رواية حين يعود الحلم امير ونور كاملة جميع الفصول

رواية حين يعود الحلم امير ونور للكاتبة ملك عبدالله احمد هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية حين يعود الحلم، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.

رواية حين يعود الحلم امير ونور كاملة جميع الفصول

رواية حين يعود الحلم من الفصل الاول للاخير بقلم ملك عبدالله

_أنتَ وعدتني.
بصلي بعدم فهم.
_وعدتك إيه؟
_إنك مش هتسبني.
_أنا مش هسبيك.
_بس هتسافر.
_هسافر فترة، بس مش معناه إني هنساكِ.
_هثق فيك يا أمير.
"كانت آخر مواجهة بينا من أربع سنين، اتغير فيهم حاجات كتير، وأنا اتغيرت للدرجة إني بدأت أفقد الثقة فيه معرفش حاجة عنه من وقتها فكرت هنتبادل المكالمات، والرسائل، والحب! لكن هو نسيني... أو لاء، لسه هستناه."
_مفيش أخبار عن ابنك يا طنط؟
لقتها بتتنهد بملل، عندها حق كل يوم أجي أسألها عليه أربع سنين بسأل عليه.
_كويس الحمدلله يا نور مش بتزهقي من السؤال ده؟
رديت بتبرير: ابن عمي برضو وواجب أسأل عليه ولا إيه؟
_واجب فعلًا... هيجي قريب.
عارفين إحساس الحياة الوردية؟ هو ده اللي غمرني. هيجي قريب، هشوفه أخيرًا... أمير!
قربت منها ومسكت إيديها بفرحة:
_بتهزري ولا بتهزري؟ أكيد صح لاء، لاء يارب تكوني بتقولي الصدق!
_جاي يا نور قريب بس... ولا أقولك افرحي.
محاولتش أفهم كلامها كل همي دلوقتي إن أمير جاي هيوصل هشوفه هعاتبه آه على غيابه بعيد عني... بس مش مهم، المهم إنه هيجي.
_مش هتروحي الشغل النهاردة يا نور؟
_لاء يا ماما. "أمير" جاي النهاردة وهعمله الكيكة اللي بيحبها.
قربت مني بحنان: لسه بتحبيه؟
اتوترت ورديت بتبرير: بحبه عشان ابن عمي أكيد. أنتِ عارفة حياتي كلها كانت معاه_ اتنهدت بحزن_ من طفولتي لغاية ما سافر. بس رجع.
_لو على إنه ابن عمك بس فاطمني. أنا خارجة أشتري طلبات وهرجع، عايزة حاجة؟
نفيت وسابتني، وأنا لسه واقفة مكاني بردد كلماتها في دماغي: لو على ابن عمك بس... لاء، هو مش بس ابن عمي، هو حبيبي!
بقول دايمًا قدامهم إن حبي ليه حب لكونه ابن عمي. لكن معنديش الجرأة أقول إنه حبيبي، حتى معرفتش أقول ليه. بس الأكيد هو عارف، حاسس... زي ما أنا حاسة.
نفضت كل ده من دماغي. مش مهم مين هيبادر. دلوقتي هو جاي وده الأهم.
عملت الكيكة بكل حب دايمًا بيحبها، ودايمًا كان بيحبني أعملها له هو برضو حبيبي، كل طلباته مُجابة.
اتنهدت بفرحة وحماس وأنا داخلة البيت، وعارفة إنه موجود إحساس يستاهل ياخد مليون نجمة! شددت إيدي على طبق الكيكة بتمسّك عشان يكون هو أول شخص يشوفها.
بس فوق ده كله، كنت متوترة جدًا، خايفة وكأن الإحساس فترة بسيطة. بس شجعت نفسي أخيرًا هو موجود يا نور. صاحبك، حبيبك، جوه... يلا ادخلي شوفيه، وشوفي هل اتغير في الأربع سنين.
دخلت بخطوات حماسية وماما جنبي. ببص في الجهات حواليّ عشان أشوفه... لكن أملي خاب. أهله كلهم قاعدين ماعدا هو. فكرته هيستناني، بس الأكيد إنه تعبان وبيرتاح. عادي يا نور.
دخلت وسلمت عليهم، وقعدت جنب عمي بود. وفضلنا نهزر مع بعض مستنيين أمير ينزل.
وفجأة... أمير نزل.
كل الأنظار اتسلطت عليه، وأولهم أنا لكن فرحتي اتلاشت ببطء... نازل وفي إيده إيد بنت!
ضربات قلبي عليت، وأنا بحاول لسه أرسم الابتسامة عليّا. بحاول أستفهم... وكل اللي دار في عقلي: إن حياتي انتهت.
لكن لسه جوايا بيهرب من الحقيقة.
وقفت واتكلمت بهزار:
_أمير! أنتَ طلع عندك أخت ولا إيه؟!
نقلت نظراتي لعمي واتكلمت بنفس النبرة:
_أنتَ اتجوزت على طنط وجبت ولاد كمان يا عمي؟
_دي مرات أمير يا نور.
دي نبرة مرات عمي. بصتلها بصدمة، وبحاول أستوعب هي قالت إيه. بصيت لماما باستنجاد، قامت ووقفت جنبي:
_ولسه جايين تعرفونا يا سميرة؟! ده إحنا قرايب برضو.
_لاء يا مرات عمي... أنا اللي عرفتهم محدش يقول دلوقتي بسبب كم لخبطة عندي معلشي، امسحيها فيّا المرة دي. وبعدين ده سلامك عليّا بعد الغياب ده كله؟
"نبرة صوته زي ما هي. فكرت إني هنساها، بس اكتشفت إني لسه عارفها... حافظاها. شكله اتغير، نضح، بقى مختلف. نظراته غريبة... مش اللي متعودة عليها."
_نستيني ولا إيه يا نور؟!
قالها بهزار وهو بيقرب مني. ده مش أمير! مستحيل! لأول مرة أحس إني واقفة قصاد شخص غريب.
_أنتَ نستني يا دكتور.
_دكتور؟... امممم لاء، لسه فاكرك.
_حظ أوفر... أنا نسيتك.
قولتها وسبته مكانه، وجريت على بيتي. يمكن أحاول أفهم اللي بيحصل حواليّ.
يمكن أحاول أفهم فين أمير... حبيبي.
عدى شهر وأنا مش بخرج من بيتي. كنت بحاول أستوعب ليه عمل كده. انهرت يومها كتير، بكيت وتعبت وكنت لوحدي. أصل مين هيعرف بعذابي غيري؟ أصل أنا السبب، أنا اللي عملت في نفسي كده. حبيت شخص غلط، وثقت فيه، اديته عمري كله، وهو غدر بيّا.
إحساس الوجع كان ملازمني، قلبي كان حزين. بفتكر ذكريات كانت بينا، حلوة ومميزة، هو دمرها. فيها إيه لو كان لسه معايا، حبني، عاش عمره معايا.
ليه حبيبتُه؟!
دخلت ماما عليّا: إيه يا نور، مش كفاية عليكي كده؟ لا بتروحي شغلك من شهر ولا بتخرجي من أوضتك. إيه يعني قطعتي علاقتك بصحبتك، ده كله عشان إيه؟ قولتلك هاتي أكلمها ونشوف الخناقة اللي ما بينكوا وأنتِ رافضة، لكن حالة الاكتئاب اللي أنتِ هتضيعي نفسك فيها مش هتنفع. كليتك بكرة عايزة تقوليلي مش راحة كمان ما هي ناقصة دي كمان.
اتنهدت بحزن وأنا بكمل كذب على ماما: خلاص يا ماما علاقتنا انتهت ومفيهاش رجوع من تاني. هي وعدتني تفضل معايا وخلّت بوعدها. وثقت فيها وهي غدرت.
متخافيش، هنزل الكلية بكرة أكيد.
تاني يوم جهزت نفسي وخرجت من الشقة. كنت متوترة، خايفة أشوفه لأن بيوتنا فوق بعض، قاعدين في عمارة ملكنا. نزلت بسرعة ومشيت للكلية.
دخلت وأنا لسه تايهة، حاسة إن كل اللي حواليّ ممكن يغدروا بيّا. بدأت أبعد عن الكل واحدة واحدة، وفضلت أكمل حياتي لوحدي من غير حد.
قعدت في الاستراحة على أساس إن لسه فيه ربع ساعة على معاد المحاضرة التانية، وده لأن محضرتش الأولى بسبب تأخيري في المواصلات.
طلعت دفتري وقلمي وعصير المانجا المفضل ليّ وبدأت أكتب أول سطور حزني:
أنا الحُزن، يتمهّل بقُربي
ليلتفّ على عنقي، يعنّفني، يطوّق روحي، يأسرني!
أتلعثم بكلمات النجاة نحوه
لكنّه لا يُبالي، وكأنّي صرتُ عدوًا
بعد أن كنتُ يومًا مَأمنًا له وملاذًا.
أتعلمُ يا أنتَ بثِقل قلبي من غيرك؟
كنتَ الطمأنينة التي أحيا بها،
السَكينة التي أتشبّث بها في ضعفي.
سال الحُزن بيننا،
لكنّه لم يختر إلا أن يمتلكني أنا وحدي.
خلصت كتابة النص ودموعي عرفت طريقها. أنا كتبته وأنا بفكر فيه، وبفكر ليه عمل كده. بدأت أقررها كتير وأنا بحاول أقنع عقلي إن خلاص انتهينا.
تلفوني رن، كانت ماما. كلمتها وكانت بتتطمن عليّا. خلصت معاها وعيني لمحت الساعة، انذهلت، عدى تلت ساعة من المحاضرة. أخدت كل حاجاتي وجريت على المدرج.
الباب كان مقفول. اتوترت، مش بحب أدخل والكل موجود، بحس بخنقة وعينهم عليّ. لكن اتشجعت وخبطت على الباب. بعدها فتحت بتوتر وأنا عيني في الأرض وبطلب السماح للدكتور: أنا آسفة يا دكتور على التأخير... ممكن أدخل؟!
_اتفضلي!
رفعت عيني بسرعة، وضربات قلبي بتعلى أكتر، وبرجع للورا بخطوات بطيئة: أمير.
يتبع...
رفعت عيني بسرعة، وضربات قلبي بتعلى أكتر، وبرجع للورا بخطوات بطيئة: أمير.
لوهلة حسيت إني دخلت بيتنا، مش مدرج جامعتي.
أصل مش فاهمة هو هنا بيعمل إيه؟!
أخدت الصدمة داخليًا، هو سافر عشان يحضر الدكتوراه وتخيلت إنه هيكمل هناك.
متوقعتش ينزل ويستقر هنا، كنت فاكرة إن وجوده مؤقت… بس باين هفضل أتعذب لعُمري كله.
_هتفضلي واقفة هنا كتير؟ وقت المحاضرة بيخلص، وأنتِ أصلًا جاية متأخرة.
مستفز، آه والله!
ياه لو كان حبيبي دلوقتي وأقدر أتحداه… ما هو حبيبي عادي.
دخلت بهدوء، وللأسف لقيت مكان في أول صف.
اضطريت أقعد، وأنا كنت أبغي والله أقعد في الآخر.
_طبعًا من البداية أنا ملتزم جدًا في مواعيدي ومش بتأخر عن موعد ليّ. وإنتو كمان تتعلموا متتأخروش على ميعادكم، لأن ببساطة زي ما بعاملكم عاملوني. فتأخير عن المحاضرات ممنوع يا شباب.
مغرور والله.
بس مركزتش في مضمون كلامه أكتر من تركيزي على لغة كلامه.
ملتزم في مواعيده؟! طب ليه ملتزمش في وعوده؟!
خلصت المحاضرة أخيرًا.
مش هنكر إن شرحه ممتاز… عالي.
طبيعي هو مُدرسي الأول، أول شخص يذاكر معايا من صغري.
عدى معايا كل مراحلي الدراسية وأصعابها.
بس سابني في أول وأصعب طريق… بس كملت من غيره.
فوقت على كلامه:
_معاد المحاضرة خلص، وأتوقع مفيش محاضرات تاني بعدي بما إن ده أول يوم. فهندردش مع بعض شوية نعرف فيها الأساسيات بما إن خلاص دي آخر سنة دراسية ليكم.
أولًا هعرفكم بيا أنا دكتور "أمير مجدي الحُسني". كنت طالب زيكم وسافرت أحضر الدكتوراه. كان وقت شاق، لكن "لا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها" نزلت مصر من فترة واتعينت هنا مكنتش دي السنة اللي هدرسها كان تالتة وتانية، بس دكتور مادتكم عمل للأسف حادثة واعتذر عن السنة دي، فهكمل معاكم.
زي ما بقولكم كده هو قعد يتكلم ويتكلم…
وأنا مش هنا خالص، باصة في نقطة فراغ وعمالة أتخيل سيناريوهات
منها حزين… وحزين… وحزين… وبعضها سعيد برضه.
أصل تفكيري مختل، لسه بيحب يفكر في الذكريات الكدابة بينا.
آه ياريت لو كنا كملنا، وكان قلبي دلوقتي بيرفرف في الحب، مش زعل وخنقة وأنا شايفاه قصادي.
اتنهدت بحزن.
شكلي هفضل دايمًا كده.
هيفضل قصاد عيني حتى لو فضلت الهروب.
دلوقتي لما عايزة يبعد بيقرب أكتر، ووقت ما كنت محتاجة يقرب كان بيبعد… لغاية ما بقيت لوحدي حتى وهو قريب.
خلصت وخرجت بسرعة من غير ما يلاحظني.
معنديش فكرة هيكلمني ولا لأ.
هيتعامل معايا كأننا منعرفش بعض؟ ولا عادي؟
أرهقني التفكير، فقولت أروح أقعد في كافتيريا الجامعة.
لكن لقيت بعض من صحابي من سنة تالتة قاعدين.
روحت أسلم عليهم، وبالمرة أقعد شوية أفك عن نفسي.
كان الوقت لطيف معاهم، ونسيت كل العواصف اللي جوايا.
بس هل يا ترى هتكمل؟
لاحظت دخول أمير في المكان، بس مش لوحده.
كانت هي معاه… هي.
مكانها معاه كان المفروض مكاني.
نبضات قلبي زادت وتوتري ظهر.
جوايا كنت ببكي وبصرخ، بس ظاهريًا كنت صامتة… وكأني بحاول أعتاد على المشهد.
– مش دي دكتورة "مريم" يا بنات؟
بصتلها بصدمة:
– دكتورة؟!
ردت بعفوية عليّا:
– أيوة يا نور، دخلت علينا النهاردة. كانت مسافرة أصلًا ورجعت هنا، كانت بتحضر دكتوراه. بس للأمانة شرحها ممتاز أوي، حبيتها جدًا، وأسلوبها معانا لطيف.
طلعت دكتورة؟!
كانت معاه وبيدرسوا مع بعض… يعني حبها!
مقدرتش أكمل، واخدت بعضي ومشيت بدون كلام.
يمكن أحاول أستوعب.
مشيت من هناك وأنا تايهة.
خلّتني ماشية مسافة طويلة.
معرفش إيه الطرق دي، بس من كتر توهاني محسّتش بأي حاجة حواليّ.
كنت تعبانة من المشي، قعدت على أقرب استراحة قدامي.
في الوقت ده كان فيه هوا كتير.
الأشجار عمالة تتحرك، صوت العربيات وهي معدّية، الناس وهي ماشية.
ده كله كان شاغل عيوني.
بس بعدها بدقايق كل ده اختفى.
الهوا بطل، والعربيات مشيت، الناس اختفت.
اختفى كل ده… واتبقى الهدوء.
كل اللي حواليّ بس هدوء.
بدأت أجمع كل اللي حصل الفترة اللي عدّت كلها تاني.
ساعتها سمحت لدموعي تنزل.
بدأت أعيط بانهيار.
يمكن دي المرة الوحيدة اللي انهرت فيها بالشكل ده.
بس أنا ليه حبيته؟ ليه عملت كده في نفسي؟
ليه انجرفت ورا مشاعري الغبية؟
ليه محافظتش على قلبي بدل ما أنا بهدلته بالشكل ده؟
كان هيحصل إيه لو كنا بُعاد من الأول؟
بس أنا مشيت وراه غصب عني، حبيته غصب.
هو كان معايا في كل خطوة في حياتي، كان ملازماني، كان رفيق، وسند، وحبيب.
بس شكلي أنا اللي انغرست في الحب لوحدي.
طب وهو محبنيش؟ يعني مشاعري دي كانت لوحدي؟
كل التفاصيل والذكريات كانت بالنسباله سيّان؟
أنا السبب.
يمكن كان لازم أبعد من زمان… بس وثقت فيه، وعدني.
يا عيني، كُفّي الدمعَ،
فدمعي لا يسَعُ غدرًا بهذا الحجم.
أنتَ خائنُ اليمين،
لكن بقهرٍ أُقِرُّ: كنتَ لقلبي شفاءً،
فكيفَ أبصرتُ فيك العِلّة؟
رجعت البيت وأنا ضايعة، بس جوايا بدأت أفوق.
دخلت البيت وقابلت ماما، بصتلها كتير لدرجة إنها قلقت عليّا.
قربت مني وحضنتني، فبكيت من تاني وكأن البُكا بقى ملازمني.
– إيه يا نور، فيكِ إيه يا حبيبتي؟!
فضلت تتكلم معايا وأنا تايهة في حزني لغاية ما وقفت مرة واحدة وبصتلها بخذلان:
– إنتو ليه عملتوا فيّا كده؟!
ردت بصدمة:
– عملنا إيه فيكِ؟
– ليه سبتوني مع أمير؟
_يعني إيه بتقولي إيه؟!
_سبتوني يا ماما مع شخص أعيش معاه كل تفاصيل حياتي، ألعب وأكل وأخرج وأذاكر، سبتيني مع واحد أحبه.
_تحبيه كأخ.
_أخ!! أنتِ متخيلة كده بجد؟! يعني بعد ده كله تقوليلي أخ؟! يعني إيه؟!
ردت بتبرير:
_أنتِ وحيدة وهو كمان وحيد، فطبيعي حياتكم تكون مع بعض. وكنتِ دايمًا هناك في بيت عمك، مش بتنزلي من هناك غير على النوم. كنتِ عايزاني أعمل إيه؟ أمنعك إزاي وأنتِ روحك كانت معاه، بس على أساس أخوات.
ضحكت بسخرية:
_برضه بتقولي أخ.
اتكلمت بتريّث خفي:
_أومال إيه يا نور، هو أخوكي.
انفعلت بعصبية، ونبرة صوتي عليت:
_أنتِ مستوعبة كلامك بجد؟! عايزاني أقولك أيوة فعلًا هو أخ؟! إزاي ها؟! إزاي؟! أنتِ لسه بتقولي أهو روحك كانت فيه، عايزاني أعمل وأفكّر إزاي؟! قضيت طفولتي ومراهقتي معاه، يعني طبيعي أحبه، فيه كل الصفات اللي تخليني أحبه وأتعلق بيه. فهميني كنتِ عايزاني أتعامل إزاي معاه؟! أدفن مشاعري وحبه عشان هو أخ؟! طب والذكريات الحلوة، والكلام، والتفاصيل اللي بينا، المواقف، والحب، كنتِ عايزاني بعد ده كله أتعامل إزاي؟! أنتِ دمرتيني وهو... كلكم دمرتوني.
قالت باستنكار:
_أنتِ بتحبي أمير كحبيب مش كأخ؟!
_برضه بتقولي أخ، افهمي بقى. يعني إيه؟! دي مشاعري كانت واضحة لكل الناس__تمتمت بحسرة _معادا إنتو.
قربت منها أكتر:
_عرفتي ليه حرام، وليه ربنا مانع كده؟! ليه معملتيش بكلام ربنا وبعدتني؟! وعرفتني إنه مش محرّم عليا؟! ليه خلتيني أنسى إزاي أتعامل مع الغريب عني؟! تعالي شوفي، مفيش غيري اللي اتوجع في الحكاية كلها، أنا وبس. فهمتي ليه ربنا نهى عن التقرب بين ولاد العم أو غيره؟! أهو ده الوجع اللي صابني لوحدي.
_مكنتش أعرف إن ده كله هيحصل. كنت بحاول أعوّضك عن غياب باباكي، والله مكنتش أعرف إن الطريق هيكون كده، ولا أعرف إنك ممكن تحبي أمير. فكرته هيكون أخ ليكِ. أنا آسفة، والله آسفة، مكنتش أعرف إنك بتتعذبي بسببي.
_مينفعش الاعتذار دلوقتي، بقاش مهم حاليًا.
قطع كلامنا خبطات على الباب، قلبي عليت نبضاته، هو.
ماما فتحت الباب، وكان هو. إحساسي... مستحيل أنسى طريقة طرقه على الباب.
عيوني اتلاقت بعيونه، وكان بينا نظرات... لا أنا فاهمة نظرته ولا هو فاهم نظرتي. كانت لأول مرة محدش فينا يفهم التاني. بس كان فيه شيء مشترك بينا... حب خفي كنا بنحاول ندارِيه في نظراتنا. بس... هل هو حب؟!
نصفُ اعتراف، يا حبيبي...
أنتَ
نزيفٌ دائمٌ في قلبي،
وجُرحٌ غائر،
وأثرُ دمٍ
ما زال يبحث عن ارتواء.
أنتَ
دَمعٌ قاسٍ،
وانكسارٌ
يُؤلم... ولا يُشفى.
لكنّك،
وبالرغمِ من كُلّ ذاك،
حبيب.
يتبع... 
_إزيك يا مرات عمي؟
_بخير يا حبيبي، تعالَ اتفضل.
بصّيتلهم بنظرة عابرة وقررت أدخل أوضتي وأنا بجفّف دموعي اللي كان باين جدًا عليّا آثار البُكا.
_استني يا نور، عايزاك.
وقفت ثواني أحاول أجمع صوتي وبصّتلُه:
_نعم يا دكتور؟!
كان باين عليه الإرهاق والتعب وإنه محافظ على هدوؤه، حافظاه أكتر من نفسي وفاهمة كل حركاته.
اتنهّد وهو بيدخل البيت، بيقرّب مني، وأنا كان هاين عليّا أعيط تاني، بس مسكت نفسي.
_ممكن تيجي نتكلم أنا وإنتِ شوية؟
مكنش طلب أو أمر، كان تَمنّي، ترجي منه.
_اتفضل يا أمير.
_مش هنا، أنا وإنتِ بس.
_مش هينفع.
انصدم! آه والله، أصل كلمتي دي يعني جريمة، فردّد بصدمة:
_مش هينفع؟! ده اللي هو إزاي؟ مش فاهم!
ردّيت وأنا صبري انتهى، أصل سبب عذابي قدامي، وجعي وخنقتي ودماري واقف قدامي. المفروض أصبر لإمتى؟ وأنا هاين عليّا أترمي في حضنه وأشتكيله:
_عادي، شكل غُربتك بتنسيك، أنا وإنتَ ولاد عم مش إخوات، فـ كلامنا ووقفتنا مع بعض غلط، فلو حضرتك عايز حاجة مهمة مني قول قدام ماما، مينفعش لوحدنا.
فكّرته هيثور، هيتعصب ويهدّ الدنيا، بس للمرة الألف توقّعي خاب. لمحت نظرة في عيونه غريبة، غير الابتسامة اللي ظهرت عليه وكأن كلامي مجرد كلام اتقال:
_ماشي يا بنت عمي، هبقى أجيلِك في وقت تاني نتكلم مع بعض بوجود حد تالتنا.
ردّيت بتهوّر:
_تبقى مراتك ها، أصل عايزة أتعرف عليها أوي.
كملت بقهر خفي بس الأكيد إنه لحظة:
_عرفت إنها دكتورة في جامعتي زيك يعني، كنتوا بتدرسوا مع بعض وحبّيتها أكيد. مُبارك، جاية متأخر، بس الأكيد إنك عارف إني فرحانة جدًا بخبر زي ده.
اتحرّك خطوتين لورا ورفع إيديه كـ علامة استسلام:
_حاضر يا نور، الله يبارك فيكِ.
_مش هتقولي عقبالك؟
وقف لثواني، وعيونه جادة وكأنها ولّعت في البنزين. مبقتش فاهمة هو عايز إيه، نظراته، مرواغته، كلامه المُلغّم.
_معتقدش.
سابني ومشي، وأنا ضربات قلبي عليت، باصة لطيفة، وعيوني بدأت تلمع بالدموع.
بصّيت لماما وكانت نظراتي اتهام ليها.
سبتها ودخلت وبرجع أنهار من تاني.
الحال بيَّ كان ماشي يوحي ليهم إني نسيت وبتعايش،
بس جوايا كان وجع كبير مش قادرة ألِمّه... كسر وخذلان.
بس بعدت بالفعل، عن أهلي وصحابي وقرايبي وحبايبي، وحتى هو!
معرفش إذا كان ده صح ولا بقسّي على نفسي...
طريقي ماشي ولا واقف؟
بس بمشي مع التيار.
صحيت بدري جدًا عشان ألحق أول محاضراتي،
جهزت وخلصت ونزلت.
عيني لمحته وهو بيفتح باب العربية ليها،
قلبي اتقبض... وكسر جديد اتفتح جوايا.
لكني هربت بسرعة، معنديش الاستعداد أواجههم مع بعض.
فاكرني رُحت الجامعة عشان ألحق المحاضرة؟
بالعكس... رُحت قعدت في الشوارع في استراحة قصاد النيل،
المكان اللي شهد على انهياري طوال الفترة دي.
سكت على كده، ابسلوتلي،
كملت في قهرتي عشان الحزن يكون شامل.
وطلعت دفتري، وبدأت أكتب أتعس نص لحبيب عيوني الكذّاب:
"إلى حبيبي... الذي دَفن قلبي حيًّا"
حبيبي،
يغمرني الآن شعورٌ بالصمت...
كفى صدامًا بين خلاياي،
لكنّي سأخبرك فقط: كيف خُذِلت.
أنتَ تعلم كم عشقتُ قلبك،
هواك،
رِمشَك...
وتعلم كم من العمر مرّ قبل أن أدخل عالمك،
وكيف نُحر قلبي باتجاه هواك.
لكن — ببساطة — خُذِلت.
مِن مَن؟
حبيبُ عيني...
منذ لقائك توقّف السير،
وتحوّلتُ من فتاةٍ سائرةٍ في بلاطٍ أجوف
إلى أخرى مالكةٍ ونَفَس... ثم لم يلبث أن انهار كل شيء، فعُدتُ غريبةً مكسورة. 
لكن... توقّف السير من جديد،
نُهِرَت منزلتي،
وأُلقيت بعيدًا.
وأنتَ تعلم كم نُزِفت،
لكنّك — يا حبيبي...
كنتَ الخنجرَ، والجرحَ، والنزيف.
كنتَ الخذلان كلّه.
عياط والله عياط، بس اللي كنت بعمله كان جلد ذاتي، وكأني عدوة لنفسي.
قعدت أتخيل سيناريو لحظي:
أمير يرجع من السفر وهو لسه متلهف عليّا، بيحبني، ولسه فاكر أنا مين. وأنا أرجع أعيش وأتنفس من جديد، أصل حبيب عيوني راجع، وأنا واثقة فيه، واثقة في حبه ووعده. أستقبله بحنان، ويبادلني بشوق وحنية. الكيكة أقدمهاله بحب، وأقعد أسمع حكاويه من وقت بُعده عني، وأشتكيله وأعاتبه على هجرانه مني. وبعدها نتصالح ونرجع أنا وهو. 
شوفتوا إزاي السيناريو جميل، عسول؟ كان يستاهل يتحقق وياخد مليون ونص نجمة، صح؟
بس الإنسان مش بياخد كل حاجة في حياته، وخاصة الحاجة اللي بيحبها.
هديت وبطلت عياط، مسكت تليفوني، ويانهار أبيض! المحاضرة الأولى خلصت والتانية بدأت. قعدت أعيط تاني، بس المرة دي على اللبن المسكوب والله.
ليه الإنسان كده؟!
أخدت حاجتي وشبه جريت عشان ألحق أوصل، والحمد لله المسافة مش كبيرة.
طلعت السلالم بتوتر وخوف، ووصلت أخيرًا واقفة قدام المدرج. مستنية حد يخبط بدالي والله، لإن عدى نص ساعة.
أقدم خطوتين عشان أخبط أرجعهم عشرة! لكن قولت: يلا، اعملي فيها إندبندنت وومن.
ومش فاهمة فين الـ "إندبندنت" في اللي أنا فيه، بس طمنت نفسي إن التهزيق هيجي من ابن عمي، وهحاول أبلع الكلام منه.
بهزر، ده كلمة منه هتخلّيني أبكي لسنين قدّام والله.
قرأت آية الكرسي وأخدت كم نفس أهدى، وخبطت كم مرّة، وسمعت صوته وهو بيقول: "ادخلي".
كنت ههرب، في إيه يعني لو ما حضرتش؟ جت على المحاضرة دي؟ لكن خلاص فات الأوان ودخلت.
لحظة صمت حواليّ، واقف ونظراته مصوّباها عليّا، وكل المدرج كذلك، لكن أنا ركّزت عليه.
فجأة وبدون تمهيد:
_ أفهم جاية تعملي إيه حضرتك ونص معاد المحاضرة خلص؟ من أول يوم وأنا منبّه على عدم التأخير، ولا الكلام مش بيتسمع؟! التساهل معاكوا مش نافع، يبقى الطرد هو اللي نافع معاكوا."
خطوتين رجّعتهم وأنا بحاول أجمع صوتي، ناهيِك عن الدموع اللي ملَت عيني، وأنا واقفة وكل الأنظار عليّا ونبرة صوته وعصبيّته وكلامه.
عيني هربت لمكان ما، وهنا انكمشت مكاني وأنا شايفاها، هي… قاعدة في أول صف في المدرج وبتبصلي بشفقة.
أنا…
رجّعت أثبّت عيني عليه من تاني، وكان لأول مرة أكرهه! كنت فاكرة إني هفضل أحبّه لآخر عمري مهما عمل، بس غلطت.
 دلوقتي حسّيت بشعور النفور والكره منه.
خرجت بسرعة من غير ما أضيف ولا كلمة،
ألملم بقايا حزني لنفسي ودموعي،
بس كان نفسي أقوله:
"كفاية كسرة قلبي بسببك، متزوّدهاش."
بس جريت…
"منذ تلك الليلة، لم أعد أتمايل على أنغام حبك، بل قطعتُ كل ترانيم الوصول إلى قلبك. لم تكن المُحب، ولم أكن العاشقة… كنا مجرد عابرين في شوارع حب مهجورة." 
من يومها قطعتُ كل سُبل الوصول عنه.
سافرتُ لأهل ماما، بدأت أغيّر من حياتي ورتمها، بحاول أنساه وأنسى قسوته عليّ يومها، وأنسى حبه!
بس هل عرفت؟ فشلت فشل أكبر من حبي له، آه والله، أصل ده حب سنين وعُمر.
لكن بدأت أتلاشى من كل اللي حصل، واتبسط بحياتي حاليًا، بدأت أتعلم لغة جديدة، أشتغل أونلاين، وأهتم بمذكرتي. بس في المحاضرات كنت مأثرة جدًا بسبب غيابي، لكن الحمد لله معظم الدكاترة مكنوش بياخدوا غياب، وكل المحاضرات كانت بتنزل على جروب الدفعة.
تلت شهور عدّوا من غير ما ألمحه، لكن طيفه كان لسه في خيالي.
رجعت لإن امتحاناتي خلاص فاضل عليها أسبوع، كنت متوترة وخايفة، مش عارفة هل هيكون الوجع موجود زي ما هو ولا راح.
دخلت البيت، وكان الكل في انتظاري: ماما، وعمي، ومرات عمي… وهو!
جريت على ماما وأخدتها في حضني، كانت وحشاني بشكل، مهما حصل بينا هتفضل هي أحن واحدة عليّ.
وبعدها سلمت على عمي ومرات عمي بود، ووقفت عنده، أخدت كم نفس أهدى.
_حمد لله على السلامة يا نور.
_الله يسلمك يا أمير.
كلامنا كان رسمي، لكن ده الأفضل بينا.
بس عارفين؟ لسه نبضات قلبي كانت بتزيد من قُربه، وعيوني لسه فيها لمعة الغرام… لسه بحبه.
سألته ببرود مُزيَّف:
_أومال فين مراتك؟ مش شايفاها… ولا هي مش راضية تسلّم عليّ؟! آه صح، متعرّفناش قبل كده، بس الأكيد حكيتلها عني.
_فعلاً حكيتلها عنك كتير، كنتِ محور كلامنا وإحنا مسافرين.
عَلَت نبضاتي وأنا بحاول أستشف معنى كلامه، اتوترت ونظراتي اختلفت.
سألته بتردد: طب هي فين؟!
_اطلقنا.
يتبع... 
_اطلقنا.
بعدت خطوتين للورا بحاول أستوعب، واللي كان صدمة بالنسبالي، بدأت أوزع نظراتي عليهم وكأنهم منتظرين ردي بحماس ـ أعتقد ـ لكن المرة دي أنا اللي خيبت آمالهم وتوقعاتهم. رديت بأسف مصطنع:
_بعتذر حقيقي، مكنتش أعرف بمعلومة شبه كده. زعلتني حقيقي كنت ناوية أتصاحب عليها ونبقى أخوات بدل ما أنا شبه وحيدة هنا، بس ربنا يرزقك بالخير، والمرة الجاية تكون بنوتة من اختياري، ها.
حد يصفقلي! مكنتش متخيلة إني هفضل بالثبات ده، بس أستاهل والله يتصفقلي.
_طبعًا يا نور، المهم امتحاناتك الأسبوع الجاي. وأكيد حضرتك متعرفيش حاجة عن مقررك. ارتاحي وابقى تعاليلي أشرحلك وأديكي فكرة.
_شكرًا، بس مش محتاجة منك حاجة.
_أفندم؟!
_أنا محتاجة أرتاح، السفر كان مرهق. هستأذن أنا.
دخلت أوضتي بهدوء، بس الغريب إن إحساسي كان مزيج.
فكرت إني هتنطط وهفرح، واحتمال كنت آخده في حضني كمان والله، بس الحقيقة محستش بكده.
كان جوايا خوف، توتر، واستنكار لفعله.
مش فاهمة إزاي كنت معمية بالشكل ده؟ ليه فضلت أستناه وأحبه؟
مش فاهمة ليه عايشة على ذكريات كدابة بينّا، أو حتى ليه ثُرت وزعلت!
هو من حقه يتجوز ويحب، ما وعدنيش بالحب ولا بالزواج، ما صدرش منه كلمة "بحبك".
أيوة صدر منه أفعال ومواقف وذكريات وتفاصيل،
بس يمكن كأخت ليه زي ما ماما قالت فعلًا.
ليه اتوهمت؟ وليه حطيت سيناريوهات وهمية؟
كان حبّ من طرف واحد!
بس كلامه المعلَّم ومراوغته، أفعاله...
دماغي هتنفجر، بس لأول مرة أصارح نفسي بالحقيقة اللي دايمًا بتهرّب منها.
ليه بطل يتواصل معايا؟ إزاي أربع سنين عدّوا من غير ما يكلمني؟
ليه اتجوز وليه طلق؟
طب هل أنا هرضى يكون ليه مكانة في قلبي بعد ما عرفت بخبر جوازه وطلاقه؟
دخلت ماما عندي وكانت بتقرب باستغراب مني:
_يعني ردك على أمير مش شايفة غريب شوية؟!
_نعم؟! غريب فين؟ كنتي عايزاني أرد وأقول إيه؟ آخده بالحضن مثلاً؟
_مش قصدي ده، قصدي لما عرفتي بخبر طلاقه، حسيت عندك لامبالاة بشكل واضح.
_ما طبيعي يا ماما، عايزاني أفرح يعني وابن عمي طلق مراته؟
_فكرت فعلاً هتفرحي، يعني كلامك معايا آخر مرة، تصريحك بحبك لأمير... كنتي مقهورة، مكنتش عارفة أساعدك إزاي، لأن وقتها كان متجوز. لكن دلوقتي خلاص هو حر، يعني يقدر...
قطعت كلامها بسرعة وبنفاذ صبر:
_ماما حبيبتي، خلاص، كان موضوع وعدّى. يعني لا فيه حب ولا فيه وجع وقهر زي ما متخيلة. أنا سافرت واتغير تفكيري بشكل كبير، عرفت إني واهمة نفسي. يعني أمير بالنسبالي ابن عم وبس، وده كله اللي في قلبي ليه؛ لا حب ولا كراهية، مجرد شعور عادي بحسّه لأي شخص غريب عني.
حسيتها انصدمت... لاء، ده أكيد تعبيراتها كانت مستحوذ عليها الذهول والصدمة.
_يعني مش عايزة تعرفي سبب الطلاق؟!
_ولا يهمني.
_حتى الجواز؟!
ضربات قلبي عليت. هو الجواز ليه أسباب؟ إيه سببه غير الحب؟!
بدأ الشك يروادني هو ممكن...؟! لكن تصنعت اللامبالاة من تاني، لأني مش ههدم اللي عملته، مش هضعف وأرجع لنقطة الصفر.
_زي ما قولتلك أول مرة... ولا يهمني.
إليكَ أُدَوِّنُ مداعمي:
لي عزيزٌ سكن فؤادي برجفةٍ عارمة،
وسُلبتُ من قاع خيبةٍ طالت مسكني.
وآمنتُ بنفائس روحي معكَ،
ولمحتُ الإنسَ بجواركَ.
لكن ما طالني سوى
معركةٍ في ساحةِ غدرٍ،
كان ناصرُها أنتَ،
وهزيمتُها أنا.
شهر كامل كان تركيزي على امتحاناتي بس،
وقت مُنهِك بشكل،
قضيت فيه حزني كله.
امتحانات وما أدراك بالفاينال ونهايته الحزينة.
في آخر يوم، قررت أكون لوحدي،
أعيش اللحظات مع نفسي من غير حد.
اخترت نفس المكان اللي دايمًا بنهار وبشكي فيه.
خدت معظم الحاجات اللي بحبها،
وأهمها عصير المانجا المفضل ليّ.
قعدت، وكان المكان فاضي،
لإن الكل مع أصحابه وحبايبه… إلا أنا.
بس للحق، الشعور يستاهل ألف نجمة،
لإني بحب الهدوء والجو المريح.
طلعت دفتري،
اللي شَهِد على ذكرياتي الحزينة.
كل صفحاته عبارة عن نصوص حزينة،
بس كان بيشيل الحِمل معايا.
وكتبت فيه نص حزين يوافق جرحي:
 لَجَأتُ إليكَ
من كلِّ منافي العُمر،
لِتُلائمَ ذاكَ الجُرح.
لكن… ما بي أرى؟
طَيفُكَ المسلوبُ بغرزةٍ،
فينغمرُ دَمُه في الأرجاء،
تاركًا خلفهُ وصلاً من نُدبة.
وتعودُ تلكَ الخيبةُ
مرّةً أُخرى…
أتأمّلُ ذاكَ الطيفَ الأليم،
فلا غيرُكَ يُداوي…
لكن…
أنتَ مَن طعَنتَني!
يا مَن هَوَيتُهُ،
كيفَ لكَ أن تَطعَن؟
وأنتَ الذي
أمِنتُهُ على نفائسي؟
أنا أصلًا شخص بيحب الحزن وبنغمر فيه، بحب جلد الذات والوجع.
ممكن أكون مريضة نفسية؟! ضحكت والله، فعلًا باين إني لازم أروح للدكتور بدل العتمة اللي جوايا.
بس هل يا ترى هبدأ من جديد، أعيش من تاني، أحب تاني؟!
هو بجد نسيته؟! أكيد لسه بحبه بس نسيته! حاسة إني ممكن أعيش من غيره عادي، بس نسيته… مش عارفة أفهم نفسي.
بجد ليه الصعب ده؟! أعيط؟ طب يمكن أرتاح… ويا ترى البُكا هيفيد؟! ما عيني باشت من البُكا.
كملت عياط عادي، فاكريني هنسى بسرعة ومش هبكي.
عيطت وكملت عياط بس مش عشان حب خالص، أو عشان أمير.
عيطت عشان حسيت إني وحيدة جدًا، بشكل يخليني أستوحش نفسي.
طلعت وحيدة، طلعت محرومة من حاجات كتير في حياتي.
وقفت حياتي على شخص واحد على أساس إني هكمل حياتي معاه.
بس دلوقتي هو اختفى، كشفلي قد إيه أنا شخص منبوذ لحاله.
بطلت أفتكر معاني كتير.
أنا محرومة من صديق يكمل معايا مشواري،
أب يحميني من بشاعة الدنيا،
وأخ يقف معايا في أصعب مواقفي.
بس ده كله كان فيه، كان موجود فيه،
وكان بيغرّمني بكل المشاعر اللي محرومة منها.
عوّدني عليه واختفى.
ادّاني طُعم للسعادة، واستندت عليه في حزن الدنيا.
جفّت دموعي وقمت، وكفاية على قلبي حزن.
مضى وقت ووصلت البيت، دخلت وأنا بفكّر هكمل هنا ولا أرجع أسافر تاني؟ أسيب كل حاجة حواليَّ وأهرب، ولا أخليني وأواجه؟
أفكار مزدحمة جوايا… عيني لمحتُه قاعد في الصالون، وماكنش لوحده، كان معاه أهله وماما.
اتوترت ودخلت.
_السلام عليكم.
ردّوا كلهم السلام، وعيني بتحاول تلمح سبب وجودهم، بس من هيئتهم لبسهم المرتب، الورد… حاجات تدلّ على شيء مش مبشّر نهائي. لكن قعدت بهدوء، وفضولي بيخليني أفهم هما جايين ليه.
_ليه اتأخرتِ يا حبيبتي؟
_عادي يا ماما، خلصت وخرجت شوية. أنا قولتلك امبارح.
_أيوة، بس ما توقعتش تتأخري كده، وكمان تليفونك مقفول.
_آسفة، هو فصل شحن والجو برّه كان لطيف فسرقني.
_سيبي البنت في حالها يا "نرمين". أخبارك إيه يا نور يا حبيبتي؟ وحشتينا الفترة دي. من وقت سفرك وكمان امتحاناتك ما بقيتيش تيجي عندنا. زعلانة مننا ولا إيه؟
_يا خبر يا مرات عمي، إزاي بس؟ حد يزعل من حبايبه؟ زي ما قولتي، كنت مسافرة وبعدها شهر الامتحانات، فماكنتش بلحق أعمل أي حاجة اعذريني.
_طبعًا يا حبيبتي، ربنا معاكي ويوفقك.
_خلينا في الموضوع الأساسي. بنتي يا نور، إحنا فاتحنا مامتك في الموضوع ده من شهر، بس "أمير" كان مقرر ما تعرفيش حاجة غير بعد ما تخلصي امتحانات. والحمد لله خلصتي.
توتر… خوف… كان هاين عليّ أصرخ وامشي. ببص حواليّ باستغراب، لكن من جوايا فهمت. ركّزت عليه… كان قاعد مسترخي، وكأنه عارف إيه اللي هيحصل، متوقّع وفاهم. لكن نظراته كانت مليانة حنية وحب… هي نفسها النظرات اللي كنت بشوفها زمان، وقت ما كان في حياة بينا. بس المرة دي فيها خوف وتردّد.
ساعتها قطع عمّي الصمت وقال:
_ يا نور، إحنا جايين النهارده مخصوص عشان نطلبك لابننا أمير. عايزينك تكوني مننا وفينا، عروسة في عيلتنا، وشريكة حياة لابننا.
قلبي اتقبض فجأة من صاعقة الكلام، 
وكأني مش مستوعبة ولسه نظراتي مليانة استغراب.
إحساس الفقد بدأ جوايا من جديد، حسّسني إني من غير قيمة، مجرد بنت معندهاش مشاعر.
مش فاهمة إيه نظرة الترقب اللي في عيونهم.
مفرحتش ولا لحظة، بالعكس الوجع استحوذ عليّا، وأثار الذكريات القديمة بدأت تحتلني.
بصيت له، وهنا كنت مسحت أي أثر لحبه من جوايا.
كنت فاكرة إن صعب الواحد يتخلى عن حبه حتى لو عدى العمر كله، بس في اللحظة دي كرهت نفسي،
لإني حبيت شخص شبه ده، وثقت فيه وأمانته عليّا.
كرهت نفسي أكتر من كرهي ليه.
مش فاهمة هما مستنيين مني إيه، متوقعين رد إزاي؟
هل فعلاً في دماغهم إني ممكن أوافق؟
هو فاكر إني هوافق وإني ما صدقت؟!
ده بجد؟
ممكن نقعد لوحدنا، قبل قرار نور؟! لازم تفهم الأول وبعدها تقرر.
_طبعًا يا حبيبي، إحنا هنخرج ونسيبكوا لوحدكم شوية.
المكان بقى خالي منهم إلا أنا وهو، وأنا مش قادرة أتكلم أو أحاول أفهم كل اللي بيحصل، بس ساكتة.
_نور، تعبت وأنا بحاول أتكلم معاكي، كنتي دايمًا بتهربي مني، حاولت كتير معاكي، بس كنتي بتفلتي مني دايمًا. بس المرة دي مفيش هروب، أنا وأنتِ هنواجه بعض. أنتِ تعاتبي، وأنا أشرحلك.
_مش عايزة. مفيش عتاب بينا عشان تشرحلي حاجة يا ابن عمي.
_حقك، وآسف. بس والله غصب عني، أو حتى لو كان بإرادتي أعمل كده، برضه غصب عني إني أوجعك. اسمعيني مرة واحدة… مرة.
_لأ، مش عايزة. أمير أنا بكرهك.
_مستحيل. أنتِ مستحيل تفكري فيا كده، أنا أمير يا نور.
_فاكرني هضعف دلوقتي وأقولك فعلًا أنتَ أمير؟ فعلًا أنتَ أمير، شخص لا يحق له يتكلم معايا، ولا يشرح أسباب تافهة لغيابه، ولا يبرر جوازه. ولا يحاول، لإني مش هرضى بيه. انتهيت خلاص، كنت مجرد حاجة بالنسبالي لفترة، وقت ما كان قلبي بينضحك عليه بكلام غبي، وقت ما كنت بصدق ذكريات كدابة بينا. دلوقتي كبرت، واهتماماتي اتغيرت، وأولوياتي اتغيرت حظ أوفر ليك.
_حقك والله، لو عايزة تقولي إيه حقك، بس يشهد ربنا إن كل الذكريات والتفاصيل كانت صدق وحقيقة. أنتِ نور الطفلة اللي كنت بعاملها وكأنها بنتي، كبرتي قدام عيني، إزاي هوجعك بمزاجي؟!
_تلت ساعة بالضبط وهخرج، عايزاك تجمعلي فيهم وجعي لأربع سنين، وضيف عليهم لما جيت. وده مش عشان سواد عيونك، عشان بس أعترف لنفسي إني الغلط إني استنيت شخص أناني زيك. أهم حاجة مصلحته وبعدها اللي حواليه. عشان أثبت لنفسي إن الكرة اللي جوايا يستاهل فعلًا ليك.
_مش هلوم على كلامك، بس عايز أقولك زي ما كنتي موجوعة طوال الأربع سنين، أنا كمان كنت موجوع أكتر منك، خصوصًا وأنا عارف إني السبب.
_لما سافرت عشان أحضر الدكتوراه، قررت أبعد عنك فترة من غير تواصل بينا. وده عشان معرفتش هل أنتِ بتحبيني ولا لأ، أنا بالنسبة لك أخ ولا لأ. لو كنا كملنا زي ما إحنا، مكنتش هعرف أجي أعترفلك بحبي. الكل عارف علاقتنا عاملة إزاي أخ وأخت. زمان وإحنا صغار الكل كان فاكرنا إخوات مدرستك، الجيران، الأهل، القرايب. أنا كنت فاهم وعارف إنك بنت عمي مش أختي. لكن أنتِ كنتِ صغيرة، طبيعي تكبري على إني أخوكي، تكبري على كلام اللي حواليكي. تعاملنا مع بعض كان كأخوات. أنا حبيتك، بس لأني بحبك كبنت وناوي في يوم أتجوزك. لكن أنتِ كنتي بتحبيني كأخ، وأب، ورفيق. إزاي كنت هكمل كده وأنا مش عارف علاقتنا هتوصل لإيه؟! فكرت أسافر، وهنا هنبعد عن بعض وساعتها نشوف مشاعرك ونتأكد منها.
رفضت كلامه ورفضت مبدؤه. يعني إيه يوجعني عشان أوهام في دماغه؟ تفكيره غلط. إزاي؟! بس افتكرت جوازه، وهل يا ترى سببه إيه؟ هيخترع حجج إيه المرة دي؟! سألت بحدة:
_ومراتك وجوازك؟! كان إيه يا دكتور؟! عشان تتأكد أكتر من مشاعري وتشوفني هتوجع إزاي لما تيجي وإنت في إيدك واحدة؟ تشوفني بغير وهتعامل كأخت ولا حبيبة؟! برافو والله! تمثيلية نخترعها ونجيب أهلنا يطبلوا معانا.
_أنا مش ساذج للدرجة دي يا نور، مش فاهم من إمتى وأنتِ بقيتي تقسي كده.
_الوقت والوجع كفيل يعلّم يا دكتور.
_نور اسمعيني، أنا اتجوزت مش عشان الهبل اللي قولتيه ده ولا فكرت فيه مرة. جوازي من مريم كان سبب تاني، مش يخصني ولا يخصك، كان يخصها هي. أنا اتجوزت مريم عشان كانت مسيحية.
يتبع... 
_لما سافرت، اتعرّفت عليها بالصدفة. وجودنا كان دايمًا مع بعض بحكم إننا بنحضر نفس المكان، وده خلاني أكتشف شخصيتها بالتدريج.
استغربت جدًا لما عرفت إنها مسيحية، لإن الصراحة مجاش في بالي أسألها عن حاجة زي دي. لكن بعد فترة صارحتني برغبتها تدخل الإسلام، رغم إنها كانت عارفة قد إيه أهلها هيقفوا ضد الفكرة.
هي مكنتش حابة تقاطعهم، ولا تعيش في صدام دائم معاهم. فطلبت مني أساعدها إننا نتجوّز، وبكده تقدر تغيّر ديانتها، وأهلها يسمحوا لها تنزل مصر بحرية. وساعتها، لما تستقر الأمور، نقدر ننفصل.
كان قرار صعب مليان خوف وتردّد، لكن في الآخر اتجوّزنا. غيّرت ديانتها، ونزلنا مصر فعلًا.
مقدّرتش أطلقها وقتها فورًا، لإن الظروف كانت معقدة، فاستنينا فترة وبعدين انفصلنا بهدوء. دلوقتي هي لسه عايشة هنا، شغلها هنا، وديانتها اتغيّرت.
أهلها بعد صراع طويل تقبّلوا الأمر، رغم إن البداية كانت مليانة رفض ومعاندة.
وفي النهاية… دي كانت قصتنا.
_عدّى نص ساعة وعشر دقايق زيادة. بس تعرف؟ مكنتش متخيّلة إني هيجي يوم وأقول كده. كنت فاكرة إني مش هقدر، بس للحقيقة دي أول مرة أرتاح وأنا بقول كده. لأول مرة أخد قرار يريحني. أنتَ مرفوض يا دكتور "أمير الحُسني". زي ما قولت، هتبعد عشان تشوف مشاعري. كنت قلقان وخايف، فجيت أثبتلك شكّك وخوفك وقلقك.
لو كنت نفس الشخص زمان، كنت هقولك بصدر رحب إنك أخ ليا، سند، رفيق. لكن دلوقتي إنتَ شخص غريب، زيك زي أي حد بشوفه غريب عني. يعني ببساطة، نحترم حدودنا فيما بعد. النقط هتتحط على الحروف، لولا إني أشك إن كان في نقط من الأول. لكن لا داعي. هقولك حاجة بسيطة عشان متفكّرش إني لسه الطفلة الهبلة بتاعة زمان.
وعيت على الدنيا وأنا كل اللي حواليّ ماما، وإنتَ، وأهلك. حياتي مرت بسنين كان محورها إنتَ. كنت عارفة إنك ابن عمي، ومع ذلك جوايا شعور تاني ليك. كبرت عليه، وكبرت على إنك معايا. مستأمنة حياتي معاك أسراري، حزني، سعادتي... كلها مفاتيحها كانت معاك. بس إنتَ اخترت تهرب عشان خايف تعيش حياتك ومستقبلك مع بنت فاكراك كل حاجة ليها أب، أخ، رفيق، سند، حبيب.
حسّيت بعبء المسؤولية عليك. أصل كفاية عليّا طوال السنين دي. قولت أكمل تاني في نفس السيناريو؟ فقولت تهرب عشان أقدر أعتمد على نفسي، وتقسى عليّ وعلى اللي حواليّا. وارجعلي تشوف قادرة تستند على نفسها ولا زي ما هي؟ هكون ليها زوج وحبيب ولا أخ وأب وسند ورفيق
دايمًا كنت بستغرب إزاي عدّوا أربع سنين وإنتَ متعرفش حاجة عني. بطّلت تسمع صوتي، ولا تتطمن عليّا. وماتقولش "كنت بطمن عليكي من أمي" لأن سيّان بالنسبالي. محدش يقدر يقسى على حبايبه. إزاي قسيت أربع سنين عشان تتأكد من أوهام؟!
لاء، وإيه! كان هناك، بيتعرف على غيري، وبيقضي معاها وقته، ويقول "يا حرام، كنتي محور كلامنا". للدرجة إنكم اتجوزتوا. محدش يا دكتور بيستغبى غيرك. أصل لو مكنش فيه تقارب بينكم وحب حتى لو بسيط، من طرف واحد، مكنتش ساعدتها. أصل لو اعتبرناها "مساعدة"، يعني على كده لو حد وقفني في الشارع وطلب مني حاجة، هوافق؟! أصل مش هقدر أفرض طلب؟!
بس عادي... أوجع غيري، وأظلمها، وأقسى عليها.
_مرفوض يا دكتور.
_نور، نور أنا عارف والله ومقدّر كلامك، بس فرصة، فرصة واحدة تفهمي الموضوع من تاني، وتوزني الأمور، متعمليش فينا كده.
_ولا ربع فرصة، مفيش قصة بينّا عشان أقولك انتهت، بس أنا وإنتَ مش لبعض. طريقنا غير، حياتنا وأسلوبنا غير. كانت فترة فيها تذبذب في مشاعرنا وانتهت. فهمنا ووعينا وعرفنا الصح من الغلط، أنا غلط وإنتَ غلط، وأهلنا غلط.
لو كنا بعدنا من زمان واحترمنا حدودنا وعلاقتنا واحترام كلام ربنا، يمكن كان النصيب غير. بس بنتعلّم يا دكتور. ادعي ربنا يغفرلنا، أنا بدأت أقرب من ربنا وبتمنّى يغفرلي. أصل الغلط غلط، مش هنبرّر. ادعي أكتر، ربنا بيسامح، غفور.
بس تفتكر لو اتظلمت في حياتك بسبب شخص، هتقدر تسامحه ولا... أنا كلامي خلص هنا، ويمكن دي تكون آخر مواجهة بينّا. أنا مش هقع في الغلط تاني، والعُمر مش بيقف على شخص. ممكن يقف سنة، اتنين، أربعة، عشرة، لكن بيكمل وينتسي.
حظ أوفر ليك يا حضرة الدكتور للمرة التالتة. وأه صح... مراتك باين عليها كانت بتحبك، بلاش تخسرها عشان بشاعة قلبك.
سبته وقومت بهدوء، خرجت برّه، وأنا لأول مرة أحس إني لوحدي بوجودهم.
مش فاهمة إزاي قسوا عليّا كده، كانوا شايفني إيه؟ هبلة وما هتصدق؟ حتى ماما، إزاي وافقت وإزاي قدرت تعمل كده!
_مش هتكلم كتير، بس مجرد كلام هيطلع من بنت كانت فاهمة إن اللي حواليها سندها، بس اكتشفت إنها لعبة في إيديهم، معندهاش مشاعر ولا عندها قيمة لنفسها.
نحرّكها يمين هتتحرك، نحرّكها شمال هتتحرك.
ألعبي يا نور مع أخوكي، حاضر.
كُلي مع أخوكي يا نور، حاضر.
تعالَ يا أمير ودي أختك المدرسة.
تعالَ يا أمير ذاكر لأختك.
يا أمير نور أختك، حاضر.
يا نور أمير أخوكي، حاضر.
ابن عمك هيسافر يا نور. إزاي هعيش من غيره؟ إزاي؟
عادي فترة وهيرجع، ده ابن عمك مش أخوكي، حاضر.
أمير عامل إيه يا مرات عمي؟
ابن عمك بخير يا نور.
أمير عامل إيه يا عمي؟
أخوكِ كويس يا نور.
أمير، يا ماما، مش بيكلمني ليه؟
مش بيكلمك عشان مشغول، مش فاضي، وبعدين ده ابن عمك مش لازم يفتكرك.
أمير راجع يا نور.
نور تفرح وتنطّط وتتبسط، تعمل الكيكة اللي بيحبها.
أربع سنين عدّوا من غير ما تعرف عنه حاجة، بس اتجاهلت زي الغبية وقالت مش مهم.
تستنى وتنتظر زي الغبية، ينزل... وينزل ومعاه بنت.
مين دي يا أمير؟
مراتي.
والله؟! لا والله.
مراته؟! كده عادي! ماشي.
عدّيناها خلاص.
يمكن أنا السبب.
المشكلة كانت عندي.
أنا اللي وهمت نفسي بسيناريوهات غبية.
غلطت وحبيت من طرف واحد.
وأنا الوحيدة اللي اتصنعت.
الكل عارف وفاهم إلا أنا.
أسافر وأرجع فين مراتك يا أمير؟
طلقتها.
والله! تمام، مش فارق معايا، مش مهتمة، خلاص طلعت أنا الغلط برضه.
إزاي أمير يطلق وأنا مفرحتش وتنطّطت زي ما كنتوا فاكرين؟
عادي... عادي... مش مهم.
نستنى تخلص امتحانات زي ما أمر الدكتور، وبعدها نيجي.
عشان إيه؟ عايزينك عروسة لابننا.
تكوني عروسة لبيتنا.
فعلاً عايزني عروسة؟ عروسة لعبة.
اتكلمت كتير صح؟ بس عادي.
المهم إني كنت عايزة ألفت انتباهكوا لحاجة...
عشان منعديش القصة تاني في أحفادكم 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
"لَأنْ يُطعنَ فِي رَأسِ أحدِكُم بمخيطٍ مِنْ حديدٍ خيرٌ لَه من أَن يمسَّ امرأةً لا تحِلُّ
له" 
وأنا وأنتم عارفين إن ابن العم مش مَحرَم...
إزاي سبتوني أكبر جنبه كده؟!
" أسيرُ متعثّرًا في الطرقات وحيدًا، كلما جافَتني فتراتُ خلوتي.
يبقى قلبي عالقًا عند تلك اللحظة؛ لحظةٌ تهاجمني كلما تنازلتُ عن حلمٍ كان يسبقني بمسافات.
ولكن هيهات.. فلستُ اليوم بذلك الضعف المعتاد،
بل ضعيفٌ يتكئ على خيبات أمله.
أُحاول، رغم أنها لا تأتي،
لكنها في كل مرة لا تحاول مثلي،
فتبقى محاولاتي مجرّد كلماتٍ تُكتب على ورقٍ لا يليق بأصحاب النصيب."
عام كامل أنهيت فيه كل الذكريات المحتومة بالفقد.
وقت طويل عدى في لوم وعتاب، لكن المحصلة كانت غير.
لقيت "نور"، البنت اللي كانت ضايعة في أحلام ميؤوس منها.
كبرت أكتر، نضجت، وبقى عندي مهام وأولويات مهمة تستاهل التعب.
الحياة اختلفت وأنا اختلفت.
_ماما، هنزل. ممكن أتأخر شوية، عايزة حاجة؟
_يعني لو قولتلك عايزة، هترضِي؟
فهمت مقصدها، بس حاولت اتجاهل:
_طبعًا، قولي محتاجة حاجة أجبها لك.
_توافقي على العريس، المرة دي مختلف والله. خلاص يا نور، انسي وحاولي تدي فرصة. الأشخاص بيختلفوا يا نور. لو تجربة فشلت يبقى مش معناها كل حاجة هتفشل بعد كده.
اتنهدت بملل. هي فاكرة إني لسه بفكر فيه، موقّفة حياتي عشانه.
مش فاهمة إمتى هيفهموا إن عادي.. الإنسان لما ياخد راحة بتكمل لسنين.
ولو عايزة أعيش حياة تانية مخالفة، وأبعد عن كل السلبيات، فين المشكلة أعمل كده حتى لو لسنين؟!
مضطرة أظهر غير كده عشان أثبتلهم.
وياترى هو فاكر كده؟ أكيد.
دي أمي فاكرة كده يبقى هو لأ.
_ماشي يا ماما، محتاجة حاجة تانية؟
_لأ يا نور عيني، تروحي وترجعي بالسلامة.
خرجت واتجهت لمكاني المعتاد،
لكن المرة دي كان شاهدًا على ذكرياتٍ أخرى، ذكريات محببة لقلبي، بدأت فيها أتغير تدريجيًا، أقوى، وأتحول لإنسان يُقدّر نفسه، ويفهم تفكيره.
جلست بهدوء، وفتحت دفتري لأطوي آخر صفحات الحزن.
عامٌ مضى، ولم يمضِ في قلبي…
عامًا،
اثنا عشرَ شهرًا،
ولم يمرّ كـ "كيلي"…
ظمئي باقٍ،
ولم أعد أرتوي كما كنت.
بِئسًا لذاكَ العبءِ الساكنِ في داخلي،
لِمَ لا أستشعرُ ما كان يؤنسني؟
لِمَ يُرتّلُ الزمنُ ذاته مرةً أخرى؟
وهل في كلّ وقتٍ
سيمرُّ ليُعيد ما انكسر؟
لقد هُدِمَ واقعي منذ عامٍ مضى،
حينَ جُرِّدتُ من حلمٍ
كان يملكني منذ الصغر،
كان يستشرفُ روحي بنوره،
وينيرُ عتمةً
أطفأها الزمان.
لكنه رحل،
واختفى،
مُحي،
كأنما قُتِلَ شيءٌ من إنسانيّتي.
كان لابد أن أختم آخر صفحاته بحزني الباقي،
عشان دايمًا أفتكر إنه شَهِد على ضعفي وحزني،
أفتكر كل مشاعري الحزينة.
سرحت في أكتر حقيقة كانت كوميدية بالنسبالي وأعتقد إنتو كمان، بعد آخر مواجهة بينا، اللوم اتكاثر عليّا
قد إيه إني أنانية، بقسى، ليه مش عايزة أسامح، ليه مش بدي فرص، ليه… والكثير من "ليه".
وقتها كنتُ مذهولة، مش فاهمة إزاي بقيت أنا الغلط؟!
إزاي طلعت أنا المذنبة؟
طلعت أنا الشريرة في الرواية.
والحقيقة المثيرة إنه رجع لمراته!
لإنها ببساطة طلعت حامل منه!
أه والله تخيلوا…
كان بيعترف لي بحبه، وإنه "بس كان بيساعد"،
إزاي أظلمه؟! إزاي أكون أنانية بالشكل ده؟!
أصل كان غصب عنه!
طلع فعلًا الإنسان المغصوب على الزواج "لأجل المساعدة" بيتمم زواجه بالغصب!
إزاي قدر يعمل كده؟
إزاي عاش معاها حياة وبعدها رماها عشان يرجع لي؟
إزاي كنت مخدوعة فيه؟
إزاي قدر يلعب بمشاعري؟
" وأنتَ المُلام، تُعاتب؟
قد ملأ عتابُك صدري،
ومزّق ما تبقّى من روحي.
ألم يكن ملاذُ فؤادي
بين كفوفِ راحتك؟
ألم يُهدهد هيامي
خُطاه نحوك؟
أم أن عثورك على غيري
هو ما أوحى بلوعتك الكاذبة؟
يا من لامَ ونسي،
أنه أولُ من منحَ الغدرَ عتابًا."
ـ ما تلبسي الفستان يا نور، الناس زمانهم على وصول. بطلي كسل يا بنتي.
ـ مش باخد كتير في اللبس يا ماما، متقلقيش.
قرّبت مني وهي متوترة، بتحاول تتكلم لكنها كانت مترددة.
ـ حبيبتي، قولي محتاجة إيه؟ ليه متوترة بالشكل ده؟
ـ مش متوترة يا نور، هو بس أنا عايزة أتكلم معاكي. أنا آسفة والله على كل اللي حصل. أنا عارفة إني غلطت غلط كبير، بس والله ما فكرتش أبدًا إن الحال هيوصل لكده. أنا غلطت… بس عايزاكي تسامحيني. أحلفلك إن كل تفكيري كان عشان متحسيش بالوحدة.
ـ مسامحة يا ماما من زمان. أنا كمان غلطت، وغلطي كان كبير. كلنا غلطنا، فكلنا ندعي لربنا يسامحنا. وبعدين… وجودك من زمان كفاية يا حبيبتي. مش هنكر إني أوقات بكون محتاجة بابا، بس إنتِ ما أثرتيش. كنت بلاقيكي دايمًا مكانه.
ـ حبيبتي، ربنا يباركلي فيكي يارب، وأشوفك أجمل عروسة النهاردة.
قمت عشان ألبس، وأنا جوايا راحة، شعور مختلف، وكأن كل حياتي "بيرفكت".
حاسّة إن الماضي اتنسى من دماغي، بطلت أفكّر، بطلت أحزن، بطلت أدي الأمور أكبر من حجمها.
شعور بالراحة يستاهل… ويستاهل كنت أحساه من زمان.
كل الأمور عدّت بسرعة وصولهم، طلوعي ليهم، حاجات كانت بتمشي بسرعة لدرجة إني اتوترت بزيادة. كنت فاكرة اليوم هيعدي بصعوبة وتِقْل، لكن كل حاجة كانت بتمشي بسلاسة.
لغاية ما فوقت من شرودي، وأنا والشخص الغريب قاعدين في الصالون لوحدنا.
خضة والله! بس لسه شعور الراحة كان غامرني، عكس شعوري في نفس السيناريو قبل كده.
ـ اسمي فريد! وأنتِ؟
ابتسمت بهدوء:
ـ يعني رايح تتقدم لبنت مش عارف اسمها بجد؟
ـ مين قال؟! أنا أعرف عنها كتير، بس بحاول أكسر التوتر والجو. عارف إن البنات في المناسبات دي بيكونوا خجولين زيادة.
ـ طبيعي، بيكون شعور ورهبة. غير إن معظمنا بيكون خجول، طبع فينا.
ـ أيوة فعلًا، أختي كده جدًا.
ـ أختك؟! مكنتش أعرف. أومال ليه مجتش معاك؟
ـ في الخطوبة بإذن الله.
ـ خطوبة؟! ليه واثق إني هقبل؟
ـ عادي، لو على إنك قلقانة وكده… فهتوافقي بإذن الله.
ـ ده اللي هو إزاي يعني؟! هتغصبني مثلًا؟!
ـ حد قالك إني قاتل هغصبك؟ هو أنا هغصبك فعلًا… بس بطريقة شيك.
ـ ده إزاي يا حضرة الأستاذ فريد؟
ـ والله يا آنسة نور، مع علبة الجاتوه جبتلك حاجة بتحبيها جدًا.
ـ اللي هي؟!
(قالها بغمزة)
ـ عصير مانجا.
ـ عصير!!
ـ أه، عارف إنك بتحبيه جدًا.
ـ عرفت إزاي؟!
(اتنهد ورد بجدية)
ـ كنت بشوفك لمدة سنة كاملة في الاستراحة اللي عند النيل. دايمًا كنتي بتتواجدي هناك. ولا مرة شوفتك من غيره، ولا مرة برضو شوفتك من غير عياط. دايمًا كنتي بتبكي، قليل جدًا لو شوفتك قاعدة من غير بُكا.
انصدمت… مكنتش متخيلة إني مترقّبة من حد، أو إنه عارفني كده. حسّيت بلخبطة، حيرة… بس كنت مرتاحة.
شعور محبّب كان بيحوم حواليّ، حسيت بدفء… وأمان.
ـ ها، قولتي إيه؟!
ـ قولت إيه في إيه؟
ـ جوازنا!
ـ جوازنا مرة واحدة! طب سبني أفكر. حتى لو فكرت، لسه فيه خطوبة قبل الجواز!
ـ أنا عارف عنك حاجات كتير، يعني إنتِ مراتي… مفيش مفر من ده. لكن إنتِ لو قعدت معايا ساعة، هتعرفي كل حاجة عني… وكمان هضيف عليها شخصيتي وأسلوبي. 
ـ هو سلق بيض؟!
ـ يا نور، يلا العصير هيبرد.
ـ فرصة سعيدة أستاذ فريد.
ـ وأنا أسعد آنسة نور.
نادى على كل البيت.
كلهم اتجمعوا وفجأة بدون مقدمات:
ـ إحنا هنقرى الفاتحة دلوقتي، وبكرة الخطوبة، وكمان أسبوع كتب الكتاب، وبعدها بشهر الفرح. اتفقنا على كده أنا ونور، ومش هنرضى بأقل من كده.
زغاريط، فرحة اتمَلَت وجوهم، الكل بيبارك لبعض وبيباركوا لينا.
وأنا في دهشة، حيرة، استغراب تام لكل اللي بيحصل.
لكن… كنت فرحانة.
الدهشة امتزجت بفرحة وسعادة داخلية.
لقيته بيقرب مني بحذر، بيطلع خاتم وبيمده لإيدي، وبيبوح بكل شوق:
كَثُرتُ المشاقَّ للوصولِ لوصالك،
ومعي خيباتٌ تهرولُ إليك بِمحبّة،
فكيف لعيني أن تُبصرَ فيك خيبةً؟
وكيفَ لبصري أن يَعتمَ من نورٍ،
كان يُشفيه برؤياك؟
تمت بحمدلله

خلصتي؟ الرواية الجاية أقوى وأحلى… تعالي وعيشيها معانا👇

تعليقات