضت كأنه هيهجم
إسلام لمح ده، أدار راسه ناحيته وقال بنبرة هادية لكنها حادة:
– ثابت مكانك شوف انت واقف فين
كريم زفر بعصبية، بس وقف مكانه، عينه مش بتفارق معتز
معتز خد خطوة لقدام، صوته اتكسر كأنه بيحاول يبين ندمه:
– دورت عليك كتير يا حنين… والله ما كنت عايز أخوّفك مني ولا عاوزك تمشي
نبرته اتغيرت:
كل اللي عملته كان عشان بحبك… عمري ما كنت هأذيكي كنت عاوزك بس تكوني معايا مش اكتر وانت الي رفضتي نتجوز فكنت عاوزك باي طريقه بس انت عارفه اني مستحيل ءاذيك عشان بحبك
الهوى كانه وقف
حنين اتسمرت، إيديها تلجت
إسلام عينه ضاقت، اتنقل من معتز لحنين كأنه بيقيس رد الفعل
كريم فجأة اتحرك لقدام، خطا خطوتين ووقف بينهم، جسمه سد الطريق:
– الكلام ده… ما يتقالش تاني
معتز رفع حاجبه، ضحكة صغيرة طلعت:
– وإنت مين بقى عشان توقفني؟ مالكش دعوة بيني وبينها انا بكلم بنت خالي انت مين حد غريب لو علي الكفاله الي دفعتها هجبهالك بكره بس اوعي من قدامي
كريم ضحك ضحكة قصيرة، بس عينه كانت بتولع نار:
– غريب؟ لأ
قرب أكتر ووطي عليه، صوته منخفض لكن واصل بوضوح:
– أنا جوزها
– واللي بتبص لها بالنظرات دي… مراتي وانا هحاسبك كويس
الكلمة وقعت زي رصاصة
إلهام شهقت وحطت إيدها على بقها:
– إيه!؟ إنتي اتجوزتي من ورانا يا حنين؟!
مي فتحت عينيها بذهول، مش مستوعبة
حنين وشها احمرّ، قلبها بيخبط، مبقتش عارفة تبص فين
إسلام… سحب نفس سيجارته بهدوء، ضحكة صغيرة باينة في عينه من غير ما تظهر على وشه
معتز وشه اتبدل… الأول صدمة، بعدين غضب، بعدين عيناه رجعت لحنين بنظرة مليانة قهر
كان عايز يرد، بس كريم سبق بصوت هادي جدًا:
– لو عندك كلمة تاني… ابلعها قبل ما تندم
معتز عض على شفايفه وسابهم ومشي، عينه في الأرض وهو ماشي
إلهام بتعيط أكتر، مي وقفة مصدومة، وحنين لسه مش قادرة ترفع راسها
أما إسلام… فبص لكريم بخفة، كأنه بيقول في سره:
دي لسه البداية
الجو كان متكهرب
حنين واقفة جنب العربية، عينيها رايحة جاية بين كريم وإسلام…مش فاهمه حاجة
كريم كان واقف ساكت، ضامم إيده جامد، ملامحه متحجرة لكن في عينه نار
إسلام وقف على مسافة، متابع كل حركة من غير ما يتكلم
هو حافظ كريم… عارف اللحظة اللي ممكن ينفجر فيها، وعارف إن الكلام دلوقتي هيوسع الشرخ مش هيصلحه
حنين همست بصوت متردد:
– كريم… ليه عملت كده؟ ليه ساعدتهم؟
كريم لف وشه لها بسرعة… عينه ساطعة، مش غضب بس، كأن في جواه أسرار كتير أكبر من سؤالها
بس ما اتكلمش
فتح باب العربية بعنف، وقعد جوه من غير كلمة
حنين وقفت مذهولة من صمته، إحساس غريب جواها إنها بتعيش مع حد مش قادرة تفك شفترة
إسلام بص عليها بهدوء وقال بصوت واطي كأنه بيطمنها:
– إركبي يا حنين… دلوقتي مش وقت الأسئلة
جوه العربية…
كله كان ساكت
كريم ماسك الدريكسيون بإيد و عينيه مركزة في الطريق قدامه، وكأن أي كلمة ممكن تطلع منه هتولع الدنيا
إسلام في الكرسي اللي جنبه… مش سايب تفاصيله
لاحظ حركة كريم وهو بيخرج الموبايل بسرعة يكتب رسالة قصيرة، يبعتها وبعدين يبتسم ابتسامة باااردة قبل ما يقفل الموبايل
إسلام لمّح ده… لكنه اكتفى إنه يرفع حاجب خفيف من غير ما يتكلم
قال في سره:
واضح إن دي مش مساعدة عادية… كريم بيلعب لعبته الخاصة بس عجبني
حنين في الكرسي وراهم… قلبها مليان أسئلة، وكل ما تبص لكريم تلاقيه ملامحه غريبه.....
&&&&:...
في شارع جانبي عند بيت حنين القديم
الليل نازل، أنوار خافتة، وإلهام ماشية مع مي ومعتز
وشوشهم لسه مش مصدقة اللي حصل جوا القسم
إلهام بنبرة مشوشة:
– يعني إيه جوزها؟! من إمتى؟ وإزاي ما عرفناش؟
وليه طيب خرجنا انا مش فاهمه حاجه ولا حتي هنروح فين دلوقتي
مي ردت وهي متوترة:
– أكيد الموضوع فيه سر… هو مين أصلاً الراجل ده؟
معتز كان ماشي وهو بيعض على شفايفه، صوته حاد:
– أنا هعرف كل حاجة… حنين دي مش هتفضل بعيد عني كده
فجأة… عربية سودة وقفت قدامهم بشكل مفاجئ
الأبواب اتفتحت بسرعة
رجالة لابسين أسود نزلوا، ما قالوش ولا كلمة
واحد مسك مي من دراعها، التاني شد إلهام، التالت قبض على معتز
الصوت اتملأ بالصراخ:
– سيبني! بتعملوا إيه!
– حرام عليكم!
– إنتو مين!!
الرجالة شدّوهم بقوة، رموهم جوا العربية زي شنط.
الأبواب اتقفلت، والعربية انطلقت بسرعة
الصوت اتقطع فجأة
على بعد كام متر…
واحد من رجال المراقبة اللي بيتابعوا كريم كان قاعد في عربيته مستني رجوع كريم
شاف كل اللي حصل
في الأول افتكرها عصابة خطف عادية، لكن وهو بيركز في وشوش الرجالة… اتجمد
ملامحهم مش غريبة… دول من رجال الأمن الخاص بتوع كريم
عينيه اتسعت:
– يا نهار اسوووود…!
داس على البنزين، جري ورا العربية
-&&&&&....
وصلوا قدام الفيلا…
العربية وقفت
كريم نزل الأول، وشه متجمد، عينيه مش بتبين أي حاجة
حنين نزلت وبتحاول تفتح كلام:
– كريم… أنا محتاجة أفهــ…
ماكملتش تلفون كريم رن فجأة
وقف في نص السلم، فتح الموبايل، رد بصوت واطي لكن نبرته حادة:
– أيوه… حاضر… خمس دقايق وهكون عندك
قفل الموبايل بسرعة، لف لحنين وقال وهو بيحاول يخفي انفعاله:
– عندي مشوار مهم
إسلام خطا خطوتين ناحيته، صوته هادي بس فيه قوة:
– أجي معاك
كريم رفع عينه فيه نظرة مباشرة، قاطعة:
– لأ.
الكلمة نزلت زي السيف
إسلام وقف ثابت، عارف إن الجدال مع كريم دلوقتي مش هيجيب نتيجة، لكن عينه فضلت معلقة بيه كأنه بيقرا ما وراه
حنين اتلخبطت، بصت بينهم مش فاهمة حاجة:
– مشوار إيه؟ رايح فين دلوقتي؟
كريم ما ردش، مسك المفاتيح، ركب العربية وسابهم وراه وهو ماشي بسرعة
حنين فضلت واقفة قدام الفيلا، قلبها مليان حيرة وقلق
&&&&&____
في مكان تاني… جوه العربية اللي بتراقبج
مسك الموبايل بسرعة وكلم حد:
– باشا… في مشكلة كبيرة لسه شايف رجالة كريم خطفوا تلت اشخاص … دلوقتي راكبين عربية سودا ومشيو بيهم
الصوت على الناحية التانية جه حاسم:
– امشي وراهم فوراً… وابعتلي اللوكيشن أول ما يوقفوا
=تمام
حط الموبايل قدامه و فضل ماشي وراهم عينه مش بتفارق نور الفرامل بتاعتهم في الشارع........
↚
العربية السودا الي فيها إلهام ومي ومعتز كانت ماشية بسرعة صوت صراخهم بيخترق الشارع، لكن الزجاج المسود كان مغطي على أي محاولة استغاثة
وراهم العربية ما زالت متبعاهم السواق عينه عليهم، ماسك الموبايل في إيده بيهمس:
– دخلوا على الصحراوي… واضح إنهم رايحين مكان معين … هبعتلك اللوكيشن دلوقتي
العربية دخلت من بوابة كبيرة لمصنع تابع لكريم، سور عالي وبوابة حديد بتتفتح بالكارت الراجل ركن بعيد، ونزل بهدوء وقف قريب من البوابه
جوه، أول ما نزلوا من العربية، مي كانت بتعيط وتصرخ:
– سيبونييي… انتوا مين؟!
عاوزين مننا أي حرام عليكم؟!
واحد من الرجالة جذبها بعنف، وقعها على الأرض
إلهام صوتها مبحوح وهي بتعيط :
– بالله عليكم… إحنا منعرفكمش ومعملناش حاجه، سيبونا نروح…!
رد عليها واحد من الرجالة بنبرة باردة:
– اسكتي أحسنلك، محدش هيعملكوا حاجه لو ما عملتوش دوشة
أما معتز، كان بيحاول يفلت منهم، جاله واحد من ورا وضربه ببوكس في ضهره، وقع على ركبته وهو بيتنفس بصعوبة
صوت حديد بيتسحب على الأرض كان مرعب، بيجهزوا كراسي حديد، وقعدوهم عليها وربطوا إيديهم ورجليهم كويس
الإضاءة في المصنع كانت خافتة، لمبات نيون متقطعة، وصوت المراوح القديمة بيزود رهبة المكان
مي كانت بتشهق من العياط:
– إحنا عملنالكم إيه؟! ليه بتعملوا فينا كده؟!
واحد من الرجالة ضحك بخبث وهو بيقرب منها:
– هتعرفوا كل حاجه في وقتها… دلوقتي اسكتوا
إلهام عينيها كانت بتلف في الكان:
– حنين هي … ورا الموضوع ده صح؟
معتز عض شفايفه بعصبية، حاول يصرخ:
– سيبونييي… والله ما هسكتلكوا! انتوا فاكرين نفسكم مين...
اترد عليه بضربة على وشه خلت الدم ينزل من شفايفه
راجل من الى واقف قدامه قال بحده:
كلمه كمان وهعمل وشك شوارع....
الراجل اللي بيراقب من بعيد، كان دخل وواقف عند فتحه صغيره فتح الموبايل، صور المشهد بسرعة وبعت الفيديو لصاحبه وقال:
– الموضوع كبر أوي… الناس دول بتوع كريم فعلًا...
وشكل في حاجه بنهم.....
الصوت علي الموبايل جاله بأمر:
راقبهم كويس اكيد كريم هيظهر دلوقتي صوري كل حاجه انا بعتلك رجاله لو احتجتهم خمس دقايق هيكونوا عندك
= متقلقيش ي باشا احسن فلم حصري هيتسجل..
بعد دقايق كان وصل عربيتن ووقفوا قدام البوابه بيهموا الدخول فجأة ظهر نور عربيه...
واحد منهم قال:
ارجعوا ورا المخزن بسرعه … شكل دا كريم!
العربية وقفت كريم نزل ، البدلة الغامقة عليه مخلّياه يبان كأنه داخل اجتماع مش مكان خطف
رجالته اتعدلوا أول ما شافوه، وفتحوله الطريق لحد ما وقف قدام الثلاثة المربوطين على الكراسي قدامه
إلهام أول ما شافته شهقت:
=… إنت!! إزاي تعمل فينا كده؟ بأي حق
مي عينيها مليانة خوف، بس بتحاول تفهم:
احنا عملنالك اي؟!
أما معتز، كان بيعض شفايفه، عينه مولعة:
– آه… دلوقتي فهمت! أنت جوزها…
ضحك بسخرية:
– وعامل فيها راجل؟ فاكرها كده هتحبك؟
حنين بتحبني لسه لو مكنتش بتحبني مكنتش سحبت القضيه وتنازلت عنها....
كريم ما اتحركش بصله جامد وسكت... قعد على الكرسي المقابل ليهم، سكت شوية وبعدين قال:
= ليه؟
الجملة نزلت عليهم زي الصاعقة مش فاهمين قاصده اي...
إلهام اتلخبطت:
– ليه إيه؟!
مي بصوت واطي:
– مش فاهمين قصدك
كريم مال بجسمه لقدام، عينه ثابته عليهم:
– ليه عملتوا كل ده معاها؟ ليه خليتوا حياتها جحيم؟ ليه خلتوها تضطر انها تسيب بيتها … عشان في الآخر تقع في طريقي أنا؟
معتز بتساؤل واستغراب:
امم وقعت في طريقك ازاي؟ اوعى تقول انك كمان حبتها
ضحك ضحكه باهته وقال:
هيا صراحه تتحب مش هلومك....طول عمري وانا نفسي اقرب ليها بس كانت دايما بتبعد
ضحك بخبث، عينينه كلها تحدي:
– بس بقى… انت فاكر نفسك أحسن مني؟ فاكر عشان هي دلوقتي تحت اسمك خلاص بقيت بتاعتك؟
بص لمي وإلهام بسخرية:
– دي حتى لو معاك دلوقتي… بس من جواها لسه بتحبني أنا، وانت شفت بنفسك
مي شهقت بخوف:
– معتز اسكت..! هتولعها أكتر انت مش شايف شكله
إلهام بصوت مرتجف:
– أنت مجنون؟ عاوز تموتنا؟!
لكن معتز مصرّ، بص في عين كريم وضحك:
– ولا يمكن… عشان كده خطفتنا؟! عشان خايف حنين تفضل شايلة صورتي جواها؟!
قرب بوجهه لقدام وقال بنبرة متحدية:
– على فكرة… لو شوفتها لما كانت في القسم وهي بتبصلي كنت هتتأكد انها لسه بتحبني....
كريم أول ما سمع الجملة دي وشه اتبدل ملامحه تصلبت، عنيه بتطلع غضب، صوته طلع منخفض بس مرعب:
– آخر مرة… تقول اسمها بالطريقة دي انت فاهم
معتز ابتسم ابتسامة تحدي:
– ليه؟ هتعمل إيه يعني؟
اللحظة دي كريم فقد السيطرة وقف فجأة، الكرسي اللي وراه وقع على الأرض من سرعته، خطى
خطوتين سريعتين وضرب معتز بقبضة قوية على وشه صوت الضربة دوّى في المكان، الدم نزل من فم معتز على طول
مي صرخت:
– كفااااااية! بالله عليكم هيموت
إلهام حاولت تتحرك من القيود وهي بتبكي:
– حرام عليك … هتقتله!
لكن كريم مسك معتز من قميصه، رفعه جزئياً من على الكرسي، ووشه قريب جداً منه، صوته كله غضب وانفعال:
– اسمعني كويس… حنين ليّ أنا وبس! ولو سمعت اسمها جه علي لسانك … هخليك تترحم على اليوم اللي اتولدت فيه فااااااهم
معتز رغم الدم اللي بينزل من شفايفه… ضحك بخفوت وقال بصوت متقطع:
– شكلك… شكلك وقعت بجد…
كريم وقتها سابه يقع بالكرسي ، ولف ضهره وهو بيحاول يسيطر على غضبه، لكن رجليه بتخبط في الأرض وهو ماشي من كتر الغضب اللي جواه مش عاوز يتهور دلوقتي كل حاجه ليها وقتها
رجالته واقفين متجمدين من رهبة الموقف، واللي كان بيراقب من بعيد صور المشهد كله… ولسه مش فاهم سر الغليان ده غير إنه بقى متأكد إن كريم اتحول من "رجل أعمال" لواحد فاقد السيطرة علي اعصابه بسبب الشاب ده
كريم وهو خارج لف لرجالته:
– أنا خارج
أشار على معتز بإيده:
– وصّوا عليه كويس عاوزه يطلع من هنا ملهوش ملامح بس ميموتش …
رجاله أومأوا برؤوسهم باحترام
وهو ماشي، صوته جه واضح وصارم:
– الشحنات اللي داخلة وخارجة من هنا لازم تفضل في أمان… مش عايز أي حد يعرف إن فيه بشر محبوسين جوه اللي يقصّر… مصيره معروف.....
خرج من القاعة بخطوات تقيلة والبوابة المعدنية اتقفلت بعده بصوت عالي رجّ القاعة كلها
رجالة الشخص المجهول اللي بيراقبوا اتبادلوا نظرات صامتة
واحد فيهم قال بقلق:
– الراجل ده… بيتعامل كأنه عنده دولة جوه المصنع
القائد ضغط على سنانه:
– نفضل نراقب… لحد ما نفهم هو رايح فين بالظبط بس واضح إن هدفنا أغلى من اللي افتكرناه
الباشا هيفرح قوي بدول بس دلوقتي لازم نمشي من هنا
انا هرجع اراقب كريم وانتوا ارجعوا انتشروا تاني
لازم نحاول نلاقي اي حاجه نضغط بيها عليه الشحنات قربت توصل
بصلوا كلهم وكل واحد مشي في اتجاه بدون ما حد يحس بيهم...
كريم ركب العربيه
إيده مسكت الدركسيون بقوة،أنفاسه بقت تقيلة، صوته واطي وكأنه بيكلم نفسه:
– إزاي أنا وصلت لكده؟ طول عمري كنت مستهتر
ويوم ما احب....احب البنت الي دبحتها بايدي....
ضحك علي نفسه بسخريه...:
بعاقب معتز واهله وانا كمان مفرقش عنهم حاجه
اسلام عنده حق انا مستهلش حنين انا عارف انو عمل كده عشان محمد وميفرقناش عنه بس...
غمض عينه لحظة… شريط ذكريات رجع يلف قدامه:
ضحكة حنين… خوفها أول مرة قرب منها… نظرتها المكسورة في القسم
فتح عينه بسرعة وضرب إيده في الطارة بعنف:
– سامحني يارب … عمري ما كنت كده! انا بقيت ضعيف
صوته كان كله غضب وحزن مزيج بوجع....
– عمري ما مدّيت إيدي على ست… ولا خوّفت واحدة مني …بس لما الشيطان رمى قدامي الطريق ده… ووقتها كنت أعمى مشفتش انا بعمل اي او عملت اي...
كمل في نفسه وهو بيهمس:
– سامحيني يا حنين… انا عارف اني مستهلش ده....
عربيته كملت في الطريق… واللي بيراقبه وراه لاحظ إن كريم مش واخد باله منه فكمل عادي
فضّل يلف في الشوارع لفترة طويلة، كل لفّة كأنها محاولة يهدّي النار اللي جواه، بس عقله ماكانش سايب له فرصة....
بعد وقت رجّع بعربيته على البيت بتاعه، دخل الجراج
وهو بيقفّل باب العربية… تليفونه رن
بص على الشاشه اسم ورقم هو عارفه كويس… حد ماكانش متوقع يكلمه دلوقتي
بص للتليفون فترة، أنفاسه تقلّت… وبعدين رفض المكالمة
ثواني بعدها… نغمة رسالة وصلت
فتحها… عينه اتسعت وصدره اتقبض
صور وفيديوهات متصورة من المصنع… هو بنفسه قاعد في المصنع قدام معتز ومي وإلهام وهما مربوطين
كل تفصيلة باينة:
نظرته، كلامه، حتى الضربة اللي اداها لمعتز
كريم وقف مكانه… الدم اتجمّد في عروقه
تمتم بصوت واطي:
– مستحيل… وصلوا هناك ازاي؟
رفع عينه وبص حواليه بحذر
طلع بسرعة بره البيت لحد البوابة… هناك شاف عربية سودا واقفة، منورة نور خفيف ومفيش حركة واضحه
وقف مكانه ثواني، وبعدين ابتسم ابتسامة صغيرة باهتة… كأن قلبه بيشكره على حاجة واحدة بس:
– الحمد لله… إني ما رجعتش على الفيلا اللي فيها حنين ومحمد
رجع جوه البيت بخطوات سريعة… دماغه شغالة بألف سؤال:
مين ده وعاوز منه إيه؟ وليه دلوقتي بالذات؟
قبل ما يدخل البيت
رن الموبايل تاني… نفس الرقم
كريم وقف لحظة، وبعدين رد بنبرة متحفزة:
– انت مين وعاوز اي ؟
صوت خشن وهادي طلع من السماعة:
– مش مهم مين… المهم إن الصور والفيديو اللي اتبعتوا ليك مش آخر حاجة عندنا
معتز وأمه وأخته لسه في المصنع، وإحنا اللي في إيدينا نقرر يخرجوا إزاي… أو يفضلوا زي ما هما
ولو خرجوا التهديد واضح في الفديو منك ومحدش عارف لو خرجوا هيحصل لهم اي فكر كده...
كريم اخد نفس قوي إيده مسكت الموبايل بقوة:
– لو فكرتوا تقربوا مني أو حد يخصني… هتدفعوا التمن غالي
الراجل ضحك ضحكة صغيرة باردة:
– هو ده اللي إحنا بنتكلم فيه يا أستاذ كريم شكلك فاهم بس الموضوع
ببساطة… هتدخل البضاعة بتاعتنا جوه شحناتك الجاية، وتخرجها على إنها بتاعتك
أنت ليك سكة مفتوحة والكل بيحترمك… والموضوع هيعدي من غير ما حد يشك
كريم عينه ولعت غضب:
– إنت بتكلم مين؟! أنا عمري ما دخلت الوس*اخة دي في شغلي… ومن المستحيل أعمل كده دلوقتي.
الصوت بقى أهدى بس فيه تهديد واضح:
– يبقى استعد تشوف ابنك او مراتك قدامك… وهما بيدفعوا تمن عنادك
كريم اتشد أكتر، صوته ارتفع:
– أقسم بالله لو لمستوا شعرة منهم… هولع الدنيا عليكم
الصوت قفل بضحكة باردة، والمكالمة انتهت
كريم وقف مكانه… وشه كله نار، صدره بيعلو ويهبط بسرعة
لأول مرة من سنين يحس إنه محاصر… مش قادر ياخد خطوة لقدام أو ورا....
&&&&::.....
حنين قاعدة في الاوضه رجليها مش ثابتة… كل شوية تقوم وتلف وترجع تقعد تاني عينيها معلقة بالباب، والتوتر باين عليها
بصت في الساعة… عقاربها دخلت على ٣ الفجر
قامت بسرعة على أوضة إسلام، خبطت الأول بخفة، وبعدين فتحت الباب:
– إسلام… انت صاحي؟
إسلام فتح عينه، اتعدل قاعد على السرير وهو بيبص ليها بتركيز:
– في إيه تعالي؟
حنين دخلت وهي مش قادرة تخفي قلقها:
– كريم لسه مرجعش… مش عارفة راح فين
إسلام على طول بص للساعة، وشه اتغير:
– تلاتة الفجر؟!
مد إيده بسرعة للفون واتصل بكريم
الخط رن مرتين… وبعدين فتح
كان صوت غريب، حاد، أول ما اتفتح الخط:
– انت فين ي زفت؟!
كريم شبك حواجبه، وقال بنوم:
– إيه؟! مين بيتكلم؟
بعد لحظة فاق واكمل:
– آه… أنا… رجعت البيت
إسلام شد نفسه، صوته حاد:
– إنت بتهزر ولا إيه؟ عارف الساعة كام؟ مراتك مش عارفة تنام من القلق! وانت نايم ولا على بالك
كريم فتح عينه مرة واحدة، اتصدم… نسي إنه ما قالش لحنين إنه مش راجع الفيلا
صوته اتلخبط:
– أنا… نسيت أقولكم…
إسلام اتنرفز جدًا، مد الموبايل لحنين بعصبية:
– خدي كلميه بنفسك… يمكن ترتاحي!
حنين خدت الموبايل بإيد مرتعشة، مستغربة انو ادها الفون
– ألو… كريم؟
كريم على الناحية التانية اتجمد مكانه:
– حنين… إنتي؟!
حنين بصوت كله قلق:
– إنت فين يا كريم؟ ليه ما رجعتش؟
كريم قفل عينه لحظة، اتنهد وهو مش عارف يرد…
أخد نفس عميق وهو ماسك الموبايل، صوته طلع هادي لكن فيه ارتباك:
– معلش يا حنين… كان عندي مشوار مهم جدًا وماقدرتش أسيبه والله نسيت أقولكم بس رجعت على بيتنا… إنتي نامي دلوقتي، وبكره الصبح هكون عندك
حنين سكتت ثواني، بتسمع أنفاسه المتقطعة في السماعة قلبها بدأ يهدى، وصوتها بقى أهدى:
– طيب… ماشي المهم إنك بخير
كريم ابتسم ابتسامة صغيرة، رغم التعب اللي في صوته:
– بخير… متقلقيش عليا، نامي إنتي وارتاحي
حنين ابتسمت بخجل وهي بتحاول تخفي دمعة نزلت:
– حاضر… تصبح على خير
– وإنتي من أهله يا حنين
قفلوا الخط
حنين فضلت ماسكة الموبايل في إيدها شوية عينيها معلقة بالشاشة، ابتسامة صغيرة طلعت رغم القلق اللي لسه جواها
إسلام كان قاعد إيده متشابكة على صدره، عيناه فيها توتر مكبوت
–اطمنتِ؟
حنين اتنهدت بكسوف:
– آه… قال إنه كان عنده مشوار مهم ورجع بيتنا
قصدي يعني بيته
الصبح هيكون هنا
إسلام ما علّقش… بس عينه ضاقت، كأنه مش مقتنع
فرد جسمه علي السرير تاني:
– نامي إنتي دلوقتي… وبكره نشوف
حنين هزت راسها ومشيت بهدوء، بس وهي خارجة لمحت في عينه حاجة غريبة… قلق أكتر من اللازم
↚
قاعدين في مكان عام منعزلين وبيتكلموا
إسلام كان قاعد قدام كريم، عينه ثابته عليه بتركيز:
– بص… عاوزك تحكيلي كل حاجه من الأول للآخر متخبيش ولا تفصيلة أي كلمة صغيرة ممكن تبقى مهمة
كريم خد نفس عميق، كان باين عليه التوتر، مسك كباية القهوة وهو بيحركها من غير ما يشرب:
– الموضوع بدأ من زمان… قبل ما أعرف حنين
إسلام:
– إزاي يعني؟
كريم بيبص لتحت، وبنبرة مترددة:
– كنت… اعرف بنت شغالة في النادي
إسلام بيرفع حواجبه، بس سابه يكمل
كريم:
– الموضوع كان بسيط في الأول… مجرد صحوبية بس هي كانت فاكرة إن ممكن يتطور اكتر زي… علاقة يعني
إسلام قاطعه بحدة وهو فاهم:
– قصدك إنك كنت معاها… بالمعنى اللي في دماغي
كريم بصله بضيق:
– ما تمسكش عليا كلمة… أنا بقولك عشان تفهم الصورة كاملة وبعدين محصلش...احم انا....يعني معملتش علاقه كامله غير مع حنين بس...
اسلام بصله بضيق وهو
رجع يحرك الكوباية وقال:
– المهم بعد ما فتحت الشركة، لقيتها بتتقرب مني أكتر وأنا… كنت بأبعد من أول يوم اتجوزت فيه حنين وأنا بعدت عنهم كلهم اقسم بالله
إسلام بضيق:
– تمام كمل
كريم:
– في يوم اتصلت بيا، وقالتلي إنها قابلت واحد عندها في الشغل، وقالها على بيزنس ممكن تقنعني بيه ساعتها كنت لسه ببدأ، وكنت محتاج أي فرصة بس الحمد لله ، بمساعدة سيادة اللواء، قدرت أوثق شغلي بسرعة واشتغلت مع مؤسسات حكوميةوقتها حسيت إني بقيت في أمان ومكنتش لسه اتعرفت عليهم وقفلت معها الموضوع
اية الفرجاني
سكت شوية شرب من الكوباية وهو بيتهرب بعينه
إسلام:
– وبعد كده؟
كريم:
– من بعدها بدأت تتغير كل شوية ترن عليا وتطلب إني أروح لها وأنا كل مرة أرفض وأسمع تهديدات…
تقولي: لو ما نفذتش اللي هما عاوزينه، هيأذوك
إسلام مركز:
– هما مين؟
كريم هز راسه بغيظ:
– ما انا معرفش … كنت كل مرة أسألها تقولي معرفش
إسلام:
– وبعدين؟
كريم صوته واطي، بس عينيه مليانة قلق:
– لحد امبارح بعد اللي حصل مع عمتك وولدها… لقيت رسالة فيها فيديو وأنا واقف قدامهم وهم مربوطين… يعني باين قوي اني انا خاطفهم
إسلام اتسمر مكانه:
– إيه؟!
كريم:
– وهددوني قالولي لو ما سمعتش الكلام… هيسلموا الفيديو للشرطة ويتهموني بقتلهم
إسلام:
– …(صامت)
كريم كمل بسرعة، وهو باصص حواليه:
– اكتشفت إنهم قاعدين قدام البيت بيراقبوني يعني حتى وأنا جاي أقابلك دلوقتي… خرجت من الباب الخلفي، ومن غير عربيتي
سكت، وحط إيده على وشه، وكأنه لأول مرة بيقول السر ده ومش عارف يواجه نفسه
إسلام باصص في وش كريم بحدة:
– طب قوللي… هما عارفوا منين إنك خطفتهم؟
كريم هز كتفه بحيرة وعصبية:
– معرفش… والله ما عارف
إسلام سرح لحظة، وافتكر صورة الراجل اللي كان واقف قدام بيته:
– استنى… أنا شوفت واحد غريب واقف قدام العمارة عندي يوم ما اخدتكم الفلا أكيد دول كانوا لسه مرابطين هناك… وشافوهم وهما بيخطفوهم وبعدين ما تنساش… الناس اللي شغالة عندك نصهم معروفين في السوق، سهل يتتبعوهم
كريم عض شفايفه بضيق:
– ممكن…
إسلام خبط بكفه على الترابيزة بقوة، صوته علي:
– أنا قولتلك مليون مرة… متعملش حاجة من غير ما ترجعلي!
كريم اتنفض:
– أنا ماكنتش ناوي أخطفهم بالشكل ده…
إسلام قاطعه بعصبية:
– أمال ده اسمه إيه؟ لعب عيال؟! أنا لما عرفت إنك ناوي تتحرك، قلت لنفسي هيعمل قرصة ودن… تهديد بالكلمة لكن خطف؟! انت جننت؟!
كريم حاول يدافع عن نفسه، صوته متوتر:
– أنا كنت مضغوط… وكنت عايزهم يعرفوا إن اللي عملوه في حنين مش هيعدي بالساهل ماكنتش متخيل إن الموضوع هيتقلب كده!
إسلام واقف، عينه مولعة غضب:
– "ما كنتش متخيل" دي مش حجة! دلوقتي أنت مش بس حطيت نفسك في خطر… لا، أنت كمان جبتهم على دماغنا كلنا!
كريم مطأطئ راسه، مش قادر يرد
كريم:
– أنا حرفيًا محاصر من كل ناحية، لا قادر أتحرك ولا عارف مين اللي بيشد الخيوط
إسلام مسند ضهره وبيفكر بتركيز:
– أول حاجة… حنين ومحمد دول أمانة، ومهما حصل محدش يقربلهم.
كريم بسرعة:
– الحمد لله هما في الفيلا ومحدش يعرف مكانها
إسلام:
– لأ، كده كده في ناس مرقبينك أي غلطة منك ممكن توصلهم لحد باب الفيلا لازم نزود الحراسة فورًا، ونغير الروتين
كريم:
– يعني إيه؟
إسلام:
– يعني ولا خروجات، ولا حد يدخل أو يخرج غير ناس أنا واثق فيهم حتى الشغالة لازم نراقب تحركاتها هنعتبر الفيلا ساحة حرب
كريم هز راسه موافق، لكن بنبرة يائسة:
– تمام… بس وبعدين؟ هنعمل إيه في اللي ماسك عليا الفيديوهات؟ لو سلمهم للشرطة، أنا هدخل السجن مؤبد
إسلام مال لقدامه، عينه مركزة:
– بص… أي حد بيهددك بحاجة زي دي، هو نفسه عنده نقطة ضعف مفيش حد بيمسك خيوط لعبة كبيرة زي دي من غير ما يسيب أثر
كريم:
– قصدك إيه؟
إسلام:
– قصد إني لازم أوصل للرأس الكبيرة اللي ورا الموضوع اللي بيلعب معانا من بعيد هو اللي لازم نجيبه
كريم بقلق:
– وإزاي؟
إسلام بابتسامة باهتة:
– أنت هتعمل نفسك بتستسلم… هتوريهم إنك هتمشي على كلامهم وتدخل بضاعتهم وفي نفس الوقت… أنا هتابع كل تحركاتهم
كريم اتوتر:
– مخاطرة كبيرة جدًا…
إسلام:
– ماعندناش اختيار يا إما نلعب لعبتهم لحد ما يكشفوا نفسهم… يا إما هتخسر كل حاجة:
شغلك، وسمعتك،ويمكن حنين ودا انا مش هسمح بيه
كريم اتوتر بيهز رجله من تحت الترابيزة
كريم:
– إزاي هنتصرف؟ أنا محاصر… أي خطوة غلط ممكن تدمرني
إسلام:
– عشان كده محتاجين خطة وأنا عندي حل.
كريم بيرفع حاجبه:
– قول
إسلام بيقرب بجسمه لقدام، صوته واطي وحازم:
– من النهاردة… أنا هبقى واحد من رجالتك
كريم باستغراب:
– إزاي يعني؟
إسلام بابتسامة باهتة:
– هيدخلوا ناسك ويشوفوا مين حواليك مش هيلاقوني وسط رجالتك أنا هكون "الوجه الجديد" اللي محدش يعرف عنه حاجة
هتقولهم إني شغال معاك في الشغل من زمان، واني إيدك اليمين
كريم متردد:
– بس… لو شكوا فيك؟
إسلام ببرود:
– مش هيشكوا أنا عارف أتصرف إزاي، وعارف ألبس الدور كويس
المهم، أنت هتظهر قدامهم إنك بتسمع الكلام… وأنا اللي هقف ورا كل خطوة
كريم بياخد نفسه ببطء، كأنه بدأ يتنفس:
– يعني تبقى واحد من رجالي… وتتحكم في اللعبة من وراهم
إسلام وهو بيحط الكوباية على الترابيزة:
– بالضبط أنا أتحرك في الخفاء، وأنت تفضل "الواجهة"
كده نقدر نكسب وقت ونوصل للرأس الكبيرة اللي ورا الموضوع
كريم بعد صمت قصير، يهز راسه موافق:
– تمام… بس خلي بالك، أنا مش مستعد أخسر حنين ولا محمد
إسلام بابتسامة واثقة:
– دي أهم أولوية عندي… صدقني
&&&&&&&:::::.....
داخل الفلا حنين قاعده وشايله محمد
مش عارفه في اي اسلام خرج من غير ما يقول لها وكريم لحد الان مرجعش حتي مش معاها فون تكلمهم افتكرت انو كريم كان جاب لها واحد بس نسيته لما اسلام خدها ايه الفرجاني
حنين بضجر:
ي ربي دا انا حتي نسيت الهدوم وكل حاجه مش عارفه هما راحوا فين دول وسبوني انا وانت هنا لوحدنا
قالت كده ل محمد الي بيبصلها كأنه فاهم هيا بتقول اي
فجأة سمعت اصوات بره البيت
حراس جدد بيتوزعوا حوالين البيت
راحت ناحية الشباك، حست إن الجو مش طبيعي
فجأة دخل اسلام وكريم مع بعض بصتلهم باستغراب وقالت
– إسلام… إيه اللي بيحصل؟ ليه كل الرجالة دول حوالينا؟
إسلام وهو بيحاول يطمنها:
– دي مجرد إجراءات احتياطية عشان أنتِ ومحمد تبقوا في أمان، وده أهم حاجة دلوقتي
حنين بترفع حاجبها بتوتر:
– يعني قصدك في خطر؟ بس من أي وبعدين انت سبتنا هنا ليه!؟
إسلام بابتسامة صغيرة:
....هو المكان مش عاجبك ولا اي
حنين:
لا المكان جميل بس بسال يعني
كريم وهو بيحاول يخلي صوته عادي:
– دول ناس زيادة خليتهم ييجوا يساعدوا الفيلا كبيرة ومحتاجة متابعة
إسلام بيبص لها بابتسامة صغيرة:
– يعني لو احتجتي حاجة تلاقي اللي يجيبلك، ولو في أي مشوار برّه يقولولنا بس لحد ما نقول… متخرجيش
حنين رفعت حاجبها:
– مخرجش؟ ليه يعني؟
كريم بسرعة:
– عشان إحنا مشغولين في الشغل ومش عاوزك تفضلي لوحدك أو تتعبي في حاجة خليكِ هنا واعتبريها إجازة
إسلام وهو باصص لمحمد:
– وبعدين اللي معاك ده عامل شغلانة كفاية مش هيخلّيكي تخرجي أصلاً.
حنين ضحكت غصب عنها وهي بتبص لمحمد:
– والله عندك حق
كريم قعد جنبها بهدوء:
– صدقيني يا حنين… كل ده عشانكم
حنين سكتت وبصت لهم باستغراب، كأنها مستغربة إنهم بقى بينهم تفاهم بعد الخلاف اللي كان
حنين باستغراب:
بس غريبه من امتي وانتوا متحدين كده وانتوا كنتوا مختلفين في كل حاجه
إسلام ضحك ضحكة صغيرة وهو بيبصلها:
– الخلافات دي ما تخصكيش… خلّيكي مطمنة إن أنا وهو على نفس الكلمة دلوقتي
حنين رفعت حواجبها بعدم اقتناع:
– آه يعني خلاص بقيتوا فريق فجأة؟
كريم قرب منها وقال بهدوء:
– الفريق ده معمول علشانك وبعدين افرحي اننا هنكون مع بعض بقي
اسلام بصله بضيق وكريم ابتسم
حنين سكتت لحظة، بصتلهم مش مقتنعه وحاسه في حاجه اكبر من كده
اسلام وهو بيخرج:
احنا هنخرج دلوقتي وانت متخرجيش من هنا ابدا اي حاجه تحتجيها الحراس هيجبوها تمام
حنين هزت دماغها وهيا بتبصلهم ومش مطمنه
&&&&&:::'''" في نادي ليلي...
كريم داخل ومعاه إسلام، اللي ماشي جنبه زي الحارس الشخصي
كان في بنت قاعدة مستنياهم، أول ما شافتهم رفعت حواجبها:
– هو ده معاك ليه؟
كريم ببرود:
– إسلام… شغال معايا في أي مشكلة؟
البنت بصت لإسلام من فوق لتحت، عينيها وقفت على ملامحه الحادة وجسمه الرياضي، ابتسامة صغيرة ظهرت من غير ما تاخد بالها
إسلام لمح النظرة، وكريم كمان… بس كأنه مش شايف
قعدوا التلاتة، الجو فيه توتر خفيف
كريم وهو بيولع سيجارة:
– بلغيهم… أنا موافق
البنت مسكت موبايلها بسرعة، عينيها معلقة بإسلام اللي بيبص حواليه بهدوء، وكأنه بيحسب كل زاوية في المكان
بصوت واطي كلمت حد:
– أيوه… كريم وافق علي الشغل
الطرف التاني ضحك، صوته باين من السماعة على خفيف:
– أخيرًا بدأ يفكر صح… قولي له يبلغنا بميعاد الشحنة وإحنا هنتواصل أهم حاجة الطريق يبقى نظيف
البنت قفلت الموبايل وبصت لكريم:
– بيقولوا مستنيينك تحدد الوقت دخول الشحنه… هيكلموك قريب
كريم بهدوء مصطنع:
– ماشي
إسلام كان سايبهم يتكلموا، لكن عينه ما فارقتش البنت لحظه كانه بيقيس مدي الخطوره منها
لاحظ انها
رجعت تبصله تاني وقالت بابتسامة خفيفة:
– واضح إنك اخترت رجالة غير شكل المرة دي
إسلام رفع حاجبه
كريم قطع الحوار بسرعة وهو بيقوم:
– يلا بينا
قبل ما يخرجوا من الباب
كانت بتنادي عليهم ووقفت
قدام إسلام بابتسامة فيها جرأة:
– … ممكن رقمك؟
إسلام رفع حاجبه:
– ليه؟
اتلخبطت لحظة، بس بسرعة قالت:
– يعني… لو حصل أي حاجة وكريم مشغول أو مش متاح… أعرف أوصللك
كريم كان واقف جنب العربية، سامع الحوار، بس مش فارق معاه ابتسم بسخريه
إسلام ببرود طلع موبايله ومد إيده:
– هاتي تليفونك
ادته الموبايل، وفضلت تراقبه وهو بيسجل رقمه عينيها فضلت معلقة على تفاصيل وشه، ونبرة صوته
وهي بتاخد الموبايل:
– ميرسي… أكيد هحتاجك قريب
إسلام رجع الموبايل وهو بيبصلها بنظرة سريعة فاحصة بس ماقالش حاجة
ركب جنب كريم، اللي أول ما قفلوا الأبواب بص له وقال:
– شايف؟ من أول مقابلة دخلت دماغها
ابتسم بخبث وهو بيشغل العربية:
– خلي بالك … شكلها مش طالبة رقمك للشغل وبس
إسلام رد وهو بيربط الحزام:
– وأنا كمان شايف كده… ودي ميزة لينا مش عيب
بص لقدام بعينين مركزة:
– خليها تفتكر إنها ماشيه تمام … واحنا اللي هنستفيد من كل خطوة
&&&&&&؛؛؛::: بالليل
حنين نايمة ومحمد نايم جنبها فجأة حست بإيد دافية بتلمس جبينها بخفة قلبها دق بسرعة، قامت مفزوعة وهي بتحاول تبعد الإيد
حنين بصوت مبحوح:
– مين!!
النور الخفيف من الأباجورة كشف وش كريم، واقف جنبها ملامحه هادية لكنه عينه فيها قلق
كريم بسرعة:
– اههدي…دا أنا
حنين لسه متنفضة:
– إيه اللي بتعمله؟! خوفتني!
كريم قعد على طرف السرير، صوته واطي:
– كنت بس عاوز أطمن عليك… وشوفتك بتتقلبي في النوم فـ…
حنين مقطبة حواجبها:
– يعني لازم تصحيني كده؟!
اتنهيدة و إيده رجعت تتحرك ناحية محمد وهو بيبص له:
– أنا آسف اني خضيتك بجد
حنين بخجل خفيف:
– كريم… روح نام، بكرة عندك شغل
هو ابتسم ابتسامة دافية، بصوت واطي:
– الشغل مش مهم دلوقتي… المهم إني لما أبصلك كده أحس إن كل الدنيا أمان
قالها وهو بيمد نفسه على السرير، من الناحية التانية، بهدوء
اتفاجئت، بس لقت نفسها مش قادرة تقول حاجة قلبها دق بسرعة، لكنها اكتفت إنها تصلّح الغطا على محمد وكأنها مش واخدة بالها
كريم مد إيده وحطها فوق إيدها اللي ماسكة محمد، صوته واطي جدًا:
– كده بس… أحس إن الدنيا تمام
حنين اتجمدت لحظة، قلبها بيرتعش من جوة بصت له باستغراب، لقت عينيه مغمضة وكأنه خلاص نام
فضلت ساكتة، تبص له بحذر… بس في نفس الوقت حسّت بحاجة غريبة، أمان ممزوج بدفا، حاجة مكنتش متوقعها.....
وبينما النوم بيرجع يسيطر عليها، آخر فكرة عدّت في بالها:
"أنا ازاي سايبه ينام جمبي كده…؟
الصبح…&&
حنين صحيت، لاقت كريم مش جنبها بصت حواليها بارتباك
لاقته سايب ورقة صغيرة على الكومودينو مكتوب فيها:
"أنا نازل شغل مهم، متقلقيش خلي بالك من محمد، أنا هرجع بسرعة"
بصت في الورقة، وحست إن في حاجة ناقصة… كأن الورقة دي مش مجرد غياب عادي
بصت من الشباك، كان كريم خارج مع إسلام في العربية، الحرس بيتحركوا كأن في حالة طوارئ
قلقها يزيد قلق…
تفكر:
هو إيه اللي بيخبيه عليّ؟ وليه حاسة إن الليلة اللي فاتت دي كانت مجرد لحظة سراب قبل ما العاصفة تيجي؟
$#### في كافيه هادي وصل كريم واسلام
كريم كان قاعد على الترابيزة، وإسلام جنبه بنفس هدوء مستنين نفس البنت
وهي داخلة أول ما عينيها وقعت على إسلام ابتسمت ابتسامة صغيرة باينة جدًا إنها مش بريئة
كريم، بلهجة حازمة:
– اتأخرتي
البنت وهي بتتجاهل كلامه وبتركز في إسلام:
– إيه يا وسيم… مش بترد على الرسايل ليه؟
إسلام بيرفع حاجبه بهدوء وهو ماسك نفسه من الرد، اكتفى إنه يديها نظرة باردة
كريم قاطع الموقف بسرعة:
– خلينا في المهم
البنت قعدت، بس عينيها لسه معلقة على إسلام
كريم بصوت منخفض:
– الموضوع اتغير الشحنة من اليونان اتقدمت يومين
هتخرج بكرة بالليل، وتدخل ميناء إسكندرية بعد ٣ أيام
أنا دوري يقف هنا إزاي هتتصرفوا وتدخلوا بضاعتكم… ده مش اختصاصي
البنت بلعاب لسانها وهي عينيها علي إسلام:
– تمام المهم إننا عارفين التوقيت
سحبت موبايلها وبعتت ڤويس قصير بعد ثواني رد عليها حد بنبرة جاده وضحكة صغيرة:
– كريم كده بقى بيفكر صح قولي له إحنا في انتظاره
قفلوا البنت رجعت تنظر لكريم:
– هما راضين… عاوزين منك تحديد الساعة بالضبط
كريم وهو بيقوم:
– هيوصلهم
قام و وراه إسلام البنت وقفت هي كمان، وبنظرة كلها تحدي لإسلام:
– المرة الجاية بقى… لو كريم مشغول، ممكن أنت اللي تيجي لوحدك
إسلام اكتفى بابتسامة صغيرة بااااردة جدًا وقال:
– ما تقلقيش… هتشوفيني وقت ما لازم تشوفيني
نظرتها فضلت معلقة عليه لحد ما مشوا
كريم وهو خارج مع إسلام بص له بتهكم:
– واضح إنك عجبها قوي
إسلام رد ببرود:
– لا … هي اللي عاجبها إنها مش عاجباني
&&&&&...
المكان مظلم الدخان مالي الجو، وصوت الطاولة الحديد بيدق من كتر اللعب في الكوتشينة
واحد من التجار سامي:
بصوا يا رجالة… كريم ده مش عيل صغير نلعب بيه
التاني رجب:
يهز راسه ويولع سيجارة
ما هو عشان كده إحنا واقفين مكانّا كل يوم الشحنة بتتأجل، والزبون مستني وده واقف قصادنا عامل فيها شريف… رضي يدخل معانا يوم ويبلغ بكرة!
سامي:
لأ هو مش هيسلم بسهولة… بس كل واحد ليه نقطة ضعف
رجب:
بضحكة مريبة
مراته! وابنه
التالت صبري:
يميل عليهم ويقول بصوت واطي
بس هو خفيها… محدش عارف ليها مكان حتى العيال اللي عندنا في البلد دَوَّروا مش لاقيين ليها أثر
سامي:
يبقى نلعبها صح نرمي طُعم… نخليها هي اللي تيجي لنا
رجب:
إزاي يعني؟
سامي بخبث:
إحنا عارفين إن كريم مش سايب غير اتنين بيقربوا منهاالخدامة اللي في البيت… وواحدة صاحبتها
قريبة كريم ودي اختفت من فترة
صبري:
ينفخ دخان السجارة
يعني ندوس عليهم لحد ما يدلّونا؟
سامي:
بالظبط ولو معرفناش نجيبها بالسهولة دي… نخلي كريم نفسه هو اللي يجيبها برجليه
رجب باستغراب:
إزاي؟
سامي:
نخليه يفتكر إن في خطر على ابنه ساعتها، غصب عنه، هيطلّع مراته من مخبأها
ضحكة شيطانية صغيرة تتبادل بينهم، الكوتشينة
↚
بقى دي عيشة؟ قاعدة محبوسة زي المجرمين… لا خروج، لا ناس… حتى هدوم نظيفة مش معايا… بجد أنا مخنوقة
بصت لابنها وهو بيضحك
ابتسمت غصب عنها:
– إنت بس اللي مخليني مستحملة يا حبيبي
سكتت لحظة، بصن في السقف واتتنهد بحزن:
– … يا ترى هدي بتعمل إيه دلوقتي؟ وحشتني موت… لو كانت هنا كان زمانها مهوّنة عليّ شوية
اخ ي ربي اعمل اي في الزهق ده...
سكتت لحظه وهي بتسند راسها علي الحيط
طب ما أنا ممكن أطلب من كريم يجيب هدى هنا تعيش معانا… هي أمينة وعمرها ما خانتني… وكده أبقى مطمنة وألاقي اللي يونسني
اتترددت شويه، وعضت علي شفايفها بتوتر:
– بس كريم مش هيوافق… هيقوللي مينفعش حد يعرف… لأ… لأ… طب أعمل إيه؟
لمحت على الطاولة ورق وقلم، قربت منها وقعدت تكتب بخط مهزوز: نفسي أشوفك يا هدى… تعالي الخ.....
كتبت كل الي في قلبها وطوت الورقه في ايدها
وفضلت تبص فيا كأنها مش قادرة تاخد القرار
فضلت ماسكة الورقة في إيدها… عينيها بتزوغ قلبها متلخبط بعدين اخدت القرار
قامت واقفة، وخدت نفس عميق وقررت
خطواتها كانت بطيئة وهي خارجه فتحت الباب شويّة، لقت الحارس واقف على جنب بيشرب سيجارة ايةالفرجاني
قلبها دق أسرع… اترددت لحظة، وبعدين نادت بصوت واطي:
– بس… بس… أيوة انت… تعالي
الحارس بص لها باستغراب، قرب منها، نفخ دخان السيجارة وقال:
– حضرتك عاوزة حاجة؟
حنين حست إن صوتها بيرتعش، مدت الورقة ليه بسرعة كأنها خايفة تتراجع:
– الورقة دي… لو سمحت وصلها لهدى انت اكيد عارف بيتنا صح هتلقيها هناك … بس من غير ما حد يعرف أرجوك قولها كده
الحارس خد الورقة وبص لها بشك لحظة، بس ما قالش حاجة غمغم بكلمة صغيرة وهو بيطفي السيجارة في الأرض:
– تمام يا مدام
رجعت جوة تاني بس فضلت واقفة ووشها مبلول عرق من التوتر… وبعدين دخلت جوة وهي مبتسمة ابتسامة صغيرة
– أخيرًا… هشوفك يا هدى
&&&&&_____
بعد وقت الحارس كان وصل المكان وقف قدام الباب وخبط
لحظات وفتحت هدي الباب استغربت الي قدامها وقالت:
خير انت مين؟
الحارس بصوت واطي:
– الورقه دي من مدام حنين… وقالت محدش يعرف
حاجه عنها
اخدت الورقه منه وبصتله بصدمه
هدى:
– حنين؟!
الحارس مردش عليها ومشي وهيا قفلت الباب وفتحت الورقه بتوتر...
............ بره قدام البوابه
كان راجل من العصابة واقف بيتابع كل ده أول ما شاف الحارس وهو خارج،كلم حد في الموبايل
– كان في شاب معاه ورقه سلمها للست الي في البيت ومشي
الي علي الفون رد عليه:
استني شويه هبعتلك حد تعرفوا منها العنوان فين بالظبط....لان دا اكيد من جاي من مرات كريم...
= ماشي
&&___
عند هدي بعد ما فتحت الرساله والي كان محتواها...
=وحشتيني يا هدى… مليش غيرك… نفسي أشوفك… نفسي ألاقيكي جنبي محدش يعرف يا هدى اني بعتلك … أنا قاعده لوحدي … بس محتاجاكي قوي هاتيللي هدومي وتعالي العنوان ده… بس بالله محدش يعرف عشان كريم واسلام محزرني اكلم حد او اخرج...
خلصت قراءة الرسالة ابتسمت بخفة، دموعها في عينيها، حطت الورقة على الكرسي و قامت بسرعة دخلت تجهز الشنطة حطت فيها كل الهدوم وبعد وقت، خرجت وهي ماسكة الورقة في إيدها، فتحت الباب
لكن أول ما الباب بيتفتح، اتفاجأت بثلاثة واقفين قدامه ساندين على الحيطة، عيونهم كلها خبث وقفت متسمّرة مكانها، قلبها وقع في رجلهااية الفرجاني
واحد منهم بصوت تقيل ساخر:
– هو إحنا اللي جينا لك… ولا إنتي اللي خارجة لنا؟
ترجّعت نص خطوة، ضمّت الورقة في إيدها بسرعة
هدى بتوتر:
– إنتو مين؟ عاوزين إيه؟
واحد منهم قرب منها :
– إحنا عاوزين حاجة صغيرة كده… مكان مرات كريم
بلعت ريقها، وهي بتحاول تسيطر علي نفسها والرعشه الي حست بيها:
– معرفش… والله ما عرفش هي فين
واحد منهم يشدها من دراعها بعنف:
سيبني!
التالت بعصبية:
– ما تلعبِيش علينا… أكيد عندك خبر عن مكنها!
ضربها كف خلها تقع على الأرض، الورقة كانت هتقع من إيدها، لكنها بسرعة لحقها وخبيها ورا ضهرها
اتكلمت بصوت مبحوح:
– ماعرفش… بقولكم ماعرفش!
يبدأوا يضربوها أكتر:
ركلات، كفوف، شد في شعرها صراخه واحد منهم لاحظ الورقة اللي بتحاول تخبيها اتكلم:
– إيه اللي في إيدك؟
مد إيده بعنف، خطف الورقة منها رغم مقاومتها بص فيها دقيقة، قرأ العنوان، وابتسم بخبث
رفع الورقة:
– هاها! أهو العنوان يا رجالة.يلا بينا!
التاني ضحك ويشد شنطتها من إيدها ومشي
سيبوها واقعة على الأرض، بتبكي الورقة راحت من إيدها، وبقت هي الخيط اللي هيوصلهم لحنين
حاولت تقوم لحد ما وصلت للفون للارضي
بعد دقايق جالها الرد،ردت بصوت مبحوح
= الحقني......
&&&&&______..
غرفة صغيرة مقفولة، إضاءة خافتة، ترابيزة خشب وسط المكان إسلام قاعد ومعاه خالد، طارق، حسن
كلهم باين عليهم الجدية والتركيز على الترابيزة كان في خريطة كبيرة لميناء الإسكندرية وصور أقمار صناعية مطبوعة
طارق وهو مشبك إيديه قدام صدره:
– بصراحة… أنا مش مطمن الناس دي مش هيثقوا في كريم بالساهل الراجل طول الوقت رافض يدخل معاهم، فجأة يقولهم موافق؟! هيتشكوا فيه فورًا
إسلام بهدوء لكن صوته ثابت:
– عندك حق… وأنا اللي عايش معاهم الدور ده ومتاكد انهم شاكين في، لكن دلوقتي الوضع اختلف همّا حسّوا إننا مأمّنين حنين وابنها… ودي نقطة ضعفه لو لعبناها صح هيصدقوا إن كريم بقى تحت إيدهم
خالد ميل لقدام عينيه سابتة على الخريطة:
– طيب… وموضوع الشحنة اللي جاية من اليونان؟ دي فرصتنا … إحنا لازم نكون مستنيين وقتها
حسن بصوت عملي وهو بيشاور على نقطة في الخريطة:
– الشحنة هتوصل مينا إسكندرية هنا لازم نجهز قوة كفاية تستلم البضاعة في اللحظة اللي يوصلوا فيها لا قبلها ولا بعدها
طارق بيقاطعه بنبرة حادة:
– وأنا شايف برضه إننا محتاجين خيط مضمون لو حصلت أي غلطة… التجار ممكن يشكّوا ويغيروا الخطة كلها
إسلام بينحني على الخريطة، صوته فيه إصرار:
– الخيط موجود…وهو كريم نفسه لانهم اكيد هيطلبوا منه هو يستلم البضاعه وهو لازم
يفضل مصدّق إننا قادرين نحميه من التجار… وكمان هما هيبقوا واثقين إنهم ماسكينه من رقابته
لحظة صمت، الكل بيفكر خالد رفع راسه وبص لإسلام
خالد:
– يعني باختصار… نخليهم يبتلعوا الطُعم لحد ما الشحنة تدخل… وساعتها نقفل المينا عليهم ونقبض على الكبير والصغير
إسلام بعزيمة:
– بالظبط المرة دي مفيش مجال للغلط يا نخلص عليهم… يا هنخسر كل حاجة
فجأة موبايله إسلام بيرن يشوف الشاشة بيلاقي اسم
كريم يفتح الخط بسرعة:
إسلام :
– أيوة ي كريم؟
كريم صوته متوتر، ومتقطع:
– إسلام…في كارثة! العصابة عرفت مكان حنين… أنا طالع على الفيلا دلوقتي!
إسلام فتح عينيه بذهول، قام من علي الكرسي بعنف صحابه بصوا له باستغراب.
إسلام بعصبية:
– إزاي؟! مين اللي قالك؟
كريم بنبرة مقهورة:
– حنين بعتت ورقه فيها العنوان ل هدي و هدى… اتهاجمت، ضربوها وخدوا منها الورقة اللي حنين بعتها فيها العنوان… دلوقتي كلهم رايحين لها
إسلام سكت لحظة عينيه لمعت بالغضب والقلق ضرب إيده على الترابيزة بقوة:
– أختي يا ولاد الك*لب! مش هيقربوا منها وأنا عايش
خالد اتحرك بسرعة من مكانه صوته فيه إصرار
– يبقى نتحرك فورًا، ما فيش دقيقة نضيعها
طارق وهو بياخد الجاكت من علي الكرسي:
– إسلام، ركّز احنا لازم نتحرك بسرعه ونوصل قبلهم...
إسلام رفع راسه، صوته ثابت لكن فيه نار مكبوتة
إسلام:
– أنا مش هسمح لحد يقرب من حنين ولا من ابنها المهمة دي مش ورق وخطط… دي دمي ولحمي اللي هيقرب منها… هخلص عليه
اخد تليفونه وهو بيجري ناحية الباب، كلم كريم بسرعه
– كريم… اسمعني كويس، استنى هناك ما تتحركش لوحدك! أنا جاي، وهما مش هيلحقوا يلمسوها
&&&&__'' عند حنين...
كانت قاعدة على الأرض، ابنها بيسحف قدامها وهو بيضحك ضحكت غصب عنها ومدت إيديها له:.
– تعالا عندي يا حبيبي… يلا حبيب قلب ماما
ضحك تاني، وهو بيقرب منها، فجأة… اتجمدت
فيه أصوات برّه خطوات تقيلة، أصوات ناس بتتحرك حوالين البيت قلبها وقع مكانه قامت بسرعة وخطفت ابنها في حضنها
– يا رب استرها… يا رب
قبل ما تاخد نفسها الباب اتفتح بعنف، رجالة كتير دخلوا، عينيهم كلها غِل. واحد منهم صرخ:
– اهي! امسكوها بسرعة
اتراجعت لورا وهي بتصرخ:
– انتوا مين؟ ابعدوا عني! ابعدواااا!"
واحد منهم قرب بخطوات تقيلة وقال ببرود:
– بالذوق ولا بالعافية؟
– مش هسيب ابني… لو لمستوه هموّتكم كلكم! انتوا عاوزين اي؟!!!
ضغطت علي ابنها في حضنها أكتر، لدرجة إنه عيّط
دموعها نزلت
اتنين اندفعوا ناحيتها، مسكوها من دراعاتها وهي بتقاوم بجنون:
– سيبوني! سيبونييي!
واحد تاني مد إيده عشان ياخد الولد، لكن حنين زعقت بصوت مفزوع:
– لااااا! مش هسيبوا… ده ابنييي! ابعد عن
حاولت تعض إيده،ضربته برجليها، أي حاجة عشان تحميه الراجل اتعصب، ضربها على وشها:
– اخرسي بقى!
اترجعت لورا دمها سال من شفايفها، لكنها لسه ماسكة الولد بكل قوتها
واحد تاني زمجر:
– خدوهم هما الاتنين وخلاص… مفيش وقت
جرّوها من شعرها وهي بتصرخ وتعيط، وابنها بيصرخ بصوت عالي:
– كريـــــم! إســــــلام!انتوا فين ساااااعدوني
صرختها ملّت البيت، شدّوها لبرا وهي متعلقة بابنها كأنه آخر نفس في حياتها
والباب اتقفل وراهم… بس صداها لسه بيرن في البيت....
↚
كريم وصل للفلا،أول ما دخل… المنظر خلاه يتجمد الحراس كلهم مرميين على الأرض، بعضهم مش قادر يتحرك، وبعضهم مكسور… وكل ده أكد له حاجه واحده انهم وصلوا قبله
وطي علي حارس منهم
صرخ فيه، صوته بيتهز من الغضب والقلق:
– فين… حنين راحت فين انطقوا؟!
محدش اتكلم ولا حد رد عليه رجله اخدته وهو بيركض جوه البيت، عينه كانت بتدور في كل مكان، النفس اتقطع، مش قادر ياخد خطوة
واقف مكانه مفيش اثر ليهم
فجأة، على الأرض، لمح حاجة صغيرة… لعبة محمد قلبه انفطر ،خدها، بصلها، وقلبه بيتقطع… دموعه في عينه مش قادر يمنعها، لاول مرة بجد يحس بالاحساس ده
قعد الارض، وهوماسكها بإيد واحدة، وغمض عينه حاسس بغصة تقطع حلقه… إحساسه بالذنب، الخوف، والغضب كله مجتمع في لحظة واحدة
بعد دقايق، الباب اتفتح ، إسلام دخل جري ومعاه خالد وطارق وحسن، كل واحد فيهم عيونه بدور في المكان …
إسلام لما شاف كريم كده ووضع الحراس اتصدم قرب من كريم الي كانت نظرته كلها غضب وقلق ودموع متجمعه في عينه:
– كريم…؟
كريم رفع راسه وبصله صوته متقطع من الغضب والخوف:
– خدوها … خدوا حنين… ومحمد… ملحقتهمش وصلوا قلبي … لازم نتحرك دلوقتي… مش هنستنى ثانية!اية الفرجاني
قام وقف وكان خارج،بس خالد شده من ايده وقفه وقال بهدوء:
استني هتروح فين وانت مش عارف عنهم حاجه اهدي عشان نعرف نتصرف صح ونشوف هنعمل اي..
طارق وحسن قربوا منه، وإسلام حط ايده على كتف كريم:
– متقلقش… إحنا مش هنسكت … اكيد … هنوصلها مش هسمح لحد يقرب منها مهما حصل
كريم كأن كل الاحاسيس اتجمعت في اللحظه دي في قلبه من … خوفه، غضب، إحساسه بالعجز… كله بس حبه ليهم خلاه يرفع راسه، يشد إيده على اللعبة قرر: مهما حصل…انو هيحميهم مش هيسمح لحاجه تحصلهم...
&&&&&_______.... عندحنين العربيه وصلت بيها لمكان مهجور
الرجاله نزلت بسرعه من العربيه فتحوا الباب
واحد منهم شد حنين بعنف من إيديها، وهيا شايله ابنها علي دراعها مش فاهمه حاجه كل احساسها دلوقتي الخوف علي ابنها وبس
دخل بيها ممر واسع وهو ساحبها ورا منه بالعافيه واقف قدام باب وفتحه ورماها جوه، كانت أوضة ضيقة… الأرض كانت قاسية، وقعت وهي ماسكة ابنها، ضمته لصدرها وكأنها بتحميه من كل الدنيا الأوضة كانت شبه خندق، ضيق، ضلمة تقريبًا، حتى النفس فيها تقيل
اردف بزعيق وهو بيقفل الباب:
يارب مسمعش نفسك عشان وقتها مش هتشوفي ابنك الي علي ايدك ده
قفل الباب جامد لدرجه انها اتعربت منه
بصت حواليها ودموعها بتنزل وهيا ضامه ابنها بصمت
غمضت عينيها وكل الخوف الي كان متخبّي جوه قلبها اتجمع في لحظة رجع إحساسها القديم… ذكرياتها وهي قاعدة تحت الكبري، ولما كانت وحدها في البدروم، الألم اللي عاشت فيه لوحدها، شعور العجز والوجع اللي مرّت بيه قبل كده… كله رجع في ثانية واحدة بقلم ايةالفرجاني
فاقت فجأة، علي حركة ابنها… ورجله الصغيرة
بتحركت في حضنها كأنه بيقول لها: "أنا هنا… معاك"
قلبها انقبض من الخوف، بصت له، ودموعها سالت من عيونها، صامتة، من غير ما تتتكلم … بس كل دمعة كانت بتحكي عن خوفها، وألمها....
ضمّت ابنها ليها، وكأنها بتحاول تحوّط كل الألم اللي فيها في حضنه، وفي نفس الوقت، كانت عارفة… مهما حصل، ده ابنها، وهو سبب قوتها دلوقتي مش هتسمح لحد يجي نحيته باي طريقه....
فضلت قاعدة على الأرض، ابنها في حضنها، بتحاول تسكته وهو بيعيط فجأة الباب اتفتح بعنف، دخل واحد من رجالة ماسك موبايل بيصوّر
الراجل بص لها باستخفاف:
– يلا قومي… الريس عاوز رسالة صغيرة توصّل لجوزك
حنين ضمّت ابنها أكتر:
– "مش هعمل أي حاجة"
انتوا عاوزين مننا اي؟! ليه خطفتنا!!؟
الزعيم ظهر من وراه، لابس قناع علي وشه صوته كان يخوف قال:
السؤال ده اجابته عند جوزك بس عشان هو مش موجود فانا هجوبك
قرب منها وقعد نص قاعده علي الارض وهو بيبصلها:
بصى ي حلوه،جوزك انطلب منه مهمه سهله جدا،كان هيكسب منها دهب لو وافق بالهدوء،لكنه عاملي فيها دور الشريف الي بيخاف علي البلد فكان لازم نعمله قرصة ودن
فدلوقتي زي الشطره كده … هتسمعي الكلام ولا اخد الولد
قال كده وهو بيمد ايده عليه بس حنين رجعت لورا وضمته ليها اكتر...
كمل "
-مدام خايفه عليه كده يبقي تسمعي الكلام
عشان كل ثانية بترفضي فيها… الولد ده هو اللي هيدفع التمن"
حنين عينيها دمعت، قامت واقفة غصب عنها وهي ماسكة ابنها
الزعيم أشار للكاميرا:
– "ابتدي هنوصل لجوزك الحلو كلمتين تعرفيه انك معنا هو كده كده عارف "
الموبايل اتوجّه لوش حنين… وشها كان باين فيه خوف وتعب، بس عنادها ظاهر
حنين بصت في الكاميرا، صوتها بيرتعش:
– "كريم…… لو بتحبنا بجد متعملش اللي هما عايزينه… متخونش بلدك عشانّا أنا مستحملة… بس إنت متوقعش انا متأكدة انك هتلاقينا"
الزعيم ضحك، خطف الموبايل من الراجل، قرب الكاميرا على وشه هو وقال ببرود:
– "سمعت يا كريم؟ مراتك وابنك عندنا… أي غلطة منك، أي حركة غدر، صدّقني مش هتشوفهم تاني عايزهم يرجعوا؟ يبقى تسمع كلامنا زي الولد الشاطر واي خطوه غلط هما الي هيدفعوا التمن......
والفيديو اتقفَل....
&&____
كريم واقف وسط إسلام والظباط، إيده بتترعش وهو بيشوف الفيديو على الموبايل وشه متغير، عينه كلها دموع وغضب
كريم بصوت مبحوح:
– أنا مش هسيبهم… مش هسيبهم في إيد الزبالة دي
اكتر من كده كل خطوه فيها خطر اكبر عليهم
إسلام شد الموبايل منه، صوته كان حاد:
– وده اللي هما عايزينه… يكسروك اسمعني يا كريم… حنين هترجع، بس لو لعبنا صح غير كده… هتضيع للأبد
كريم صرخ:
– دي مراتي وابني يا إسلام! إنت عايزني أقف أتفرج استنى لحد امتى ؟!
إسلام، لأول مرة صوته اتكسر، عينه مغرغرة:
– وأنا دي أختي يا كريم!
أنا قلبي مولع زيك بالظبط… بس لو مشينا ورا قلوبنا، هنخسرها
لحظة صمت كل واحد بيفكر هيعملوا اي فجأة الموبايل بتاع كريم
رن برقم غريب الكل بص لبعض اسلام شاور له يفتح كريم رد وفتح الاسبيكر صوته كان مليان غضب وتوتر:
– الو!
جاله صوت ضخم نفس الي سمعه في الفديو:
– كويس إنك شُفت الفيديو… مراتك وابنك زي القمر أهو… بس مش عارف هيفضلوا لحد إمتى كده صراحه.
كريم ضغط علي اسنانه بغضب:
– لو لمستهم… اقسم بالله ل..
الزعيم قاطعه بضحكة باردة:
– إنت اللي هتكون السبب يا حبيبي… لو ما عملتش اللي هنقولك عليه
إحنا عاوزين معاد الشحنة يتقدّم… الليلة مفيش بكرة الليلة يا كريم"
كريم اتجمد، قلبه بيخبط:
– الليلة؟! مستحيل… ده محتاج ترتيبات—بقلم ايةالفرجاني
الزعيم صوته حاد فجأة:
– متقولش مستحيل! إنت اللي في إيدينا دلوقتي… قدم المعاد الليلة، وإلا مراتك وابنك هيتبخروا من حياتك للأبد"
صوت بكاء ابنه مسموع من بعيد في الموبايل… كريم اتشنج، عينه دمعت، مسك رأسه بإيده
كريم بصوت مبحوح:
– سيبوهم … أرجوكم
الزعيم ضحك بخبث:
– سيبناهولكم أهو… بس افتكر
الشحنة لازم تطلع الليلة، هنديك ساعة تبلغ فيها عن تقديم الشحنه، الساعة تعدي، هنكلمك متمتش… دي تبقى آخر مرة تسمع فيها صوتهم
المكالمة اتقفلت
كريم وقع على الكرسي، إيده ماسكة الموبايل جامد لدرجة صوابعه بتترعش
إسلام خطف الموبايل منه بسرعة، صوته مليان غضب مكبوت:
– دلوقتي الصورة وضحت… عايزين يضغطوا عليك عشان تفتح لهم الطريق
بس أنا مش هسيبهم يا كريم… لا أختي ولا ابن أختي
كريم بص له بعيون حمراء:
– إنت بتقول نعمل إيه؟! قدامنا ساعه بس … وهما في إيدهم حياتها"
اسلام رمي الموبايل لحسن وهو بيقول حددلي مكان المكالمه دي بسرعه.....
حسن بتأكد:
دقايق وهيكون عندك....
وانت ي كريم هتعمل الي قالوا عليه....
كريم كان واقف عينيه حمرا من القلق
إسلام واقف، إيده ورا ضهره، صوته حاد:
– هتعمل بالظبط زي ما يقولوا… أول ما يتصلوا عليك، تقول إن معاد الشحنة اتقدم الليلة، وهتوصل بكره هنخليهم يصدقوا إنك متلخبط وخايف
حسن دخل بسرعه وهو ماسك وهو ماسك اللابتوب :
– تم تحديد موقع المكالمة الأخيرة… المنطقة الصناعية القديمة جنب المينا دي غالبًا وكرهم الأساسي
طارق:
– يعني لازم نتحرك على محورين… جزء يتابع الشحنة، وجزء يرائب المكان ده
إسلام:
– بالظبط. خالد، انت وفريقك على المينا… مش هيفلت كرتونة من تحت عينكم
وانت ي كريم هتكلم المسؤلين تبلغهم بانو محتاجين الشحنه توصل الليله،هما اكيد مستنينهم في نص البحر عشان البضاعه الي هيدخلوها جوه الصناديق
،،، طارق، انت وحسن معايا… هنراقب المنطقة الصناعية
حنين وابنها هم الطُعم… هما فاكرين إنهم مسيطرين، لكن إحنا اللي هنشد الخيط
خالد بجدية:
– الخطر إنهم لو شكوا في لحظة… هيصفّوها قبل ما نلحق.
إسلام صوته طلع غليظ وهو يبص لكريم:
– عشان كده أي حركة منك يا كريم برا النص… هتكون رصاصة في قلب حنين فاهم؟"
كريم يهز راسه وهو بيعض على شفايفه:.
– "فاهم… بس أوعى يحصلها حاجة يا إسلام"
إسلام ياخد نفس عميق، عينه كلها نار:
– "مش هيحصل … هنوقع العصابة كلها نفر نفر
الليلة هتبقى النهاية بتاعتهم.
الكل خرج بخطوات سريعة. كريم لبس الجاكيت،واتحرك وراهم
إسلام لف فجأة ومسكه من دراعه بعنف:
– رايح فين ؟!
كريم بعصبية:
– "رايح أجيب مراتي وابني! إنت عاوزني أقعد هنا زي المتفرج؟!"
إسلام يقرب منه، صوته منخفض بس مليان غضب:.
– إنت هتودينا في داهية! وجودك هناك يفضحنا انت متهور … العصابة مش أغبيا، هيشمّوا ريحتك من بعيد!
كريم بعناد:
– أنا مش قادر أسيبها… مش قادر أسيبهم في إيدهم ثانية واحدة! لو حصلها حاجة… أنا هموت
إسلام شده ناحية الحيطة، قرب وشه من وشه:
– اسمعني كويس… الليلة دي مش عنك ولا عن مشاعرك
الليلة دي عن حياة أختي… وعن مهمة لو فشلت، هيموت ناس أكتر بكتير.
كريم يحاول يفلت دراعه:
– بس دي مراتي وابني أنا مش هقدر!
إسلام زقّه على الحيطة بكل قوته، صوته هادر:
– هتقدر غصب عنك!
أنت هتعمل اللي أقولك عليه بالحرف…
وأقسم بالله لو خرجت خطوة ورايا… هعتبرك واحد منهم....
كريم بعناد:
… مش هتروحوا من غيري
إسلام صوته غاضب:
– قلتلك وجودك خطر… هتخرب كل حاجة!"
كريم يرفع عينه فيه، حادة، حمراء من القلق:
– خطر ولا مش خطر… دي مراتي وابني مش هستناكم هنا لو هي هناك… فأنا كمان لازم اكون هناك"
إسلام يقرب وشه، صوته خافت لكنه ناري:
– "إنت مش فاهم إن وجودك ممكن يبوظ العملية كلها؟! دي مش لعبة يا كريم!"
كريم بيرتعش من جوه بس بيبان عنيد:
– "أنا مش فارق معايا… أعيش أو أموت، المهم أوصل لهم ومش هتمنعني"
إسلام عض على شفايفه، بغضب سابه فجأة لف ظهره، وبعدين رجع له بسرعة ويقول بصرامة:
– "تمام… هتيجي
بس تسمع كويس:
كلمة واحدة منك غلط… حركة واحدة برا الخطة… هتكون إنت السبب في موتها وموت ابنك
ساعتها…… هاعتبرك عدو"
الجو كله توتر. كريم يهز راسه بقوة، صوته مبحوح:
– "موافق… بس خليني اروح معاك "
إسلام يبعد بنظره عنه، اخد نفس طويل، وبعدين قال للفريق:
– يلا بينا
$$$$$$&&&&
قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾
[البقرة: 155]
المعنى: الابتلاء سنة من سنن ربنا، يختبر بيه قوة إيماننا وصبرنا، والبشارة الحقيقية من نصيب اللي بيصبروا ويحتسبوا عند الله.
قال رسول الله ﷺ:
«مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»
فالابتلاء مش نهاية، ده بداية لرحمة أوسع… واللي يصبر ويثبت، ربنا بيعوّضه أضعاف ما فقد.
↚
كانت قاعدة على الأرض… الحيطان حوالين منها ضيقة بتخنقها، حضنها هو الملجأ الوحيد لابنها اللي نايم في أمان مش عارف حجم الكابوس اللي هما فيه ضاماه جوه صدرها، كل نفس بتاخده بيرتعش… جسمها كله بيرتعش من الخوف
دموعها نازلة في صمت، بتحاول تكتم صوتها عشان ما تصحيش ابنها… بس جوه قلبها كان في خوف...خوف وبس...
النوم خدها وهي قاعدة، غصب عنها، بس العقل ما سابهاش في حالها… الذكريات رجعت زي السكاكين
افتكرت وهي قاعدة تحت الكوبري، والبرد قارس، والدنيا سودة… لما واحد كان ماشي مترنح من السُكر، قرب منها بخطوات تقيلة، ريحته خانقة، عينه فيها جوع مرعب وقتها قلبها كان بيدق زي دلوقتي… نفس الرعب، نفس العجز بالظبط
افتكرت كل الأيام الوحشة اللي فاتت… البدروم الضلمة، الوحدة، الجوع، الإهانة… إحساس إنها محاصرة ومفيش مهرب
فجأة
صحيت على شهقة صغيرة وهي بتبص لابنها… مدّت إيديها مسحت دمعة وقعت على وشه من غير قصد
حضنته أقوى، كأنها بتقسم جوا نفسها:
"مش هسيبك… مش هخليهم ياخدوك مني… حتى لو آخر يوم في عمري
جأة الباب اتفتح… صوت الحديد وهو بيتزق على الأرض عمل صدى في الحجرة الضيقة لدرجه هيا نفسها جسمها قشعر منها اية الفرجاني
دخل واحد من رجال العصابة، في إيده طبق فيه أكل … بس عينه ما كانتش على الأكل
كان بيبص ليها بنظرات غريبه، فيها خبث وشيء تانى خلى الدم يجمد في عروقها ابتسامته باينة على وشه كأنها مش ابتسامة، دي اقرب لشيء تاني هيا مش عارفه تفهمه
وقف قدامها، مدّ الطبق ناحيتها وهو بيقول بصوت غليظ:
– كلي… عشان تعرفي ترجعي قوية … الريس مش عاوزك تموتي بدري...
عينه ما تحركتش من عليها، كان بيتفحصها بطريقة خلتها تشد ابنها أكتر لحضنها من الخوف كأنه هو الي هيحميها منهم
حاول يقرب خطوة منها … عمل حركة غريبة بإيده كأنه بيهدد أو بيستهزأ، وضحك بخفوت وهو لسه مركز نظراته عليها
قلبها اتقبض، بترتعش من الرعب، بتحاول تمسك نفسها، ودموعها على وشها، مش قادرة حتى ترد بكلمة
اللحظة دي كانت زي الكابوس، لحد ما فجأة… ضحك ضحكة قصيرة، ورمى الطبق جنبها على الأرض
وبص لها مرة أخيرة بنظرة كلها قذارة، وقال بسخرية:
"خلي بالك من نفسك… لسه اللي جاي أصعب"
قفل الباب بعنف وخرج
فضلت مكانها… إيدها بتترعش وهي ماسكة ابنها، عينيها سابحة في دموعها… بتقول لنفسها بصوت واطي كأنها بتحاول تقنع روحها:
– مش هيسيبني ربنا… مش هيسيبني
&&&&&&____
العربيات كلها اتحركت… كريم قاعد في الكرسي جنب إسلام، في إيده كانت اللعبة الصغيرة بتاعة محمد، عينه مش بتفارقها نفسه بيتسارع، مش قادر يهدى
إسلام سايق وهو بيبص قدام، صوته هادي لكنه مش سايب فرصة لكريم يرد:
– ركّز في اللي قولته… أي كلمة زيادة منك هتكون سبب في موتهم
كريم بحشرجة:
– إنت فاكر إني مش عارف؟! أنا كل ثانية بحس إنها آخر نفس ليها
إسلام ضغط على الدريكسيون أكتر، عينه فيها نار:
– وأنا قلبي مولّع أكتر منك… دي أختي الوحيدة بس لو مشينا ورا قلبنا، هتضيع للأبد
لحظة صمت خانقة
كريم ضم اللعبة لصدره كأنه بيحضن محمد… دموع
اتجمعت في عينه وهو بيفتكر صوته الي سمعه في السماعه
العربية وقفت فجأة… كان فيه نقطة تجمع خالد وطارق نزلوا يراجعوا خطة المداهمة حسن واقف بلاب توبه، مركز على الموجات، صوته واضح:
– الإشارة سابتة… المكان جوه المنطقة الصناعية القديمة كل الاتصالات بتخرج من هناك ومدام قدرنا نوصل لهنا قبل معاد الشحنه هنتعاون كلنا هنا
إسلام رفع صوته للكل:
– تمام كل فريق عارف مكانه مفيش طلقة هتخرج غير بإشارة أول ما نتأكد إن الرهينة جوه… بنضرب بس خدوا بالكم الرهينه تخرج سالمه مش عاوز غلطه
كريم قطع الكلام بغضب:
– رهينة؟! دي مش رهينة… دي مراتي وابني!
إسلام لفله بحدة، صوته كالعادة قاطع:
– ركّز يا كريم! لو فضلت تفكر كده… مش هتشوفهم تاني! خليك هنا متتحركش انت
كريم عض على شفايفه، صوته مبحوح:
– بس لو اتأخرنا ثانية… هيضيعوا انا...
إسلام قاطعه و قرب منه وقال بنبرة منخفضة لكن مليانة نار:
– مش هيضيعوا… الليلة نهايتهم
&&____
عند حنين…
الأوضة كانت أظلم من قبل ابنها نايم في حضنها، وهي لسه ماسكة إيده الصغيرة صوت خطوات تقيلة قرب من الباب… قلبها وقف
الباب اتفتح فجأة، النور دخل من ورا الراجل اللي واقف، وراه الزعيم عينه تقيلة، وصوته مسموم:
– اجهّزي… الليلة دي ليلة عمرك
حنين رفعت راسها بخوف وعناد في نفس الوقت:
– عايز إيه مني تاني؟
الزعيم ضحك بسخرية وهو يقرب:
– أنا؟ ولا جوزك؟ … جوزك دلوقتي بيبيع نفسه عشانك والليلة دي… يا يسلّمنا البضاعه، يا إما ابنك مش هتشوفيه تاني او هيستلمكم انتوا الاتنين لسه مش عارف بقي الصراحه
حنين ضمّت ابنها أكتر، دموعها وقعت غصب عنها:
– حرام عليكم… ده طفل انتوا بتعملوا معنا كده ليه؟!
الزعيم قرب وشه منها، صوته واطي بس بيخرّع:
– الأطفال ساعات بيكونوا ورقة ضغط أحلى من الكبار
غمضت عينيها بقهر، وهي سامعة صوت ضحكته، وحسّت إن الدنيا كلها بتقفل حواليها
&&&&_____
إسلام بيجهّز فريقه عند البوابة الخلفية للمنطقة الصناعية، صوته واضح:
– استعدوا… أول ما نوصل الإشارة، ندخل
كريم واقف وراه، قلبه على وشك ينفجر… كل ثانية بتعدي كأنها سنين عليه...
المنطقة الصناعية كانت مهجورة… عتمة وضباب بيطلع من مواسير مكسوره صمت مخيف، بس كله
مهاب....
إسلام رفع إيده إشارة… الفريق انتشر في الظلام
خالد معاه رجالة على البوابة الأمامية، وطارق وحسن متقسمين نواحي الجوانب
كريم واقف وراهم، قلبه هيخرج من مكانه… عينه مش شايفة غير صورة حنين وهي في الفيديو، وابنه بيعيط
إسلام بصله بحدة، وهمس:
– آخر إنذار يا كريم… ما تتحركش غير لما أديك الإشارة او الافضل نتتحركش اصلا عشان متضيعش نفسك
كريم ما ردش، بس عينيه فضحت كل حاجة… كان متحفّز ينفجر
جوه…
الزعيم قاعد على كرسي معدن، ماسك سيجارة قدامه واحد من رجاله بيضحك وهو بيصور حنين وابنها بالكاميرا
الزعيم قال ببرود:
– خلال نص ساعة… لو ما سمعناش منه إن الشحنة اتحركت… هنعلّمه يعني إيه يخسر كل حاجة
حنين ضم ابنها أكتر، دموعها نازلة من غير صوت
فجأة… قنبلة دخان اترمت من الشباك المكسور! المكان كله اتملّى غبار، أصوات رجالة العصابة اتلخبطت:
– إيه ده؟!
– في حد دخل!
رصاص بدأ يتبادل، الطلقات بترنّ في الجدران القديمة
إسلام دخل من الناحية الخلفية مع طارق وحسن، صوت خطواتهم سريع ومنظم.
إسلام صرخ:
– فريق (أ) غطّونا!
– فريق (ب) تقدّم!
الزعيم وقف وهو بيزعق للرجاله:
– امسكوهم! متخلوش حد يقرب ليهم دول الي هيخرجونا من هنا...
كريم كان واقف … ما استناش
أول ما سمع صوت الرصاص وصوت حنين بتصرخ من بعيد… انفجر
– حنييييييييييييييييين!
جري من مكانه بكل قوته، إسلام صرخ وراه:
– كريييييييم! ارجع دلوقتي انت رايح فين!
لكن كريم كان خلاص… مش سامع
دخل وسط الدخان، الطلقات بتعدي من جنبه، وهو بيزق أي حد يقابله مسك ماسورة حديد من الأرض وضرب بيها واحد من رجالة العصابة وقع على طول
عينه وقعت على الباب اللي وراه صوت ابنه… قلبه ولّع
– محمد!
كسر الباب برجله، لقى حنين متكوّرة في الركن وهي ضامة ابنها، وراها واحد من العصابة ماسك سلاح ورافعه عليها
كريم ما فكرش ثانية… هجم عليه بكل غضبه، مسك إيده قبل ما يضغط الزناد، وضربه بالماسورة على وشه لحد ما وقع غرقان دم
حنين صرخت:
– كرييييييييييييم!
جري عليها وحضنها وابنه، قلبه بينفجر من جوه:
– أنا جيت… مش هسيبكم تاني أبداً…متخافيش هنخرج من هنا يلا
حنين مش مصدقة، مسكت فيه بكل قوتها
بس ماكانش في وقت… الزعيم بنفسه دخل ومعاه رجالة، رفع مسدسه عليهم:
– نهايتك النهاردة يا كريم! قولت اي غلطه هدفعك غالي مسمعتش الكلام بقي حد يرفض عرض زي ده انت غبي قوي كنت هتتحول من مبتدأ لرجل اعمال ناحج بس انت اختارت الطريق الصعب كان لازم تدفع التمن
كريم مردش عليه وقف قدام حنين وابنه، فاتح دراعاته يحميهم، صوته هادر:
– لو هتقرب منهم … لازم تعدي على جثتي الأول
الزعيم رافع المسدس، ضحكته كلها سخرية:
– خلاص يا بطل… الفيلم خلص وانت جيت برجلك
كريم شد حنين ورا ضهره، حضن ابنه بإيده التانية عينه كلها تحدي:
– اقتلني أنا… بس مش هتلمسهم برضوا
الزعيم ضغط على الزناد…
الطلقة خرجت، كريم اتفاجأ بيها وهي تخترق جنبه وقع على ركبته وهو بيشهق، الدم نازل بغزارة
حنين صرخت بأعلى صوتها:
– كرييييييييييييييم!!!
لفت ليه وهي ماسكة محمد، وقعت على الأرض جنبه، إيدها بترعش وهي بتحاول توقف الدم بإيديها، دموعها نازلة بغزارة:
– اصحى يا كريم… بالله عليك ما تسيبنيش… ما تسيبناش!
كريم بص لها بعين نصها مغمض، صوته ضعيف بيتقطع:
– أنا… كويس… متخافيش… أنا وعدتك مش هسيبك…
حنين قربت منه، دموعها مغرقاها، لحد ما صرخة خرجت من قلبها، وعيونها غمضت فجأة من شدة الصدمة… وقعت فاقدة الوعي وهي حاضنة ابنها
في اللحظة دي إسلام والفرقة دخلوا باقتحام!
ضربوا الي واقف من ضهره وقع علي الارض
وأصوات الطلقات رجّت المكان، الظباط بيغطّوا كل المداخل
إسلام أول ما شاف المشهد… اتصدم
أخته مرمية على الأرض فاقدة الوعي، وابنها في حضنها، ووراها كريم غرقان في دمه
قلبه وقف!
جرى عليها الأول، ركع جنبها يهزّها وهو مرعوب:
– حنيييين! حنين اصحى بالله عليكي!
إيده بتترعش وهو يشوف محمد نايم في حضنها، مسكه بسرعة وحطه جنبها
بص في وشها… لقاها بتتنفس ببطء اتنهد براحه:
– الحمدلله… لسه عايشة
بعدين رفع راسه… عينه وقعت على كريم اللي بينزف وبيترعش على الأرض
– كريييييم!
وطي عليه بسرعة، ضغط على النزيف بكل قوته، صوته متقطع من الخوف:
– استحمل… متخافش استحمل!
كريم حاول يرفع عينه، صوته مبحوح:
– حنين… وابني… احميهم…
إسلام شد إيده وقال بحرقة:
– هحميهم… هحميكم كلكم! بس إنت خليك جامد!
أصوات الصراخ والطلقات خلاص سكتت… العصابة كلها على الأرض، متكبلة ومش قادرة تتحرك
كريم غرقان في دمه، محمول على نقالة، وحنين مغمى عليها علي نقاله اخرى، صفارات الإسعاف مولعة، والنور الأحمر والأزرق بيخبط في عيون كل الموجودين.د
إسلام واقف مكانه، صدره بيتنهّد بعنف، عينه ما بتفارقش حنين وكريم وهما بيتحطوا جوه عربية الإسعاف قلبه كان عايز ينفجر…
محمد كان في حضن العسكري، بيعيط بخوف إسلام قرب بسرعة، إيده على كتف العسكري وهو بيقول بصوت مهزوز:
– هات الولد
العسكري سلّمه، ومحمد رمى نفسه في حضن خاله وهو بيبكي
إسلام ضمّه جامد، قلبه بيتقطع، مسك راسه وحطه على صدره وهو بيحاول يطبطب عليه رغم إن إيده بتترعش
خالد قرب منهم، بص لإسلام وقال بحزم:
– هاته معيا أنا… خليك انت جنبهم
إسلام اده محمد بالعافية، عينه مش راضية تسيبه، بس سابه في حضن خالد
في اللحظة دي، طارق وحسن جم بسرعة، وشوشهم كلها إرهاق وتراب ودم، وقالوا لإسلام:
– إنت وخالد روحوا المستشفى دلوقتي… إحنا هنقفل المكان ونتصرف مع باقي العصابة.متشيلش هم
إسلام اخد نفسه، وهز راسه موافق
بص لآخر مرة على النقالات وهي بتدخل عربية الإسعاف… صوته طلع مبحوح وهو يهمس:
=استحملي يا حنين… أنا وراك
بعد وقت...
أبواب المستشفى اتفتحت بسرعة، المسعفين نازلين بيجروا بالنقالات… كريم داخل العمليات ودمه مغرق القماش الأبيض، وحنين لسه مغمى عليها
إسلام وخالد دخلوا وراهم، محمد في حضن خالد صغير ومرعوب، ماسك في هدومه جامد وهو بيعيط بصوت مكتوم
الوقت عدى تقيل… صمت المستشفى كان أقتل من الرصاص إسلام قاعد على الكرسي، راسه في إيده، رجليه بتتهز من التوتر خالد بيحاول يهدي محمد اللي مش سايب هدومه، كل شوية صرخة صغيرة تطلع منه وتقطع قلوبهم
بعد وقت طويل، الباب اتفتح وخرج دكتور لابس البالطو الأبيض، عرقان من الإرهاق الكل قام بسرعة
إسلام بصوت متوتر:
– خير يا دكتور؟ أختي عاملة إيه؟ وكريم؟
الدكتور طمّنهم بابتسامة صغيرة:
– أختك تمام… الإغماء ده نتيجة خوف شديد وصدمه بس هتفوق بعد شوية متقلقش اية الفرجاني
بعدين وشه اتغير وهو يكمل:
– لكن كريم… حالته أصعب شوية النزيف كان شديد، وهو دلوقتي في العمليات… بندعيله يعدي منها
الكلمات نزلت تقيله علي إسلام مسك الكرسي وعض على شفايفه، وكأنها أول مرة يحس إن إيده مربوطة ومش قادر يعمل حاجة
بعد وقت غرفة حنين اتفتحت، وهيا بدات تفوق كانت بتتحرك ببطء على السرير عينيها فتحت دموعها نزلت من غير ما تنطق أول ما شافت إسلام قاعد جنبها ومحمد في حضنه، دموعها نزلت أكتر
حنين بصوت مبحوح ضعيف:
– "كريم… فين كريم؟
إسلام قرب منها بسرعة، مسك إيدها وهو يحاول يسيطر على نفسه:
– اهدي يا حنين… إنتي كويسة… وابنك معانا
هي زادت دموعها، قلبها بيتقطع:
–هو… هو مات؟! قولّي الحقيقة يا إسلام… متكدبش عليا!
إسلام مسك إيدها أكتر، عينه مليانة دموع بس صوته ثابت بالعافية:
– كريم لسه عايش… هو في العمليات دلوقتي حالته صعبة… بس هيعدي منها متخافيش...
حنين حطت إيدها على وشها وانهارت في البكاء، صوتها بيتهز، محمد شاف دموعها فابتدى يعيط أكتر، مد إيديه الصغيرتين ناحية أمه وهو بيرتعش
إسلام بسرعة حط الطفل جنبها على السرير، حنين ضمّته لحضنها وهي بتبكي بحرقة
إسلام غمض عينه وهو يهمس لنفسه:
– "استحمل يا كريم… كلنا مستنيينك
الليل عدي بكل ما في...
تاني يوم الصبح… الشمس خافتة داخل من شبابيك المستشفى، ومعاها إحساس بالتعب اللي ما خلّاش حد فيهم يعرف ينام طول الليل
خالد قاعد على الكرسي، عينه محمرة من السهر، محمد نايم في حضنه متكوّر زي الكتكوت حنين على السرير في أوضة جنب أوضة كريم، مش قادرة تهدى، كل شوية تبص على الباب كأنها مستنية خبر يطمنها
إسلام واقف في الممر، ضهره للحائط، ساكت بشكل يثير القلق عينه مركّزة في الأرض، وكأنه غرقان في أفكار تقيلة
بعد ساعة تقريبًا… الدكتور خرج من أوضة الانعاش، الكل جري عليه
الدكتور بنبرة هادية:
– هو بدأ يفوق من البنج… حالته مستقرة لحد دلوقتي، بس لسه ضعيف جدًا محتاج راحة تامة وما يتعصبش أو يتوتر
حنين دموعها نزلت وهي سامعه صوت الدكتور اتنفست براحة :
– لحمد لله… الحمد لله يا رب
خالد دخل ليها بابتسامة مطمئنة:
– شايفه؟ كريم راجل قوي… هيعدي منها
لكن إسلام… ملامحه ما كانتش بتقول إنه مبسوط زيهم هو اكتفى بإيماءة صغيرة من غير ما يتكلم
عينه راحت ناحية أوضة كريم، نظرة فيها غموض… زي اللي بيفكر في حاجة محدش يعرفها
خالد لاحظ سكوته، خرج و قرب منه:
– إيه يا إسلام؟ مش مبسوط إن العملية عدّت؟
إسلام بص له ببرود وهو يسيب الجدار ويمشي خطوتين بعيد:
– أنا مبسوط لأختي وابنها… بس لسه الموضوع مخلص لحد هنا
خالد قطب حواجبه:
– "تقصد إيه؟
إسلام رد بنبرة غامضة وهو يبص ناحية أوضة كريم:
– "قصدي… إن لسه في حاجات لازم تتعمل… وأنا اللي هعملها، حتى لو محدش وافق
سابه ومشي في الممر، خطواته تقيلة بس وراها إصرار في دماغه، مشهد واحد مسيطر… مش بس إنقاذ أخته، لكن كمان خطة أكبر هو ناوي ينفذها، والكل هيفاجأ بيها
&&&....
بعد مرور أسبوع… البيت هادي، كريم قاعد على الكنبة، جسمه لسه ضعيف بس ابتسامته الصغيرة واضحة وهو شايف حنين مش بتسيبه لحظة، قاعدة جنبه، تسنده في كل حركة
هو مد إيده ويمسك إيدها:
– أنا مش عارف من غيرك كنت عملت إيه… إنتي روحي يا حنين
حنين دموعها نزلت وهي تبتسم له:
– وأنا عمري ما هسيبك يا كريم… مهما حصل
اللحظة اتقطعت فجأة بصوت باب بيتهم بيتفتح بعنف حنين اتفاجئت، وكريم بص بعينه ناحية الباب، قلبه اتقبض… من دخول إسلام كده....
كان شكله مختلف… ملامح حادة، خطواته تقيلة، عيناه بتلمع بغضب مكبوت
كريم حاول يقوم لكنه اتألم:
– إسلام… خير؟
إسلام بص له ببرود:
– خير؟ أنت لسه عندك وش تقول كلمة زي دي؟
حنين اتوترت، قامت بسرعة:
– إسلام، بالله عليك… ما تبدأش مشاكل دلوقتي كريم لسه تعبان
إسلام رفع إيده يسكتها:
– مشاكل؟ لا… دي مش مشاكل دي حياة أو موت أنا استنيت لحد ما يخف… عشان أخلص الموضوع ده"
كريم بعصبية رغم ضعفه:
– موضوع إيه؟
إسلام قرب منهم، صوته عالي:
– الموضوع إنك مش هتكمل مع أختي… مش هسمحلك! إنت اتجوزتها غصب عشان غلطتك… وجبت منها ولد… بس إنت السبب إنها كانت هتموت، السبب إنها اتخطفِت السبب إن حياتها بقت كلها دموع وخطر!"
حنين بصوت متقطع، دموعها نازلة:
– إسلام! كفاية… هو مش ذنبه لوحده… أنا كمان اخترته، أنا بحبه
إسلام مسكها من دراعها يشدها بعيد:
– انتي صغيرة ومش فاهمة حاجة! الحب مش أكل عيش الحب مش يجيبلك رصاص وخطف وموت! أنا أخوكي… ومش هسيبك تضيع حياتك في إيده
كريم حاول يقوم، صوته مبحوح:
– إسلام… بلاش تعمل كده… أنا بحبها، وهي بتحبني وقدرنا نتخطي الي حصل وهبدا نعيش مع بعض عادي
إسلام التفت له بحدة:
– حب إيه؟ أنت حتى مش قادر تقف على رجلك! إنت اللي جبتلها كل الوجع ده خلاص… من النهارده مش هتشوفها
حنين صرخت وهي بتحاول تفلت من إيده
– مش هسيب كريم! مش هبعد عنه!
إسلام شدها أكتر، صوته حاد:
– هتبعدي… فترة لو بعد كده لقيتي نفسك عاوزاه… وقتها مش هقف قصادك بس دلوقتي… هتعيشي بعيد عنه، وتفكري كويس عشان اللي بينكم ده… مش حب، دي فوضى وتعلق.اايةالفرجاني.
كريم بيحاول يقف لكنه بيقع تاني على الكنبة، صوته مبحوح وهو يمد إيده ناحية حنين:
– حنين… متروحيش… بالله عليكي متسيبنيش
حنين منهارة، عيونها كلها دموع:
– كريم…
بس إسلام شدها من دراعها وخرج بيها من البيت، الباب اتقفل وراه بعنف… وصوت بكاء حنين بيختفي تدريجيًا مع خطواتهم
كريم قعد وحيد، إيده ممدودة في الفراغ، دموعه نازلة بصمت… وهو مش قادر يتحرك
&&__
بعد يومين من الحبس اللي عامله إسلام لحنين، وهي مش قادرة تخرج من الفيلا ولا حتى تكلم كريم… الباب بيتفتح فجأة، وإسلام داخل، وشه متجمد، في إيده ظرف بني ايه الفرجاني
حنين قامت بسرعة من على الكنبة، عينيها مليانة قلق:
– في إيه يا إسلام؟
إسلام رمى الظرف على الترابيزة قدامها، قعد بهدوء بس نظرته تقطع:
– افتحيه
حنين مدّت إيدها بخوف، طلعت جواز سفرها… ومعاه تأشيرة جديدة عينيها اتسعت:
– دي… دي تأشيرة سفر؟!… المانيا؟!
إسلام بص لها مباشرة:
– أيوة… هتسافري تكملِي تعليمك هناك تعيشي حياتك بعيد عن دوامة كريم وتبدأي من جديد وتشوفي نفسك انت عاوزه اي بجد
حنين وقفت مصدومة، دموعها نزلت:
– إنت بتقرر عني!… أنا مش عايزة أسافر! أنا عايزة أعيش مع جوزي وابني… إنت عارف إني بحبه
إسلام صوته اتغير، فيه وجع وغضب مكتوم:
– حب إيه يا حنين؟! حبه رجّعك تاني تعيشي في خوف… في وجع… في دم! ده مش حب… ده سجن وأنا مش هسيبك تضيعي بالطريقه دي
حنين قربتله، صوتها بيتقطع:
– إسلام… بالله عليك… متحرمنيش منه كريم عمره ما أذاني… هو ضحّى بنفسه عشاني! هو اتحط في النص غصب عنه
إسلام شد نفسه للخلف، صوته قاسي:
– لو بتحبيه زي ما بتقولي… يبقى تفكري في نفسك وفي مستقبلك تسافري… تدرسي… تكبري ولو لسه عايزة ترجعي له بعد ما تعقلي وتفهمي الحياة… وقتها محدش هيقف قصادك بس دلوقتي… هتسافري. وإلا… انسَيني للأبد
حنين انهارت، قعدت على الأرض تبكي، دموعها مش بتقف:
– إزاي أعيش من غيره؟… إزاي؟
إسلام بص لها بحدة:
– هتعيشي عشان ابنك هو هيفضل معاكي كريم مش هيسحبه منك لكن هو مش مستقبلك دلوقتي"
بعد لحظة صمت طويلة، بكاء مرير، حنين رفعت عينيها المبلولة، صوتها واطي:
– موافقه… هسافر عشان انا فعلا محتاجه اخد وقت لنفسي شويه احاول انسى الي حصل
إسلام نفسُه اتقطع، بس أخفى تعبيره وقال بجمود:
– جهزي نفسك… طيارتك الصبح
&___
كانت واقفه في المطار، سلم الطيارة قدامها، ماسكة ابنها على دراعها، وجهها شاحب، دموعها متجمدة في عينيها
بصت حواليها في المطار كأنها مستنية كريم ييجي فجأة ويوقفها… بس مفيش
اخدت نفس طويل، طلعت أول خطوة على السلم… وبصوت داخلي مكسور
– سامحني يا كريم...
الطيارة بتقفل أبوابها وبتطير ببطء
فصل طويل عاوزه اراء وتعليقات كتير عليه .....
الفراق مش دايم… ربنا بيجعل من كل غياب امتحان لصبرنا، وكل صبر بيكتب لينا بيه أجر، ويمكن يكون سبب في لقاء أجمل وأبقى....
↚
بعد مرور خمس سنوات...
اصوات ضحك ماليه البيت، وهي بتجري ورا محمد اللي كبر وبقى عنده خمس سنين
محمد بيجري برجليه الصغيرة ويضحك بصوت عالي:
– مش هتلحقيني يا مامي!
حنين بتضحك وهي بتجري وراه:
وقف يا شقي… إنت فاكر نفسك سريع كده انا نفسي اتقطع وتعبت
فجأة اختفى من قدامها
حنين بدأت تبص يمين وشمال:
محمد! انت رحت فين؟
فضلت تلف في الصالة لحد ما لمحت رجليه الصغيرة تحت السفرة
انحنت وبصت… لقته قاعد ماسك علبة كريم وبيحط على شعره ودماغه وهو مبتسم
حنين فتحت عينيها بصدمة:
ي مصبتي!؟ إنت بتعمل إيه يا حبيبي؟!
محمد رد ببراءة ولسانه متلخبط:
بحط كيم زي كيم… حلو يامامي ثح!
حنين وقفت لحظة مش مصدقة، وبعدين انفجرت ضحك وهي شايفة وشه كله أبيض
يا نهارك أبيض! شكلك عامل زي العفريت… أبوك لو شافك هيعمل مننا كفتة
مدت إيدها خرجته وهيا بتمسح وشه، وهو بيتحرك بعيد عنها بضحك
= يحبيبي اقف بقى هيدخل عيونك و...
مكملتش الجمله
فجأة… كريم خرج من الاؤضه لابس بنطلون وماسك فرشه شعر في ايده
حنين… متعرفيش الكريم اللي جبته امبارح في؟
مكملش الجمله وعينه وقعت على الى قاعد شكله ابيض قدامه
وقف مكانه مصدوم… والعلبة فاضية تقريبًا
كريم بص للعلبة ثم لحنين بدهشة وغضب مكبوت:
نهار أُمك مش فايت… إنت جبته منين؟!
حنين اتجمدت مكانها، مش عارفة ترد
كريم قرب بسرعة، صوته علي:
محمد! تعالى هنا! هات الى معاك ده
محمد بسرعة اتخبى ورا حنين وهو بيترعش، صوته واطي:
مامي… خبيني، بابي هيزعقلي!
كريم حط إيده على وسطه وبص لحنين بعيون مشدودة، بين الغضب والضحك اللي بيكتمه
اتقدم خطوتين، صوته علي:
تعالى هنا إنت فاكر الكريم ده لعبة؟ ده غالي يا حبيبي،دا مش لبن بودرة!
محمد طل من ورا حنين ولسانه متلخبط:
أصل أنا عاوز شعييي يبقي طويل زيك
كريم مسك العلبة الفاضية، ضربها بخفة على إيده:
شوف… خلصتها كلها في قعدة واحدة! أنا بستخدمها شهر كامل اعمل فيك اي دلوقتي
حنين كانت بتحاول تكتم ضحكتها، بس صوتها خرج وهي تقول:
عادي يا كريم سيبه، ده عيل… وبعدين هو كان عايز يقلدك
كريم اتنفس بعصبية، قرب منه وهو مبرق:
بص يا محمد… آخر مرة تلمس حاجة من غير ما تقول لمامتك، فاهم؟
محمد ضحك فجأة وقرب ومسح باقي الكريم اللي في إيده على بنطلون كريم:
كيم… بابي كيم! يحته حلوه
كريم اتشنج، فتح عينيه بدهشة:
إييييه؟! الى انت هببته ده اعمل في امك اي
حنين انفجرت ضحك، وقعدت على الكنبه وهيا ماسكه بطنها
محمد جري بعيد وهو يضحك اية الفرجاني
اماكريم ففضل واقف في نص الصالة، بنطلونه كله كريم، بيبص لحنين بغيظ:
حنين… الولد ده نسخة منك، عايز رباية من أول وجديد
= قصدك اي ي حبيبي لا ، دا نسخة مصغرة منك… الشقاوة دي منك إنت مش مني انا وبعدين ده حمو عسل
حط إيده على راسه ويقول بغضب ساخر:
اللهم طولك يا روح… أنا في بيت فيه اتنين مجانين!
قعد جنبها بهدوء وهو بيبص على العلبه الفضيه في ايده وبنطلونه بخيبه امل
وحنين فردت ضهرها علي الكنبه وايدها علي بطنها المنتفخه و إيد على ظهرها من التعب
فجأة محمد جية جري رمي نفسه في حضنها،بص على بطنها بفضول وقال:
مامي… هو النونو هيجي امتى؟ عشان نحط كيم سوا… أنا هعلمه كل حاجة!
حنين ضحكت بوجع وبصتله بحنية، وكريم قال بغيظ:
مش كفاية واحد مطلع عيني… هتزودولي واحد كمان؟! أنا مش ناقص اتنين يتفقوا عليا
اية الفرجاني
=يا ابني، إنت ومحمد شبه الضراير ليه دا ابنك مش عارفه بتتعامل معاه كده ليه بجد
محمد غمز لحنين واشار لها توطي، ولما نزلت لمستواه قال بصوت مسموع لكريم:
مامي… ما نفتح بطنك ونطلع النونو نلعب معاه… وبعدين نرجعه تاني!
حنين شهقت:
إيه اللي بتقوله ده يا محمد؟!
كريم انتفض، صوته عالي:
ولااا! ابعد عن البت ياض… يا أنا أخلص منك دلوقتي! أنا مش ناقص جنانك! سيب البت تتولد بهدوء يمكن هيا الي تطلع منكم
محمد اتجاهله تمامًا وبص لحنين بعيونه البريئة:
مامي… هو إنت هتحبيني أنا والنونو زي بعض… ثح؟
حنين بحنية:
أيوه يا حبيبي… هحبكم الاتنين زي بعض
محمد كشر وزعلان:
لا… إنتي هتحبيه أكتر مني… بابي قال كده!
حنين طبعت قبله على خده:
لأ يا روحي… بابي بيهزر معاك، هو بيحبك
محمد نفخ:
لأ… هو مش بيحبني بيزعقلي
حنين طبعت قبله في الخد التاني:
لا بيهزر هو بيحبك، خلاص كده بقي ؟
محمد رد بزعل:
لأ انا زحلان ي مامى
حنين طبعت قبله على عيونه الاتنين:
طب وكده؟ لسه زعلان برضوا
محمد يهز راسه:
اه محمد زعلان حنين مش بتحبه ولا كيم بيحبه هما بيحبو النونو وبس
حنين ابتسمت ولسه هتقرب من بقه:
انا عرفت انت بتتدلع صح تعالى طب أهو كده بقى—
فجأة اتسحب من مكانه، وهو متشال من ياقة التيشيرت ومتعلق في الهوا!
كريم واقف مبرق، رافعه لفوق بغيظ وهو يقول:
تعالى هنا … إنت فاكر نفسك اي تتباس كده من كل ناحية مفيش احترام ليا خالص
محمد رفس برجليه في الهوا ويصرخ وهو بيضحك:
ي ماميييي… بابي مش بيحبني!
كريم بغضب ساخر:
أهو دلوقتي هتشوف الحب عملي! ي روح مامي
حنين قاعدة ماسكة بطنها من كتر الضحك:
كريم… سيبه ينزل يا أخي، دا عيل!
كريم برق فيها:
عيل؟! ده طلعلي قرون يا حنين… أنا والواد ده هنتحاسب قريب قوي!
فجأة الباب اتفتح بعنف…
إسلام داخل البيت، صوته عالي:
– إيه الهبل اللي بيحصل هنا؟! انت رافع الولد كده ليه سيبه
كريم كان لسه شايل محمد من ياقة التيشيرت ورافعه لفوق، وحنين قاعدة عالكنبة ماسكة بطنها من كتر الضحك
محمد أول ما شاف إسلام، عينه نورت، صرخ بفرحة:
– خالووو!
وفجأة نزل من إيد كريم اللي سابه غصب عنه، ورمى نفسه في حضن إسلام بسرعة
مسك إيده وتعلق بيه كأنه لقى الحماية:
–وحشتني ي خالوا بابي بيضربني… إلحقني يا خالو!
إسلام شال محمد بإيده وفضل ماسكه، وبص لكريم بحدة:
– إنت مش هتعقل بقى؟! الواد لسه صغير !
كريم رفع حاجبه بغيظ:
– صغير إيه؟ ده بيطلعلي قرون وانا واقف … أنا مش ناقص جنان بس هقول اي تربيتك
محمد مسك رقبة إسلام وهو متعلق بيه، وبص بخوف لحنين:
–مامي… بابي وحش! أنا هروح مع خالو
إسلام حك راس محمد بحنية وقال وهو باصص لكريم:
– شايف؟ العيل نفسه مش طايقك
كريم بزمجرة:
كله بسببك لو سبتني اربيه بطرقتي كان هيسمع الكلام...بس شكلك موصيه انت تمشي وهو يقعد مكانك بتعملوا عليا مناوبه...
اسلام قرب من حنين وحضنها من كتفها بهدوء متجاهل كريم وهو لسه شايل محمد:
عامله اي ي حببتي دلوقتي..شكلك تعبانه
حنين بحب:
لا انا بخير الحمدلله انت شكلك تعبان روح ارتاح ونزل الشقي ده مطلع عيني من الصبح بص عامل في شعره اي
اسلام ابتسم ولسه هيتكلم:
محمد شد وشه ناحية وقال بضحكة صغيرة:
– أنا وحشتك يا خالو صح ؟
إسلام باسه من راسه:
– قد الدنيا يا بطل… إنت مكاني في غيابي، مش كده؟
محمد هز راسه ببراءة:
– آه، أنا بخلي بالي من مامي! مش بزعلها خالص.
كريم كان واقف، إيده متشنجة على ضهر الكنبة، عيونه مثبتة في إسلام اللي واقف قدامه بدور الحامي
حنين بصت يمين وشمال بين الاتنين من غير ما تنطق، عارفه انو بعد كل الى حصل لسه العلاقه بينهم شبه القط والفار اتنهدت بهدوء
إسلام نزل محمد على الأرض، وبص لكريم نظرة فيها تحدي صامت وقال:
– أنا هطلع أرتاح شوية…
مسك إيد محمد وقال له:
– بص ي بطلي انا هطلع انام وانت تقعد ساكت اوك مش عاوز صوت لحد ما اقوم وبعدين نقعد مع بعض نتكلم بقى ماشي
محمد جري عليه وباسه من خده:
– اوك ، تصبح علي خير يا خالو
اسلام باسمه من خده ومشى
بعد ما إسلام طلع فوق، محمد جري يلعب في الجنينة، حنين مسكت إيد كريم وسحبته يقعد جنبها على الكنبة
قعد مكشر، صدره طالع نازل من الغضب
حنين لمست إيده بهدوء وقالت:
– إنت ليه متعصب كده؟
كريم رفع حاجبه بضيق:
– إنتي مش شايفة؟ الواد طالع لخاله … وهو واقف بيتفرج ومبسوط أنا بقى إيه؟ كومبارس في حياتكم؟
حنين ابتسمت بخفة، هزت راسها وقالت:
– كريم… بلاش تكبر الموضوع إسلام بيحب يدايقك… عشان يشوف رد فعلك مش أكتر هو كده من زمان، عارف إنك بتنفعل بسرعة
كريم بص لها بعصبية مكبوتة:
– والواد؟ الواد بيقلد خاله في كل حاجة! بيسمع كلامه أكتر مني
حنين قربت أكتر ولمست كتفه:
– لأن إسلام غالي عليه… هو اللي لعب معاه من وهو صغير، وكان بيحس بعوضه عنك لما كنت تعبان أو مشغول بس ده ما يمنعش إنك في عينه… باباه اللي بيحبه
كريم نفخ وأشاح بوشه بعيد:
– حب إيه… ده الواد أول ما يزعل يروح جري لحضنه وأنا؟ كل ما أفتح بقي ألاقي نفسي الشرير في الحكاية
حنين ابتسمت بحنية ورفعت وشه بإيدها:
– كريم… اللي بيحصل ده بدافع حب… غيره بينكم على بعض إسلام بيحبني، وبيغير عليا منك من غير ما يحس، وبيعتبر نفسه لسه مسؤول عني ومحمد بيحبك… وبيغير منك عليا كل ده حب متلخبط، مش عداوة زي ما إنت فاكر
كريم سكت لحظة، عينيه بتلمع بمشاعر متناقضة
سألها:
– يعني إنتي شايفة إن أنا غلطان؟
حنين ضحكت بخفة:
– أنا شايفة إنكوا الاتنين عنادكم بيولع البيت من غير لازمه... صدقني… لو نزلت الغيرة دي من قلبك هتشوف قد إيه هما بيحبوك
كريم حط راسه ورا وضحك ضحكة قصيرة فيها سخرية:
– حب إيه يا بنتي…دا أنا طالع عيني بينكوا
حنين قربت منه أكتر، حطت راسها على كتفه وقالت بهدوء:
– طالع عينك عشان إحنا محتاجينك… مش عشان مش بنحبك إنت مركز القصة يا كريم… بس إنت اللي مش واخد بالك
كريم فضل ساكت، إيده شدت على إيدها من غير ما يحس، والغضب اللي كان مالي عينيه ابتدى يلين
كريم بحب ضمها ليه اكتر وقال:
مش عارف لو مكنتش لاحقت يومها كان اي الي هيحصل....بصتله وافتكرت يوم ما كانت هتسيبه وتمشى
..*****
كانت قاعدة في الطيارة،حضنة محمد وهو نايم على صدرها دموعها نازلة من غير توقف، عينيها حمرا، ومش سامعة أي صوت حواليها
المضيفة بتتكلم عن تعليمات السلامة، وهي كأنها في عالم تاني… عالم كله وجع
فجأة، حسّت بحد بيقرب منها
راجل قاعد جنبها مد إيده بابتسامة هادية وقال:
– هاتيهولي أشيله عنك شوية
حنين بسرعة هزت راسها، صوتها مبحوح من كتر البكاء:
– لأ… شكراً لحضرتك
مدت إيدها تمسح دموعها… ولما رفعت عينيها تبصله بوضوح، اتجمدت
شهقت، قلبها وقف لحظة:
– ك… كريم؟!
كريم كان قاعد جنبها، شكله تعبان، ملامحه مرهقة، بشرته شاحبة بس عينيه… عينيه مليانة دفء، وعلى شفايفه ابتسامة غريبة، خليط بين الوجع والفرحة:
– أنااكيد … مكنتش هسيبك تمشي لوحدك أبدًا يعني
حنين اتنفضت بفرحه، حضنت محمد أكتر وهي مش مصدقة:
– إزاي؟! إزاي جيت؟ أنت لسه تعبان… المفروض في تكون في السرير!اية الفرجاني
كريم مد إيده، لمس أصابعها المرتعشة بحنان وقال:
– يمكن جسمي لسه ضعيف… بس قلبي أقوى لما يكون معاكي خلي أخوكي يعمل اللي هو عاوزه… بس أنا مش هتخلى عنكم
دموعها زادت أكتر، وشها بين الخوف والحب، وصوتها واطي بيرتعش:
– طب… طب لو إسلام عرف؟! مش بعيد يقتلك يا كريم
كريم ابتسم ابتسامة باهتة، عينيه ثابتة عليها:
– يبقى يموتني… بس أموت وأنا جنب مراتي وابني، مش بعيد عنكم
دموع حنين غلبتها، سكتت وماعرفتش ترد
راسها وقعت على كتفه بهدوء، وكريم رفع محمد من حضنها، باس راسه بحنان وهو يهمس:
– إحنا مع بعض… وده كفاية
........
رجعت من الذكرى، عينيها مغرقة دموع وهي تبص له
ابتسمت وقالت بصوت مبحوح:
– عمرها ما هتتنسي
كريم شدها أقرب، وبص لها بنظرة كلها حب وصبر:
– وعمرنا ما هنسيب بعض
سكت لحظة، وعينيه سرحت بعيد… كأنه رجع لورا بالزمن
لليوم اللي اتاخدت فيه حنين غصب عنه…
كان قاعد على الكرسي، تعبه باين على ملامحه، نفسه قصير، وعينيه مفيهاش غير قلق
قال لهدي الي كانت واقفه بتابع الامر بقلق
وصوته خرج مبحوح:
– هدي… روحي شوفي حنين طمنيني عليها اكيد اسلام مش هيسبها ترجع تاني
هدي بقلق:
بس انت تعبان هسيبك ازاي
=متقلقيش عليا،بس انا واثق انو اسلام هيعمل حاجه عاوزك تراقبيه اي حاجه يعملها تبلغيني بيها لحد ما اشوف هنعمل اي
هدي دمعت وهي تهز راسها:
– حاضر يا ابني… هروح أشوفها بعنيا ربنا يستر
بعد ساعات هدي رجعت
خطواتها كانت بطيئة، لكن وشها كان باين عليه القلق
كريم أول ما لمحها، وقف بالعافية وسند إيده على الحيط
قرب منها بصوت مخنوق:
– ها… قوليلـي في اي
هدي بصت له، قلبها بيتقطع عليه وعلى حنين في نفس الوقت:
– شوفت إسلام يا كريم… كان بيتكلم في التليفون وانا خارجه كان بيحجز لحنين تذكرة طيارة… ل ألمانيا
كريم اتجمد مكانه، إيده نزلت ببطء، عينه بتلمع بغضب:
– ألمانيا؟! ازاي يعني هيسيبها تمشي لوحدها؟! عاوزه يسفرها عشان يبعدها عني
هدي قربت منه، إيدها على دراعه كأنها بتحاول تهديه:
– ما قدرتش أقرب منهم أكتر… بس سمعت الاسم بوضوح كان ألمانيا، حتي انو حنين تقريبا متعرفش
كريم اتنفس بصعوبة، وقعد على الكرسي وهو ماسك راسه:
– يبقى لازم أعرف هتروح فين بالظبط... مش هسبها مش بعد دا كله هنتفرق....
في نفس الليلة، رغم مرضه وتعبه، راح المصنع اللي محبوس فيه معتز واللهام ومي
الحراس بصوا له باستغراب، وشه كان باين عليه المرض لكن عينيه كلها إصرار
دخل عليهم، وقف قدامهم والجو كله توتر
صوته كان واطي، بس فيه قوة:
– هسألكم شوية أسئلة… لو جاوبتوا، هتخرجوا من هنا وهنسى كل حاجه عملتوها
معتز حاول يبان قوي:
– وإحنا لو رفضنا؟
كريم أشار للحراس، والحديد اتخبط في بعض بصرخة مرعبة
ابتسامة باردة طلعت من على وشه:
– جرّبوا…
اللهام بسرعه قالت:
قول اي حاجه هنجاوب عليها بس خرجنا من هنا
كريم قعد علي الكرسي سكت لحظه وقال:
– حنين وإسلام… ليهم قرايب في ألمانيا؟
اللهام عضت شفايفها، وهي باصّة للأرض مي بصتلها بخوف كأنها بتقول: اتكلمي
لكن كريم صوته علي فجأة:
– هتردى ولا أسيب الحراس يتصرفوا؟
اللهام اتلخبطت، بصت لمعتز، وبعدين بسرعة قالت:
– حنين… ليها خوال في ألمانيا قاعدين هناك من زمان
كريم رفع راسه بسرعة ومد ورقه ليها وشاور للحارس يفكها وقال:
– أسماء… عناوين دلوقتي
اللهام فضلت لحظة مترددة، بس أول ما شافت عينه، مدّت إيدها وكتبت على الورقه
قدّمتها له من بعيد، كأنها خايفة تلمسه
=دا الي فكراه مش عارفه هما غيروا العنوان او لا
أخد الورقة، قراها كويس، بعدين بص لهم ببرود:
– كفاية سيبوهم
مشي خطوه وبصلهم بتحزير
– اخر مرة اشوفكم في حياتي او في حياة حنين المرة الجاية هخلص عليكم فاهمين
الحراس فتحوا الباب وسبوهم يخرجوا وكريم ركب عربيته ومشي....
الورقة في إيده، قلبه بيدق بسرعة
صوته طلع مبحوح، لكنه مليان إصرار:
– مش هسيبها تمشي لوحدها… انا عارف انا هعمل اي كويس
↚
في المطار في صالة الوصول كان واقف اتنين راجل وست عينهم بتدور في وجوه النازلين من متن الطائره...
كانت عيونهم بتدور علي حنين
بعد دقايق ظهرت… حنين ماشية بشنطة صغيرة وشها ظاهر عليه التعب و شاحب، حضنة محمد اللي نايم على كتفها
خالها جرى عليها بفرحه هو والي معاه بس
أول ما قربوا منها… اتجمدوا
عينيهم وسعت لما شافوا إن في راجل ماشي جنبها…
كان ماسك شنطة بإيده التانية، ووشه باين عليه التعب
خالها بصلها وقال باستغراب:
– حنين حمدالله علي سلامتك وحشاني
حضنها بحب وهيا ابتسمت وبعدين بعد عنها وبص لكريم وقال
دا مين؟
حنين وقفت متوترة، شفايفها بتترعش ومش لاقية كلام تقوله
لكن كريم سبقها، رفع حاجبه بابتسامة هادية وهو بيمد ايده ليه:
– أنا كريم… جوزها
مرات خالها قالت بصدمة بعد ما سلمت علي حنين:
– جوزها؟! بس ازاى … إسلام قال…
كريم قطع كلامها بثبات:
– في سوء تفاهم حصل… اكيد اسلام قال اننا انفصلنا او كده بس الحقيقه انو محدش طلق إحنا مع بعض… وجايين نقضي شوية وقت هنا ونمشي تاني يعني مجرد فترة راحه نهدى فيها مش اكتر
محمد اتحرك فجأة في حضن حنين وابتدى يعيط
حنين اتلخبطت، حاولت تهديه وهي مش عارفة تركز مع الكلام
كريم بسرعة مد إيده وخده منها بهدوء، يهزه برفق كأنه متعود
واول ما كريم شاله
محمد سكت، وصوته اتحول لهديل صغير وهو متعلق في قميص كريم
المنظر كله كسر حدة اللحظة…اية الفرجاني
خلى الي واقفين بصوا لبعض، ملامحهم لانت غصب عنهم لفرح بالمشهد
الخال تنحنح، صوته نزل:
– طيب… نمشي وفي البيت نتكلم
كريم هز راسه بهدوء، حط إيده على ظهر حنين يطمنها ومشي معاهم
في نفس الوقت عند إسلام
كان قاعد على الكنبة، قلقان بيستنى خبر وصول حنين
الموبايل رن، رقم من ألمانيا
فتح بسرعة:
– ألو؟ وصلت؟
صوت الخال:
– آه… وصلت. بس… مش لوحدها
إسلام شد نفسه فجأة:
– مش لوحدها؟! يعني إيه؟!
الخال اتردد لحظة وبعدين قال:
– جوزها معاها… كريم
إسلام صرخ:
– إيه؟! إزاي سمحتوا بكده؟! أنا مأمنكم تاخدوا بالكم منها مش…ازاي وصل عندكم وعرف منين
صوته كان بيعلى وبيعلى، عينيه مولعة
لكن خالد كان قاعد جنبه مسك كتفه بقوة:
– اهدَى يا إسلام!
إسلام بغضب:
– إزاي يسيبوها معاه؟! ده وصلها وعرف هيا رايحه فين استقليت بيه وقولت تعبان مش هيقدر يعمل حاجه بس طلع ثعبان وعرف وسافر معاها كمان ودلوقتي بعد فتره هيرجعوا مع بعض تاني وابقي معملتش اي حاجه …!
خالد قرب منه، صوته هادي وحكيم:
– إسلام… ممكن تسمعني اللي بينك وبين كريم كله قديم في الآخر… هو جوزها، وأبو ابنها مش طبيعي يسيبها تمشي لوحدها بالبيبي هو ضحّى بحياته عشانها قبل كده… لو فاكر؟ ومش عشان اتجوزوا من وراك يبقي تدمر حياتهم فكر بالعقل...
إسلام إيده شدت في شعره وهو يتنفس بسرعة
خالد كمل:
– اللي حصل خلاص… بقى ماضي دلوقتي عندهم طفل محتاج أب وأم مع بعض لو بتحب أختك… سيبهم يعيشوا حياتهم ده حقهم وانت مش من حقك تمنعهم حياتهم هما حرين فيها اختك مش طفله وعارفه تختار كويس بلاش تفضل دور المقرر عنها كتير انا عارف انك بتلوم نفسك علي الى حصلها لكن مش عشان تصلح حاجه تدمر حياة طفل قبلهم
إسلام سكت… عينيه محمرة، قلبه بيغلي، بس الكلام رسخ جواه
مسح وشه بإيده بقهر، وصوته طلع واطي:
– "أنا… أنا مش قادر ابعدهم وانا عارف انو غلط … بس مش قادر أسامحه
خالد شد كتفه بحنان:
– متسامحوش دلوقتي… يكفي إنك تسيبهم يعيشوا والباقي الزمن هيعمله
إسلام غمض عينيه، تنهيدة تقيلة خرجت منه… كأنه استسلم
خالد ابتسم وقال:
عشان حتي تكون خال كويس
اسلام ابتسم رغم عنه وقال:
هحاول ان شاءالله
&&&&&---_______
الأيام الأولى في المانيا كانت كلها ارتباك
خيلان حنين في الأول كانوا بيبصوا لحنين وكريم بشك… كل واحد فيهم بيسأل نفسه:
هو فعلاً جوزها؟ ولا كلام عشان يغطوا على حاجة؟
لكن مع الوقت… الصور ابتدت تتضح
حنين كانت أغلب الوقت مع محمد
اما كريم، رغم إنه لسه ضعيف من مرضه، كان بيقوم من غير ما تطلب … يشيله عنها، يهزه على دراعه، ويهمسله بكلمات بسيطة تخليه يسكت
المشهد ده كسر حاجز كبير عند خوالها
خلى مرات خالها قالت بين نفسها:
– اللي بيعمله ده… مش تمثيل ده أب بحق امال ليه اسلام قال انو مستهتر ومش بتاع مسؤليه
كريم نفسه…
كل يوم صحته تتحسّن أكتر
الدوخة اللي كانت بتيجي له راحت تدريجيًا
الألم اللي كان مكسّر جسمه، بدأ يخف
بقوا يشوفوه بيتمشى في حديقة البيت مع محمد على كتفه، أو قاعد يقرأ جريدة بصوت مسموع كأنه بيحكي حكاية للبيبي
الخالات لاحظوا… وابتدوا يقتنعوا
واحدة فيهم قالت للتانية وهي بتبص من الشباك:
– شكلهم… أسرة بجد مش عايزة أقولها، بس… يمكن إسلام ظلمهم
في يوم جمعة، بعد ما اتغدوا كلهم على ترابيزة كبيرة، كريم رفع كباية عصير وقال بهدوء:
– أنا عارف إن وجودي هنا كان مفاجأة… ويمكن عامل قلق بس إحنا مش جايين نعمل مشاكل إحنا جايين نعيش كام يوم… كأنهم شهر عسل اتأجل كتير وبعدين هنرجع....
الجملة وقعت زي البلسم على الجميع الى شافوا فعلا انو كريم انسان كويس ويستحق حنين بعد ما شافوا معاملته معاها وقد اي واضح انو بيحبها ومتعلق بيها ودا الي كان كريم بيحاول يظهيره للجميع.....
الخالات اتنفسوا الصعداء
حتى الخال الكبير، اللي كان أشد واحد فيهم، اكتفى بهزة راس وقال:
– المهم إنكم بخير… ومحمد في حضن أبوه وأمه
ودا الي احنا عاوزينه.... لما اسلام قالنا ان حنين اتطلقت عشان جوزها مهمل ومش بيحبها وانها هتجي تعيش هنا فب الاول اتصدمنا.... يعني مكناش نعرف انها اتجوزت عشان تتطلق لكن في النهاية وجبنا نقف جنبها بس بعد ما شفتك... اقدر اقول انك شخص كويس... وكمان اي اتنين لازم يحصل بينهم مشاكل... بس الاهم نحلها بينا وبلاش ندخل حتي اقرب الناس لينا لانهم بيقوا الهدف يساعدونا بس في الحقيقه بيدمروا حياتنا من غير ما نحس وانا مبسوط انكم مسمعتوش لاسلام وكملتوا
....
كريم ابتسم وبص لحنين الي كانت محرجه من الكلام...
الليل جيه…
حنين كانت قاعدة جنب كريم في الاؤضه الى قاعدين فيها محمد كان نايم في سريره الصغير
التلفزيون شغال على خفيف، بس مفيش حد سامع
كريم حط إيده على إيدها وقال بهدوء:
– شايفة؟ الدنيا هديت… ومفيش حد واقف بينا
حنين اتوترت، قلبها دق بسرعة
رفعت عينيها له، وبصوت واطي ردت:
– لسه الطريق طويل يا كريم
ابتسم، وضغط على صوابعها بحنان:
– بس أهم حاجة… إننا ماشين فيه مع بعض اية الفرجاني
مر شهر بين حب كريم الي بيظره كل يوم لحنين وخروجاتهم الي بيقت يوميه وحبهم الي بدأ يكبر والحاجز بينهم بدأ يتلاشي مع وجود محمد طبعا والي كان دايما سبب انهم يقربوا من بعض بدون ما يحسوا وفي ليله
الجو كان هادي، الليل ساكن مفيش غير من صوت تنفس محمد وهو نايم في سريره
وكريم الى واقف في نص الأوضة، ملامحه باينة عليها الحيرة والتردد… بس قلبه مش قادر يسكت أكتر
بص لحنين، كانت واقفة جنبه، إيدها متشابكة قدامها، ووشها هادى
أخد نفس عميق وابتدى كلامه:
– حنين… أنا لازم اتكلم معاكي يمكن طول الشهر ده حاولت أبين إني طبيعي… بس الحقيقة إني كنت كل يوم بحارب نفسي عشان ما أقولش اني أنا… بحبك بحبك بجد من أول يوم شوفتك فيه لحد دلوقتي
سكت لحظة، كأن الكلمات تقيلة على صدره، وبعدين كمل:
– عارف… عارف إن اللي عملته زمان مش سهل يتغفر عارف إني جرحتك وكسرت قلبك والله لو قضيت عمري كله باعتذر، مش هيكفي… بس أنا عمري ما اعتبرتك أي حاجة غير مراتي مراتي… وأم ابني وحابب نكمل ونستمر مع بعض
حنين ساكتة
عينها نازلة على الأرض، وإيدها بتتحرك بتوتر، بس لسانها مش قادر ينطق
كريم ابتسم ابتسامة باهتة، فيها وجع أكتر من أي حاجة:
– كنت أتمنى… كنت أتمنى إنك ترجعي معايا نرجع بيتنا… نعيش زي أي أسرة بس شكلك… مش عايزة
صوته بدأ يضعف، عينه اغمضت ثواني وهو بيكتم نفسه:
– أنا خلاص… يمكن مكنش عندي حق من البداية بس حبيت أقولك… قبل ما أمشي
كريم سكت، وبص لها باستسلام…
السكوت طول، قلبه بيغرق أكتر، حس إن الأمل اللي كان ماسكه بدأ يسيب إيده
مد إيده على راسه، كأنه بيخفي ارتباكه وقال بصوت مبحوح:
– خلاص… مش هضغط عليكي تاني سامحيني، لو تقدري
اتنفس نفس تقيل، وابتدى يلف عشان يمشي من قدامها
خطواته تقيلة، كأنها بتسحب قلبه بعيد عنها
قبل ما ياخد أول خطوة… وقف فجأة، مش صوته هو، صوتها
– كريم…
اتجمد مكانه، قلبه خبط في صدره لفّ ببطء، عينه مترددة، خايف من الى هيتقال
حنين رفعت وشها له، دموعها مالية عينيها، لكنها بتبتسم ابتسامة صغيرة مرتعشة:
– أنا… أنا كمان بحبك
الكلمة وقعت على ودانه زي حلم وشه اتغير في ثانية، كل التعب اللي جواه اختفى، عينيه بيلمعوا، وصوته مبحوح وهو بيقرب منها:
– إيه؟ قوليها تاني… بالله عليكي
حنين مسكت إيده اللي كان بيرتعش وقالت بهدوء وهي بتبص في عينيه:
– عاوزة أعيش معاك… أكون معاك، ونبتدي من جديد
الدموع غرقت عيون كريم، ضحك بخفة وهو مش مصدق، وبعدين فجأة سحبها لحضنه بقوة، كأنه مش هيقدر يسيبها تاني
– يا رب… يا رب ما يحرمنيش منك
بعد عنها مسح دموعها بإيده وقال:
– من النهارده، مفيش وجع… مفيش خوف إحنا هنعيش زي ما كنا لازم من الأول… أنا وإنتي ومحمد
قرب منها وباس جبينها بحنان، لمسة كلها عهد جديد بينهم
بعد أسابيع – في المطار
الطيارة هبطت في القاهرة، كريم ماسك إيد حنين ومحمد في حضنها وشهم مريح، غير التعب اللي كان في عينيهم من شهور
أول ما خرجوا من صالة الوصول، هواء مصر لفحهم، وكريم ابتسم وقال:
– أهو… رجعنا بس المرة دي… مع بعض ولبعض
حنين ابتسمت وهي تبص له:
– وهنفضل مع بعض
كريم شد إيدها أكتر، وهو عينه فيها قوة وطمأنينة:
– لحد آخر العمر
بعد ساعات قليله كريم وحنين وصلوا البيت ودخلوا بهدوء وابتسامه علي وشهم
الباب اتفتح بهدوء، حنين دخلت وهي شايلة محمد كريم وراها شايل شنط السفر.
البيت ساكن تماما
وفجأة، صوت هادي بس تقيل كسر الصمت:
– أهــلًا برجوعكم
الأنوار اشتغلت،ظهر إسلام قاعد في الصالة، رجل على رجل، ضهره مفرود، وعينيه سابته على الاتنين
حنين شهقت بخوف، فورًا رجعت ووقفت ورا كريم كأنها بتستخبى
كريم نفسه قلبه دق بعنف، بس عضلاته شدت وصوته طلع ثابت رغم التوتر اللي جوه:
– إسلام… إحنا مش جايين نخبّي حاجةزأنا وحنين… مع بعض اظن الموضوع مش محتاج تفسير اكتر من كده ....
إسلام رفع حاجبه، ابتسامة باهتة فيها غضب:
– مع بعض؟!… بعد اللي عملتوه؟ بعد ما سافرت ورها وجبتها وجيت تاني
حنين دموعها قربت تنزل، حاولت تتكلم:
– إسلام… اسمعني بس… انا
إسلام ضرب بكفه على الترابيزة بعنف، الصوت رجّ البيت:
– اسكتـــي!
حنين اتجمدت، وخبت راسها أكتر في ضهر كريم
كريم وقف قدامها، مد دراعه وراها يحميها:
– عاوز تعاقبني؟ عاقبني أنا لكن حنين مش هتتعاقب، خلاص… إحنا اخترنا بعض واظن احنا مش صغيارين
إسلام سكت لحظات، عينيه بتلمع نار، بيبص في وش كريم كأنه بيقيس شجاعته
الجو كان تقيل، وكريم رغم الخوف اللي جواه، عينه ما اهتزتش
وفجأة… إسلام تنهد ببطء، ورمى نفسه ورا على الكنبة:
– عارف يا كريم؟… أنا كان ممكن أنهي الموضوع ده من زمان كان ممكن أخليك تندم إنك اتولدت لكن…
سكت ثواني، وبص لحنين اللي عينيها مليانة خوف:
– "بس هديت وفكرت لقيت إني طول عمري كنت اتمنى ليها الامان والحب صح بغير عليها … وبحاول أتحكم في حياتها وده خلاني أخسرها اكتر من مره
كريم اتفاجئ، ما نطقش
حنين دموعها نزلت من غير ما تاخد بالها
إسلام كمل:
– أنا مش هكون سبب خراب بيتك مش هكون العدو من النهارده… ليكوا فرصة تعيشوا زي ما عاوزين أنا هسيبكم
الجملة وقعت زي الصاعقة
كريم اتجمد مكانه مش مصدق، وحنين دموعها نزلت أكتر وهي تبص له بعدم استيعاب
إسلام وقف، عدّى من جنبهم، وقف عند الباب، وبص لمرة أخيرة:
– حافظ عليها يا كريم… ومتخلنيش أندم إني سبتك
وخرج....
الأيام ابتدت تمشي بهدوء غير متوقع
إسلام رجع الشغل تاني، بس المرة دي كان مختلف
وكأنه سلّم الأمر... كل فترة يعدي يشوف محمد، يلعب معاه ويطمن عليهم ويمشي
حنين كانت بتتفرج عليهم من بعيد، قلبها بيرتاح إنها رجّعت أخوها بطريقة أو بأخرى
أما هي، رجعت تكمل دراستها… مع إن البداية كانت صعبة، لكن وجود كريم في حياتها خلاها أقوى كان بيساندها، يشجعها، وأوقات يراجع معاها كأنه هو اللي طالب
وكريم نفسه… بقى أنجح في شغله رجع أقوى، عارف يوازن بين مسؤوليته تجاه بيته وشغله
لكن جو البيت… كان مختلف
حنين وكريم بقوا عايشين حياة مستقرة، بس عمرهم ما خلوا الروتين يسيطر عليهم
كانت بينهم خناقات صغيرة كوميدية شبه يومية:
– يا كريم! إنت شربت القهوة كلها ومسيبتليش حاجة؟!
– إنتِ كنتي نايمة لحد الضهر، أعمل إيه بالقهوة تبرد؟
أوقات تانية:
حنين تبقى قاعدة تذاكر، تركز جدًا، فجأة كريم يدخل:
=يا حنين، تعالي شوفي محمد انا زهقت
– يا كريم! عندي امتحان بكرة
= امتحان إيه أهم من ابنك
بالليل، بعد ما ينام محمد، يقعدوا يحكوا ويضحكوا على مواقف النهار
كريم يمازحها إنه "مظلوم" في البيت، وهي ترد عليه:
– "مظلوم إيه يا عم! ده أنا اللي مستحملة جنانك
وهو يقرب منها، يمسك إيدها بابتسامة:
– وجنانك… أحلى حاجة في حياتي
↚
بعد سنتين..
حنين واقفة قدام المراية، لابسة لبس الجامعة لأول مرة، شنطتها على ضهرها…
وشها فيه رهبة وفرحة:
– ياااه… أول يوم جامعة اخيرا
محمد الي عنده حوالي سنتين ونص. ....
ماسك طرف هدومها، وشه معبّر عن رفض تام:
– مامااا… لاااا! تروحيشىىىى
قعد على الأرض، وشه بيحمر، ومسك الشنطة بإيديه الصغيرين
حنين قاعدت بتحاول تهديه:
– يا قلب ماما… ده مش غياب، هرجعلك تاني
كريم كان واقف في الصالة لابس بدلة وشكله متوتر، بيبص في ساعته:
– حنين بالله عليكي خلّصي… عندي اجتماع مهم النهاردة
حنين بغيظ:
– يعني أنا أسيب محمد بيعيط كده وأمشي؟!
محمد فجأة صرخ:
– "ااااااااشييش!"
ورمى الشنطة بعيد
كريم مسك راسه:
– يا نهار أبيض… هنروح في داهية!
بعد جدال طويل… اكتشفوا إن مفيش حل غير يسيبوه مع إسلام اللي واخد أجازة وموجود
حنين مترددة:
– إسلام؟! هو آخر مرة اخده رجّعه متبهدل
كريم:
– ما هو مفيش غيره، هدي في اجازه … يلا قبل ما نتأخر
في بيت إسلام بعد ما حنين طلعت خبطت واسلام فتح الباب واتفجأ بيها لسه هيتكلم:
=بالله عليك ي اسلام انهارده اول يوم جامعه وكريم مش فاضي وهدي اجازه خليه معاك
اسلام لسه هيرد
حنين سابت محمد وجريت
اسلام بصله برفعه حاجب ومحمد كان بيبكي خده و
قعد على الكنبة، محمد بقى بيتمرمغ
إسلام بيبص له بزهق:
– إيه في اي ؟ هو أنا خطفتك؟! مامتك هترجع دا اي التدبيسه دي
محمد دموعه نازلة:
– مامااا… مامااا!
إسلام حاول يلهيه، جاب عربية لعبة:
– بص يا بطل… عربية! ڤررروممم!
محمد رمى العربية من البلكونة
إسلام نط واقف:
– إيه دا؟! يا نهار أسود! العربية دي كانت بتاعتي من وأنا صغير!
بعدها جاب له شوكولاتة:
– طب خد دي
محمد مسكها، فتحت في إيده وسيحها على هدوم إسلام كلها
إسلام رفع إيده للسماء:
– يا رب… أنا أخوها الكبير ولا المربية بتاعته؟! ورطتوني!"
بعد كام ساعة، لما رجع كريم وحنين، لقوا إسلام شعره واقف، هدومه متبهدلة، والبيت مقلوب
محمد قاعد على الأرض مبسوط بيضحك
إسلام واقف بعصبية:
– خدوا العفريت بتاعكم… ده مش طفل، ده طاقة نووية!
كريم بضحم:
– الله ينور عليك يا حبيب قلب ابوك … واضح إنه اتبسط معاك
إسلام ببص لهم بعيون مولعة:
– أنا عمري ما هاخد أجازة تاني طول ما الواد ده عايش
حنين مش قادرة تمسك ضحكها، وهي شايلة محمد اللي بيضحك ويقول:
– خاااالو إساااام!
مر حوالي سنه بعد الموقف ده
وفي يوم.....
الكل كان متجمع عند في بيت حنين وكريم
كريم، حنين، إسلام… ومحمد اللي كبر شوية وبيلعب حوالين الترابيزة
جو دافي وهادئ، ضحك خفيف بينهم
فجأة، حنين وهيا واقفه ابة الفرجاني بتحط الاكل وشها بيصفر، إيدها تمسك بطنها وبتتنفس بصعوبة
إسلام بسرعة يقوم عليها:
– حنين! مالك؟
قبل ما حد يلحقها، حنين عينيها بتتقفل، وتنهار على الأرض
كريم يصرخ:
– حنــــــين!
جري شيلها بسرعة
إسلام واقف مصدوم، قلبه بيدق لكنه بص بحدّة على كريم:
– إنت السبب! أنا كنت عارف إن اليوم ده هييجي… طول عمرك بتجيب ليها التعب!
كريم بصوت متوتر ومكسور:
– إسلام بالله عليك دلوقتي مش وقت كلام… ننقذها الأول ونشوف مالها
في المستشفى
الكل واقف متوتر
كريم واقف قدام باب الطوارئ، راسه في إيده، عينه محمرة من القلق
إسلام واقف قدامه، إيده في جيبه، متوتر، ومش قادر يكتم غضبه
إسلام فجأة ينفجر فيه:
– قولتلك! كنت عارف إنك هتبوظ حياتها… إنت مش قدها يا كريم!
كريم رفع راسه، عينيه كلها دموع:
– أنا عمري ما هسمح لنفسي أوجعها… بس إنت مش فاهم! انا مش عارف اي الى حصل ليها
الخناق يعلى، صوتهم يملأ الطرقة…
لحد ما فجأة باب غرفة الكشف يتفتح، والدكتور خرج....
الدكتور بابتسامة صغيرة:
– مين كريم؟ مين جوز المريضة؟
كريم وقف بسرعة، صوته بيرتعش:
– أنا… إيه اللي حصل؟ هي بخير؟!
الدكتور ابتسم أوسع:
– مبروك يا استاذ … مراتك حامل
الطرقة كلها سكتت فجأة
كريم عينه اتسعت، قلبه وقع من الفرح والدهشة
إسلام واقف متجمد، مش قادر ينطق
كريم بصوت متكسر من التأثر:
– ح… حامل؟! يعني… هبقى أب تاني؟!
الدكتور ابتسم وهو بيكتب في الملف:
– بالظبط… التعب اللي حصلها طبيعي جداً في أول الحمل محتاجة بس ترتاح وتخلي بالها
كريم مش قادر يسيطر على نفسه، دموعه نزلت
مسك راسه بإيده وقال همس:
– الحمد لله… يااا رب
إسلام لسه واقف في صدمة، قلبه بيتقلب من جواه… يبص لحنين من بعيد وهي قاعده على السرير، ودموع صغيرة نزلت من عينه وهو يهمس لنفسه:
– أهو خلاص… حياتها بقت معاه هو..... واضح انهم استقروا بجد
رجوع للوقت الحالي.....
كانوا لسه قاعدين سوا، الجو هادي وحنين في حضن الذكريات مع كريم… فجأة ابتسمت بهدوء، وقامت وهي بتبصله لاقته غارق في النوم، ومحمد نايم فوق صدره بإيد صغيرة متشبثة فيه المنظر خلّى قلبها يدق أسرع وهي تتمتم:
– يا ربي عالجمال ده
بصّت في الموبايل، اتفاجئت بالساعة:
– يا نهار أبيض! الوقت جري كده وانا قاعده بعيد الذكريات؟!
مدّت إيدها تهز كريم:
– كريم… اصحى
فتح عينه بتقل، أول ما شاف محمد نايم عليه ابتسم بنعاس:
– شكله لزق فيا مش عايز يسيبني
حنين بخفة:
– قوم بقى… أنا هقوم أجهز الأكل، وانت صحّي إسلام
أول ما سمع اسم "إسلام"، كريم قفز كأنه أخد شحنة كهربا:
– لأاا، أنا هصحّي محمد! وهو يصيحيه
قام بسرعة يهز محمد بخفة
– يلا يا بطل، قوم معايا نصحي خالك
محمد بصوت متقطع من النوم:
– خالوو… إسلام؟!
ضحكة عالية خرجت من كريم وحنين في نفس اللحظة، الجو امتلأ بخفة دم بعد اللحظة التقيلة اللي كانوا فيها
حنين وقفت قدام كريم، وهي بتضحك بخفة:
– بص… بدل ما تعمل فيها شجاع، خُد محمد معاك، وهو اللي يصحي خالو إسلام
كريم فتح عينيه بدهشة:
– إيه ده! عايزاني أبعته في مهمة انتحارية؟!
محمد الصغير كان لسه بيتمطع وهو نايم على كريم حنين مسكته برفق، وباست راسه وقالت له:
– يلا يا حبيبي… روح فوق خالك
محمد مسك إيد كريم وهو لسه نص نايم، وبيمشوا سوا لحد أوضة إسلام
كريم واقف بعيد عند الباب، بيشاور لمحمد:
– يلا… خش إنت
محمد دخل بحماس الطفولة، طلع على السرير وهو يضحك، قعد يهز في إسلام ية الفرجاني ويقول بصوته الطفولي:
– خالووو… قوم بقى!
إسلام اتقلب ببطء، وفتح عين واحدة، أول ما شاف محمد فوقه، ابتسم وسحبه في حضنه:
– إيه ده… أنت اللي جاي تصحيني مش باباك الجبان؟
كريم من بره اتنفض:
– سمعتك على فكرة!
إسلام ضحك، ومحمد كمان ضحك بصوت عالي
كريم داخل بخطوة مترددة:
– يلا بقى، قوم عشان نتعشى قبل الأكل ما يبرد
حنين في الوقت ده كانت في المطبخ بتحضر الأكل، وبتسمع الضحك بين التلاتة، ابتسمت وهي بتحس بدفا غريب لأول مرة من زمان
دخلوا المطبخ سوا، بيحطوا الأطباق على السفرة فجأة، صرخة حادة قطعت الجو:
– آااااه!
حنين مسكت بطنها بقوة، وقع الطبق من إيدها على الأرض واتكسر
في نفس اللحظة دخل إسلام حامل محمد على كتفه وهما بيضحكوا:
– جهزين ناكل ولا لسه؟
لكن الضحكة وقفت لما سمعوا الصرخة عيونهم اتسعت، كل واحد جري عليها من ناحية:
– حنين!
– مالك؟!
إسلام بيحاول يشيلها، كريم ماسك إيدها وهو تايه، ومحمد عمال يعيط من المنظر
حنين بصوت عالي متقطع من الألم:
– مش عاوزة هري… ودّوني المستشفى دلوقتي!
كريم وإسلام بصوا لبعض بصدمة… وبعدها الاتنين اتحركوا مرة واحدة
المستشفى كانت مليانة توتر… كريم ماشي رايح جاي قدام باب غرفة الولادة، ووشه شاحب من القلق إسلام قاعد على الكرسي، ماسك راسه بين إيديه، ومحمد نايم على حجره متعب من العياط
الممر كله هادي بعد ما صوت صرخات حنين اختفى…
كريم و إيده ماسكة المصحف، عينيه غرقانة دموع، كل ثانية بتعدي كأنها سنة
إسلام واقف جنبه، لأول مرة من غير عناد، صوته واطي وهو بيقول:
– متقلقش… ربنا هيقومها بالسلامة
كريم بص له بسرعة، وابتسامة صغيرة ارتسمت على وشه:
– أول مرة أسمع منك الكلمة دي من قلبك
إسلام هز راسه وهو متوتر، لكن ملامحه فيها صدق
الباب اتفتح بعد دقايق والممر اتملأ بصوت بيبي صغيرة بتعيط
كريم شهق ووقف مكانه، قلبه بيدق بجنون.
الدكتور خرج بابتسامة واسعة:
– مبروك يا جماعة… المدام بخير، وجابتلكم أميرة صغيرة
كريم ما قدرش يمسك نفسه، وقع على ركبته وهو بيضحك ويبكي في نفس الوقت
إسلام أول واحد ساعده يقف، حضنه وقال له:
– مبروك… بقيت أبو بنات
بعد دقايق حنين انتقلت اؤضه تانيه وكريم ومحمد دخلوا لبها ومعاهم الطفله
حنين كانت نايمه على سرير ، وشها تعبان لكن عنيها مليانة فرحة، ماسكة الطفلة الصغيرة في حضنها كريم قعد جنبها، إيده في إيدها وهو بيبصلها بحنان
محمد قريب منهم، بيتفرج على أخته بنظرة انبهار:
محمد بحماس طفولي:
– مامي… هي دي أختي؟
حنين بابتسامة:
– أيوه يا حبيبي… دي أختك
محمد يقرب أكتر ويلمس إيد الصغيرة بحذر:
– صغننة قوي… هتكبر ولا لأ؟
كريم يضحك بخفّة:
– لأ هتفضل كده على طول
محمد يبصله بجدية:
– بجد؟!
حنين تضرب كريم بنظرة:
– بطل تضحك عليه يا كريم
كريم يضحك أكتر:
– ما هو بيصدق أي حاجة
الباب بيتفتح بهدوء… إسلام داخل بس قبل ما يخطو خطوته التانية، لاقي واحدة واقفة على الباب مترددة تدخل
إسلام يوقف مكانه:
– أيوة؟ محتاجة حاجة؟
البنت بابتسامة متوترة:
– حضرتك… إسلام، أخو حنين، صح؟
إسلام يضيق عينيه باستغراب:
– أيوه… أنا وإنتي مين؟
– أنا نادين… بنت خالة كريم.
تمد إيدها تسلم
– يمكن ما تفتكرنيش، بس أنا شفتك قبل كده… يوم المشكلة اللي حصلت بينك وبين كريم
إسلام اخد لحظة، يفتكر، وبعدين رد:
– آه… فاكر بس وقتها ما كانش في فرصة نتكلم
نادين بهدوء:
– مضبوط… وأنا أصلاً كنت مسافرة رجعت النهارده وبالصدفه عرفت من هدي إن حنين هنا، قلت أعدي أطمن عليها
إسلام يومئ برأسه باحترام:
– اتفضل.
يدخلوا سوا الأوضة
نادين أول ما تشوف حنين، عينيها تلمع:
– يا حبيبتي… ألف مبروك، ما شاء الله قمر
حنين بابتسامة:
– الله يبارك فيكي يا نادين… وحشتيني رجعت امتى وعرفت ازاي اني هنا
نادين بابتسامة ودودة:
– لسه راجعه انهارده وصلت الشنط الشقه وقولت اعدي عليكم عرفت انكم هنا
بصت ل كريم وقالت:
ألف مبروك يا كريم.
كريم بابتسامة قصيرة:
– الله يبارك فيكي
محمد بص فيها بفضول:
– إنتي مين؟
نادين تنزل لمستواه وتضحك بخفة:
– أنا نادين… يعني ابقى عمتك
محمد يفتح عينيه بدهشة:
– بجد؟ عندي عمه؟
كله ضحك عليه حتى إسلام ابتسم بخفة
نادين بعد لحظة بصت لاسلام ةقالت:
– حضرتك لسه راجع من الشغل ولا واخد أجازة مخصوص عشان حنين؟.
إسلام يرد بهدوء:
– أجازة لازم أكون معاها وقت زي ده
نادين بابتسامة صادقة:
– واضح إنك أخ حقيقي قوي
إسلام رفع حاجبه شوية، مش متعود يسمع الكلام ده، ورد بجملة قصيرة:
– بحاول
نادين:
– واضح إنكم هنا عيلة مترابطة أوي بجد مشوفتش كده قبل كده
إسلام بابتسامة بسيطة:
– العيلة دي هي كل حاجة عندي يمكن أوقات بنختلف… بس في الآخر بنقف جنب بعض
نادين بهدوء:
– الاختلاف ده صحي على فكرة… يخلي كل واحد يكتشف التاني أكتر.
إسلام يبص لها باهتمام:
– بتتكلمي كأنك جربتي ده
نادين تضحك بخفة:
– طبعاً… أنا عندي إخوات، بس الحقيقة ما حدش بيزعلني قدهم… وبرضه ما حدش بيساعدني زيهم.
إسلام يبتسم أكتر:
– آه… ده تعريف الأخوات فعلاً
حنين بصت لكريم همست:
– شايف؟ أول مرة أشوفه بيطوّل الكلام كده
كريم بخبث:
– وأنا كمان… شكلها فتحت معاه مواضيع
نادين كمّلت وهي بتبص للطفلة:
– على فكرة… البنت شبهك أوي يا حنين بس واخدة من كريم العيون
كريم ضحك بخفة:
– اي ده بجد
إسلام يرد فجأة:
– أنا شايف إنها شبه محمد نفس الفضول اللي في عينيه
محمد يفتح عينيه بدهشة:
– إزاي وهي لسه صغيرة؟
نادين تضحك:
– الأطفال شبه بعض في الأول يا محمد… بس تلاقي شخصيتهم بتبان بدري
إسلام يومئ برأسه:
– صح… ويمكن أهم حاجة إنهم يتربوا في حضن ناس بتحبهم.
نادين تنظر له بإعجاب صامت:
– واضح إنك بتفهم قوي في التربية
إسلام بابتسامة جانبية:
– مش قوي… بس اتعلّمت مع محمد خلاني أتعلم الصبر
نادين ضحكت بخفة:
– لو عرفت تتعامل مع طفل زي محمد، يبقى تقدر تتعامل مع أي حد
كله ضح
حنين ضغطت على إيد كريم وهمست بخبث:
– إيه رأيك لو نسيبهم يطولوا الكلام شوية؟
كريم يرد بنفس الهمس:
– أنا شايف إنهم مش محتاجين مساعدتنا أصلاً
إسلام لاحظ نظراتهم، فسكت فجأة وبص لنادين:
– الناس هنا شكلهم فاهمين غلط
نادين تتكسف وتعدل جلستها:
– لأ خالص… إحنا بس بنتكلم احنا لنتكلم عادي
حنين بابتسامة واسعة:
– ما هو الكلام بداية كل حاجة
كريم رفع حاجبه ويضاف بخبث:
– وخصوصاً لو في تفاهم
إسلام حدّق فيهم باستغراب، بينما نادين ضحكت وهي بتقول:
– بجد أنتو ما بتسيبوش فرصة غير لما تزوّدوا عليها تاتش
حنين:
– إحنا بس بنحب نفرح ي ستي
إسلام قطع الموقف:
– أنا… هخرج أشم هوا شوية
نادين بسرعة:
– أجي معاك؟
إسلام يبص لها باستغراب بسيط، بس يرد بهدوء:
– ماشي
وخرجوا مع بعض
حنين لكريم بابتسامة:
– بتفكر في اللي بفكر فيه؟
كريم رد بخبث واضح:
– أيوه… وأكتر كمان
بعد يومين...
الليل كان ساكن… ضيّ القمر داخل من شباك أوضة حنين وهي قدام الشباك، لابسة جلابية بيت مريحة، شايلة بنتها الصغيرة بحنان، عينيها مليانة فرحة وهي بتبص لتحت
إسلام قاعد على الدكة الخشب، محمد قاعد جنبه بيحكيله حكاية ببراءة، ونادين قاعدة معاهم بتضحك بخفة على تعليقاته الجو كله دافي وهادي
حنين ابتسمت،و دموع خفيفة لمعت في عينيها من السعادة… فجأة حست بذراعين بيحضنوها من وراها، وصوت كريم الواطي بيهمس في ودنها:
– عارفة يا حنين… كل اللي عدي… كل التعب والخوف والدموع… كان عشان نوصل للحظة دي
حنين تميل براسها على صدره، وتقول بهدوء:
– فعلاً… استاهلنا نستنى ونستحمل… ربنا عوضنا
كريم بص للبيبي الصغيرة وهي نايمة بين إيديها، وكمل بابتسامة صافية:
– أنتي… ومحمد… وهي… إنتوا حياتي كلها مفيش حاجة أتمناها بعد كده
حنين لفت راسها بصتله بابتسامة فيها حب وامتنان:
– وانا كمان… وجودك جمبي هو اللي مخليني واقفة هنا دلوقتي....
كريم ضحك بخفة وطبع قبلة رقيقة على جبينها، وبعدين بص معاها من الشباك لتحت:
– شايفة؟ حتى إسلام يمكن يلاقي اللي يسنده يمكن خلاص… مفيش خوف بعد النهاردة
حنين ضحكت وهي مسحت على شعر طفلتها:
– يمكن… دي البداية الجديدة لينا كلنا
تمت🌷💞♥ اتمني اكون عرفت اكتب النهاية الي تليق بيهم رغم التعب الي انا في والحمد لله الذى عافني ممنا ابتلى به غيري...
"*يمكن تكون الرواية دي مجرد حروف مكتوبة على ورق أو شاشة… لكن الحقيقة إنها كانت رحلة طويلة مليانة مشاعر، وقت، دموع وضحك، خوف وأمل.
خدت مني مجهود كبير ووقت يمكن محدش يتخيله، بس كل لحظة كتبتها كنت حاسة إني قريبة منكم… قريبة من كل قلب بيقرأ، يمكن لأنه شايف نفسه جوا السطور، أو لقى في الأحداث لمحة من وجعه أو حلمه.
القصة دي بدأت من حكاية حقيقية… حكاية بنت معرفش فين بقيت دلوقتي، ولا إزاي شكل حياتها، ولا إذا لقت العوض اللي تستحقه ولا لأ.
بس أتمنى من قلبي إنها تكون بخير… تكون ابتسمت تاني بعد البكاء، وتكون لقت قلب يحتويها ويصونها.
الحكاية كبرت واتغيّرت واتزود عليها تفاصيل من خيالي، بس ظل جوهرها دايمًا هو الأمل… الأمل إن حتى بعد الألم في حياة، وبعد الكسر في جبر، وبعد الضلمة في نور.
أنا بهدي الرواية دي:
لكل القلوب الحزينة اللي اتأذت في يوم، واتكسرت وما حدش حس بيها
لكل حد اتظلم أو اتخلى عنه أو لقى نفسه وحيد
لكل بنت أو ولد شالوا أكتر من طاقتهم، وفضلوا قاوموا عشان يعيشوا.
بهديها لكل اللي فقدوا الأمان… عشان يفتكروا إن في رب كريم اسمه "السلام"، وما يسيبش عبد لجأ له إلا ويديله راحة.
قال الله تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا." [الشرح: 5-6]
وقال رسول الله ﷺ: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير
الكلمات دي مش مجرد آيات وحديث… دي وعد من ربنا إن بعد كل تعب هييجي فرج، وبعد كل دمعة هتنزل، في ضحكة مستنياك
وإنتوا كمان، اللي قرأتوا وكملتوا للآخر… الرواية دي مش بس روايتي، دي روايتكم لأن أي نص من غير قارئ ملوش روح
أنا كتبت… لكن أنتم اللي أحييتوا الحكاية
فشكراً لكل عين قرأت، ولكل قلب عاش معايا اللحظة.
ويا رب كل اللي داق مرارة الألم، يدوق بعدها حلاوة العوض… عوض يليق بقلبه وصبره.
دي مش نهاية، دي بداية جديدة… بداية لوجع خف، وبسمة تكبر، وأحلام تتولد من جديد.
وخليكم فاكرين: الحب الحقيقي مش دايمًا بين اتنين بس… أوقات بيكون بين الإنسان وربه، بينك وبين نفسك، بينك وبين الحياة.
وللبنت اللي كانت أصل الحكاية… يمكن عمرك ما تعرفي إن قصتك فضلت عايشة في قلبي واتكتبت بألف صورة يمكن عمرك ما تقري الرواية دي… لكن بدعيلك من قلبي:
ربنا يديكي السعادة اللي تستاهليها، ويعوّضك عن كل لحظة كسرتك
تمت بحمدلله
خلصتي؟ الرواية الجاية أقوى وأحلى… تعالي وعيشيها معانا👇
